88

تعريف المستدركات وبيان كم حال أحاديث  مستدرك الحاكم النيسابوري إذ كل الضعيف160.حديثا وقد احصاها الذهبي فقال 100 حديث وذكر ابن الجوزي في الضعفاء له 60 حديثا أُخر فيكون  كل الضعيف في كل المستدرك 160 حديثا من مجموع 8803=الباقي الصحيح =8743.فهذه قيمة رائعة لمستدرك الحاكم

روابط مصاحف م الكاب الاسلامي

روابط مصاحف م الكاب الاسلامي
 

السبت، 20 أغسطس 2022

مجلد3.و4.تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام. محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي.

 

3. : تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام.
تأليف: شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي.

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 620
(وقال كل صديق كنت آمله.......... لا ألهينك، إني عنك مشغول)

(خلوا طريق يديها لا أبا لكم.......... فكل ما قدر الرحمن مفعول)

(كل ابن أنثى وإن طالت سلامته.......... يوماً على آلة حدباء محمول)

(أنبئت أن رسول الله أوعدني.......... والعفو عند رسول الله مأمول)

(مهلاً رسول الذي أعطاك نافلة ال.......... قرآن، فيه مواعيظ وتفصيل)

(لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم.......... أذنب، ولو كثرت عني الأقاويل)

(لقد أقوم مقاماً لو يقوم به.......... أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل)

(لظل يرعد إلا أن يكون له.......... من الرسول بإذن الله تنويل)

(حتى وضعت يميني لا أنازعه.......... في كف ذي نقمات قيله القيل)

(لذاك أخوف عندي إذ أكلمه.......... وقيل إنك منسوب ومسئول)

(من ضيغم من ليوث الأسد مسكنه.......... من بطن عثر غيل دونه غيل)

(إن الرسول لنور يستضاء به.......... مهند من سيوف الله مسلول)

(في فتية من قريش قال قائلهم.......... ببطن مكة لما أسلموا: زولوا)

(زالوا، فما زال أنكاس ولا كشف.......... عند اللقاء، ولا ميل معازيل)

(شم العرانين أبطال لبوسهم.......... من نسج داود في الهيجا سرابيل)

(يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهم.......... ضرب إذا عرد السود التنابيل)

(لا يفرحون إذا نالت سيوفهم.......... قوماً، وليسوا مجازيعاً إذا نيلوا)

(2/620)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 621
(لا يقع الطعن إلا في نحورهم.......... ومالهم عن حياض الموت تهليل)
وفي سنة ثمان: توفيت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكبر بناته. وهي التي غسلتها أم عطية الأنصارية، وأعطاها النبي صلى الله عليه وسلم حقوه، وقال: أشعرنها إياه. فجعلته شعارها تحت كفنها. وقد ولدت زينب من أبي العاص بن الربيع بن عبد شمس، رضي الله عنه ابنتها أمامة التي كان) النبي صلى الله عليه وسلم يحملها في الصلاة. وفيها: عمل منبر النبي صلى الله عليه وسلم، فخطب عليه، وحن إليه الجذع الذي كان يخطب عليه. وفيها: ولد إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم. وفيها: وهبت سودة أم المؤمنين يومها لعائشة. وفيها: توفي مغفل بن عبد نهم بن عفيف المزني والد عبد الله وله صحبة.

(2/621)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 622
وفيها: مات ملك العرب بالشام الحارث بن أبي شمر الغساني، كافراً. وولي بعده جبلة بن الأيهم. فروى أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، عن ابن عائذ، عن الواقدي، عن عمر بن عثمان الجحشي، عن أبيه، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب إلى الحارث بن أبي شمر وهو بالغوطة، فسار من المدينة في ذي الحجة سنة ست. وقال: فأتيته فوجدته يهيء الإنزال لقيصر، وهو جاء من حمص إلى إيلياء إذ كشف الله عنه جنود فارس شكراً لله. فلما قرأ الكتاب رمى به وقال: ومن ينزع مني ملكي أنا سائر إليه بالناس. ثم عرض إلى الليل، وأمر بالخيل تنعل، وقال: أخبر صاحبك بما ترى. فصادف قيصر بإيلياء وعنده دحية الكلبي بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكتب قيصر إليه: أن لا تسير إليه، واله عنه، وواف إيلياء. قال شجاع: فقدمت، وأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: باد ملكه. ويقال: حج بالناس عتاب بن أسيد أمير مكة. وقيل: حج الناس أوزاعاً. حكاهما الواقدي. والله أعلم.

(2/622)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 623
1 (أحداث السنة التاسعة)

(سرية الضحاك إلي القرطاء)
قيل: في ربيع الأول بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً إلى القرطاء، عليهم الضحاك بن سفيان الكلابي، ومعه الأصيد بن سلمة بن قرط. فلقوهم بالزج، زج لاوة. فدعوهم إلى الإسلام، فأبوا. فقاتلوهم فهزموهم. فلحق الأصيد أباه سلمة، فدعاه إلى الإسلام وأعطاه الأمان، فسبه وسب دينه. فعرقب الأصيد عرقوبي فرسه. ثم جاء رجل من المسلمين فقتل سلمة. ولم يقتله ابنه.
(سرية علقمة بن مجزز المدلجي)
وفي ربيع الآخر، قيل إن رسول الله بلغه أن ناساً من الحبشة

(2/623)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 624
تراءاهم أهل جدة. فبعث النبي صلى الله عليه وسلم علقمة بن مجزز المدلجي في ثلاثمائة، فانتهى إلى جزيرة في البحر، فهربوا منه.
(سرية علي بن أبي طالب إلى الفلس)
وفي ربيع الآخر سرية على بن أبي طالب إلى الفلس صنم طيء ليهدمه. في خمسين ومائة رجل من الأنصار، على مائة بعير وخمسين فرساً، ومعه راية سوداء، ولواء أبيض. فشنوا الغارة على محلة آل حاتم مع الفجر، فهدموا الفلس وخربوه، وملأوا أيديهم من السبي والنعم والشاء. وفي السبي أخت عدي بن حاتم. وهرب عدي إلى الشام.
(سرية عكاشة إلى أرض عذرة)
وفي هذه الأيام كانت سرية عكاشة بن محصن إلى أرض عذرة. ذكر هذه السرايا شيخنا الدمياطي في مختصر السيرة. وأظنه أخذه من كلام الواقدي. وفي رجب: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل مسيره إلى تبوك على أصحمة

(2/624)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 625
النجاشي، رضي الله عنه صاحب الحبشة. وأصحمة بالعربي: عطية. وكان قد آمن بالله ورسوله. قول النبي صلى الله عليه وسلم: قد مات أخ لكم بالحبشة. فخرج بهم إلى المصلى، وصفهم، وصلى عليه. قال ابن إسحاق: حدثني يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة، قالت: لما مات النجاشي كان يتحدث أنه لا يزال يرى على قبره نور.) ويكتب هنا الخبر الذي في السيرة قبل إسلام عمر.

(2/625)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 626

(2/626)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 627
(غزوة تبوك)
قال ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما كان يخرج في غزوة إلا أظهر أنه يريد غيرها، إلا غزوة تبوك فإنه قال: أيها الناس، إني أريد الروم. فأعلمهم. وذلك في شدة الحر وجدب من البلاد. وحين طابت الثمار والناس يحبون المقام في ثمارهم. فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في جهازه، إذ قال للجد بن قيس: يا جد، هل لك في بنات بني الأصفر فقال: يا رسول الله، لقد علم قومي أنه ليس أحد أشد عجباً بالنساء مني. وإني أخاف إن رأيت نساء بني الأصفر أن يفتني، فائذن لي يا رسول الله. فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: قد أذنت لك. فنزلت ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في

(2/627)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 628
الفتنة سقطوا قال: وقال رجل من المنافقين: لا تنفروا في الحر. فنزلت: قل نار جهنم أشد حراً. ولم ينفق أحد أعظم من نفقة عثمان، وحمل على مائة بعير. روى عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس، في غزوة تبوك قال: أمر النبي المسلمين بالصدقة والنفقة في سبيل الله، فأنفقوا احتساباً. وأنفق رجال غير محتسبين. وحمل رجال من فقراء المسلمين، وبقي أناس. وأفضل ما تصدق به يومئذ أحد عبد الرحمن بن عوف تصدق بمائتي أوقية، وتصدق عمر بمائة أوقية، وتصدق عاصم الأنصاري بتسعين وسقاً من تمر. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن: هل تركت لأهلك شيئاً قال: نعم، أكثر مما أنفقت وأطيب. قال: كم قال: ما ود الله ورسوله من الرزق والخير. قال عمرو بن مرزوق، ثنا السكن بن أبي كريمة، عن الوليد بن أبي هشام، عن فرقد أبي طلحة، عن عبد الرحمن بن خباب، قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحث على جيش العسرة، قال: فقام عثمان رضي الله عنه فقال: يا رسول الله، علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله. فقال: ثم حث

(2/628)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 629
ثانية فقام عثمان فقال: يا رسول الله، علي مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله. ثم حض، أو قال: حث، الثالثة، فقام عثمان فقال: يا رسول الله، علي ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله. قال عبد الرحمن أنا شهدت رسول الله صلى) الله عليه وسلم وهو يقول على المنبر: ما على عثمان ما عمل بعد اليوم. أو قال: بعدها. رواه أبو داود الطيالسي وغيره، عن السكن بن المغيرة. وقال ضمرة، عن ابن شوذب، عن عبد الله بن القاسم، عن كثير مولى عبد الرحمن بن سمرة، عن مولاه، قال: جاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار حين جهز جيش العسرة، ففرغها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل يقبلها ويقول: ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم. قالها مراراً. وقال بريد، عن أبي بردية، عن أبي موسى، قال: أرسلني أصحابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله لهم الحملان، إذ هم معه في جيش العسرة وهي غزوة تبوك. وذكر الحديث. متفق عليه. وقال ابن إسحاق: ثم إن رجالاً أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم البكاءون،

(2/629)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 630
وهم سبعة من الأنصار: سالم بن عمير، وعلبة بن زيد، وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب، وعمرو بن الحمام بن الجموح، وعبد الله بن المغفل وبعضهم يقول: عبد الله بن عمرو المزني وهرم بن عبد الله، والعرباض ابن سارية الفزاري. استحملوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا أهل حاجة، فقال: لا أجد ما أحملكم عليه. تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون. فبلغني أن يامين بن عمرو، لقي أبا ليلى وعبد الله بن مغفل وهم يبكيان فقال: ما يبكيكما فقالا: جئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحملنا، فلم نجد عنده ما يحملنا، وليس عندنا ما نتقوى به على الخروج. فأعطاهما ناضحاً له فارتحلاه وزودهما شيئاً من لبن. وأما علبة بن زيد فخرج من الليل فصلى من ليلته ما شاء الله، ثم بكى وقال: اللهم إنك قد أمرت بالجهاد ورغبت فيه، ثم لم تجعل عندي ما أتقوى به، ولم تجعل في يد رسولك ما يحملني عليه، وإني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني بها في مال أو جسد أو عرض. ثم أصبح مع الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين المتصدق هذه الليلة فلم يقم أحد. ثم قال: أين المتصدق فليقم. فقام إليه فأخبره. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشر، فوالذي نفس محمد بيده لقد كتبت في الزكاة المتقبلة.

(2/630)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 631
وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم فاعتذروا فلم يعذرهم الله. فذكر أنهم نفر من بني) غفار. قال: وقد كان نفر من المسلمين أبطأت بهم النية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى تخلفوا عن غير شك ولا ارتياب، منهم كعب بن مالك أخو بني سلمة، ومرارة بن الربيع أحد بني عمرو بن عوف، وهلال بن أمية أخو بني واقف، وأبو خيثمة أخو بني سالم بن عوف. وكانوا رهط صدق. ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخميس، واستخلف على المدينة محمد ابن مسلمة الأنصاري. فلما خرج ضرب عسكره على ثنية الوداع، ومعه زياد على ثلاثين ألفاً من الناس. وضرب عبد الله بن أبي بن سلول عسكره على ذي حدة أسفل منه، وما كان فيما يزعمون بأقل العسكرين. فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم، تخلف عنه ابن سلول فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب. وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب على أهله، وأمره بالإقامة فيهم، فارجف به المنافقون وقالوا: ما خلفه إلا استثقالاً له وتخففاً منه. فلما قال ذلك المنافقون، أخذ علي سلاحه ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو نازل بالجرف، فقال: يا رسول الله، زعم المنافقون أنك إنما خلفتني تستثقلني وتخفف مني. قال: كذبوا، ولكن خلفتك لما تركت ورائي، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي. فرجع إلى المدينة.

(2/631)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 632
وأخرجاه في الصحيحين من حديث الحكم بن عيينة، عن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك. فقال: يا رسول الله، أتخلفني في النساء والصبيان قال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي. ورواه عامر، وإبراهيم، ابنا سعد بن أبي وقاص، عن أبيهما. قال ابن إسحاق: حدثني بريدة بن سفيان، عن محمد بن كعب القرظي، عن عبد الله بن مسعود، قال: لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، جعل لا يزال يتخلف الرجل فيقولون: يا رسول الله، تخلف فلان. فيقول: دعوه، إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه. حتى قيل: يا رسول الله، تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره، فقال: دعوه، إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه. فتلوم أبو ذر بغيره فلما) بطأ عليه أخذ متاعه فجعله على ظهره، ثم خرج يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشياً. ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض منازله، ونظر ناظر من المسلمين فقال: يا رسول الله، إن هذا الرجل يمشي على الطريق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن أبا ذر. فلما تأمله القوم قالوا: هو والله أبو ذر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يرحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده. فضرب الدهر من ضربه، وسير أبو ذر إلى الربذة، فلما حضره الموت أوصى امرأته وغلامه: إذا مات فاغسلاني وكفناني وضعاني

(2/632)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 633
على قارعة الطريق، فأول ركب يمرون بكم فقولوا: هذا أبو ذر. فلما مات فعلوا به ذلك. فاطلع ركب، فما علموا به حتى كادت ركائبهم توطأ سريره، فإذا ابن مسعود في رهط من أهل الكوفة. فقال: ما هذا فقيل: جنازة أبي ذر. فاستهل ابن مسعود يبكي، فقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: يرحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده. فنزل، فوليه بنفسه حتى أجنه. وقال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر، أن أبا خيثمة، أحد بني سالم، رجع بعد مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم أياماً إلى أهله في يوم حار، فوجد امرأتين له في حائط قد رشت كل واحدة منهما عريشها، وبردت له فيه ماء، وهيأت له فيه طعاماً. فلما دخل قام على باب العريشين فقال: رسول الله في الضح والريح والحر، وأنا في ظل بارد وماء بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء، في مال مقيم ما هذا بالنصف. ثم قال: لا، والله، لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فهيئا لي زاداً. ففعلتا. ثم قدم ناضحه فارتحله. ثم خرج في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أدركه بتبوك حين نزلها. وقد كان أدركه عمير بن وهب في الطريق فترافقا، حتى إذا دنوا من تبوك، قال أبو خيثمة لعمير: إن لي ذنباً، تخلف عني حتى آتي رسول الله. ففعل. فسار حتى دنا من رسول الله. فقال رسول الله: كن أبا خيثمة. فقالوا: هو والله أبا خيثمة، فأقبل وسلم، فقال له: أولى لك أبا خيثمة. ثم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، فقال له خيراً.

(2/633)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 634
وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة. وقاله موسى بن عقبة. فذكر نحواً من سياق ابن إسحاق. وقال معمر، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، قال: في قوله تعالى: اتبعوه في ساعة العسرة،) قال: خرجوا في غزوة تبوك، الرجلان والثلاثة على بعير، وخرجوا في حر شديد، فأصابهم يوماً عطش حتى جعلوا ينحرون إبلهم ليعصروا أكراشها ويشربوا ماءها. وقال مالك بن مغول، عن طلحة بن مصرف، عن أبي صالح، عن أبي هريرة: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير، فنفدت أزواد القوم، حتى هم أحدهم بنحر بعض حمائلهم. الحديث. رواه مسلم. وقال الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أو عن أبي سعيد شك الأعمش قال: لما كان يوم غزوة تبوك أصاب الناس مجاع، فقالوا: يا رسول الله، لو أذنت لنا فننحر نواضحنا، فأكلنا وادهنا. فقال: أفعل. فجاء عمر فقال: يا رسول الله، إن فعلت قل الظهر، ولكن ادع بفضل أزوادهم، وادع الله لهم فيها بالبركة. فقال: نعم. فدعا بنطع فبسطه، ثم دعا بفضل أزوداهم. فجعل الرجل يأتي بكف ذرة، ويجيء الآخر بكف تمر، ويجيء الآخر بكسرة، حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة، ثم قال لهم: خذوا في أوعيتكم. فأخذوا حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملأوه، وأكلوا حتى شبعوا، وفضلت فضلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله لا يلقى الله بها عبد غير شاك،

(2/634)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 635
فيحجب عن الجنة. أخرجه مسلم. وقال عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن عتبة بن أبي عتبة، عن نافع بن جبير، عن ابن عباس، أنه قيل لعمر رضي الله عنه: حدثنا من شأن العسرة. فقال: خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد، فنزلنا منزلاً أصابنا فيه عطش، حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتى إن كان الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده. فقال أبو بكر: يا رسول الله، إن الله قد عودك في الدعاء خيراً فادع الله لنا. قال: أتحب ذلك قال: نعم. فرفع يديه، فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأطلت ثم سكبت، فملأوا ما معهم. ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر. حديث حسن قوي. وقال مالك، وغيره، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين، إلا أن تكونوا باكين، فلا تدخلوا عليهم، لا يصيبكم مثل ما أصابهم يعني أصحاب الحجر. وقال سليمان بن بلال، أنا عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: لما نزل رسول الله صلى الله) عليه وسلم الحجر، أمرهم أن لا يشربوا من بئرها، ولا يستقوا منها. فقالوا: قد عجنا منها واستقينا. فأمرهم أن يطرحوا ذلك.

(2/635)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 636
العجين ويريقوا ذلك الماء. أخرجهما البخاري. ولمسلم مثل الأول منهما. وقال عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن عبد الله: أن الناس نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر، فاستقوا من آبارها وعجنوا به. فأمرهم أن يهريقوا الماء، ويعلفوا الإبل العجين، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت الناقة تردها. أخرجه مسلم. وقال مالك، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، أن معاذ بن جبل أخبره أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء. قال: فأخر الصلاة يوماً، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً، ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً. ثم قال: إنكم ستأتون غداً إن شاء الله عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحي النهار، فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئاً حتى آتي. قال: فجئناها وقد سبق إليها رجلان، والعين مثل الشراك تبض بشيء من ماء. فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل مسستما من مائها شيئاً قالا: نعم. فسبهما، وقال لهما ما شاء الله أن يقول. ثم عرفوا من العين قليلاً قليلاً، حتى اجتمع في شن ثم غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وجهه، ثم أعاده فيها. فجرت العين

(2/636)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 637
بماء كثير، فاستقى الناس. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك يا معاذ، أن طالت بك حياة، أن ترى ما هاهنا قد مليء جناناً. أخرجه مسلم. وقال سليمان بن بلال، عن عمرو بن يحيى، عن عباس بن سهل، عن أبي حميد، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فأتينا وادي القرى، على حديقة لامرأة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اخرصوها. فخرصناها وخرصها رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أوسق. وقال: أحصيها حتى نرجع إليك إن شاء الله. فانطلقنا حتى قدمنا تبوك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ستهب عليكم الليلة ريح شديدة، فلا يقم فيها أحد منكم، فمن كان له بعير فليشد عقاله. فهبت ريح شديدة، فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبلي طيء. وجاء ابن العلماء صاحب أيلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب، وأهدى له بغلة بيضاء. فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهدى له برداً. ثم أقبلنا حتى قدمنا وادي) القرى، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة عن حديقتها كم بلغ ثمرها، فقال: بلغ عشرة أوسق. فقال: إني مسرع فمن شاء منكم فليسرع. فخرجنا حتى أشرفنا على المدينة. فقال: هذه طابة، وهذا أحد، وهو جبل يحبنا ونحبه. أخرجه مسلم أطول منه وللبخاري نحوه. وقال ابن إسحاق: حدثني عبد لله بن أبي بكر، عن عباس بن سهل: أن رسول لله صلى الله عليه وسلم حين مر بالحجر استقوا من بئرها. فلما

(2/637)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 638
راحوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تشربوا من مائها، ولا توضأوا منه، وما كان من عجين عجنتموه منه فاعلفوه الإبل، ولا يخرجن أحد منكم الليلة إلا ومعه صاحب له. ففعل الناس ما أمرهم، إلا رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما لحاجته والآخر لطلب بعير له. فأما الذي ذهب لحاجته فإنه خنق على مذهبه، وأما الآخر فاحتملته الريح حتى طرحته بجبل طيء. فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألم أنهكم ثم دعا للذي أصيب على مذهبه فشفي. وأما الآخر فإنه وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم من تبوك. وهذا مرسل منكر. وقال ابن وهب: أخبرني معاوية عن سعيد بن غزوان، عن أبيه: أنه نزل بتبوك وهو حاج، فإذا رجل مقعد، فسألته عن أمره، فقال: سأحدثك حديثاً فلا تحدث به ما سمعت أني حي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل بتبوك إلى نخلة، فقال: هذه قبلتنا. ثم صلى إليها. فأقبلت، وأنا غلام، أسعى حتى مررت بينه وبينها، فقال: قطع صلاتنا، قطع الله أثره. قال: فما قمت عليها إلى يومي هذا. وقال سعيد بن عبد العزيز، عن مولى ليزيد بن نمران، عن يزيد بن نمران، قال: رأيت مقعداً بتبوك. فقال: مررت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا على حمار وهو يصلي. فقال: اللهم اقطع أثره. فما مشيت عليهما بعد. أخرجهما أبو داود. وقال يزيد بن هارون، أنا العلاء أبو محمد الثقفي، سمعت أنس بن مالك، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك، فطلعت الشمس بضياء وشعاع

(2/638)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 639
ونور لم أرها طلعت فيما مضى. فأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا جبريل، مالي أرى الشمس اليوم بضياء ونور شعاع لم أرها طلعت فيما مضى فقال: ذاك أن معاوية بن معاوية الليثي مات بالمدينة اليوم، فبعث الله إليه سبعين ألف ملك يصلون عليه. قال: وفيم ذاك قال: كان يكثر قراء قل هو الله أحد، بالليل والنهار، وفي ممشاه وقيامه وقعوده، فهل لك يا رسول الله أن) أقبض لك الأرض فتصلي عليه قال: نعم قال: فصلى عليه، ثم رجع. العلاء منكر الحديث واه ورواه الحسن الزعفراني، عن يزيد. وقال يونس بن محمد، ثنا صدقة بن أبي سهل، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، أن معاوية بن معاوية المزني توفي والنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فأتاه جبريل فقال: هل لك في جنازة معاوية المزني قال: نعم. فقال: هكذا ففرج له الجبال والآكام. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي ومعه جبريل في سبعين ألف ملك، فصلى عليه. فقال: يا جبريل، بم بلغ فقال: بكثرة قراءة قل هو الله أحد، كان يقرؤها قائماً وقاعداً وراكباً وماشياً. مرسل. وقال ابن جوصا، وعلي بن سعيد الرازي، وأبو الدحداح أحمد بن محمد واللفظ له ثنا نوح بن عمرو بن حوي السكسكي، ثنا بقية، ثنا محمد

(2/639)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 640
ابن زياد الآلهاني، عن أبي أمامة، قال: نزل جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم هو بتبوك فقال: أحضر جنازة معاوية بن معاوية المزني. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهبط جبريل في سبعين ألفاً من الملائكة عليهم السلام، فوضع جناحه على الجبال فتواضعت حتى نظروا إلى مكة والمدينة. فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبريل والملائكة. فلما قضى صلاته قال: يا جبريل، بم أدرك معاوية بن معاوية هذه المنزلة من الله عز وجل قال: بقراءة قل هو الله أحد قائماً وقاعداً وراكباً وماشياً. قلت: ما علمت في نوح جرحاً، ولكن الحديث منكر جداً، ما أعلم أحداً تابعه عليه أصلاً عن بقية. وقد أورد ابن حبان حديث العلاء وقال: حديث منكر لا يتابع عليه. قال: ولا أحفظ في الصحابة من يقال له معاوية بن معاوية. وقد سرق هذا الحديث شيخ من أهل الشام، ورواه عن بقية، عن محمد بن زياد، عن أبي أمامة الباهلي. وقال عثمان بن الهيثم المؤذن، ثنا محبوب بن هلال، عن عطاء بن أبي ميمونة، عن أنس، قال: جاء جبريل فقال: يا محمد، مات معاوية بن معاوية المزني، أفتحب أن تصلي عليه قال: نعم. فضرب بجناحه فلم يبق من شجرة ولا أكمة إلا تضعضعت له. فصلى عليه وخلفه صفان من الملائكة، في كل صف سبعون ألف ملك. قلت: يا جبريل، بم نال، هذا قال: بحبه قل هو الله أحد يقرؤها قائماً وقاعداً وذاهباً وجائياً، وعلى كل حال. محبوب مجهول، لا يتابع على هذا.

(2/640)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 641
قال البكائي: قال ابن إسحق: فلما أصبح الناس، يعني من يوم الحجر، ولا ماء معهم، دعا) رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل الله سحابة، فأمطرت حتى ارتوى الناس. فحدثني عاصم، قال: قلت لمحمود بن لبيد: هل كان الناس يعرفون النفاق فيهم قال: نعم والله، لقد أخبرني رجال من قومي، عن رجل من المنافقين لما كان من أمر الحجر ما كان ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دعا فأرسل الله السحابة، فأمطرت. قالوا: أقبلنا عليه نقول: ويحك، هل بعد هذا شيء قال: سحابة سائرة. قال ابن إسحاق: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار، فضلت ناقته، فخرج أصحابه في طلبها. وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه يقال له عمارة بن حزم، وكان عقبياً بدرياً. وكان في رحله زيد بن اللصيت القينقاعي وكان منافقً. فقال زيد، وهو في رحل عمارة: أليس يزعم محمد أنه نبي، ويخبركم عن خبر السماء، وهو لا يدري أين ناقته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمارة عنده: إن رجلاً قال كذا وكذا. وإني والله ما أعلم إلا ما علمني الله. وقد دلني الله عليها، وهي في هذا الوادي في شعب كذا، وقد حبستها شجرة بزمامها. فذهبوا فجاؤوا بها. فذهب عمارة إلى رحله فقال: والله عجب من شيء حدثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفاً، عن مقالة قائل أخبره الله عنه بكذا وكذا، فقال رجل ممن كان في رحل عمارة، ولم يحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم: زيد، والله، قال هذه المقالة قبل أن يأتي. فأقبل عمارة على زيد يجأ في عنقه، ويقول: أي عباد الله، إن في رحلي لداهية وما أشعر. أخرج أي عدو الله من رحلي.

(2/641)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 642
فزعم بعضهم أن زيداً تاب بعد ذلك. قال ابن إسحاق: وقد كان رهط، منهم وديعة بن ثابت، ومخشن بن حمير يشيرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو منطلق إلى تبوك، فقال بعضهم لبعض: أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضاً والله لكأنا بكم غداً مقرنين في الحبال إرجافاً وترهيباً للمؤمنين. فقال مخشن بن حمير: والله لوددت أني أقاضي على أن يضرب كل منا مائة جلدة، وأنا ننفلت أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما بلغني، لعمار بن ياسر: أدرك القوم، فإنهم قد اخترقوا، فسلهم عما قالوا، فإن أنكروا فقل: بلى، قلتم كذا وكذا. فما نطلق إليهم عمار، فقال ذلك لهم. فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون. فقال وديعة بن ثابت: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونعلب. فنزلت: ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب، قل أبالله وآياته) ورسوله كنتم تستهزئون. فقال مخشن بن حمير: يا رسول الله، قعد بي اسمي واسم أبي. فكان الذي عفي عنه في هذه الآية مخشن يعني إن نعف عن طائفة منك. فتسمى عبد الرحمن، فسأل الله أن يقتله شهيداً لا يعلم بمكانه. فقتل يوم اليمامة ولم يوجد له أثر.

(2/642)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 643
ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، أتاه يحنة بن روبة صاحب أيلة، فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه الجزية، وأتاه أهل جرباء وأذرح فأعطوه الجزية. وكبت لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً، فهو عندهم.
(فائدة)
قال ابن إسحاق: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل أيلة بردة مع كتابه، فاشتراها منهم أبو العباس عبد الله بن محمد يعني السفاح بثلاثمائة دينار. وقال موسى بن عقبة، قال ابن شهاب: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوته تلك تبوكاً ولم يتجاوزها. وأقام بضع عشرة ليلة يعني بتبوك. وقال يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن جابر، قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة. أخرجه أبو داود. وإسناده صحيح.

(2/643)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 644

(2/644)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 645
(بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة)
وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر، ويزيد بن رومان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد الملك رجل من كندة، وكان ملكاً على دومة وكان نصرانياً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد: إنك ستجده يصيد البقر. فخرج خالد حتى إذا كان من حصنه منظر العين في ليلة مقمرة صافية، وهو على سطح ومعه امرأته، فأتت البقر تحك بقرونها باب القصر. فقالت له امرأته: هل رأيت مثل هذا قط قال: لا والله. قالت: فمن يترك مثل هذا قال: لا أحد. فنزل فأمر بفرسه فأسرج، وركب معه نفر من أهل بيته، فيهم أخوه حسان. فتلقتهم خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذته وقتلوا أخاه. وقدموا به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحقن دمه وصالحه على الجزية، وأطلقه.

(2/645)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 646
(فائدة)
قال عبيد الله بن إياد بن لقيط، عن أبيه، عن قيس بن النعمان السكوني قال: خرجت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع بها أكيدر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بلغنا أن) خيلك انطلقت فخفت على أرضي، فاكتب لي كتاباً فإني مقر بالذي علي. فكتب له. فأخرج قباء من ديباج مما كان كسرى يكسوهم، فقال: يا محمد أقبل عني هذا هدية. قال: ارجع بقبائك فإنه ليس يلبس هذا أحد إلا حرمه في الآخرة. فشق عليه أن رده. قال: فادفعه إلى عمر. فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أحدث في أمر فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى وضع يده، أو ثوبه، على فيه ثم قال: ما بعثت به إليك لتلبسه، ولكن تبيه وتستعين بثمنه. وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: ولما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلاً إلى المدينة، بعث خالداً في أربعمائة وعشرين فارساً إلى أكيدر دومة الجندل، فلما عهد إليه عهده، قال خالد: يا رسول الله، كيف بدومة الجندل وفيها أكيدر، وإنما نأتيها في عصابة من المسلمين فقال: لعل الله يكفيكه. فسار خالد، حتى إذا دنا من دومة نزل في أدبارها. فبينما هو وأصحابه في منزلهم ليلاً، إذ أقبلت البقر حتى جعلت تحتك بباب الحصن، وأكيدر يشرب ويتغنى بين امرأتيه. فاطلعت إحداهما فرأت البقر فقالت: لم أر كالليلة في اللحم. فثار وركب فرسه، وركب غلمته وأهله، فطلبها. حتى مر بخالد وأصحابه فأخذوه ومن معه فأوثقوهم. ثم قال خالد لأكيدر: أرأيت إن أجرتك تفتح لي دومة قال: نعم. فانطلق حتى دنا منها، فثار أهلها وأرادوا أن يفتحوا له، فأبى عليهم أخوه. فلما رأى ذلك قال لخالد: أيها الرجل،

(2/646)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 647
حلني، فلك الله لأفتحنها لك، إن أخي لا يفتحها ما علم أني في وثاقك. فأطلقه خالد. فلما دخل أوثق أخاه وفتحها لخالد، ثم قال: اصنع ما شئت حكمتني. فقال خالد: بل نقبل منك ما أعطيت. فأعطاهم ثمانمائة من السبي وألف بعير وأربعمائة درع وأربعمائة رمح. وأقبل خالد بأكيدر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل معه يحنة بن روية عظيم أيلة. فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشفق أن يبعث إليه كما بعث إلى أكيدر. فاجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاضاهما على قضيته على دومة وعلى تبوك وعلى أيلة وعلى تيماء، وكتب لهم كتاباً. ورجع قافلاً إلى المدينة. ثم ذكر عروة قصة في شأن جماعة من المنافقين هموا بأذية رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلعه الله على كيدهم. وذكر بناء مسجد الضرار. وقال ابن إسحاق، عن ثقة من بني عمرو بن عوف: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل) من تبوك حين نزل بذي أوان بينه وبين المدينة ساعة من نهار. وكان أصحاب مسجد الضرار قد أتوه، وهو يتجهز إلى تبوك، فقالوا: قد بنينا مسجداً لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة، وإنا نحب أن تأتي فتصلي لنا فيه. فقال: إني على جناح سفر، فلو رجعنا إن شاء الله أتيناكم. فلما نزل

(2/647)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 648
رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي أوان، أتاه خبر السماء، فدعا مالك بن الدخشم ومعن ابن عدي فقال: انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وأحرقاه. فخرجا سريعين حتى دخلاه وفيه أهله فحرقاه وهدماه وتفرقوا عنه. ونزل فيه من القرآن ما نزل. وقال أبو الأصبغ عبد العزيز بن يحيى الحراني: ثنا محمد بن سلمة، عن ابن إسحاق، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن حذيفة، قال: كنت آخذاً بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقود به، وعمار يسوقه أو قال عمار يقوده وأنا أسوقه حتى ذا كنا بالعقبة، فإذا أنا باثني عشر راكباً قد اعترضوه فيها، فأنبهت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصرخ بهم فولوا مدبرين. فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل عرفتم القوم قلنا: لا، قد كانوا ملثمين. قال: هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة، أرادوا أن يزحموني في العقبة لأقع. قلنا: يا رسول الله، أولا تبعث إلى عشائرهم حتى يبعث إليك كل قوم برأس صاحبهم قال: لا، أكره أن يتحدث العرب أن محمداً قاتل بقوم حتى إذا أظهره الله بهم أقبل علهم فقتلهم. ثم قال: اللهم ارمهم بالدبيلة. قلنا: يا رسول الله، وما الدبيلة قال: شهاب من نار يقع على نياط قلب أحدها فيهلك. وقال قتادة، عن أبي نضرة، عن قيس بن عباد، في حديث ذكره عن

(2/648)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 649
عمار بن ياسر، أن حذيفة حدثه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: في أصحابي اثنا عشر منافقاً، فمنهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط. أخرجه مسلم. وقال عبد الله بن صالح المصري، ثنا معاوية بن صالح، عن علي ابن أبي طلحة، عن ابن عباس: والذين اتخذوا مسجداً ضراراً، قال: أناس بنوا مسجداً فقال لهم أبو عامر: ابنوا مسجدكم واستمدوا ما استطعتم من قوة ومن سلاح، فإني ذاهب إلى قيصر فآت بجند من الروم، فأخرج محمداً وأصحابه. فلما فرغوا من مسجدهم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: نحب أن تصلي فيه. فنزلت لا تقم فيه أبداً. الآيات. وقال ابن عيينة، عن الزهري، عن السائب بن يزيد، قال: أذكر أنا، حين قدم رسول الله صلى) الله عليه وسلم من غزوة تبوك، خرجنا مع الصبيان نتلقاه إلى ثنية الوداع. أخرجه البخاري. وقال غير واحد، عن حميد، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك ودنا من المدينة قال: إن بالمدينة لأقواماً ما سرتم من مسير ولا قطعتم من واد، إلا كانوا معكم فيه. قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة قال: نعم، حبسهم العذر. أخرجه البخاري.

(2/649)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 650

(2/650)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 651
(أمر الذين خلفوا)
قال شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، أخبرني سعيد بن المسيب: أن بني قريظة كانوا حلفاء، لأبي لبابة. فاطلعوا إليه، وهو يدعوهم إلى حكم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا لبابة، أتأمرنا أن ننزل فأشار بيده إلى حلقه أنه الذبح. فأخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال له: لم ترعبني فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحسبت أن الله غفل عن يدك حين تشير إليهم بها إلى حلقك فلبث حيناً ورسول الله صلى الله عليه وسلم عاتب عليه. ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوكاً، فتخلف عنه أبو لبابة فيمن تخلف. فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه أبو لبابة يسلم عليه، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ففزع أبو لبابة، فارتبط بسارية التوبة، التي عند باب أم سلمة، سبعاً بين يوم وليلة، في حر شديد، لا يأكل فيهن ولا يشرب قطرة. وقال: لا يزال هذا مكاني حتى أفارق الدنيا أو يتوب الله علي. فلم يزل كذلك حتى يسمع الصوت من الجهد. ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه بكرة وعشية. ثم تاب الله عليه فنودي: إن الله قد تاب عليك. فأرسل إليه ليطلق عنه رباطه، فأبى أن يطلقه عنه أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجاءه فأطلق عنه بيده. فقال أبو

(2/651)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 652
لبابة حين أفاق: يا رسول الله، إني أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب، وأنتقل إليك فأساكنك، وإني أنخلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله. فقال: يجزيء عنك الثلث. فهجر دار قومه وتصدق بثلث ماله، ثم تاب فلم ير منه بعد ذلك في الإسلام إلا خير، حتى فارق الدنيا. مرسل. وقال ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: اعترفوا بذنوبهم قال: هو أبو لبابة، إذ قال لقريظة ما قال، وأشار إلى حلقه بأن محمداً يذبحكم إن نزلتم على حكمه. وزعم محمد بن إسحاق أن ارتباطه كان حينئذ. ولعه ارتبط مرتين. وقال عبد الله بن صالح: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:) وآخرون اعترفوا بذنوبهم قال: كانوا عشرة رهط تخلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك. فلما حضر رجوع رسول لله صلى الله عليه وسلم أوثق سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد، وكان ممر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم. فلما رآهم قال: من هؤلاء قالوا: هذا أبو لبابة وأصحاب له تخلفوا عنك يا رسول الله حتى تطلقهم وتعذرهم. قال: وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم، حتى يكون الله هو لذي يطلقهم، رغبوا عني وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين. فلما بلغهم ذلك قالوا: ونحن لا نطلق أنفسنا حتى يكون الله هو الذي يطلقنا. فأنزلت وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم عسى من الله واجب. فلما نزلت، أرسل إليهم فأطلقهم وعذرهم. ونزلت إذ بذلوا أموالهم: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها. وروى نحوه عطية العوفي، عن ابن عباس.

(2/652)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 653
وقال عقيل، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، أن أباه قال: سمعت كعباً يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك. قال كعب: لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط، إلا في غزوة تبوك. غير أني تخلفت عن غزوة بدر، ولم يعاتب الله أحداً تخلف عنها، إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش، حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد. ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر: يعني أذكر في الناس منها. كان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، أني لم أكن قط أقوى ولا ايسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة. ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها. حتى كانت تلك الغزوة غزاها في حر شديد واستقبل سفراً بعيداً ومفازاً وعدواً كثيراً: فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم، وأخبرهم بوجهه الذي كان يريد. والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير لا يجمعهم كتاب حافظ يريد الديوان. قال كعب: فما رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أنه سيخفى له ما لم ينزل فيه وحيز وغزا رسول لله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال، فأنا إليها أصعر. فتجهز والمسلمون معه.)

(2/653)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 654
وطفقت أغدو لكي أتجهز معهم ولم أقض شيئاً. وأقول في نفسي: أنا قادر على ذلك إذا أردته. فلم يزل يتمادى بي الأمر حتى استمر بالناس الجد. فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، ولم أقض من جهازي شيئاً. فقلت: أتجهز بعده يوماً أو يومين ثم ألحقهم. فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز فرجعت ولم أقض شيئاً، ثم غدوت ثم رجعت ولم أقض شيئاً. فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو وهممت أن أرتحل فأدركهم، وليتني فعلت، فلم يقدر لي ذلك. فكنت إذا خرجت في الناس أحزنني أني لا أرى رجلاً مغموصاً من النفاق أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء. فلم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك، قال وهو جالس في القوم: ما فعل كعب بن مالك فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله، حبسه برداه والنظر في عطفيه. فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيراً. فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلاً من تبوك، حضرني همي فطفقت أتذكر الكذب وأقول: بماذا أخرج من سخطه غداً وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي. فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادماً زاح عني الباطل، وعرفت أني لا أخرج منه أبداً بشيء فيه كذب، فأجمعت صدقه. وأصبح قادماً، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم جلس للناس. فلما فعل ذلك جاء المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلاً. فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم، وبايعهم، واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله. فجئته فلما سلمت عليه

(2/654)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 655
تبسم تبسم المغضب ثم قال: تعال فجئت أمشي حتى جلست بين يديه. فقال: ما خلفك ألم تكن ابتعت ظهرك فقلت: بلى، يا رسول الله، إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلاً. ولكن والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديثاً كاذباً ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخط علي، ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه، إني لأرجو عفو الله. والله ما كان لي من عذر، ووالله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما هذا فقد صدق، قم حتى يقضي الله فيك. فقمت، وثار رجال من بني سلمة فقالوا: لا والله ما علمناك كنت أذنبت ذنباً قبل هذا، أعجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المخلفون، قد كان كافيك لذنبك) استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك. فوالله ما زالوا يونبونني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي. ثم قلت: هل لقي هذا معي أحد قالوا: نعم، رجلان قلا مثل ما قلت. وقيل لهما مثل ما قيل لك. فقلت: من هما فقالوا: مرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أمية الواقفي. فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدراً، فيهما أسوة فمضيت حين ذكروهما لي. ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه. واجتنبنا الناس وتغيروا لنا، حتى تنكرت في نفسي الأرض فما هي التي أعرف. فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيتهما. وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم، فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف في الأسواق، فلا يكلمني أحد. وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو

(2/655)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 656
في مجلسه بعد الصلاة فأسلم عليه فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا ثم أصلي فأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي، فإذا التفت نحوه أعرض عني. حتى إذا طال علي ذلك من جفوة المسلمين تسورت جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إلي فسلمت عليه، فوالله ما رد. فقلت: يا أبا قتادة، أنشدك الله هل تعلم أني أحب الله ورسول قال فسكت، فعدت له فسكت، فناشدته الثالثة فقال: الله ورسوله أعلم. ففاضت عيناي. وتوليت حتى تسورت الجدار. قال: فبينا أنا أمشي بسوق المدينة، إذا نبطي من أنباط الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدل على كعب بن مالك فطفق الناس يشيرون له إلي. حتى إذا جاءني دفع إلي كتاباً من ملك غسان وكنت كاتباً فإذا فيه: أما بعد، فقد بلغني أن صاحبك قد جفاك. ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة. فالحق بنا نواسك. فقلت: وهذا أيضاً من البلاء. فتيممت به التنور فسجرته به. حتى إذا مضى لنا أربعون ليلة من الخميس إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن رسول يأمرك أن تعتزل امرأتك. فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل بها فقال: لا، بل اعتزلها فلا تقربنها. وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك. فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله هذا الأمر. قال كعب: فجاءت امرأة هلال رسول الله فقال: إن هلالاً شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه فقال: لا، ولكن لا يقربنك. قالت: إنه والله ما به حركة إلى شيء، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومي هذا. فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله في) امرأتك فقلت: لا والله، وما يدريني ما يقول لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إن استأذنته فيها، وأنا

(2/656)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 657
رجل شاب فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كملت لنا خمسون ليلة. فلما أن صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة، وأنا على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله منا قد ضاقت علي نفسي، وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع: يا كعب بن مالك، أبشر. فخررت ساجداً، وعرفت أن قد جاء الفرج. وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله عليه، حين صلى صلاة الفجر. فذهب الناس يبشروننا، وذهب قبل صاحبي مبشرون. وركض رجل إلي فرساً، وسعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل، وكان الصوت أسرع إلي من الفرس. فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني، نزعت ثوبي وكسوتهما إياه ببشراه، والله ما أملك غيرهما يومئذ. واستعرت ثوبين فلبستهما، وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فتلقاني الناس فوجاً فوجاً يهنئوني بالتوبة يقولون: ليهنك توبة الله عليك. حتى دخلت المسجد، فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني، والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره، ولا أنساها لطلحة. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبرق وجهه بالسرور: أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك. قلت: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله قال: لا، بل من عند الله. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بشر ببشارة يبرق وجهه كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه. فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله: إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى الرسول. قال: أمسك بعض مالك فهو خير لك. فقت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر. وقلت: يا رسول الله، إن الله إنما نجاني بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقاً ما بقيت. فوالله ما أعلم أحداً من المسلمين ابتلاه الله تعلى في صدق الحديث أحسن مما ابتلاني، ما تعمدت مذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم كذباً، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي. وأنزل الله تعالى على رسوله: لقد تاب الله على

(2/657)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 658
النبي والمهاجرين والأنصار إلى قوله: اتقوا الله وكونا مع الصادقين. فوالله ما أنعم الله علي من نعمة، بعد أن هداني للإسلام، أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ، أن لا أكون كذبته، فأهلك كما هلك الذين كذبوه، فإن الله تعالى قال للذين كذبوه، حين نزل الوحي، شر ما قال لأحد فقال: سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فاعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم) جزاء بما كانوا يكسبون. يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين. قال كعب: وكنا خلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خلفوا له، وأرجأ أمرنا حتى قضى الله فيه. فبذلك قال تعالى: وعلى الثلاثة الذين خلفوا، وليس الذي ذكر الله تخلفنا عن الغزو، وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن تخلف واعتذر، فقبل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم. متفق عليه.

(2/658)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 659
(موت عبد الله بن أبي)
قال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني الزهري، عن عروة، عن أسامة بن زيد، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن أبي يعوده في مرضه الذي مات فيه، فلما عرف فيه الموت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما والله إن كنت لأنهاك عن حب يهود. فقال: قد أبغضهم أسعد بن زرارة، فمه وقال الواقدي: مرض عبد الله بن أبي بن سلول في أواخر شوال، ومات في ذي القعدة. وكان مرضه عشرين ليلة. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده فيها. فلما كان اليوم الذي مات فيه. دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجود بنفسه فقال: قد نهيتك عن حب يهود. فقال: قد أبغضهم أسعد فما نفعه ثم قال: يا رسول الله، ليس هذا بحين عتاب. وهو الموت، فإن مت فاحضر غسلي، وأعطني قميصك أكفن فيه، وصل علي واستغفر لي.

(2/659)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 660
هذا حديث معضل واه، لو أسنده الواقدي لما نفع، فكيف وهو بلا إسناد وقال ابن عيينة، عن عمرو، عن جابر قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر عبد الله بن أبي بعدما أدخل حفرته فأمر به فأخرج، فوضع على ركبتيه، أو فخذيه، فنفث عليه من ريقه وألبسه قميصه. والله أعلم. متفق عليه. وقال أبو أسامة، وغيره: حدثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: لما توفي عبد الله بن أبي، أتى ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصه ليكفنه فيه، فأعطاه. ثم سأله أن يصلي عليه فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عليه، فقام عمر فأخذ ثوبه فقال: يا رسول الله، أتصلي عليه وقد نهاك الله عنه قال: إن ربي خيرني، فقال: استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم،) وسأزيد على السبعين. فقال إنه منافق. قال: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله. متفق عليه. وفيها: قتل عروة بن مسعود الثقفي، وكان سيداً شريفاً من عقلاء

(2/660)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 661
العرب ودهاتهم، ودعا قومه إلى الإسلام فقتلوه. فيروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثله مثل صاحب ياسين، دعا قومه إلى الله فقتلوه. وفيها: توفيت السيدة أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، زوجة عثمان رضي الله عنهما. وفيها: توفي عبد الله ذو البجادين رضي الله عنه، ودفن بتبوك، وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وأثنى عليه ونزل في حفرته، وأسنده في لحده. وقال: اللهم إني أمسيت عنه راضياً، فارض عنه. وقال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن إبراهيم التيمي، قال: كان عبد الله ذو البجادين من مزينة. وكان يتيماً في حجر عمه، وكان يحسن إليه. فلما بلغه أنه قد أسلم قال: لئن فعلت لأنزعن منك جميع ما أعطيتك. قال: فإني مسلم. فنزع كل شيء أعطاه، حتى جرده ثوبه. فأتى أمه، فقطعت بجاداً لها باثنين، فأئتزر نصفاً وارتدى نصفاً. ولزم باب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان يرفع صوته بالقرآن والذكر. وتوفي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. وفيها: قدم وفد ثقيف من الطائف، فأسلموا بعد تبوك، وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً.

(2/661)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 662
وفيها: مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك، مات سهيل بن بيضاء، أخو سهل بن بيضاء، وهي أمهما، واسمها دعد بنت جحدم. وأما أبوه فوهب بن ربيعة الفهري. ولسهيل صحبة ورواية حديث، وهو حديث يحيى بن أيوب المصري، عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن سعيد بن الصلت، عن سهيل بن بيضاء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من مات يشهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة. وليحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن إبراهيم، نحوه. وأما الدرا وردي فقال: عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن سعيد ابن الصلت، عن عبد الله بن أنيس. وهذا متصل عن سهيل. إذ سعيد بن الصلت تابعي كبير لا يمكنه أن يسمع من) سهيل. ولو سمع منه لسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، ولكان صحابياً. لكن المرسل أشهر. وكان سهيل بن بيضاء من السابقين الأولين، شهد بدراً وغيرها. وكذلك أخوه سهل، وقد توفي أيضاً في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. وقال عبد الوهاب بن عطاء، أنبأ حميد، عن أنس، قال: كان أبو عبيدة، وأبي بن كعب، وسهيل بن بيضاء، عند أبي طلحة، وأنا أسقيهم، حتى كاد الشراب أن يأخذ فيهم. ثم ذكر تحريم الخمر بطوله. وقال ابن أبي فديك، عن الضحاك بن عثمان، عن أبي النضر، عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت: لما توفي سعد: أدخلوه المسجد حتى أصلي عليه، فأنكر ذلك عليها، فقالت: والله لقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابني بيضاء في المسجد سهيل وسهل.

(2/662)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 663
وقال فيه غير الضحاك: ما أسرع ما نسوا لقد صلى على سهيل بن بيضاء في المسجد. وفيها: توفي زيد بن سعنة بالياء وبالنون، وبالنون أشهر وهو أحد الأحبار الذين أسلموا. وكان كثير العلم والمال. وخبر إسلامه رواه الوليد بن مسلم، عن محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام، عن أبيه، عن جده عبد الله، قال: لما أراد الله هدي زيد بن سعنة، قال: ما من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد حين نظرت إليه، إلا شيئين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله ولا يزيده شدة الجهل إلا حلماً. وذكر الحديث بطوله. وهو في الطوالات للطبراني. وآخره: فقال زيد: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله. وآمن به وتابعه، وشهد معه مشاهد. وتوفي في غزوة تبوك مقبلاً غير مدبراً. والحديث غريب، من الأفراد. قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: وفيها قتلت فارس ملكهم شهرا برز بن شيرويه، وملكوا عليهم بوران بنت كسرى. وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة.

(2/663)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 664
وفيها: توفي عبد الله بن سعد بن سفيان الأنصاري، من بني سالم بن عوف. كنيته أبو سعد. شهد أحداً والمشاهد. وتوفي منصرف النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك. فيقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كفنه في قميصه. وفيها: في هذه المدة: توفي زيد بن مهلهل بن زيد أبو مكنف الطائي، فارس طيء. وهو أحد المؤلفة قلوبهم. أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم مائة من الإبل، وكتب له بإقطاع. وكان يدعى) زيد الخيل، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير. ثم إنه رجع إلى قومه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن ينج زيد من حمى المدينة. فلما انتهى إلى نجد أصابته الحمى ومات. وفيها: حج بالناس أبو بكر الصديق بعثه النبي صلى الله عليه وسلم على الموسم في أواخر ذي القعدة ليقيم للمسلمين حجهم. فنزلت براءة إثر خروجه. وفي أولها نقض ما بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين من العهد الذي كانوا عليه. قال ابن إسحاق: فخرج علي، رضي الله عنه، ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء، حتى أدرك أبا بكر بالطريق. فلما رآه أبو بكر قال: أمير أو مأمور قال: لا، بل مأمور. ثم مضيا. فأقام أبو بكر للناس حجهم، حتى إذا كان يوم النحر، قام علي عند الجمرة فأذن في الناس بالذي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أيها الناس، إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، ولا يحج بعد

(2/664)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 665
العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. وكمن كان له عهد عند سول الله صلى الله عليه وسلم فهو له إلى مدته. وأجل الناس أربعة أشهر من يوم أذن فيهم، ليرجع كل قوم إلى مآمنهم من بلادهم. ثم لا عهد لمشرك. وقال عقيل، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة قال: بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى أن لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان. قال حميد بن عبد الرحمن: ثم أردف النبي صلى الله عليه وسلم بعلي بن أبي طالب فأمره أن يؤذن ببراءة. قال: فأذن فعنا علي في أهل مني يوم النحر ببراءة، أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان. أخرجه البخاري. وأخرجاه من حديث يونس، عن الزهري. وقال سفيان بن حسين، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر وأتبعه علياً. فذكر الحديث. وفيه: فكان علي نادي بها، فإذا بح قام أبو هريرة فنادى بها. وقال أبو إسحاق السبيعي، عن زيد بن يثيع، قال: سألنا علياً رضي الله عنه: بأي شيء بعث في ذي الحجة قال: بعثت بأربع: لا يدخل الجنة

(2/665)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 666
إلا نفس مؤمنة، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يجتمع مؤمن وكافر في المسجد الحرام بعد عامه هذا، ومن كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد، فعهده إلى مدته، ومن لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهر.)

(2/666)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 667
(ذكر قدوم وفود العرب)

(قدوم عروة بن مسعود الثقفي)
قال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير، قال: فلما صدر أبو بكر وعلي، رضي الله عنهما، وأقاما للناس الحج، قدم عروة بن مسعود الثقفي على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلماً. وكذا قال موسى بن عقبة. وأما ابن إسحاق فذكر أن قدوم عروة بن مسعود كان في إثر رحيل النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل الطائف وعن مكة، وأنه لقيه قبل أن يصل إلى المدينة فأسلم، وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنهم قاتلوك. ثم بعد أشهر، قدم:
(وفد ثقيف)
وقال حاتم بن إسماعيل، عن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، عن عبد الكريم، عن علقمة بن سفيان بن عبد الله الثقفي، عن أبيه، قال: كنا في

(2/667)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 668
الوفد الذين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فضرب لنا قبتين عند دار المغيرة ابن شعبة. قال: وكان بلال يأتينا بفطرنا فنقول: أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: نعم، ما جئتكم حتى أفطر، فيضع يده فيأكل ونأكل. وقال حماد بن سلمة، عن حميد عن الحسن، عن عثمان بن أبي العاص الثقفي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلهم في قبة في المسجد، ليكون أرق لقلوبهم. واشترطوا عليه حين أسلموا أن لا يحشروا ولا يعشروا ولا يجبوا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا خير في دين ليس فيه ركوع، ولكم أن لا تحشروا ولا تعشروا. وقال أبو داود في السنن: حدثنا الحسن بن الصباح، نا إسماعيل بن عبد الكريم، حدثني إبراهيم، عن أبيه، عن وهب، قال: سألت جابراً عن شأن ثقيف إذ بايعت قال: اشترطت على النبي صلى الله عليه وسلم أن لا صدقة عليها ولا جهاد، وأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يقول: سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا. وقال موسى بن عقبة، وعن عروة بمعناه، قال: فأسلم عروة بن مسعود، واستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرجع إلى قومه. فقال: إني أخاف أن يقتلوك قال: لو وجدني نائماً ما) أيقظوني. فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم. فرجع إلى الطائف، وقدم الطائف عشياً فجاءته ثقيف فحيوه، ودعاهم إلى الإسلام.

(2/668)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 669
ونصح لهم، فاتهموه وعصوه، وأسمعوه من الأذى ما لم يكن يخشاهم عليه. فخرجوا من عنده، حتى إذا أسحر وطلع الفجر، قال على غرفة له في داره فأذن بالصلاة وتشهد، فرماه رجل من ثقيف بسهم فقتله. فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين بلغه قتله: مثل عروة مثل صاحب ياسين، دعا قومه إلى الله فقتلوه. وأقبل بعد قتله من وفد ثقيف بضعة عشر رجلاً هم أشراف ثقيف، فيهم كنانة بن عبد ياليل وهو رأسهم يومئذ، وفيهم عثمان بن أبي العاص بن بشر، وهو أصغرهم. حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يريدون الصلح، حين رأوا أن قد فتحت مكة وأسلمت عامة العرب. فقال المغيرة بن شعبة: يا رسول الله، أنزل على قومي فأكرمهم، فإني حديث الجرم فيهم. فقال: لا أمنعك أن تكرم قومك، ولكن منزلك حيث يسمعون القرآن. وكان من جرم المغيرة في قومه أنه كان أجيراً لثقيف، وأنهم أقبلوا من مصر، حتى إذا كانوا ببصاق، عدا عليهم وهم نيام فقتلهم، ثم أقبل بأموالهم حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، خمس مالي هذا. فقال: وما نبأه فأخبره، فقال: إنا لسنا نغدر. وأبى أن يخمسه. وأنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد ثقيف في المسجد، وبنى لهم خياماً لكي يسمعوا القرآن ويروا الناس إذا صلوا. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب لم يذكر نفسه. فلما سمعه وفد ثقيف قالوا: يأمرنا أن نشهد أنه رسول الله، ولا يشهد به في خطبته. فلما بلغه ذلك قال: فإني أول من شهد أني رسول الله.

(2/669)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 670
وكانوا يغدون على رسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم، ويخلفون عثمان بن أبي العاص على رحالهم. فكان عثمان، كلما رجعوا وقالوا بالهاجرة، عمد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن الدين واستقرأه القرآن حتى فقه في الدين وعلم. وكان إذا وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم نائماً عمد إلى أبي بكر. وكان يكتم ذلك من أصحابه. فأعجب ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعجب منه وأحبه. فمكث الوفد يختلفون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعوهم إلى الإسلام، فأسلموا.) فقال كنانة بن عبد ياليل: هل أنت مقاضينا حتى نرجع إلى قومنا فقال: نعم، إن أنتم أقررتم بالإسلام قاضيتكم، وإلا فلا قضية ولا صلح بيني وبينكم. قالوا: فالربا قال: لكم رؤوس أموالكم. قالوا: فالخمر قال: حرام. وتلا عليهم الآيات في تحريم هذه الأشياء. فارتفع القوم وخلا بعضهم ببعض، فقالوا: ويحكم، إنا نخاف إن خالفناه يوماً كيوم مكة. انطلقوا نكاتبه على ما سألنا. فأتوه فقالوا: نعم، كل ما سألت. أرأيت الربة ماذا نصنع فيها قال: اهدموها. قالوا: هيهات، لو تعلم الربة أنك تريد هدمها قتلت أهلها. فقال عمر: ويحك يا بن عبد ياليل، ما أحمقك، إنما الربة حجر. قالوا: إنا لم نأتك يا بن الخطاب. وقالوا: يا رسول الله، تول أنت هدمها، فأما نحن فإنا لن نهدمها أبداً. قال: فسأبعث إليكم من يهدمها. فكاتبوه وقالوا: يا رسول الله، أمر علينا رجلاً يؤمنا. فأمر عليهم عثمان لما رأى من حرصه على الإسلام. وكان قد تعلم سوراً من القرآن. وقال ابن عبد ياليل: أنا أعلم الناس بثقيف. فاكتموهم الإسلام وخوفوهم الحرب، وأخبروا أن محمداً سألنا أموراً أبيناها.

(2/670)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 671
قال: فخرجت ثقيف يتلقون الوفد. فلما رأوهم قد ساروا العنق، وقطروا الإبل، وتغشوا ثيابهم، كهيئة القوم قد حزنوا وكربوا ولم يرجعوا بخير. فلما رأت ثقيف ما في وجوههم قالوا: ما وفدكم بخير ولا رجعوا به. فدخل الوفد فعمدوا اللات فنزلوا عندها. واللات بيت بين ظهري الطائف يستر ويهدى له الهدي، كما يهدى للكعبة. فقال ناس من ثقيف حين نزل الوفد إليها: إنه لا عهد لهم برؤيتها. ثم رجع كل واحد إلى أهله، وجاء كل رجل منهم خاصته فسألوهم فقالوا: أتينا رجلاً فظاً غليظاً يأخذ من أمره ما يشاء، قد ظهر بالسيف وأداخ العرب ودانت له الناس. فعرض علينا أموراً شداداً: هدم اللات وترك الأموال في الربا إلا في رؤوس أموالكم، وحرم الخمر والزنا، فقالت ثقيف: والله لا نقبل هذا أبداً. فقال الوفد: أصحلوا السلام وتهيأوا للقتال ورموا حصنكم. فمكثت ثقيف بذلك يومين أو ثلاثة يريدون القتال. ثم ألقى الله في قلوبهم الرعب، فقالوا: والله ما لنا به طاقة، وقد أداخ العرب كلها، فارجعوا إليه فأعطه ما سأل. فلما رأى ذلك الوفد أنهم قد رعبوا قالوا: فإنا قد قاضيناه وفعلنا ووجدناه أتقى الناس وأرحمهم وأصدقهم. قالوا: لم كتمتمونا وغممتمونا أشد الغم قالوا: أردنا أن ينزع الله من قلوبكم نخوة الشيطان. فأسلموا مكانهم.) ثم قدم عليهم رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد أمر عليهم خالد بن الوليد، وفيهم المغيرة. فلما قدموا عمدوا اللات ليهدموها، واستكفت ثقيف كلها، حتى خرج العواتق، لا ترى عامة ثقيف أنها مهدومة. فقام المغيرة فأخذ الكرزين وقال لأصحابه: والله لأضحكنكم منهم. فضرب بالكرزين، ثم

(2/671)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 672
سقط يركض. فارتج أهل الطائف بصيحة واحدة، وقالوا: أبعد الله المغيرة، قد قتلته الربة. وفرحوا، وقالوا: من شاء منكم فليقترب وليجتهد على هدمها، فوالله لا يستطاع أبداً. فوثب المغيرة بن شعبة فقال: قبحكم الله إنما هي لكاع حجارة ومدر، فأقبلوا عافية الله واعبدوه. ثم ضرب الباب فكسره، ثم علا على سورها، وعلا الرجال معه، فهدموها. وجعل صاحب المفتح يقول: ليغضبن الأساس، فليخسفن بهم. فقال المغيرة لخالد: دعني أحفر أساسها فحفره حتى أخرجوا ترابها، وانتزعوا حليتها، وأخذوا ثيابها. فبهتت ثقيف، فقالت عجوز منهم: أسلمها الرضاع وتركوا المصاع. وأقبل الوفد حتى أتوا النبي صلى الله عليه وسلم بحليتها وكسوتها، فقسمه. وقال ابن إسحاق: أقامت ثقيف، بعد قتل عروة بن مسعود، أشهراً. ثم ذكر قدومهم على النبي صلى الله عليه وسلم، وإسلامهم. وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا سفيان بن حرب والمغيرة يهدمان الطاغية. وقال سعيد بن السائب، عن محمد بن عبد الله بن عياض، عن عثمان ابن أبي العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يجعل مسجد الطائف حيث كانت طاغيتهم. رواه أبو همام محمد بن محبب الدلال، عن سعيد.

(2/672)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 673
ولما فرغ ابن إسحاق من شأن ثقيف، ذكر بعد ذلك حجة أبي بكر الصديق بالناس.

(2/673)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 674

(2/674)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 675
1 (أحداث السنة العاشرة)
ثم قال ابن إسحاق: ولما فتح الله على نبيه مكة، وفرغ من تبوك، وأسلمت ثقيف، ضربت إليه وفود العرب من كل وجه. وإنما كانت العرب تربص بالإسلام أمر هذا الحي من قريش، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أن قريشاً كانوا إمام الناس.
(وفد بني تميم)
قال: فقدم عطارد بن حاجب في وفد عظيم من بني تميم، منهم الأقرع بن حابس، والزبرقان بن بدر، ومعهم عيينة بن حصن. فلما دخلوا المسجد. نادوا رسول الله من وراء حجراته: اخرج إلينا يا محمد، جئناك نفاخرك، فائذن لشاعرنا وخطيبنا. قال: فقد أذنت لخطيبكم، فليقم. فقام عطار، فقال: الحمد لله الذي له علينا الفضل والمن، وهو أهله، الذي جعلنا ملوكاً.

(2/675)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 676
ووهب لنا أموالاً عظاماً نفعل فيها المعروف، وجعلنا أعز أهل المشرق، وأكثره عدداً، وأيسره عدة. فمن مثلنا في الناس ألسنا برؤوس الناس وأولي فضلهم فمن فاخرنا فليعدد مثل ما عددنا، وإنا لو نشأ لأكثرنا الكلام، ولكن نستحي من الإكثار. أقول هذا لأن تأتوا بمثل قولنا، وأمر أفضل من أمرنا. ثم جلس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن الشماس الخزرجي: قم فأجبه. فقام، فقال: الحمد لله الذي السماوات والأرض خلقه، قضى فيهن أمره، ووسع كرسيه علمه، ولم يكن شيء قط إلا من فضله. ثم كان من فضله أن جعلنا ملوكاً واصطفى من خير خلقه رسولاً أكرمه نسباً، وأصدقه حديثاً، وأفضله حسباً، فأنزل عليه كتابه، وائتمنه على خلقه، فكان خيرة الله من العالمين، ثم دعا الناس إلى الإيمان فآمن به المهاجرون من قومه وذوي رحمه، أكرم الناس أحساباً، وأحسن الناس وجوهاً، وخير الناس فعالاً، ثم كان أول الخلق إستجابة إذ دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، نحن فنحن الأنصار، أنصار الله ووزراء رسوله، نقاتل الناس حتى يؤمنوا بالله ورسوله. فمن آمن منع ماله ودمه، ومن كفر جاهدناه في الله أبداً، وكان قتله علينا يسيراً. أقول قولي هذا وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات، والسلام عليكم.) فقام الزبرقان بن بدر، فقال:
(نحن الكرام فلا حي يعادلنا.......... من الملوك وفينا تنصب البيع)

(وكم قسرنا من الأحياء كلهم.......... عند النهاب، وفضل العز يتبع)

(ونحن نطعم عند القحط مطعمنا.......... من الشواء إذا لم يؤنس القزع)

(بما ترى الناس تأتينا سراتهم.......... من كل أرض هوياً ثم نصطنع)

(2/676)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 677
في أبيات. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قم يا حسان، فأجبه. فقال حسان:
(إن الذوائب من فهر وإخواتهم.......... قد بينوا سنة للناس تتبع)

(يرضى بها كل من كانت سريرته.......... تقوى الإله وكل الخير يصطنع)

(قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم.......... أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا)

(سجية تلك منهم غير محدثة.......... إن الخلائق، فاعلم، شرها البدع)
في أبيات. فقال الأقرع بن حابس: وأبي، إن هذا الرجل لموتى له. وإن خطيبه أفصح من خطيبنا، ولشاعره أشعر من شاعرنا. قال: فلما فرغ القوم أسلموا، وأحسن النبي صلى الله عليه وسلم جوائزهم. وفيهم نزلت: إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون. وقال سليمان بن حرب، ثنا حماد بن زيد، عن محمد بن الزبير الحنظلي، قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، الزبرقان بن بدر، وقيس بن عاصم، وعمرو بن الأهتم. فقال لعمرو بن الأهتم: أخبرني عن هذا الزبرقان، فأما هذا فلست أسألك عنه. قال: وأراه قال قد عرف قيساً. فقال: مطاع في أدنيه، شديد

(2/677)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 678
العارضة، مانع لما وراء ظهره. فقال الزبرقان: قد قال ما قال وهو يعلم أني أفضل مما قال. فقال عمرو: ما علمتك إلا زمر المروءة، ضيق العطن، أحمق الأب، لئيم الخال. ثم قال: يا رسول الله، قد صدقت فيهما جميعاً أرضاني فقلت بأحسن ما أعلم، وأسخطني فقلت بأسوأ ما فيه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من البيان سحراً.) وقد روى نحوه علي بن حرب الطائي، عن أبي سعيد الهيثم بن محفوظ، عن أبي المقوم الأنصاري يحيى بن يزيد، عن الحكم بن عيينة، عن مقسم، عن ابن عباس متصلاً.
(وفد بني عامر)
وقال مسلم بن إبراهيم، ثنا الأسود بن شيبان، ثنا أبو بكر بن ثمامة بن النعمان الراسبي، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير قال: وفد أبي في وفد بني عامر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أنت سيدنا وذو الطول علينا. فلاق: مهٍ مه، قولوا بقولكم ولا يستجرئنكم الشيطان، السيد الله، السيد الله. وقال الزبير بن بكار: حدثتني فاطمة بنت عبد العزيز بن مؤملة، عن أبيها، عن جدها مؤملة بن جميل، قال: أتى عامر بن الطفيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عامر، أسلم. قال: أسلم

(2/678)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 679
على أن الوبر لي والمدر لك. قال: يا عامر أسلم. فأعاد قوله. قال: لا. فولى وهو يقول: يا محمد، لأملأنها عليك خيلاً جرداً ورجالاً مرداً، ولأربطن بكل نخلة فرساً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اكفني عامراً واهد قومه. فخرج حتى إذا كان بظهر المدينة صادف امرأة يقال لها سلولية، فنزل عن فرسه ونام في بيتها، فأخذته غدة في حلقه، فوثب على فرسه، وأخذ رمحه، وأقبل يجول، ويقول: غدة كغدة البكر، وموت في بيت سلولية. فلم تزل تلك حاله حتى سقط ميتاً. قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني عامر، فيهم: عامر بن الطفيل. وأربد ابن قيس، وخالد بن جعفر، وحيان بن سلم، وكانوا رؤساء القوم وشياطينهم. فقدم عامر عدو الله على رسول الله وهو يريد أن يغدر به. فقال له قومه: إن الناس قد أسلموا. فقال: قد كنت آليت أن لا أنتهي حتى تتبع العرب عقبي، فأنا أتبع عقب هذا الفتى من قريش ثم قال لأربد: إذا قدمنا عليه فإني شاغل عنك وجهه، فإذا فعلت ذلك فاعله بالسيف. فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عامر: يا محمد، خالني. فقال: لا والله، حتى تؤمن بالله وحده، فقال: والله لأملأنها عليك خيلاً ورجالاً. فلما ولى قال: اللهم اكفني عامراً. ثم قال لأربد: أين ما أمرتك به قال: لا أبا لك، والله ما هممت بالذي أمرتني به من مرة إلا دخلت بيني وبينه،

(2/679)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 680
أفأضربك بالسيف فبعث الله ببعض الطريق على عامر الطاعون) في عنقه، فقتله الله في بيت امرأة من سلول. وأما الآخر فأرسل الله تعالى عليه وعلى جمله صاعقة أحرقتهما. وقال همام، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، حدثني أنس، قال: كان رئيس المشركين عامر بن الطفيل، وكان أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أخيرك بين ثلاث خصال فيكون لك أهل السهل ويكون لي أهل المدر، أو أكون خليفتك من بعدك، أو أغزوك بغطفان بألف أشقر وألف شقراء. قال: فطعن في بيت امرأة. فقال: غدة كغدة البكر في بيت امرأة من بني فلان، إئتوني بفرسي. فركب فمات على ظهر فرسه. أخرجه البخاري.
(وافد بني سعد)
وقال ابن إسحاق، عن محمد بن الوليد، عن كريب، عن ابن عباس: بعثت بنو سعد بن بكر، ضمام بن ثعلبة وافداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان جلداً أشعر ذا غديرتين، فأقبل حتى وقف فقال: أيكم ابن عبد المطلب فقال: أنا. فقال: أنت محمد قال: نعم. قال: إني سائلك ومغلظ عليك في المسألة، فلا تجدن في نفسك. أنشدك الله إلهك وإله من

(2/680)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 681
قبلك وإله من هو كائن بعدك، الله أمرك أن تأمرنا أن نعبده وحده لا شريك به شيئاً، وأن نخلع هذه الأنداد قال: اللهم نعم. قال: فأنشدك الله إلهك وإله من قبلك وإله من هو كائن بعدك، الله أمرك أن نصلي هذه الصلوات الخمس قال: نعم. ثم جعل يذكر فرائض الإسلام وينشده عن كل فريضة ثم قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وسأؤدي هذه الفرائض، وأجتنب ما نهيتني عنه، ثم لا أزيد ولا أنقص. ثم انصرف إلى بعيره راجعاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن صدق ذو العقيصتين دخل الجنة. فقدم على قومه فاجتمعوا إليه فكان أول ما تكلم به أن قال: باست اللات والعزى. قالوا: مه يا ضمام، اتق البرص، اتق الجنون. قال: ويلكم، إنهما والله لا يضران ولا ينفعان. إن الله قد بعث رسولاً وأنزل عليه كتاباً استنقذكم به مما كنتم فيه، وإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وقد جئتكم من عنده بما أمركم به وما نهاكم عنه. قال: فوالله ما أمسى ذلك اليوم وفي حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلماً. قال: يقول ابن عباس: فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام.) وقال إسحاق بن أبي إسرائيل المروزي: حدثني حمزة بن الحارث، عن عمير، ثنا أبي، عن عبيد الله بن عمر، عن سعيد، عن أبي هريرة قال: جاء رجل من أهل البادية إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنشدك برب من قبلك ورب من بعدك، الله أرسلك وذكر الحديث، وفيه: فإني قد آمنت وصدقت، وأنا ضمام بن ثعلبة. فلما ولى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقه الرجل. قال: فكان

(2/681)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 682
عمر يقول: ما رأيت أحداً أحسن مسألة ولا أوجز من ضمام بن ثعلبة. الحارث بن عمير ضعيف. وقصة ضمام في الصحيحين من حديث أنس.
(الجارود بن عمرو)
قال ابن إسحاق: وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم الجارود بن عمرو أخو بني عبد القيس. قال عبد الملك بن هشام: وكان نصرانياً، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام. فقال: يا محمد، تضمن لي ديني قال: نعم، قد هداك الله إلى ما هو خير منه. قال: فأسلم، وأسلم أصحابه.
(وفد بني حنيفة)
قال ابن إسحاق: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني حنيفة، فيهم مسيلمة بن حبيب

(2/682)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 683
الكذاب. فكان منزلهم في دار بنت الحارث الأنصارية. فحدثني بعض علمائنا أن بني حنيفة أتت به رسول الله صلى الله عليه وسلم تستره بالثياب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس مع أصحابه معه عسيب نخل في رأسه خوصات. فلما كلم النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو سألتني هذا العسيب ما أعطيتكه. قال ابن إسحاق: وحدثني شيخ من أهل اليمامة أن حديثه كان على غير هذا زعم أن وفد بني حنيفة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفوا مسلمة في رحالهم، فلما أسلموا ذكروا له مكانه فأمر له رسول الله بمثل ما أمر به لهم، وقال: أما إنه ليس بأشركم مكاناً يعني حفظه ضيعة أصحابه. ثم انصرفوا وجاؤوه بالذي أعطاه. فلما قدموا اليمامة ارتد عدو الله وتنبأ، وقال: إني أشركت في الأمر مع محمد، ألم يقل لكم حين ذكرتموني له أما إنه ليس بأشركم مكاناً وما ذلك إلا لما يعلم أني قد أشركت معه. ثم جعل) يسجع السجعات فيقول لهم فيما يقول مضاهاة للقرآن: لقد أنعم الله على الحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق وحشى. ووضع عنهم الصلاة وأحل لهم الزنا والخمر. وهو مع ذلك يشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نبي. فأصفقت معه بنو حنيفة على ذلك. وقال شعيب بن أبي حمزة، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، ثنا نافع بن جبير، عن ابن عباس قال: قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فجعل يقول:

(2/683)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 684
إن جعل لي محمد الأمر من بعد اتبعته. وقدمها في بشر كثير من قومه. فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم، ومعه ثابت بن قيس بن شماس، وفي يد النبي قطعة جريد، حتى وقف على مسيلمة في أصحابه، فقال: إن سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها. ولن تعدو أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنك الله. وإني أراك الذي أريت فيه ما رأيت، وهذا ثابت بن قيس يجيبك عني. ثم انصرف. قال ابن عباس: فسألت عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنك الذي أريت فيه ما رأيت، فأخبرني أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب فأهمني شأنهما، فأوحي إلي في المنام أن انفخهما، فنفختهما فطارا، فأولتهما كذابين يخرجان من بعدي. قال: فهذا أحدهما العنسي صاحب صنعاء، والآخر مسيلمة صاحب اليمامة. أخرجاه. وقال معمر، عن همام، عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينا أنا نائم إذ أتيت بخزائن الأرض، فوضع في يدي سواران من ذهب، فكبرا علي وأهماني، فأوحي إلي أن أنفخهما، فنفختهما، فذهب، فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما صاحب صنعاء وصاحب اليمامة. متفق عليه. وقال خ: ثنا الصلت بن محمد، نا مهدي بن ميمون، سمع أبا رجاء

(2/684)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 685
هو العطاردي يقول: لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم فسمعناه به، لحقنا بمسيلمة الكذاب لحقنا بالنار وكنا نعبد الحجر في الجاهلية. وإذا لم نجد حجراً جمعنا حثية من تراب ثم حلبنا عليها كثبة اللبن، ثم نطوف به. وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال:) جاء رجل إلى ابن مسعود فقال: إني مررت ببعض مساجد بني حنيفة وهم يقرأون قراءة ما أنزلها الله: الطاحنات طحناً، والعاجنات عجناً، والخابزات خبزاً، والثاردات ثرداً، واللاقمات لقماً. فأرسل إليهم عبد الله فأتى بهم، وهم سبعون رجلاً ورأسهم عبد الله بن النواحة. قال: فأمر به عبد الله فقتل. ثم قال: ما كنا يمحرزين الشيطان من هؤلاء، ولكنا نحدرهم إلى الشام لعل الله أن يكفيناهم. وقال المسعودي، عن عاصم، عن أبي وائل، عن عبد الله، قال: جاء ابن النواحة وابن أثال رسولين لمسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: تشهدان أني رسول الله فقال: نشهد أن مسيلمة رسول الله. فقال: آمنت بالله ورسله، ولو كنت قاتلاً رسولاً لقتلتكما. قال عبد الله: فمضت السنة أن الرسل لا تقتل. قال عبد الله: أما ابن أثال فقد كفانا الله، وأما ابن النواحة فلم يزل في نفسي حتى أمكن الله منه. رواه أبو داود الطيالسي في مسنده، عن المسعودي. وله شاهد. قال يونس، عن ابن إسحاق، حدثني سعد بن طارق، عن سلمة بن

(2/685)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 686
نعيم بن مسعود، عن أبيه، سمع النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه رسولا مسيلمة الكذاب بكتابه يقول لهما: وأنتما تقولان بمثل ما يقول قالا: نعم. فقال: أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما. وقال ابن إسحاق: وقد كان مسيلمة كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر سنة عشر: من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله. سلام عليك، أما بعد، فإني قد أشركت في الأمر معك، وإن لنا نصف الأرض، ولكن قريشاً قوم يعتدون. فكتب إليه: من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب. سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين.
(وفد طيء)
ثم قدم وفد طيء، على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيهم زيد الخيل سيدهم. فأسلموا، وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير، وقطع له فيد وأرضين، وخرج راجعاً إلى قومه.) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ينج زيد من حمى المدنية. فإنه يقال قد

(2/686)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 687
سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم غير الحمى، فلم نثبته. فلما انتهى من بلد نجد إلى ماء من مياهه، يقال له فردة، أصابته الحمى فمات بها. قال: فعمدت امرأته إلى ما معه من كتب فحرقتها.
(قدوم عدي بن حاتم)
قال شعبة: ثنا سماك بن حرب، سمعت عباد بن حبيش، يحدث عن عدي بن حاتم، قال: جاءت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بعقرب، فأخذوا عمتي وناساً. فلما أتوا بهم رسول الله قالت: يا رسول الله، غاب الوافد، وانقطع الوالد، وأنا عجوز كبيرة، فمن علي من الله عليك. قال: من وافدك قالت: عدي بن حاتم. قال: الذي فر من الله ورسوله قالت: فمن علي. ورجل إلى جنبه تراه علياً، فقال: سليه حملاناً. فسألته، فأمر لها به. قال عدي: فأتتني، فقالت: لقد فعلت فعلة ما كان أبوك يفعلها. إيته راغباً أو راهباً، فقد أتاه فلان فأصاب منه، وأتاه فلان فأصاب منه. قال عدي: فأتيته، فإذا عنده امرأة وصبيان أو صبي، فذكر قربهم من النبي صلى الله عليه وسلم. قال: فعرفت أنه ليس ملك كسرى ولا قيصر، فأسلمت. فرأيت وجهه وقد استبشر، وقال: إن المغضوب عليهم اليهود، والضالين النصارى. وذكر باقي الحديث.

(2/687)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 688
وقال حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد قال: قال أبو عبيدة بن حذيفة، قال رجل: كنت أسأل عن حديث عدي وهو إلى جنبي لا أسأله. فأتيته فقال: بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم فكرهته أشد ما كرهت شيئاً قط. فخرجت حتى أقصى أرض العرب مما يلي الروم. ثم كرهت مكاني فقلت: لو أتيته وسمعت منه. فأتيت إلى المدينة، فاستبشروا أي الناس وقالوا: جاء عدي بن حاتم، جاء عدي بن حاتم. فقال: يا عدي بن حاتم، أسلم تسلم. فقلت: إني على دين. قال: أنا أعلم بدينك منك، ألست ركوسياً قلت: بلى. قال: ألست ترأس قومك قلت: بلى. قال: ألست تأخذ المرباع قلت: بلى. قال: فإن ذلك لا يحل في دينك. قال: فوجدت بها علي غضاضة. ثم قال: إنه لعله أن يمنعك أن تسلم أن ترى بمن عندنا خصاصة، وترى الناس علينا إلباً واحداً. هل رأيت الحيرة قلت: لم أرها، وقد علمت مكانها. قال: فإن الظعينة سترحل من الحيرة حتى تطوف بالبيت بغير جوار، ولتفتحن علينا كنوز كسرى بن هرمز. قلت: كنوز كسرى بن هرمز قال: نعم، وليفيضن المال حتى يهم الرجل من يقبل ماله منه صدقة. قال:) فلقد رأيت الظعينة ترحل من الحيرة بغير جوار، وكنت في أول خيل أغارت على المدائن. والله لتكونن الثالثة، إنه لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى نحوه هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي عبيدة.

(2/688)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 689
(قدوم فروة بن مسيك المرادي)
وقال ابن إسحاق: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فروة بن مسيك المرادي، مفارقاً لملوك كندة. فاستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على مراد وزبيد ومذحج كلها. وبعث معه على الصدقة خالد بن سعيد بن العاص، فكان معه حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(وفد كندة)
قال: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد كندة، ثمانون راكباً فيهم الأشعث بن قيس. فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألم تسلموا قالوا: بلى. قال: فما بال هذا الحرير في أعناقكم قال: فشقوه وألقوه.
(وفد الأزد)
قال: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم صرد بن عبد الله الأزدي فأسلم، في وفد من الأزد. فأمره على من أسلم من قومه، ليجاهد من يليه.

(2/689)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 690
(كتاب ملوك حمير)
قال: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب ملوك حمير مقدمه من تبوك، ورسولهم إليه بإسلامهم الحارث بن عبد كلال، ونعيم بن عبد كلال، والنعمان قيل ذي رعين، ومعافر، وهمدان. وبعث إليه ذو يزن، مالك بن مرة الرهاوي بإسلامهم. فكتب إليهم النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً يذكر فيه فريضة الصدقة. وأرسل إليهم معاذ بن جبل في جماعة، وقال لهم: وإني قد أرسلت إليكم من صالحي أهلي، وأولي دينهم وأولي علمهم، وآمركم بهم خيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(بعث خالد ثم علي إلى اليمن)
وقال إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق السبيعي، عن أبيه، عن جده، عن البراء، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى اليمن، يدعوهم إلى الإٍ سلام. قال البراء: فكنت) فيمن خرج مع خالد، فأقمنا سنة أشهر يدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوه. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بعث علياً رضي الله عنه، فأمره أن يقفل خالد، إلا رجل كان يمم مع خالد أحب أن يعقب مع علي فليعقب معه. فكنت فيمن عقب مع علي. فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا، فصلى بنا علي، ثم صفنا صفاً واحداً، ثم تقدم بين أيدينا وقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلمت همدان جميعاً. فكتب علي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرأ الكتاب

(2/690)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 691
خر ساجداً ثم رفع رأسه فقال: السلام على همدان، السلام على همدان. هذا حديث صحيح أخرج البخاري بعضه بهذا الإسناد. وقال الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري عن علي: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن. فقلت: يا رسول الله، تبعثني وأنا شاب أقضي بينهم ولا علم لي بالقضاء. فضرب بيده في صدري وقال: اللهم اهد قلبه وثبت لسانه. فما شككت في قضاء بين اثنين. أخرجه د. وقال محمد بن علي، وعطاء، عن جابر، أن علياً قدم من اليمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع. متفق عليه من حديث عطاء.
(بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن)
وقال شعبة، وغيره، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه ومعاذ بن جبل إلى اليمن، فقال: يسرا ولا

(2/691)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 692
تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوى. متفق عليه، ومن أوجه أخر بأطول من هذا. وفي الصحيح للبخاري، من حديث طارق بن شهاب، عن أبي موسى، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض قومي. قال: فجئته وهو منيخ بالأبطح. قال: فسلمت عليه. فقال: أحججت يا عبد الله بن قيس قلت: نعم. قال: كيف قلت: لبيك إهلالاً كإهلالك. فقال: أسقت هدياً قلت: لم أسق هدياً. قال: فطف بالبيت واسع ثم حل. ففعلت. وذكر الحديث. أما معاذ فالأشبه أنه لم يرجع من اليمن حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن إسحاق. حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، قال: هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا، الذي كتبه لعمرو بن حزم، حين بعثه إلى اليمن يفقه أهلها ويعلمهم) السنة ويأخذ صدقاتهم، فكتب له كتاباً وعهداً وأمره فيه أمره:

(2/692)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 693
بسم الله الرحمن الرحيم. هذا كتاب من الله ورسوله. يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود. عهداً من رسول الله لعمرو بن حزم حيث بعثه إلى اليمن. أمره بتقوى الله في أمره كله. فإن الله مع الذي اتقوا والذين هم محسنون. وأمره أن يأخذ بالحق كما أمره، وأن يبشر الناس بالخير، ويأمرهم به، ويعلم الناس القرآن، ويفقههم فيه، ولا يمس القرآن أحد إلا وهو طاهر، ويخبر الناس بالذي لهم، والذي عليهم، ويلين لهم في الحق، ويشتد عليهم في الظلم، فإن الله كره الظلم ونهى عنه، وقال: ألا لعنة الله على الظالمين. ويبشر الناس بالجنة وبعملها، وينذر الناس من النار وعملها، ويستأنف الناس حتى يفقهوا في الدين، ويعلم الناس معالم الحج وسننه وفرائضه وما أمر الله به، والحج الأكبر والحج الأصغر، فالحج الأصغر العمرة. وينهى الناس أن يصلي الرجل في الثوب الواحد الصغير إلا أن يكون واسعاً فيخالف بين طرفيه على عاتقيه، وينهى أن يحتبي الرجل في ثوب واحد ويفضي إلى السماء بفرجه. ولا يعقد شعر رأسه إذا عفى في قفاه. وينهى الناس إن كان بينهم هيج أن يدعوا إلى القبائل والعشائر، وليكن دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له. فمن لم يدع إلى الله، ودعا إلى العشائر والقبائل فليقطفوا بالسيف حتى يكون دعاؤهم إلى الله وحده لا شريك له. ويأمر الناس بإسباغ الوضوء وجوههم وأيديهم إلى المرافق، وأرجلهم إلى الكعبين، وأن

(2/693)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 694
يمسحوا رؤوسهم كما أمر الله، وأمروا بالصلاة لوقتها، وإتمام الركوع والخشوع، وأن يغلس بالصبح، ويهجر بالهاجرة حين تميل الشمس، وصلاة العصر والشمس في الأرض مدبرة، والمغرب حين يقبل الليل، لا تؤخر حتى تبدو النجوم في السماء، والعشاء أول الليل. وأمره بالسعي إلى الجمعة إذا نودي بها، والغسل عند الرواح إليها. وأمره أن يأخذ من المغانم خمس الله تعالى، وما كتب على المؤمنين في الصدقة من العقار فيما سقى الغيل وفيما سقت السماء العشر، وفيما سقت الغرب فنصف العشر. ثم ذكر زكاة الإبل والبقر، مختصراً. قال: وعلى كل حالم، ذكر أو أنثى، حر أو عبد، من اليهود والنصارى، دينار واف أو عوضه من الثياب. فمن أدى ذلك فإن له ذمة الله وذمة رسوله، ومن منع ذلك فإنه عدو الله ورسوله والمؤمنين. وقد روى سليمان بن داود، عن الزهري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده، نحو هذا الحديث موصولاً بزيادات كثيرة في الزكاة، ونقص عما ذكرنا في السنن.) وقال أبو اليمان، ثنا صفوان بن عمرو، عن راشد بن سعد، عن عاصم ابن حميد السكوني: أن معاذاً لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم

(2/694)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 695
يوصيه، ومعاذ راكب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي تحت راحلته، فلما فرغ قال: يا معاذ، إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن تمر بمسجدي وقبري. فبكى معاذ جشعاً لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لا تبك يا معاذ، البكاء من الشيطان.
(وفد نجران)
وقال ابن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال: لما قدم وفد نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم، دخلوا عليه مسجده بعد العصر فحانت صلاتهم، فقاموا يصلون في مسجده، فأراد الناس منعهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعوهم. فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم. وقال ابن إسحاق: حدثني بريدة بن سفيان، عن ابن البيلماني، عن كرز بن علقمة، قل: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نصارى نجران ستون راكباً، منهم أربعة وعشرون من أشرافهم، منهم: العاقب أمير القوم وذو رأيهم وصاحب مشورتهم، والذي لا يصدرون إلا عن رأيه وأمره واسمه عبد المسيح. والسيد ثمالهم وصاحب رحلهم ومجتمعهم واسمه الأيهم. وأبو

(2/695)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 696
حارثة بن علقمة، أحد بكر بن وائل وأسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدراسهم. وكان أبو حارثة قد شرف فيهم ودرس كتبهم حتى حسن علمه في دينهم. وكانت ملوك الروم من أهل النصرانية قد شرفوه ومولوه وبنوا له الكنائس. فلما توجهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نجران، جلس أبو حارثة على بغلة له موجهاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى جنبه أخ له يقال له: كرز بن علقمة يسايره، إذ عثرت بغلة أبي حارثة، فقال له كرز: تعس الأبعد يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له أبو حارثة: بل أنت تعست. فقال له: لم يا أخي فقال: والله إنه للنبي الذي كنا ننتظره. قال له كرز: فما يمنعك وأنت تعلم هذا قال: ما صنع بنا هؤلاء القوم شرفونا ومولونا، وقد أبوا إلا خلافه، ولو فعلت نزعوا منا كل ما ترى. فأضمر عليها أخوه كرز بن علقمة حتى أسلم بعد ذلك.) قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، حدثني سعيد بن جبير، أو عكرمة، عن ابن عباس قال: اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنازعوا، فقالت الأحبار: ما كان إبراهيم إلا يهودياً، وقالت النصارى: ما كان إلا نصرانياً. فأنزل الله فيهم: يا أهل الكتاب لم تحاجون

(2/696)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 697
في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده الآيات. فقال أبو رافع القرظي: أتريد منا يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى بن مريم فقال رجل من نجران يقال له الربيس: وذلك تريد يا محمد وإليه تدعو فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: معاذ الله أن أمر بعبادة غير الله. فنزلت ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم الآيات إلى قوله من الشاهدين. وقال إسرائيل وغيره، عن أبي إسحاق، عن صلة، عن ابن مسعود، ورواه شعبة، وسفيان، عن أبي إسحاق فقالا حذيفة بدل ابن مسعود: إن السيد والعاقب أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأراد أن يلاعنهما، فقال أحدهما لصاحبه: لا تلاعنه، فوالله لئن كان نبياً فلا عنته لا نفلح نحن ولا عقبنا. قالوا له: نعطيك ما سألت، فابعث معنا رجلاً أميناً. ولا تبعث معنا إلا أميناً. فقال: لأبعثن معكم أميناً حق أمين. فاستشرف لها أصحابه. فقال: قم، يا أبا عبيدة بن الجراح. فلما قام قال: هذا أمين هذه الأمة. أخرجه خ من حديث حذيفة. وقال إدريس الأودي، عن سماك بن حرب، عن علقمة بن وائل،

(2/697)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 698
عن المغيرة بن شعبة قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجران. فقالوا فيما قالوا: أرأيت ما تقرأون: يا أخت هارون وقد كان بين عيسى وموسى ما قد علمتم قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: أفلا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم والصالحين قبلهم. أخرجه مسلم. وقال ابن إسحاق: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في شهر ربيع الآخر، أو جمادى الأولى، سنة عشر، إلى بني الحارث بن كعب بنجران، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام، قبل أن يقاتلهم، ثلاثاً. فخرج خالد حتى قدم عليهم، فبعث الركبان يضربون في كل وجه ويدعون إلى الإسلام،) ويقولون: أيها الناس، أسلموا تسلموا. فأسلم الناس، فأقام خالد يعلمهم الإسلام، وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك. ثم قدم وفدهم مع خالد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أعيانهم: قيس بن الحصين ذو الغصة، ويزيد بن عبد المدان، ويزيد بن المحجل. قال: فأمر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم قيساً. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم بعث إليهم، بعد أن ولى وفدهم، عمرو بن حزم ليفقههم ويعلمهم السنة، يأخذ منهم صداقاتهم. وفي عاشر ربيع الأول توفي إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ابن سنة ونصف. وغسله الفضل بن

(2/698)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 699
العباس. ونزل قبره الفضل وأسامة بن زيد فيما قيل. وكان أبيض مسمناً، كثير الشبه بوالده صلى الله عليه وسلم. وقال ثابت، عن أنس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولد لي الليلة غلام فسميته بأبي إبراهيم. ثم دفعه إلى أم سيف يعني امرأة قين بالمدينة يقال له أبو سيف. قال أنس: فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنه وانطلقت معه، فدخل فدعا بالصبي فضمه إليه، وقال ما شاء الله أن يقول. قال أنس: فلقد رأيت إبراهيم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يكيد بنفسه، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي الرب. والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون. أخرجه مسلم والبخاري تعليقاً مجزوماً به. وقال شعبة، عن عدي بن ثابت، عن البراء، قال: لما توفي إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله: إن له مرضعة تتم رضاعه في الجنة. أخرجه خ. وقال جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على ابنه إبراهيم حين مات.

(2/699)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 700
وفيها: مات أبو عامر الراهب، الذي كان عند هرقل عظيم الروم. وفيها: مات بوران بنت كسرى ملكة الفرس، وملكوا بعدها أختها آزرمن. قاله أبو عبيدة. وفي أواخر ذي القعدة: ولد محمد بن أبي بكر الصديق، ولدته أسماء بنت عميس، بذي الحليفة، وهي مع النبي صلى الله عليه وسلم. قال جابر بن عبد الله: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء) بنت عميس محمد بن أبي بكر، فأرسلت إليه: كيف أصنع فقال اغتسلي واستنفري بثوب وأحرمي. وفيها: ولد محمد بن عمرو بن حزم، بنجران، وأبوه بها.

(2/700)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 701
(حجة الوداع)
قال جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه، عن جابر، قال: أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس بالحج، فاجتمع في المدينة بشر كثير. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة، أو لأربع، فلما كان بذي الحليفة ولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر الصديق، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع فقال: اغتسلي واستنفري بثوب. وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، وركب القصواء حتى استوت به على البيداء، فنظرت إلى مد بصري، بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، من راكب وماش، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك. فأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد، وأهل الناس بهذا الذي يهلون به، فلم يرد عليهم شيئاً منه. ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته. ولسنا ننوي إلا الحج، لسنا نعرف العمرة، حتى

(2/701)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 702
إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً، ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى فجعل المقام بينه وبين البيت. قال جعفر: فكان أبي يقول: لا أعلمه ذكره إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون ثم رجع إلى البيت فاستلم الركن، ثم خرج من الباب إلى الصفا، حتى إذا دنا من الصفا قرأ: إن الصفا والمروة من شعائر الله، أبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا فرقي عليه، حتى إذا رأى البيت فكبر وهلل وقال: لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. ثم دعا بين ذلك، فقال مثل ذلك ثلاث مرات. ثم نزل إلى المروة، حتى إذا انصبت قدماه رمل في بطن الوادي، حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة، فعلا عليها وفعل كما فعل على الصفا. فلما كان آخر الطواف على المروة قال: إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة. فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلل وليجعلها عمرة. فحل الناس كلهم وقصروا، إلا النبي صلى الله عليه وسلم) ومن كان معه الهدي. فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال: يا رسول الله ألعامنا

(2/702)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 703
هذا أم للأبد قال فشبك أصابعه وقال: دخلت العمرة مع الحج هكذا مرتين، لا بل لأبد الأبد. وقدم علي، رضي الله عنه، من اليمن ببدن إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجد فاطمة ممن حل ولبست ثياباً صبيغاً واكتحلت، فأنكر عليها. فقالت: أبي أمرني بهذا. فكان علي يقول بالعراق: فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشاً بالذي صنعته، مستفتياً رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صدقت، صدقت. ماذا قلت حين فرضت الحج قال: قلت: اللهم إني أهل بما أهل به رسولك. قال: فإن معي الهدي فلا تحلل. قال: فكان الهدي الذي جاء معه، والهدي الذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة مائة. ثم حل الناس وقصروا، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن معه هدي. فلما كان يوم التروية وجهوا إلى منى، أهلوا بالحج، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح. ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس، وأمر بقبة من شعر فضربت له بنمرة، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، فركب حتى أتى بطن الوادي، فخطب الناس فقال: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم

(2/703)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 704
هذا، في بلدكم هذا. ألا وإن كل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمي، ودماء الجاهلية موضوعة. وأول دم أضعه من دمائنا دم ربيعة بن الحارث كان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل. وربا الجاهلية موضوع وأول رباً أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله. واتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة لله، وإن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح. ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله تعالى. وأنتم مسؤولون عني، فما أنتم قائلون قالوا: نشهد أن قد بلغت وأديت ونصحت. فقال: بإصبعه السبابة، يرفعها إلى السماء ويكبها إلى الناس: اللهم اشهد ثلاث مرات. ثم أذن بلال، ثم أقام) فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئاً. ثم ركب حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته إلى الصخرات، وجعل جبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلاً حين غاب القرص، وأردف أسامة بن زيد خلفه فدفع وقد شنق للقصواء الزمام، حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله، ويقول بيده: أيها الناس، السكينة السكينة، كلما أتى جبلاً من الجبال أرخى لها قليلاً حتى تصعد. حتى أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان وإقامتين، ولم يصل بنيهما شيئاً. ثم اضطجع حتى طلع الفجر، فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة. ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام

(2/704)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 705
فرقي عليه فحمد الله وكبره وهلله. فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً، ثم دفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن عباس، وكان رجلاً حسن الشعر وسيماً. فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظعن يجرين، فطفق الفضل ينظر إليهن، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل، فصرف الفضل وجهه من الشق الآخر، فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه الفضل. حتى إذا أتى محسراً حرك قليلاً، ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرجك على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة التي عند المسجد، فرمى سبع حصيات، يكبر مع كل حصاة منها مثل حصي الخذف رمى من بطن الوادي. ثم انصرف إلى المنحر، فنحر ثلاثاً وستين بدنة، وأعطى علياً، رضي الله عنه فنحر ما غبر وأشركه في هديه. ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر، وطبخت، فأكلا من لحمها وشربا من مرقها. ثم أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيت، فصلى بمكة الظهر، فأتى على بني عبد المطلب يسقون من بئر زمزم، فقال: انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن تغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم. فناولوه دلواً فشرب منه. أخرجه مسلم، دون قوله: يحيى ويميت.

(2/705)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 706
وقال شعبة، عن قتادة، عن أبي حسان الأعرج، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أتى ذا الحليفة أشعر بدنة من جانب سنامها الأيمن، ثم سلت عنها الدم، وأهل بالحج. أخرجه مسلم. وقال أيمن بن نايل، حدثني قدامة بن عبد الله، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي جمرة العقبة على ناقة حمراء وفي رواية صهباء لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك. حديث حسن.) وقال ثور بن يزيد، عن راشد بن سعد، عن عبد الله بن لحي، عن عبد الله بن قرط قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر، يستقر فيه الناس، وهو الذي يلي يوم النحر. قدم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنات، خمس أو ست، فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ، فلما وجبت جنوبها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة خفيفة لم أفهمها،

(2/706)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 707
فقلت للذي إلى جنبي: ما قال قال: قال: من شاء اقتطع. حديث حسن. وقال هشام، عن ابن سيرين، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة، ثم رجع إلى منزله بمنى، فذبح، ثم دعا بالحلاق فأخذ بشق رأسه الأيمن فحلقه، فجعل يقسمه الشعرة والشعرتين، ثم أخذ بشق رأسه الآخر فحلقه، ثم قال: هاهنا أبو طلحة فدفعه إلى أبي طلحة. رواه مسلم. وقال أبان العطار، ثنا يحيى، حدثني أبو سلمة، أن محمد بن عبد الله ابن زيد حدثه، أن أباه شهد المنحر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسم بين أصحابه ضحايا، فلم يصبه ولا رفيقه. قال: فحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه في ثوبه فأعطاه، فقسم منه على رجال، وقلم أظفاره فأعطى صاحبه. فإنه لمخضوب عندنا بالحناء والكتم. وقال علي بن الجعد، ثنا الربيع بن صبيح، عن يزيد الرقاشي، عن أنس، قال حج رسول الله صلى الله عليه وسلم على رحل رث وقطيفة تساوي، أو لا تساوي، أربعة دراهم. وقال: اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة. يزيد ضعيف.

(2/707)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 708
وقال أبو عميس، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: جاء رجل من اليهود إلى عمر رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً. قال: أي آية قال: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً. فقال: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه والمكان الذي نزلت فيه: نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات في يوم جمعة. متفق عليه. وقال حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، قال: كنت عند ابن عباس وعنده يهودي، فقرأ: اليوم أكملت لكم دينكم الآية. فقال اليهودي: لو أنزلت علينا لاتخذنا يومها عيداً. فقال ابن عباس: فإنها نزلت في يوم عيد يوم جمعة، يوم عرفة. صحيح على شرط م.) وقال ابن جريج، عن أبي الزبير، أخبره أنه سمع جابراً يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة على راحلته يوم النحر، ويقول: خذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه. أخرجه مسلم. وقال إسماعيل بن أبي أويس: حدثني أبي، عن ثور بن يزيد، عن

(2/708)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 709
عكرمة، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في حجة الوداع فقال: إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم، ولكنه رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحاقرون من أعمالكم، فاحذروه. أيها الناس: إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به لن تضلوا أبداً، كتاب الله وسنة نبيه. إن كل مسلم أخو المسلم، المسلمون إخوة، ولا يحل لامريء من مال أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس، ولا تظلموا، ولا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض. وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، قال: وكان ربيعة بن أمية بن خلف الجمحي هو الذي يصرخ يوم عرفة تحت لبة ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال له: أصرخ: أيها الناس وكان صيتاً هل تدرون أي شهر هذا فصرخ، فقالوا: نعم، الشهر الحرام. قال: فإن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة شهركم هذا. وذكر الحديث. وقال الزهري، من حديث الأوزاعي، عنه، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد أن ينفر من منى قال: إنا نازلون غداً إن

(2/709)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 710
شاء الله بالمحصب بخيف بني كنانة، حيث تقاسموا على الكفر. وذلك أن قريشاً تقاسموا على بني هاشم وبني المطلب أن لا يناكحوهم ولا يخالطوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. اتفقا عليه. وقال أفلح بن حميد، عن القاسم، عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليالي الحج. قالت: فلما تفرقنا من منى نزلنا المحصب. وذكر الحديث. متفق عليه. وقال أبو إسحاق السبيعي، عن زيد بن أرقم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة غزوة، وحج بعدما هاجر حجة الوداع، ولم يحج بعدها. قال أبو إسحاق من قبله: وواحدة بمكة. اتفقا عليه. ويروى عن ابن عباس أنه كان يكره أن يقال: وحجة الوداع، ويقول: حجة الإسلام.) وقال زيد بن الحباب، ثنا سفيان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم حج ثلاث حجج قبل أن يهاجر، وحجة بعدما هاجر معها عمرة، وساق ستاً وثلاثين بدنة، وجاء علي بتمامها من اليمن، فيها جمل لأبي

(2/710)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 711
جهل في أنفه برة من فضة، فنحرها رسول الله صلى الله عليه وسلم. تفرد به زيد. وقيل إنه خطأ، وإنما يروى عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن مجاهد مرسلاً. قال أبو بكر البيهقي: قوله وحجة معها عمرة فإنما يقول ذلك أنس، ومن ذهب من الصحابة إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن، فأما من ذهب إلى أنه أفرد، فإنه لا يكاد يصح عنده هذه اللفظة لما في إسناده من الاختلاف وغيره. وقال وكيع، عن سفيان، عن ابن جريج، عن مجاهد قال: حج رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حجج حجتين وهو بمكة قبل الهجرة، وحجة الوداع. وفي آخر السنة: كان ظهور الأسود العنسي، وسيأتي.

(2/711)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 712

(2/712)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 713
1 (أحداث السنة إحدى عشر)
(سرية أسامة)
في يوم الاثنين لأربع بقين من صفر. ذكر الواقدي أنهم قالوا: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتهيؤ لغزو الروم. ودعا أسامة بن زيد، فقال: سر إلى موضع مقتل أبيك، فأوطئهم الخيل، فقد وليتك هذا الجيش. فأغر صباحاً على أهل أبنى، وأسرع السير، تسبق الأخبار. فإن ظفرت فأقلل اللبث فيهم، وقدم العيون والطلائع أمامك. فلما كان يوم الأربعاء، بديء برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه. فحم وصدع. فلما أصبح يوم الخميس، عقد لأسامة لواء بيده، فخرج بلوائه معقوداً يعني أسامة. فدفعه إلى بريدة بن الحصيب الأسلمي،

(2/713)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثاني الصفحة 714
وعسكر بالجرف. فلم يبق أحد من المهاجرين والأنصار إلا انتدب في تلك الغزوة فيهم أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة. فتكلم قوم وقالوا: يستعمل هذا الغلام على هؤلاء فقال ابن عيينة، وغيره، عن عبد الله بن دينار، سمع ابن عمر يقول: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة، فطعن الناس في إمارته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن يطعنوا في إمارته فقد طعنوا في إمارة أبيه. وأيم الله إن كان لخليقاً للإمارة،) وإن كان من أحب الناس إلي. وإن ابنه هذا لمن أحب الناس إلي بعده. متفق على صحته. قال شيبان، عن قتادة: جميع غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وسراياه: ثلاث وأربعون. ثم دخل شهر ربيع الأول. وبدخوله تكملت عشر سنين من التاريخ للهجرة النبوية. والحمد الله وحده.

(2/714)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 5
(أحداث سنة إحدى عشر)
5 (خلافة أبي بكر رضي الله عنه)
قال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وأبو بكر بالسنح، فقال عمر: والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عمر: والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك، وليبعثه الله فيقطع أيدي رجال وأرجلهم، فجاء أبو بكر الصديق فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله، وقال: بأبي أنت وأمي، طبت حياً وميتاً، والذي نفسي بيده لا يذيقك الله موتتين أبداً، ثم خرج فقال: أيها الحالف على رسلك، فلما تكلم أبو بكر جلس عمر، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وقال: إنك ميت وإنهم ميتون. وقال: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم. الآية، فنشج الناس يبكون، واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقالوا: منا أمير ومنكم أمير، فذهب إليهم

(3/5)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 6
أبو بكر وعمر وأبو عبيدة، فذهب عمر يتكلم فسكته أبو بكر، فكان عمر يقول: والله ما أردت بذلك إلا أني هيأت كلاماً قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر، فتكلم فأبلغ، فقال في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، فقال الحباب بن المنذر: لا والله لا نفعل أبداً، منا أمير ومنكم أمير. فقال أبو بكر: لا، ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء، قريش أوسط العرب داراً وأعزهم أحساباً فبايعوا عمر بن الخطاب أو أبو عبيدة، فقال عمر: بل نبايعك، أنت خيرنا وسيدنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس. فقال قائل: قتلتم سعد بن عبادة، فقال عمر: قتله الله. رواه سليمان بن بلال عنه، وهو صحيح السند. وقال مالك، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، أن عمر خطب الناس فقال في خطبته: وقد بلغني أن قائلاً يقول: لو مات عمر بايعت فلاناً فلا يغترن أمرؤ أن يقول: كانت) بيعة أبي بكر فلتة، وليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر، وإنه كان من خيرنا حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، اجتمع المهاجرون، وتخلف علي والزبير في بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتخلف الأنصار في سقيفة بني ساعدة، فقلت: يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار، فانطلقنا نؤمهم، فلقينا رجلان صالحان من الأنصار فقالا: لا عليكم أن لا تأتوهم وأبرموا أمركم، فقلت: والله لنأتينهم، فأتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا هم مجتمعون على رجل

(3/6)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 7
مزمل بالثياب، فقلت: من هذا قالوا: سعد بن عبادة مريض، فجلسنا، وقام خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد فنحن الأنصار وكتيبة الإيمان، وأنتم معشر المهاجرين رهط منا، وقد دفت إليكم دافة يريدون أن يختزلونا من أصلنا ويحضنونا من الأمر. قال عمر: فلما سكت أردت أن أتكلم بمقالة قد كانت أعجبتني بين يدي أبي بكر: فقال أبو بكر: على رسلك، وكنت أعرف منه الجد، فكرهت أن أغضبه، وهو كان خيراً مني وأوفق وأوقر، ثم تكلم فوالله ما ترك كلمة أعجبتني إلا قد قالها وأفضل منها حتى سكت، ثم قال: أما بعد: ما ذكرتم من خير فهو فيكم معشر الأنصار، وأنتم أهله وأفضل منه، ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسباً وداراً، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا أيهم شئتم، وأخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجراح، قال: فما كرهت شيئاً مما قاله غيرها. كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر إلا أن تتغير نفسي عند الموت، فقال رجل من الأنصار: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير معشر

(3/7)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 8
المهاجرين، قال: وكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى خشيت الاختلاف، فقلنا: أبسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون وبايعه الأنصار، ونزوا على سعد بن عبادة، فقال قائل: قتلتم سعداً. فقلت: قتل الله سعداً، قال عمر: فوالله ما وجدنا فيما حضرنا أمراً أوفق من مبايعة أبي بكر، خشينا إن نحن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة، فإما بايعناهم على ما لا نرضى، وإما خالفناهم فيكون فساد. رواه يونس بن يزيد، عن الزهري بطولة، فزاد فيه: قال عمر: فلا يعتزل امرؤ أن يقول: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمت، فإنها قد كانت كذلك إلا أن الله وقى شرها، فمن بايع رجلاً غير مشورة فإنه لا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا. متفق على صحته.)

(3/8)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 9
وقال عاصم بن بهدلة، عن زر، عن عبد الله قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير. فأتاهم عمر فقال: يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن أبا بكر قد أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤم الناس قالوا: بلى، قال: فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر قلت يعني في الصلاة فقلت الأنصار: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر. رواه الناس عن زائدة عنه. وقال يزيد بن هارون: أنا العوام بن حوشب، عن إبراهيم التميمي قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى عمر أبا عبيدة فقال: أبسط يدك لأبايعك، فإنك أمين هذه الأمة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو عبيدة لعمر: ما رأيت لك فهة قبلها منذ أسلمت، أتبايعني وفيكم الصديق وثاني اثنين. وروى نحوه عن مسلم البطين عن أبي البختري. وقال ابن عون، عن ابن سيرين، قال أبو بكر لعمر: ابسط يدك نبايع لك، فقال عمر: أنت أفضل مني، فقال أبو بكر: أنت أقوى مني، قال: إن قوتي لك مع فضلك. وقال يحيى بن سعيد الأنصاري، عن القاسم، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي اجتمعت الأنصار إلى سعد، فأتاهم أبو بكر وجماعة، فقام الحباب بن
1

(3/9)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 10
المنذر، وكان بدرياً فقال: منا أمير ومنكم أمير. وقالت وهيب: ثنا داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قام طباء الأنصار، فجعل منهم من يقول: يا معشر المهاجرين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استعمل رجلاً منكم قرن معه رجلاً منا، فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان منا ومنكم، قال: وتتابعت خطباء الأنصار على ذلك، فقام زيد بن ثابت فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين، وإنما يكون الإمام من المهاجرين، ونحن أنصاره، كما كنا أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام أبو بكر فقال: جزاكم الله خيراً من حي يا معشر الأنصار وثبت قائلكم، أم والله لو فعلتم غير ذلك لما صالحناكم، ثم أخذ زيد بيد أبي بكر فقال: هذا صاحبكم فبايعوه، قال: فلما قعد أبو بكر على المنبر نظر في وجوه القوم فلم ير علياً، فسأل عنه، فقام ناس من الأنصار فأتوا به. فقال أبو بكر: ابن عم رسول الله وختنه أردت أن تشق عصا المسلمين فقال: لا تثريب يا خلفية رسول الله صلى الله عليه) وسلم، فبايعه، ثم لم ير الزبير، فسأل عنه حتى جاؤا به، فقال: ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريه أردت أن تشق عصا المسلمين فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله، فبايعه. روى منه أحمد في: مسنده إلى قوله لما صالحناكم عن
1

(3/10)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 11
عفان عن وهيب، ورواه بتمامه ثقة، عن عفان. وقال الزهري عن عبيد الله، عن ابن عباس، قال عمر في خطبته: وإن علياً والزبير ومن معهما تخلفوا عنا، وتخلفت الأنصار عنا بأسرها، فاجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فبينما نحن في منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ رجل ينادي من وراء الجدار: أخرج يا ابن الخطاب، فخرجت فقال: إن الأنصار قد اجتمعوا فأدركوهم قبل أن يحدثوا أمراً يكون بيننا وبينهم فيه حرب، وقال في الحديث: وتابعه المهاجرون والأنصار فنزونا على سعد بن عبادة، فقال قائل: قتلتم سعداً، قال عمر: فقلت وأنا مغضب: قتل الله سعداً فإنه صاحب فتنة وشر. وهذا من حديث جويرية بن أسماء، عن مالك، وروى مثله الزبير بن بكار، عن ابن عيينة، عن الزهري. وقال أبو بكر الهذلي عن الحسن، عن قيس بن عباد، وابن
1

(3/11)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 12
الكواء، أن علياً رضي الله عنه ذكر مسيره وبيعة المهاجرين أبا بكر فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت فجأة، مرض ليالي، يأتيه بلال فيؤذنه بالصلاة فيقوا: مروا أبا بكر بالصلاة، فأرادت امرأة من نسائه أن تصرفه إلى غيره فغضب وقال: إنكن صواحب يوسف، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم اخترنا واختار المهاجرون والمسلمون لدنياهم من اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم لدينهم، وكانت الصلاة عظم الأمر وقوام الدين. وقال الوليد بن مسلم: فحدثني محمد بن حرب، نا الزبيدي، حدثني الزهري، عن أنس أنه سمع خطبة عمر الآخرة قال: حين جلس أبو بكر عل منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم غداً من متوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتشهد عمر، ثم قال: أما بعد: فإني قلت لكم أمس مقالة، وإنها لم تكن كما قلت، وما وجدت المقالة التي قلت لكم في كتاب الله ولا في عهد عهده رسول الله، ولكن رجوت أنه يعيش حتى يدبرنا يقول حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم) آخرنا فاختار الله لرسوله ما عنده على الذي عندكم، فإن يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات، فإن الله قد جعل بين أظهركم كتابه الذي هدى به محمداً، فاعتصموا به تهتدوا بما هدي به محمد صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر أبا بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثاني اثنين وأنه أحق الناس بأمرهم، فقوموا فبايعوه، وكان طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة، وكانت البيعة على المنبر بيعة العامة. صحيح غريب. وقال موسى بن عقبة، عن سعد بن إبراهيم، حدثني أبي أن أباه عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر، وأن محمد بن مسلمة كسر سيف
1

(3/12)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 13
الزبير، ثم خطب أبو بكر واعتذر إلى الناس وقال: والله ما كنت حريصاً على الإمارة يوماً ولا ليلة ولا سألتها الله في سر ولا علانية، فقبل المهاجرون مقالته. وقال علي والزبير: ما غضبنا إلا لأنا أخرنا عن المشاورة، وإنا نرى أبا بكر أحق الناس بها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لصاحب الغار وإنا لنعرف شرفه وخيره، ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس وهو حي. وقد قيل إن علياً رضي الله عنه تمادى عن المبايعة مدة: فقال يونس ابن بكير، عن ابن إسحاق، حدثني صالح بن كيسان، عن عروة، عن عائشة قالت: لما توفيت فاطمة بعد أبيها بستة أشهر اجتمع إلى علي أهل بيته، فبعثوا إلى أبي بكر: ائتنا، فقال عمر: لا والله لا تأتيهم، فقال أبو بكر: والله لآتينهم، وما تخاف علي منهم فجاءهم حتى دخل عليهم فحمد الله ثم قال: إني قد عرفت رأيكم، قد وجدتم علي في أنفسكم من هذه الصدقات التي وليت عليكم، ووالله ما صنعت ذلك إلا أني لم أكن أريد أن أكل شيئاً من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت أرى أثره فيه وعمله إلى غيري حتى أسلك به سبيله وأنفذه فيما جعله الله، والله لأن أصلكم أحب إلي من أن أصل أهل قرابتي لقرابتكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعظيم حقه. ثم تشهد علي وقال: يا أبا بكر والله ما نفسنا عليك خيراً جعله الله لك أن لا تكون أهلاً لما أسند إليك، ولكنا من الأمر حيث علمت فتفوت به علينا، فوجدنا في أنفسنا، وقد رأيت أن أبايع وأدخل فيما دخل فيه الناس، وإذا كانت العشية فصل بالناس الظهر، واجلس على المنبر حتى آتيك فأبايعك، فلما صلى أبا بكر الظهر ركب المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر الذي كان من
1

(3/13)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 14
أمر علي، وما دخل فيه من أمر الجماعة والبيعة، وها هوذا فاسمعوا منه، فقام علي فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر أبا بكر وفضله وسنه، وأنه أهل لما ساق الله إليه من الخير، ثم قام) إلى أبي بكر فبايعه. أخرجه البخاري من حديث عقيل عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، وفيه: وكان لعلي من الناس وجه، حياة فاطمة، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته.
2 (قصة الأسود العنبسي)
قال سيف بن عمر التميمي: ثنا المستنير بن يزيد النخعي، عن عروة ابن غزية، عن الضحاك بن فيروز الديلميي، عن أبيه قال: أول ردة كانت في
1

(3/14)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 15
الإسلام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على يد عبهلة بن كعب، وهو الأسود في عامة مذحج: خرج بعد حجة الوداع، وكان شعباذاً يريهم الأعاجيب، ويسبي قلوب من يستمع منطقه، فوثب هو ومذحج بنجران إلى أن صار إلى صنعاء فأخذها، ولحق بفروة من تم على إسلامه، لم يكاتب الأسود رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه لم يكن معه أحد يشاغبه، وصفا له ملك اليمن. فروى سيف، عن سهل بن يوسف، عن أبيه، عن عبيد بن صخر قال: بينما نحن بالجند قد أقمناهم على ما ينبغي، وكتبنا بيننا وبينهم الكتب، إذ جاءنا كتاب من الأسود أن أمسكوا علينا ما أخذتم من أرضنا، ووفروا ما جمعتم فنحن أولى به، وأنتم على ما أنتم عليه، فبينا نحن ننظر في أمرنا إذ قيل هذا الأسود بشعوب، وقد خرج إليه شهر بن باذام، ثم
1

(3/15)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 16
أتانا الخبر أنه قتل شهراً وهزم الأبناء، وغلب على صنعاء بعد نيف وعشرين ليلة، وخرج معاذ هارباً حتى مر بأبي موسى الأشعري بمأرب، فاقتحمنا حضرموت. وغلب الأسود على ما بين أعمال الطائف إلى البحرين وغير ذلك، وجعل يستطير استطارة الحريق، وكان معه سبعمائة فارس يوم لقي شهراً، وكان قواده: قيس بن عبد يغوث، ويزيد بن مخزوم، وفلان، وفلان، واستغلظ أمره وغلب على أكثر اليمن، وارتد معه خلق، وعامله المسلمون بالتقية، وكان خليفته في مذحج عمرو بن معد يكرب، وأسند أمر جنده إلى قيس بن عبد يغوث، وأمر الانباء إلى فيروز الديلمي، وداذويه، فلما أثخن في الأرض استخف بهؤلاء، وتزوج امرأة شهر، وهي بنت عم فيروز، قال: فبينا نحن كذلك بحضرموت ولا نأمن أن يسير إلينا الأسود، وقد تزوج معاذ في السكون، إذ جاءتنا كتب النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا فيها أن نبعث الرجال لمجاولته ومصاولته، فقام معاذ في ذلك، فعرفنا القوة ووثقنا بالنصر. وقال سيف: فحدثنا المستنير، عن عروة، عن الضحاك بن فيروز، عن جشنس ابن الديلمي) قال: قدم علينا وبر بن يحنس بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
1

(3/16)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 17
فأمرنا فيه بالنهوض في أمر الأسود فرأينا أمراً كثيفاً، ورأينا الأسود قد تغير لقيس بن عبد يغوث، فأخبرنا قيساً وأبلغناه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكأنما وقعنا عليه من السماء فأجابنا، وجاء وبر وكاتبنا الناس ودعوناهم، فأخبر الأسود شيطانه فأرسل إلى قيس فقال: ما يقول الملك يقول: عمدت إلى قيس فأكرمته، حتى إذا دخل منك كل مدخل مال ميل عدوك، فحلف له وتنصل، فقال: أتكذب الملك قد صدق وعرفت أنك تائب، قال: فأتانا قيس وأخبرنا فقلنا: كمن على حذر، وأرسل إلينا الأسود: ألم أشرفكم على قومكم، ألم يبلغني عنكم فقلنا: أقلنا مرتنا هذه، فقال: فلا يبلغني عنكم فأقتلكم، فنجونا ولم نكد، وهو في ارتياب من أمرنا، قال: فكاتبنا عامر بن شهر، وذو الكلاع، وذو ظليم، فأمرناهم أن لا يتحركوا بشيء، قال: فدخلت على امرأته آذاد فقلت: يا بنة عم قد عرفت بلاء هذا الرجل، وقتل زوجك وقومك وفضح النساء، فهل من ممالأة عليه قالت: ما خلق الله أبغض إلي من منه، ما يقوم على حق ولا ينتهي عن حرمة، فخرجت فإذا فيروز وداذويه ينتظراني، وجاء قيس ونحن نريد أن نناهضه، فقال له رجل قبل أن يجلس: الملك يدعوك، فدخل في عشرة فلم يقدر على قتله، وقال يا عبهلة أمني تتحصن بالرجال، ألم أخبرك الحق وتخبرني الكذب، ترد قتلي فقال: كيف وأنت رسول الله فمرني بما أحببت، فأما الخوف والفزع فأنا فيهما فاقتلني وارحمني، فرق له وأخرجه، فخرج علينا وقال:
1

(3/17)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 18
اعملوا عملكم، وخرج علينا الأسود في جمع، فقمنا له، وبالباب مائة بقرة وبعير فنحرها، ثم قال: أحق ما بلغني عنك يا فيروز لقد هممت بقتلك، فقال: اخترتنا لصهرك وفضلتنا على الأبناء، وقد جمع لنا أمر آخرة ودنيا، فلا تقبلن علينا أمثال ما يبلغك. فقال: اقسم هذه، فجعلت آمر للرهط بالجزور، ثم اجتمع بالمرأة فقالت: هو متحرز، والحرس محيطون بالقصر سوى هذا الباب فانقبوا عليه، وهيأت لنا سراجاً، وخرجت، فتلقاني الأسود خارجاً من القصر فقال: ما أدخلك ووجأ رأسي فسقطت، فصاحت المرأة وقالت: ابن عمي زارني، فقال: اسكتي لا أبالك فقد وهبته لك، فأتيت أصحابي وقلت: النجاء، وأخبرتهم الخبر، فأنا على ذلك إذ جاءني رسولها: لا تدعن ما فارقتك عليه. فقلنا لفيروز: ائتها وأتقن أمرنا، وجئنا بالليل ودخلنا، فإذا السراج تحت جفنة، فاتقيا بفيروز، وكان أنجدنا، فلما دنا من البيت سمع غطيطاً شديداً، وإذا المرأة جالسة. فلما قام فيروز على الباب أجلس الأسود شيطانه وكلمه فقال أيضاً: فما لي ولك) يا فيروز، فخشي إن رجع أن يهلك هو والمرأة، فعالجه وخالطه وهو مثل الجمل، فأخذ برأسه فدق عنقه وقتله، ثم قام ليخرج فأخذت المرأة بثوبه تناشده، فقال: أخبر أصحابي بقتله، فأتانا فقمنا معه، فأردنا حز رأسه فحركه الشيطان واضطرب، فلم يضبطه فقال: اجلسوا على صدره، فجلس اثنان وأخذت المرأة بشعره، وسمعنا بربرة فألجمته بملاءة،
1

(3/18)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 19
وأمر الشفرة على حلقه، فخار كأشد خوار ثور، فابتدر الحرس الباب: ما هذا ما هذا قالت: النبي يوحي إليه، قال: وسمرنا ليلتنا كيف نخبر أشياعنا، فأجمعنا على النداء بشعارنا ثم بالأذان، فلما طلع الفجر نادى داذويه بالشعار، ففزع المسلمون والكافرون، واجتمع الحرس فأحاطوا بنا، ثم ناديت بالآذان، وتوافت خيولهم إلى الحرس، فناديتهم: أشهد أن محمداً رسول الله، وأن عبهلة كذاب، وألقينا إليهم الرأس، وأقام وبر الصلاة، وشنها القوم غارة، ونادينا: يا أهل صنعاء من دخل عليه داخل فتعلقوا به، فكثر النهب والسبي، وخلصت صنعاء والجند، وأعز الله الإسلام، وتنافسنا الإمارة، وتراجع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاصطلحنا على معاذ بن جبل، فكان يصلي بنا، وكتبنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم الخبر فقدمت رسلنا، وقد قبض النبي صلى الله عليه وسلم صبيحتئذ فأجابنا أبو بكر عنه. وروى الواقدي عن رجاله قال: بعث أبو بكر قيس بن مكشوح إلى اليمن، فقتل الأسود العنسي، هو وفيروز الديلمي. ولقيس هذا أخبار، وقد ارتد، ثم أسره المسلمون فعفا عنه أبو بكر، وقتل مع علي بصفين.
2 (جيش أسامة بن يزيد)
قال هشام بن عروة، عن أبيه قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه: أنفذوا جيش أسامة، فسار حتى بلغ الجرف، فأرسلت إليه امرأته فاطمة بنت قيس تقول: لا تعجل فإن رسول الله ثقيل، فلما يبرح حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قبض رجع إلى أبي بكر فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني وأنا على غير حالكم هذه، وأنا أتخوف أن تكفر العرب، وإن كفرت كانوا أول من يقاتل، وإن لم تكفر مضيت، فإن معي سروات الناس
2

(3/19)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 20
وخيارهم، قال: فخطب أبو بكر الناس، ثم قال: والله لأن تختطفني الطير أحب إلي من أن أبدأ بشيء قبل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فبعثه أبو بكر، واستأذن لعمر أن يتركه عنده، وأمر أن لا يجزر في القوم، أن يقطع الأيدي، والأرجل والأوساط في القتال، قال: فمضى حتى أغار، ثم رجعوا وقد غنموا وسلموا. فكان عمر يقول: ما كنت لأحيي أحداً بالإمارة غير أسامة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وهو أمير، قال: فسار، فلما دنوا من الشام أصابتهم ضبابة شديدة فسترتهم، حتى أغاروا وأصابوا حاجتهم، قال: فقدم بنعي رسول الله صلى الله عليه وسلم على هرقل وإغارة أسامة في ناحية أرضه خبراً واحداً، فقالت الروم: ما بال هؤلاء يموت صاحبها ثم أغاروا على أرضنا. وعن الزهري قال: سار أسامة في ربيع الأول حتى بلغ أرض الشام وانصرف، فكان مسيره ذاهباً وقافلاً أربعين يوماً. وقيل كان ابن عشرين سنة. وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: فلما فرغوا من البيعة، واطمأن الناس قال أبو بكر لأسامة بن زيد: إمض لوجهك. فكلمه رجال من المهاجرين والأنصار وقالوا: أمسك أسامة وبعثه فإنا نخشى أن تميل علينا العرب إذا سمعوا بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أنا أحبس جيشاً بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد اجترأت على أمر عظيم، والذي نفسي بيده لأن تميل علي العرب أحب إلي من أن أحبس جيشاً بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، إمض يا
2

(3/20)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 21
أسامة في جيشك للوجه الذي أمرت به، ثم اغز حيث أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم من ناحية فلسطين، وعلى أهل مؤته، فإن الله سيكفي ما تركت، ولكن) إن رأيت أن تأذن لعمر فأستشيره وأستعين به فافعل، ففعل أسامة. ورجع عامة العرب عن دينهم وعامة أهل المشرق وغطفان وأسد وعامة أشجع، وتمسكت طيء بالإسلام.
2 (أبي بكر وفاطمة رضي الله عنهما)
قال الزهري، عن عروة، عن عائشة أن فاطمة سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله مما أفاء الله عليه، فقال لها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ما تركنا صدقة فغضبت وهجرت أبا بكر حتى توفيت. وأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن مما أفاء الله على رسوله، حتى كنت أنا رددتهن فقلت لهم: ألا تتقين الله ألم تسمعن من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد في هذا المال.
2

(3/21)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 22
وقال أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يقتسم ورثتي ديناراً، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤونة عاملي فهو صدقة. وقال محمد بن السائب وهو متروك عن أبي صالح مولى أم
2

(3/22)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 23
هانئ، إن فاطمة دخلت على أبي بكر فقالت: يا أبا بكر أرأيت لو مت اليوم من كان يرثك قال: أهلي وولدي، فقالت: مالك ترث رسول الله صلى الله عليه وسلم من دون أهله وولده فقال: ما فعلت يا بنت رسول الله. قالت: بلى قد عمدت إلى فدك وكانت صافية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذتها، وعمدت إلى ما أنزل الله من السماء فرفعته منا، فقال: لم أفعل، حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطعم النبي الطعمة ما كان حياً فإذا قبضه رفعها، فقالت: أنت ورسول الله أعلم، ما أنا بسائلتك بعد مجلسي هذا. ابن فضيل، عن الوليد بن جميع، عن أبي الطفيل قال: لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت فاطمة إلى أبي بكر: أنت وريث رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أهله فقال: لا بل أهله، قالت: فأين سهمه قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله إذ أطعم نبياً طعمة ثم قبضه جعلها للذي يقوم من بعده. فرأيت أن أرده على المسلمين، قالت: أنت وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه أحمد في مسنده، وهو منكر، وأنكر ما فيه قوله: لا، بل أهله.
2

(3/23)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 24
وقال الوليد بن مسلم، وعمر بن عبد الواحد: ثنا صدقة أبو معاوية، عن محمد بن عبد الله بن) محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، عن يزيد الرقاشي، عن أنس أن فاطمة أتت أبا بكر فقالت: قد علمت الذي خلفنا عنه من الصدقات أهل البيت. ثم قرأت عليه واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول إلى آخر الآية، فقال لها: بأبي وأمي أنت ووالدك وولدك، وعلي السمع والبصر كتاب الله وحق رسوله وحق قرابته، وأنا أقرأ من كتاب الله مثل الذي تقرئين، ولا يبلغ علمي فيه أن أرى لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا السهم كله من الخمس يجري بجماعته عليهم، قالت: أفلك هو ولقرابتك قال: لا، وأنت عندي أمينة مصدقة، فإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليك في ذلك عهداً ووعدك وعداً أوجبه لك حقاً وسلمته إليك، قالت: لا، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل عليه في ذلك قال: أبشروا آل محمد فقد جاءكم الغنى. فقال أبو بكر: صدقت فلك الغنى، ولم يبلغ علمي فيه ولا بهذه الآية أن يسلم هذا السهم كله كاملاً، ولكن لكم الغنى الذي يغنيكم، ويفضل عنكم، فانظري هل يوافقك على ذلك أحد منهم، فانصرفت إلى عمر فذكرت له كما ذكرت لأبي بكر، فقال لها مثل الذي راجعها به أبو بكر، فعجبت وظنت أنهما قد تذاكرا ذلك واجتمعا عليه. وبالإسناد إلى محمد بن عبد الله من دون ذكر الوليد بن مسلم قال: حدثني الزهري قال: حدثني من سمع ابن عباس يقول: كان عمر عرض علينا أن يعطينا من الفيء بحق ما يرى أنه لنا من الحق، فرغبنا عن ذلك
2

(3/24)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 25
وقلنا: لنا ما سمى الله من حق ذي القربى، وهو خمس الخمس، فقال عمر: ليس لكم ما تدعون أنه لكم حق، إنما جعل الله الخمس لأصناف سماهم، فأسعدهم فيه حظاً أشدهم فاقة وأكثرهم عيالاً، قال: فكان عمر يعطي من قبل منا من الخمس والفيء نحو ما يرى أنه لنا، فأخذ ذلك منا ناس وتركه ناس. وذكر الزهري أن مالك بن أوس بن الحدثان النصري قال: كنت عند عمر، فقال لي: يا مالك إنه قدم علينا من قومك أهل أبيات وقد أمرت فيهم برضخ فاقسمه بينهم، قلت: لو أمرت به غيري، قال: اقبضه أيها المرء، قال: وأتاه حاجبه يرفأ فقال: هل لك في عثمان، والزبير، وعبد الرحمن، وسعد يستأذنون قال: نعم، فدخلوا وسلموا وجلسوا، ثم لبث يرفأ قليلاً، ثم قال لمعمر: هل لك في علي والعباس قال العم: فلما دخلا سلما فجلسا فقال عباس يا أمير المؤمنين اقض يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا الظالم الفاجر الغادر الخائن، فاستبا، فقال عثمان) وغيره: يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر، فقال: أنشدكما بالله هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ما تركناه صدقة قالا: قد قال ذلك، قال: فإني أحدثكم عن هذا الأمر: إن الله كان قد خص رسوله في هذا الفيء بشيء لم يعطه غيره، فقال تعالى: وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء، فكانت هذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم والله ما احتازها دونكم ولا استأثر
2

(3/25)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 26
بها عليكم، لقد أعطاكموها وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال، ثم يجعل ما بقي مجعل مال الله، أنشدكم بالله هل تعلمون ذلك، قالوا: نعم، ثم توفى الله نبيه، فقال أبو بكر: أنا ولي رسول الله، فقبضها وعمل فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، وأنتما تزعمان أن أبا بكر فيها كاذب فاجر غادر، والله يعلم أنه فيها لصادق بار راشد، ثم توفاه الله فقلت: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وولي أبي بكر، فقبضتها سنتين من إمارتي، أعمل فيها بعمله، وأنتم حينئذ تشهدون، وأقبل علي علي وعباس يزعمون أني فيها فاجر كاذب، والله يعلم أني فيها لصادق بار راشد تابع للحق، ثم جئتماني وكلمتكما واحدة وأمركما جميع، فجئتني تسألني عن نصيبك من ابن أخيك، وجاءني هذا يسألني عن نصيب امرأته من أبيها، فقلت لكما: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ما تركناه صدقة، فلما بدا لي أن أدفعها إليكما قلت: إن شئتما دفعتها إليكما على أن عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما عمل فيها أبو بكر، وإلا فلا تكلماني، فقلتما: ادفعها إلينا بذلك، فدفعتها إليكما أنشدكم بالله هل دفعتها إليهما بذلك قال الرهط: نعم، فأقبل على علي وعباس فقال: أنشدكما بالله هل دفعتها إليكما بذلك قالا: نعم، قال: أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك فوالذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها غير ذلك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما عنها فادفعاها إلي أكفيكماها.
2

(3/26)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 27
وقال الزهري: حدثني الأعرج أنه سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: والذي نفسي بيده لا يقتسم ورثتي شيئاً مما تركت، ما تركنا صدقة فكانت هذه الصدقة بيد علي غلب عليها العباس، وكانت فيها خصومتهما، فأبى عمر أن يقسمها بينهما حتى أعرض عنها عباس فغلبه عليها علي، ثم كانت على يدي الحسن، ثم كانت بيد الحسين،) ثم بيد علي ابن الحسين والحسن بن الحسن، كلاهما يتداولانها، ثم بيد زيد، وهي صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً.
2 (خبر الردة)
لما اشتهرت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بالنواحي، ارتدت طوائف كثيرة من العرب عن الإسلام ومنعوا الزكاة، فنهض أبو بكر الصديق رضي الله عنه لقتالهم، فأشار عليه عمر وغيره أن يفتر عن قتالهم. فقال: والله لو منعوني عقالاً أو عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها، فقال عمر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فمن قالها عصم مني ماله ودمه إلا بحقها وحسابه على الله، فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال وقد قال: إلا بحقها فقال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق، فعن
2

(3/27)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 28
عروة وغيره قال: فخرج أبو بكر في المهاجرين والأنصار حتى بلغ نقعاً حذاء نجد، وهربت الأعراب بذراريهم، فكلم الناس أبا بكر وقالوا: ارجع إلى المدينة وإلى الذرية والنساء وأمر رجلاً على الجيش، ولم يزالوا به حتى رجع وأمر خالد بن الوليد، وقال له: إذا أسملوا وأعطوا الصدقة فمن شاء منكم فليرجع، ورجع أبو بكر إلى المدينة. وقال غيره: كان مسيره في جمادى الآخرة فبلغ ذا القصة، وهي على بريدين وأميال من ناحية طريق العراق، واستخلف على المدينة سناناً الضمري، وعلى حفظ أنقاب المدينة عبد الله بن مسعود. وقال ابن لهيعة: أنا أسامة بن زيد عن الزهري، عن حنظلة بن علي الليثي أن أبا بكر بعث خالداً، وأمره أن يقاتل الناس على خمس، من ترك واحدة منهن قاتله كما يقاتل من ترك الخمس جميعاً: على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت. وقال عروة، عن عائشة: لو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضها، أشرأب النفاق بالمدينة وارتدت العرب، فوالله ما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بحظها من الإسلام. وعن يزيد بن رومان أن الناس قالوا له: إنك لا تصنع بالمسير بنفسك شيئاً، ولا تدري لمن) تقصد، فأمر من تثق به وارجع إلى المدينة، فإنك
2

(3/28)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 29
تركت بها النفاق يغلي، فعقد لخالد على الناس، وأمر على الأنصار خاصة ثابت بن قيس بن شماس، وأمر خالداً أن يصمد لطليحة الأسدي. وعن الزهري قال: سار خالد بن الوليد من ذي القصة في ألفين وسبعمائة إلى ثلاثة آلاف، يريد طليحة، ووجه عكاشة بن محصن الأسدي حليف بني شمس، وثابت بن أقرم الأنصاري رضي الله عنهما فانتهوا إلى قطن فصادفوا فيها حبالاً متوجهاً إلى طليحة بثقله، فقتلوه وأخذوا ما معه، فسار وراءهم طليحة وأخوه سلمة فقتلا عكاشة وثابتاً. وقال الوليد الموقري، عن الزهري قال: فسار خالد لقتال طليحة الكذاب فهزمه الله، وكان قد بايع عيينة بن حصن، فلما رأى طليحة كثرة انهزام أصحابه قال: ما يهزمكم فقال رجل: أنا أحدثك، ليس منا رجل إلا وهو يحب أن يموت صاحبه قبله، وإنا نلقى قوماً كلهم يحب أن يموت قبل صاحبه، وكان طليحة رجلاً شديد البأس في القتال، فقتل طليحة يومئذ عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم، وقال طليحة:
(عشية غادرت ابن أقرم ثاوياً.......... وعكاشة الغنمي تحت مجالي)
(أقمت لهم صدر الحمالة إنها.......... معاودة قبل الكماة نزالي)
(فيوماً تراها في الجلال مصونة.......... ويوماً تراها في ظلال عوال)
3

(3/29)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 30
(فما ظنكم بالقوم إذ تقتلونهم.......... أليسوا وإن لم يسلموا برجال)
(فإن تك أذواد أصبن ونسوة.......... فلم ترهبوا فرغاً بقتل حبال)
فلما غلب الحق طليحة ترجل. ثم أسلم وأهل بعمرة، فركب يسير في الناس آمناً، حتى مر بأبي بكر بالمدينة، ثم سار إلى مكة فقضى عمرته، ثم حسن إسلامه. وفي غير هذه الرواية أن خالداً لقي طليحة ببزاخة، ومع طليحة عيينة بن حصن، وقرة بن هبيرة القشيري، فاقتتلوا قتالاً شديداً، ثم هرب طليحة وأسر عيينة وقرة، وبعث هما إلى أبي بكر فحقن دماءهما. وذكر أن قيس بن مكشوح أحد من قتل الأسود العنسي أرتد. وتابعه جماعة من أصحاب الأسود، وخافه أهل صنعاء، وأتى قيس إلى فيروز الديلمي وداذويه يستشيرهما في شأن أصحاب الأسود خديعة منه، فاطمأنا إليه، وصنع لهما من الغد طعاماً، فأتاه داذويه فقتله. ثم) أتاه فيروز ففطن بالأمر فهرب، ولقيه جشيش بن شهر ومضى معه إلى جبال خولان، وملك
3

(3/30)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 31
قيس صنعاء، فكتب فيروز إلى أبي بكر يستمده، فأمده، فلقوا قيساً فهزموه ثم أسروه وحملوه إلى أبي بكر فوبخه: فأنكر الردة: فعفا عنه أبو بكر. وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: فسار خالد وكان سيفاً من سيوف الله تعالى فأسرع السير حتى نزل ببزاخة، وبعثت إليه طيء: إن شئت أن تقدم علينا فإنا سامعون مطيعون، وإن شئت، نسير إليك قال خالد: بل أنا ظاعن إليكم إن شاء الله، فلم يزل ببزاخة، وجمع له هناك العدو بنو أسد وغطفان فاقتتلوا، حتى قتل من العدو خلق وأسر منهم أسارى، فأمر خالد بالحظر أن تبنى ثم أوقد فيها النيران وألقى الأسارى فيها، ثم ظعن يريد طيئاً، فأقبلت بنو عامر وغطفان والناس مسلمين مقرين بأداء الحق، فقبل منهم خالد. وقتل في ذلك الوجه مالك بن نويرة التميمي في رجال معه من تميم، فقالت الأنصار: نحن راجعون، قد أقرت العرب بالذي كان عليها، فقال خالد ومن معه من المهاجرين: قد لعمري آذن لكم، وقد أجمع أميركم بالمسير إلى مسيلمة بن ثمامة الكذاب، ولا نرى أن تفرقوا على هذه الحال، فإن ذلك غير حسن، وإنه لا حجة لأحد منكم فارق أميره وهو أشد ما كان إليه حاجة، فأبت الأنصار إلا الرجوع، وعزم خالد ومن معه، وتخلطت الأنصار يوماً أو يومين ينظرون في أمرهم، وندموا وقالوا: ما لكم والله عذر عند الله ولا عند أبي بكر إن أصيب هذا الطرف وقد خذلناهم، فأسرعوا نحو خالد ولحقوا به، فسار إلى اليمامة، وكان مجاعة بن مرارة سيد بني حنيفة خرج في ثلاثة وعشرين فارساً يطلب دماء في بني عامر، فأحاط بهم المسلمون، فقتل
3

(3/31)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 32
أصحاب مجاعة وأوثقه. وقال العطاف بن خالد: حدثني أخي عبد الله عن بعض آل عدي، عن وحشي قال: خرجنا حتى أتينا طليحة فهزمهم الله، فقال خالد، لا أرجع حتى آتي مسيلمة حتى يحكم الله بيننا وبينهم، فقال له ثابت بن قيس: إنما بعثنا إلى هؤلاء وقد كفى الله مؤنتهم، فلم يقبل منهم، وسار، ثم تبعه ثابت عد يوم في الأنصار. وقال الثوري، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: لما قدم وفد بزاخة أسد وغطفان على أبي بكر يسألونه الصلح، خيرهم أبو بكر بين حرب مجلية أو حطة مخزية، فقالوا: يا خليفة رسول الله أما الحرب فقد عرفناها، فما الحطة المخزية قال: تؤخذ منكم الحلقة والكراع) وتتركون أقواماً تتبعون أذناب الإبل حتى يري الله خليفة نبيه والمؤمنين أمراً يعذرونكم به، وتؤدون ما أصبتم منا ولا نؤدي ما أصبنا منكم، وتشهدون أن قتلانا في الجنة وأن قتلاكم في النار، وتدون قتلانا ولا ندري قتلاكم، فقال عمر: أما قولك تدون قتلانا فإن قتلانا قتلوا على أمر الله لا ديات لهم. فاتبع عمر، وقال عمر في الباقي: نعم ما رأيت.
2 (مقتل مالك بن نويرة)
التميم الحنظلي اليربوعي قال ابن إسحاق: أتى خالد بن الوليد بمالك بن نويرة في رهط من
3

(3/32)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 33
قومه بني حنظلة، فضرب أعناقهم، وسار في أرض تميم، فلما غشوا قوماً منهم أخذوا السلاح وقالوا: نحن مسلمون، فقيل لهم: ضعوا السلاح، فوضعوه، ثم صلى المسلمون وصلوا. فروى سالم بن عبد الله، عن أبيه قال: قدم أبو قتادة الأنصاري على أبي بكر رضي الله عنه فأخبره بقتل مالك بن نويرة وأصحابه، فجزع لذلك، ثم ودى مالكاً ورد السبي والمال. وروي أن مالكاً كان فارساً شجاعاً مطاعاً في قومه وفيه خيلاء، كان يقال له الجفول، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم فولاه صدقة قومه، ثم ارتد، فلما نازله خالد قال: أنا آتي بالصلاة دون الزكاة، فقال: أما علمت أن الصلاة والزكاة معاً لا تقبل واحدة دون الأخرى فقال: قد كان صاحبك يقول ذلك، قال خالد: وما تراه لك صاحباً والله لقد هممت أن أضرب
3

(3/33)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 34
عنقك، ثم تحاورا طويلاً فصمم على قتله: فكلمه أبو قتادة الأنصاري وابن عمر، فكره كلامهما، وقال لضرار بن الأزور: إضرب عنقه، فالتفت مالك إلى زوجته وقال: هذه التي قتلتني، وكانت في غاية الجمال، قال خالد: بل الله قتلك برجوعك عن الإسلام، فقال: أنا على الإسلام، فقال: إضرب عنقه، فضرب عنقه وجعل رأسه أحد أثافي قدر طبخ فيها طعام، ثم تزوج خالد بالمرأة، فقال أبو زهير السعدي من أبيات:
(قضى خالد بغياً عليه لعرسه.......... وكان له فيها هوى قبل ذلكا)
3

(3/34)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 35
3

(3/35)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 36
وذكر ابن الأثير في كامله وفي معرفة الصحابة قال: لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب، وظهرت سجاح وادعت النبوة صالحها مالك، ولم تظهر منه ردة، وأقام بالبطاح، فلما فرغ خالد من أسد وغطفان سار إلى مالك وبث سراياه فأتى بمالك. فذكر الحديث، وفيه: فلما قدم خالد قال عمر: يا عدو الله قتلت امرأً مسلماً ثم نزوت على امرأته،) لأرجمنك، وفيه أن أبا قتادة شهد أنهم أذنوا وصلوا. وقال الموقري، عن الزهري قال: وبعث خالد إلى مالك بن نويرة
3

(3/36)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 37
سرية فيهم أبو قتادة، فساروا يومهم سراعاً حتى انتهوا إلى محلة الحي، فخرج مالك في رهطه فقال: من أنتم قالوا: نحن المسلمون فزعم أبو قتادة أنه قال: وأنا عبد الله المسلم قال: فضع السلاح، فوضعه في اثني عشر رجلاً، فلما وضعوا السلاح ربطهم أمير تلك السرية وانطلق بهم أسارى، وسار معهم السبي حتى أتوا بهم خالداً، فحدث أبو قتادة خالداً أن لهم أماناً وأنهم قد ادعوا إسلاماً، وخالف أبا قتادة جماعة السرية فأخبروا خالداً أنه لم يكن لهم أمان، وإنما سيروا قسراً، فأمر بهم خالد فقتلوا وقبض سببهم، فركب أبو قتادة فرسه وسار قبل أبي بكر. فلما قدم عليه قال: تعلم أنه كان لمالك بن نويرة عهد وأنه ادعى إسلاماً، وإني نهيت خالداً فترك قولي وأخذ بشهادات الأعراب الذين يريدون الغنائم، فقام عمر فقال: يا أبا بكر إن في سيف خالد رهقاً، وإن هذا لم يكن حقاً فإن حقاً عليك أن تقيده، فسكت أبو بكر. ومضى خالد قبل اليمامة، وقدم متمم بن نويرة فأنشد أبا بكر مندبة ندب بها أخاه، وناشده في دم أخيه وفي سبيهم، فرد إليه أبو بكر السبي، وقال لعمر وهو يناشد في القود: ليس على خالد ما تقول، هبه تأول فأخطأ. قلت ومن المندبة:
(وكنا كندامى جذيمة حقبة .......... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا)

(فلما تفرقنا كأني ومالكاً .......... لطول اجتماع لم نبت ليلة معاً)
3

(3/37)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 38
2 (قتال مسيلمة الكذاب)
ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: سار بنا خالد إلى اليمامة إلى مسيلمة، وخرج مسيلمة بمجموعة فنزلوا بعقرباء فحل بها خالد عليهم، وهي طرف اليمامة، وجعلوا الأموال خلفها كلها وريف اليمامة وراء ظهورهم. وقال شرحبيل بن مسيلمة: يا بني حنيفة اليوم يوم الغيرة، اليوم إن هزمتم ستردف النساء سبيات وينكحن غير حظيات، فقاتلوا عن أحسابكم، فاقتتلوا بعقرباء قتالاً شديداً، فجال المسلمون جولة، ودخل ناس من بني خليفة فسطاط خالد وفيه مجاعة أسير، وأم تميم امرأة خالد، فأرادوا أن يقتلوها فقال مجاعة: أنها لها جار، ودفع عنها، وقال ثابت بن قيس حين رأى المسلمين مدبرين: أف لكم ولما تعلمون، وكر المسلمون فهزم الله العدو، ودخل نفر من المسلمين فسطاط خالد فأرادوا قتل مجاعة، فقالت أم تميم: والله لا يقتل وأجارته. وانهزم أعداء الله حتى إذا كانوا عند حديقة الموت اقتتلوا عندها، أشد القتال. وقال محكم بن الطفيل: يا بني حنيفة ادخلوا الحديقة
3

(3/38)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 39
فإني سأمنع أدباركم، فقاتل دونهم ساعة وقتل، وقال مسيلمة: يا قوم قاتلوا عن أحسابكم، فاقتتلوا قتالاً شديداً، حتى قتل مسيلمة. وحدثني مولى بني نوفل. وقال الموقري، عن الزهري: قاتل خالد مسيلمة ومن معه من بني حنيفة، وهم يومئذ أكثر العرب عدداً وأشده شوكة، فاستشهد خلق كثير، وهزم الله بني حنيفة، وقتل مسيلمة، قتله وحشي بحربة. وكان يقال: قتل وحشي خير أهل الأرض بعد رسوله صلى الله عليه وسلم شر أهل الأرض. وعن وحشي قال: لم أر قط أصبر على الموت من أصحاب مسيلمة، ثم ذكر أنه شارك في قتل مسيلمة. وقال ابن عون، عن موسى بن أنس، عن أبيه قال: لما كان يوم اليمامة دخل ثابت بن قيس فتحنط، ثم قام فأتى الصف والناس منهزمون فقال: هكذا عن وجوهنا، فضارب القوم ثم قال: بئسما عودتم أقرانكم، ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشهد رضي الله عنه. وقال الموقري، عن الزهري قال: ثم تحصن من بني حنيفة من أهل اليمامة ستة آلاف مقاتل) في حصنهم، فنزلوا على حكم خالد فاستحياهم. وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: وعمدت بنو حنيفة حين انهزموا إلى الحصون فدخلوها، فأراد خالد أن ينهد إليهم الكتائب، فلم
4

(3/39)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 40
يزل مجاعة حتى صالحه على الصفراء والبيضاء والحلقة والكراع، وعلى نصف الرقيق وعلى حائط من كل قرية، فتقاضوا على ذلك. وقال سلامة بن عمير الحنفي: يا بني حنيفة قاتلوا ولا تقاضوا خالداً على شيء، فإن الحصن حصين، والطعام كثير، وقد حضر النساء، فقال مجاعة: لا تطيعوه فإنه مشؤوم. فأطاعوا مجاعة. ثم أن خالداً دعاهم إلى الإسلام والبراءة مما كانوا عليه، فأسلم سائرهم. وقال ابن إسحاق، إن خالداً قال: يا بني حنيفة ما تقولون قالوا: منا نبي ومنكم نبي، فعرضهم على السيف، يعني العشرين الذين كانوا مع مجاعة بن مرارة، وأوثقه هو في الحديد، ثم التقى الجمعان فقال يزيد بن الخطاب حين كشف الناس: لا نجوت بعد الرجال، ثم قاتل حتى قتل. وقال ابن سيرين: كانوا يرون أن أبا مريم الحنفي قتل زيداً. وقال ابن إسحاق: رمى عبد الرحمن بن أبي بكر محكم اليمامة بن طفيل بسهم فقتله. قلت: واختلفوا في وقعة اليمامة متى كانت: فقال خليفة بن خياط، ومحمد بن جرير الطبري: كانت في سنة إحدى عشرة. قال عبد الباقي بن قانع: كانت في آخر سنة إحدى عشرة.
4

(3/40)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 41
وقال أبو معشر: كانت اليمامة في ربيع الأول سنة اثنتي عشرة. فجميع من قتل يومئذ أربعمائة وخمسون رجلاً. وقال الواقدي: كانت سنة اثنتي عشرة، وكذلك قال أبو نعيم، ومعن ابن عيسى، ومحمد بن سعد كاتب الواقدي وغيرهم. قلت: ولعل مبدأ وقعة اليمامة كان في آخر سنة إحدى عشرة كما قال ابن قانع، ومنتهاها في أوائل سنة اثنتي عشرة، فإنها بقيت أياماً لمكان الحصار. وسأعيد ذكرها والشهداء بها في أول سنة اثنتي عشرة إن شاء الله.
4

(3/41)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 42
4

(3/42)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 43
2 (المتوفون هذه السنة)

2 (فاطمة رضي الله عنها)
وهي سيدة نساء هذه الأمة، كنيتها فيما بلغنا أم أبيها، دخل بها علي بعد وقعة بدر، وقد استكملت خمس عشرة سنة أو أكثر. روى عنها: ابنها الحسين، وعائشة، وأم سلمة، وأنس، وغيرهم. وقد ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أسر إليها في مرضه. وقالت لأنس: كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولها مناقب مشهورة ولقد جمعها أبو عبد الله الحاكم. وكانت أصغر من زينب، ورقية، وانقطع نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا منها، لأن أمامة
4

(3/43)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 44
بنت زينب تزوجت بعلي، ثم بعده بالمغيرة بن نوفل، وجاءها منها أولاد. قال الزبير بن بكار: انقرض عقرب زينب. وصح عن المسور أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنما فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها. وفي فاطمة وزوجها وبنيها نزلت: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا فجللهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكساء وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي. وأخرج الترمذي، من حديث عائشة أنها قيل لها: أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: فاطمة من قبل النساء، ومن الرجال زوجها، وإن كان ما علمت قواماً.
4

(3/44)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 45
وفي الترمذي، عن زيد أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي وفاطمة وابنيهما: أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم. وقد أخبرها أبوها أنها سيدة نساء هذه الأمة في مرضه كما تقدم. وخلفت من الأولاد: الحسن، والحسين، وزينب، وأم كلثوم. فأما زينب فتزوجها عبد الله بن جعفر، فتوفيت عنده وولدت له عوناً وعلياً. وأما أم كلوم فتزوجها عمر، فولدت له زيداً، ثم تزوجها بعد قتل عمر عون بن جعفر فمات، ثم تزوجها أخوه محمد بن جعفر، فولدت له بنته، ثم تزوج بها أخوه عبد الله بن جعفر، فماتت عنده. قاله الزهري. وقال الأعمش، عن عون بن مرة، عن أبي البختري قال: قال علي لأمه: إكفي فاطمة الخدمة) خارجاً، وتكفيك العمل في البيت: العجن والخبز والطحن. أبو العباس السراج: ثنا محمد بن الصباح، ثنا على بني هاشم، عن كثير النواء، عن، عمران بن حصين، أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد فاطمة وهي مريضة فقال لها: كيف تجدينك قالت: إني وجعة وإنه ليزيدني أني مالي طعام آكله، قال: يا بنية أما ترضين أن تكوني سيدة العالمين، قالت: فأين مريم قال: تلك سيدة نساء عالمها، وأنت سيدة نساء عالمك، أما والله لقد زوجتك سيداً في الدنيا والآخرة. هذا حديث ضعيف، وأيضاً فقد سقط بين كثير وعمران رجل.
4

(3/45)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 46
وقال علباء بن أحمر، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم، وآسية. رواه أبو داود. وقال أبو جعفر الرازي عن ثابت، عن أنس مثله مرفوعاً ولفظه: خير نساء العالمين أربع. وقال معمر بن قتادة، عن أنس رفعه: حسبك من نساء العالمين أربع وذكرهن. ويروي نحوه من حديث أبي هريرة وغيره. وقال ميسرة بن حبيب، عن المنهال بن عمرو، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة، وكانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبلها ورحب بها كما كانت هي تصنع به، وقد شهت عائشة مشيتها بمشية النبي صلى الله عليه وسلم. وقد كانت وجدت على أبي بكر حين طلبت سهمها من فدك، فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما تركنا صدقة.
4

(3/46)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 47
وقال أبو حمزة السكري، عن ابن أبي خالد، عن الشعبي قال: لما مرضت فاطمة أتاها أبو بكر فاستأذن، فقال علي: يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك، فقالت: أتحب أن آذن له قال: نعم، فأذنت له، فدخل عليها يترضاها وقال: والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله ورسوله ومرضاتكم أهل البيت، ثم ترضاها حتى رضيت. وقال الزهري عن عروة، عن عائشة، أن فاطمة عاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر، ودفنت ليلاً.) وقال الواقدي: هذا أثبت الأقاويل عندنا. وقال: وصلى عليها العباس، ونزل في حفرتها هو علي، والفضل بن العباس. وقال سعيد بن عفير: ماتت ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من رمضان، وهي بنت سبع وعشرين سنة أو نحوها، ودفنت ليلاً. وقال يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث قال: مكثت فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر وهي تذوب. وقال أبو جعفر الباقر: ماتت بعد أبيها بثلاثة أشهر.
4

(3/47)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 48
وروى عن الزهري أنها توفيت بعده بثلاثة أشهر. وروي عن ابن أبي ملكية، عن عائشة قالت: كان بينها وبين أبيها شهران. وهذا غريب. قلت: والصحيح أن سنها أربع وعشرون سنة رضي الله عنها. وقد روي عن أبي جعفر محمد بن علي أنها توفيت بنت ثمان وعشرين سنة، كان مولدها وقريش تبني الكعبة، وغسلها علي. قال قتيبة: نا محمد بن موسى، عن عون بن محمد بن علي بن أبي طالب، عن أمه أم جعفر، وعن عمارة بن مهاجر، عن أم جعفر، أن فاطمة قالت لأسماء بنت عميس: إني أستقبح ما يصنع بالنساء: يطرح على المرأة الثوب فيصفها، فقالت: يا بنت رسول الله ألا أريك شيئاً رأيته بالحبشة فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوباً، فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله، إذا مت فغسليني أنت وعلي، ولا يدخلن علي أحد. فلما توفيت جاءت عائشة تدخل، فقالت أسماء: لا تدخلي، فشكت إلى أبي بكر، فجاء فوقف على الباب فكلم أسماء فقالت: هي أمرتني، قال: فاصنعي ما أمرتك، ثم انصرف. قال ابن عبد البر: فهي أول من غطى نعشها في الإسلام على تلك الصفة.
2 (أم ايمن)
مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وحاضنته، ورثها من أبيه، واسمها بركة، من كبار المهاجرات، وقد زارها أبو بكر وعمر بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فبكت، فقال لها أبو بكر: أتبكين ! ما عند الله
4

(3/48)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 49
خير لرسوله. فقالت: ما أبكي لذلك، ولكن أبكي لأن الوحي انقطع عنا من السماء، فهيجتهما، على البكاء.) توفيت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر. وهي أم أسامة بن زيد. ومن مناقب أم أيمن، قال جرير بن حازم: سمعت عثمان بن القاسم يقول: لما هاجرت أم أيمن أمست بدون الروحاء فعطشت وليس معه ماء، فدلي عليها من السماء دلو فشربت، فكانت تقول: ما عطشت بعدها، عطشت ولقد تعرضت للعطش فأصوم في الهواجر فما عطشت. وعن أبي الحويرث أن أم أيمن قالت يوم حنين: سبت الله أقدمكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اسكتي يا أم أيمن فإنك عثراء اللسان. وذكر الواقي أنها بقيت إلى أول خلافة عثمان.
2 (عبد الله بن أبي بكر الصديق)
قيل: إنه أسلم قديماً، ولكن لم يسمع له بمشهد، جرح يوم الطائف، رماه يومئذ بسهم أبو محجن الثقفي، فلم يزل يتألم منه، ثم اندمل الجرح، ثم إنه انتقض عليه. وتوفي في شوال سنة إحدى عشرة، ونزل في حفرته عمر، وطلحة، وعبد الرحمن بن أبي بكر أخوه. ذكره محمد بن جرير وغيره. وقيل هو
5

(3/49)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 50
الذي كان يأتي بالطعام وبأخبار قرش إلى الغار تلك الليالي الثلاث.
2 (عكاشة بن محصن الأسدي)
أبو محصن، من السابقين الأولين، دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة في حديث سبقك بها عكاشة وهو أيضاً بدري أحدي، إستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على سرية الغمر فلم يلقوا كيداً. ويروى عن أم قيس بنت محصن قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعكاشة ابن أربع وأربعين سنة. وقتل بعد ذلك بسنة ببزاخة في خلافة أبي بكر سنة اثنتي عشرة، وكان من أجمل الرجال.
5

(3/50)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 51
كذا روي أن بزاخة سنة اثنتي عشرة، والصحيح أنها سنة إحدى عشرة. قتله طليحة الأسدي. وقد أبلى عكاشة يوم بدر بلاءً حسناً، وانكسر في يده سيف، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم عرجوناً أو عوداً فعاد سيفاً، فقاتل به، ثم شهد به المشاهد. روى عنه أبو هريرة وابن عباس.
2 (ثابت بن أقرم بن ثعلبة بن عدي بن عجلان)
وبنو العجلان حلفاء بني زيد بن مالك بن عوف. شهد بدراً والمشاهد، سيره خالد بن الوليد مع) عكاشة طليعة على فرسين، فقتلهما طليحة وأخوه. وذكر
5

(3/51)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 52
الواقدي أن قتلهما كان يوم بزاخة سنة اثنتي عشرة، كذا قال. وكان ثابت من سادة الأنصار.
2 (الوليد بن عمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي)
أخو أبي عبيدة قتلا بالبطاح مع عمهما خالد في سنة إحدى عشرة، وأبوهما هو الذي سار مع عمرو بن العاص إلى النجاشي، وقصته مشهورة. تأخرت وفاته.
5

(3/52)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 53
(أحداث سنة اثنتي عشرة)
2 (وقعة اليمامة)
في أوائلها على الأشهر وقعة اليمامة، وأمير المسلمين خالد بن الوليد، ورأس الكفر مسيلمة الكذاب، فقتله الله. واستشهد خلق من الصحابة.
2 (الوفيات)
2 (أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي)
قيل اسمه مهشم، أسلم قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وشهد بدراً وما بعدها، وهاجر الهجرتين إلى الحبشة، فولد له بها محمد بن أبي حذيفة الذي حرض المصريين على قتال عثمان من سهلة بنت سهيل بن عمرو. وعن أبي الزناد قال: دعا أبو حذيفة بن عتبة يوم بدر أباه إلى البراز، فقالت أخته هند بن عتبة، وهي والدة معاوية:

(3/53)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 54
(الأحول الأثعل الملعون طائره .......... أبو حذيفة شر الناس في الدين)

(أما شكرت أباً رباك من صغر .......... حتى شببت شباباً غير محجون)
قال: وكان أبو حذيفة طويلاً، حسن الوجه، مرادف الأسنان وهو الأثعل وكان أحول، وقتل يوم اليمامة وله ثلاث وخمسون سنة، رضي الله عنه.
2 (سالم مولى أبي حذيفة بن عتبة)
قال موسى بن عقبة: هو سالم بن معقل، أصله من إصطخر، والي أبا حذيفة. وإنما أعتقته ثبيتة بنت يعار الأنصارية زوجة أبي حذيفة، وتبناه أبو حذيفة. قال ابن أبي مليكة، عن القاسم بن محمد: إن سهلة بنت سهيل بن عمرو أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهي امرأة أبي حذيفة فقالت: سالم معي، وقد أدرك ما
5

(3/54)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 55
يدرك الرجال، فقال: (أرضعيه فإذا أرضعتيه فقد حرم عليك ما يحرم من ذي المحرم، فعن أم سلمة قالت: أبى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل أحد عليهن بهذا الرضاع، وقلن: إنما هذا رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم خاصة. وعن ابن عمر قال: كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين من مكة حتى قدم المدينة لأنه كان أقرأهم. وقال الواقدي: حثني أفلح بن سعيد، عن ابن كعب القرظي قال: كان سالم يؤم المهاجرين بقباء، فيهم عمر بن الخطاب قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال حنظلة بن أبي سفيان، عن عبد الرحمن بن سابط، عن عائشة قالت: استبطأني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقال: ما حبسك قلت: إني في المسجد لأحسن من سمعت صوتاً بالقرآن، فأخذ رداءه وخرج يسمعه، فإذا هو سالم مولى أبي حذيفة فقال: الحمد لله الذي جعل في أمتي مثلك. إسناده قوي.

(3/55)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 56
وقال عبد الله بن نمير، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر: إن المهاجرين نزلوا بالعصبة إلى جنب قباء، فأمهم سالم مولى أبي حذيفة، لأنه كان أكثرهم قرآناً، فيهم عمر، وأبو سلمة بن عبد الأسد. وعن محمد بن إبراهيم التميمي: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سالم مولى أبي حذيفة وأبي عبيدة بن الجراح. في مسند أحمد: نا عفان، نا حماد، عن علي بن زيد، عن أبي رافع، أن عمر قال: من أدرك وفاتي من سبي العرب فهو حر من مال الله، فقال سعيد بن زيد: أما إنك لو أشرت برجل من المسلمين لائتمنك الناس، وقد فعل ذلك أبو بكر وائتمنه الناس، فقال: قد رأيت من أصحابي حرصاً سيئاً، وإني جاعل هذا الأمر إلى هؤلاء النفر السنة، ثم قال: لو أدركني أحد رجلين ثم رجعت إليه الأمر فوثقت به: سالم مولى أبي حذيفة، وأبو عبيدة بن الجراح.
5

(3/56)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 57
وقال عبد الله بن عمرو: قال رول الله صلى الله عليه وسلم: استقرئوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وأبي، ومعاذ، وسالم مولى حذيفة. ومن طريق الواقدي بإسناده، عن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس قال: لما انكشف المسلمون يوم اليمامة قال سالم مولى أبي حذيفة: ما هكذا كنا نفعل مع رسول الله صلى الله) عليه وسلم، فحفر لنفسه حفرة، فقام فيها ومعه راية المهاجرين يومئذ، ثم قاتل حتى قتل شهيداً سنة اثنتي عشرة. وقال عبيد بن أبي الجعد، عن عبد الله بن شداد بن الهاد: إن سالماً باع عمر ميراثه، فبلغ مائتي درهم، فأعطاها أمه فقال: كليها. وقال غيره: وجد سالم ومولاه رأس أحدهما عند رجلي الآخر صريعين. وقد شهد سالم بدراً والمشاهد.
2 (شجاع بن وهب بن ربيعة الأسدي)
أبو وهب، مهاجري بدري.
5

(3/57)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 58
كان رجلاً طوالاً نحيفاً أجنى، وقد هاجر إلى الحبشة، يقال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أوس بن خولي. وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم على سرية أربعة وعشرين رجلاً فأصابوا نعماً وشاة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحارث بن أبي سمرة الغساني، بدمشق بالغوطة، فلم يسلم، وأسلم حاجبه مري. وشهد شجاع بدراً والمشاهد، واستشهد باليمامة عن بضع وأربعين سنة. وكان من حلفاء بني عبد شمس.
2 (زيد بن الخطاب بن نفيل العدوي القرشي)
أبو عبد الرحمن. كان أسن من عمر،
5

(3/58)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 59
وأسلم قبله. وكان طويلاً بمرة، أسمر، شهد بدراً والمشاهد. قال له عمر يوم أحد. خذ درعي، قال: إني أريد من الشهادة كما تريد، فتركاها. وكان له من لبابة بنت أبي لبابة بن عبد المنذر ولد اسمه عبد الرحمن. وقيل: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين زيد ومعن بن عدي العجلاني، واستشهد باليمامة. وقد روى عاصم بن عبيد الله، عن عبد الحمن بن زيد بن الخطاب، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرقاءكم أرقاءكم أطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون. الحديث. وجاء أن راية المسلمين يوم اليمامة كانت مع زيد، فلم يزل يتقدم بها في نحر العدو، ثم قاتل) حتى قتل، فأخذها سالم مولى أبي حذيفة. وكان زيد يقول ويصيح: اللهم إني أعتذر إليك من فرار أصحابي أبرأ إليك مما جاء به مسيلمة ومحكم بن الطفيل.
6

(3/59)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 60
وقال الواقدي: حدثني عبد الله بن جعفر، عن ابن أبي عون قال: وحدثني عبد العزيز بن الماجشون قالا: قال عمر لمتمم بن نويرة: ما أشد ما لقيت على أخيك من الحزن فقال: كانت عيني هذه قد ذهبت، فبكيت بالصحيحة حتى أسعدتها الذاهبة وجرت بالدمع، فقال: إن هذا لحزن شديد، ثم قال عمر: يرحم الله زيد بن الخطاب إني لأحسب أني لو كنت أقدر على أن أقول الشعر لبكيته كما بكيت أخاك، فقال: لو قتل أخي يوم اليمامة كما فتل زيد ما بكيته أبداً، فأبصر عمر وتعزى عن أخيه، وكان قد حزن عليه حزناً شديداً، وكان يقول: إن الصبا لتهب فتأتيني بريح زيد. قال ابن أبي عون: ما كان عمر يقول من الشعر ولا بيتاً واحداً. وعن عمر أنه كان يقول: أسلم قبلي واستشهد قبلي. وقد روى عنه ابنه، وابن عمر، له عنه النهي عن قتل ذوات البيوت.
6

(3/60)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 61
2 (حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم المخزومي)
له هجرة، وقيل أسلم يوم الفتح، وهو جد سعيد بن المسيب، أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يغير اسمه وقال: أنت سهل، فقال: لا أغير اسمي. قتل يوم اليمامة، وقيل يوم بزاخة.
2 (عبد الله بن سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود)
القرشي العامري أبو سهيل. استشهد يومئذ وله ثمان وثلاثون سنة. وكان أقبل يوم بدر مع قريش فانحاز إلى المسلمين وشهد بدراً. وقال الواقدي: لما حج أبو بكر لقي أباه بمكة فعزاه به، فقال سهيل: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يشفع الشهيد لسبعين من أهله، فأرجو أن يبدأ بي. وقد كان عبد الله هاجر إلى الحبشة الهجرة الأولى.
6

(3/61)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 62
2 (مالك بن عمرو)
حليف بني غنم. مهاجري بدري، استشهد يومئذ.
2 (الطفيل بن عمرو الدوسي الأزدي)
كان يسمى ذا القطنتين، وقدم المدينة في خلافة أبي بكر، وغزا اليمامة فاستشهد هو وابنه.) وكان شريفاً شاعراً لبيباً.
6

(3/62)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 63
طول ابن عبد البر ترجمة الطفيل، وساق قصة إسلامه بمكة، وفي آخر الخبر قال: فلما بعث الصديق بعثه إلى مسيلمة قال: خرجت ومعي ابني عمرو فرأيت كأن رأسي حلق وخرج من فمي طائر، وكأن امرأة أدخلتني فرجها، فأولتها حلق رأسي قطعه، وأما الطائر فروحي، وأما المرأة فالأرض أدفن فيها. فاستشهد يوم اليمامة.
2 (يزيد بن رقيش بن رباب الأسدي)
شهد بدراً. وقتل يوم اليمامة.
2 (أسماء جماعة آخرين من الشهداء)
عبد الله بن مخزمة، السائب بن عثمان بن مظعون، وممن استشهد يومئذ: الحكم بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي، والسائب بن عثمان بن مظعون وهو شاب أصابه سهم، ويزيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد الأنصاري أخو زيد بن ثابت. ومخرمة بن شريح الحضرمي حليف بني عبد شمس، وجبير بن مالك، وأمه بحينة وهو أخو عبد الله بن
6

(3/63)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 64
مالك من الأزد، وهم حلفاء بني المطلب بن عبد مناف، والسائب بن العوام ابن خويلد الأسدي أخو الزبير، ووهب بن حزن بن أبي وهب المخزومي عم سعيد بن المسيب، وأخوه حكيم، وأخوهما عبد الرحمن بن حزن، وأبوهم وقد ذكر، وعامر بن البكير الليثي حليف بني عدي، وهو أحد من شهد بدراً، ومالك بن ربيعة حليف بني عبد شمس، وأبو أمية صفوان بن أمية بن عمرو، وأخوه مالك المتقدم، ويزيد بن أوس حليف بني عبد الدار، وحيي وقيل معلى بن جارية الثقفي، وحبيب بن أسيد بن جارية الثقفي، والوليد بن عبد شمس بن المغيرة المخزومي، وعبد الله بن عمرو بن بجرة العدوي، وأبو قيس بن الحارث بن قيس السهمي، وعبد الله بن الحارث بن قيس السهمي وأخوه، وهما من مهاجرة الحبشة. وعبد الله بن مخرمة بن عبد العزي بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر العامري من المهاجرين الأولين، شهد بدرا والمشاهد، كنيته أبو محمد، وعاش إحدى وأربعين سنة. ومن ذريته نوفل بن مساحق بن عبد الله بن مخرمة. وعمرو بن أويس بن سعد بن أبي سرح العامري، وسليط بن سليط بن عمرو العامري، وربيعة بن أبي خرشة العامري، وعبد الله بن الحارث بن رحضة من بني عامر.)
6

(3/64)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 65
والسائب بن عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح، وأمه خولة بنت حكيم السلمية بنت ضعيفة بنت العاص بن أمية بن عبد شمس. هاجر الهجرة الثانية إلى الحبشة. قيل آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين حارثة بن سراقة الأنصاري، واستشهد حارثة ببدر، وكان السائب من الرماة المذكورين، شهد بدراً على الصحيح، أصابه يوم اليمامة سهم فمات منه. واستشهد من الأنصار: عباد بن بشر بن وقش بن زغبة بن زعواء بن عبد الأشهل الأوسي البدري أبو الربيع من فضلاء الصحابة، عاش خمساً وأربعين سنة، وهو الذي أضاءت عصاه ليلة حين انقلب إلى منزله، وكان قد سمر عند النبي صلى الله عليه وسلم.
6

(3/65)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 66
أسلم عباد على يدي مصعب بن عمير، وكان فيمن قتل كعب بن الأشرف. واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على صدقات مزينة وبني سليم، وعلى حرسه بتبوك. وأبلى يوم اليمامة بلاءً حسناً، وكان من الشجعان. وعن عائشة قالت: ثلاثة من الأنصار لم يكن أحد يعتد عليهم فضلاً، كلهم من بني عبد الأسهل: سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وعباد بن بشر. رواه ابن إسحاق، عن يحيى بن عباد، عن أبيه، عن عائشة. روي عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن عائشة قالت: تهجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، فسمع صوت عباد بن بشر فقال: يا عائشة هذا صوت عباد قلت: نعم، قال: اللهم اغفر له. قلت: روى حديثاً لعباد: حماد بن سلمة، عن ابن إسحاق، عن حصين بن عبد الرحمن بن عبد الله الخطمي، عن عبد الرحمن بن
6

(3/66)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 67
ثابت الأنصاري عنه مرفوعاً: يا معشر الأنصار أنتم الشعار والناس الدثار. وقال ابن المديني: لا أحفظ لعباد غيره. معن بن عدي بن الجد بن العجلان الأنصاري أحدحلفاء بني مالك بن عوف، وهو أحد من شهد العقبة وبدراً، وكان يكتب العربية قبل الإسلام، وله عقب اليوم. قاله ابن سعد. وقال الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، أن معن بن عدي أحد الذين لقيا أبا بكر وعمر، وهما يريدان سقيفة بني ساعدة فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم واقضوا أمركم. وقال عروة: بلغنا أن الناس بكوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: ليتنا متنا قبله،) نخشى أن نفتتن بعده، فقال معن: لكني والله ما أحب أني مت قبله حتى أصدقه ميتاً كما أصدقه حياً. فقتل يوم مسيلمة.
6

(3/67)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 68
عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن مالك بن الحارث بن عبيد بن مالك بن سالم الذي يقال له الحبلى لعظم بطنه بن غنم بن عوف بن الخزرج الأنصاري المعروف بابن سلول، وهي أم أبي بن مالك، وكانت خزاعية، وأبوه المنافق المشهور. كان عبد الله من فضلاء الصحابة، وكان اسمه الحباب، وبه كان يكنى أبوه، فلما أسلم سماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله. شهد بدراً وما بعدها. وذكر ابن منده أن أنفه أصيبت يوم أحد، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفاً من ذهب. وروي عن عائشة، عن عبد الله بن عبد الله قال: ندرت ثنيتي فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أتخذ ثنية من ذهب. وهذا أثبت من قول ابن منده. استشهد
6

(3/68)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 69
يوم اليمامة. ثابت بن قيس بن شماس من بني الحارث بن الخزرج، لم يشهد بدراً، وكان أمير الأنصار في قتال أهل الردة كما ذكرنا. قال ابن إسحاق: قال ثابت بن قيس: بئس ما عودتم أنفسكم يا معشر المسلمين، ثم قاتل حتى قتل. وزحف المسلمون حتى ألجئوهم إلى الحديثة وفيها مسيلمة عدو الله، فقال البراء بن مالك: يا معشر المسلمين ألقوني عليه، فاحتمل حتى إذا أشرف على الجدار اقتحم إليهم فقاتلهم حتى فتح الحديقة للمسلمين.
7

(3/69)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 70
أبو دجانة سماك بن خرشة بن لوذان بن عبد ود بن زيد الساعدي. كانت عليه يوم بدر عصابة حمراء، قيل آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين عتبة بن غزوان. وقال الواقدي: وثبت أبو دجانة يوم أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم وبايعه على الموت، وهو ممن شرك في قتل مسيلمة، وقتل يومئذ. وقال ابن سعد: لأبي دجانة عقب بالمدينة وبغداد إلى اليوم. وقال زيد بن أسلم: دخل على أبي دجانة وهو مريض وكان وجهه يتهلل فقيل له: ما) لوجهك يتهلل فقال: ما من عملي شيء أوثق عندي من اثنتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، والأخرى فكان قلبي للمسلمين سليماً. وقال عن أنس: إن أبا دجانة رمى بنفسه إلى داخل الحديقة فانكسرت
7

(3/70)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 71
رجله، فقاتل وهو مكسور الرجل حتى قتل. عمارة بن حزم بن زيد بن لوذان من بني مالك بن النجار، وهو أخو عمرو بن حزم. شهد عمارة العقبة وبدراً، وكانت معه راية بني مالك بن النجار يوم الفتح، ولم يعقب. عقبة بن عامر بن نابئ بن زيد بن حرام السلمي. شهد العقبة الأولى، ويجعل في النفر الستة الذين أسلموا بمكة أول الانصار، وشهد بدراً والمشاهد، وليس له عقب. ثابت بن هزال من بني سالم بن عوف.
7

(3/71)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 72
شهد بدراً في قول جماعة، وقتل يومئذ. أبو عقيل بن عبد الله بن ثعلبة من بني جحجبا. اسمه عبد الرحمن. شهد بدراً والمشاهد كلها، وكان من سادة الأنصار، أصابه سهم يوم اليمامة فنزعه، وتحزم وأخذ السيف وقاتل حتى قتل، فوجد به جراحات كثيرة. وممن استشهد يومئذ من الأنصار: عبد الله بن عتيك، ورافع بن سهل، وحاجب بن يزيد الأشهلي، وسهل بن عدي، ومالك بن أوس بن عتيك، وعمير بن أوس أخوه، وطلحة بن عتبة من بني جحجبا، ورباح مولى الحارث، ومعن بن عدي العجلاني بخلف. واستشهد من الأنصار يومئذ: جرو بن مالك بن عامر الأنصاري من بني جحجبا، وقيل جزء بالزاي، وودقة بن إياس بن عمرو الخزرجي الأنصاري أحد من شهد بدراً، وجرول بن العباس، وعامر بن ثابت، وبشر بن عبد الله الخزرجي، وكليب بن تميم، وعبد الله بن عتبان، وإياس بن ودقة،
7

(3/72)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 73
وأسيد بن يربوع، وسعد بن حارثة، وسهل بن حمان، ومخاشن من حمير، وسلمة بن مسعود وقيل مسعود بن سنان، وضمرة بن عياض، وعبد الله بن أنيس، وأبو حبة بن غزية المازني، وحبيب بن زيد، وحبيب بن عمرو بن محصن، وثابت بن خالد، وفروة بن النعمان، وعائذ بن ماعص. قال خليفة: فجميع من استشهد من المهاجرين والأنصار ثمانية وخمسون رجلاً، يعني يوم) اليمامة. وقيل إن مسيلمة قتل عن مائة وخمسين سنة، وكان قد ادعى النبوة، وتسمى برحمان اليمامة فيما قيل قبل أن يولد عبد الله أبو النبي صلى الله عليه وسلم، وقرآن مسيلمة ضحكة للسامعين.
2 (وقعة جواثا)
بعث الصديق رضي الله عنه العلاء بن الحضرمي إلى البحرين، وكانوا قد ارتدوا إلا نفراً ثبتوا مع الجارود فالتقوا بجواثا فهزمهم الله. قال ابن إسحاق: حاصرهم العلاء بجواثا حتى كاد المسلمون يهلكون
7

(3/73)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 74
من الجهد، ثم أنهم سكروا ليلة في حصنهم، فبيتهم العلاء، فقيل: إن عبد الله بن عبد الله بن أبي استشهد يوم جواثا لا يوم اليمامة، شهد بدراً. وفيها بعث الصديق عكرمة بن أبي جهل إلى عمان وكانوا ارتدوا وبعث المهاجرين أبي أمية المخزومي إلى أهل النجير وكانوا ارتدوا، وبعث زياد بن لبيد الأنصاري إلى طائفة من المرتدة. فقال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر أن زياداً بيتهم فقتل ملوكاً أربعة: حمداً، ومخوصاً، ومشرحاً، وأبضعة. وفيها أقام الحج أبو بكر للناس.
2 (وفاة أبو العاص بن الربيع)
ابن شمس العبشمي، زوج زينب بنت الرسول صلى الله عليه وسلم وابن خالتها هالة بنت خويلد بن أسد، فولدت من أبي العاص علياً ومات صغيراً، وأمامة
7

(3/74)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 75
وهي التي حملها النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة. وقد تزوج علي أمامة بعد موت خالتها فاطمة. وكان أبو العاص يسمى جرو البطحاء. أسلم قبل الحديبية بخمسة أشهر، ثم رجع إلى مكة. وقال المسور بن مخرمة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أثنى على أبي العاص في مصاهرته وقال: حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي.
7

(3/75)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 76
قلت: كان وعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم زوجته، فوفى بذلك وفارقها مع حبه لها.) وكان من تجار قريش وأمنائهم، وقد تقدم من شأنه بعد بدر. توفي في ذي الحجة، وأوصى إلى الزبير. الصعب بن جثامة الليثي الحجازي، وكان ينزل ودان، وهو الذي أهدى للنبي حمار وحش.
7

(3/76)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 77
روى عنه حديثه ابن عباس. توفي في إمرة أبي بكر. م د ت ن أبو مرثد الغنوي إسمه كناز بن الحصين، حليف حمزة بن عبد المطلب. شهد بدراً والمشاهد، وابنه مرثد بدري أيضاً. ولابن ابنه أنيس بن مرثد صحبة. روى عن أبي مرثد: واثلة بن الأسقع حديث لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها. وفيها: بعد فراغ قتال أهل الردة بعث أبو بكر الصديق خالد بن الوليد إلى البصرة، وكانت تسمى أرض الهند، فسار خالد بمن معه من اليمامة إلى أرض البصرة، فغزا الأبلة فافتتحها، ودخل ميسان فغنم
7

(3/77)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 78
وسبى من القرى، ثم سار نحو السواد، فأخذ على أرض كسكر وزندورد بعد أن استخلف على البصرة قطبة بن قتادة السدوسي، وصالح خالد أهل أليس على ألف دينار في شهر رجب من السنة، ثم افتتح نهر الملك، وصالحه ابن بقلية صاحب الحيرة على تسعين ألفاً، ثم سار نحو أهل الأنبار فصالحوه.
2 (خالد يحاصر عين التمر)
ثم حاصر عين التمر ونزلوا على حكمه، فقتل وسبى. وقتل من المسلمين بعين التمر: بشير بن سعد بن ثعلبة أبو النعمان الأنصاري الخزرجي، وكان من كبار الأنصار، شهد بدراً والعقبة.
7

(3/78)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 79
وقيل: إنه أول من أسلم من الأنصار.
2 (جمع زيد بن ثابت للمصحف)
وفيها لما استحر القتل بقراء القرآن يوم اليمامة أمر أبو بكر بكتابة القرآن زيد بن ثابت، فأخذ يتتبعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، حتى جمعه زيد في صحف. قال محمد بن جرير الطبري: ولما فرغ خالد من فتوح مدائن كسرى التي بالعراق صلحاً وحرباً خرج لخمس بقين من ذي القعدة فكتما بحجته، ومعه جماعة تعتسف البلاد حتى أتى مكة، فتأتي له من ذلك ما لم يتأت لدليل، فسار طريقاً من طرق الحيرة لم ير قط أعجب منه ولا أصعب، فكانت غيبته عن الجند يسيرة، فلم يعلم بحجه أحد إلا من أفضى إليه بذلك. فلما علم أبو بكر بحجة عتبة وعنفه وعاقبه بأن صرفه إلى الشام، فلما وافاه كتاب أبي بكر عند منصرفه من حجه بالحيرة يأمره بانصرافه إلى الشام حتى يأتي من بها من جموع المسلمين باليرموك، ويقول له: إياك أن تعود لمثلها.
8

(3/79)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 80
قلت: وإنما جاء الكتاب بأن يسير إلى الشام في أوائل سنة ثلاث عشرة. قلت: سار خالد بجيشه من العراق إلى الشام في البرية، وكادوا يهلكون عطشاً. قال الواقدي: ثنا موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبيه قال: أشار عمر بن الخطاب على أبي بكر أن اكتب إلى خالد بن الوليد يسير بمن معه إلى عمرو بن العاص مدداً له، فلما أتى كتاب أبي بكر خالداً قال: هذا من عمر حسدني على فتح العراق وأن يكون على يدي، فأحب أن يجعلني مدداً لعمرو، فإن كان فتح كان ذكره له دوني.
8

(3/80)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 81
(أحداث سنة ثلاث عشرة)
قال إسحاق: لما قفل أبو بكر عن الحج بعث عمرو بن العاص قبل فلسطين، ويزيد بن أبي سفيان وأبا عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة، وأمرهم أن يسلكوا على البلقاء. وروى جرير قال: قالوا لما وجه أبو بكر الجنود إلى الشام أول سنة ثلاث عشرة، فأول لواء عقده لواء خالد بن سعيد بن العاص، ثم عزله قبل أن يسير خالد، وقيل: بل عزله بعد أشهر من مسيره، وكتب إلى خالد فسار إلى الشام، فأغار على غسان بمرج راهط، ثم سار فنزل على قناة بصرى، وقدم أبو عبيدة وصاحباه فصالحوا أهل بصرى، فكانت أول ما فتح من مدائن الشام، وصالح خالد في وجهه ذلك أهل تدمر.
8

(3/81)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 82
قال ابن إسحاق: ثم ساروا جميعاً قبل فلسطين، فالتقوا بأجنادين بين الرملة، وبين جبرين، والأمراء كل على جنده، وقيل: إن عمراً كان عليهم جميعاً، وعلى الروم القبقلار فقتل، وانهزم المشركون يوم السبت لثلاث من جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة. فاستشهد نعيم بن عبد الله بن النحام، وهشام بن العاص، والفضل بن العباس، وأبان بن سعيد. وقال الواقدي: الثبت عندنا أن أجنادين كانت في جمادى الأولى، وبشر بها أبو بكر وهو بآخر رمق. وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: قتل من المسلمين يوم أجنادين عمرو، وأبان، وخالد بنو سعيد بن العاص بن أمية، والطفيل بن عمرو، وعبد الله بن عمرو الدوسيان، وضرار بن الأزور، وعكرمة بن أبي
8

(3/82)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 83
جهل بن هشام، وسلمة بن هشام بن المغيرة عم عكرمة، وهبار بن سفيان المخزومي، ونعيم بن النحام، وصخر بن نصر العدويان، وهشام بن العاص السهمي، وتميم، وسعيد ابنا الحارث بن قيس. وقال محمد بن سعد: قتل يومئذ طليب بن عمير، وأمه أروى هي عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن أبي الحويرث قال: برز يوم أجنادين بطريق فبرز إليه عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب بن هاشم، فقتله عبد الله، ثم برز بطريق آخر فقتله عبد الله بعد محاربة طويلة، فعزم عليه عمرو بن العاص أن لا يبارز، فقال: والله ما أجدني أصبر، فلما اختلطت السيوف وجد مقتولاً.) قال الواقدي: عاش ثلاثين سنة، ولا نعلمه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: إنه كان ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين. وقال ابن جرير: قتل يوم أجنادين: الحارث بن أوس بن عتيك،
8

(3/83)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 84
وعثمان بن طلحة بن أبي طلحة العبدري. كذا قال ابن جرير.
2 (وقعة مرج الصفر)
قال خليفة: كانت لاثنتي عشرة بقيت من جمادى الأولى، والأمير خالد بن سعيد. قال ابن إسحاق: وعلى المشركين يومئذ قلقط، وقتل من المشركين مقتلة عظيمة وانهزموا. وروى خليفة، عن الوليد بن هشام، عن أبيه قال: استشهد يوم مرج الصفر خالد بن سعيد بن العاص، ويقال أخوه عمرو قتل أيضاً، والفضل بن العباس، وعكرمة بن أبي جهل، وأبان بن سعيد يومئذ بخلف.
8

(3/84)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 85
وقال غيره: قتل يومئذ نميلة بن عثمان الليثي، وسعد بن سلامة الأشهلي، وسالم بن أسلم الأشهلي. وقيل: أن وقعة مرج الصفر كانت في أول سنة أربع عشرة، والأول أصح. وقال سعيد بن عبد العزيز: التقوا على النهر عند الطاحونة، فقتلت الروم يومئذ حتى جرى النهر وطحنت طاحونتها بدمائهم فأنزل النصر. وقتلت يومئذ أم حكيم سبعة من الروم بعمود فسطاطها، وكانت تحت عكرمة بن أبي جهل، ثم تزوجها خالد بن سعيد بن العاص. قال محمد بن شعيب: فلم تقم معه إلا سبعة أيام عند قنطرة أم حكيم بالصفر، وهي بنت الحارث بن هشام المخزومي، ثم تزوجها فيما قيل عمرو.
2 (وقعة فحل)
قال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: كانت وقعة فحل في ذي القعدة سنة ثلاث عشرة. وعن عبد الله بن عمرو قال: شهدنا أجنادين ونحن يومئذ عشرون
8

(3/85)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 86
ألفاً، وعلينا عمرو بن العاص، فهزمهم الله، ففاءت فئة إلى فحل في خلافة عمر، فسار إليهم عمرو في الجيش فنفاهم عن فحل.
8

(3/86)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 87
2 (وفاة أبي بكر)

2 (رضي الله عنه)
وفيها توفي خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق لثمان بقين من جمادى الآخرة، وعهد بالأمر بعده إلى عمر، وكتب له بذلك كتاباً. فأول ما فعل عمر عزل خالد بن الوليد عن أمراء الشام، وأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح، وكتب إليه بعهده، ثم بعث جيشاً من المدينة إلى العراق أمر عليهم أبا عبيد بن مسعود الثقفي والد المختار الكذاب، وكان أبو عبيدة من فضلاء الصحابة، فالتقى مع أهل العراق كما سيأتي.
8

(3/87)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 88
8

(3/88)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 89
2 (المتوفون في هذه السنة)
أبان بن سعيد بن العاص أبو الوليد بن أبي أحيحة، له صحبة، وكان يتجر إلى الشام، وتأخر إسلامه، وهو الذي أجار عثمان يوم صلح الحديبية حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة، فتلقاه أبان هذا وهو يقول:
(أقبل وأسهل ولا تخف أحداً .......... بنو سعيد أعزة البلد)
فلما قدم أخواه من هجرة الحبشة، خالد وعمرو، أرسلا إليه مكة يدعوانه إلى الإسلام فأجابهما، وقدم المدينة مسلماً، ثم خرج الإخوة الثلاثة
9

(3/89)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 90
من المدينة حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر. وقد استعمله النبي صلى الله عليه وسلم في آخر سنة تسع على البحرين، ثم استشهد يوم أجنادين على الأصح. أنسة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مولدي السراة. روى الواقدي بإسناده، عن ابن عباس أنه قتل يوم بدر وقال الواقدي: رأيت أهل العلم يثبتون أنه لم يقتل ببدر، وأنه قد شهد أحداً وبقي بعد ذلك زماناً. وحدثني ابن أبي الزناد عن محمد بن يوسف قال: مات أنسة في خلافة أبي بكر، وكان يكنى أبا مسرح. وعن الزهري أن أنسة كان يأذن للناس على النبي. الحارث بن أوس بن عتيك قتل بأجنادين. وقد أسلم قبل الهجرة. تميم بن الحارث بن قيس، وأخوه سعيد قتلا بأجنادين
9

(3/90)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 91
وهما من بني سهم، لهما صحبة، وللحارث الذي قبلهما، وهم من مهاجرة الحبشة.) خالد بن سعيد بن العاص بن أمية، أبو سعيد الأموي، من السابقين الأولين. فعن أم خالد بنته قالت: كان أبي خامساً في الإسلام، وهاجر إلى أرض الحبشة وأقام بها بضع عشرة سنة. وولدت أنا بها. وروى إبراهيم بن عقبة عنها قالت: أبي أول من كتب بسم الله الرحمن الرحيم.
9

(3/91)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 92
وجاء أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمله على صنعاء، وأن أبا بكر أمره على بعض الجيش في فتوح الشام. فقال موسى بن عقبة: أخبرنا أشياخنا أنه قتل مشركاً ثم لبس سلبه ديباجاً أو حرداً، فنظر الناس إليه وهو مع عمرو فقال: ما تنظرون من شاء فليعمل مثل عمل خالد، ثم يلبس لباسه. ويروى أن الذي قتل خالداً أسلم وقال: من هذا الرجل فإني رأيت له نوراً ساطعاً إلى السماء. وقيل: كان خالد وسيماً جميلاً، قتل يوم أجنادين. سعد بن عبادة سيد الخزرج، توفي فيها في قول، ويشهد له ما قال أبو صالح السمان، وابن سيرين وغيرهما: إن سعداً قسم ماله وخرج إلى
9

(3/92)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 93
الشام فمات، وولد له بعد موته، فجاء أبو بكر وعمر إلى ابنه قيس فقالا: إن سعداً يرحمه الله توفي وإنا نرى أن تردوا على هذا الولد، فقال: ما أنا بمغير شيئاً صنعه سعد ولكن نصيبي له. سلمة بن هشام بن المغيرة أبو هاشم المخزومي أخو أبي جهل. كان قديم الإسلام، وهو الذي كان يدعو له النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت، وكان قد رجع من الحبشة إلى مكة فحبسه أبو جهل وأجاعه ثم انسل فلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الخندق. استشهد يوم أجنادين. السائب بن الحارث بن قيس بن عدي السهمي. من مهاجرة الحبشة هو وإخوته. قتل يوم فحل. ضرار بن الأزور الأسدي، له صحبة. كان من أبطال الأعراب وفرسانهم.
9

(3/93)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 94
مر به النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحلب فقال: دع داعي اللبن. قاله الأعمش عن عبد الله بن سنان، عنه. وقيل: إنما اسمه مالك بن أوس، وكان على مسيرة خالد بن الوليد يوم بصرى، وشهد حروباً وفتوحاً كثيرة، ونزل الجزيرة ومات بها.) وأما موسى بن عقبة وعروة فذكرا أنه قتل بأجنادين. طليب بن عمير بن وهب بن كثير بن عبد بن قصي القرشي العبدي.
9

(3/94)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 95
وأمه أروى بنت عبد المطلب، من المهاجرين الأولين، يقال شهد بدراً. قال ابن إسحاق، والواقدي، والزبير. وقد هاجر الهجرة الثانية إلى الحبشة. قال الزبير بن بكار: هو أول من دمى مشركاً فقيل: إن أبا جهل سب النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ طليب لحى جمل فشج أبا جهل به. استشهد يوم أجنادين وقد شاخ. وقد انقرض ولد عبد بن قصي بن كلاب، وآخر من بقي منهم لم يكن له من يرثه من بني عبد، فورثه عبد الصمد بن علي العباسي،
9

(3/95)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 96
وعبيد الله بن عروة بن الزبير بالقعدد إلى قصي، وهما سواء. عبد الله بن الزبير الهاشمي بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي. قتل يوم أجنادين، ووجدوا حوله عصبة من الروم قتلهم، ثم أثخنته الجراح فمات. وكان أحد الأبطال. فعن الواقدي قال: أول من قتل من الروم يوم أجنادين بطريق برز وهو معلم، فبرز إليه عبد الله بن الزبير فقتله، ولم يعرض لسلبه، ثم برز آخر فبرز إليه عبد الله فاقتتلا بالرمحين، ثم بالسيفين، فحمل عليه عبد الله بالسيف فضربه على عاتقه، وذكر الحديث. فلما فرغوا وجد عبد الله وحوله عشرة من الروم قتلى وهو مقتول بينهم. وعاش نحو ثلاثين سنة. عبد الله بن عمرو الدوسي استشهد بأجنادين. مجهول، وذكره
9

(3/96)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 97
ابن سعد. عثمان بن طلحة الحجبي وهم من قال: إنه قتل بأجنادين، بقي إلى بعد الأربعين. عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية الأموي أبو عبد الرحمن، أمير مكة.
9

(3/97)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 98
أسلم يوم الفتح فاستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على مكة. أرسل عنه سعيد بن المسيب حديثاً خرجوه في السنن. وأقره أبو بكر على مكة فتوفي بها فيما قيل يوم وفاة أبي بكر الصديق، ومات شاباً. عكرمة بن أبي جهل أبي الحكم عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم أبو عثمان القرشي المخزومي.
9

(3/98)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 99
كان من رؤوس الجاهلية كأبيه، ثم استسلم وحسن إسلامه. قال ابن أبي مليكة: كان عكرمة إذا اجتهد في اليمين قال: لا والذي نجاني يوم بدر. أسلم بعد الفتح، وقدم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: مرحباً بالراكب المهاجر.) واستعمله الصديق على عمان حين ارتدوا، فقاتلهم، فأظفره الله بهم، ثم خرج إلى الشام مجاهداً، فكان أميراً على بعض الكراديس.
10

(3/99)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 100
أرسل عنه مصعب بن سعد حديثاً رواه الترمذي وهو: مرحباً بالراكب المهاجر فقلت: والله يا رسول الله لا أدع نفقة أنفقتها عليك إلا أنفقت مثلها في سبيل الله. والحديث ضعيف السند. ولم يعقب عكرمة. قال الشافعي: كان عكرمة محمود البلاء في الإسلام. قال عروة وغيره: استشهد بأجنادين. وقال ابن سعد وخليفة: بها، وقيل: باليرموك. وقال أبو إسحاق السبيعي: نزل عكرمة يوم اليرموك فقاتل قتالاً شديداً وقتل، فوجدوا به بضعاً وسبعين ما بين ضربة ورمية وطعنة. عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي. أخو أبان، وخالد أولاد أبي أحيحة.
10

(3/100)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 101
أسلم عمرو ولحق بأخيه بأخيه خالد بالحبشة، وقدم معه أيام خيبر، وشهد فتح مكة، واستشهد يوم أجنادين. الفضل بن العباس الأصح موته سنة ثماني عشرة. نعيم بن عبد الله النحام أحد بني كعب بن عدي القرشي. من المهاجرين. أسلم قبل عمر، ولم يتهيأ له هجرة إلى زمن الحديبية، وقيل: له رواية. استشهد يوم أجنادين، وقيل يوم اليرموك. ويروى أنه إنما سمي النحام لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دخلت الجنة فسمعت نحمة من نعيم.
10

(3/101)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 102
والنحمة: السلعة، وقيل النحنحة الممدود آخرها. وكان ينفق على أرامل بني عدي وأيتامهم، فقالت قريش: أقم عندنا على أي دين شئت، فوالله لا يتعرض إليك أحد إلا ذهبت أنفسنا دونك. ويقال: لما هاجر إلى المدينة كان معه أربعون من أهل بيته. أرسل عنه نافع، ومحمد بن إبراهيم التميمي. هبار بن الأسود بن المطلب بن أسد، أبو الأسود القرشي الأسدي، له صحبة ورواية. روى عنه عروة بن الزبير، وسليمان بن يسار مرسلاً إن كان استشهد بأجنادين وابناه عبد الملك،) وأبو عبد الله. قال ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح: إن هبار بن الأسود تناول زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعنة رمح فأسقطت، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فقال: إن وجدتموه فاجعلوه بين حزمتي حطب ثم أحرقوه، قم قال: سبحان الله ما ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله.
10

(3/102)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 103
ثم أسلم وهاجر، فقيل إنه كان يسب ولا يسب من سبه، فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من سبك سبه. هبار بن سفيان بن عبد الأسد الأزدي المخزومي. قديم الإسلام من مهاجرة الحبشة. استشهد يوم أجنادين على الأصح، ويقال يوم مؤتة قبل ذلك، وهو ابن أخي أبي سلمة. هشام بن العاص بن وائل أبو مطيع القرشي أخو عمرو، وكان هشام الأصغر. شهد
10

(3/103)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 104
لهما النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان فقال: ابنا العاص مؤمنان. وله عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث رواه عنه ابن أخيه عبد الله. وقد أرسله الصديق رسولاً إلى ملك الروم، وأسلم قبل عمرو، وهاجر إلى الحبشة، فلما بلغه هجرة النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة فحبسه أبوه، ثم هاجر بعد الخندق. وجاء أنه كان يتمنى الشهادة فرزقها يوم أجنادين على الصحيح، وقيل يوم اليرموك، وكان فارساً شجاعاً مذكوراً. ولم يعقب. حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ابنا العاص مؤمنان هشام وعمرو. جرير بن حازم، عن عبد اله بن عبيد بن عمير قال: قال عمرو ابن العاص: شهدت أنا وأخي هشام اليرموك فبات وبت ندعو الله يرزقنا الشهادة، فلما أصبحنا رزقها وحرمتها. وقيل إن هشام بن العاص كان يحمل فيهم فيقتل النفر منهم حتى قتل
10

(3/104)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 105
ووطئته الخيل. حتى جمع أخوه لحمه في نطع فواراه. وعن زيد بن أسلم قال: لما بلغ عمر قتله قال: رحمه الله فنعم العون كان للإسلام. أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. اسمه عبد الله ويقال عتيق بن أبي) قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيمي رضي الله عنه. روى عنه خلق من الصحابة وقدماء التابعين. من آخرهم أنس بن مالك، وطارق بن شهاب، وقيس بن أبي حازم، ومرة الطيب. قال ابن أبي مليكة وغيره: إنما كان عتيق لقباً له. وعن عائشة قالت: اسمه الذي سماه أهله به عبد الله ولكن غلب عليه عتيق. وقال ابن معين: لقبه عتيق لأن وجهه كان جميلاً، وكذا قال الليث بن سعد. وقال غيره: كان أعلم قريش بأنسابها.
10

(3/105)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 106
وقيل: كان أبيض نحيفاً خفيف العارضين، معروق الوجه، غائر العينين، ناتئ الجبهة، يخضب شيبه بالحناء والكتم. وكان أول من آمن من الرجال. وقال ابن الأعرابي: العرب تقول للشيء قد بلغ النهاية في الجودة: عتيق. وعن عائشة قالت: ما أسلم أبو أحد من المهاجرين إلا أبو بكر. وعن الزهري قال: كان أبو بكر أبيض أصفر لطيفاً جعداً مسترق الوركين، لا يثبت إزاره على وركيه. وجاء أنه اتجر إلى بصرى غير مرة، وأنه أنفق أمواله على النبي صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر.
10

(3/106)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 107
وقال عروة بن الزبير: أسلم أبو بكر يوم أسلم وله أربعون ألف دينار. وقال عمرو بن العاص: يا رسول الله أي الرجال أحب إليك قال أبو بكر. وقال أبو سفيان، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبغض أبا بكر وعمر مؤمن ولا يحبهما منافق. وقال الشعبي، عن الحارث، عن علي: إن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى أبي بكر وعمر فقال: هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين، لا تخبرهما يا علي. وروي نحوه من وجوه مقاربة عن زر ابن حبيش، وعن عاصم بن ضمرة، وهرم، عن) علي. وقال طلحة بن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس مثله. وقال محمد بن كثير، عن الأوزاعي، عن قتادة، عن أنس مثله.
10

(3/107)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 108
أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب، ثم رواه من حديث الوقري، عن الزهري، ولم يصح. وقال ابن مسعود: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً. روى مثله ابن عباس فزاد: ولكن أخي وصاحبي في الله، سدوا كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر. هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، عن عمر أنه قال: أبو بكر سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. صححه الترمذي. وصح من حديث الجريري، عن عبد الله بن شقيق قال: قلت لعائشة: أي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: أبو بكر، قلت: ثم من قال: عمر، قلت: ثم من قالت: أبو عبيدة، قلت: ثم من فسكتت.
10

(3/108)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 109
مالك في الموطأ عن أبي النصر، عن عبيد بن حنين، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر فقال: إن عبداً خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده فاختار ما عنده، فقال أبو بكر: فديناك يا رسول الله بآبائنا وأمهاتنا، قال: فعجبنا، فقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خيره الله، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا به. وقال النبي صلى الله عليه وسلم إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن أخوة الإسلام، لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر. متفق على صحته. وقال أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير، عن ابن أبي المعلى، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه، والأول أصح. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه ما) خلا أبا بكر، فإن له عندنا يداً يكافئه الله بها يوم القيامة، وما نفعني
11

(3/109)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 110
مال قط ما نفعني مال أبي بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً إلا وإن صاحبكم خليل الله. قال الترمذي: حديث حسن غريب. وكذا قال في حديث كثير النواء، عن جميع بن عمير، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: أنت صاحبي على الحوض وصاحبي في الغار. وروي عن القاسم، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي لقوم فيهم أبي بكر أن يؤمهم غيره. تفرد به عيسى بن ميمون، عن القاسم، وهو متروك الحديث. قال محمد بن جبير بن مطعم: أخبرني أبي أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمته في شيء، فأمرها بأمر، فقالت: أرأيت يا رسول الله إن لم أجدك قال: إن لم تجديني فأتي أبا بكر. متفق على صحته.
11

(3/110)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 111
وقال أبو بكر الهذلي، عن الحسن، عن علي قال: لقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يصلي بالناس، وإني لشاهد وما بي مرض، فرضينا لدنيانا من رضي به النبي صلى الله عليه وسلم لديننا. وقال صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتاباً، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر. هذا حديث صحيح. وقال نافع بن عمر: ثنا ابن أبي مليكة، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه: ادعوا لي أبا بكر وابنه فليكتب لكيلا يطمع في أمر أبي بكر طامع ولا يتمنى متمن، ثم قال: يأبى الله ذلك والمسلمون. تابعه غير واحد، منهم عبد العزيز بن رفيع، عن ابن أبي مليكة، ولفظه:: معاذ الله أن يختلف المؤمنون في أبي بكر. وقال زائدة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فأتاهم عمر فقال: ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر فأم الناس، فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر فقالوا: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر.
11

(3/111)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 112
وأخرج البخاري من حديث أبي إدريس الخولاني قال: سمعت أبا الدرداء يقول: كان بين أبي) بكر وعمر محاورة فأغضب أبو بكر عمر، فانصرف عنه عمر مغضباً فاتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له، فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه، فأقبل أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو الدرداء: ونحن عنده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما صاحبكم هذا فقد غامر، قال: وندم عمر على ما كان منه، فأقبل حتى سلم وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقص على رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، قال أبو الدرداء: وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل أبو بكر يقول: والله يا رسول الله لأنا كنت أظلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل أنتم تاركون لي صاحبي إني قلت أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت. وأخرج أبو داود من حديث عبد السلام بن حرب، عن أبي خالد الدالاني، حدثني أبو خالد مولى جعدة، عن أبي هريرة: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني جبريل فأخذ بيدي فأراني الباب الذي تدخل منه أمتي الجنة، فقال أبو بكر: وددت أني كنت معك حتى أنظر إليه، قال: أما إنك أول من يدخل الجنة من أمتي. أبو خالد مولى جعدة لا يعرف إلا بهذا الحديث. وقال إسماعيل بن سميع، عن مسلم البطين، عن أبي البختري قال: قال عمر لأبي عبيدة: أبسط يدك حتى أبايعك، فإني سمعت رسول
11

(3/112)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 113
الله صلى الله عليه وسلم يقول: أنت أمين هذه الأمة، فقال: ما كنت لأتقدم بين يدي رجل أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤمنا، فأمنا حتى مات رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال أبو بكر بن عياش: أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن لأن في القرآن في المهاجرين أؤلئك هم الصادقون فمن سماه صادقاً لم يكذب هم سموه وقالوا: يا خليفة رسول الله وقال إبراهيم بن طهمان عن خالد الحذاء عن حميد بن هلال قال: لما بويع أبو بكر أصبح وعلى ساعده أبراد، فقال عمر: ما هذا قال يعني لي عيال، قال: انطلق يفرض لك أبو عبيدة، فانطلقنا إلى أبي عبيدة فقال: أفرض لك قوت رجل من المهاجرين وكسوته، ولك ظهرك إلى البيت. وقالت عائشة: لما استخلف أبو بكر ألقى كل دينار ودرهم عنده في بيت المال وقال: د كنت أتجر فيه وألتمس به، فلما وليتهم شغلوني.) وقال عطاء بن السائب: لما استخلف أبو بكر وعلى رقبته أثواب
11

(3/113)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 114
يتجر فيها، فلقيه عمر وأبو عبيدة فكلماه فقال: فمن أين أطعم عيالي قالا: انطلق حتى نفرض لك، قال: ففرضوا له كل يوم شطر من شاة، وما كسوه في الرأس والبطن، وقال عمر: إلي القضاء، وقال أبو عبيدة: إلي الفيء، فقال عمر: لقد كان يأتي علي الشهر ما يختصم إلي فيه اثنان. وعن ميمون بن مهران قال: جعلوا له ألفين وخمسمائة. وقال محمد بن سيرين: كان أبو بكر أعبر هذه الأمة لرؤيا بعد النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الزبير بن بكار عن بعض أشياخه قال: خطباء الصحابة: أبو بكر، وعلي. وقال عنبسة بن عبد الواحد: حدثني يونس، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة أنها كانت تدعو على من زعم أن أبا بكر قال هذه الأبيات، وقالت: والله ما قال أبو بكر شعراً في جاهلية ولا في إسلام، ولقد ترك هو وعثمان شرب الخمر في الجاهلية. وقال كثير النواء، عن أبي جعفر الباقر: إن هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر وعلي: ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً الآية. وقال حصين، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عمر صعد المنبر ثم قال: ألا إن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، فمن قال غير ذلك بعد مقامي هذا فهو مفتر، عليه ما على المفتري. وقال أبو معاوية وجماعة: ثنا سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن ابن
11

(3/114)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 115
عمر قال: كنا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ذهب أبو بكر، وعمر، وعثمان استوى الناس، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكره. وقال علي: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، وعمر. هذا والله العظيم قاله علي وهو متواتر عنه، لأنه قاله على منبر الكوفة، فقاتل الله الرافضة ما أجهلهم. وقال السدي، عن عبد خير، عن علي قال: أعظم الناس أجراً في المصاحف أبو بكر، كان أول من جمع القرآن بين اللوحين. إسناده حسن. وقال عقيل، عن الزهري إن أبا بكر والحارث بن كلدة كانا يأكلان خزيزة أهديت لأبي بكر، فقال الحارث: ارفع يدك يا خليفة رسول الله، والله إن فيها لسم سنة، وأنا وأنت نموت في يوم واحد، قال: فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يوم واحد عند انقضاء السنة. وعن عائشة قالت: أول ما بدئ مرض أبي بكر أنه اغتسل، وكان يوماً بارداً فحم خمسة عشر) يوماً لا يخرج إلى صلاة، وكان يأمر عمر بالصلاة، وكانوا يعودونه، وكان عثمان ألزمهم له في مرضه. وتوفي مساء ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة. وكانت خلافته سنتين ومائة يوم. وقال أبو معشر: سنتين وأربعة أشهر إلا أربع ليال، عن ثلاث وستين سنة.
11

(3/115)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 116
وقال الواقدي: أخبرني ابن أبي سبرة، عن عبد المجيد بن سهيل، عن أبي سلمة قال: وأخبرنا بردان بن أبي النضر، عن محمد بن إبراهيم التيمي، وأنا وعمرو بن عبد الله. عن أبي النضر، عن عبد الله البهي، دخل حديث بعضهم في بعض، أن أبا بكر لما ثقل دعا عبد الرحمن بن عوف فقال: أخبرني عن عمر، فقال: ما تسألني عن أمر إلا وأنت أعلم به مني، قال: وإن، فقال: هو والله أفضل من رأيك فيه، ثم دعا عثمان فسأله عن عمر، فقال: علمي فيه أن سريرته خير من علانيته وأنه ليس فينا مثله، فقال: يرحمك الله والله لو تركته ما عدوتك، وشاور معهما سعيد بن زيد، وأسيد بن الحضير وغيرهما، فقال قائل: ما تقول لربك إذا سألك عن استخلاف عمر وقد ترى غلظته فقال: أجلسوني، أبالله تخوفوني أقول: استخلفت عليهم خير أهلك. ثم دعا عثمان فقال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجاً منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلاً فيها، حيث يؤمن الكافر، ويوقن الفاجر، ويصدق الكاذب، إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب فاستمعوا له وأطيعوه، وإني لم
11

(3/116)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 117
آل الله ورسوله وديته ونفسي وإياكم خيراً، فإن عدل فذلك ظني به وعلمي فيه، وإن بدل فلكل امرئ ما اكتسب، والخير أردت ولا أعلم الغيب وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. وقال بعضهم في الحديث: لما أن كتب عثمان الكتاب أغمي على أبي بكر، فكتب عثمان من عنده اسم عمر، فلما أفاق أبو بكر قال: اقرأ ما كتبت، فقرأ، فلما ذكر عمر كبر أبو بكر وقال: أراك خفت إن افتلتت نفسي الاختلاف، فجزاك الله عن الإسلام خيراً، والله إن كنت لها أهلاً. وقال علوان بن داود البجلي، عن حميد بن عبد الرحمن، عن صالح ابن كيسان، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، وقد رواه الليث ابن سعد، عن علوان، عن صالح نفسه قال: دخلت على أبي بكر أعوده في مرضه فسلمت عليه وسألته كيف أصبحت فقال: بحمد الله) بارئاً، أما إني على ما ترى وجع، وجعلتم لي شغلاً مع وجعي، جعلت لكم عهداً بعدي، واخترت لكم خيركم في نفسي فكلكم ورم لذلك أنفه رجاء أن يكون الأمر له. ثم قال: أما إني لا آسى على شيء إلا على ثلاث فعلتهن، وثلاث لم أفعلهن، وثلاث وددت أني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهن: وددت أني لم
11

(3/117)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 118
أكن كشفت بيت فاطمة وأن أغلق علي الحرب، وددت أني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق عمر أو أبي عبيدة، وددت أني كنت وجهت خالد بن الوليد إلى أهل الردة وأقمت بذي القصة، فإن ظفر المسلمون وإلا كنت لهم مدداً ورداءً، ووددت أني يوم أتيت بالأشعث أسيراً ضربت عنقه، فإنه خيل إلي أنه لا يكون شر إلا طار إليه، وودت أني يوم أتيت بالفجاءة السلمي لم أكن حرقته وقتلته أو أطلقته نجيحاً، ووددت أني حيث وجهت خالد بن الوليد إلى الشام وجهت عمر بن الخطاب إلى العراق، فأكون قد بسطت يميني وشمالي في سبيل الله. ووددت أني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم في من هذا الأمر ولا ينازعه أهله، وأني سألته هل للأنصار في هذا الأمر شيء وأني سألته عن العمة وبنت الأخ، فإن في نفسي منها حاجة، رواه هكذا وأطول من هذا ابن وهب، عن الليث بن سعد، عن صالح بن كيسان، أخرجه كذلك ابن عائذ. وقال محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص، عن أبيه، عن جده، أن عائشة قالت: حضرت أبي وهو يموت فأخذته غشية فتمثلت:
(من لا يزال دمعه مقنعاً .......... فإنه لا بد مرة مدفوق)
فرفع رأسه وقال: يا بنية ليس كذلك، ولكن كما قال الله تعالى:
11

(3/118)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 119
وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد. وقال موسى الجهني عن أبي بكر بن حفص بن عمر: إن عائشة تمثلت لما احتضر أبو بكر:
(لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى .......... إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر)
فقال: ليس كذلك ولكن وجاءت سكرة الموت بالحق، إني نحلتك حائطاً وإن نفسي منه شيئاً فرديه على الميراث، قالت: نعم، قال: أما إنا منذ ولينا أمر المسلمين لم نأكل لهم ديناراً ولا درهماً ولكنا أكلنا من جريش طعامهم في بطوننا، ولبسنا من خشن ثيابهم على ظهورنا، وليس عندنا من فيء المسلمين شيء إلا هذا العبد الحبشي وهذا البعير الناضج وجرد هذه القطيفة، فإذا مت فابعثي بهن إلى عمر، ففعلت.) وقال القاسم، عن عائشة: إن أبا بكر حين حضره الموت قال: إني لا أعلم عند آل أبي بكر غير اللقحة وغير هذا الغلام الصقيل، كان يعمل سيوف المسلمين ويخدمنا، فإذا مت فادفعيه إلى عمر، فلما دفعته إلى عمر قال عمر: رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده. وقال الزهري: أوصى أبو بكر أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس، فإن
12

(3/119)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 120
لم تستطع استعانت بابنه عبد الرحمن. وقال عبد الواحد بن أيمن وغيره، عن أبي جعفر الباقر قال: دخل علي على أبي بكر بعد ما سجي فقال: ما أحد ألقى الله بصحيفته أحب إلي من هذا المسجي. وقال القاسم: أوصى أبو بكر أن يدفن إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحفر له، وجعل رأسه عند كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: رأس أبي بكر عند كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأس عمر عند حقوي أبي بكر. وقالت عائشة: مات ليلة الثلاثاء، ودفن قبل أن يصبح. وعن مجاهد قال: كلم أبو قحافة في ميراثه من ابنه فقال: قد رددت ذلك على ولده، ثم لم يعش بعده إلا ستة أشهر وأياماً. وجاء أنه ورثه أبوه وزوجتاه أسماء بنت عميس، وحبيبة بنت خارجة والدة أم كلثوم، وعبد الرحمن، ومحمد، وعائشة، وأسماء، وأم كلثوم. ويقال: إن اليهود سمته في أرزه فمات بعد سنة، وله ثلاث وستون سنة.
12

(3/120)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 121
2 (ذكر عمال أبي بكر)
قال موسى بن أنس بن مالك: إن أبا بكر استعمل أباه أنساً على البحرين. وقال خليفة: وجه أبو بكر زياد بن لبيد على اليمن أو المهاجر بن أبي أمية، واستعمل الآخر على كذا، وأقر على الطائف عثمان بن أبي العاص. ولما حج استخلف على المدينة قتادة بن النعمان. وكان كاتبه عثمان بن عفان، وحاجبه سديد مولاه، ويقال كتب له زيد بن ثابت، وكان وزيره عمر بن الخطاب وكان أيضاً على قضائه، وكان مؤذنه سعد القرظ مولى عمار بن ياسر. أبو كبشة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، اسمه سليم من مولدي أرض دوس.
12

(3/121)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 122
شهد بدراً) والمشاهد كلها، ولما هاجر إلى المدينة نزل على سعد بن خيثمة فيما قيل، وتوفي يوم الثلاثاء صبيحة وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
12

(3/122)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 123
(أحداث سنة أربع عشرة)

2 (خلافة عمر رضي الله عنه)
فتحت دمشق، فتح حمص، وبعلبك، فتحت البصرة، والأبلة، ووقعة جسر أبي عبيد بأرض نجران، ووقعة فحل بالشام، في قول ابن الكلبي. فأما دمشق فقال الوليد بن هشام، عن أبيه، عن جده قال: كان خالد على الناس فصالح أهل دمشق، فلم يفرغ من الصلح حتى عزل وولي أبو عبيدة، فأمضى صلح خالد ولم يغير الكتاب. وهذا غلط لأن عمر عزل خالداً حين ولي. قال خليفة بن خياط. وقال: ثنا عبد الله بن المغيرة، عن أبيه قال: صالحهم أبو عبيدة على أنصاف كنائسهم ومنازلهم وعلى رؤوسهم، وأن لا يمنعوا من أعيادهم. وقال ابن الكلبي: كان الصلح يوم الأحد للنصف من رجب سنة أربع عشرة. وقال ابن إسحاق: صالحهم أبو عبيدة في رجب.
12

(3/123)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 124
وقال ابن جرير: سار أبو عبيدة إلى دمشق، وخالد على مقدمة الناس، وقد اجتمعت الروم على رجل يقال له باهان بدمشق، وكان عمر عزل خالداً واستعمل أبا عبيدة على الجميع، والتقى المسلمون والروم فيما حول دمشق، فاقتتلوا قتالاً شديداً، ثم هزم الله الروم، ودخلوا دمشق وغلقوا أبوابها، ونازلها المسلمون حتى فتحت، وأعطوا الجزية، وكان قدم الكتاب على أبي عبيدة بإمارته وعزل خالد، فاستحيا أبو عبيدة أن يقرئ خالداً الكتاب حتى فتحت دمشق وجرى الصلح على يدي خالد، وكتب الكتاب باسمه، فلما صالحت دمشق لحق باهان صاحب الروم بهرقل. وقيل: كان حصار دمشق أربعة أشهر. وقال محمد بن إسحاق: إن عمر كان واجداً على خالد بن الوليد لقتله ابن نويرة، فكتب إلى أبي عبيدة أن أنزع عمامته وقاسمه ماله، فلما أخبره قال: ما أنا بالذي أعصي أمير المؤمنين، فاصنع ما بدا لك، فقاسمه حتى أخذ نعله الواحدة. وقال ابن جرير: كان أول محصور بالشام أهل فحل ثم أهل دمشق، وبعث أبو عبيدة ذا الكلاع) حتى كان بين دمشق وحمص ردءاً، وحصروا دمشق، فكان أبو عبيدة على ناحية، ويزيد بن أبي سفيان على ناحية، وعمرو بن العاص على ناحية، وهرقل يومئذ على حمص،
12

(3/124)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 125
فحاصروا أهل دمشق نحواً من سبعين ليلةً حصاراً شديداً بالمجانيق، وجاءت جنود هرقل نجدة لدمشق، فشغلتها الجنود التي مع ذي الكلاع، فلما أيقن أهل دمشق أن الأمداد لا تصل إليهم فشلوا ووهنوا. وكان صاحب دمشق قد جاءه مولود فصنع طعاماً واشتغل يومئذ، وخالد بن الوليد الذي لا ينام ولا ينيم قد هيأ حبالاً كهيئة السلالم، فلما أمسى هيأ أصحابه وتقدم هو والقعقاع بن عمرو، ومذعور بن عدي وأمثالهم وقالوا: إذا سمعتم تكبيرنا على السور فارقوا إلينا وانهدوا الباب. قال: فلما انتهى خالد ورفقاؤه إلى الخندق رموا بالحبال إلى الشرف، وعلى ظهورهم القرب التي سبحوا بها في الخندق، وتسلق القعقاع ومذعور فلم يدعا أحبولة حتى أثبتاها في الشرف، وكان ذلك المكان أحصن مكان بدمشق، فاستوى على السور خلق من أصحابه ثم كبروا، وانحدر خالد إلى الباب فقتل البوابين، وثار أهل البلد إلى مواقفهم لا يدرون ما الشأن، فتشاغل أهل كل جهة بما يليهم، وفتح خالد الباب ودخل أصحابه عنوة، وقد كان المسلمون دعوهم إلى الصلح والمشاطرة فأبوا، فلما رأوا البلاء بذلوا الصلح، فأجابهم من يليهم، وقبلوا فقالوا: ادخلوا وامنعونا من أهل ذاك الباب، فدخل أهل كل باب بصلح مما يليهم، فالتقى خالد والأمراء في وسط البلد، هذا استعراضاً ونهباً، وهؤلاء صلحاً، فأجروا ناحية خالد على الصلح بالمقاسمة. وكتب إلى عمر بالفتح.
12

(3/125)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 126
وكتب عمر إلى أبي عبيدة أن يجهز جيشاً إلى العراق نجدة لسعد بن أبي وقاص، فجهز له عشرة آلاف عليهم هاشم بن عتبة، وبقي بدمشق يزيد بن أبي سفيان في طائفة من أمداد اليمن، فبعث يزيد دحية بن خليفة الكلبي في خيل إلى تدمر، وأبا الأزهر إلى البثنية وحوران فصالحهم، وسار طائفة إلى بيسان فصالحوا. وفيها كان سعد بن أبي وقاص فيما ورد إلينا على صدقات هوازن، فكتب إليه عمر بانتخاب ذي الرأي والنجدة ممن له سلاح أو فرس، فجاءه كتاب سعد: إني قد انتخبت لك ألف فارس، ثم قدم به عليه فأمره على حرب العراق، وجهزه في أربعة آلاف مقاتل، فأبى عليه بعضهم إلا المسير إلى الشام، فجهزهم عمر إلى الشام.) ثم إن عمر أمد سعداً بعد مسيره بألفي نجدي وألفي يماني، فشتا سعد بزرود، وكان المثنى بن حارثة على المسلمين بما فتح الله من العراق، فمات من جراحته التي جرحها يوم جسر أبي عبيد، فاستخلف المثنى على الناس بشير بن الخصاصية، وسعد يومئذ بزرود، ومع بشير وفود أهل العراق. ثم سار سعد إلى العراق، وقدم عليه الأشعث بن قيس في ألف وسبعمائة من اليمانيين.
2 (وقعة الجسر)
كان عمر قد بعث في سنة ثلاث عشرة جيشاً، عليهم أبو عبيد الثقفي،
12

(3/126)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 127
فلقي جابان في سنة ثلاث عشرة وقيل سنة أربع عشرة بين الحيرة والقادسية. فهزم الله المجوس، وأسر جابان، وقتل مردانشاه، ثم إن جابان فدى نفسه بغلامين وهو لا يعرف أنه المقدم، ثم سار أبو عبيد إلى كسكر فالتقى هو ونرسي فهزمه، ثم لقي جالينوس فهزمه. ثم إن كسرى بعث ذا الحاجب، وعقد له على اثني عشر ألفاً، ودفع إليه سلاحاً عظيماً، والفيل الأبيض، فبلغ أبا عبيد مسيرهم، فعبر الفرات إليهم وقطع الجسر، فنزل ذو الحاجب قس الناطف، وبينه وبين أبي عبيد الفرات، فأرسل إلى أبي عبيد: إما أن تعبر إلينا وإما أن نعبر إليك. فقال أبو عبيد: نعبر إليكم، فعقد له ابن صلوبا الجسر، وعبر فالتقوا في مضيق في شوال. وقدم ذو الحاجب جالينوس معه الفيل. فاقتتلوا أشد قتال وضرب أبو عبيد مشفر الفيل، وضرب أبو محجن عرقوبه. ويقال إن أبا عبيد لما رأى الفيل قال:
(يا لك من ذي أربع ما أكبرك .......... لأضربن بالحسام مشفرك)
وقال: إن قتلت فعليكم ابني جبر. فإن قتل فعليكم حبيب بن ربيعة أخو أبي محجن، فإن قتل فعليكم أخي عبد الله. فقتل جميع الأمراء، واستحر القتل في المسلمين فطلبوا الجسر. وأخذ الراية المثنى بن حارثة فحماهم في جماعة ثبتوا معه. وسبقهم إلى الجسر عبد الله بن يزيد فقطعه، وقال: قاتلوا عن دينكم، فاقتحم الناس الفرات، فغرق ناس كثير، ثم عقد المثنى الجسر وعبره الناس.
12

(3/127)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 128
واستشهد يومئذ فيما قال خليفة ألف وثمانمائة، وقال سيف: أربعة آلاف ما بين قتيل وغريق. وعن الشعبي قال: قتل أبو عبيد في ثمانمائة من المسلمين.) وقال غيره: بقي المثنى بن حارثة الشيباني على الناس وهو جريح إلى أن توفي، واستخلف على الناس ابن الخصاصية كما ذكرنا.
2 (فتح حمص)
وقال أبو مسهر: حدثني عبد الله بن سالم قال: سار أبو عبيدة إلى حمص في اثني عشر ألفاً، منهم من السكون ستة آلاف فافتتحها. وعن عثمان الصنعاني قال: لما فتحنا دمشق خرجنا مع أبي الدرداء في مسلحة برزة، ثم تقدمنا مع أبي عبيدة ففتح الله بنا حمص. وورد أن حمص وبعلبك فتحتا صلحاً في أواخر سنة أربع عشرة، وهرب هرقل عظيم الروم من أنطاكية إلى قسطنطينية. وقيل إن حمص فتحت سنة خمس عشرة.
12

(3/128)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 129
وقال علي المدائني عن أشياخه: بعث عمر في سنة أربع عشرة شريح بن عامر أحد بني سعد بن بكر إلى البصرة، وكان رداءاً للمسلمين، فسار إلى الأهواز فقتل بدارس، فبعث عمر عتبة بن غزوان المازني في السنة، فمكث أشهراً لا يغزو. وقال خالد بن عمير العدوي: غزونا مع عتبة الأبلة فافتتحناها ثم عبرنا إلى الفرات، ثم مر عتبة بموضع المربد، فوجد الكذان الغليظ فقال: هذه البصرة انزلوها باسم الله. وقال الحسن: افتتح عتبة الأبلة فقتل من المسلمين سبعون رجلاً في موضع مسجد الأبلة، ثم عبر إلى الفرات فأخذها عنوة. وقال شعبة، عن عقيل بن طلحة، عن قبيصة قال: كنا مع عتبة بالخريبة. وفيها أمر عتبة بن غزوان محجن بن الأدرع فخط مسجد البصرة الأعظم وبناه بالقصب، ثم خرج عتبة حاجاً وخلف مجاشع بن مسعود وأمره بالغزو، وأمر المغيرة بن شعبة أن يصلي بالناس حتى يقدم مجاشع، فمات عتبة في الطريق. وأمر عمر المغيرة على البصرة.
13

(3/129)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 130
وفيها ولد عبد الرحمن بن أبي بكرة، وهو أول من ولد بالبصرة، وبعث جرير بن عبد الله على السواد، فلقي جرير مهران، فقتل مهران، ثم بعث عمر سعداً فأمر جريراً أن يطيعه.
13

(3/130)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 131
2 (المتوفون في هذه السنة)
وفيها استشهد جماعة عظيمة، ومات طائفة. أوس بن أوس بن عتيك استشهد يوم جسر أبي عبيد، على يومين من الكوفة بينها وبين نجران. بشير بن عنبس بن يزيد الظفري شهد أحداً، وهو ابن عم قتادة بن النعمان، وكان يعرف بفارس الحواء وهو اسم فرسه، قتل يومئذ. ثابت بن عتيك من بني عمرو بن مبذول. أنصاري له صحبة، قتل يومئذ. ثعلبة بن عمرو بن محصن، قتل يوم الجسر، وهو أحد بني مالك بن النجار، وكان بدرياً. الحارث بن عتيك بن النعام أبو أخزم، قتل يومئذ، وهو من بني النجار، شهد أحداً، وهو أخو سهل الذي شهد بدراً. الحارث بن مسعود بن عبدة. الحارث بن عدي بن مالك، قتل يومئذ وقد شهد أحداً، وكلاهما من الأنصار.
13

(3/131)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 132
خالد بن سعيد بن العاص الأموي، قيل استشهد يوم مرج الصفر، وأن يوم مرج الصفر كان في المحرم سنة أربع عشرة وقد ذكر. خزيمة بن أوس بن خزيمة الأشهلي يوم الجسر. ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، ورخه ابن قانع. زيد بن سراقة يوم الجسر. سعد بن سلامة بن وقش الأشهلي. سعد بن عبادة الأنصاري، يقال مات فيها. سلمة بن أسلم بن حريش، يوم الجسر. سلمة بن هشام، يوم مرج الصفر، وقد تقدم. سليط بن قيس بن عمرو الأنصاري، يوم الجسر. ضمرة بن غزية، يوم الجسر. عبد الله، وعبد الرحمن، وعباد بنو مربع بن قيظي بن عمرو، قتلوا يومئذ. عتبة بن غزاون بن جابر بن وهب بن غزوان المازني حليف بني عبد شمس، من السابقين) الأولين.
13

(3/132)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 133
أسلم سابع سبعة في الإسلام. وهاجر إلى الحبشة وشهد بدراً وغيرها، وكان من الرماة المذكورين، وقيل: هو حليف لبني نوفل بن عبد مناف، أمره عمر على جيش ليقاتل من الأبلة من فارس فسار وافتتح الأبلة. وكان طويلاً جميلاً. خطب بالبصرة فقال: إن الدنيا قد ولت حذاء ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، وقال في خطبة: لقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا.
13

(3/133)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 134
روى عنه خالد بن عمير، وقبيصة، والحسن البصري، وهارون بن رئاب، ولم يدركاه. وغنيم بن قيس المازني. وهو الذي اختط البصرة، وقيل: كنيته أبو عبد الله، عاش سبعاً وخمسين سنة وقيل: توفي سنة خمس عشرة ما بين الحجاز والبصرة، وقيل: توفي سنة سبع عشرة. عقبة، وعبد الله ابنا قيظي بن قيس، حضرا مع أبيهما يوم جسر أبي عبيد وقتلا يومئذ. العلاء بن الحضرمي، يقال فيها، وسيأتي. عمر بن أبي اليسر، يوم الجسر. قيس بن السكن بن قيس بن زعوراء بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار أبو زيد الأنصاري النجاري، مشهور بكنيته.
13

(3/134)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 135
شهد بدراً، واستشهد يوم جسر أبي عبيد فيما ذكر موسى بن عقبة. قال الواقدي وابن الكلبي: هو أحد من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ودليله قول أنس لأنه قال: أحد عمومتي، وكلاهما يجتمعان في حرام. وكذا ساق ابن الكلبي نسب أبي زيد، ولكنه جعل عوض زعوراء زيداً، ولا عبرة بقول من قال: إن الذي جمع القرآن أبو زيد سعد بن عبيد الأوسي فإن قول أنس بن مالك أحد عمومتي ينفي قول من قال: هو سعد بن عبيد، لكونه أوسياً، ويؤيده أيضاً ما روى قتادة عن أنس قال: افتخر الحيان الأوس والخزرج فقالت الأوس: منا غسيل الملائكة حنظلة بن أبي عامر، ومنا الذي حمته الدبر: عاصم بن ثابت، ومنا الذي اهتز
13

(3/135)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 136
لموته العرش سعد بن معاذ، ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين: خزيمة بن ثابت، فقال الخزرج: منا أربعة جمعوا القرآن على) عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبي، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. المثنى بن حارثة الشيباني الذي أخذ الراية وتحيز بالمسلمين يوم الجسر. نافع بن غيلان، يومئذ. نوفل بن الحارث، يقال توفي فيها، وكان أسن من عمه العباس. واقد بن عبد الله، يوم.؟
13

(3/136)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 137
هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس أم معاوية بن أبي سفيان، توفيت في أول العام. يزيد بن قيس بن الخطيم بفتح الخاء المعجمة الأنصاري الظفري، صحابي شهد أحداً والمشاهد وجرح يوم أحد عدة جراحات، وأبوه من الشعراء الكبار، قتل زيد يوم الجسر. أبو عبيد بن مسعود بن عمرو الثقفي والد المختار وصفية زوجة ابن عمر. أسلم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستعمله عمر وسيره على جيش كثيف إلى العراق، وإليه ينسب جسر أبي عبيد، وكانت الوقعة عند هذا الجسر كما ذكرنا، وقتل يومئذ أبو عبيد، والجسر بين القادسية والحيرة ولم يذكره أحد في الصحابة إلا ابن عبد البر، ولا يبعد أن له رؤية وإسلام. أبو قحافة عثمان بن عامر التيمي، في المحرم عن بضع وتسعين سنة، وقد أسلم يوم الفتح فأتى به ابنه أبو بكر الصديق يقوده لكبره وضرره
13

(3/137)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 138
ورأسه كالثغامة فأسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هلا تركت الشيخ حتى نأتيه، إكراماً لأبي بكر، وقال: غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد. عبد الله بن صعصعة بن وهب الأنصاري، أحد بني عدي بن النجار، شهد أحداً وما بعدها وقتل يوم جسر أبي عبيد. قاله ابن الأثير.
13

(3/138)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 139
(أحداث سنة خمس عشرة)
في أولها افتتح شرحبيل بن حسنة الأردن كلها عنوة إلا طبرية فإنهم صالحوه، وذلك بأمر أبي عبيد.
2 (يوم اليرموك)
كانت وقعة مشهورة، نزلت الروم اليرموك في رجب سنة خمس عشرة، وقيل سنة ثلاث عشرة وأراه وهماً فكانوا في أكثر من مائة ألف، وكان المسلمون ثلاثين ألفاً، وأمراء الإسلام أبو عبيدة، ومعه أمراء الأجناد، وكانت الروم قد سلسلوا أنفسهم الخمسة والستة في السلسلة لئلا يفروا، فلما هزمهم الله جعل الواحد يقع في نهر اليرموك فيجذب من معه
14

(3/139)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 140
في السلسلة حتى ردموا في الوادي، واستووا فيما قيل بحافتيه، فداستهم الخيل، وهلك خلق لا يحصون. واستشهد يومئذ جماعة من أمراء المسلمين. وقال محمد بن إسحاق: نزلت الروم اليرموك وهم مائة ألف، عليهم السقلاب خصي لهرقل. وقال ابن الكلبي: كانت الروم ثلاثمائة ألف، عليهم باهان، رجل من أبناء فارس تنصر ولحق الروم، قال: وضم أبو عبيدة إليه أطرافه، وأمده عمر بسعيد بن عامر بن حذيم، فهزم الله المشركين بعد قتال شديد في خامس رجب سنة خمس عشرة. وقال سعيد بن عبد العزيز: إن المسلمين يعني يوم اليرموك كانوا أربعة وعشرين ألفاً، وعليهم أبو عبيدة، والروم عشرون ومائة ألف، عليهم باهان وسقلاب. إبراهيم بن سعد، عن أبيه عن ابن المسيب، عن أبيه قال: خمدت الأصوات يوم اليرموك، والمسلمون يقاتلون الروم إلا صوت رجل يقول: يا نصر الله اقترب، يا نصر الله اقترب، فرفعت رأسي فإذا هو أبو سفيان بن حرب تحت راية ابنه يزيد بن أبي سفيان. الواقدي: نا عبد الحميد بن حعفر، عن أبيه، عن ابن المسيب، عن
14

(3/140)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 141
جبير بن الحويرث: حضرت اليرموك فلا أسمع إلا نقف الحديد إلا أني سمعت صائحاً يقول: يا معشر المسلمين يوم من أيام الله أبلوا لله فيه بلاءً حسناً، فإذا هو أبو سفيان تحت راية ابنه. قال سويد بن عبد العزيز، عن حصين، عن الشعبي، عن سويد بن غفلة قال: لما هزمنا العدو يوم اليرموك أصبنا يلامق ديباج فلبسناها فقدمنا على عمر ونحن نرى أنه يعجبه ذلك، فاستقبلناه وسلمنا عليه، فشتمنا ورجمنا بالحجارة حتى سبقناه نعدو، فقال بعضنا: لقد بلغه عنكم) شر، وقال بعض القوم: لعله في زيكم هذا، فضعوه، فوضعنا تلك الثياب وسلمنا عليه، فرحب وساءلنا وقال: إنكم جئتم في زي أهل الكفر، وإنكم الآن في زي أهل الإيمان، وإنه لا يصلح من الديباج والحرير إلا هكذا، وأشار بأربع أصابعه. وعن مالك بن عبد الله قال: ما رأيت أشرف من رجل رأيته يوم اليرموك إنه خرج إليه علج فقتله، ثم آخر فقتله، ثم آخر فقتله، ثم انهزموا وتبعهم وتبعته، ثم انصرف إلى خباء عظيم له فنزل، فدعا بالجفان ودعا من حوله، قلت: من هذا قالوا: عمرو بن معدي كرب.
14

(3/141)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 142
وعن عروة: قتل يومئذ النضر بن الحارث بن علقمة العبدري، وعبد الله بن سفيان بن عبد الأسد المخزومي. وقال ابن سعد: قتل يومئذ نعيم بن عبد الله النحام العدوي. قلت: وقد ذكر. وقيل: كان على مجنبة أبي عبيدة يومئذ قباث بن أشيم الكناني الليثي. ويقال: قتل يومئذ عكرمة بن أبي جهل، وعبد الرحمن بن العوام، وعياش بن أبي ربيعة، وعامر بن أبي وقاص الزهري.
2 (وقعة القادسية)
كانت وقعة القادسية بالعراق في آخر السنة فيما بلغنا، وكان على الناس سعد بن أبي وقاص، وغلى المشركين رستم ومعه الجالينوس، وذو الحاجب. قال أبو وائل: كان المسلمون ما بين السبعة إلى الثمانية آلافاً. ورستم في ستين ألفاً، وقيل: كانوا أربعين ألفاً، وكان معهم سبعون فيلاً.
14

(3/142)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 143
وذكر المدائني أنهم اقتتلوا قتالاً شديداً ثلاثة أيام في آخر شوال، وقيل في رمضان، فقتل رستم وانهزموا، وقيل إن رستم مات عطشاً، وتبعهم المسلمون فقتل جالينوس وذو الحاجب، وقتلوهم ما بين الخرارة إلى السيلحين إلى النجف، حتى ألجأوهم إلى المدائن، فحصروهم بها حتى أكلوا الكلاب، ثم خرجوا على حامية بعيالهم فساروا حتى نزلوا جلولاء. قال أبو وائل: اتبعناهم إلى الفرات فهزمهم الله، واتبعناهم إلى الصراة فهزمهم الله، فألجأناهم إلى المدائن. وعن أبي وائل قال: رأيتني أعبر الخندق مشياً على الرجال، قتل بعضهم بعضاً. وعن حبيب بن صهبان قال: أصبنا يومئذ من آنية الذهب حتى جعل الرجل يقول: صفراء ببيضاء، يعني ذهباً بفضة. وقال المدائني: ثم سار سعد من القادسية يتبعهم. فأتاه أهل الحيرة فقالوا: نحن على عهدنا. وأتاه بسطام فصالحه. وقطع سعد الفرات، فلقي جمعاً عليهم بصبهرا فقتله زهرة بن حوية، ثم لقوا جمعاً بكوثا عليهم
14

(3/143)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 144
الفيرزان فهزموهم، ثم لقوا جمعاً كثيراً بدير كعب عليهم الفرخان فهزموهم، ثم سار سعد بالناس حتى نزلوا المدائن فافتتحها. وأما محمد بن جرير فإنه ذكر القادسية في سنة أربع عشرة، وذكر أن في سنة خمس عشرة مصر سعد الكوفة وإن فيها فرض عمر الفروض ودون الدواوين، وأعطى العطاء على السابقة. قال: ولما فتح الله على المسلمين غنائم رستم، وقدمت على عمر الفتوح من الشام والعراق جمع المسلمين فقال: ما يحل للوالي من هذا المال قالوا: أما لخاصته فقوته وقوت عياله لا وكس ولا شطط، وكسوته وكسوتهم، ودابتان لجهاده وحوائجه، وحمالته إلى حجه وعمرته، والقسم بالسوية أن يعطي أهل البلاء على قدر بلائهم، ويرم أمور المسلمين ويعاهدهم.) وفي القوم علي رضي الله عنه ساكت، فقال: ما تقول يا أبا الحسن فقال: ما أصلحك وأصلح عيالك بالمعروف. وقيل إن عمر قعد على رزق أبي بكر حتى اشتدت حاجته، فأرادوا أن يزيدوه فأبى عليهم. وكان عماله في هذه السنة: عتاب بت أسيد، كذا قال ابن جرير،
14

(3/144)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 145
وقد قدمنا موت عتاب، قال: وعلى الطائف يعلى بن منية، وعلى الكوفة سعد، وعلى قضائها أبو وقرة. وعلى البصرة المغيرة بن شعبة. وعلى اليمامة والبحرين عثمان بن أبي العاص. وعلى عمان حذيفة بن محصن. وعلى ثغور الشام أبو عبيدة بن الجراح.
14

(3/145)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 146
2 (المتوفون فيها)
الحارث بن هشام يقال توفي فيها. وسيأتي في طاعون عمواس. سعد بن عبادة بن دليم بن الحارثة بن أبي حزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج. الأنصاري الساعدي. سيد الخزرج أبو
14

(3/146)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 147
ثابت، ويقال أبو قيس. أحد النقباء ليلة العقبة. وقد اجتمعت عليه الأنصار يوم السقيفة وأرادوا أن يبايعوه بالخلافة. لم يذكر أهل المغازي أنه شهد بدراً. وذكر البخاري وأبو حاتم أنه شهدها، وروى ذلك عن عروة. قال الواقدي: كان سعد، وأبو دجانة، والمنذر بن عمرو لما أسلموا يكسرون أصنام بني ساعدة. وكان سيداً جواداً. لم يشهد بدراً. وكان يتهيأ للخروج، فنهش قبل أن يخرج، فأقام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لئن سعد لم يشهد بدراً لقد كان عليها حريصاً. هكذا حكاه ابن سعد في الطبقات بلا سند. وقد شهد أحداً والمشاهد. قال: وكان يبعث كل يوم بجفنة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة، وقال عروة: كان ينادي على أطم سعد: من أحب شحماً ولحماً فليأت سعد بن عبادة. وقد أدركت ابنه يفعل ذلك. وقال ان عباس: إن أم سعد توفيت فتصدق عنها بحائطه المخراف.
14

(3/147)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 148
ولسعد ذكر في حديث الإفك. وقد حدث عنه بنوه: قيس، وإسحاق، وابن عباس، وأبو أمامة بن سهل، وسعيد بن المسيب، ولم يدركه.) وقال ابن سعد: أنا محمد بن عمر حدثني محمد بن صالح، عن الزبير بن المنذر بن أبي أسيد الساعدي أن أبا بكر بعث إلى سعد بن عبادة أن أقبل فبايع فقد بايع الناس. فقال: لا والله لا أبايع حتى أراميكم بما في كنانتي وأقاتلكم بمن معي. قال: فقال بشير بن سعد: يا خليفة رسول الله إنه قد أبى ولج وليس بمبايعكم أو يقتل، ولن يقتل حتى يقتل معه ولده وعشيرته، ولن يقتلوا حتى تقتل الخزرج، فلا تحركوه فقد استقام لكم الأمر وليس بضاركم، إنما هو رجل واحد ما ترك. فقبل أبو بكر نصيحة بشير. قال: فلما ولي عمر لقيه ذات يوم فقال له: إيه يا سعد. فقال: إيه يا عمر. فقال عمر: أنت صاحب ما أنت صاحبه. قال: نعم وقد أفضى إليك هذا الأمر. وكان والله صاحبك أحب إلينا منك، وقد والله أصبحت كارهاً لجوارك. فقال عمر: إنه من كره جوار جاره تحول عنه، فقال سعد: أما إني غير مستسر بذلك. وأنا متحول إلى جوار من خو خير منك. فلم يلبث أن خرج مهاجراً إلى الشام. فمات بحوران. قال محمد بن عمر: ثنا حيى بن عبد العزيز بن سعد بن عبادة، عن أبيه قال: توفي سعد بحوران لسنتين ونصف من خلافة عمر. قال محمد بن عمر: كأنه مات سنة خمس عشرة. قال عبد العزيز: فلما علم بموته بالمدينة حتى سمع غلمان في بئر منبه أو بئر سكن وهم يقتحمون نصف النهار قلئلاً من البئر:
14

(3/148)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 149
(نحن قتلنا سيد ال .......... خزرج سعد بن عباده)

(فرميناه بسهمي .......... ن فلم نخط فؤاده)
فذعر الغلمان، فحفظ ذلك اليوم فوجدوه اليوم الذي مات فيه سعد، وإنما جلس يبول في نفق فاقتتل فمات من ساعته، وجدوه قد اخضر جلده. وقال ابن أبي عروبة: سمعت محمد بن سيرين يحدث أنه بال قائماً، فلما رجع قال لأصحابه: إني لأجد دبيباً، فمات فسمعوا الجن تقول: نحن قتلنا سيد الخزرج البيتين. وقال سعيد بن عبد العزيز: أول مدينة فتحت بالشام بصرى، وفيها مات سعد بن عبادة. سعد بن عبيد بن النعمان أبو زيد الأنصاري الأوسي. استشهد بوقعة القادسية، وقيل إنه والد عمير بن سعد الزاهد أمير حمص لعمر، شهد سعداً بدراً وغيرها، وكان يقال له سعد القاري.
15

(3/149)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 150
وذكر محمد بن سعد أن القادسية سنة ست عشرة. وأنه قتل بها وله أربع وستون سنة.) وقال قيس بن مسلم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن سعد بن عبيد أنه خطبهم فقال: إنا لاقوا العدو غداً وإنا مستشهدون غداً، فلا تغسلوا عنا دماً ولا نكفن إلا في ثوب كان علينا. سعيد بن الحارث بن قيس بن عدي القرشي السهمي، هو وإخوته الحجاج، ومعبد، وتميم، وأبو قيس، وعبد الله، والسائب، كلهم من مهاجرة الحبشة، ذكرهم ابن سعد. استشهد أكثرهم يوم اليرموك ويوم أجنادين. سهيل بن عمو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك حسل بن عامر بم لؤي أبو يزيد
15

(3/150)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 151
العامري، أحد خطباء قريش وأشرافهم. أسلم يوم الفتح وحسن إسلامه، وكان قد أسر يوم بدر، وكان قد قام بمكة وحض على النفير فقال: يا آل غالب أتاركون أنتم محمداً والصباة يأخذون عيركم من أراد مالاً فهذا مال، ومن أراد قوة فهذه قوة. وكان سمحاً جواداً فصيحاً، قام خطيباً بمكة أيضاً عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بنحو خطبة أبي بكر فسكنهم، وهو الذي مشى في صلح الحديبية. وقال الزبير بن بكار، كان سهيل بعد كثير الصلاة والصوم والصدقة، وحرج بجماعته إلى الشام مجاهداً، وقيل إنه صام حتى شحب لونه وتغير، وكان كثير البكاء عند قراءة القرآن. قال المدائني وغيره: إنه استشهد يوم اليرموك. وقال الشافعي والواقدي: إنه توفي بطاعون عمواس. روى عنه يزيد بن عميرة الزبيدي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل كان أميراً على كردوس يوم اليرموك.
15

(3/151)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 152
عامر بن مالك بن أهيب الزهري أخو سعد بن أبي وقاص، من مهاجرة الحبشة. قدم دمشق بكتاب عمر على أبي عبيدة بإمرته على الشام وعزل خالد، استشهد يوم اليرموك على الصحيح. عبد الله بن سفيان هذا ابن أخي أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي. له صحبة وهجرة إلى الحبشة ورواية. روى عنه عمرو بن دينار منقطعاً، واستشهد باليرموك. عبد الرحمن أخو الزبير بن العوام لأبيه حضر بدراً هو وأخوه عبيد الله الأعرج مشركين، فهربا فأدرك عبيد الله فقتل، ثم أسلم فيما بعد هذا، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم،) واستشهد باليرموك. عتبة بن غزوان رضي الله عنه، يقال مات فيها، وقد تقدم. عكرمة بن أبي جهل المخزومي، يقال استشهد يوم اليرموك، وقد تقدم. د ن ق عمر بن أم مكتوم الضرير.
15

(3/152)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 153
مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستخلفه على المدينة في غير غزوة، قيل كان اللواء معه يوم القادسية، واستشهد يومئذ. وقال ابن سعد: رجع إلى المدينة بعد القادسية، ولم نسمع له بذكر بعد عمر. قلت: روى عنه عبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبو رزين الأسدي، وله ترجمة طويلة في كتاب ابن أسعد. عمرو بن الطفيل بن عمرو بن طريف قتل باليرموك. عياش بن أبي ربيعة عمرو بن المغيرة بن عياش المخزومي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سماه في القنوت ودعا له بالنجاة.
15

(3/153)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 154
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعنه ابنه عبد الله وغيره، وهو أخو أبي جهل لأمه، كنيته أبو عبد الله، واستشهد يوم اليرموك. فراس بن النضر بن سعد بن سهم، من مهاجرة الحبشة، قتل باليرموك. قيس بن أبي صعصعة عمرو بن زيد بن عوف الأنصاري المازني. شهد العقبة وبدراً، وورد له حديث من طريق ابن لهيعة عن جبان بن واسع بن حبان، عن أبيه عنه، قلت: في كم أقرأ القرآن يا رسول الله قال: في خمس عشرة، قلت: أجدني أقوى من ذلك. وفيه دليل على أنه جمع القرآن. وكان أحد أمراء الكراديس يوم اليرموك. نصير بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار
15

(3/154)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 155
ابن قصي العبدي القرشي. من مسلمة الفتح ومن حكماء قريش، وقيل إن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه مائة من الإبل من غنائم حنين، تألفه بذلك. فتوقف في أخذها وقال: لا أرتشي على الإسلام، ثم قال: والله ما طلبتها ولا سألتها وهي عطية من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذها، وحسن إسلامه،) واستشهد يوم اليرموك، وأخوه النضر قتل كافراً في نوبة بدر. نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم، أبو الحارث ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم. وهو أسن من أسلم من بني هاشم، وقد أسر يوم ففداه العباس، فلما فداه أسلم. وقيل إنه هاجر أيام الخندق، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين العباس، وكانا شريكين في الجاهلية متحابين، شهد نوفل الحديبية والفتح، وأعان
15

(3/155)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 156
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين بثلاثة آلاف رمح، وثبت معه يومئذ. توفي سنة خمس عشرة بخلف وقيل سنة عشرين. هشام بن العاص السهمي. عند ابن سعد أنه قتل يوم اليرموك.
15

(3/156)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 157
(أحداث سنة ست عشرة)
قيل: كانت وقعة القادسية في أولها. واستشهد يومئذ مائتان، وقيل: عشرون ومائة رجل. قال خليفة: فيها فتحت الأهواز ثم كفروا، فحدثني الوليد بن هشام، عن أبيه، عن جده قال: سار المغيرة بن شعبة إلى الأهواز فصالحه الفيرزان علة ألفي ألف درهم، ثم غزاهم الأشعري بعده. وقال الطبري: فيها دخل المسلمون مدينة بهرسير وافتتحوا المدائن، فهرب منها يزدجرد بن شهريار.
15

(3/157)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 158
فلما نزل سعد بن أبي وقاص بهرسير وهي المدينة التي فيها منزل كسرى طلب السفن ليعبر بالناس إلى المدينة القصوى، فلم يقدر على شيء منها، وجدهم قد ضموا السفن، فبقي أياماً حتى أتاه أعلاج فدلوه على مخاضة، فأبى، ثم إنه عزم له أن يقتحم دجلة، فاقتحمها المسلمون وهي زائدة ترمي بالزبد، ففجئ أهل فارس أمر لم يكن لهم في حساب، فقاتلوا ساعة ثم انهزموا وتركوا جمهور أموالهم، واستولى المسلمون على ذلك كله، ثم أتوا إلى القصر الأبيض، وبه قوم قد تحصنوا ثم صالحوا. وقيل إن الفرس لما رأوا اقتحام المسلمين الماء تحيروا وقالوا: والله ما نقاتل الإنس ولا نقاتل الجن، فانهزموا. ونزل سعد القصر الأبيض، واتخذ الإيوان مصلى، وإن فيه لتماثيل جص فما حركها. ولما انتهى إلى مكان كسرى أخذ يقرأ كم تركوا من جنات وعيون وزروع الآية.)
15

(3/158)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 159
قالوا: وأتم سعد الصلاة يوم دخلها، وذلك أنه أراد المقام بها، وكانت أول جمعة جمعت بالعراق، وذلك في صفر سنة ست عشرة. قال الطبري: قسم سعد الفيء بعد ما خمسه، فأصاب الفارس اثنا عشر ألفاً، وكل الجيش كانوا فرساناً. وقسم سعد دور المدائن بين الناس وأوطنوها، وجمع سعد الخمس وأدخل فيه كل شيء من ثياب كسرى وحليه وسيفه. وقال للمسلمين: هل لكم أن تطيب أنفسكم عن أربعة أخماس هذا القطف فنبعث به إلى عمر، فيضعه حيث يرى ويقع من أهل المدينة موقعاً قالوا: نعم، فبعثه على هيئته. وكان ستين ذراعاً في ستين ذراعاً بساطاً واحداً مقدار جريب. فيه طرق كالصور. وفصوص كالأنهار، وخلال ذلك كالدر، وفي حافاته كالأرض المزروعة، والأرض كالمبقلة بالنبات في الربيع من الحرير على قصبات الذهب. ونواره بالذهب والفضة ونحوه. فقطعه عمر وقسمه بين الناس. فأصاب علياً قطعة منه فباعها بعشرين ألفاً. واستولى المسلمون في ثلاثة أعوام على كرسي مملكة كسرى، وعلى كرسي مملكة قيصر، وعلى أمي بلادهما. وغنم المسلمون غنائم لم يسمع بمثلها قط من الذهب والجوهر والحرير والرقيق والمدائن والقصور. فسبحان الله العظيم الفتاح.
16

(3/159)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 160
وكان لكسرى وقيصر ومن قبلهما من الملوك في دولتهم دهر طويل، فأما الأكاسرة والفرس وهم المجوس فملكوا العراق والعجم نحواً من خمسمائة سنة، فأول ملوكهم دارا، وطال عمره فيقال إنه بقي في الملك مائتي سنة، وعدة ملوكهم خمسة وعشرون نفساً، منهم امرأتان، وكان آخر القوم يزدجرد الذي هلك في زمان عثمان، وممن ملك منهم ذو الأكتاف سابور، هذا يملك الأر، فوضع التاج على بطن الأم، وكتب منه إلى الآفاق وهو بعد جنين، وهذا شيء لم يسمع بمثله قط، وإنما لقب بذي الأكتاف لأنه ينزع أكتاف من غضب عليه، وهو الذي بنى الإيوان الأعظم وبنى نيسابور وبنى سجستان. ومن متأخري ملوكهم أنوشروان، وكان حازماً عاقلاً، كان له اثنا عشر ألف امرأة وسرية، وخمسون ألف دابة، وألف فيل إلا واحداً، وولد نبينا في زمانه، ثم مات أنوشروان وقت موت عبد المطلب، ولما استولى الصحابة على الإيوان أحرقوا ستره، فطلع منه ألف مثقال مثقال ذهباً.)
2 (وقعة جلولاء)
في هذه السنة قال الطبري ابن جرير الطبري: فقتل الله من الفرس مائة
16

(3/160)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 161
ألف، جللت القتلى المجال وما بين يديه وما خلفه، فسميت جلولاء. وقال غيره: كانت في سنة سبع عشرة. وعن أبي وائل قال: سميت جلولاء لما تجللها من الشر. وقال سيف: كانت سنة سبع عشرة. وقال خليفة بن خياط: هرب يزدجرد بن كسرى من المدائن إلى حلوان، فكتب إلى الجبال، فجمع العساكر ووجههم إلى جلولاء، فاجتمع له جمع عظيم، عليهم خرزاذ بن خرهرمز، فكتب سعد إلى عمر يخبره، فكتب إليه: أقم مكانك ووجه إليهم جيشاً، فإن الله ناصرك ومتمم وعده، فعقد لابن أخيه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، فالتقوا، فجال المسلمون جولة، ثم هزم الله المشركين، وقتل منهم مقتلة عظيمة، وحوى المسلمون عسكرهم وأصابوا أموالاً عظيمة وسبايا، فبلغت الغنائم ثمانية عشر ألف ألف. وجاء عن الشعبي أن فيء جلولاء قسم على ثلاثين ألف ألف. وقال أبو وائل: سميت جلولاء فتح الفتوح. وقال ابن جرير: أقام هاشم بن عتبة بجلولاء، وخرج القعقاع بن عمرو في آثار القوم إلى خانقين، فقتل من أدرك منهم، وقتل مهران، وأفلت الفيرزان، فلما بلغ ذلك يزدجرد تقهقر إلى الري.
16

(3/161)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 162
وفيها جهز سعداً جنداً فافتتحوا تكريت واقتسموها، وخمسوا الغنائم، فأصاب الفارس منها ثلاثة آلاف درهم. وفيها سار عمر إلى الشام وافتتح بيت المقدس، وقدم إلى الجابية وهي قصبة حوران فخطب بها خطبةً مشهورةً متواترة عنه. قال زهير بن محمد المروزي: حدثني عبد الله بن مسلم بن هرمز أنه سمع أبا الغادية المزني قال: قدم علينا عمر الجابية، وهو على جمل أورق، تلوح صلعته للشمس، ليس عليه عمامة ولا قلنسوة، بين عودين، وطاؤه فرو كبش نجدي، وهو فراشه إذا نزل، وحقيبته شملة أو نمرة محشوة ليفاً وهي وسادته، عليه قميص قد انخرق بعضه ودسم جيبه. رواه أبو إسماعيل المؤدب، عن ابن هرمز فقال: عن أبي العالية الشامي.)
2 (قنسرين)
وفيها بعث أبو عبيدة عمرو بن العاص بعد فراغه من اليرموك إلى قنسرين، فصالح أهل حلب ومنبج وأنطاكية على الجزية، وفتح سائر بلاد قنسرين عنوة. وفيها افتتحت سروج والرها على يدي عياض بن غنم. وفيها قال ابن الكلبي: سار أبو عبيدة وعلى مقدمته خالد بن الوليد، فحاصره أهل إلياء، فسألوه الصلح على أن يكون عمر هو الذي يعطيهم
16

(3/162)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 163
ذلك ويكتب لهم أماناً، فكتب أبو عبيدة إلى عمر، فقدم عمر إلى الأرض المقدسة فصالحهم وأقام أياماً ثم شخص إلى المدينة. وفيها كانت وقعة قرقيسياء، وحاصرها الحارث بن يزيد العامري، وفتحت صلحاً. وفيها كتب التاريخ في شهر ربيعالأول، فعن ابن المسيب قال: أول من كتب التاريخ عمر بن الخطاب لسنتين ونصف من خلافته، فكتب لست عشرة من الهجرة بمشورة علي رضي الله عنهما. وفيها ندب لحرب أهل الموصل ربعي بن الأفكل. من توفي فيها: مارية أم إبراهيم القبطية، وكانت أهداها المقوقس إلى النبي صلى الله عليه وسلم سنة ثمان، وعاش ابنهاش ابنها إبراهيم عليه السلام عشرين شهراً، وصلى عليها عمر، ودفنت بالبقيع في المحرم.
16

(3/163)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 164
ويقال توفي فيها سعد بن عبادة. وأبو زيد سعد بن عبيد القارىء.
16

(3/164)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 165
(أحداث سنة سبع عشرة)
يقال كانت فيها وقعة جلولاء المذكورة. وفيها خرج عمر إلى سرغ، واستخلف على المدينة زيد بن ثابت، فوجد الطاعون بالشام، فرجع لما حدثه عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الطاعون.
2 (توسعة عمر للمسجد النبوي)
وفيها زاد عمر في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وعمله كما كان في زمان النبي صلى الله عليه وسلم.
2 (عام الرمادة)
وفيها كان القحط بالحجاز، وسمي عام الرمادة، واستسقى عمر للناس بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم.
16

(3/165)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 166
وفيها كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري بإمرة البصرة. وبأن يسير إلى كور الأهواز صلحاً وعنوة، فوظف عمر عليها عشرة آلاف ألف درهم وأربعمائة ألف، وجهد زياد في إمرته أن يخلص العنوة من الصلح فما قدر. قال خليفة: وفيها شهد أبو بكرة، ونافع ابنا الحارث، وشبل بن معبد، وزياد على المغيرة بالزنى ثم نكل بعضهم، فعزله عمر عن البصرة وولاها أبا موسى الأشعري. وقال خليفة: ثنا ريحان بن عصمة، ثنا عمر بن مرزوق، عن أبي فرقد قال: كنا مع أبي موسى الأشعر بالأهواز وعلى خيله تجافيف الديباج. وفيها تزوج عمر بأم كلثوم بنت فاطمة الزهراء، وأصدقها أربعين ألف درهم فيما قيل.
16

(3/166)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 167
2 (الوفيات)
وفيها توفي جماعة، الأصح أنهم توفوا قبل هذه السنة وبعدها، فتوفي عتبة بن غزوان في قول سعيد بن عفير ورواية الواقدي. وتوفي فيها الحارث بن هشام، وإسماعيل بن عمرو في قول ابن عفير. وفي قوله أيضاً شرحبيل وابن عفير توفي أبو عبيدة بن الجراح. وقال أبو مسهر: قرأت في كتاب يزيد بن عبيدة: توفي أبو عبيدة، ومعاذ بن جبل سنة سبع عشرة.
16

(3/167)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 168
16

(3/168)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 169
(أحداث سنة ثماني عشرة)
فيها قال ابن إسحاق: استسقى عمر للناس وخرج ومعه العباس فقال: اللهم إنا نستسقيك بعم نبيك.
2 (فتح جند يسابور والسوس)
وفيها افتتح أبو موسى جند يسابور والسوس صلحاً، ثم رجع إلى الأهواز. وفيها وجه سعد بن أبي وقاص جرير بن عبد الله البجلي إلى حلوان بعد جلولاء، فافتتحها عنوة. ويقال بل وجه هاشم بن عتبة، ثم انتقضوا حتى ساروا إلى نهاوند، ثم سار هاشم إلى ماء فأجلاهم إلى أذربيجان، ثم صالحوا. ويقال فيها افتتح أبو موسى رامهرمز، ثم سار إلى تستر
17

(3/169)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 170
فنازلها. وقال أبو عبيدة بن المثنى: فيها حاصر هرم بن حيان أهل دست هر، فرأى ملكهم امرأة تأكل ولدها من الجوع فقال: الآن أصالح العرب، فصالح هرماً على أن يخلي لهم المدينة. وفيها نزل الناس الكوفة، وبناها سعد باللبن، وكانوا بنوها بالقصب فوقع بها حريق هائل. وفيها كان طاعون عمواس بناحية الأردن، فاستشهد فيه خلق من المسلمين. ويقال إنه لم يقع بمكة ولا بالمدينة طاعون.
17

(3/170)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 171
2 (ذكر بعض من توفي بالطاعون)
أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر القرشي الفهري، أمين هذه الأمة وأحد العشرة وأحد الرجلين الذين عينهما أبو بكر للخلافة يوم السقيفة.)
17

(3/171)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 172
روى عنه جابر، وأبو أمامة، وأسلم مولى عمر، وجماعة. ولي إمرة أمراء الأجناد بالشام، وكان من السابقين الأولين، شهد بدراً ونزع الحلقتين اللتين دخلتا من المغفر في وجنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد بأسنانه رفقاً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فانتزعت ثنيتاه، فحسن ذهابهما فاه، حتى قيل: ما رؤي أحسن من هتم أبي عبيدة. وقد انقرض عقببه. وقيل: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين محمد بن مسلمة. وعم مالك بن يخامر أنه وصف أبا عبيدة فقال: كان نحيفاً معروق الوجه خفيف اللحية طوالاً أجنى أثرم الثنيتين. وقال موسى بن عقبة في غزوة ذات السلاسل: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمد عمرو ابن العاص بجيش فيهم أبو بكر وعمر، وأمر عليهم أبا عبيدة. وقال راشد بن سعد وغيره إن عمر قال: إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته، فإن سألني الله لم استخلفته قلت: إني سمعت نبيك يقول:
17

(3/172)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 173
إن لكل أمة أميناً وأين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح. وقال عبد الله بن شقيق: سألت عائشة: أي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحب إليه فقالت: أبو بكر، ثم عمر، ثم أبو عبيدة. وقال عروة بن الزبير: قدم عمر الشام فتلقوه، فقال: أين أخي أبو عبيدة قالوا: يأتيك الآن، فجاء على ناقة مخطومة بحبل، فسلم عليه ثم قال للناس: انصرفوا عنا، فسار معه حتى أتى منزله عليه، فلم ير في بيته إلا سيفه وترسه ورحله، فقال عمر: لو اتخذت متاعاً أو قال شيئاً قال: يا أمير المؤمنين إن هذه سيبلغنا المقيل. ومناقب أبي عبيدة كثيرة ذكرها الحافظ أبو القاسم في تاريخ
17

(3/173)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 174
دمشق. وقال أبو الموجه المروزي: زعموا أن أبا عبيدة كان في ستة وثلاثين ألفاً من الجند: فلم يبق من الطاعون، يعني إلا ستة آلاف. وقال عروة: إن وجع عمواس كان معافى منه أبو عبيدة وأهله فقال: اللهم نصيبك في آل أبي عبيدة فخرجت به بثرة: فجعل ينظر إليها فقيل: إنها ليست بشيء، فقال: إني لأرجو أن يبارك) الله فيها. وعن عروة بن رويم أن أبا عبيدة أدركه أجله بفحل فتوفي بها، وهي بقرب بيسان. قال الفلاس وجماعة: إنه توفي سنة ثماني عشرة زاد الفلاس: وله ثمان وخمسون سنة. وكان خضب بالحناء والكتم، وله عقيصتان، رضي الله عنه.
17

(3/174)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 175
معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي من بني سلمة الأنصاري الخزرجي أبو عبد الرحمن.
17

(3/175)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 176
شهد العقبة وبدراً، وكان إماماً ربانياً. قال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا معاذ والله إني أحبك. وعن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يأتي معاذ أمام العلماء برتوة.
17

(3/176)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 177
وقال ابن مسعود: كنا نشبه معاذاً بإبراهيم الخليل. كان أمة قانتاً لله حنيفاً وما كان من المشركين. وقال محمد بن سعد: كان معاذ رجلاً طوالاً أبيض، حسن الثغر، عظيم العينين، مجموع الحاجبين، جعداً قططاً. وقيل إنه أسلم وله ثماني عشرة سنة، وعاش بضعاً وثلاثين سنة وقبره بالغور. وروى عنه أنس، وأبو الطفيل وأبو مسلم عبد الله بن ثوب الخولاني، وأسلم مولى عمر، والأسود بن يزيد، ومسروق، وقيس بن أبي حازم، وخلق سواهم. واستشهد هو وابنه في طاعون عمواس، وأصيب بابنه عبد الرحمن قبله. وقال بشير بن يسار: لما بعث معاذ إلى اليمن معلماً، وكان رجلاً أعرج فصلى بالناس فبسط رجله فبسطوا أرجلهم، فلما فرغ قال: أحسنتم ولا تعودوا، واعتذر عن رجله. وفي الصحيح من حديث أنس رفعه: أعلم أمتي بالحلال والحرام
17

(3/177)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 178
معاذ بن جبل وعن جابر قال: كان من أحسن الناس وجهاً، وأحسنهم خلقاً، وأسمحهم كفاً، فأدان ديناً كثيراً فلزمه غرماؤه حتى تغيب، ثم طلبه النبي صلى الله عليه وسلم ومعه غرماؤه فقال: رحم الله من تصدق عليه فأبرأه ناس وقال آخرون: خذ لنا نصف حقنا منه، فخلعه رسول الله صلى الله عليه وسلم من ماله ودفعه إلى الغرماء، فاقتسموه وبقي لهم عليه، ثم بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وقال: لعل الله يجيرك فلم يزل بها حتى توفي النبي صلى الله عليه وسلم،) وقدم على أبي بكر. وقال شهر بن حوشب، عن الحارث بن عميرة الزبيدي قال: إني
17

(3/178)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 179
لجالس عند معاذ وهو يموت، فأفاق وقال: أخنق علي خنقك فوعزتك إني لأحبك. وعن عبد الله بن كعب بن مالك أن معاذاً توفي في سنة ثماني عشرة وله ثمان وثلاثون سنة. يزيد بن أبي سفيان بن حرب بن أمية الأموي، ويقال له يزيد الخير، أمه زينب بنت نوفل الكنانية.
18

(3/179)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 180
أسلم يوم الفتح وحسن إسلامه، وشهد حنيناً، وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم من الغنائم فيما قيل مائة بعير وأربعين أوقية، وكان جليل القدر شريفاً سيداً فاضلاً، وهو أحد أمراء الأجناد الأربعة الذين عقد لهم أبو بكر الصديق وسيرهم لغزو الشام، فلما فتحت دمشق أمره عمر على دمشق، ثم ولى بعد موته أخاه معاوية. له عن النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء، وعن أبي بكر. روى عنه أبو عبد الله الأشعري، وجنادة بن أبي أمية. توفي في الطاعون. وقال الوليد بن مسلم: إنه توفي في سنة تسع عشرة بعد أن افتتح قيسارية التي بساحل الشام. عوف الأعرابي: ثنا مهاجر أبو مخلد، حدثني أبو العالية قال: غزا يزيد بن أبي سفيان بالناس، فوقعت جارية نفيسة في سهم رجل، فاغتصبها يزيد، فأتاه أبو ذر فقال: رد على الرجل جاريته، فتلكأ فقال: لئن فعلت ذلك لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية يقال له يزيد، فقال: نشدتك بالله أنا منهم قال: لا، فرد على الرجل جاريته. أخرجه الروياني في مسنده.
18

(3/180)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 181
ق شرحبيل بن حسنة وهي أمه، واسم أبيه عبد الله المطاع، حليف بني زهرة، أبو عبد الله من كندة. هاجر هو وأمه إلى الحبشة. وله رواية حديثين. روى عنه عبد الرحمن بن غنم، وأبوه عبد الله الأشعري. وكان أحد الأمراء الأربعة الذين أمرهم أبو بكر الصديق.)
18

(3/181)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 182
الفضل بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم، وكان جميلاً مليحاً وسيماً. توفي شاباً لأنه يوم حجة الوداع كان أمرد، وكان يومئذ رديف النبي صلى الله عليه وسلم. له صحبة ورواية. روى عنه أخوه عبد الله، وأبو هريرة، وربيعة بن الحارث. توفي، وابن البرقي، وهو الصحيح، ويقال: قتل يوم مرج الصفر، ويقال: يوم أجنادين، ويقال: يوم اليرموك، ويقال: سنة ثمان وعشرين.
18

(3/182)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 183
الحارث بن هاشم بن المغيرة المخزومي أبو عبد الرحمن أخو أبي جهل. أسلم يوم الفتح، وكان سيداً شريفاً، تألفه النبي صلى الله عليه وسلم لحسبه بمائة من الإبل من غنائم حنين، ثم حسن إسلامه. ولما خرج من مكة إلى الجهاد بالشام جزع لذلك أهل مكة وخرجوا
18

(3/183)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 184
يشيعونه ويبكون لفراقه. وتزوج عمر بعده بامرأته فاطمة. وقال ابن سعد: تزوج عمر بابنته أم حكيم. مات الحارث في الطاعون. سهيل بن عمرو العامري خطيب قريش. في الطاعون بخلف، وقد مر سنة خمس عشرة. أبو جندل بن سهيل بن عمرو، اسمه العاص. من خيار الصحابة، وهو الذي جاء يوم صلح الحديبية يرسف في قيوده، وكان أبوه قيده لما أسلم، فقال أبوه للنبي صلى الله عليه وسلم: هذا أول ما أقاضيك عليه أن ترده، فرده. له صحبة وجهاد. توفي بطاعون عمواس، وقتل أخوه عبد الله يوم اليمامة، وكان بدرياً.
18

(3/184)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 185
م د س ق أبو مالك الأشعري قدم مع أصحاب السفينتين أيام خيبر، ونزل الشام اسمه كعب بن عاصم، وقيل عمرو، وقيل عامر بن الحارث. روى عنه عبد الرحمن بن غنم، وأم الدرداء، وربيعة الجرشي، وأبو سلام الأسود. وأرسل عنه عطاء بن يسار، وشهر بن حوشب. وقال شهر بن حوشب عن ابن غنم: طعن معاذ وأبو عبيدة وأبو مالك في يوم واحد.) وقال ابن سعد وغيره: توفي في خلافة عمر. وقد أعدت ذكر أبي مالك في طبقة ابن عباس. وفيها افتتح أبو موسى الرها وسميساط عنوة.
18

(3/185)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 186
2 (بقية حوادث سنة ثماني عشرة)
وفي أوائلها وجه أبو عبيدة بن الجراح عياض بن غنم الفهري إلى الجزيرة، فوافق أبا موسى قد قدم من البصرة، فمضيا فافتتحا حران ونصيبين وطائفة من الجزيرة عنوة، وقيل صلحاً. وفيها سار عياض بن غنم إلى الموصل فافتتحها ونواحيها عنوة. وفيها بنى سعد جامع الكوفة.
18

(3/186)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 187
(أحداث سنة تسع عشرة)

2 (فتح قيسارية)
قال خليفة: فيها فتحت قيسارية، وأمير العسكر معاوية بن أبي سفيان وسعد بن عامر بن حذيم، كل أمير على جنده، فهزم الله المشركين وقتل منهم مقتلة عظيمة، ورخها ابن الكلبي. وأما ابن إسحاق فقال: سنة عشرين. وفيها كانت وقعة صهاب بأرض فارس في ذي الحجة. وعلى المسلمين الحكم بن أبي العاص، فقتل شهرك مقدم المشركين. قال خليفة: وفيها أسرت الروم عبد الله بن حذافة السهمي.
2 (فتح تكريت)
وقيل: فيها فتحت تكريت. ويقال: فيها كانت جولاء وهي وقعة أخرى كانت بالعجم أو بفارس.
18

(3/187)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 188
وفيها وجه عمر عثمان بن أبي العاص إلى أرمينية الرابعة، فكان عندها شيء من قتال، أصيب فيه: صفوان بن المعطل بن رخصة السلمي الذكواني، صاحب
18

(3/188)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 189
النبي صلى الله عليه وسلم الذي له ذكر في حديث الإفك، وقال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ما علمت عليه إلا خيراً. وقال هو: ما كشفت كنف أنثى قط. له حديثان.) روى عنه سعيد بن المسيب، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وسعيد المقبري، وروايتهم عنه مرسلة إن كان توفي في هذه الغزوة، وإن كان توفي كما قال الواقدي سنة ستين بسمسياط فقد سمعوا منه. وقال خليفة: مات بالجزيرة. وكان على ساقة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان شاعراً.
19

(3/189)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 190
وقال ابن إسحاق: قتل في غزوة أرمينية هذه، وكان أحد الأمراء يومئذ. وفيما توفي يزيد بن أبي سفيان في قول، وقد تقدم.
19

(3/190)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 191
2 (الوفيات)
أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار، أبو
19

(3/191)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 192
المنذر الأنصاري، وقيل: يكنى أيضاً أبا الطفيل، سيد القراء. شهد العقبة وبدراً. روى عنه بنوه: محمد، والطفيل، وعبد الله، وابن عباس، وأنس، وسويد بن غفلة، وأبو عثمان النهدي، وزر بن حبيش، وخلق سواهم. عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله قال: كان أبي دحداحاً ليس بالقصير ولا بالطويل. وعن عباس بن سهل قال: كان أبيض الرأس واللحية. وقال أنس: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي: إن الله أمرني أن أقرأ عليك لم يكن الذين كفروا وقال: سماني لك قال: نعم، فبكى.
19

(3/192)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 193
وقال أنس: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار: أبي، ومعاذ، وزيد بن ثابت، وأبو زيد أحد عمومتي. وقال ابن عباس: قال عمر: أقرؤنا أبي، وأقضانا علي، وإنا لندع من قول أبي، وهو يقول: لا أدع شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله: ما ننسخ من آية أو ننسأها. وقال أنس: قال النبي صلى الله عليه وسلم:: أقرأ أمتي أبي بن كعب. وعن محمد بن أبي، عن أبيه وروى من وجه آخر عن أبي سعيد الخدري قال أبي: يا رسول الله ما جزاء الحمى، قال: تجري الحسنات
19

(3/193)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 194
على صاحبها، فقال: اللهم إني أسألك حمى) لا تمنعني خروجاً في سبيلك، فلم يمس أبي قط إلا وبه حمى. قلت: ولهذا يقول زر: كان أبي فيه شراسة. وقال أبو نضرة العبدي: قال رجل منا يقال له جابر أو جويبر: طلبت حاجة إلى عمر وإلى جنبه رجل أبيض الثياب والشعر، فقال: أن الدنيا فيها بلاغاً وزادنا إلى الآخرة، وفيها أعمالنا التي نجزى بها في الآخرة، فقلت: من هذا يا أمير المؤمنين قال: هذا سيد المسلمين أبي بن كعب. وقال معمر: عامة علم ابن عباس من ثلاثة: عمر، وعلي، وأبي. قال الهيثم بن عدي: توفي أبي سنة تسع عشرة. وقال ابن معين: توفي سنة عشرين أو تسع عشرة. وقال أبو عمر الضرير، وأبو عبيد، ومحمد بن عبد الله بن نمير
19

(3/194)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 195
ورواه الواقدي عن غير واحد أنه توفي سنة اثنتين وعشرين. وقال خليفة والفلاس: في خلافة عثمان. وقال ابن سعد: قد سمعت من يقول: مات في خلافة عثمان سنة ثلاثين، قال: وهو أثبت الأقاويل عندنا. وفيها مات بالمدينة: خباب مولى عتبة بن غزوان. له صحبة وسابقة، صلى عليه عمر. لم يذكره ابن أبي حاتم، وذكره الواقدي فيمن شهد بدراً، وكناه، أبا حيى. وقال أبو أحمد الحاكم: شهد بدراً ومات سنة تسع عشرة، وله خمسون سنة.
19

(3/195)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 196
19

(3/196)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 197
(أحداث سنة عشرين)
فيها فتحت مصر. روى خليفة عن غير واحد وغيره أن فيها كتب عمر إلى عمرو بن العاص أن يسير إلى مصر، فسار وبعث عمر الزبير بن العوام مدداً له، ومعه بسر بن أرطأة، وعمير بن وهب الجمحي، وخارجة بن حذافة العدوي، حتى أتى باب أليون فتحصنوا، فافتتحها عنوة وصالحه أهل الحصن، وكان الزبير أول من ارتقى سور المدينة ثم تبعه الناس، فكلم الزبير عمراً أن يقسمها بين من افتتحها، فكتب عمرو إلى عمر، فكتب عمر: أكلة، وأكلات خير من أكلة، أقروها.
19

(3/197)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 198
وعن عمرو بن العاص أنه قال على المنبر: لقد قعدت مقعدي هذا وما لأحد من قيط مصر علي عهد ولا قد، وإن شئت قتلت، وإن شئت بعت، وإن شئت خمست إلا أهل انطابلس فإن لهم عهداً نفي به. وعن عل بن رباح قال: المغرب كله عنوة. وعن عمر قال: افتتحت مصر بغير عهد. وكذا قال جماعة. وقال يزيد بن أبي حبيب: مصر كلها صلح إلا الإسكندرية.
2 (غزو تستر)
قال الوليد بن هشام القحذمي، عن أبيه وعمه أن أبا موسى لما فرغ من الأهواز، ونهر تيرى، وجند يسابور، ورامهرمز، توجه إلى تستر، فنزل باب الشرقي، وكتب يستمد عمر، فكتب إلى عمار بن ياسر أن أمده، فكتب إلى جرير وهو بحلوان أن سر إلى أبي موسى، فسار في ألف فأقاموا أشهراً، ثم كتب أبو موسى إلى عمر: إنهم لم يغنوا سيئاً. فكتب عمر إلى عمار أن سر بنفسك، وأمده عمر من المدينة.
19

(3/198)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 199
وعن عبد الرحمن ن أبي بكرة قال: أقاموا سنة أو نحوها، فجاء رجل من تستر وقال لأبي موسى: أسألك أن تحقن دمي وأهل بيتي ومالي، على أن أدلك على المدخل، فأعطاه، قال: فأبلغني إنساناً سابحاً ذا عقل يأتيك بأمر بين، فأرسل معه مجزأة بن ثور السدوسي، فأدخل من مدخل الماء ينبطح على بطنه أحياناً ويحبو حتى دخل المدينة وعرف طرقها، وأراه العلج الهرمزان صاحبها، فهم بقتله ثم ذكر قول أبي موسى: لا تسبقني بأمر ورجع إلى أبي موسى، ثم إنه دخل بخمسة وثلاثين رجلاً كأنهم البط يسبحون، وطلعوا إلى السور وكبروا،) واقتتلوا هم ومن عندهم على السور، فقتل مجزأة. وفتح أولئك البلد، فتحصن الهرمزان في برج. وقال قتادة، عن أنس: لم نصل يومئذ الغداة حتى انتصف النهار فما يسرني بتلك الصلاة الدنيا كلها. وقال ابن سيرين: قتل يومئذ البراء بن مالك. وقيل: أول من دخل تستر عبد الله بن مغفل المازني. وعن الحسن قال: حوصرت تستر سنتين. وعن الشعبي قال: حاصرهم أبو موسى ثمانية عشر شهراً، ثم نزل
20

(3/199)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 200
الهرمزان على حكم عمر، فقال حميد، عن أنس: نزل الهرمزان على حكم عمر. فلما انتهينا إليه يعني إلى عمر بالهرمزان قال: تكلم، قال: كلام حي أو كلام ميت قال: تكلم فلا بأس، قال: إنا وإياكم معشر العرب ما خلى الله بيننا وبينكم، كنا نغضبكم ونقتلكم ونفعل، فما كان الله معكم لم يكن لنا بكم يدان، قال: يا أنس ما تقول قلت: يا أمير المؤمنين تركت بعدي عدداً كثيراً وشوكة شديدة، فإن تقتله ييأس القوم من الحياة ويكون أشد لشوكتهم، قال: فأنا أستحيي قاتل البراء ومجزأة بن ثور فلما أحسست بقتله قلت: ليس إلى قتله سبيل، قد قلت له: تكلم فلا بأس، قال: لتأتيني بمن يشهد به غيرك، فلقيت الزبير فشهد معي، فأمسك عنه عمر، وأسلم الهرمزان، وفرض له عمر، وأقام بالمدينة. وفيها هلك هرقل عظيم الروم، وهو الذي كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام، وقام بعده ابنه يسطنطين. وفيها قسم عمر خيبر وأجلى عنها اليهود، وقسم وادي القرى، وأجلى يهود نجران إلى الكوفة. قال محمد بن جرير الطبري.
20

(3/200)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 201
2 (الوفيات)
بلال بن رباح الحبشي مولى أبي بكر الصديق، وأمه حمامة. كان من السابقين الأولين الذين عذبوا في الله.
20

(3/201)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 202
شهد بدراً، وكان مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم. روى عنه ابن عمر، وأبو عثمان النهدي، والأسود بن يزيد، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وجماعة. كنيته أبو عبد الكريم، وقيل أبو عبد الله، ويقال أبو عمرو. قال ابن مسعود في حديث المعذبين في الله قال: فأما بلال فهانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، فأعطوه الولدان يطوفون به في شعاب مكة، وهو يقول أحد أحد.
20

(3/202)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 203
وقال هشام بن عروة، عن أبيه قال: مر ورقة بن نوفل ببلال وهو يعذب على الإسلام، يلصق ظهره برمضاء البطحاء وهو يقول: أحد أحد فقال ورقة: أحد أحد، يا بلال صبراً، والذي نفسي بيده لئن قتلتموه لأتخذنه حناناً. ورواه بعضهم عن هشام، عن أبيه، عن أسماء. وهذا مشكل، لم يثبت أن ورقة أدرك المبعث ولا عد صحابياً. وقال غره: فلما رأى أبو بكر بلالاً يعذبه قومه اشتراه منهم بسبع أواقي وأعتقه. وعن أبي أمامة، وأنس يرفعانه قال: بلال ساق الحبشة. وقال أبو حيان التيمي، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال: حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني
20

(3/203)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 204
سمعت الليلة خشفة نعليك في الجنة. قال: ما تطهرت إلا صليت ما كتب لي. ويروى عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم المرء بلال سيد المؤذنين يوم القيامة. وقال عروة: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً، وغيره، عن سعيد بن المسيب: إن أبا بكر لما قعد على المنبر يوم الجمعة قال له بلال: أعتقتني لله أو لنفسك قال: لله، قال: فأذن لي حتى أغزو في سبيل الله، فأذن له، فذهب إلى الشام، فمات هناك. وقال زيد بن أسلم، عن أبيهقال: قدمنا الشام مع عمر فأذن بلال، فذكر الناس النبي صلى الله عليه وسلم، فلم أر باكياً أكثر من يومئذ. وروى سليمان بن بلال بن أبي الدرداء، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء قال: لما دخل عمر) الشام سأل بلال عمر أن يقره بالشام ففعل، قال: وأخي أبو رويحة الذي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبيني، قال: فنزلا داريا في خولان، فأقبل هو وأخوه إلى قوم من خولان، فقالا: إنا قد
20

(3/204)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 205
أتيناكم خاطبين، وقد كنا كافرين فهدانا الله ومملوكين فأعتقنا الله، وفقيرين فأغنانا الله، فإن تزوجونا فالحمد لله، وإن تردونا فلا حول ولا قوة إلا بالله، فزوجوهما. ثم رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: ما هذه الجفوة أما آن لك أن تزورني فانتبه وركب راحلته حتى أتى المدينة، فذكر أنه أذن بها فارتجت المدينة، فما رئي يوم أكثر باكياً بالمدينة من ذلك اليوم. وقال ابن المنكدر، عن جابر: كان عمر يقول: أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا، يعني بلالاً. وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس قال: بلغ بلالاً أن ناساً يفضلونه على أبي بكر، فقال: كيف وإنما أنا حسنة من حسناته. وقال مكحول: حدثني من رأى بلالاً رجلاً آدم شديد الأدمة، نحيفاً، طوالاً، أجنى له شعر كثير، خفيف العارضين به شمط كثير. قال يحيى بن بكير: توفي بلال بدمشق في الطاعون سنة ثماني عشرة. وقال محمد بن إبراهيم التيمي، وابن إسحاق، وأبو عمر الضرير، وجماعة: توفي سنة عشرين بدمشق. وقال الواقدي: دفن بباب الصغير وله بضع وستون سنة.
20

(3/205)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 206
وقال علي بن عبد الله التميمي: دفن بباب كيسان. وقال ابن زبير: توفي بداريا، ودفن بباب كيسان، وقال غيره: دفن بداريا، وروي أنه مات بحلب. رواه عثمان بن خرزاذ عن شيخ له. أسيد بن الحضير بن سماك الأوسي الأشهلي الأنصاري، أبو يحيى، وقيل أبو عتيك، وقيل غير ذلك.
20

(3/206)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 207
أحد النقباء ليلة العقبة، وكان أبوه رئيس الأوس يوم بعاث، فقتل يومئذ، وذلك قبل الهجرة بست سنين، وكان يدعى حضير الكتائب وكان أسيد بعد أبيه شريفاً في قومه وفي الإسلام، يعد من عقلائهم وذوي رأيهم. قال ابن سعد: وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين زيد بن حارثة، ولم يشهد بدراً.) روى عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث. روى عنه كعب بن مالك، وعائشة، وأنس، وعبد الرحمن بن أبي ليلى. وذكر الواقدي أنه قدم الجابية مع عمر، وأنه جعله على ربع الأنصار، وروى الواقدي وغيره أنه أسلم على يد مصعب بن عمير هو وسعد بن معاذ في يوم. وقال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل أسيد بن الحضير وذكر جماعة. أخرجه الترمذي بإسناد صحيح. وورد أنه كان من أحسن الناس صوتاً بالقرآن. وروى ابن إسحاق، عن يحيى بن عباد بن عبد الله، عن أبيه، عن عائشة قالت: ثلاثة من الأنصار من بني عبد الأشهل لم يكن أحد يعتد عليهم فضلاً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: سعد ن معاذ، وأسيد بن حضير، وعباد بن بشر.
20

(3/207)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 208
وقال يحيى بن بكير: إنه مات سنة عشرين، وحمله عمر بين عمودي السرير، حتى وضعه بالبقيع ثم صلى عليه، وكذا ورخ موته الواقدي، وأبو عبيد، وجماعة. أنيس بن مرثد بن أبي مرثد الغنوي أبو يزيد. كان عين النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين، وهو وأبوه وجده صحابيون. قال إبراهيم بن المنذر الحزامي وغيره: إنه توفي في ربيع الأول سنة عشرين، وقيل: إن اسمه أنس، وقيل: إنه المذكور في الرجم في قوله عليه السلام: أغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها.
20

(3/208)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 209
روى عنه الحكم بن مسعود حديثاً في الفتنة. البراء بن مالك أخو أنس بن مالك الأنصاري النجاري. كان أحد الأبطال الأفراد الذين يضرب بهم المثل في الفروسية والشدة، وكان من فضلاء الأنصار وأحد السادة الأبرار، قتل من المشركين مائة مبارزة.
21

(3/209)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 210
روى ابن سيرين، عن أنس قال: دخلت عل البراء وهو يتغنى بالشعر فقلت: يا أخي تتغنى بالشعر وقد أبدلك الله به القرآن فقال: أتخاف علي أن أموت على فراشي وقد تفردت بقتل مائة سوى ما شاركت في قتله، إني لأرجو أن لا يفعل الله ذلك بي. وقد روى مثله ثمامة بن أنس، عن أبيه.) شهد البراء أحداً وما بعدها. وعن ابن سيرين قال: كتب عمر أن لا تستعملوا البراء بن مالك على جيش، فإنه مهلكة من المهالك تقدم بهم. قال ابن عبد البر: استشهد البراء بتستر. السري بن يحيى، عن ابن سيرين، أن المسلمين انتهوا إلى حائط فيه رجال من المشركين، فقعد البراء على ترس وقال: ارفعوني برماحكم فألقوني إليهم، فألقوه وراء الحائط، قال: فأدركوه وقد قتل منهم عشرة. ابن عون، عن ابن سيرين قال: بارز البراء مرزبان الزراة فطعنه
21

(3/210)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 211
فصرعه وأخذ سلبه فباعه بنيف وثلاثين ألفاً. زينب بنت جحش بن رئاب الأسدي أسد خزيمة، أم المؤمنين أخت أبي أحمد
21

(3/211)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 212
وحمنة، وأمها أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث، وقيل سنة خمس، وقيل: سنة أربع وهو أصح، وكان قبله مولاه زيد بن حارثة، قال الله تعالى: فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها، فكانت زينب تفخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم وتقول زوجكن أهليكن وزوجني الله من فوق عرشه. وكانت دينة ورعة كثيرة البر والصدقة، وكانت أول نسائه صلى الله عليه وسلم لحوقاً به، فصلى عليها عمر. أخرج مسلم من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً لنسائه: أسرعكن لحوقاً بي أطولكن يداً. قالت: فكن يتطولن أيتهن أطول يداً، فكانت زينب أطولنا يداً لأنها كانت تعمل وتتصدق.
21

(3/212)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 213
ابن عبد البر قال: روينا من وجوه عن عائشة قالت: كانت زينب بنت جحش تساميني في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما رأيت امرأة قط خيراً في الدين من زينب وأتقى لله، وأصدق، حديثاً، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة. رضي الله عنها. لها أحاديث. روى عنها أم حبيبة بنت أبي سفيان، وزينب بنت أبي سلمة، وابن أخيها محمد بن عبد الله بن جحش، وأرسل عنها القاسم بن محمد. توفت سنة عشرين، وكان عمر قد قسم لأمهات المؤمنين في السنة اثني عشر ألف درهم، لكل) واحدة إلا جويرية وصفية فقسم لهما ستة آلاف، لكل واحدة، لكونهما سبيتا. قال الزهري. وقال الواقدي: حدثني عمر بن عثمان الجحشي، عن أبيه قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش لهلال ذي القعدة سنة خمس وهي بنت خمس وثلاثين سنة، قال: وكانت امرأة صالحة صوامةً قوامةً صنعاً
21

(3/213)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 214
تتصدق بذلك كله على المساكين. قال الواقدي: وحدثني موسى بن محمد بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أمه عمرة، عن عائشة قالت: يرحم الله زينب لقد نالت شرف الدنيا الذي لا يبلغه شرف، إن الله زوجها نبيه ونطق به القرآن، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا ونحن حوله: أطولكن يداً أسرعكن لحوقاً بي فبشرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرعة لحوقها به وهي زوجته في الجنة. وقال خليفة وحده: توفيت سنة إحدى وعشرين. سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي من أشراف بني جمح، له صحبة ورواية. روى عنه عبد الرحمن بن سابط، وشهر ن حوشب وحسان بن عطية مرسلاً. ذكر ابن سعد أنه شهد خيبر.
21

(3/214)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 215
وقال حسان بن عطية: بلغ عمر أن سعيداً بن عامر وكان قد استعمله على بعض الشام يعني حمص أصابته حاجة فأرسل إليه ألف دينار، فقال لزوجته: إلا نعطي هذا المال لمن يتجر لنا فيه قالت: نعم، فخرج فتصدق به، وذكر الحديث. وروى يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن سابط قال: أرسل عمر إلى سعيد بن عامر: إنا مستعملوك على هؤلاء تسير بهم إلى أرض العدو فتجاهد بهم، فقال: يا عمر لا تفتني. قال: والله لا أدعكم، جعلتموها في عنقي ثم تخليتم عني، إنما أبعثك على قوم لست بأفضلهم.
21

(3/215)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 216
وقال خليفة: فتحت قيسارية وأميرها سعيد بن عامر بن حذيم، ومعاوية بن أبي سفيان، كل واحد أمير على جنده، فهزم الله المشركين وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وولي سعيد بن عامر حمص. وذكر ابن سعد أنه شهد خيبر. وكان سعيد من سادة الصحابة. عياض بن غنم الفهري أبو سعد. من المهاجرين الأولين، شهد بدراً وغيرها، واستخلفه أبو عبيدة عند وفاته على الشام، وكان رجلاً صالحاً زاهداً سمحاً جواداً، فأقره عمر على الشام، وهو الذي افتتح الجزيرة صلحاً، وعاش ستين سنة.) وهو عياض بن غنم ببن زهير بن أبي شداد بن ربيعة.
21

(3/216)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 217
وأما ابن سعد فقال: شهد الحديبية وما بعدها، وكان أحد الأمراء الخمسة يوم اليرموك. يروي عنه عياض بن عمرو الأشعري. أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، اسمه المغيرة، وهو الذي كان آخذاً يوم حنين بلجام بغلة النبي صلى الله عليه وسلم، وثبت يومئذ معه، وهو أخو نوفل بن الحارث، وربيعة بن الحارث. وقال أبو إسحاق السبيعي: لما حضر أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب الموت قال: لا تبكوا علي فإني لم أنتطف بخطيئة منذ أسلمت. وقد روى عنه ابنه عبد الملك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بني هاشم إياكم والصدقة.
21

(3/217)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 218
وقيل أن نوفلاً أخاه توفي في هذه السنة، وقد مر. وكان أبو سفيان أخا النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، أرضعتهما حليمة السعدية، سماه المغيرة ابن الكلبي والزبير، وقال آخرون: اسمه كنيته وأخوه المغيرة. وبلغنا أن الذين كانوا يشبهون رسول الله صلى الله عليه وسلم: جعفر ببن أبي طالب، والحسن بن علي، وقثم بن العباس، وأبو سفيان بن الحارث. وكان أبو سفيان من شعراء بني هاشم، أسلم يوم الفتح، وكان قد وقع منه كلام في النبي صلى الله عليه وسلم، وإياه عنى حسان بقوله:
(ألا أبلغ سفيان عني .......... مغلغلة فقد برح الخفاء)

(هجوت محمداً فأجبت عنه .......... وعند الله في ذاك الجزاء)
ثم أسلم وحسن إسلامه، وحضر فتح مكة مسلماً، وأبلى يوم حنين بلاءً حسناً. فروى ابن إسحاق، عن عاصم ن عمر، عمن حدثه قال: وتراجع الناس يوم حنين، وثبت أبو سفيان مع النبي صلى الله عليه وسلم مع من ثبت، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب أبا سفيان وشهد له بالجنة وقال: أرجو أن يكون خلفاً من حمزة.
21

(3/218)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 219
قال ابن إسحاق: وقال يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(أرقت فبات ليلي لا يزول .......... وليل أخي المصيبة فيه طول)
)
(وأسعدني البكاء وذاك فيما .......... أصيب المسلمون به قليل)

(فقد عظمت مصيبتنا وجلت .......... عشية قيل قد قبض الرسول)

(فقدنا الوحي والتنزيل فينا .......... يروح به ويغدو جبرئيل)

(وذاك أحق ما سالت عليه .......... نفوس الناس أو كادت تسيل)

(نبي كان جلو الشك عنا .......... بما يوحي إليه وما يقول)

(ويهدينا فلا نخشى ضلالاً .......... علينا والرسول لنا دليل)

(فلم نر مثله في الناس حياً .......... وليس له من الموتى عديل)

(أفاطم إن جزعت فذاك عذر .......... ثواب الله والفضل الجزيل)

(وقولي في أبيك ولا تملي .......... وهل يجزي بفعل أبيك قيل)

(فقبر أبيك سيد كل قبر .......... وفيه سيد الناس الرسول)
قيل: إن أبا سفيان حج فحلق رأسه، فقطع الحلاق ثؤلولاً كان في
22

(3/219)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 220
رأسه، فمرض منه ومات بعد مقدمه من الحج بالمدينة، وصلى عليه عمر. توفي بعد أخيه نوفل بأربعة أسهر، في قول. صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشقيقة حمزة، وحجل، والمقوم، وأمهم زهرية تزوجها الحارث بن حرب بن أمية فتوفي عنها، وتزوجها العوام بن خويلد فولدت له الزبير حواري رسول الله، والسائب وعبد الكعبة. والصحيح أنه لم يسلم من عمات الرسول صلى الله عليه وسلم سواها. ووجدت على أخيها حمزة وجداً شديداً، وصبرت واحتسبت.
22

(3/220)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 221
وكانت يوم الخندق في حصن حسان بن ثابت، قالت: وهو معنا في الحصن مع الذرية، فمر بالحصن يهودي فجعل يطيق بالحصن والمسلمون في نحور عدوهم، فذكرت الحديث وأنها نزلت وقتلت اليهودي بعمود كما تقدم في غزوة الخندق. توفيت صفية سنة عشرين، ودفنت بالبقيع عن بضع وسبعين سنة. أبو الهيثم بن التيهان البلوي، حليف بني عبد الأشهل، وكان أحد نقباء الأنصار. شهد بدراً والمشاهد كلها، وكان من خيار الصحابة، وهو الذي أضاف النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور.)
22

(3/221)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 222
واسمه مالك بن التيهان بن مالك بن عبيد البلوي القضاعي حليف بني عبد الأشهل. وقيل: هو أنصاري من أنفسهم، شهد العقبتين. وقيل بل توفي سنة إحدى وعشرين، وأخطأ من قال قتل بصفين مع علي، بل ذاك أخوه عبيد. والتيهان بالتخفيف كذا يقوله أهل الحجاز، وشدده أبو الكلبي.
22

(3/222)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 223
(أحداث سنة إحدى وعشرين)

2 (فتح الإسكندرية)
فيها فتح عمرو بن العاص الإسكندرية. وقد مرت. وفيها شكا أهل الكوفة سعد بن أبي وقاص وتعنتوه، فصرفه عمر وولى عمار بن ياسر على الصلاة، وابن مسعود على بيت المال، وعثمان بن حنيف على مساحة أرض السواد. وفيها سار عثمان بن أبي العاص فنزل توج ومصرها. وبعث سوار بن المثنى العبدي إلى سابور، فاستشهد، فأغار عثمان بن أبي العاص على سيف البحر والسواحل، وبعث الجارود بن المعلى فقتل الجارود أيضاً. عن المفضل بن فضالة، عن عياش بن عباس القتباني، وعن غير
22

(3/223)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 224
واحد أن عمراً سار من فلسطين بالجيش من غير أمر عمر إلى مصر فافتتحها، فعتب عمر عليه إذ لم يعلمه، فكتب يستأذن عمر بمناهظة أهل الإسكندرية، فسار عمرو في سنة إحدى وعشرين، وخلف على الفسطاط خارجة ببن حذافة العدوي، فالتقى القبط فهزمهم بعد قتال شديد، ثم التقاهم عند الكربون فقاتلوا قتالاً شديداً، ثم انتهى إلى الإسكندرية، فأرسل إليه المقوقس يطلب الصلح والهدنة منه، فأبى عليه، ثم جد في القتال حتى دخلها بالسيف، وغنم ما فيها من الروم، وجعل فيها عسكراً عليهم عبد الله ابن حذافة السهمي، وبعث إلى عمر بالفتح، وبلغ الخبر قسطنطين بن هرقل فبعث خصياً له يقال له منويل في ثلاثمائة مركب حتى دخلوا الإسكندرية، فقتلوا بها المسلمين ونجا من هرب، ونقص أهلها، فزحف إليها عمرو في خمسة عشر ألفاً، ونصب عليها المجانيق، وجد في القتال حتى فتحها عنوة، وخرب جدرها، رؤي عمرو يخرب بيده. رواه حماد بن سلمة، عن أبي عمران، عن علقمة.
2 (نهاوند)
وقال النهاس بن قهم، عن القاسم بن عوف الشيباني، عن السائب ابن الأقرع قال: زحف) للمسلمين زحف لم ير مثله قط، رجف له أهل ماه وأهل أصبهان وأهل خمذان والري وقومس ونهاوند وأذربيجان، قال فبلغ
22

(3/224)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 225
ذلك عمر فشاور المسلمين، فقال علي رضي الله عنه: أنت أفضلنا وأعلمنا بأهلك. فقال: لأستعملن على الناس رجلاً يكون لأول أسنة يلقاها، يا سائب اذهب بكتابي هذا إلى النعمان بن مقرن، فليسر بثلثي أهل الكوفة، وليبعث إلى أهل البصرة، وأنت على ما أصابوا من غنيمة، فإن قتل النعمان فحذيفة الأمير، فإن قتل حذيفة فجرير بن عبد الله، فإن قتل ذلك الجيش فلا أراك. وروى علقمة بن عبد الله المزني، عن معقل بن يسار أن عمر شاور الهرمزان في أصبهان وفارس وأذربيجان بأتيهن يبدأ، فقال: يا أمير المؤمنين أصبهان الرأس، وفارس وأذربيجان الجناحان، فإن قطعت الرأس وقع الجناحان، فدخل عمر المسجد فوجد النعمان بن مقرن يصلي فسرحه وسرح معه الزبير بن العوام، وحذيفة بن اليمان، والمغيرة بن شعبة، وعمرو بن معد يكرب، والأشعث بن قيس، وعبد الله بن عمر، فسار حتى أتى نهاوند، فذكر الحديث إلى أن قال النعمان لما التقى الجمعان: إن قتلت فلا يلوي علي أحد، وإني داع بدعوة فأمنوا. ثم دعا: اللهم ارزقني الشهادة بنصر المسلمين والفتح عليهم، فأمن القوم وحملوا فكان النعمان أول صريع. وروى خليفة بإسناد قال: التقوا بنهاوند يوم الأربعاء فانكشفت مجنبة
22

(3/225)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 226
المسلمين اليمنى شيئاً، ثم التقوا يوم الخميس فثبتت الميمنة وانكشف أهل الميسرة، ثم التقوا يوم الجمعة فأقبل النعمان يخطبهم ويحضهم على الحملة ففتح الله عليهم. وقال زياد الأعجم: قدم علينا أبو موسى بكتاب عمر إلى عثمان بن أبي العاص: أما بعد، فإني قد أمددتك بأبي موسى، وأنت الأمير فتطاوعا والسلام. فلما طال حصار إصطخر بعث عثمان ن أبي العاص عدة أمراء فأغاروا على الرساتيق. وقال ابن جرير في وقعة نهاوند: لما انتهى النعمان إلى نهاوند في جيشه طرحوا له حسك الحديد، فبعث عيوناً فساروا لا يعلمون بالحسك، فزجر بعضهم فرسه وقد دخل في حافره حسكة، فلم يبرح، فنزل فإذا الحسك، فأقبل بها، وأخبر النعمان، فقال النعمان: ما ترون فقالوا: تقهقر حتى يروا أنك هارب فيخرجوا في طلبك، فتأخر النعمان، وكنست الأعاجم الحسك وخرجوا في طلبه فعطف عليهم النعمان وعبأ كتائبه وخطب الناس وقال: إن أصبت) فعليكم حذيفة، فإن أصيب فعليكم جرير البجلي، وإن أصيب فعليكم قيس بن مكشوح، فوجد المغيرة في نفسه إذ لم يستخلفه، قال: وخرجت الأعاجم وقد شدوا أنفسهم في السلاسل لئلا يفروا، وحمل عليهم المسلمون، فرمى النعمان بسهم فقتل، ولفه أخوه سويد بن مقرن في ثوبه وكتم قتله حتى فتح الله تعالى عليهم، ودفع الراية إلى حذيفة.
22

(3/226)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 227
وقتل الله ذا الحاجب يعني مقدمهم، وافتتحت نهاوند، ولم يكن للأعاجم بعد ذلك جماعة. وبعث عمر السائب بن الأقرع مولى ثقيف وكان كاتباً حاسباً، فقال: إن فتح الله على الناس فاقسم عليم فيئهم واعزل الخمس. قال السائب: فإني لأقسم بين الناس إذ جائني أعجمي فقال: أتؤمنني على نفسي وأهلي على أن أدلك على كنز يزدجرد يكون لك ولصاحبك قلت: نعم، وبعثت معه رجلاً، فأتى بسفطين عظيمين ليس فيهما إلا الدر والزبرجد واليواقيت، قال: فاحتملتهما معي، وقدمت على عمر بهما، فقال: أدخلهما بيت المال، ففعلت ورجعت إلى الكوفة سريعاً، فما أدركني رسول عمر إلا بالكوفة، أناخ بعيره على عرقوبي بعيري فقال: الحق بأمير المؤمنين، فرجعت حتى أتيته، فقال مالي ولابن أم السائب ومالي، قلت: وما ذاك قال: والله ما هو إلا نمت، فباتت ملائكة تسحبني إلى ذينك السفطين يشتعلان ناراً يقولون: لنكوينك بهما، فأقول: إني سأقسمهما بين المسلمين، فخذهما عني لا أبا لك فالحق بهما فبعهما في أعطية المسلمين وأرزاقهم، قال: فخرجت بهما حتى وضعتهما في مسجد الكوفة، وغشيني التجار، فابتاعهما مني عمرو بن حريث بألفي ألف درهم، ثم خرج بهما إلى أرض العجم فباعهما بأربعة آلاف ألف، فما زال أكثر أهل الكوفة مالاً.
22

(3/227)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 228
وفيها سار عمرو بن العاص إلى برقة فافتتحها، وصالهم على ثلاثة عشر ألف دينار. وفيها صالح أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس على أنطاكية وقلقية، وغير ذلك.
22

(3/228)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 229
2 (الوفيات)
ت ن ق وأبو هاشم من مسلمة الفتح حسن إسلامه، وله حديث في سنن النسائي وغيرها. روى عنه أبو هريرة، وسمرة بن سهم. وهو خال معاوية. شهد فتوح الشام. وفيها توفي طليحة بن خويلد بن نوفل الأسدي.
23

(3/229)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 230
أسلم سنة تسع، ثم ارتد وتنبأ بنجد وحارب المسلمين، ثم انهزم ولحق بنواحي دمشق عند آل جفنة، فلما توفي الصديق ثاب وخرج محرماً بالحج، فلما رآه عمر قال: يا طليحة لا أحبك بعد قتل عكاشة بن محصن، وثابت بن أقرم. فقال: يا أمير المؤمنين رجلين أكرمهما الله بيدي ولم يهني بأيديهما. ثم حسن إسلامه وشهد القادسية، وكتب عمر إلى سعد أن شاور طليحة في أمر الحرب ولا توله شيئاً. وقال ابن سعد: كان طليحة يعد بألف فارس لشجاعته وشدته. وقال غيره: استشهد طليحة بنهاوند. خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القشي المخزومي أبو
23

(3/230)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 231
23

(3/231)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 232
سليمان المكي، سيف الله، كذا لقبه النبي صلى الله عليه وسلم. وأمه لبابة أخت ميمونة بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين. شهد غزوة مؤتة وما بعدها. وله أحاديث، روى عنه: ابن عباس، وقيس بن أبي حازم، وجبير بن نفير، وأبو وائل، وجماعة. وكان بطلاً شجاعاً ميمون النقيبة، باشر حروباً كثيرة، ومات على فراشه وهو ابن ستين سنة، ولم يكن في جسده نحو شبر إلا وعليه طابع الشهداء. وقال جويرية بن أسماء: لما استخلف عمر كتب إلى أبي عبيدة: إني قد وليتك وعزلت خالداً. قال خليفة: فولى أبو عبيدة لما افتتح الشام خالداً على دمشق. وقال أبو عبيد، وإبراهيم بن المنذر، وجماعة: إنه توفي سنة إحدى وعشرين بحمص. وقال دحيم وحده: مات بالمدينة. مناقب خالد كثيرة ساقها ابن عساكر، من أصحها ما رواه ابن أبي
23

(3/232)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 233
خالد، عن قيس بن أبي حازم قال: رأيت خالد بن الوليد أتي بسم فقال: ما هذا قالوا: سم، فقال: باسم الله وشربه.) وروى يونس بن أبي إسحاق، عن أبي السفر قال: قالوا لخالد: احذر الأعاجم لا يسوقونك السم، فقال: ائتوني به، فأتى به، فاقتحمه وقال: باسم الله فلم يضره شيئاً. وقال الأعمش، عن خيثمة قال: أتى خالداً رجل معه زق أحمر، فقال: اللهم اجعله خلاً، فصار خلاً. جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن أنس ابن عباس قال: وقع بين خالد بن الوليد وعمار كلام، فقال عمار: لقد هممت أن لا أكلمك أبداً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا خالد مالك ولعمار، رجل من أهل الجنة قد شهد بدراً. وقال يا عمار إن خالداً سيف من سيوف الله على الكفار. قال خالد: فما زلت أحب عماراً من يومئذ. سفيان الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي وائل قال: بلغ عمر أن نسوة من نساء بني المغيرة قد اجتمعن في دار يبكين على خالد بن الوليد، فقال عمر: ما عليهن أن يبكين أبا سليمان ما لم يكن نقع أو لقلقة.
23

(3/233)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 234
وحشي بن حرب بن وحشي، عن أبيه، عن جده أن أبا بكر عقد لخالد وقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نعم عبد الله وأخو العشيرة خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سله على الكفار والمنافقين. رواه أحمد في مسنده.
23

(3/234)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 235
العلاء بن الحضرمي واسم الحضرمي عبد الله بن عباد بن أكبر بن ربيعة بن مقنع بن حضرموت، حليفة بني أمية، وإلى أخيه تنسب بئر ميمون التي بأعلى مكة، احتفرها في الجاهلية ميمون بن الحضرمي، ولهما أخوان: عمرو، وعامر.
23

(3/235)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 236
وكان العلاء من فضلاء الصحابة، ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أبو بكر وعمر البحرين، وقيل: إن عمر ولاه البصرة فمات قبل أن يصل إليها، واستعمل عمر بعد العلاء أبا هريرة على البحرين. له عن النبي صلى الله عليه وسلم مكث المهاجر بعد قضاء نسكه بمكة ثلاثاً. روى عنه السائب أبو يزيد، وحيان الأعرج، وزياد بن حدير. وقال منصور بن راذان، عن ابن سيرين عن ابن العلاء إن العلاء بن الحضرمي كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبدأ بنفسه. وقال محمد بن إسحاق: كان الحضرمي حليف حرب بن أمية. وقيل له الحضرمي لأنه جاء) من بلاد حضرموت. وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: بعث أبو بكر
23

(3/236)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 237
الصديق العلاء في جيش قبل البحرين، وكانوا قد ارتدوا، فسار إليهم وبينه وبينهم عرض البحر حتى مشوا فيه بأرجلهم، وقطعوا كذلك في مكان كانت تجري فيه السفن، وهي اليوم تجري فيه، فقاتلهم وأظهره الله عليهم وسلموا ما منعوا من الزكاة. أخبرنا إسحاق بن أبي بكر، أنا يوسف بن خليل، أنا محمد بن أبي زيد، أنا محمود، أنا ابن فاذشاه، ثنا سليمان الطبراني، ثنا الحسين بن أحمد بسطام، ثنا إسماعيل بن إبراهيم صاحب الهروي، ثنا أبي، عن أبي كعب صاحب الحرير، عن الجريري، عن أبي السليل، عن أبي هريرة قال: لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم العلاء بن الحضرمي إلى البحرين تبعته فرأيت منه ثلاث خصال لا أدري أيتهن أعجب: انتهينا إلى شاطئ البحر فقال: سموا واقتحموا فسمينا واقتحمنا، فعبرنا فما بل الماء إلا أسفل خفاف إبلنا، فلما قفلنا صرنا بعد بفلاة من الأرض، وليس معنا ماء، فشكونا إليه، فصلى ركعتين، ثم دعا فإذا سحابة مثل الترس، ثم أرخت عزاليها فسقينا واستقينا. ومات بعدما بعثه أبو بكر إلى البحرين لما ارتدت ربيعة، فأظفره الله بهم، وأعطوا ما منعوا من الزكاة ومات دفناه في الرمل فلما سرنا غير بعيد قلنا يجيء سبع فيأكله، فرجعنا فلم نره. روى نحوه
23

(3/237)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 238
مجالد بن سعيد، عن الشعبي مرسلاً بأطول منه. مجالد، عن الشعبي أن عمر كتب إلى العلاء بن الحضرمي وهو بالبحرين أن سر إلى عتبة بن غزوان فقد وليتك عمله، إني ظننت أنك أغنى عن المسلمين منه، فمات العلاء قبل أن يصل إلى البصرة. كذا هذا عن أبي هريرة قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البحرين مع العلاء بن الحضرمي، وكنت أؤذن له. وعن المسور بن مخرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث العلاء بن الحضرمي إلى البحرين، ثم عزله بأبان بن سعيد. وذكر ابن سعد أن أبا بكر استعمل العلاء على سرية فسبى وغنم. الجارود العبدي سيد عبد القيس. هو أبو عتاب، وقيل: أبو
23

(3/238)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 239
غياث، وقيل: أبو المنذر، الجارود) بن المعلى، وقيل: اسمه بشر بن حنش. ولقب جاروداً لكونه أغار على بكر بن وائل فأصابهم وجردهم. وفد في عهد القيس سنة عشر من الهجرة وكانوا نصارى فأسلم الجارود، وفرح النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامه وأكرمه. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث. روى عنه عبد الله بن عمرو بن العاص، ومطرف بن عبد الله بن الشخير، وزيد بن علي القموصي، وأبو مسلم الجذمي، وغيرهم. اختط بالبصرة. وقتل شهيداً ببلاد فارس سنة إحدى وعشرين، وقيل: قتل مع النعمان بن مقرن. ع النعمان بن مقرن المزني أبو عمرو، ويقال: أبو حكيم.
24

(3/239)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 240
من سادة الصحابة، كان معه لواء مزينة يوم الفتح. روى عنه ابنه معاوية، ومعقل بن يسار، ومسلم بن الهيصم، وجبير بن حية الثقفي. وكان أمير الجيش يوم فتح نهاوند فاستشهد يومئذ، ونعاه عمر على المنبر وبكى.
24

(3/240)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 241
(أحداث سنة اثنتين وعشرين)

2 (فتح أذربيجان)
على يد المغيرة بن شعبة. قاله ابن إسحاق، فيقال إنه صالحهم على ثمانمائة ألف درهم. وقال أبو عبيدة: افتتحها حبيب بن مسلمة الفهري بأهل الشام عنوة ومعه أهل الكوفة، وفيهم حذيفة، فافتتحها بعد قتال شديد. فالله تعالى أعلم.
2 (فتح الدينور)
وفيها غزا حذيفة مدينة الدينور عنوة، وقد كانت فتحت لسعد ثم انتقضت. ثم غزا حذيفة ما سبذان فافتتحها عنوة، على خلف في ماه، وقيل: افتتحها سعد فانتقضوا.
24

(3/241)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 242
وقال طارق بن شهاب: غزا أهل البصرة ماه فأمدهم أهل الكوفة، عليهم عمار بن ياسر، فأرادوا أن يشركوا في الغنائم، فأبى أهل البصرة، ثم كتب إليهم عمر: الغنيمة لمن شهد الوقعة.
2 (فتح همذان)
وقال أبو عبيدة: ثم غزا حذيفة همذان، فافتتحها عنوة ولم تكن فتحت. وإليها انتهى فتوح حذيفة، وكل هذا في سنة اثنتين وعشرين. قال: ويقال همذان افتتحها المغيرة بن شعبة سنة أربع وعشرين، ويقال: افتتحها جرير بن عبد الله بأمر المغيرة. وقال خليفة بن خياط: فيها افتتح عمرو بن العاص أطرابلس المغرب، ويقال في السنة التي بعدها. وفيها عزل عمار عن الكوفة، وفيها افتتحت جرجان، وفيها فتح سويد بن مقرن الري، ثم عسكر وسار إلى قومس فافتتحها.
2 (الوفيات)
وفيها توفي: أبي كعب، في قول الواقدي، ومحمد بن عبد الله بن نمير، ومحمد بن يحيى الذهلي، والترمذي، وقد مر سنة تسع عشرة.
24

(3/242)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 243
معضد بن يزيد الشيباني استشهد بأذربيجان، ولا صحبة له.
2 (بقية حوادث السنة)
وولد فيها يزيد بن معاوية وقال محمد بن جرير: إن عمر أقر على با الفرج عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي وأمره بغزو الترك، فسار بالناس حتى قطع الباب، فقال له شهريران: ما ترد أن تصنع قال: أناجزهم في ديارهم، وبالله إن معي لأقواماً لو يأذن لنا أميرنا في الإمعان لبلغت بهم السند. ولما دخل عبد الرحمن على الترك حال الله بينهم وبين الخروج عليه وقالوا: ما اجترأ على هذا الأمر إلا ومعهم الملائكة تمنعهم من الموت، ثم هروا وتحصنوا، فرجع بالظفر والغنيمة، ثم إنه غزاهم مرتين في خلافة عثمان فيسلم ويغنم، ثم قاتلهم فاستشهد أعني عبد الرحمن بن ربيعة فأخذ أخوه سلمان ن ربيعة الراية، وتحيز بالناس، قال: فهم يعني الترك يستسقوه بجسد عبد الرحمن حتى الآن.
2 (خبر السند)
الوليد: ثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، أخبرني رجلان، عن أبي بكرة الثقفي، أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني قد رأيت السد، قال: كيف
24

(3/243)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 244
رأيته؟ قال: رأيته كالبرد المحبر. رواه سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة مرسلاً، وزاد: طريقة سوداء وطريقة حمراء، قال: قد رأته. قلت: يريد حمرة النحاس وسواد الحديد. سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، يروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن يأجوج ومأجوج يحفرونه كل يوم، حتى إذا كادوا أن يروا شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غداً، فيعيده الله كأشد ما كان، حتى إذا بلغت مدتهم حفروا، حتى إذا كادوا أن يروا الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه إن شاء الله غداً، فيعودون إليه كهيئته حين تركوه فيحفرونه، فيخرجون على الناس، ويتحصن الناس منهم في حصونهم، فيرمون بسهامهم إلى السماء فترجع فيها كهيئة الدماء، فيقولون: قهرنا أهل) الأرض وعلونا أهل السماء، فيبعث الله نغفاً فيقتلهم بها. وذكر ابن جرير في تاريخه من حديث عمرو بن معد يكرب عن مطر بن ثلج التميمي قال: دخلت على عبد الرحمن بن ربيعة بالباب وشهريران عنده، فأقبل رجل عليه شحوبة حتى دخل على عبد الرحمن
24

(3/244)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 245
فجلس إلى شهريران، وكان على مطر قباء برد يمني أرضه حمراء ووشيه وأسود. فتسائلا، ثم إن شهريران قال: أيها الأمير أتدري من أين جاء هذا الرجل هذا رجل بعثته نحو السد منذ سنتين ينظر ما حاله ومن دونه، وزودته مالاً عظيماً، وكتبت له إلى من يليني وأهديت له، وسألته أن يكتب له إلى ما وراءه، وزودته لكل ملك هدية، ففعل ذلك بكل ملك بينه وبينه، حتى انتهى إلى الملك الذي السد في ظهره، فكتب له إلى عامله على ذلك البلد فأتاه، فبعث معه بازيلره ومعه عقابه وأعطاه حريرة، قال: فلما انتهينا إذا جبلان، بينهما سد مسدود حتى ارتفع على الجبلين، وإن دون السد خندقاً أشد سواداً من الليل لبعده، فنظرت إلى ذلك كله وتفرست فيه، ثم ذهبت لأنصرف، فقال لي البازار على رسلك أكافئك إنه لا يلي ملك بعد ملك إلا تقرب إلى الله بأفضل ما عنده من الدنيا فيرمي به هذا اللهب، قال: فشرح بضعة لحم معه وألقاها في ذلك الهواء، وانقضت عليها العاب، وقال: إن أدركتها قبل أن تقع فلا شيء، فخرج عليه العقاب باللحم في مخاليبه، فإذا قد لصق فيه ياقوتة فأعطانيها وها هي ذه، فتناولها شهريران فرآها حمراء، فتناولها عبد الرحمن ثم ردها، فقال شهريران: إن هذه لخير من هذا يعني الباب وايم الله لأنتم أحب إلي ملكة من آل كسرى، ولو كنت في سلطانهم ثم بلغهم خبرها لانتزعوها مني، وايم الله لا يقوم لكم شيء ما وفيتم أوفى ملككم الأكبر.
24

(3/245)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 246
فأقبل عبد الرحمن على الرسول وقال: ما حال السد وما شبهه فقال: مثل هذا الثوب الذي على مطر، فقال مطر: صدق والله الرجل لقد بعد ورأى ووصف صفة الحديد والصفر. فقال عبد الرحمن لشهريران: كم كانت قيمة هاتيك قال: مائة ألف في بلادي هذه، وثلاثة آلاف ألف في تلك البلدان. وحدث الترجمان قال: لما رأى الواثق بالله كأن السد الذي بناه ذو القرنين قد فتح وجهني وقال لي: عاينه وجئني بخبره، وضم إلي خمسين رجلاً، وزودنا، وأعطانا مائتي بغل تحمل الزاد، فشخصنا من سامراء بكتابه إلى إسحاق وهو بتفليس، فكتب لنا إسحاق إلى صاحب السرير، وكتب لنا صاحب السرير إلى ملك اللان، وكتب لنا ملك اللان إلى فيلانشاه، وكتب لنا ملك) الخزر، فوجه معنا خمسة أدلاء، فسرنا من عنده ستة وعشرين يوماً، ثم صرنا إلى أرض سوداء منتنة، فكنا نشتم الخل، فسرنا فيها عشرة أيام، ثم صرنا إلى مدائن خراب ليس فيها أحد، فسرنا فيها سبعة وعشرين يوماً، فسألنا الأدلاء عن تلك المدن فقالوا: هي التي كان يأجوج ومأجوج يطرقونها فأخربوها. ثم صرنا إلى حصون عند السد
24

(3/246)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 247
بها قوم يتكلمون بالعربية والفارسية، مسلمون يقرءون القرآن، لهم مساجد وكتاتيب، فسألونا، فقال: نحن رسل أمير المؤمنين، فأقبلوا يتعجبون ويقولون: أمير المؤمنين فتقول: نعم، فقالوا: شيخ هو أم شاب قلنا: شاب، فقالوا: أين يكون فقلنا: بالعراق بمدينة يقال لها سر من رأى، فقالوا: ما سمعنا بهذا قط. ثم صرنا إلى جبل أملس ليس عليه خضراء، وإذا جبل مقطوع بواد عرضه مائة ذراع، فرأينا عضادتين مبنيتين مما يلي الجبل من جنبتي الوادي عرض كل عضادة خمسة وعشرون ذراعاً، الظاهر من تحتها عشرة أذرع خارج الباب، وكله بناء بلبن من حديد في نحاس في سمك خمسين ذراعاً، قد ركب على العضادتين على كل واحدة بمقدار عشرة أذرع في عرض خمسة، وفوق الدروند بناء بذلك اللبن الحديد إلى رأس الجبل، وارتفاعه مد البصر، وفوق ذلك شرف حديد لها قرنان يلج كل واحد منهما إلى صاحبه، وإذا باب حديد له مصراعان مغلقان عرضهما مائة ذراع في طول مائة ذراع في ثخانة خمسة أذرع. وعليه قفل طوله سبعة أذرع في غلظ باع، وفوقه بنحو قامتين غلق طوله أكثر من طول القفل، وقفيزاه كل واحد منهما ذراعان، وعلى الغلق مفتاح معلق طوله ذراع ونصف، في سلسلة طولها ثمانية أذرع، وهي في حلقة كحلقة المنجنيق.
24

(3/247)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 248
ورئيس تلك الحصون يركب كل جمعة في عشرة فوارس، مع كل فارس مرزبة من حديد فيضربون القفل بتلك المرازب ثلاث ضربات، يسمع من وراء الباب الضرب فيعلمون أن هناك حفظة، ويعلم هؤلاء أن أولئك لم يحدثوا في الباب حدثاً، وإذا ضربوا القفل وضعوا آذانهم يستمعون، فسمعوا دوياً كالرعد. وبالقرب من هذا الموضع حصن كبير، ومع الباب حصنان يكون مقدار كل واحد منهما مائتي ذراع، في مائتي ذراع، وعلى باب كل حصن شجرة، وبين الحصنين عين عذبة، وفي أحد الحصنين آلة بناء السد من قدور ومغارف وفضلة اللبن قد التصق بعضه ببعض من الصدأ،) وطول اللبنة ذراع ونصف في مثله في سمك شبر. فسألنا أهل الموضع هل رأوا أحداً من يأجوج ومأجوج، فذكروا أنهم رأوا مرة أعداداً منهم فوق الشرف، فهبت ريح سوداء فألقتهم إلى جانبهم، وكان مقدار الرجل منهم شبراً ونصف، فلما انصرفنا أخذ بنا الأدلاء، إلى ناحية خراسان، فسرنا إليها حتى خرجنا خلف سمرقند بتسعة فراسخ، وكان أصحاب الحصون زودونا ما كفانا. ثم صرنا إلى عبد الله بن طاهر. قال سلام الترجمان: فأخبرته خبرنا، فوصلني بمائة ألف درهم، ووصل كل رجل معي بخمسمائة درهم، ووصلنا إلى سر من رأى بعد خروجنا منها بثمانية وعشرين شهراً. قال مصنف كتاب المسالك والممالك: هكذا أملى علي سلام الترجمان.
24

(3/248)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 249
(أحداث سنة ثلاث وعشرين)
فيها: بينما عمر رضي الله عنه يخطب إذ قال: يا سارية الجبل، وكان عمر قد بعث سارية بن زنيم الدئلي إلى فسا ودارا بجرد فحاصرهم، ثم أنهم تداعوا وجاؤوه من كل ناحية والتقوا بمكان، وكان إلى جهة المسلمين جبل لو استندوا إليه لم يؤتوا إلا من وجه واحد، فلجئوا إلى الجبل، ثم قاتلوهم فهزموهم. وأصاب سارية الغنائم فكان منها فسط جوهر، فبعث به إلى عمر فرده وأمره أن يقسمه بين المسلمين، وسأل النجاب أهل المدينة عن الفتح وهل سمعوا شيئاً، فقال: نعم يا سارية الجبل الجبل وقد كدنا نهلك، فلجأنا إلى الجبل، فكان النصر. ويروى أن عمر سئل فيما بعد عن كلامه يا سارية الجبل فلم يذكره.
25

(3/249)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 250
وفيما كان فتح كرمان، وكان أميرها سهيل بن عدي. وفيها فتحت سجستان، وأميرها عاصم بن عمرو. وفيها فتحت مكران، وأميرها الحكم بن عثمان، وهي من بلاد الجبل. وفيها رجع أبو موسى الأشعري من أصبهان، وقد افتتح بلادها. وفيها غزا معاوية الصائفة حتى بلغ عمورية.
25

(3/250)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 251
2 (الوفيات)
قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر بن سواد بن كعب واسمه ظفر بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس، أبو عمر الأنصاري
25

(3/251)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 252
الظفري، أخو أبي سعيد الخدري لأمه، وقتادة الأكبر. شهد بدراً وأصيبت عينه ووقعت على خده يوم أحد، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فغمز) حدقته وردها إلى موضعها، فكانت أصح عينيه. وكان على مقدمة عمر في مقدمة الشام، وكان من الرماة المذكورين. وله أحاديث، روى عنه أخوه أبو سعيد، وابنه عمر بن قتادة،
25

(3/252)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 253
ومحمود بن لبيد، وغيرهم. وعاش خمساً وستين سنة. توفي فيها على الصحيح، ونزل عمر في قبره، وقيل توفي في التي قبلها. عمر رضي الله عنه ابن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي. أمير المؤمنين أبو حفص القرشي العدوي، الفاروق.. استشهد في أواخر ذي الحجة. وأمه حنتمة بنت هشام المخزومية أخت أبي جهل. أسلم في السنة السادسة من النبوة وله سبع وعشرون سنة. روى عنه علي، وابن مسعود، وابن عباس، وأبو هريرة، وعدة من
25

(3/253)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 254
الصحابة، وعلقمة بن وقاص، وقيس بن حازم، وطارق بن شهاب، ومولاه أسلم، وزر بن حبيش، وخلق سواهم. وعن عبد الله بن عمر قال: كان أبي أبيض تعلوه حمرة، طوالاً أصلع، أشيب. وقال غيره: كان أمهق طوالاً، آدم، أعسر يسر. وقال أو رجاء العطاردي: كان طويلاً جسيماً شديد الصلع، شديد الحمرة، في عارضيه خفة. وسيلته كبيرة وفي أطرافها صهبة، إذا حزبه أمر فتلها. وقال سماك بن حرب: كان عمر أروح كأنه راكب والناس يمششون، كأنه من رجال بني سدوس. والأروح: الذي يتدانى قدماه إذا مشى.
25

(3/254)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 255
وقال أنس: كان ييخضب بالحناء. وقال سماك: كان عمر يسرع في مشيته. ويروى عن عبد الله بن كعب بن مالك قال: كان عمر يأخذ بيده اليمنى أذنه اليسرى ويثب على فرسه فكأنما خلق على ظهره. وعن ان عمر وغيره من وجوه جيدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب. وقد ذكرنا إسلامه في الترجمة النبوية.) وقال عكرمة: لم يزل الإسلام في اختفاء حتى أسلم عمر. وقال سعيد بن جبير: وصالح المؤمنين نزلت في عمر خاصة. وقال ابن مسعود: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر.
25

(3/255)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 256
وقال شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أبو بكر وعمر: إن الناس يزيدهم حرصاً على الإسلام أن يروا عليك زياً حسناً من الدنيا. فقال: أفعل، ويم الله لو أنكما تتفقان لي على أمر واحد ما عصيتكما في مشورة أبدة. وقال ليث بن أبو سلم، عم مجاهد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لي وزيرين من أهل السماء ووزيرين من أهل الأرض، فوزيراي من أهل السماء جبريل وميكائيل، ووزيراي من أهل الأرض أبو بكر وعمر، وروى نحوه من وجهين عن أبي سعيد الخدري. قال الترمذي في حديث أبي سعد: حديث حسن. قلت: وكذلك حديث ابن عباس حسن. وعن محمد بن ثابت البناني، عن أبيه، عن أنس نحوه. وفي مسند أبي يعلى من حديث أبي ذر يرفعه: إن لكل نبي وزيرين، ووزيراي أو بكر وعمر. وعن أبي سلمة، عن أبي أروى الدوسي قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلع أبو بكر وعمر فقال: الحمد لله الذي أيدني بكما. تفرد به عاصم ابن عمر، وهو ضعيف.
25

(3/256)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 257
وقد مر في ترجمة الصديق أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى أبي بكر وعمر مقبلين فقال: هذان سيدا كهول أهل الجنة الحديث. وروى الترمذي من حديث ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم فدخل المسجد، وأبو بكر وعمر معه وهو آخذ بأيديهما فقال: هكذا نبعث يوم القيامة. إسناده ضعيف. وقال زائدة، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي، عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر. ورواه سالم أبو العلاء وهو ضعيف) عن عمرو بن هرم، عن ربعي، وحديث زائدة حسن. وروى عبد العزيز بن المطلب بن حنطب، عن أبيه، عن جده قال: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ طلع أبو بكر وعمر فقال: هذان السمع والبصر ويروي نحوه من حديث ان عمر وغيره. وقال يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقرئ عمر السلام وأخبره أن غضبه
25

(3/257)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 258
عز وجل ورضاه حكم. والمرسل أصح، وعضهم يصله عن ابن عباس. وقال محمد بن سعد ن أبي وقاص، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إها يا ابن الخطاب فوالذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك. وعن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:: إن الشيطان يفرق من عمر.
25

(3/258)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 259
رواه مبارك بن فضالة، عن عبيد الله بن عمر، عن القاسم، عن عائشة. وعنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في زفن الحبشة لما أتى عمر: إني لأنظر شيطانين الجن والإنس ققد فروا من عمر. صححه الترمذي. وقال حسين بن واقد: حدثني عبد الله بن بريدة، عن أبيه أن أمةً سوداء أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رجع من غزاة، فقالت: إني نذرت إن ردك الله صالحاً أن أضرب عندك بالدف، قال: إن كنت نذرت فافعلي فضرت، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل عمر فجعلت دفها خلفها وهي مقنعة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان ليفرق منك يا عمر. وقال يحيى بن يمان، عن الثوري، عن عمر بن محمد، عن سالم بن عبد الله قال: أبطأ عمر على أبي موسى الأشعري، فأتى امرأة في بطنها شيطان فسألها عنه فقالت: حتى يجيء شيطاني، فجاء فسألته عنه فقال: تركته مؤتزراً وذاك رجل لا يراه شيطان إلا خر لمنخريه، الملك بين عينيه وروح الدس ينطق بلسانه.
26

(3/259)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 260
وقال زر: كان ابن مسعود يخطب ويقول: إني لأحسب الشيطان يفرق من عمر أن يحدث حدثاً فيرده، وإني لأحسب عمر بين عينيه ملك يسدده ويقومه. وقالت عائشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد كان في الأمم محدثون فإن كن في أمتي) أحد فعمر بن الخطاب:. رواه مسلم. وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله وضع الحق على لسان عمر وقلبه. رواه جماعة عن نافع، عنه، وروي نحوه عن جماعة من الصحابة. وقال الشعب: قال علي رضي الله عنه: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر.
26

(3/260)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 261
وقال أنس: قال عمر: وافقت ربي في ثلاث: ف مقام إبراهيم، وفي الحجاب، وفي قوله عسى ربه إن طلقكن. وقال حيوة بن شريح، عن بكر بن عمرو، عن مشرح، عن عقبة بن عامر قال: قال رسول اله صلى الله عليه وسلم: لو كان بعدي نبي لكان عمر. وجاء من وجهين مختلفين عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى باهى بأهل عرفة عامة وباهى بعمر خاصة. ويروى مثله عن ان عمر، وعقبة بن عامر. وقال معن القزاز: ثنا الحارث بن عبد الملك الليثي، عن القاسم بن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن أبيه، عن عطاء، عن ابن عباس، عن أخيه الفضل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحق بعدي مع عمر حيث كان. وقال ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بينما أنا نائم أتيت بقدح من لبن فشربت منه حتى إني لأرى الري يجري في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر قالوا: فما أولت ذلك قال: العلم.
26

(3/261)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 262
وقال أبو سعيد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك، ومر علي عمر عليه قميص يجره، قالوا: ما أولت ذلك يا رسول الله قال: الدين. وقال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرحم أمتيي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر. وقال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دخلت الجنة فرأيت قصراً من ذهب فقلت: لمن هذا قيل: لشاب من قريش، فظننت أني أنا هو، فقيل: لعمر بن الخطاب. وفي الصحيح أيضاً من حديث جابر مثله. وقال أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: بينا أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا ارأة) تتوضأ إلى جانب قصر فقلت: لمن هذا القصر قالوا: لعمر، فذكرت
26

(3/262)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 263
غيره عمر، فوليت مدبراً. قال فبكى عمر وقال: بأبي أنت يا رسول الله أعليك أغار. وقال الشعبي وغيره: قال علي رضي الله عنه: بينا أنا مع رسول الله، إذ طلع أيو بكر وعمر فقال: هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين لا تخبرهما يا علي. هذا الحديث سمعه الشعبي من الحارث الأعور، وله طرق حسنة عن علي منها عاصم، عن زر. وأبو إسحاق، عن عاصم بن ضمرة. قال الحافظ ابن عساكر: والحديث محفوظ عن علي رضي الله عنه. قلت: وروي نحوه من حديث أبي هريرة، وابن عمر، وأنس، وجابر. وقال مجاهد عن أبي الوداك، وقاله عن عطية، كلاهما عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن أهل الدرجات العلا ليرون من فوقهم كما ترون الكواكب الدري في أفق السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما.
26

(3/263)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 264
وعن اسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد وعن يمينه أبو بكر وعن يساره عمر فقال:: هكذا نبعث يوم القيامة. تفرد به سعيد ن مسلمة الأموي وهو ضعيف عن إسماعيل. وقال علي رضي الله عنه بالكوفة على منبرها في ملأ من الناس أيام خلافته: خير هذه الأمة بعد نيها أبو بكر، وخيرها بعد أبي بكر عمر، ولو شئت أن أسمي الالث لسمته. وهذا متواتر عن علي رض الله عنه، فقبح الله الرافضة. وقال الثوري، عن أبي هاشم القاسم بن كثير، عن قيس الخارفي سمعت علياً يقول: سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى أبو بكر، وثلث عمر، ثم خبطتنا فتنة فكان ما شاء الله. ورواه شريك، عن الأسود بن قيس، عن عمرو بن سفيان، عن علي مثله. وقال ابن عتبة، عن زائدة، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي، عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر. وكذا رواه سفيان بن حسين الواسطي عن عبد الملك، وكان سفيان
26

(3/264)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 265
ربما دلسه وأسقط منه زائدة، ورواه سفيان الثوري، عن عبد الملك، عن هلال مولى ربعي عن ربعي. وقالت عائشة: دخل ناس على أبي بكر في مرضه فقالوا: يسعك أن تولي علينا عمر وأنت) ذاهب إلى ربك فماذا تقول له قال: أقول: وليت عليهم خيرهم. وقال الزهري: أول من حيا عمر بأمير المؤمنين المغيرة بن شعبة. وقال القاسم بن محمد: قال عمر: ليعلم من ولي هذا الأمر من بعدي أن سير يده عنه القريب والبعيد، إني لأقاتل الناس عن نفسي قتالاً، ولو علمت أن أحداً أقوى عليه مني لكنت أن أقدم فتضرب عنقي أحب إلي من أن أليه. وعن ابن عباس قال: لما ولي عمر قيل له: لقد كاد بعض الناس أن يجيدا هذا الأمر عنك، قال: وما ذاك قال: يزعمون أنك فظ غليظ، قال: الحمد لله الذي ملأ قلبي لهم رحماً وملأ قلوبهم لي رعباً.
26

(3/265)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 266
وقال الأحنف بن قيس: سمعت عمر يقول: لا يحل لعمر من مال الله إلا حلتين: حلة للشتاء وحلة للصيف، وما حج ببه واعتمر، وقوت أهلي كرجل من قريش ليس بأغناهم، ثم أنا رجل من المسلمين. وقال عروة: حج عمر بالناس إمارته كلها. وقال ابن عمر: ما رأيت أحداً قط بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من حين قبض أجد ولا أجود من عمر. وقال الزهري: فتح الله الشام كله على عمر، والجزيرة ومصر والعراق كله، ودون الدواوين قبل أن يموت بعام، وقسم على الناس فيئهم. وقال: عاصم بن أبي النجود، عن رجل من الأنصار، عن خزيمة ابن ثابت: إن عمر كان إذا استعمل عاملاً كتب له واشترط عليه أن لا يركب برذوناً، ولا يأكل نقياً، ولا يلبس رقيقاً، ولا يغلق بابه دون ذوي الحاجات، فإن فعل فقد حلت عليه العقوبة. وقال طارق بن شهاب: إن كان الرجل ليحدث عمر بالحديث فكذبه الكذبة فيقول: احبس هذه، ثم يحدثه بالحديث فيقول: احبس هذه، فيقول له: كل ما حدثتك حق إلا أمرتني أن أحبسه.
26

(3/266)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 267
وقال ابن مسعود: إذا ذكر الصالحون فجيهلاً بعمر، إن عمر كان أعلمنا بكتاب الله وأفقهنا في دين الله. وقال ابن مسعود: لو أن علم عمر وضع في كفة ميزان ووضع علم أحياء الأرض في كفة لرجح علم عمر بعلمهم.) وقال شمر عن حذيفة قال: كان علم الناس مدسوساً في جحر مع عمر. وقال ان عمر: تعلم عمر البقرة في اثنتي عشرة سنة، فلما تعلمها نحر جزوراً. وقال العوام بن حوشب: قال معاوية: أما أبو بكر فلم يرد الدنيا ولم ترده، وأما عمر فأرادته الدنيا ولم يردها، وأما نحن فتمرغنا فيها ظهراً لبطن. وقال عكرمة بن خالد وغيره: إن حفصة، وعبد الله، وغيرهما كلموا عمر فقالوا: لو أكلت طعاماً طيباً كان أقوى لك على الحق، قال: أكلكم على هذا الرأي قالوا: نعم، قال: قد علمت نصحكم ولكني تركت صاحبي على جادة فإن تركت جادتها لم أدركها في المنزل. قال: وأصاب الناس سنة فما أكل عامئذ سمناً ولا سميناً.
26

(3/267)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 268
وقال ان ملكة: كلم عتبة ن فرقد عمر في طعامه، فقال: ويحك آكل طيباتي في حياتي الدنيا وأستمتع بها وقال مبارك، عن الحسن: دخل عمر على تبنه عاصم وهو يأكل لحماً فقال: ما هذا قال: قرمنا إليه:، قال: أوكلما قرمت لإلى شيء أكلته كفى بالمرء سرفاً أن يأكل كل ما اشتهى. وقال عبد الرحمن بن زد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، قال عمر: لقد خطر على قلبي شهوة السمك الطري، قال ورحل يرفأ راحلته وسار أربعاً مقبلاً ومدبراً، واشترى مكتلاً فجاء به، وعمد إلى الراحلة فغسلها، فأتى عمر فقال: انطلق حتى أنظر إلى الراحلة، فنظر وقال: نسيت أن تغسل هذا العرق الذي تحت أذنها، عذبت بهيمة ف شهوة عمر، لا والله لا يذوق عمر مكتلك. وقال قتادة: كان عمر يلبس، وهو خليفة، جبة من صوف مرقوعاً بعضها بأدم، ويطوف في الأسواق على عاتقه الدرة يؤدب الناس بها، ويمر بالنكث والنوى فيلقطه ويلقيه في منازل الناس لينتفعوا به. قال أنس: رأت بين كفي عمر أربع رقاع في قميصه.
26

(3/268)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 269
وقال أبو عثمان النهدي: رأيت على عمر إزاراً مرقوعاً بأدم. وقال عبد الله بن عامر بن ربيعة: حججت مع عمر، فما ضرب فسطاطاً ولا خباء، كان يلقي الكساء والنطع على الشجرة ويستظل تحته. وقال عبد الله بن مسلم بن هرمز، عن أبي الغادية الشامي قال: قدم عمر للجابية على جمل) أروق تلوح صلعته للشمس، ليس عله قلنسوة ولا عمامة، قد طبق رجليه بين شعبتي الرحل بلا ركاب، ووطاؤه كساء أنبجاني من صوف وهو فراشه إذ نزل، وحقيبته محشوة ليفاً، وهي إذا نزل وسادة، وعليه قميص من كرابيس قد دسم وتخرق جيبه، فقال: ادعوا لي رأس القرية، فدعوه له فقال: اغسلوا قميصي وخيطوه وأعيروني قميصاً، فأتى بقميص كتان فقال: ما هذا قيل: كتان، قال: وما الكتان فأخبروه فنزع قميصه فغسلوه ورقعوه ولبسه، فقال له رأس القرية: أنت ملك العرب وهذه بلاد لا تصلح فيها الإبل. فأتى ببرذون فطرح عليه قطيفة بلا سرج ولا رحل، فلما سار هنيهة قال: احبسوا، ما كنت أظن الناس يركبون الشيطان، هاتوا جملي. وقال المطلب بن زياد، عن عبد الله بن عيسى: كان في وجه عمر بن
27

(3/269)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 270
الخطاب خطان أسودان من البكاء. وعن الحسن قال: كان عمر يمر بالآية من ورده فيسقط حتى يعاد منها أياماً. وقال أنس: خرجت مع عمر فدخل حائطاً فسمعته يقول وبني زبينه جداراً: عمر بن الخطاب أمير المؤمنين والله لتتقين الله بني الخطاب أو ليعذبنك. وقال عبد الله بن عامر بن ربيعة: رأيت عمر أخذ تبنة من الأرض فقال: يا ليتني هذه التبنة، ليتني لم أك شيئاً، ليت أمي لم تلدني. وقال عبيد الله بن عمر بن حفص: إن عمر بن الخطاب حمل قربة على عنقه، فقيل له في ذلك فقال: إن نفسي أعجبتني فأردت أن أذلها. وقال الصلت بن بهرام، عن جميع بن عمير التيمي، عن ابن عمر قال: شهدت جلولاء فاتبعت من المغنم بأربعين ألفاً، فلما قدمت على عمر قال: أرأيت لو عرضت على النار فقيل لك: افتده، أكنت مفتدي به قلت: والله ما من شيء يؤذيك إلا كنت مفتديك منه، قال: كأني شاهد الناس حين تبايعوا فقالوا: عبد الله بن عمر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن أمير المؤمنين وأحب الناس إليه، وأنت كذلك فكان أن يرخصوا عليك أحب إليهم من أن يغلوا عليك، وإني قاسم مسئول وأنا معطيك أكثر ما ربح تاجر من
27

(3/270)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 271
قريش، لك ربح درهم، قال: ثم دعا التجار فابتاعوه منه بأربعمائة ألف درهم، فدفع إلي ثمانين ألفاً وبعث بالباقي إلى سعد بن أبي وقاص ليقسمه.) وقال الحسن: رأى عمر جارية تطيش هزالاً فقال: من هذه فقال عبد الله: هذه إحدى بناتك. قال: وأي بناتي هذه قال: بنتي، قال: ما بلغ بها ما أرى قال عملك لا تنفق عليها، قال: إني والله ما أعول ولدك فاسع عليهم أيها الرجل. وقال محمد بن سيرين: قدم صهر لعمر عليه فطلب أن يعطيه عمر من بيت المال فانتهره عمر وقال: أردت أن ألقى الله ملكاً خاءناً فلما كان بعد ذلك أعطاه من صلب ماله عشرة آلاف درهم. قال حذيفة: والله ما أعرف رجلاً لا تأخذه في الله لومة لائم إلا عمر. وقال الحذيفة: كنا جلوساً عند عمر فقال: أيكم يحفظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فق الفتنة قلت: أنا. قال: إنك لجريء، قلت: فتنة الرجل في أهل وماله وولده تكفرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال: ليس عنها أسألك ولكن الفتنة التي تموج موج البحر، قلت: ليس عليك منها بأس إن بينك وبينها باباً مغلقاً، قال: أيكسر أم يفتح قلت: بل يكسر، قال: إذاً لا يغلق أبداً، قلنا لحذيفة: أكان عمر يعلم من الباب قال: نعم كما يعلم أن دون غد الليلة، إني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط،
27

(3/271)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 272
فسأله مسروق: من الباب قال: الباب عمر. أخرجه البخاري. وقال إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: أتى عمر بكنوز كسرى، فقال عبد الله بن الأررقم: أتجعلها في بيت المال حتى تقسمها فقال عمر: لا والله لا آويها إلى سقف حتى أمضيها، فوضعها في وسط المسجد وباتوا يحرسونها، فلما أصبح كشف عنها فرأى من الحمراء والبيضاء ما يكاد يتلألأ، فبكى فقال له أبي: ما يبكيك يا أمير المؤمنين فوالله إن هذا اليوم شكر ويوم سرور فقال: ويحك إن هذا لم يعطه قوم إلا ألقيت بينهم العداوة والبغضاء. وقال أسلم مولى عمر: استعمل عمر مولي له على الحمى فقال: يا هني اضمم جناحك عن المسلمين واتق دعوة المظلوم فإنها مستجابة، وأدخل رب الصريمة والغنيمة، وإياي ونعم ابن عوف ونعم ابن عفان فإنهما إن تهلك ما شيتهما يرجعان إلى زرع ونخل، وإن رب الصريمة والغنيمة إن تهلك ماشيتهما يأتني ببنية فيقول: يا أمير المؤمنين أفتاركهم أنا لا أبالك فالماء والكلأ أيسر علي من الذهب والفضة، وايم الله إنهم ليرون أني قد ظلمتهم، إنها لبلادهم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام، والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في) سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبراً. أخرجه البخاري. وقال أبو هريرة: دون عمر الديوان، وفرض للمهاجرين الأولين خمسة
27

(3/272)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 273
آلاف خمسة آلاف، وللأنصار أربعة آلاف أربعة آلاف، ولأمهات المؤمنين اثني عشر ألفاً اثني عشر ألفاً. وقال لإبراهيم النخعي: كان عمر يتجر وهو خليفة. وقال الأعمش، عن أبي صالح، عن مالك الدار قال: أصاب الناس قحط في زمان عمر، فجاء رجل إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يل رسول الله استسق الله لأمتك فإنهم قد هلكوا. فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وقال: ائت عمر فأقرئه مني السلام وأخبره أنهم مسقون وقل له: عليك الكيس الكيس، فأتى الرجل فأخبر عمر فبكى وقال: يا رب ما آلو ما عجزت عنه. وقال أنس: تقرقر بطن عمر من أكل الزيت عام الرمادة، كان قد حرم نفسه السمن، قال: فنقر بطنه بإصبعه وقال: إنه ليس لك عندنا غيره حتى يحيا الناس. وقال الواقدي: ثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: لما كان عام الرمادة جاءت العرب يقومون بمصالحهم، فسمعته يقول ليلة: أحصوا الرجال عندنا فأحصوهم من القابلة فوجدوهم سبعة آلاف رجل، وأحصوا الرجال المرضى والعيالات فكانوا أربعين ألفاً. ثم بعد أيام بلغ الرجال والعيال ستين ألفاً، فما برحوا حتى أرسل الله السماء، فلما مطرت رأيت عمر قد وكل بهم من يخرجونهم إلى البادية ويعطونهم قوتاً وحملاناً إلى باديتهم، وكان قد
27

(3/273)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 274
وقع فيهم الموت فأراه مات ثلثاهم، وكانت قدور عمر تقوم إليها العمال من السحر يعملون الكركور ويعملون العصائد. وعن أسلم قال: كنا نقول: لو لم يرفع الله المحل عام الرمادة لظننا أن عمر يموت. وقال سفيان الثوري: من زعم أن علياً كان أحق بالولاية من أبي بكر وعمر فقد خطأ أبا بكر وعمر والمهاجرين والأنصار. وقال شريك: ليس يقدم علياً على أبي بكر وعمر أحد فيه خير. وقال أبو أسامة: تدرون من أبو بكر وعمر هما أبو الإسلام وأمه. وقال الحسن بن صالح بن حي: سمعت جعفر بن محمد الصادق يقول: أنا بريء ممن ذكر أبا بكر وعمر إلا بخير.) تزوج زينب بنت مظعون، فولدت له عبد الله، وحفصة، وعبد الرحمن. وتزوج مليكة الخزاعية، فولدت له عبيد الله، وقيل أمه وأم زيد الأصغر أم كلثوم بنت جرول. وتزوج أم حكيم بنت الحارث بن هشام
27

(3/274)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 275
المخزومية، فولدت له فاطمة. وتزوج جميلة بنت عاصم بن ثابت فولدت له عاصماً. وتزوج أم كلثوم بنت فاطمة الزهراء وأصدقها أربعين ألفاً، فولدت له زيداً ورقية. وتزوج لهية امرأة من اليمن فولدت له عبد الرحمن الأصغر. وتزوج عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل التي تزوجها بعد موته الزبير. وقال الليث بن سعد: استخلف عمر فكان فتح دمشق، ثم كان اليرموك سنة خمس عشرة، ثم كانت الجابية سنة ست عشرة، ثم كانت إيلياء وسرغ لسنة سبع عشرة، ثم كانت الرمادة وطاعون عمواس سنة ثماني عشرة، ثم كانت جلولاء سنة تسع عشرة ثم كان فتح باب ليون وقيسارية بالشام، وموت هرقل سنة عشرين، وفيها فتحت مصر، وسنة إحدى وعشرين فتحت نهاوند، وفتحت الإسكندرية سنة اثنتين وعشرين. وفيها فتحت إصطخر وهمذان. ثم غزا عمرو بن العاص أطرابلس المغرب. وغزوة عمورية وأمير مصر وهب بن عمير الجمحي، وأمير أهل الشام أبو الأعور سنة ثلاث وعشرين. ثم قتل عمر مصدر الحاج في آخر السنة. قال خليفة: وقعة جلولاء سنة سبع عشرة.
27

(3/275)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 276
وقال سعيد بن المسيب: إن عمر لما نفر من منى أناخ بالأبطح، ثم كوم كومة من بطحاء واستلقى ورفع ديه إلى السماء، ثم قال: اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط فما انسلخ ذو الحجة حتى طعن فمات. وقال أبو صالح السمان: قال كعب لعمر: أجدك في التوراة تقتل شهيداً، قال: وأنى لي بالشهادة وأنا بجزيرة العرب وقال أسلم، عن عمر أنه قال: اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك. أخرجه البخاري. وقال معدان بن أبي طلحة اليعمري: خطب عمر يوم جمعة وذكر نبي الله وأبا بكر ثم قال: رأيت كأن ديكاً نقرني نقرة أو نقرتين، وإني لا أراه إلا حضور أجلي، وإن قوماً يأمروني أن أستخلف وأن الله لم يكن ليضيع دينه ولا خلافته فإن عجل بي أمر فالخلافة شورى بين هؤلاء الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض. وقال الزهري: كان عمر لا يأذن لسبي قد احتلم في دخول المدينة حتى كتب المغيرة بن شعبة) وهو على الكوفة يذكر له غلاماً عنده صنعاً
27

(3/276)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 277
ويستأذنه أن يدخل المدينة ويقول: إن عنده أعمالاً كثيرة فيها منافع للناس: إنه حداد نقاش نجار، فأذن له أن يرسل به، وضرب عليه المغيرة مائة درهم في الشهر، فجاء إلى عمر يشتكي شدة الخراج، فال: ما خراجك بكثير. فانصرف ساخطاً يتذمر، فلبث عمر ليالي ثم دعاه فقال: ألم أخبر أنك تقول: لو شاء لصنعت رحى تطحن بالريح فالتفت إلى عمر عابساً وقال: لأصنعن لك رحى يتحدث الناس بها، فلما ولي قال عمر لأصحابه: أوعدني العبد آنفاً. ثم اشتمل أبو لؤلؤة على خنجر ذي رأسين نصابه في وسطه، فكمن في زاوية من زوايا المسجد في الغلس. وقال عمرو بن ميمون الأودي: إن أبا لؤلؤة عبد المغيرة طعن عمر بخنجر له رأسان وطعن معه اثني عشر رجلاً، مات منهم ستة، فألقى عليه رجل من أهل العراق ثوباً، فلما اغتم فيه قتل نفسه. وقال عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: جئت من السوق وعمر يتوكأ علي، فمر بنا أبو لؤلؤة، فنظر إلى عمر نظرة ظننت أنه لولا مكاني لبطش به، فجئت بعد ذلك إلى المسجد الفجر فإني لبين النائم واليقظان، إذ سمعت عمر يقول: قتلني الكلب، فماج الناس ساعة، ثم إذا قراءة عبد الرحمن بن عوف. وقال ثابت البناني، عن أبي رافع: كان أبو لؤلؤة عبداً للمغيرة يصنع الأرحاء، وكان المغيرة يستغله كل يوم أربعة دراهم، فلقي عمر فقال: يا
27

(3/277)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 278
أمير المؤمنين إن المغيرة قد أثقل علي فكلمه، فقال: أحسن إلى مولاك، ومن نية عمر أن يكلم المغيرة فيه، فغضب وقال: يسع الناس كلهم عدله غيري، وأضمر قتله واتخذ خنجراً وشحذه وسمه، وكان عمر يقول: أقيموا صفوفكم قبل أن يكبر، فجاء فقام حذاءه في الصف وضربه في كتفه وفي خاصرته، فسقط عمر، وطعن ثلاثة عشر رجلاً معه، فمات منهم ستة، وحمل عمر إلى أهله وكادت الشمس أن تطلع، فصلى ابن عوف بالناس بأقصر سورتين، وأتي عمر بنبيذ فشربه فخرج من جرحه فلم يتبين، فسقوه لبناً فخرج من جرحه فقالوا: لا بأس عليك، فقال: إن يكن بالقتل بأس فقد قتلت، فجعل الناس يثنون عليه ويقولون: كنت وكنت، فقال: أما والله وددت أني خرجت منها كفافاً لا علي ولا لي وأن صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمت لي. وأثنى عليه ابن عباس، فقال: لو أن لي طلاع الأرض ذهباً لافتديت به من هول المطلع، وقد) جعلتها شورى في عثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن وسعد. وأمر صهيباً أن يصلي بالناس، وأجل الستة ثلاثاً. وعن عمرو بن ميمون أن عمر قال: الحمد لله الذي لم يجعل منيتي
27

(3/278)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 279
بيد رجل يدعي الإسلام ثم قال لابن عباس: كنت أنت وأبوك تحبان أن يكثر العلجوم بالمدينة. وكان العباس أكثرهم رقيقاً. ثم قال: ييا عبد الله أنظر ما علي من الدين، فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفاً أو نحوها، فقال: إن وفى مال آل عمر فأده من أموالهم وإلا فاسأل في بني عدي فإن لم تف أموالهم فسل في قريش، إذهب إلى أم المؤمنين عائشة فقل: يستأذن عمر أن يدفن مع صاحبيه، فذهب إليها فقالت: كنت أريده تعني المكان لنفسي ولاؤثرنه اليوم على نفسي، قال: فأتى عبد الله فقال: قد أذنت لك، فحمد الله. ثم جاءت أم المؤمنين حفصة والنساء يسترنها، فلما رأيناه قمنا، فمكثت عنده ساعة، ثم استأذن الرجال فولجت داخلة ثم سمعنا بكاءها. وقيل له: أوص يا أمير المؤمنين واستخلف، قال: ما أرى أحداً أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فسمى الستة وقال: يشهد عبد الله بن عمر معهم وليس له من الأمر شيء كهيئة التعزية له فإن أصابت الإمرة سعداً فهو ذاك وإلا فليستعن به أيكم ما أمر، فإني لم أعزله من عجز ولا خانة، ثم قال: أوص الخليفة من بعدي بتقوى الله، وأوصه بالمهاجرين والأنصار، وأوصيه بأهل الأمصار خيرا، في مثل ذلك من الوصية. فلما توفي خرجنا به نمشي، فسلم عبد الله بن عمر وقال: عمر يستأذن، فقالت عائشة: أدخلوه، فأدخل فوضع هناك مع صاحبيه.
28

(3/279)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 280
فلما فرغ من دفنه ورجعوا اجتمع هؤلاء الرهط، فقال عببد الرحمن بن عوف: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم، فقال الزبير: قد جعلت أمر إلى علي وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن، وقال طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان، قال: فخلا هؤلاء الثلاثة فقال عبد الرحمن: أنا لا أريدها فأيكما تبرأ من هذا الأمر ونجعله إله والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه وليحرصن على صلاح الأمة، قال: فكت الشيخان عل وعثمان، فقال عبد الرحمن: اجعلوه إلي والله علي لا آلو عن أفضلكم، قالا: نعم فخلا بعلي وقال: لك من القدم في الإسلام) والقرابة ما قد علمت، الله عليك لئن أمرتك لتعدلن ولئن أمرت عليك لتسمعن ولتطيعن، قال: ثم خلا بالآخر فقال له كذلك، فلما أخذ ميثاقهما بايع عثمان وبايعه علي. وقال المسور بن مخرمة: لما أصبح عمر من الغد، وهو مطعون فزعوه فقالوا: الصلاة، ففزع وقال: نعم ولاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فصلى وجرحه يثقب دماً. وقال النضر بن شميل: ثنا أبو عامر الخزار، عن بن أبي مليكة، عن ابن عباس قال: لما طعن عمر جاء كعب فقال: والله لئن دعا أمير المؤمنين لبقينه الله وليرفعنه لهذه الأمة حتى يفعل كذا وكذا. حتى ذكر المنافقين فيمن ذكر، قال: قلت: أبلغه ما تقول قال: ما قلت إلا وأنا أريد أن تبلغه، فقمت وتخطيت الناس حتى جلست عند رأسه فقلت: إن كعباً يحلف بالله لئن دعا أمير المؤمنون ليبقينه الله وليرفعنه لهذه الأمة، قال: ادعوا كعباً فدعوه فقال: ما تقول قال: أقول
28

(3/280)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 281
كذا وكذا، فقال: لا والله لا أدعو الله ولكن شقي عمر إن لم يغفر الله له، قال: وجاء صهيب فقال: واصفياه واخليلاه واعمراه، فقال: مهلاً يا صهيب أو ما بلغك أن المعول عليه يعذب ببعض بكاء أهله عليه. وعن ابن عباس قال: كان أبو لؤلؤة مجوسياً. وعن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: قال ابن عمر: يا أمير المؤمنين ما عليك لو أجهدت نفسك ثم أمرت عليهم رجلاً فقال عمر: أقعدوني. قال عبد الله: فتمنيت أن بيني وبينه عرض المدينة فرقاً من حين قال أقعدوني. ثم قال: من أمرتم بأفواهكم قلت: فلاناً، قال: إن تؤمروه فإنه ذو شيبتكم، ثم أقبل على عبد الله فقال: ثكلتك أمك أرأيت الوليد ينشأ مع الوليد وليداً وينشأ معه كهلاً، أتراه يعرف من خلقه فقال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: فما أنا قائل لله إذا سألني عمن أمرت عليهم فقلت: فلاناً، وأنا أعلم منه ما أعلم فلا والذي نفسي بيده لأرددنها إلى الذي دفعها إلي أول مرة، ولوددت أن عليها من هو خير مني لا ينقصني ذلك مما أعطاني الله شيئاً. وقال سالم بن عبد الله، عن أبيه قال: دخل على عمر عثمان، وعلي، والزبير، وابن عوف، وسعد وكان طلحة غائباً فنظر إليهم ثم قال: إني قد نظرت لكم في أمر الناس فلم أجد عند الناس شقاقاً إلا أن يكون فيكم، ثم قال: إن قومكم إما يؤمروا أحدكم أيها الثلاثة، فإن كنت على شيء من أمر الناس يا عثمان فلا تحملن بني أبي معيط على رقاب الناس، وإن كنت على شيء من أمر الناس يا عبد الرحمن فلا تحملن أقاربك
28

(3/281)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 282
على رقاب الناس. وإن كنت على شيء) من أمر الناس يا علي فلا تحملن بني هاشم على رقاب الناس، قوموا فتشاوروا وامروا أحدكم، فقاموا يتشاورون. قال ابن عمر: فدعاني عثمان مرة أو مرتين ليدخلني في الأمر ولم يسمني عمر، ولا والله لقلما سمعته حول شفتيه بشيء قط إلا كان حقاً، فلما أكثر عثمان دعائي قلت: ألا تعقلون تؤمرون وأمير المؤمنين حي فوالله لكأنما أيقظتهم، فقال عمر: أمهلوا فإن حدث بي حدث فليصل للناس صهيب ثلاثاً ثم اجمعوا في اليوم الثالث أشراف الناس وأمراء الأجناد فأمروا أحدكم، فمن تأمر عن غير مشورة فاضربوا عنقه. وقال ابن عمر: كان رأس عمر في حجري فقال: ضع خدي على الأرض، فوضعته فقال: ويل لي وويل أمي إن لم يرحمني ربي. وعن الحويرث قال: لما مات عمر ووضع ليصلى عليه اقتتل علي وعثمان أيهما يصلي عليه، فقال عبد الرحمن: إن هذا لهو الحرص على الإمارة، لقد علمتما ما هذا إليكما ولقد أمر به غيركما، تقدم يا صهيب فصل عليه. فصلى عليه. وقال أبو معشر، عن نافع، عن ابن عمر قال: وضع عمر بين القبر والمنبر، فجاء علي حتى قام بين الصفوف فقال: رحمة الله عليك ما من خلق أحب إلي من أن ألقى الله صحيفته بعد صحيفة النبي صلى الله عليه وسلم من هذا
28

(3/282)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 283
المسجى عليه ثوبه. وقد روي نحوه من عدة وجوه عن علي. وقال معدان بن أبي طلحة: أصيب عمر يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة، وكذا قال زيد بن أسلم وغير واحد. وقال إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص: إنه دفن يوم الأحد مستهل المحرم. وقال سعيد بن المسيب: توفي عمر وهو ابن أربع أو خمس وخمسين سنة، كذا رواه الزهري عنه. وقال أيوب، وعبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال: مات عمر وهو ابن خمس وخمسين سنة. كذا قال سالم بن عبد الله، وأبو الأسود يتيم عروة وابن شهاب. وروى أبو عاصم، عن حنظلة، عن سالم، عن أبيه: سمعت عمر قبل أن يموت بعامين أو نحوهما يقول: أنا ابن سبع أو ثمان وخمسين. تفرد به أبو عاصم.) وقال الوادي: نا هاشم بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه: توفي عمر وله ستون سنة. قال الواقدي: هذا أثبت الأقاويل، وكذا قال مالك.
28

(3/283)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 284
وقال قتادة: قتل عمر وهو ابن إحدى وستين سنة. وقال عامر بن سعد البجلي، عن جرير بن عبد الله سمع معاوية يخطب ويقول: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين، وأبو بكر وعمر وهما ابنا ثلاث وستين. وقال يحيى بن سعيد: سمعت سعيد بن المسيب قال: قبض عمر وقد استكمل ثلاثاً وستين. وقد تقدم لابن المسيب قول آخر. وقال الشعبي مثل قول معاوية. وأكثر ما قيل قول ابن جريج، عن أبي الحويرث، عن ابن عباس: قبض عمر وهو ابن ست وستين سنة والله أعلم.
28

(3/284)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 285
2 (ذكر من توفي في خلافة عمر)

2 (رضي الله عنهمجملاً)
الأقرع بن حابس التميمي المجاشعي، أحد المؤلفة قلوبهم وأحد الأشراف، أقطعه أبو بكر له ولعيينة بن بدر، فعطل عليهما عمر ومحا الكتاب الذي كتب لهما أبو بكر، وكانا من كبار قومهما، وشهد الأقرع مع خالد حرب أهل العراق وكان على المقدمة.
28

(3/285)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 286
وقيل إن عبد الله بن عامر استعمله على جيش سيره إلى خراسان فأصيب هو والجيش بالجوزجان وذلك في خلافة عثمان. وقال ابن دريد: اسمه فراس بن حابس بن عقال، ولقب الأقرع لقرع برأسه. الحباب بن منذر بن الجموح أبو عمرو الأنصاري، أحد بني سلمة بن سعد، وقيل كنيته أبو عمر، وكان يقال له ذو الرأي. أشار يوم بدر على النبي أن ينزل على آخر ماء ببدر ليبقى المشركون على غير ماء، وهو الذي قال يوم سقيفة بني ساعدة: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير. والجذل: هو عود ينصب للإبل الجربى لتحتك به. والعذق: النخلة، والمرجب: أن تدعم النخلة الكريمة ببناء من الحجارة أو خشب إذا خيف عليها لكثرة حملها أن تقع، يقال: رجبتها فهي مرجبة.)
28

(3/286)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 287
روى عنه أبو الطفيل. توفي بالمدينة في خلافة عمر. ت ن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي أبو أروى. وأمه غزية بنت قيس الفهرية. له صحبة، وهو من مسلمة الفتح. روى عنه ابنه عبد المطلب، وله أيضاً صحبة. خ د ن سودة بنت زمعة بن قيس أم المؤمنين القريشية العامرية، أول من تزوج بها النبي صلى الله عليه وسلم بعد موت
28

(3/287)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 288
خديجة وكانت قبله عند السكران أخي سهيل بن عمرو العامري، ولما تكهلت وهبت يومها لعائشة لتكون من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة. روى عنها ابن عباس، ويحيى بن عبد الله الأنصاري. وتوفيت في آخر خلافة عمر، وقد انفردت بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين لا تشاركها فيه امرأة ولا سرية، ثم بنى بعائشة بعد، ولها تسع سنين، وكانت سودة من سادات النساء. قال هاشم بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: ما رأيت امرأة أحب إلي أن أكون في مسلاخها من سودة من امرأة فيها حدة، فلما كبرت جعلت يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة. وقال الواقدي: ثنا محمد بن عبد الله بن مسلم، ثنا أبي قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة في رمضان سنة عشر من النبوة بعد وفاة خديجة، وهاجر بها. وتوفيت بالمدينة في شوال سنة أربع وخمسين. قال الواقدي: وهذا الثبت عندنا.
28

(3/288)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 289
وروى عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال قال: توفيت سودة زمن عمر. عتبة بن مسعود الهذلي أخو عبد الله لأبويه، وهو جد الفقيه عبيد الله بن عبد الله شيخ الزهري. أسلم بمكة وهاجر إلى الحبشة مع أخيه، وشهد أحداً وكان فقيهاً فاضلاً. توفي في إمرة عمر على الصحيح، ويقال زمن معاوية. علقمة بن علاثة بن عوف العامري الكلابي، من المؤلفة قلوبهم.)
29

(3/289)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 290
أسلم على يد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من أشراف قومه، وكان يكون بتهامة، وقد قدم دمشق قبل فتحها في طلب ميراث له، ووفد على عمر في خلافته. روى عنه أنس. علقمة بن مجزز بن الأعور المدلجي. استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على بعض جيوشه، وولاه الصديق حرب فلسطين، وحضر الجابية مع عمر، ثم سيره عمر في جيش إلى الحبشة في ثلاثمائة، فغرقوا كلهم، وقيل كان ذلك في أيام عثمان بن عفان. وأبوه مجزز هو المعروف بالقيافة. خ م ت ن ق عمرو بن عوف حليف بني عامر من لؤي، من مولدي مكة، سماه ابن إسحاق عمراً، وسماه موسى بن عقبة عميراً. شهد بدراً وأحداً. وروى عنه المسور بن مخرمة حديث قدوم أبي عبيدة بمال من البحرين، أخرجه البخاري، وصلى عليه عمر.
29

(3/290)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 291
ق عويم بن ساعدة بن عائش أبو عبد الرحمن الأنصاري، أحد بني عمرو بن عوف. بدري مشهور، وقيل هو من بلي، له حلف في بني أمية بن زيد، وقد شهد العقبة أيضاً. وله حديث في مسند أحمد من رواية شرحبيل بن سعد عنه، ولم يدركه.
29

(3/291)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 292
وقال ابن عبد البر: توفي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل مات في خلافة عمر فقال وهو واقف على قبره: لا يستطيع أحد أن يقول: أنا خير من صاحب هذا القبر، ما نصبت لرسول الله راية إلا وعويم تحتها. عمارة بن الوليد أخو خالد بن الوليد المخزومي. قال الولقدي: حدثني عبد الله بن جعفر، عن أبي عون قال: لما كان من أمر عمرو بن العاص ما كان بالحبشة، وصنع النجاشي بعمارة بن الوليد ما صنع، وأمر السواحر فنفخن في إحليله، فهام مع الوحش، فخرج إليه في خلافة عمر عبد الله بن أبي ربيعة ابن عمه فرصده على ماء بأرض الحبشة كان يرده فأقبل في حمر الوحش، فلما وجد ريح الإنس هرب حتى إذا جهده العطش ورد فشرب، قال عبد الله: فالتزمته فجعل يقول: يا بحير أرسلني إني أموت إن أمسكوني. وكان عبد الله يسمى بحيراً، قال:
29

(3/292)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 293
فصككته فمات في يدي مكانه، فواريته ثم انصرفت، وكان شعره قد غطى كل شيء منه.) غيلان بن سلمى الثقفي له صحبة ورواية، وهو الذي أسلم وتحته عشر نسوة. وكان شاعراً محسناً. وفد قبل الإسلام على كسرى فسأله أن يبني له حصناً بالطائف. أسلم زمن الفتح. روى عنه ابنه عروة، وبشر بن عاصم. معمر بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب الجمحي، أخو
29

(3/293)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 294
حاطب وخطاب، وأمهم قتيلة أخت عثمان بن مظعون. أسلم معمر قبل دخول دار الأرقم، وهاجر، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين معاذ بن عفراء، وشهد بدراً. ميسرة بن مسروق العبسي شيخ صالح، يقال: له صحبه شهد اليرموك. وروى عن أبي عبيدة. وعنه أسلم مولى عمر. ودخل الروم أميراً على ستة آلاف، فوغل فيها وقتل وسبى وغنم فجمعت له الروم، وذلك في سنة عشرين، فواقعهم ونصره الله عليهم، وكانت وقعة عظيمة. الهرمزان صاحب تستر قد مر من شأنه في سنة عشرين، وهو من جملة الملوك الذين تحت يد يزدجرد. قال ابن سعد: بعثه أبو موسى الأشعري إلى عمه ومعه اثنا عشر نفساً من العجم، عليهم ثياب الديباج ومناطق الذهب وأساوره الذهب، فقدموا بهم المدينة، فعجب الناس من هيئتهم، فدخلوا فوجدوا فوجدوا عمر في المسجد
29

(3/294)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 295
نائماً متوسداً رداءه، فقال الهرمزان: هذا ملككم قالوا: نعم، قال: أما له حاجب ولا حارس قالوا: الله حارسه حتى يأتيه أجله، قال: هذا الملك الهني. فقال عمر: الحمد لله الذي أذل هذا وشيعته بالإسلام، ثم قال للوفد: تكلموا، فقال أنس بن مالك: الحمد لله الذي أنجز وعده وأعز دينه وخذل من حاده، وأورثنا أرضهم وديارهم، وأفاء علينا أبناءهم وأموالهم، فبكى عمر ثم قال للهرمزان: كيف رأيت صنيع الله بكم فلم يجبه، قال: مالك لا تتكلم قال: أكلام حي أم كلام ميت قال: أولست حياً فاستسقى الهرمزان، فقال عمر: لا يجمع عليك القتل والعطش، فأتوه بماء فأمسكه، فقال عمر: اشرب لا بأس عليك،) فرمى بالإناء وقال: يا معشر العرب كنتم وأنتم على غير دين نستبعدكم ونقتلكم وكنتم أسوأ الأمم عندنا حالاً، فلما كان الله معكم لم يكن لأحد بالله طاقة، فأمر عمر بقتله، فقال: أولم تؤمني قال: وكيف قال: قلت لي: تكلم لا بأس عليك، وقلت: اشرب لا أقتلك حتى تشربه، فقال الزبير وأنس: صدق، فقال عمر: قاتله الله أخذ أماناً وأنا لا أشعر، فنزع ما كان عليه، فقال عمر لسراقة بن مالك بن جعشم وكان أسود نحيفاً: إلبس سواري الهرمزان، فلبسهما ولبس كسوته. فقال عمر: الحمد لله الذي سلب كسرى وقومه حليهم وكسوتهم وألبسها سراقة، ثم دعا الهرمزان إلى الإسلام فأبى، فقال علي بن أبي طالب: يا أمير المؤمنين فرق بين هؤلاء، فحمل عمر الهرمزان وجفينة وغيرهما في البحر وقال: اللهم اكسر بهم، وأراد أن يسير بهم الشام فكسر بهم ولم يغرقوا فرجعوا فأسلموا، وفرض لهم عمر ألفين ألفين، وسمى الهرمزان عرفطة.
29

(3/295)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 296
قال المسور بن مخرمة: رأيت الهرمزان بالروحاء مهلاً بالحج مع عمر. وروى إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جده قال: رأيت الهرمزان مهلاً بالحج مع عمر، وعليه حلة حبرة. وقال علي بن زيد بن جدعان، عن أنس قال: ما رأيت رجلاً أخمص بطناً ولا أبعد ما بين المنكبين من الهرمزان. عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري: أخبرني سعيد بن المسيب، أن عبد الرحمن بن أبي بكر ولم تجرب عليه كذبة قط قال: انتهيت إلى الهرمزان وجفنية وأبي لؤلؤة وهم نجي فتبعتهم، وسقط بينهم خنجر له رأسان نصابه في وسطه، فقال عبد الرحمن: فانظروا بم قتل عمر، فنظروا فوجدوه خنجراً على تلك الصفة، فخرج عبيد الله بن عمر ن الخطاب مشتملاً على السيف حتى أتى الهرمزان فقال: اصحبني ننظر فرساً لي وكان بصيراً بالخيل فخرج يمشي بين يديه فعلاه عبيد الله بالسيف، فلما وجد حد السيف قال: لا إله إلا الله فقتله. ثم أتى جفنية وكان نصرانياً، فلما أشرف له علاه علاه بالسيف فصلب بين عينيه. ثم أتى بنت أبي لؤلؤة جارية صغيرة تدعي الإسلام فقتلها، وأظلمت الأرض يومئذ على أهلها، ثم أقبل بالسيف صلتاً في يده وهو يقول: والله لا أترك في المدينة سبياً إلا قتلته وغيرهم، كأنه يعرض بناس) من المهاجرين، فجعلوا يقولون له: ألق السيف، فأبى، ويهابونه أن يقربوا منه، حتى أتاه عمروا بن العاص فقال: أعطني السيف يابن أخي. فأعطاه إياه. ثم ثار إليه عثمان فأخذ برأسه فتناصيا حتى حجز الناس بينهما. فلما ولي عثمان قال: أشيروا علي في هذا الذي فتق في الإسلام ما فتق، فأشار المهاجؤون بقتله، وقال جماعة الناس: قتل عمر
29

(3/296)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 297
بالأمس ويتبعونه ابنه اليوم ! أبعد الله الهرمزان وجفنية، فقال عمرو: إن الله قد أعفاك أن كون هذا الأمر في ولايتك فاصفح عنه، فتفرق الناس على قول عمرو، وودى عثمان الرجلين والجارية. رواه سعد عن الواقدي عن معمر، وزاد فيه: كان جفنية من نصارى الحيرة وكان ظئراً لسعد بن أبي وقاص يعلم الناس الخط بالمدينة، وقال فيه: وما أحسب عمراً كان يومئذ بالمدينة بل مصر إلا أن يكون قد حج، قال: وأظلمت الأرض فعظم ذلك في النفوس وأشفقوا أن تكون عقوبة. وعن أبي وجزة، عن أبيه قال: رأيت عبيد الله يومئذ وإنه ليناصي عثمان، وعثمان يقول له: قاتلك الله قتلت رجلاً يصلي وصبية صغيرة وآخر له ذمة، ما في الحق تركك. وبقي غبيد الله بن عمر وقتل يوم صفين مع معاوية. معمر، عن الزهري: أخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر، أن أباه قال: يرحم الله حفصة إن كانت لمن شيع عبيد الله على قتل الهرمزان وجفنية. قال معمر: بلغنا أن عثمان قال: أنا ولي الهرمزان وجفنية والجارية، وإني قد جعلتها دية. وذكر محمد بن جرير الطبري بإسناد له أن عثمان أقاد ولد الهرمزان من
29

(3/297)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 298
عبيد الله، فعفا ولد الهرمزان عنه. هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس العبشمية أم معاوية بن أبي سفيان. أسلمت يوم الفتح وشهدت اليرموك. وهي القائلة للنبي صلى الله عليه وسلم إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني وولدي، قال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف. وكان زوجها قبل أبي سفيان حفص بن المغيرة عم خالد بن الوليد، وكان من الجاهلية. وكانت هند من أحسن نساء قريش وأعقلهن، ثم إن أبا
29

(3/298)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 299
سفيان طلقها في آخر الأمر، فاستقرضت من عمر من بيت المال أربعة آلاف درهم، فخرجت إلى بلاد كلب فاشترت وباعت. وأتت ابنها معاوية وهو أمير على الشام لعمر فقالت: أي بني إنه عمر وإنما يعمل لله.) ولها شعر جيد. واقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عزيز الحنظلي اليربوعي حليف بني عدي، من السابقين الأولين. أسلم قبل دار الأرقم، وشهد بدراً والمشاهد كلها، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين بشر بن البراء بن معرور، وكان واقد في سرية عبد الله بن جحش إلى نخلة فقتل واقد عمرو بن الحضرمي، فكانا أول قاتل ومقتول في الإسلام. وتوفي واقد في خلافة عمر. أبو خراش الهذلي الشاعر إسمه خويلد بن مرة، من بني قرد بن
30

(3/299)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 300
عمرو الهذلي، وكان أبو خراش ممن يعدو على قدميه فيسبق الخيل، وكان في الجاهلية من فتاك العرب ثم أسلم. قال ابن عبد البر: لم يبق عربي بعد حنين والطائف إلا أسلم، فمنهم من قدم ومنهم من لم يقدم، وأسلم أبو خراش وحسن إسلامه. وتوفي في زمن عمر، أتاه حجاج فمشى إلى الماء ليملأ لهم فنهشته حية، فأقبل مسرعاً فأعطاهم الماء وشاة وقدراً ولم يعلمهم بما تم له، ثم أصبح وهو في الموت، فلم يبرحوا حتى دفنوه. أبو ليلى المازني واسمه عبد الرحمن بن كعب بن كعب بن عمرو، شهد أحداً وما بعدها، وكان أحد البكائين الذين نزل فيهم تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً إلا يجدوا ما ينفقون. أبو محجن الثقفي في اسمه أقوال، قدم مع وفد ثقيف فأسلم، ولا رواية له، وكان
30

(3/300)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 301
فارس ثقيف في زمانه إلا أنه كان يدمن الخمر زماناً، وكان أبو بكر يستعين به، وقد جلد مراراً حتى إن عمر نفاه إلى الجزيرة، فهرب ولحق بسعد بن أبي وقاص بالقادسية، فكتب عمر إلى سعد فحبسه. فلما كان يوم قس الناطف والتحم القتال سأل أبو محجن من امرأة سعد أن تحل قيده وتعطيه فرساً لسعد، وعاهدها إن سلم أن يعود إلى القيد، فحلته وأعطته فرساً فقاتل وأبلى بلاءً جميلاً ثم عاد إلى قيده. قال ابن جريج: بلغني أنه حد في الخمر سبع مرات. وقال أيوب، عن ابن سيرين قال: كان أبو محجن لا يزال يجلد في الخمر، فلما أكثر سجنوه، فلما كان يوم القادسية رآهم فكلم أم ولد سعد فأطلقته وأعطته فرساً وسلاحاً، فجعل لا يزال يحمل على رجل فيقتله ويدق صلبه، فنظر إليه سعد فبقي يتعجب ويقول: من الفارس فلم يلبثوا أن هزمهم ورجع أبو محجن وتقيد، فجاء سعد وجعل يخبر المرأة ويقول: لقينا ولقينا،) حتى بعث الله رجلاً على فرس أبلق لولا أني تركت أبا محجن في القيود لظننت أنها بعض شمائله، قالت: والله إنه لأبو محجن، وحكت له، فدعا به وحل قيوده وقال: لا نجلدنك على خمر أبداً، فقال: وأنا والله لا أشربها أبداً، كنت آنف أن أدعها لجلدكم، فلم يشربها بعد.
30

(3/301)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 302
روى نحوه أبو معاوية الضرير، عن عمر بن مهاجر، عن إبراهيم بن محمد بن سعد، عن أبيه قال: لما كان يوم القادسية أتى بأبي محجن سكران يمشي بين الناس يبتغي عند أحد من أولئك الرهط رأياً ولا يطأون عقبة، ومال الناس فقيده سعد، وذكر الحديث. ونقل أهل الأخبار أن أبا محجن هو القائل:
(إذا مت فادفني إلى جنب كرمة .......... تروي عظامي بعد موتي عروقها)

(ولا تدفني بالفلاة فإنني .......... أخاف إذا ما مت ألا أذوقها)
فزعم الهيثم بن عدي أنه أخبره من رأى قبر أبي محجن بأذربيجان أو قال في نواحي جرجان وقد نبتت عليه كرمة وظللت وأثمرت، فعجب الرجل وتذكر شعره.
30

(3/302)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 303
(أحداث سنة أربع وعشرين)

2 (خلافة عثمان رضي الله عنه)

(بقية حوادث سنة أربع وعشرين)

3 (قصة الشورى)
دفن عمر رضي الله عنه في أول المحرم، ثم جلسوا للشورى: فروي عن عبد الله بن أبي ربيعة أن رجلاً قال قبل الشورى: إن بايعتم لعثمان أطعنا، وإن بايعتم لعلي سمعنا وعصينا. وقال المسور بن مخرمة: جاءني عبد الرحمن بن عوف بعد هجع من الليل فقال: ما ذاقت عيناي كثير نوم ثلاث ليال فادع لي عثمان وعلياً والزبير وسعداً، فدعوتهم، فجعل يخلو بهم واحداً واحداً يأخذ عليه، فلما أصبح صلى صهيب بالناس، ثم جلس عبد الرحمن فحمد الله وأثنى عليه، وقال في كلامه: إني رأيت الناس يأبون إلا عثمان. وقال حميد بن عبد الرحمن بن عوف: أخبرني المسور إن النفر الذين ولاهم عمر اجتمعوا فتشاوروا فقال عبد الرحمن: لست بالذي أنافسكم هذا الأمر ولكن إن شئتم اخترت لكم منكم، فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن،
30

(3/303)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 304
قال فوالله ما رأيت رجلاً بذ قوماً أشد ما بذهم حين ولوه أمرهم، حتى ما من رجل من على عبد الرحمن يشاورونه ويناجونه تلك الليالي، لا يخلو به رجل ذو) رأي فيعدل بعثمان أحداً، وذكر الحديث إلى أن قال: فتشهد وقال: أما بعد يا علي فإني قد نظرت في الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان فلا تجعلن على نفسك سبيلاً، ثم أخذ بيد عثمان فقال: نبايعك على سنة الله وسنة رسوله وسنة الخليفتين بعده. فبايعه عبد الرحمن بن عوف وبايعه المهاجرون والأنصار. وعن أنس قال: أرسل عمر إلى أبي طلحة الأنصاري فقال: كن في خمسين من الأنصار مع هؤلاء النفر أصحاب الشورى فإنهم فيما فيما أحسب سيجتمعون في بيت، فقم على ذلك الباب بأصحابك فلا تترك أحداً يدخل عليهم ولا تترك يمضي اليوم الثالث حتى يؤمروا أحدهم، اللهم أنت خليفتي عليهم. وفي زيادات مسند أحمد من حديث أبي وائل قال: قلت لعبد الرحمن بن عوف: كيف بايعتم عثمان وتركتم علياً قال: ما ذنبي قد بدأت بعلي فقلت: أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة أبي بكر وعمر، فقال: فيما استطعت. ثم عرضت ذلك على عثمان فقال: نعم. وقال الواقدي: اجتمعوا على عثمان لليلة بقيت من ذي الحجة. ويروى أن عبد الرحمن قال لعثمان خلوة: إن لم أبايعك فمن تشير
30

(3/304)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 305
علي فقال: علي، وقال لعلي خلوة: إن لم أبايعك فمن تشير علي قال: عثمان، ثم دعا الزبير فقال: إن لم أبايعك فمن تشير علي قال علي أو عثمان، ثم دعا سعداً فقال: من تشير علي فأما أنا وأنت فلا نريدها فقال: عثمان، ثم استشار عبد الرحمن الأعيان فرأى هوى أكثرهم في عثمان. ثم نودي: الصلاة جامعة وخرج عبد الرحمن عليه عمامته التي عممه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. متقلداً سيفه، فصعد المنبر ووقف طويلاً يدعو سراً، ثم تكلم فقال: أيها الناس إني سألتكم سراً وجهراً على أمانتكم فلم أجدكم تعدلون عن أحد هذين الرجلين: إما علي وإما عثمان، قم إلي يا علي، فقام فوقف بجنب المنبر فأخذ بيده وقال: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر قال: اللهم لا ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي، فقال: قم يا عثمان، فأخذ بيده في موقف علي فقال: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر قال: اللهم نعم، قال فرفع رأسه إلى سقف المسجد ويده في يده ثم قال: اللهم اشهد اللهم إني قد جعلت ما في رقبتي من ذلك في رقبة عثمان. فازدحم الناس يبايعون حتى غشوه عند المنبر وأقعدوه على الدرجة الثانية، وقعد عبد الرحمن) مقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر. قال: وتلكأ علي، فقال عبد الرحمن: فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً. فرجع علي يشق الناس حتى بايع عثمان وهو يقول: خدعة وأيما خدعة.
30

(3/305)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 306
ثم جلس عثمان في جانب المسجد ودعا بعبيد الله بن عمر بن الخطاب، وكان محبوساً في دار سعد، وسعد الذي نزع السيف من يد عبيد الله بعد أن قتل جفنية والهرمزان وبنت أبي لؤلؤة، وجعل عبيد الله يقول: والله لأقتلن رجالاً من شارك في دم أبي، يعرض بالمهاجرين والأنصار، فقام إليه سعد فنزع السيف من يده وجبذه بشعره حتى أضجعه وحبسه، فقال عثمان لجماعة من المهاجرين، أشيروا علي في هذا الذي فتق في الإسلام ما فتق، فقال علي: أرى أن تقتله، فقال عضهم: قتل أبوه بالأمس ويقتل هو اليوم، فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين إن الله قد أعفاك أن يكون هذا الحدث ولك على المسلمين سلطان، إنما تم هذا ولا سلطان لك، قال عثمان: أنا وليهم وقد جعلتها دية واحتملتها من مالي. قلت: والهرمزان هو ملك تستر، وقد تقدم إسلامه، قتله عبيد الله بن عمر لما أصيب عمر، فجاء عمار بن ياسر فدخل على عمر فقال: حدث اليوم حدث في الإسلام، قال: وما ذاك قال قتل عبيد الله الهرمزان، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون علي به، وسجنه. قال سعيد بن المسيب: اجتمع أبو لؤلؤة وجفنية، رجل من الحيرة، والهرمزان، معهم خنجر له طرفان مملكه في وسطه، فجلسوا مجلساً فأثارهم
30

(3/306)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 307
دابة فوقع الخنجر، فأبصرهم عبد الرحمن بن أبي بكر، فلما طعن عمر حكى عبد الرحمن شأن الخنجر واجتماعهم وكيفية الخنجر، فنظروا فوجدوا الأمر كذلك، فوثب عبيد الله فتل الهرمزان، وجفنية، ولؤلؤة بنت أبي لؤلؤة، فلما استخلف عثمان قال له علي: أقد عبيد الله من الهرمزان، فقال عثمان: ماله ولي غيري، وإني قد عفوت ولكن أدية. ويروى أن الهرمزان لما عضه السيف قال: لا إله إلا الله. وأما جفنية فكان نصرانياً، وكان ظئراً لسعد بن أبي وقاص أقدمه للمدينة للصلح الذي بينه وبينهم وليعلم الناس الكتابة.
2 (فتح الري)
وفيها افتتح أبو موسى الأشعري الري، وكانت قد فتحت على يد حذيفة، وسويد بن مقرن، فانتقضوا.)
2 (سنة الرعاف)
وفيها أصاب الناس رعاف كثير، فقيل لها سنة الرعاف، وأصاب عثمان رعاف حتى تخلف عن الحج وأوصى. وحج بالناس عبد الرحمن بن عوف.
30

(3/307)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 308
2 (الوفيات)
سراقة بن مالك بن جعشم أبو سفيان المدلجي. توفي في هذه السنة، وكان ينزل قديداً، وهو الذي ساخت قوائم فرسه. ثم أسلم وحسن إسلامه، وله حديث في العمرة. روى عنه جابر بن عبد الله، وابن عباس، وسعيد بن المسيب،
30

(3/308)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 309
وطاوس، ومجاهد، وجماعة. وكان إسلامه بعد غزوة الطائف، وقيل: توفي بعد مقتل عثمان. وفيها عزل عثمان بالكوفة المغيرة بن شعبة وولاها سعد بن أبي وقاص. وفيها غزا الوليد بن عقبة أذربيجان وأرمينية لمنع أهلها ما كانوا صالحوا عليه، فسبى وغنم ورجع. وفيها جاشت الروم حتى استمد أمراء الشام من عثمان مدداً فأمدهم بثمانية آلاف من العراق، فمضوا حتى دخلوا إلى أرض الروم مع أهل الشام. وعلى أهل العراق سلمان بن ربيعة الباهلي، وعلى أهل الشام حبيب بن مسلمة الفهري، فشنوا الغارات وسبوا وافتتحوا حصوناً كثيرة. وفيها ولد عبد الملك بن مروان الخليفة.
31

(3/309)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 310
31

(3/310)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 311
(أحداث سنة خمس وعشرين)
فيها عزل عثمان سعداً عن الكوفة واستعمل عليها: الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية الأموي، أخو عثمان لأمه، كنيته أبو وهب. له صحبة ورواية. روى عنه أبو موسى الهمذاني، والشعبي. قال طارق بن شهاب: لما قدم الوليد أميراً أتاه سعد فقال: أكست بعدي أو استحمقت ببعدك قال: ما كسنا ولا حمقت ولكن القوم استأثروا عليك بسلطانهم. وهذا مما نقموا على عثمان كونه عزل سعداً وولى الوليد بن عقبة، فذكر حصين بن المنذر أن الوليد صلى بهم الفجر أربعاً وهو
31

(3/311)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 312
سكران، ثم التفت وقال: أزيدكم !
2 (غزوة برذعة)
ويقال: فيها سار الجيش من الكوفة عليهم سلمان بن ربيعة إلى برذعة، فقتل وسبى. وفيها انتقض أهل الإسكندرية فغزاهم عمرو بن العاص أمير مصر وسباهم، فرد عثمان السبي إلى ذمتهم، وكان ملك الروم ببعث إليها منويل الخصي في مراكب فانتفض أهلها غير المقوقس فغزاهم عمرو في ربيع الأول، فافتتحها عنوة غير المدينة فإنها صلح. وفيها عزل عثمان عمراً عن مصر، واستعمل عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح. والصحيح أن ذلك في سنة سبع وعشرين.
2 (غزو افريقية)
واستأذن ابن أبي سرح عثمان في غزو إفريقية فأذن له.
31

(3/312)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 313
ويقال فيها ولد يزيد بن معاوية.
31

(3/313)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 314
31

(3/314)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 315
(أحداث سنة ست وعشرين)

2 (توسعة المسجد الحرام)
فيها زاد عثمان في المسجد الحرام ووسعه، واشترى الزيادة من قوم، وأبى آخرون، فهدم عليهم ووضع الأثمان في بيت المال، فصاحوا بعثمان فأمر بهم إلى الحبس وقال: ما جرأكم علي إلا حلمي، وقد فعل هذا بكم عمر فلم تصيحوا عليه، ثم كلموه فيهم فأطلقهم.
2 (فتح سابور)
وأميرها عثمان بن أبي العاص الثقفي، فصالحهم على ثلاثة آلاف ألف وثلاثمائة ألف. وقيل عزل عثمان سعداً عن الكوفة لأنه كان تحت دين لابن مسعود فتقاضاه واختصما، فغضب عثمان من سعد وعزله واستعمل الوليد بن عقبة، وقد كان الوليد عاملاً لعمر على بعض الجزيرة وكان فيه رفق برعيته.
31

(3/315)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 316
31

(3/316)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 317
(أحداث سنة سبع وعشرين)
غزا معاوية قبرص فركب البحر بالجيوش، وكان معه عبادة بن الصامت، وزوجة عبادة أم حرام بنت ملحان الأنصارية خالة أنس، فصرعت عن بغلتها فماتت شهيدة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يغشاها ويقيل عندها وبشرها بالشهادة، فقبرها بقبرس يقولون هذا قبر المرأة الصالحة.
31

(3/317)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 318
روت عن النبي صلى الله عليه وسلم. روى عن أنس بن مالك، وعمير بن الأسود العنبسي، ويعلى بن شداد ابن أوس، وغيرهم. وقال داود بن أبي هند: صالح عثمان بن أبي العاص وأبو موسى سنة سبيع وعشرين أهل أرجان على ألفي ومائتي ألف، وصالح أهل دارابجرد على ألف ألف وثمانين ألفاً. وقال خليفة: فيها عزل عثمان عن مصر عمراً وولى عليها عبد الله بن سعد، فغزا إفرية ومعه عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير، فالتقى هو وجرجير بسبيطله على يومين من القيروان، وكان جرجير في مائتي ألف مقاتل، وقيل في مائة وعشرين ألفاً، وكان المسلمون في عشرين ألفاً. قال مصعب بن عبد الله: ثنا أبي، والزبير بن خبيب قالا: قال ابن الزبير: هجم علينا جرجير في معسكرنا في عشرين ومائة ألف، فأحاطوا بنا
31

(3/318)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 319
ونحن في عشرين ألفاً. واختلف الناس على عبد الله بن أبي سرح، فدخل فسطاطاً له فخلا فيه، ورأيت أنا غرة من جرجير بصرت به) خلف عساكره على برذون أشهب معه جاريتان تظللان عله بريش الطواويس، وبينه وبين جنده أرض بيضاء ليس بها أحد، فخرجت ألى ابن أبي سرح فندب لي الناس، فاخترت منهم ثلاثين فارساً وقلت لسائرهم: البثوا على مصافكم، وحملت في الوجه الذي رأيت فيه جرجير وقلت لأصحابي: احموا لي ظهري، فوالله ما نشبت أن خرقت الصف إليه فخرجت صامداً له، ومل يحسب هو ولا أصحابه إلا أني رسول إليه، حتى دنوت منه فعرف الشر، فوثب على برذونه وولى مدبراً، فأدركته ثم طعنته، فسقط، ثم دففت عليه بالسيف، ونصبت رأسه على رمح وكبرت، وحمل المسلمون، فارفض أصحابه من كل وجه، وركبنا أكتافهم. وقال خليفة: ثنا من سمع ابن لهيعة يقول: ثنا أبو الأسود، حدثني أبو إدريس أنه غزا مع عبد الله بن سعد إفريقية فافتتحها، فأصاب كل إنسان ألف دينار. وقال غيره: سبوا وغنموا فبلغ سهم الفارس ثلاثة آلاف دينار وفتح الله أفريقية سهلها وجبلها، ثم اجتمعوا على الإسلام وحسنت طاعتهم. وقسم ابن أبي سرح ما أفاء الله عليهم زأخذ خمس الخمس بأمر
32

(3/319)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 320
عثمان، وبعث إليه بأربعة أخماسه، وضر فسطاطاً في موضع القيروان ووفدوا وفداً، فشكوا عبد الله فيما أخذ فقال: أنا نفلته، وذلك إليكم الآن، فإن رضيتم فقد جاز، وإن سخطتم فهو رد، قالوا: إنا نسخطه، قال: فهو رد، وكتب إلى عبد الله برد ذلك واستصلاحهم. قالوا: فاعزله عنا. فكتب إليه أن استخلف إلى إفريقية رجلاً ترضاه واقسم ما نفلتك فإنهم قد سخطوا، فرجع عبد الله بن أبي سرح إلى مصر، وقد فتح الله إفريقية، فما زال أهلها أسمع الناس وأطوعهم إلى زمان هشام بن عبد الملك. وروى سيف بن عمر، عن أشياخه، أن عثمان أرسل عبد الله بن نافع ابن الحصين، وعبد الله بن نافع الفهري من فورهما ذلك إلى الأندلس، فأتياها من قبل البحر، وكتب عثمان إلى من انتدب إلى الأندلس: أما بعد فإن القسطنطينية إنما تفتح من قبل الأندلس، وإنكم إن افتتحتموها كنتم شركاء في فتحها في الأجر، والسلام. فعن كعب قال: يعبر البحر إلى الأندلس أقوام يفتحونها يعرفون بنورهم يوم القيامة. قال: فخرجوا إليها فأتوها من برها وبحرها، ففتحها الله على المسلمين، وزاد في سلطان المسلمين مثل أفريقية. ولم يزل أمر الأندلس كأمر أفريقية، حتى أمر هشام فمنع البربر) أرضهم.
32

(3/320)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 321
ولما نزع عثمان عمراً عن مصر غضب وحقد على عثمان، فوجه عبد الرحمن بن سعد فأمره أن يمضي إلى أفريقية، وندب الناس معه إلى إفريقية، فخرج إليها في عشرة آلاف، وصالح ابن سعد أهل إفريقية على ألفي ألف دينار وخمسمائة دينار. وبعث ملك الروم من قسطنطينية أن يؤخذ من أهل إفريقية ثلاثمائة قنطار ذهباً، كما أخذ منهم عبد الله بن سعد، فقالوا: ما عندنا مال نعطيه، وما كان بأيدينا فقد افتدينا به، فأما الملك فإنه سيدنا فليأخذ ما كان له عندنا من جائزة كما كنا نعطيه كل عام، فلما رأى ذلك منهم الرسول أمر بحبسهم، فبعثوا إلى قوم من أصحابهم فقدموا عليهم فكسروا السجن وخرجوا. وعن يزيد بن أبي حبيب قال: كتب عبد الله بن سعد إلى عثمان يقول: إن عمرو بن العاص كسر الخوارج، وكتب عمرو: إن عبد الله بن سعد أفسد على مكيدة الحرب. فكتب عثمان إلى عمرو: انصرف وولى عبد الله الخراج والجند، فقدم عمرو مغضباً، فدخل على عثمان وعليه جبة له يمانية محشوة قطناً، فقال له عثمان: ما حشو جبتك قال: عمرو، قال: قد علمت أن حشوها عمرو، ولم أرد هذا، إنما سألتك أقطن هو أم غيره وبعث عبد الله بن سعد إلى عثمان مالاً من مصر وحشد فيه، فدخل
32

(3/321)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 322
عمرو، فقال عثمان: هل تعلم أن تلك اللقاح درت بعدك قال عمرو: إن فصالها هلكت. وفيها حج عثمان بالناس.
32

(3/322)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 323
(أحداث سنة ثمان وعشرين)
قيل في أولها غزوة قبرس، وقد مرت. فروى سيف، عن رجاله قالوا: ألح معاوية في إمارة عمر عليه في غزو البحر وقرب الروم من حمص، فقال عمر: إن قرية من قرى حمص يسمع أهلها نباح كلابهم وصياح ديوكهم قالوا: كتب عمر إلى معاوية: إنا سمعنا أن بحر الشام يشرف على أطول شيء على الأرض، يستأذن الله في كل يوم وليلة في أن يقبض على الأرض فيغرقها، فكيف أحمل الجنود في هذا البحر الكافر المستعصب، وتالله لمسلم أحب إلي من كل ما في البحر، فلم يزل بعمر حتى كاد أن يأخذ بقلبه. فكتب عمر إلى عمرو بن العاص أن صف لي البحر وراكبه، فكتب إليه: إني رأيت خلقاً كبيراً يركبه خلق صغير، إن ركد حرق القلوب، وإن تحرك أزاغ العقول، يزداد فيه اليقين قلة، والشك كثرة، وهم
32

(3/323)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 324
فيه كدود على عود، إن مال غرق، وإن نجا برق. فلما قرأ عمر الكتاب كتب إلى معاوية: والله لا أحمل فيه مسلماً أبداً. وقال أبو جعفر الطبري: غزا معاوية قبرس فصالح أهلها على الجزية.
2 (غزو سورية)
وقال الواقدي: في هذه السنة غزا حبيب بن مسلمة سورية من أرض الروم. وفيها تزوج عثمان نائلة بنت الفرافصة فأسلمت قبل أن يدخل بها. وفيها غزا الوليد بن عقبة أذربيجان فصالهم مثل صلح حذيفة. وقل من مات وضبط موته في هذه السنوات كما ترى.
32

(3/324)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 325
(أحداث سنة تسع وعشرين)
فيها عزل عثمان أبا موسى عن البصرة بعبد الله بن عامر بم كريز، وأضاف إليه فارس.
2 (فتح اصطخر)
وفيها افتتح عبد الله بن عامر إصطخر عنوة فقتل وسبى، وكان على مقدمة عبيد الله بن معمر، وكان من كبار الأمراء، افتتح سابور عنوة وقلعة شيراز، وقتل وهو شاب، فأقسم ابن عامر لئن ظفر بالبلد ليقتلن حتى يسيل الدم من باب المدينة، وكان بها يزدجرد بن شهريار بن كسرى فخرج منها في مائة ألف وسار فنزل مرو،
32

(3/325)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 326
وخلف على إصطخر أميراً من أمرائه في جيش يحفظونها. فنقب المسلمون المدينة فما دروا إلا والمسلمون معهم في المدينة، فأسرف ابن عامر في قتلهم وجعل الدم لا يجري من الباب، فقيل له: أفنيت الخلق، فأمر بالماء فصب على الدم حتى خرج من الباب، ورجع إلى حلوان فافتتحها ثانياً فأكثر فيه القتل لكونهم نقضوا الصلح. وفيها انتفضت أذربيجان فغزاهم سعيد بن العاص فافتتحها. وفيها غزا ابن عامر وعلى مقدمته عبد الله بن بديل الخزاعي فأتى أصبهان، ويقال افتتح أصبهان سارية بن زنيم عنوة وصلحاً. وقال أبو عبيدة: لما قدم ابن عامر البصرة قدم عبيد الله بن معمر إلى فارس، فأتى أرجان فأغلقوا في وجهه، وكان عن يمين البلد وشماله الجبال والأسياف. وكانت الجبال لاتسلكها الخيل ولا تحمل الأسياف يعني السواحل الجيش، فصالحهم أن يفتحوا له باب المدينة فيمر فيها ماراً ففعلوا، ومضى حتى انتهى إلى النوبندجان فافتتحها، ثم نقضوا الصلح، ثم سار فافتتح قلعة شيراز، ثم سار إلى جور فصالحهم وخلف فيهم رجلاً من تميم، ثم انصرف إلى إصطخر فحاصرها مدة، فبينما هم في الحصار إذ قتل أهل جور عاملهم، فسار ابن عامر إلى جور فناهضهم فافتتحها عنوة فقتل منها أربعين ألفاً يعدون بالقصب، ثم خلف عليهم مروان بن الحكم أو غيره، ورد
32

(3/326)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 327
إلى إصطخر وقد قتلوا عبيد الله بن معمر فافتتحها عنوة. ثم مضى إلى فسا فافتتحها. وافتتح رساتيق من كرمان. ثم إنه توجه نحو خراسان على المفازة فأصابهم الرمق فأهلك خلقاً. وقال ابن جرير: كتب ابن عامر إلى عثمان بفتح فارس، فكتب عمان يأمره أن يولي هرم بن) حسان اليشكري، وهرم بن حيان العبدي، والخريت بن راشد على كور فارس. وفرق خراسان بين ستة نفر: الأحنف ابن قيس على المروين، وحبيب بن قرة اليربوعي على بلخ، وخالد بن زهير على هراة، وأمين بن أحمد اليشكري على طوس، وقيس بن هبيرة السلمي على نيسابور. وفيها زاد عثمان في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فوسعه وبناه بالحجارة المنقوشة وجعل عمده من حجارة وسقفه بالساج، وجعل طوله ستين ومائة ذراع، وعرضه خمسين ومائة ذراع، وجعل أبوابه كما كانت زمن عمر ستة أبواب.
32

(3/327)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 328
وحج عثمان بالناس وضرب له بمنى فسطاط، وأتم الصلاة بها وبعرفة، فعابوا عليه ذلك، فجاءه علي فقال: والله ما حدث أمر ولا قدم عهد، ولقد عهدت نبيك صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين، ثم أبا بكر، ثم عمر ثم أنت صدراً من ولايتك، فقال: رأي رأيته. وكلمه عبد الرحمن بن عوف فقال: إني أخبرت عن جفاة الناس قد قالوا: إن الصلاة للمقيم ركعتان وقالوا: هذا عثمان يصلي ركعتين فصليت أربعاً لهذا، وإني قد اتخذت بمكة زوجة، فقال عبد الرحمن: ليس هذا بعذر، قال: هذا رأي رأيته.
32

(3/328)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 329
(أحداث سنة ثلاثين)
فيها عزل الوليد بن عقبة عن الكوفة بسعيد بن العاص، فغزا سعيد طبرستان، فحاصرهم، فسألوه الأمان، على أن لا يقتل منهم رجلاً واحداً، فقتلهم كلهم إلا رجلاً واحداً، يعني نفسه بذلك. وفيها فتحت جور من أرض فارس على يد ابن عامر فغنم شيئاً كثيراً. وافتتح ابن عامر في هذا القرب بلاداً كثيرة من أرض خراسان. قال داود بن أبي هند: لما افتتح ابن عامر أرض فارس سنة ثلاثين هرب يزدجرد بن كسرى فاتبعه ابن عامر، ومجاشع بن مسعود السلمي، ووجه ابن عامر، فيما ذكر خليفة زياد بن الربيع الحارثي إلى سجستان
33

(3/329)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 330
فافتتح زالق وشرواذ وناشروذ، ثم صالح أهل مدينة زرنج على ألف وصيف مع كل وصيف جام من ذهب. ثم توجه ابن عامر إلى خراسان وعلى مقدمته الأحنف بن قيس، فلقي أهل هراة فهزمهم. ثم افتتح ابن عامر أبرشهر وهي نيسابور صلحاً ويقال عنوة. وكان بها فيما ذكر غير خليفة بنتا كسرى بن هرمز. وبعث جيشاً فتحوا طوس وأعمالها صلحاً. ثم صالح من جاءه من أهل سرخس على مائة وخمسين ألفاً. وبعث الأسود بن كلثوم العدوي إلى بيهق. وبعث أهل مرو يطلبون الصلح، فصالحهم ابن عامر على ألفي ألف ومائتي ألف. وسار الأحنف بن قيس في أربعة آلاف، فجمع له أهل طخارستان وأهل الجوزجان والفارياب، وعليهم طوقانشاه، فاقتتلوا قتالاً شديداً، ثم هزم الله المشركين، وكان النصر. ثم سار الأحنف على بلخ، فصالحوه على أربعمائة ألف. ثم أتى خوارزم فلم يطقها ورجع. وفتحت هراة ثم نكسوا.
33

(3/330)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 331
وقال ابن إسحاق: بعث ابن عامر جيشاً إلى مرو فصالحوه وفتحت صلحاً. ثم خرج ابن عامر من نيسابور معتمراً وقد احرم منها، واستخلف على خراسان الأحنف بن قيس، فلما قضى عمرته أتى عثمان رضي الله عنه واجتمع به، ثم إن أهل خراسان نقضوا وجمعوا جمعاً كثيراً وعسكروا بمرو، فنهض لقتالهم الأحنف وقتلهم فهزمهم، وكانت وقعة مشهورة. ثم قدم ابن عامر من المدينة إلى البصرة، فلم يزل عليها إلى أن قتل عثمان وكذا معاوية على) الشام. ولما فتح ابن عمر هذه البلاد الواسعة كثر الخراج على عثمان وأتاه المال من كل وجه اتخذ له الخزائن وأدر الأرزاق، وكان يأمر للرجل بمائة ألف بدرة في كل بدرة أربعة آلاف وافية. وقال أبو يوسف القاضي: أخرجوا من خزائن كسرى مائتي ألف بدرة في كل بدرة أربعة آلاف.
33

(3/331)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 332
33

(3/332)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 333
2 (ذكر من توفي فيها)
أبي بن كعب، وقال الواقدي: هو أثبت الأقاويل عندنا. جبار بن صخر بن أمية بن خنساء أبو عبد الله الأنصاري السلمي. شهد بدراً والعقبة، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم خارصاً إلى خيبر. توفي بالمدينة، وله ستون سنة. حاطب بن أبي بتلعة اللخمي حليف بني أسد بن عبد العزى.
33

(3/333)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 334
شهد بدراً والمشاهد، وهو الذي كتب إلى المشركين قبل الفتح يخبرهم ببعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم، والقصة مشهورة، فعفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم واعتذر فقبل عذره، ثم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس ملك الإسكندرية. واسم أبي بتلعة: عمرو بن عمير. الطفيل بن الحارث بن المطلب المطلبي فيما قاله سعيد بن عفير وهو أخو عبيدة بن الحارث والحصين بن الحارث. كان من السابقين الأولين، شهد بدراً.
33

(3/334)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 335
عبد الله بن كعب بن عمرو المازني الأنصاري البدري. كان على الخمس يوم بدر. يكنى أبا الحارث، وقيل أبا يحيى، وصلى عليه عثمان، وهو أخو أبي ليلى المازني. عد الله بن مظعون بن حبيب الجمحيي القرشي أخو عثمان وقجامة. كان أحد من شهد بدراً وممن هاجروا إلى الحبشة. عياض بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة بن هلال، أبو سعد القرشي الفهري. شهد بدراً والمشاهد بعدها. هكذا ذكره ابن سعد، وفرق بينه وبين ابن أخيه عياض بن غنم بن) زهير الفهري أمير الشام المتوفى سنة عشرين. معمر بن أبي سرح ربيعة بن هلال القرشي أبو سعد الفهري،
33

(3/335)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 336
وقيل اسمه عمرو، وكذا سماه ابن إسحاق وغيره، وهو بدري قديم الصحبة. مسعود بن ربيعة وقيل ابن الربيع، أبو عمير القاري، والقارة حلفاء بني زهرة. شهد بدراً وغيرها، وعاش نيفاً وستين سنة، تقدم. أبو أسيد مالك بن ربيعة الساعدي، والأصح سنة أربعين، وهذا قول أبي حفص الفلاس وأوردنا أنه سنة ستين، فالله أعلم.
33

(3/336)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 337
2 (من توفي في خلافة عثمان)
أوس بن الصامت بن قيس بن أصرم الأنصاري أخو عبادة، وكلاهما قد شهدا بدراً، وأوس هو زوج المجادلة ف زوجها خولة ويقال لها خويلة بنت ثعلبة، وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين مرثد بن أبي مرثد الغنوي. أنس بن معاذ بن أنس بن قيس الأنصاري النجاري، ويقال: اسمه أنيس، ربما صغر. شهد بدراً والمشاهد، وتوفي في خلافة عثمان.
33

(3/337)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 338
أوس بن خولى من بني الحبلى، أنصاري شهد بدراً. وهو الذي حضر غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل قبره. توفي قبل مقتل عثمان. الجد بن قيس يقال له إنه تاب من النفاق وحسن أمره. الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي.
33

(3/338)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 339
استعمله النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إنه نزل البصرة واختط بها داراً، وهو والد عبد الله بن الحارث الذي يقال له ببة. الحطيئة الشاعر أبو مليكة العبسي، قيل اسمه جرول. عاش دهراً في الجاهلية وصدراً في الإسلام، ودخل على عمر وأنشده:
(من يفعل الخير لا يعدم جوازيه .......... لا يذهب العرف بين الله والناس)
34

(3/339)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 340
وكان جوالاً في الآفاق يمتدح الكبار ويستجديهم، وكان سؤولاً بخيلاً، ركب مرة ليفد على الملوك فقال لأهله:)
(عدي السنين إذا خرجت لغيبة .......... ودعي الشهور فإنهن قصار)
خبيب بن يساف بن عتبة الأنصاري الخزرجي. شهد بدراً، وهو جد شيخ شعبة خبيب بن عبد الرحمن بن خبيب. زيد بن خارجة بن زيد بن أبي زهير الأنصاري الخزرجي المتكلم بعد الموت. له صحبة ورواية، قتل أبوه يوم أحد.
34

(3/340)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 341
قال سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد ن المسيب، إن زيد بن خارجة توفي زمن عثمان، فسجى بثوب ثم أنهم سمعوا جلجلة في صدره، ثم تكلم فقال: أحمد أحمد في الكتاب الأول، صدق صدق أبو بكر الضعيف في نفسه القوي في أمر الله في الكتاب الأول، صدق صدق عمر القوي الأمين في الكتاب الأول، صدق صدق عثمان على منهاجهم، مضت أبرع سنين وبقي سنتان، أتت الفتن وأكل الشديد الضعيف، قامت الساعة، وسيأتيكم خبر بئر أريس وما بئر أريس. قال ابن المسيب: ثم هلك رجل من بني خطمة، فسجى بثوب فسمعوا جلجلة في صدره، ثم تكلم فقال: إن أخا بني الحارث بن الخزرج صدق صدق. قال ابن عبد البر: هذا هو الذي تكلم بعد الموت لا يختلفون في ذلك، وذلك أنه غشي عليه وأسري بروحه، ثم راجعته نفسه فتكلم بكلام في أبي بكر، وعمر، وعثمان، ثم مات لوقته. رواه ثقاة الشاميين عن النعمان بن بشير. م سلمان بن ربيعة الباهلي يقال له صحبة، وقد سمع من عمر.
34

(3/341)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 342
روى عنه أبو وائل، والصبي بن معبد، وعمرو بن ميمون. وكان بطلاً شجاعاً فاضلاً عابداً، ولاه قضاء الكوفة، ثم ولي زمن عثمان غزو أرمينية فقتل ببلنجر، وقيل بل الذي قتل بها أخوه عبد الرحمن، وقيل إن الترك إذا قحطوا يستسقون بقبر سلمان، وهو مدفون عندهم، وقد جعلوا عظامه في تابوت. روى له مسلم. م عبد الله بم حذافة بن قيس الرقشي السهمي أبو حذافة، من المهاجرين الأولين.
34

(3/342)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 343
هاجر مع أخيه إلى الحبشة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى كسرى، وكانت فيه دعابة، وقد أسره الروم زمن عمر فأرادوه على الكفر فأبى عليهم، فقال له ملكهم: قبل رأسي) حتى أطلقك ومن معك، ففعل فأطلقه وثمانين أسيراً، فلما قدم قال له عمر: حق على كل مسلم أن يقبل رأسك وأنا أبدأ، فقام فقبل رأسه. له حديث. روى عنه أبو وائل، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وسليمان بن يسار، ولم يدركاه. عبد الله بن سراقة بن المعتبر العدوي، له صحبة ورواية، شهد أحداً وغيرها، وقال الزهري إنه شهد بدراً. روى عنه عبد الله بن شقيق، وعقبة بن ساج، وغيرهما.
34

(3/343)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 344
وروى أيضاً عن أبي عبيدة، وهو أخو عمرو. وقيل إن الذي روى عن أبي عبيدة وروى عنه عبد الله بن شقيق في الدجال. أزدي شريف من أهل دمشق. قاله الغلابي وغيره. عبد الله بن قيس بن خالد الأنصاري النجاري المالكي، شهد بدراً. قال الواقدي: لم يبق له عقب، وتوفي في زمن عثمان. عبد الرحمن بن سهل بن زيد الأنصاري الحارثي. قال ابن عبد البر: شهد بدراً. وقال أبو نعيم: شهد أحداً، والخندق، وهو الذي نهش فرقاه عمارة بن حزم. استعمله عمر على البصرة بعد موت عتبة بن غزوان. وعن القاسم بن محمد قال: جاءت جدتان إلى أبي بكر فأعطى السدس أم الأم دون أم الأب، فقال له عبد الرحمن بن سهل، رجل من بني حارثة قد شهد بدراً: أعطيت التي لو ماتت لم يرثها، وتركت التي لو ماتت
34

(3/344)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 345
لورثها، فجعله أبو بكر بينهما. وقد ورد أن غزا هذا في خلافة عثمان. عمرو بن سراقة بن المعتمر بن أنس القرشي العدوي. بدري كبير، وهو أخو عبد الله. روى عامر بن ربيعة قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية ومعنا عمرو بن سراقة وكان لطيف البطن طويلاً فجاع، فانثنى صلبه فأخذنا صفيحة من حجارة فربطناها على بطنه، فمشى يوماً، فجئنا قوماً فضيفونا، فقال عمرو: كنت أحسب الرجلين تحملان البطن فإذا البطن يحمل الرجلين. ت ن عمير بن سعد بن شهيد بن قيس الأنصاري
34

(3/345)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 346
الأوسي، له صحبة ورواية.) روى عنه أبو طلحة الخولاني، وحبيب بن عبيد، وغيرهما، وكان من زهاد الصحابة. يقال له نسيج وحده. روى عبد الرحمن بن عمير بن سعد قال: قال لي ابن عمر: ما كان بالشام من المسلمين رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من أبيك. وشهد عمير فتح الشام مع أبي عبيدة، وولي إمرة حمص ودمشق لعمر، فلما ولي الخلافة عثمان عزله عن حمص واستعمل معاوية على جميع الشام. وله اخبار في الحلية. عروة بن حزام أبو سعيد، شاب عذري قتله الغرام، وهو الذي كان يشبب بابنة عمه عفراء بنت مهاصر، خرج أهلها من الحجاز إلى الشام فتبعهم عروة وامتنع عمه من تزويجه بها لفقره وزوجها بابن عم آخر غني فهلك في محببتها عروة. ومن قوله فيها:
(وما هو إلا أن أراها فجاءة .......... فأبهت حتى ما أكاد أجيب)
34

(3/346)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 347
(وأصرف عن رأيي الذي كنت أرتئي .......... وأنسى الذي أعددت حين تغيب)
قطبة بن عامر أبو زيد الأنصاري السلمي. شهد بدراً والعقبتين. عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن جوية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن
34

(3/347)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 348
فزارة الفزاري، من قيس عيلان، واسم عيينة حذيفة، فأصابته لقوة فجحظت عينيه. ويكنى أبا مالك وهو سيد بني فزارة وفارسهم. قال الواقدي: حدني إبراهيم بن جعفر، عن أبيه: أجدبت بلاد آل بكر، فسار عيينة في نحو مائة بيت من آله حتى أشرف على بطن نخل فهاب النبي صلى الله عليه وسلم، فورد المدينة ولم يسلم ولم يبعد، وقال: أريد أدنو من جوارك فوادعني. فوادعه النبي ثلاثة أشهر، فلما فرغت انصرف عيينة إلى بلادهم فأغار على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم بالغابة، فقال له الحارث بن عوف: عاهدت محمداً في بلاده ثم غزوته. وقال الواقدي: حدثني عبد العزيز بن عقبة بن سلمة، عن عمه إياس بن سلمة، عن أبيه قال: أغار عيينة في أربعين رجلاً على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت عشرين لقحة فساقها وقتل ابناً لأبي ذر كان فيها، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في طلبهم إلى ذي قرد فاستنقذ عشر لقاح وأفلت القوم بالباقي، وقتلوا حبيب بن عيينة، وابن عمه مسعدة، وجماعة.) الواقدي، عن محمد بن عبد الله، عن الزهري، عن ابن المسيب، قال: كان عيينة بن حصن أحد رؤوس الأحزاب، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليه وإلى الحارث بن عوف: أرأيتما إن جعلت لكم ثلث تمر المدينة، أترجعان بمن معكما فرضيا بذلك، فينا النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يكتب لهم الصلح جاء أسيد بن حضير، وعيينة ماد رجليه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عين
34

(3/348)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 349
الهجرس اقبض رجليك، والله لولا رسول الله صلى الله عليه وسلم خضبتك بالرمح، ثم أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إن كان أمر من السماء فامض له، وإن كان غير ذلك فوالله لا نعطيكم إلا السيف، متى طعمتم بهذا منا. وقال السعدان كذلك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: شق الكتاب، فشقه، فقال عيينة: أما والله للتي تركتم خير لكم من الحطة التي أخذتم، وما لكم بالقوم طاقة، فقال عباد بن بشر: يا عيينة، أبالسيف تخوفنا ستعلم أينا أجزع، والله لولا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ما وصلتم إلى قومكم، فرجعا وهما يقولان: والله ما نرى أنا ندرك منهم شيئاً. قال الواقدي: فلما انكشف الأحزاب رد عيينة إلى بلاده، ثم أسلم قبل الفتح بيسير. ابن سعد: أنا علي بن محمد، عن علي بن سليم، عن الزبير بن خبيب قال: أقبل عيينة بن حصن، فتلقاه ركب خارجين من المدينة، فسألهم فقالوا: الناس ثلاثة: رجل أسلم فهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل
35

(3/349)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 350
العرب، ورجل لم يسلم فهو يقاتله، ورجل يظهر الإسلام ويظهر لقريش أنه معهم، قال: ما يسمى هؤلاء قال: يسمون المنافقين، قال: ما في من وصفتم أحزم من هؤلاء، اشهدوا أنني منهم. ثم ساق ابن سعد قصة طويلة بلا إسناد في نفاق عيينة يوم الطائف، وفي أسره عجوزاً يوم هوزان يتلمس بها الفداء، فجاء ابنها فبذل فيها مائة من الإبل، فتقاعد عيينة، ثم غاب عنه، ونزله إلى خمسين، فامتنع ثم لم يزل به إلى أن بذل فيها عشرة من الإبل، فغضب وامتنع، ثم جاءه وقال: يا عم أطلقها وأشكرك، قال: لا حاجة لي بمدحك، ثم قال: ما رأيت كاليوم أمراً أنكد، وأقبل يلوم نفسه، فقال الفتى: أنت صنعت هذا: عمدت إلى عجوز والله ما ثديها بناهد، ولا بطنها بوالد، ولا فوها ببارد، ولا صاحيها بواجد فأخذتها من بين من ترى، فقال: خذها لا بارك الله لك فيها. قال الفتى: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كسا السبي فأخطأها من) بينهم الكسوة، فهلا كسوتها قال: لا والله. فما فارقه حتى أخذ منه سمل ثوب، ثم ولى الفتى وهو يقول: إنك لغير بصير بالفرص. وأعطى النبي صلى الله عليه وسلم عيينة من الغنائم مائة من الإبل. الواقدي: حدثنا موسى بن محمد بن إبراهيم التميمي، عن أبيه، عن أبي سلمة، عن عائشة قالت: دخل عيينة بن حفص على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا عنده، فقال: من هذا الحميراء قال: هذه عائشة بنت أبي بكر،
35

(3/350)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 351
فقال: ألا أنزل لك عن أحسن الناس: إبنة جمرة قال: لا، فلما خرج، قلت: يا رسول الله من هذا قال: هذا الحمق المطاع. قال ابن سعد: قالوا وارتد عيينة حين ارتدت العرب، ولحق بطليحة الأسدي حين تنبأ فآمن به، فلما هزم طليحة أخذ خالد بن الوليد عيينة فأوثقه وبعث به إلى الصديق، قال ابن عباس، فنظرت إليه والغلمان ينخسونه بالجريد ويضربونه ويقولون: أي عدو الله كفرت بعد إيمانك فيقول: والله ما كنت آمنت، فلما كلمه أبو بكر رجع إلى الإسلام فأمنه. المدائني، عن عامر بن أبي محمد قال: قال عيينة لعمر: احترس أو أخرج العجم من المدينة فإني لا آمن أن يطعنك رجل منهم. المدائني عن عبد الله ببن فائد قال: كانت أم البنين بنت عيينة عند عثمان، فدخل عيينة على عثمان بلا إذن فعتبه عثمان، فقال: ما كنت أرى أنني أحجب عن رجل من مضر، فقال عثمان: أدن فأصب من العشاء، قال: إني صائم، قال: تصوم ليلاً: إني وجدت صوم الليل أيسر علي.
35

(3/351)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 352
قال المدائني: ثم عمي عيينة في إمرة عثمان. أبو الأشهب، عن الحسن قال: عاتب عثمان عيينة فقال: ألم أفعل وكنت تأتي عمر ولا تأتينا، فقال: كان عمر خيراً لنا منك، أعطانا فأغنانا، وأخشانا فأتقانا. قيس بن قهد بن قيس بن ثعلبة الأنصاري، أحد بني مالك بن النجار. قال مصعب الزبيري: هو جد يحيى بن سعيد الأنصاري. وخالفه الأكثر وقيل: هو جد أبي مريم عبد الغفار بن القاسم الكوفي. وقال ابن ماكولا: إنه شهد بدراً، روى عنه ابنه سليمان، وقيس بن أبي حازم. وله حديث في الركعتين بعد الفجر.)
35

(3/352)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 353
لبيد بن ربيعة العامر الشاعر المشهور الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: أصدق كلمة قالتها العرب كلمة لبيد. ألا كل شيء ما خلا الله باطل
35

(3/353)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 354
قال مالك: بلغني أن لبيداً عمر مائة وأربعين سنة، ويكنى أبا عقيل. قال ابن أبي حاتم: بعث الوليد بن عقبة إلى منزل لبيد عشرين جزوراً فنجرت. وقيل: إنه توفي سنة إحدى وأربعين. فسأعيده. خ م د س المسيب بن حزن بن أبي وهب المخزومي. ممن بايع تحت الشجرة. روى عنه ابنه سعيد بن المسيب. معاذ بن عمرو بن الجموح الأنصاري، شهد بدراً وغيرها.
35

(3/354)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 355
وروى عنه ابن عباس، وهو الذي قال: جعلت يوم بدر أبا جهل من شأني، فلما أمكنني حملت عليه فضربته فقطعت قدمة بنصف ساقه، وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي، فبقيت معلقة بجلدة بجنبي، وأجهضني عنه القتال، فقاتلت عامة ومي، وإني لأسحبها خلفي، فلما آذتني وضعت قدمي عليها، ثم تمطيت عليها حتى طرحتها. محمد بن جعفر بن أبي طالب، أبو القاسم الهاشمي. ولدته أسماء بنت عميس بالحبشة في أيام هجرة أبويه إليها، وتوفي شاباً. قال أبو أحمد الحاكم: إنه تزوج بأم كلثوم بنت عل بعد عمر بن الخطاب. وقال ابن عبد البر: إنه استشهد بتستر، والله أعلم.
35

(3/355)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 356
قال جرير بن حازم: ثنا محمد بن أبي يعقوب، عن الحسن بن سعد، عن عبد الله بن جعغر، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نعى أباه جعفراً أمهل ثلاثثاً لا يأتيهم، ثم أتاهم، فقال: لا تبكوا على أخي بعد اليوم، ثم قال: ادعوا لي بني أخي، فجيء بنا كأننا أفرخ، فأمر بحلاق فحلق رؤوسنا، ثم قال: أما محمد فيشبه عمنا أبا طالب، وأما عبد الله فيشبه خلقي وخلقي، ثم أخذ بيدي فأشالها وقال: اللهم اخلف جعفراً في أهله وبارك لعد الله في صفقة يمينه، ثلاثاً، ثم جاءت أمنا أسماء، فذكرت يتمنا، فقال: العيلة تخافين عليهم، وأنا وليهم في الدنيا والآخرة معبد بن العباس بن عبد المطلب أبو العباس الهاشمي. قتل شلباً بالمغرب في وقعة إفريقية. ع معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي حليف بني عبد شمس.)
35

(3/356)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 357
قديم الإسلام، له هجرة إلى الحبشة، شهد خيبر وما بعدها، وقيل: شهد بدراً. انفرد به ابن منده، وكان على خاتم النبي صلى الله عليه وسلم: واستعمله أبو بكر، وعمر على بيت المال وسيأتي في سنة أربعين. منقذ بن عمرو الأنصاري أحد بني مازن بن النجار، كان قد أصابته آمة في رأسه فكسرت لسانه ونازعت عقله. وهو الذي كان يغبن في البيوع فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إذا بعت فقل لا خلابة.
35

(3/357)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 358
د نعيم بن مسعود أبو سلمة الغطفاني الأشجعي، أسلم زمن الخندق، وهو الذي خذل بين الأحزاب وبين بني قريظة، وكان يسكن المدينة. وله عقب. روى عنه ابنه سلمة. أبو خزيمة بن أوس بن زيد أحد بني النجار، شهد بدراً والمشاهد، وهو الذي وجد زيد بن ثابت معه الآيتين من آخر سورة براءة. توفي زمن عثمان. أبو ذؤيب الهذلي خويلد بن خالد الشاعر المشهور، أدرك
35

(3/358)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 359
الجاهلية وأسلم في خلافة الصديق، وكان أشعر هذيل، وكانت هذيل أشعر العرب. ومن شعره:
(وإذا المنية أنشبت أظفارها .......... الفيت كل تميمة لا تنفع)

(وتجلدي للشامتين أريهم .......... أني لريب الدهر لا أتضعضع)
توفي غازياً بإفريقية في خلافة عثمان وقد شهد سقيفة بني ساعدة وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم. أبو رهم سبرة بن أبي بن عبد العزى القرشي العامري. ذكره ابن سعد وحده. أبو زيد الطائي الشاعر، اسمه حرملة بن المنذر النصراني.
36

(3/359)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 360
أنشد عثمان قصيدة في الأسد بديعة فقال له: تفتأ تذكر الأسد ما حييت إني لأحسبك جباناً، وكان أبو زبيد يجالس الوليد بن عقبة. أبو سبرة بن أبي رهم ببن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود القرشي العامري، قديم الإسلام، يقال إنه هاجر إلى الحبشة. وقد شهد بدراً والمشاهد بعدها. قديم الإسلام، يقال إنه هاجر إلى) الحبشة. وقد شهد بدراً والمشاهد بعدها. وهو أخو أبي سلمة بن عبد الأسد، وأمهما برة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم. آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبي سبرة وبين سلمة بن وقش. قال الزبير بن بكار: ولا نعلم أحداً من أهل بدر رجع إلى مكة فنزلها، غير أبي سبرة فإنه سكنها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وولده ينكرون ذلك. وتوفي في خلافة عثمان.
36

(3/360)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 361
خ م د ق أبو لبابة بن عبد المنذر بن زبير بم زيد بن أمية الانصاري، اسمه بشير، وقيل رفاعة. رده النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر من الروحاء، فاستعمله على المدينة وضرب له بسهمه وأجره. وكان من سادة الصحابة. توفي في خلافة عثمان، وقيل في خلافة علي، وقيل في خلافة معاوية، وهو أحد النقباء ليلة العقبة. روى عنه ابناه السائب، وعبد الرحمن، وعبد الله بن عمر، وسالم بن عبد الله، ونافع مولى ابن عمر، وعبيد الله بن أبي زيد، وعبد الله بن كعب ابن مالك، وسلمان الأغر، ورواية بعض هؤلاء عنه مرسلة لعدم إدراكهم إياه.
36

(3/361)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 362
أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة. تقدم في سنة إحدى وعشرين، وتوفي في خلافة عثمان، إسمه خالد، وقيل شيبة، وقيل هشيم، وقيل مهشم، وهو أخو أبي حذيفة. كان صالحاً زاهداً، وهو أخو مصعب بن عمير لأمه، أسلم يوم الفتح وذهبت عينه يوم اليرموك.
36

(3/362)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 363
(أحداث سنة إحدى وثلاثين)
ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين قال أبو عبيد الله الحاكم: أجمع مشايخنا على أن نيسابور فتحت صلحاً، وكان فتحها في سنة إحدى وثلاثين. ثم روى بإسناده إلى مصعب بن
36

(3/363)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 364
أبي الزهراء أن كنارى صاحب نيسابور كتب إلى سعيد بن العاص والي الكوفة، وإلى عبد الله بن عامر والي البصرة، يدعوهما إلى خراسان ويخبرهما أن مرو قد قتل أهلها يزدجرد. فندب سعيد بن العاص الحسن بن علي وعبد الله بن الزبير لها، فأتى ابن عامر دهقان فقال: ما تجعل لي إن سبقت بك قال: لك خراجك وخراج أهل بيتك إلى يوم القيامة، فأخذ به على قومس، وأسرع إلى أن نزل على نيسابور، فقاتل أهلها سبعة أشهر ثم فتحها، فاستعمله عثمان عليها أيضاً، وكان ابن خالة عثمان. ويقال: تفل النبي صلى الله عليه وسلم في فيه وهو صغير. وفيها قال خليفة: أحرم عبد الله بن عامر من نيسابور، واستخلف قيس بن الهيثم وغيره على خراسان، وقيل إن ذلك كان في السنة الماضية. وفيها غزوة الأساود، فغزا عبد الله بن سعد بن أبي سرح من مصر في البحر، وسار فيه إلى ناحية مصيصة.
36

(3/364)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 365
2 (الوفيات)
وفيها توفي الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي أبو مروان، وكان له من الولد عشرون ذكراً وثمان بنات، أسلم يوم الفتح وقدم المدينة فكان فيما قيل يفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم فطرده وسبه
36

(3/365)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 366
وأرسله إلى بطن وج فلم يزل طريداً إلى أن ولي عثمان، فأدخله المدينة ووصل رحمه وأعطاه مائة ألف درهم، لأنه كان عم عثمان بن عفان، وقيل إنما نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف لأنه كان يحكيه في مشيته وبعض حركاته. وقد رويت أحاديث منكرة في لعنه لا يجوز الأحتجاج بها، وليس له في الجملة خصوص الصحبة بل عمومها. قال حماد بن سلمة، وجرير، عن عطاء بن السائب، عن أبي يحيى النخعي قال: كنت بين مروان، والحسن، والحسين، والحسين يساب مروان، فقال مروان: إنكم أهل بيت ملعونون، فغضب الحسن وقال: والله لقد لعن الله أباك على لسان نبيه وأنت في صلبه. أبو يحيى مجهول. وقال العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في المنام كأن بني الحكم ينزون على منبره، فأصبح كالمتغيظ وقال: مالي أريت بني الحكم ينزون على منبري نزو القردة. وقال معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن حنش بن قيس، عن عطاء، عن ابن عمر قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فدخل علي يقود الحكم بأذنه فلعنه نبي الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً. قال الدارقطني: تفرد معتمر.
36

(3/366)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 367
وقال جعفر بن سليمان الضبعي: ثنا سعيد أخو حماد بن زيد، عن علي ابن الحكم، عن أبي الحسن الجزري، عن عمرو بن مرة وله صحبة قال: استأذن الحكم بن أبي العاص على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ائذنوا له لعنه الله وكل من خرج من صلبه إلا المؤمنين. إسناده فيه من يجهل. وعن عبد الله بن عمرو قال: كان الحكم يجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وينقل حديثه إلى قريش، فلعنه رسول الله ومن يخرج من صلبه إلى يوم القيامة. تفرد به سليمان بن) قرم، وهو ضعيف. وقال أحمد في مسنده: ثنا ابن نمير، ثنا عثمان بن حكيم، عن أبي أمامة بن سهل، عن عبد الله بن عمرو قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ليدخلن عليكم رجل لعين، فما زلت أتشوف حتى دخل فلان يعني الحكم.
36

(3/367)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 368
وقال الشعبي: سمعت ابن الزبير يقول: ورب هذا البيت إن الحكم ابن أبي العاص وولده ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم. إسناده صحيح. وعن إسحاق بن يحيى، عن عمته عائشة بنت طلحة، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرته فسمع حساً فاستنكره، فذهبوا فنظروا فإذا الحكم يطلع على النبي صلى الله عليه وسلم فلعنه وما في صلبه ونفاه. رواه محمد بن عثمان بن أبي شيبة، عن عبادة بن زياد أن مدرك بن سليمان الطائي حدثه عن إسحاق فذكره. وقال أبو سلمة التبوذكي: ثنا عبد الواحد بن زياد، ثنا عثمان بن حكيم، ثنا شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يدخل عليكم رجل لعين، قال: وكنت تركت أبي يلبس ثيابه، فأشفقت، فدخل الحكم بن أبي العاص. أبو سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي، واسمه صخر. أحد دهاة العرب، وشيخ قريش، وقائدهم نوبة الأحزاب، ثم أسلم يوم الفتح
36

(3/368)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 369
وشهد حنيناً. وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم من الغنائم مائة من الإبل وأربعين أوقية وقد فقئت عينه يوم الطائف، ثم شهد اليرموك، فكان يذكر يومئذ ويحض على القتال.
37

(3/369)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 370
روى عنه ابن عباس، وقيس بن أبي حازم. وقيل: فقئت عينه الأخرى يوم اليرموك في سبيل الله، وكان مقدم جيش الجاهلية يوم أحد. وكان أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر سنين، وكان يتجر إلى الشام وغيرها. وكان يوم اليرموك تحت راية ابنه يزيد بن أبي سفيان، فكان يقاتل ويقول: يا نصر الله اقترب. وكان يقف على الكراديس يقص ويقول: الله الله إنكم دارة العرب أنصار الإسلام، وهؤلاء دارة الروم وأنصار المشركين، اللهم هذا يوم من أيامك اللهم أنزل نصرك على عبادك. وتوفي سنة إحدى وثلاثين، وقيل سنة اثنتين، وقيل سنة ثلاث، وقيل سنة أربع وثلاثين وله نحو تسعين سنة.) ويقال: توفي فيها: المقداد، والعباس، وابن عوف، وعامر بن ربيعة، وسيأتون بعدها. يزدجرد بن شهريار بن برويز المجوسي كسرى زمانه، انهزم من المسلمين في دار مكة إلى مرو، وقيل: بل بيته الترك وقتلوا خواصه، فهرب والتجأ إلى بيت رجل فقتله غدراً ثم قتل به. والله أعلم.
37

(3/370)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 371
(أحداث سنة اثنتين وثلاثين)
فيها كانت وقعة المضيق بالقرب من قسطنطينية، وأميرها معاوية.
2 (الوفيات)
وتوفي فيها أبي بن كعب، قاله خليفة وحده. وأوس بن الصامت أخو عبادة، وقد تقدما. سنان بن أبي سنان بن محصن الأسدي حليف بني عبد شمس. وكان أسن من عمه عكاشة، هاجر هو وأبوه وشهد بدراً. توفي أبوه والنبي صلى الله عليه وسلم يحاصر بني قريظة، وكان سنان من سادة الصحابة. قال الواقدي: هو أول من باع تحت الشجرة. الطفيل بن الحارث بن المطلب فيها في قول، وقد ذكر.
37

(3/371)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 372
وأخوه الحصين توفي بعده بأربعة أشهر، وقد شهد بدراً. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد لم يفارقونا في جاهلية ولا في إسلام.
37

(3/372)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 373
العباس بن عبد المطلب بن هاشم أبو الفضل عم النبي صلى الله عليه وسلم، ولد قبل النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين أو ثلاث، وحضر بدراً فأسره المسلمون، ثم أسلم بعد أن فدى نفسه وقدم مكة، له أحاديث.
37

(3/373)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 374
روى عنه ابناه: عبد الله وعبيد الله، والأحنف بن قيس، وعامر بن سعد، ومالك بن أوس بن الحدثان، ونافع بن جبير بن مطعم، وأم كلثوم بنته، وعبد الله بن الحارث بن نوفل، وله فضائل ومناقب رضي الله عنه. قال الكلبي: كان العباس شريفاً مهيباً عاقلاً. وقال غيره: كان أبيض بضاً جميلاً طويلاً فخماً مهيباً، له ضفيرتان، عاش ثمانياً وثمانين سنة، وصلى عليه عثمان، ودفن بالبقيع، وعلى ضريحه قبة عظيمة.)
37

(3/374)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 375
وقال خليفة وحده: توفي سنة أربع وثلاثين. وقال الزبير بن بكار: كان للعباس ثوب لعاري بن هاشم وجفنة لجائعهم، وكان يمنع الجار، ويبذل المال، ويعطي في النوائب، وكان نديم أبي سفيان بن حرب في الجاهلية. وعن سهل بن سعد قال: لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من بدر استأذنه العباس أن يرجع إلى مكة حتى يهاجر منها، فقال: اطمئن يا عم فإنك خاتم المهاجرين كما أنا خاتم النبيين. رواه أبو يعلى والهيثم بن كليب في مسنديهما. وروى يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث، عن المطلب بن ربيعة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عم الرجل صنو أبيه ومن آذى العباس فقد آذاني وصحح الترمذي من حديث يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث هذا الحديث إلى آخره. وقال محمد بن طلحة التميمي وهو ثقة عن أبي سهيل بن مالك، عن سعيد بن المسيب، عن سعد قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل العباس فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا العباس عم نبيكم أجود قريش كفاً وأوصلها. أخرجه النسائي. وروى عبد الأعلى الثعلبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن
37

(3/375)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 376
العباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: العباس مني وأنا منه. وقال ثور بن يزيد، عن مكحول، عن كريب عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل على العباس وولده كساء ثم قال: اللهم اغفر للعباس وولده مغفرة ظاهرة وباطنة لا تغادر ذنباً، اللهم اخلفه في ولده. تفرد به عبد الوهاب بن عطاء، عن ثور. حسنه الترمذي. وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن
37

(3/376)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 377
هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجل أحداً ما يجل العباس، أو يكرم العباس. وقال أنس: قحط الناس، فاستسقى عمر بالعباس وقال: اللهم إنا كنا إذا قحطنا نتوسل إليك بنبيك فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقينا. قال: فسفوا. وقال أبو معشر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، وعن غيره، أن عمر فرض لمن شهد بدراً خمسة آلاف خمسة آلاف، وفرض للعباس اثني عشر ألفاً. وروى ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن الثقة قال: كان العباس إذا مر بعمر أو بعثمان وهما راكبان نزلا حتى يجاوزهما إجلالاً لعم رسول الله صلى الله عليه وسلم.)
37

(3/377)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 378
وقال عمرو بن مرة، عن أبي صالح السمان، عن صهيب مولى العباس قال: رأيت علياً يقبل يد العباس ورجله ويقول: يا عم ارض عني. وقال ثور بن يزيد، عن مكحول، عن سعيد بن المسيب، أنه قال: العباس خير هذه الأمة وراث النبي صلى الله عليه وسلم وعمه. إسناده صحيح. وقال الضحاك بن عثمان الحزامي: كان يكون للعباس الحاجة إلى غلمانه وهم بالغابة، فيقف على سلع في آخر الليل فيناديهم فيسمعهم، والغابة على نحو من تسعة أميال. وقال علي بن عبد الله بن عباس: أعتق العباس عند موته سبعين مملوكاً. وقال المدائني: إنه توفي سنة ثلاث وثلاثين.
37

(3/378)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 379
عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب أبو عبد الرحمن الهذلي حليف بني زهرة. وأمه أم
38

(3/379)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 380
عبد هذيلة أيضاً. كان من السابقين الأولين، شهد بدراً والمشاهد كلها، وكان له أصحاب سادة، منهم علقمة، والأسود، ومسروق، وعبيد السلماني، وأبو الأحوص، وزيد بن وهب، وخلق سواهم، وكان صاحب نعل النبي صلى الله عليه وسلم، فكان إذا خلعها حملها أو شالها. وكان يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم ويخدمه ويلزمه. وتلقن من رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة. قال ابن سيرين: قال عبد الله بن مسعود: لو أعلم أحداً أحدث بالعرضة الأخيرة مني تناله الإبل لرحلت إليه.
38

(3/380)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 381
وقال عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي وسئل عن عبد الله فقال: علم القرآن والسنة ثم انتهى. وعن ابن مسعود قال: كناني النبي صلى الله عليه وسلم أبا عبد الرحمن قبل أن يولد لي. وعن المسيب قال: رأيت ابن مسعود عظيم البطن أحمش الساقين. وقال قيس بن أبي حازم: رأيته آدم خفيف اللحم. وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: كان نحيفاً قصيراً، شديد الأدمة وكان لا يخضب. وعن غيره قال: كان ابن مسعود لطيف القد، وكان من أجود الناس ثوباً، أبيض، وأطيب الناس ريحاً.) وقال ابن إسحاق: أسلم ابن مسعود بعد اثنتين وعشرين نفساً. وقال أبو الأحوص: سمعت أبا مسعود البدري وأبا موسى حين مات ابن مسعود، وأحدهما يقول لصاحبه: أتراه ترك بعده مثله قال: لئن قلت ذاك لقد كان يؤذن له إذا حججنا ويشهد إذا غبنا. وقال أبو موسى: مكثت حيناً وما أحسب ابن مسعود وأمه إلا من أهل
38

(3/381)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 382
بيت النبي صلى الله عليه وسلم من كثرة دخولهم وخروجهم عليه. وقالالقاسم بن عبد الرحمن: كان عبد الله بن مسعود يلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم نعليه ويمشي أمامه بالعصى، حتى إذا أتى مجلسه نزع نعليه، فأخذهما عبد الله وأعطاه العصا، وكان يدخل الحجرة أمامه بالعصى. وعن عبيد الله بن عبد الله قال: كان عبد الله صاحب سواد رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني سره، وصاحب وساده يعني فراشه، وصاحب سواكه ونعليه وطهوره، وهذا يكون في السفر. وعن عبد الله قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط فبشرني بالجنة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل فليقرأه قراءة ابن أم عبد. قال ابن مسعود: ثم قعدت أدعو فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سل تعطه، فكان فيما قلت: اللهم إني أسألك إيماناً لا يرتد، ونعيماً لا ينفذ، ومرافقة نبيك محمد في أعلى جنان الخلد.
38

(3/382)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 383
وقال أبو إسحاق السبيعي، عن الحارث، عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كنت مؤمراً أحد عن غير مشورة لأمرت عليهم ابن أم عبيد. رواه أحمد في مسنده والترمذي. وعن علي قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن مسعود فصعد شجرة فنظر الصحابة إلى ساقي عبد الله، فضحكوا من حموشة ساقيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تضحكون لهما في الميزان يوم القيامة أثقل من أحد. رواه مغيرة، عن أم موسى، عن علي. وقال عبد الملك بن عمير، عن مولى لربعي، عن ربعي، عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى) الله عليه وسلم: اقتدوا بالذين من بعدي: أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدى عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد. حسنه الترمذي.
38

(3/383)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 384
لكن لفظه: وما حدثكم ابن مسعود فصدقوه. وقال منصور، عن القاسم بن عبد الرحمن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد. وروى نحوه من طرق أخر. وقال علقمة: كان ابن مسعود يشبه النبي صلى الله عليه وسلم في هديه وله وسمته. وقال أبو إسحاق السبيعي: سمعت عبد الرحمن بن يزيد يقول: قلنا لحذيفة: أخبرنا برجل قريب السمت والدل برسول الله حتى نلزمه، قال: ما أعلم أحداً أقرب سمتاً ولا هدياً ولا دلاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يواريه جدار بيته من ابن أم عبد، ولقد علم المحفوظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن ابن أم عبد من أقربهم إلى الله زلفة.
38

(3/384)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 385
وقال أبو إسحاق، عن حارثة بن مضرب قال: كتب عمر إلى أهل الكوفة: إنني قد بعثت إليكم عمار بن ياسر أميراً، وابن مسعود معلماً ووزيراً، وهما من النجباء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل بدر، فاسمعوا لهما، واقتدوا بهما، فقد آثرتكم بعبد الله على نفسي. وقال عبد الله بن عمرو: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: استقرئوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى حذيفة. وقال مسروق، عن عبد الله قال: ما من آية إلا أعلم فيم أنزلت، ولو أعلم أحداً أعلم بكتاب الله مني تبلغنيه الإبل لأتيته.
38

(3/385)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 386
وقال الزهري: أخبرني عبيد الله بن عبد الله، أن ابن مسعود كره لزيد نسخ المصاحف وقال: يا معشر المسلمين أعزل عن نسخ المصاحف ويتولاها رجل غيري، والله لقد أسلمت وإنه لفي صلب أبيه، يا أهل الكوفة: اكتموا المصاحف التي عندكم وغلوها. قلت: قال ذلك لما جعل عثمان زيد بن ثابت على كتابة المصاحف، وتطلب سائر مصاحف الصحابة ليغسلها أو يحرقها، ففعل ذلك ليجمع الأمة على مصحف واحد. قال أبو وائل: خطب ابن مسعود وقال: غلوا مصاحفكم، كيف يأمروني أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت، وقد قرأت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم
38

(3/386)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 387
بضعاً وسبعين سورة، وإن) زيداً ليأتي مع الغلمان له ذؤابتان. وقال أبو وائل: إني لجالس مع عمر، إذ جاء ابن مسعود، فكاد الجلوس يوازونه من قصره يعني وهو قائم فضحك عمر حين رآه، وجعل يكلم عمر ويضاحكه وهو قائم عليه، ثم ولى فأتبعه عمر بصرة حتى توارى فقال: كنيف مليء علماً. وقال الأعمش، عن أبي عمرو الشيباني، عن أبي موسر أنه قال: لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الحبر بين أظهركم، يعني ابن مسعود.
38

(3/387)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 388
وقال أبو إسحاق، عن أبي عبيدة بن عبد الله: سمعت أبا موسى يقول: مجلس كنت أجالسه ابن مسعود أوثق في نفسي من عمل سنة. وقال الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن حريث بن ظهير قال: جاء نعي عبد الله إلى أبي الدرداء فقال: ما ترك بعده مثله. وقال مسروق: إنتهى علم الصحابة إلى علي وابن مسعود. وقال زيد بن وهب: رأيت بعيني عبد الله أثرين أسودين من البكاء. وعن ابن مسعود قال: حبذا المكروهان الموت والفقر، وايم الله ما هو إلا الغنى والفق، وما أبالي بأيهما ابتدئت. وقال سيف بن عمر، عن عطية، عن أبي سيف قال: اتخذ ابن مسعود ضيعة برذان، ومات عن تسعين ألف مثقال، سوى رقيق وعروض وماشية.
38

(3/388)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 389
وقال عامر بن عبد الله بن الزبير إن ابن مسعود أوصى إلى الزبير بن العوام. وقال قيس بن أبي حازم: دخل الزبير على عثمان بعد وفاة ابن مسعود فقال: أعطني عطاء عبد الله فعيال عبد الله أحق به من بيت المال، فأعطاه خمسة عشر ألفاً. همام، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبيه، عن ابن مسعود، في الرجل يزني بالمرأة ثم يتزوجها قال: هما زانيان ما اجتمعا، قال قتادة: فقلت لسالم: أي رجل كان أبوك قال: كان قارئاً لكتاب الله. الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن أبي الأحوص: سمعت أبا مسعود الأنصاري يقول: والله ما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم ترك أحداً أعلم بكتاب الله من هذا، يريد عبد الله بن مسعود. الطيالسي: ثنا شعبة، عن سلمة بن كهيل، حدثني حبة العرني قال: كتب عمر: يا أهل الكوفة) أنتم رأس العرب وجمجمتها، وسهمي الذي أرمي به، قد بعثت إليكم بعبد الله وخرت لكم وآثرتكم به على نفسي. توفي عبد الله بالمدينة، وكان قدمها فمرض أياماً بالبقيع، وله ثلاث وستون سنة.
39

(3/389)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 390
عبد الرحمن بن عوف بن عد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب، أبو محمد القرشي
39

(3/390)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 391
الزهري، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد الستة أصحاب الشورى. روى عنه بنوه إبراهيم، وحميد، وعمرو، ومصعب، وأبو سلمة، ومالك بن أوس بن الحدثان، وأنس بن مالك، ومحمد بن جبير بن مطعم، وغيلان بن شرحبيل، وآخرون. وكان اسمه في الجاهلية عبد عمرو، وقيل عبد الكعبة. وكان على ميمنة عمر في قدمته إلى الجابية، وعلى ميسرته في نوبة سرغ. مولده بعد الفيل بعشر سنين. وقد أسقط البخاري وغيره عبداً من نسبه. وقال الهيثم بن كليب وغيره: عبد الحارث في عبد بن الحارث. وعن عبد الرحمن قال: كان اسمي عبد عمرو، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن. وعن سهلة بنت عاصم قالت: كان عبد الرحمن أبيض، أعين، أهدب الأشفار، أقنى، طويل النابين الأعليين، ربما أدمى نابه شفته. له جمة أسفل أذنيه، أعنق، ضخم الكفين.
39

(3/391)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 392
وقال ابن إسحاق: كان عبد الرحمن ساقط الثنيتين، أهتم أعسر، أعرج، كان قد أصيب يوم أحد فهتم، وجرح عشرين جراحة، بعضها في رجله فعرج. وعن يعقوب بن عتبة قال: كان طوالاً، حسن الوجه، رقيق البشرة، فيه جناً أبيض بحمرة، لا يغير شيبه. وقال صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: كنا نسير مع عثمان، فرأى أبي فقال عثمان: ما بستطيع أحد أن يعتد على هذا الشيخ، فضلاً في الهجرتين جميعاً. وعن أنس قال: قدم عبد الرحمن المدينة فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الخزرجي، فقال: إن لي زوجتين، فانظر أيهما شئت حتى أطلقها لتتزوجها وأشاطرك نصف مالي، فقال: بارك الله لك في أهلك ومالك، ولكن دلوني على السوق، فذهب ورجع وقد حصل شيئاً.) وقد روى أحمد في مسنده من حديث أنس، أن عبد الرحمن أثرى وكثر ماله حتى قدمت له مرة سبعمائة راحلة تحمل البر والدقيق، فلما قدمت سمع أهل المدينة رجة، فبلغ ذلك عائشة فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عبد الرحمن بن عوف لا يدخل الجنة إلا حبواً. فلما بلغه قال: يا أمه أشهدك أنها بأحمالها وأحلاسها في سبيل الله.
39

(3/392)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 393
قلت: كان ناجراً سعيداً فتح عليه في التجارة وتمول، حتى إنه باع مرة أرضاً بأرعين ألف دينار فتصدق بها، وحمل على خمسمائة فرس في سبيل الله، ثم على خمسمائة راحلة. وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم غاب مرة فقدموا عبد الرحمن يصلي بالناس، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالناس، فأراد أن يتأخر، فأومأ إليه أن اثبت مكانك. فصلى وثلى رسول الله خلفه. وهذه منقبة عظيمة. وقال محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبيه قال: رأيت الجنة، وأني دخلتها حبواً، ورأيت أنه لا يدخلها إلا الفقراء. وعن عبد الله بن أبي أوفى قال: شكا عبد الرحمن خالداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا خالد لا تؤذ رجلاً من أهل بدر، فلو أنفقت مثل أحد ذهباً لم تدرك عمله.
39

(3/393)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 394
وقال محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خياركم خياركم لنسائي، قال: فأوصى عبد الرحمن لهن بحديقة قومت بأربعمائة ألف. وقال عبد الله بن جعفر: حدثنتني أم بكر ببنت المسور، أن عبد الرحمن بن عوف باع أرضاً له من عثمان بأربعين ألف دينار، فقسمها في فقراء بني زهرة، وفي المهاجرين، وأمهات المؤمنين، فقالت عائشة: سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة، زاد يحيى الحماني فيه: لن يحنو عليكن بعدي إلا الصالحون. وقال ابن إسحاق، عن محمد بن عبد الرحمن بن حصين، عن عوف بن الحارث، عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه: إن الذي يحنو عليكن بعدي لهو الصادق البار، اللهم اسق ابن عوف من سلسبيل الجنة. وعن نيار الأسلمي قال: كان عبد الرحمن ممن يفتي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال يزيد بن هارون: ثنا المعلى الجزري، عن ميمون بن مهران،
39

(3/394)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 395
عن ابن عمر، أن عبد الرحمن قال لأصحاب الشورى: هل لكم أن أختار لكم وأنفصل منها قال علي: أنا أول من) رضي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنك أمين في أهل السماء والأرض. وقال لهيعة، عن يحيى بن سعيد، عن أبي عبيد بن أزهر، عن أبيه أن عثمان اشتكى رعافاً، فدعا حمران فقال: اكتب لعبد الرحمن العهد من بعدي، فكتب له، فانطلق حمران إلى عبد الرحمن فقال: لك البشرى، إن عثمان كتب لك العهد من بعده، فقام بين القبر والمنبر فقال: اللهم إن كان من تولية عثمان إياي هذا الأمر فأمتني قبل عثمان، فلم يعش إلا ستة أشهر. وعن سعد بن الحسن قال: كان عبد الرحمن بن عوف لا يعرف من بين عبيده. وعن الزهري قال: أوصى عبد الرحمن بن عوف لمن شهد بدراً، فوجدوا مائة، لكل رجل أربعمائة دينار، وأوصى بألف فرس في سبيل الله.
39

(3/395)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 396
وقال إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: سمعت علياً يقول يوم مات أبي: إذهب يابن عوف فقد أدركت وسبقت رنقها. وقال محمد بن سيرين: اقتسم نساء ابن عوف ثمنهن فكان ثلاثمائة وعشرين ألفاً. توفي سنة اثنتين وثلاثين، وله خمس وسبعون سنة، ودفن في البيع رضي الله عنه.
39

(3/396)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 397
كعب الأحبار أبو إسحاق بن ماتع الحميري اليماني الكتابي. أسلم في خلافة أبي بكر، أو أول خلافة عمر. وروى عن عمر، وصهيب، وعن كتب أهل الدين، وكان في الغالب يعرف حقها من باطلها لسعة علمه وكثرة اطلاعه. روى عنه ابن امرأته تبيع الحميري، وأسلم مولى عمر، وأبو سلام الأسود، وآخرون. ومن الصحابة أبو هريرة، وابن عباس، ومعاوية. وسكن الشام وغزا بها. وتوفي بحمص طالب غزاة.
39

(3/397)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 398
قال خالد بن معدان، عن كعب الأحبار: لأن أبكي من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بوزني ذهباً. أبو الدرداء واسمه عويمر بن عبد الله، وقيل ابن ثعلبة الأنصاري الخزرجي. وقيل عويمر بن قيس بن زيد، ويقال عامر بن مالك، حكيم هذه الأمة.
39

(3/398)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 399
له عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث.) روى عنه أنس، وأبو أمامة، وجبير بن نفير، وعلقمة، وزيد بن وهب، وقبيصة بن ذؤيب، وأهله أم الدرداء، وابنه بلال بن أبي الدرداء، وسعيد بن المسيب، وخالد بن معدان، وخلق سواهم. ولي قضاء دمشق. وداره بباب البريد وتعرف اليوم بدار الغزي. كذا قال ابن عساكر. وقيل: كان اقنى، أشهل، يخضب بالصفرة. وقال الأعمش، عن خيثمة، قال أبو الدرداء: كنت أتاجر قبل المبعث، فلما جاء الإسلام جمعت التجارة والعبادة، فلم يجتمعا، فتركت التجارة ولزمت العبادة. تأخر إسلام أبي الدرداء، فقال سعيد بن عبد العزيز إنه أسلم يوم بدر وشهد أحداً، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يرد من على الجبل يوم أحد،
40

(3/399)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 400
فردهم وحده، وكان يومئذ حسن البلاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم الفارس عويمر. وعنه صلى الله عليه وسلم قال: حكيم أمتي عويمر. وفي البخاري من حديث أنس قال: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ، وزيد بن ثابت، وأبو زيد الأنصاري. وقال الشعي: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة، فسمى الأربعة وأبي بن كعب، وسعد بن عبيد قال: وكان بقي على مجمع بن جارية سورة أو سورتان، حين توفي النبي صلى الله عليه وسلم. وكان ابن مسعود أخذ من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعاً وسبعين سورة، وتعلم بقية القرآن من مجمع، ولم يجمع أحد من خلفاء الصحابة القرآن غير عثمان. وعن أبي الزاهرية قال: كان أبو الدرداء من آخر الأنصار إسلاماً. وقال معوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير قال:
40

(3/400)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 401
قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله وعدني إسلام أبي الدرداء قال: فأسلم. وقال ابن إسحاق: كان الصحابة يقولون: أتبعنا للعلم والعمل أبو الدرداء. وقال أبو جحيفة السوائي: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فجاءه سلمان يعوده، فإذا أم الدرداء متبذلة، فقال: ما شأنك قالت: إن أخاك أبا الدرداء يقوم) الليل ويصوم النهار، وليس له في شيء من الدنيا حاجة، فجاء أبو الدرداء فرحب بسلمان وقرب إليه طعاماً، فقال سلمان: كل، قال: إني صائم، قال: أقسمت عليك لتفطرن، فأفطر، ثم بات سلمان عنده، فلما كان من الليل أراد أبو الدرداء أن يقوم، فمنعه سلمان وقال: إن لجسدك عليك حقاً، ولربك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، صم وأفطر وصل وأت أهلك وأعط كل ذي حق حقه، فلما كان وجه الصبح قال: قم الآن إن شئت، فقاما وتوضآ ثم ركعا ثم خرجا، فدنا أبو الدرداء ليخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي أمر سلمان، فقال له: يا أبا الدرداء إن لجسدك عليك حقاً مثل ما قال لك سلمان. وقال سالم بن أبي الجعد: قال أبو الدرداء: سلوني فوالله لئن فقدتموني لتفقدن رجلاً عظيماً.
40

(3/401)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 402
وقال زيد بن عميرة: لما احتضر معاذ قالوا: أوصنا، قال: التمسوا العلم عند أربعة: أبي الدرداء، وسلمان، وابن مسعود، وعبد الله بن سلام. وعن أبي ذر أنه قال: ما أظلت خضراء أعلم منك يا أبا الدرداء. قال أبو عمرو الداني: عرض على أبي الدرداء القرآن: عبد الله بن عامر، وخليد بن سعد القارئ، وراشد بن سعد، وخالد بن معدان. قلت: في عرض هؤلاء عليه نظر. قال الأعمش، عن إبراهيم، عن همام بن الحارث قال: كان أبو الدرداء يقرئ رجلاً أعجمياً فقرأ: طعام الأثيم طعام اليتيم، فقال أبو الدرداء: طعام الأثيم، فلم يقدر يقولها، فقال أبو الدرداء: طعام الفاجر فأقرأه طعام الفاجر.
40

(3/402)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 403
وقال خالد بن معدان: كان ابن عمر يقول: حدثونا عن العاقلين، فيقال: من العاقلان فيقول: معاذ، وأبو الدرداء. روى الأعمش. عن عمرو بن مرة، عن خيثمة قال: كان أبو الدرداء يصلح قدراً له، فوقعت على وجهها فجعلت تسبح، فقال: يا سلمان تعال إلى ما لم يسمع أبوك مثله قط، فجاء سلمان وسكن الصوت، فأخبره، فقال سلمان: لو لم تصح لرأيت أو لسمعت من آيات الله الكبرى. حديث صحيح. وقال مالك، عن يحيى بن سعيد قال: كان أبو الدرداء إذا قضى بين اثنين ثم أدبرا عنه نظر إليهما فقال: ارجعا إلي أعيدا علي قضيتكما.) وقال أبو وائل، عن أبي الدرداء قال: إني لآمركم بالأمر وما أفعله ولكن لعل الله أن يأجرني فيه. وقال ميمون بن مهران: قال أبو الدرداء: ويل للذي لا يعلم مرة، وويل للذي يعلم ولا يعمل سبع مرات. وقال عون بن عبد الله قلت لأم الدرداء: أي عبادة أبي الدرداء كانت أكثر قالت: التفكير والاعتبار. وعن أبي الدرداء أنه قيل له: كم تسبح في كل يوم، وكان لا يفتر من
40

(3/403)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 404
الذكر قال: مائة ألف، إلا أن تخطئ الأصابع. وقال معاوية بن قرة: قال أيو الدرداء: ثلاثة أحبهن ويكرههن الناس: الفقر والمرض والموت. وعنه قال: أحب الموت اشتياقاً لربي، وأحب الفقر تواضعاً لربي، وأحب المرض تكفيراً لخطيئتي. وقال عكرمة بن عمار، عن أبي قدامة محمد بن عبيد الحنفي، عن أم الدرداء قالت: كان لأبي الدرداء ستون وثلاثمائة خليل في الله يدعو لهم في الصلاة، قالت: فقلت له في ذلك، فقال: إنه ليس رجل يدعو لأخيه في الغيب إلا وكل الله به ملكين يقولان: ولك بمثل. أفلا أرغب أن تدعو لي الملائكة. قال الواقدي وأبو مسهر: مات أبو الدرداء سنة اثنتين وثلاثين.
40

(3/404)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 405
أبو ذر الغفاري اسمه جندب بن جنادة على الصحيح، وقيل: جندب بن سكن،
40

(3/405)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 406
وقيل: برير بن عبد الله، أو جنادة. أحد المسلمين الأولين، يقال، كان خامساً في الإسلام، ثم انصرف إلى بلاد قومه، وأقام بها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم هاجر أبو ذر إلى المدينة. وروى أنه كان آدم جسيماً، كث اللحية. قال أبو داود: لم يشهد أبو ذر بدراً، وإنما ألحقه عمر مع القراء. وكان يوازي ابن مسعود في العلم والفضل، وكان زاهداً أماراً بالمعروف، لا تأخذه في الله لومة لائم. وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من) أبي ذر. حسنه الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو. وعن علي رضي الله عنه، وسئل عن أبي ذر فقال: وعى علماً عجز الناس عنه، ثم أوكى عليه، فلم يخرج منه شيئاً. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم. وقال أبو غسان النهدي: ثنا مسعود بن سعد، عن الحسن بن
40

(3/406)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 407
عبيد الله، عن رياح بن الحارث، عن ثعلبة، أن علياً قال: لم يبق اليوم أحد لا يبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر ولا نفسي، ثم ضرب بيده على صدره. وقال بريدة بن سفيان، عن محمد بن كعب القرظي، عن ابن مسعود قال: لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، جعل لا يزال يتخلف الرجل، فيقولون: يا رسول الله تخلف فلان، فيقول: دعوه فإن يكن فيه خير فسيخلفه الله بكم حتى قيل: يا رسول الله تخلف أبو ذر، فقال: ماكان يقوله، فتلوم عليه بعيره، فلما أبطأ عليه أخذ أبو ذر متاعه فجعله على ظهره، ثم خرج يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشياً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن أبا ذر، فلما تأمله القوم قالوا: يا رسول الله هو والله أبو ذر، فقال: يرحم الله أبا ذر يمشي وحده، ويموت وحده، ويحشر وحده فضرب الدهر من ضربه، وسير أبو ذر إلى الربذة فمات بها. واتفق مرور عبد لله بن مسعود به من الكوفة فصلى عليه وشهده. ومناقب أبي ذر كثيرة. روى عنه أنس، وجبير بن نفير، وزيد بن وهب، وسعيد بن المسيب، وأبو سالم الجيشاني سفيان بن هانئ، والأحنف بن قيس، وعبد الرحمن بن غنم الأشعري، وأبو مراوح، وقيس بن عباد، وسويد بن
40

(3/407)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 408
غفلة، وأبو إدريس الخولاني، وعبد الله بن الصامت، والمعرور بن سويد وأبو عثمان النهدي، وخلق سواهم. وقد استوعب ابن عساكر في تاريخ دمشق أخباره وأحواله. قال حسين المعلم، عن ابن بريدة: كان أبو ذر رجلاً أسود، كث اللحية، كان موسى يكرمه ويقول: مرحباً بأخي. فيقول: لست بأخيك إنما كنت أخاك قبل أن تستعمل.) ومن أخبار أبي ذر أنه كان شجاعاً مقداماً. قال محمد بن سعد: أنا محمد بن عمر، ثنا ابن أبي سبرة، عن يحيى بن شبل، عن خفاف بن إيماء بن رحضة قال: كان أبو ذر رجلاً يصيب، وكان شجاعاً ينفرد وحده ويقطع الطريق ويغير على الصرم كأنه السبع، ثم إن الله قذف في قلبه الإسلام. ثنا فضيل بن مرزوق، حدثتني جبلة بنت مصفح، عن حاطب قال: قال أبو ذر ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً مما صبه جبريل وميكائيل في صدره إلا وقد صبه في صدري، ولا تركت شيئاً مما صبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدري إلا وقد صببته في صدر مالك بن ضمرة.
40

(3/408)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 409
أبو إسحاق السبيعي، عن هانئ بن هانئ، سمع علياً يقول: أبو ذر وعاء مليء علماً، ثم وكى عليه، فلم ييخرج منه شيء حتى قبض. أخرجه أبو داود. شريك، عن أبي ربيعة الإيادي، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت بحب أرببعة لأن الله يحبهم: علي، وأبي ذر وسلمان، والمقداد. أبو ربيعة هذا خرج له أبو داود وغيره، قال أبو حاتم: منكر الحديث. عبد الحميد بن بهرام: ثنا شهر، حدثتني أسماء أن أبا ذر كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا فرغ من خدمته أوى إلى المسجد، وكان هو بيته يضطجع فيه، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فوجده نائماً، فنكته برجله، فجلس فقال له: ألا أراك نائماً، قال: فأين أنام هل من بيت غيره فجلس إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كيف أنت إذا أخرجوك منه قال: الحق بالشام فإن الشام أرض الهجرة وأرض المحشر وأرض الأنبياء، فأكون رجلاً من أهلها قال: كيف أنت إذا أخرجوك منها قال: إذاً أرجع إلى المسجد فيكون بيتي ومنزلي، قال: فكيف أنت إذا أخرجوك منه الثانية قال: إذا آخذ سيفي فأقاتل عني حتى أموت، قال: فكشر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أدلك على خير من ذلك: تنقاد لهمحيث قادوك وتنساق لهم حيث
41

(3/409)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 410
ساقوك حتى تلقاني وأنت على ذلك. أخرجه الإمام أحمد. الأوزاعي، حدثني أبو كثير، عن أبيه قال: أتيت أبا ذر، وقد اجتمعوا عليه عند الجمرة الوسطى يستفتونه، فأتاه رجل فقال: ألم ينهك أمير المؤمنين عن الفتيا فرفع رأسه وقال: أرقيب أنت علي لو وضعتم الصمصامة على هذه م ظننت أني أنفذ كلمة سمعتها من رسول) الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تجيزوا علي لأنفذتها. رواه غير واحد عن الأوزاعي. واسم أبي كثير مرثد، صدوق. عن ثعلبة بن الحكم عن علي قال: لم يبق أحد لا يبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر ولا نفسي. ثم ضرب بيده على صدره. الجريري، عن أبي العلاء بن الشخير، عن الأحنف قال: رأيت أبا ذر قام بالمدينة على ملأ من قريش فقال: بشر الكنازين برضف يحمى عليه فوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفه، فما رأيت أحداً رد عليه شيئاً، فذكر الحديث وهو حديث صحيح.
41

(3/410)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 411
ابن لهيعة: ثنا أبو قبيل: سمعت مالك ببن عبد الله الزيادي يحدث عن أبي ذر أنه دخل على عثمان، فقال عثمان، يا كعب إن عبد الرحمن توفي وترك مالاً فما ترى قال: إن كان يعني زكى فلا بأس، فرفع أبو ذر عصاه فضرب كعباً وقال: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول: ما أحب أن لي هذا الجبل ذهباً أنفقه ويتقبل مني أذر خلقي منه ست أواق. أنشدك الله يا عثمان أسمعته مراراً قال: نعم. جعفر بن برقان، عن ثابت بن الحجاج، عن عبد الله بن سيدان قال: تناجى عثمان وأبو ذر حتى ارتفعت أصواتهما، ثم انصرف أبو ذر مبتسماً وقال: سامع مطيع ولو أمرني أن آتي عدن. وأمره أن يخرج إلى الربذة. الأعمش، عن ميمون بن مهران، عن عبد الله بن سيدان، عن أبي ذر قال: لو أمرتني أن أحبو لحبوت ما استطعت.
41

(3/411)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 412
أبو عمران الجوني، عن عبد الله بن الصامت قال: قال أبو ذر لعثمان: يا أمير المؤمنين افتح الباب لا تحسبني من قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، يعني الخوارج. العوام بن حوشب: حدثني رجل عن شيخ وامرأته من بني ثعلبة قالا: نزلنا بالربذة، فمر بنا شيخ أشعث فقالوا: هذا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستأذناه أن نغسل رأسه، فأذن لنا واستأنس بنا، فبينا نن كذلك إذ أتاه نفر من أهل العراق فقالوا: يا أبا ذر فعل بك هذا الرجل وفعل، فهل أنت ناصب لك راية، فقال: لا تذلوا السلطان فإنه من أذل السلطان فلا توبة له، والله لو أن عثمان صلبني على أطول خشبة لسمعت وصبرت ورأيت أن ذلك خير لي. حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، قالت أم ذر: والله ما سير عثمان أبا ذر تعني إلى) الربذة ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: إذا بلغ البناء سلعاً فاخرج منها. ابن شوذب، عن غالب القطان قال: يا أبا سعيد أعثمان أخرج أبا ذر قال: معاذ الله. أبو سعيد هو الحسن. أبو هلال، عن قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن، أن أبا ذر كان عطاؤه أربعة آلاف، فإذا أخذه دعا خادمه فسأله ما يكفيه للسنة فاشتراه، ثم اشترى فلوساً بما بقي، وقال: إنه ليس من وعاء ذهب ولا فضة يوكأ عليه إلا
41

(3/412)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 413
وهو يتلظى على صاحبه. الأوزاعي، عن يحيى قال: كان لأبي ذر ثلاثون فرساً يحمل عليها، فكان يحمل على خمسة عشر منها يغزو عليها ويريح بقيتها، فإذا رجعت حمل على الخمسة عشر الأخرى. ثابت البناني قال: بنى أبو الدرداء مسكناً فمر عليه أبو ذر فقال: ما هذا تعمر داراً أمر الله بخرابها. حسين المعلم، عن ابن بريدة قال: كان أبو موسى يكرم أبا ذر، وكان أبو موسى خفيف اللحم، قصيراً، وكان أبو ذر رجلاً أسود، كث الشعر، فكان أبو موسى، يقول: مرحباً بأخي، فيقول: لست بأخيك، إنما كنت أخاك قبل أن تستعمل. قيل: لم يعش بعده ابن مسعود إلا نحو عشرة أيام. وقال الجريري: ثنا أبو العلاء بن عبد الله، عن نعيم قعنب قال: أتيت أبا ذر فجاءت امرأته بثريدة، فقال: كل فإني صائم، ثم قام يصلي، ثم انفتل فأكل، فقلت: إنا لله ما كنت أخاف أن تكذبني قال: ما كذبت، إني صمت من هذا الشهر ثلاثة أيام، فكتب لي أجره وحل لي الطعام.
41

(3/413)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 414
41

(3/414)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 415
(أحداث سنة ثلاث وثلاثين)
فيها كانت غزوة قبرس. قال ابن إسحاق وغيره. وغزوة إفريقية، وأمير الناس عبد الله بن سعد بن أبي سرح، قاله الليث. وفها قال خليفة: جمع قارن جمعاً عظيماً بباذغيس وهراة، وأقبل في أربعين ألفاً فتررك قيس بن الهيثم لابلاد وهرب، فقام بأمر المسلمين عبد الله بن خازم السلمي، وجمع أربعة آلاف مقاتل، والتقى هو وقارن، ونصره الله وقتل وسبى، وكتب إلى ابن عامر بالفتح، فاستعمله ابن عامر على خراسان، ثم وجه ان عامرر عبد الرحمن بن سمرة على سجستان، فصالحه صاحب زرنج وبقي بها حتى حوصر عثمان. قال خليفة: وفيها غزا معاوية ملطية وحصن المرة من أرض الروم.
41

(3/415)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 416
قال: وفيها غزا عبد الله بن أبي سرح الحبشة، فأصيبت فيها عين معاوية بن حديج.
41

(3/416)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 417
2 (الوفيات)
وفيها توفي عبد الله بن كعب الأنصاري المازني أحد البدريين، ورخه المدائني، وقد تقدم ذكره في سنة ثلاثين. وعبد الله بن مسعود في قول، وقد تقدم. المقدادبن الأسود الكندي البهراني. كان في حجر الأسود بن عبد يغوث الزهري،
41

(3/417)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 418
فيقال تبناه، وقيل: كان عبداً حبشياً له فتبناه، واسم أبيه عمرو بن ثعلبة بن مالك من ولد الحاف بن قضاعة وقيل: إنه أصاب دماً في كندة، فهرب إلى مكة، وحالف الأسود بن عبد يغوث. كان من السابقين الأولين، شهد بدراً، ولم يصح أنه كان في المسلمين فارس يومئذ غره، واختلفوا في الزبير. روى عنه: على ن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وابن عباس، وجبير بن نفير، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وهمام بن الحارث، وعبيد الله بن عدي بن الخيار، وآخرون. عاش سبعين سنة، وصلى عليه عثمان. وكان رجلاً آدم طوالاً، ذا بطن كبير، أشعر الرأس، أعين، مقرون الحاجبين. وكان يوم فتح مكة على ميمنة النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عون، عن عمير بن إسحاق، عن المقداد: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه) مبعثاً، فلما رجع قال: كيف وجدت الإمارة قلت: يا رسول الله ما ظننت إلا أن الناس كلي لي خول، والله لا ألي على عمل ما عشت.
41

(3/418)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 419
وقال ثابت البناني: كان عبد الرحمن والمقداد يتحدثان، فقال له ان عوف: مالك لا تزوج قال زوجني بنتك، قال: فأغلظ له وجبهه، فشكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف الغم في وجهه فقال: لكني أزوجك ولا فخر، فزوجه بابنة عمه ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب. وكان بها من الجمال والعقل التام مع قرابتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرني الله بحب أربعة: علي، وأبي ذر، وسلمان، والمقداد. رواه أحمد غي مسنده. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجنة تشتاق إلى أربعة فذكرهم. إسناده ضعيف. وعن كريمة بنت المقداد أن المقداد وصى للحسن والحسين لكل واحد منهما بثمانية عشر ألف درهم، وأوصى لأمهات المؤمنين لكل واحدة بسبعة آلاف درهم. وعن أبي فائد، أن المقداد بن عمرو شرب دهن الخروع فمات. ويل: إنه مات بالجرف على ثلاثة أميال من المدينة. ودفن بالبقيع.
42

(3/419)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 420
(أحداث سنة أربع وثلاثين)
فيها وثب أهل الكوفة على أميرهم سعيد بن العاص فأخرجوه، ورضوا بأبي موسى الأشعري، وكتبوا فيه إلى عثمان فولاه عليهم، ثم إنه بعد قليل رد إليهم الإمرة سعيد بن العاص فخرجوا ومنعوه. وفيها كانت غزوة ذات الصواري في البحر من ناحية الإسكندرية، وأميرها ابن أبي سرح.
42

(3/420)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 421
2 (الوفيات)
وفيها توفي إياس بن أبي البكير بن عبد يا ليل الكناني حليف بني عدي، كان من المهاجرين. شهد بدراً هو وإخوته خالد، وعاقل، وعامر، ولم يشهد بدراً إخوة أربعة سولهم، وقد شهد إياس فتح مصر. وفيها توفي أخوه عاقل بن البكير ويقال: ابن أبي البكير، كأنه كان يسمى باسمه. قال ابن سعد: كان اسم عاقل غافلاً فغيره النبي
42

(3/421)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 422
صلى الله عليه وسلم، وكان أبو معشر والواقدي يقولان: ابن أبي البكير، وكان موسى بن عقبة، وابن إسحاق، وابن الكلبي يقولون: ابن البكير. وعن يزيد بن رومان أن الإخوة الأربعة أسلموا في دار الأرقم. عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم أبو الوليد الأنصاري الخزرجي، أحد النقباء ليلة العقبة، شهد بدراً والمشاهد، وولي قضاء فلسطين، وسكن الشام.
42

(3/422)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 423
روى عنه أبو أمامة، وأنس بن مالك، وجبير بن نفير، وحطان بن عبد الله الرقاشي، وأبو الأشعث شراحيل الصنعاني، وأبو إدريس عائذ الله الخولاني، وخلق سواهم. وكان فيما بلغنا رجلاً طوالاً جسيماً جميلاً، توفي بالرملة، ويقال: توف ببت المقدس. وقال محمد بن كعب القرظي: جمع القرآن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم خمسة من الأنصار: معاذ، وأبي، وأبو أوب، وأبو الدرداء، وعبادة، فلما استخلف عمر، كتب يزيد بن أبي سفيان إليه: إن أهل الشام كثير، وقد احتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم، فقال: أعينوني بثلاثة، فخرج معاذ، وأبو الدرداء، وعبادة. وروى إسحاق بن قبيصة بن ذؤيب، عن أبيه، أن عبادة بن الصامت أنكر على معاوية شيئاً، فقال: لا أسكنك بأرض، ورحل إلى المدينة، فقال له عمر: ما أقدمك فأخبره بفعل معاوية، فقال له: ارحل إلى مكانك فقبح الله أرضاً لست فيها وأمثالك، فلا إمرة له عليك.) وقال عبادة: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، وأن نقوم بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم. وفي مسند أحمد من حديث إسماعيل بن عبيد بن رفاعة قال: كتب
42

(3/423)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 424
معاوية إلى عثمان: إن عبادة قد أفسد علي الشام وأهله، فإما أن يكف، وإما أن أخلي بينه وبين الشام، فكتب إليه أن رحل عبادة حتى ترده إلينا، قال: فدخل على عثمان فلم يفجأه إلا وهو معه في الدار، فالتفت إليه فقال: يا عبادة مالنا ولك فقام عبادة بين ظهري الناس فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيلي أموركم بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون، وينكرون عليكم ما تعرفون، فلا طاعة لمن عصى، ولا تضلوا بربكم. وقال الهثم بن عدي وحده: إن عبادة توفي سنة خمس وأربعين، ولا متابع له، وقال جماعة إنه توفي سنة أربع وثلاثين. كعب الأحبار توفي فيها، قاله شريح بن عبيد، وقد تقدم. مسطح بن أثاثة بن عباد ن المطلب بن عبد مناف المطلبي،
42

(3/424)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 425
المذكور في حديث الإفك، شهد بدراً والمشاهد بعدها، وكان فقيراً ينفق عليه أبو بكر الصديق. قال ابن سعد: كان قصيراً شئن الأصابع، غائر العينين، عاش ستاً وخمسين سنة. أبو سفيان بن حرب فيما قال المدائني، وقد تقدم. أبو طلحة الأنصاري واسمه زيد بن سهل بن الأسود، أحد بني مالك بن النجار، كان من النقباء ليلة العقببة، شهد بدراً والمشاهد بعدها.
42

(3/425)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 426
روى عنه ابن زوجته أنس بن مالك، وزيد بن خالد الجهني، وابنه عبد الله بن أبي طلحة، وابن عباس، وغيرهم. وسرد الصوم بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وغزا بحر الشام فمات فيه ف السفينة، وقيل: توفي بالمدينة، وصلى عليه عثمان. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صوت أبي طلحة في الجيش خير من مائة. وقال أنس: قتل أبو طلحة يوم حنين عشرين رجلاً وأخذ أسلابهم، وكان أكثر الأنصار مالاً. وقال علي بن زيد: سمعت أنساً يقول: كان أبو طلحة يجثو بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وينثر كنانته ويقول: وجهي لوجهك الوقاء، ونفسي لنفسك الفداء.) قال ابن سعد: كان آدم مربوعاً يغير شيبه. وعن أنس قال: كان أبو طلحة يأكل البرد وهو صائم وقول: ليس
42

(3/426)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 427
بطعام ولا شراب. إسناده صحيح. وقال علي بن زيد بن جدعان، عن أنس قال: قرأ أبو طلحة: انفروا خفافاً وثقالاً فقال: ما استمع الله عذر أحد، فخرج إلى الغزو وهو شيخ كبير. وصح عن أنس أنه غزا البحر فمات، فلم يجدوا جزيرة إلا بعد سبعة أيام، فدفنوه ولم يتغير. وقال أنس: إن النبي صلى الله عليه وسلم حلق رأسه وأعطى شق رأسه أبا طلحة. وقد أبلى أبو طلحة بلاءً عظيماً يوم أحد كما تقدم. قال الواقدي والمدائني وجماعة: توفي سنة أربع وثلاثين. وقال خليفة: سنة اثنتين وثلاثين.
42

(3/427)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 428
أبو عبس خ ت ن بن جبير بن عمرو الأنصاري الأوسي. إسمه على الأصح عبد الرحمن، وكان اسمه عبد العزى فغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من قتله كعب بن الأشرف اليهودي. شهد بدراً وغيرها. روى عنه ابنه زيد، وحفيده أبو عبس بن محمد، وعبابة بن رفاعة، وغيرهم. وتوفي بالمدينة، وصلى عليه عثمان. وفيها ولد زين العابدين علي بن الحسين.
42

(3/428)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 429
(أحداث سنة خمس وثلاثين)
فيها غزوة ذي خشب وأمير المسلمين عليها معاوية. وفيها حج بالناس وأقام الموسم عبد الله بن عباس.
2 (مقتل عثمان)

2 (رضي الله عنه)
وفيها مقتل عثمان رضي الله عنه: خرج المصريون وغيرهم على عثمان وصاروا إليه ليخلعوه من الخلافة. قال إسماعيل بن أبي خالد: لما نزل أهل مصر الجحفة، وأتوا يعاتبون عثمان صعد عثمان المنبر فقال: جزاكم الله يا أصحاب محمد عني شراً: أذعتم السيئة وكتمتم الحسنة، وأغريتم بي سفهاء الناس، أيكم يذهب إلى هؤلاء القوم فيسألهم ما نقموا وما يريدون قال ذلك ثلاثاً ولا يجيبه أحد. فقام علي فقال: أنا، فقال عثمان: أنت أقربهم رحماً، فأتاهم فرحبوا به، فقال: ما الذي نقمتم عليه قالوا: نقمنا أنه محا كتاب الله
43

(3/429)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 430
يعني كونه جمع الأمة على مصحف، وحمى الحمى، واستعمل أقرباءه، وأعطى مروان مائة ألف، وتناول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فرد عليهم عثمان: أما القرآن فمن عند الله، إنما نهيتكم عن الاختلاف فاقرءوا علي أي حرف شئتم، وأما الحمى فوالله ما حميته لإبلي ولا لغنمي، وإنما حميته لإبل الصدقة. وأما قولكم: إني أعطيت مروان مائة ألف. فهذا بيت مالهم فليستعملوا عليه من أحبوا، وأما قولكم: تناول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإنما أنا بشر أغضب وأرضى، فمن ادعى قبلي حقاً أو مظلمة فهأنذا، فإن شاء قوداً وإن شاء عفواً. فرضي الناس واصطلحوا ودخلوا المدينة. وقال محمد بن سعد: قالوا رحل من الكوفة إلى المدينة: الأشتر النخعي واسمه مالك بن الحارث، ويزيد بن مكفف، وثابت بن قيس، وكميل بن زياد، وزيد، وصعصعة ابنا صوحان، والحارث الأعور،
43

(3/430)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 431
وجندب بن زهير، وأصفر بن قيس، يسألون عثمان عزل سعيد بن العاص عنهم. فرحل سعد أيضاً إلى عثمان فوافقهم عنده، فأبى عثمان أن يعزله، فخرج الأشتر من ليلته في نفر، فسار عشراً إلى الكوفة واستولى عليها وصعد المنبر عليها فقال: هذا سعيد بن) العاص قد أتاكم يزعم أن السواد بستان لأغيلمة من قريش، والسواد مساقط رؤوسكم ومراكز رماحكم، فمن كان يرى الله عليه نزل العذيب، فجهز الأشتر إليه ألف فارس مع يزيد بن قيس الأرحبي، وعبد الله بن كنانة العبدي، فقال: سيروا وأزعجاه وألحقاه بصاحبه، فإن أبى فاضربا عنقه، فأتياه، فلما رأى منهما الجد رجع. وصعد الأشتر منبر الكوفة وقال: يا أهل الكوفة ما غضبت إلا لله ولكم، وقد وليت أبا موسى الأشعري صلاتكم، وحذيفة بن اليمان فيئكم، ثم نزل وقال: يا أبا موسى اصعد، فقال: ما كنت لأفعل، ولكن هلموا فبايعوا لأمير المؤمنين وجددوا البيعة في رقابكم، فأجابه الناس. وكتب إلى عثمان بما صنع، فأعجب عثمان، فقال عتبة بن الوعل شاعر الكوفة:
(تصدق علينا يا ابن عفان واحتسب .......... وأمر علينا الأشعري لياليا)
فقال عثمان: نعم وشهوراً وسنين إن عشت، وكان الذي صنع أهل الكوفة بسعيد أول وهن دخل على عثمان حين اجتريء عليه. وعن الزهري قال: ولي عثمان، فعمل ست سنين لا ينقم عليه الناس شيئاً، وإنه لأحب إليهم من عمر، لأن عمر كان شديداً عليهم، فلما وليهم
43

(3/431)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 432
عثمان لان ولهم ووصلهم، ثم إنه توانى في أمرهم، واستعمل أقرباءه وأهل بيته في الست الأواخر، وكتب لمروان بخمس مصر أو بخمس إفريقية، وآثر أقرباءه بالمال، وتأول في ذلك الصلة التي أمر الله بها. واتخذ الأموال، واستسلف من بيت المال، وقال: إن أبا بكر وعمر تركا من ذلك ما هو لهما، وإني أخذته فقسمته في أقربائي، فأنكر الناس عليه ذلك. قلت: ومما نقموا عليه أنه عزل عمير بن سعد عن حمص، وكان صالحاً زاهداً، وجمع الشام لمعاوية، ونزع عمرو بن العاص عن مصر، وأمر ابن أبي سرح عليها، ونزع أبا موسى الأشعري عن البصرة، وأمر عليها عبد الله ن عامر، ونزع المغيرة بن شعبة عن الكوفة وأمر عليها سعيد بن العاص. وقال القاسم بن الفضل: ثنا عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد قال: دعا عثمان ناساً من الصحابة فيهم عمار فقال: إني سألتكم وأحب أن تصدقوني: نشدتكم الله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤثر قريشاً على سائر الناس، ويؤصر بني هاشم على سائر قريش فسكتوا، فقال: لو أن بيدي مفاتيح الجنة لأعطيتها بني أمية حتى يدخلوها.) وعن أبي وائل أن عبد الرحمن بن عوف كان بينه وبين عثمان كلام فأرسل إليه: لم فررت يوم أحد وتخلفت عن بدر وخالفت سنة عمر فأرسل إليه: تخلفت عن بدر لأن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شغلتني بمرضها، وأما يوم أحد فقد عفا الله عني، وأما سنة عمر فوالله ما استطعتها أنا ولا أنت. وقد كان بين علي وعثمان شيء فمشى بينهما العباس فقال علي: والله لو أمرني
43

(3/432)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 433
أن أخرج من داري لفعلت، فأما أداهن أن لا يقام بكتاب الله فلم أكن لأفعل. وقال سيف بن عمر، عن عطية، عن يزيد الفقعسي قال: لما خرج ابن السوداء إلى مصر نزل على كنانة بن بشر مرة، وعلى كنانة بن حمران مرة، وانقطع إلى الغافقي فشجه الغافقي فكلمه، وأطاف به خالد بن ملجم، يجيبون إلى الوصية، فقال: عليكم بناب العرب وحجرهم، ولسنا من رجاله، فأروه أنكم تزرعون، ولا تزرعوا العام شيئاً حتى تنكسر مصر، فتشكوه إلى عثمان فيعزله عنكم، ونسأل من هو أضعف منه ونخلو بما نريد، ونظهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان أسرعهم إلى ذلك محمد بن أبي حذيفة، وهو ابن خال معاوية، وكان يتيماً في حجر عثمان، فكبر، وسأل عثمان الهجرة إلى بعض الأمصار، فخرج إلى مصر، وكان الذي دعاه إلى ذلك أنه سأل عثمان العمل فقال: لست هناك. قال: ففعلوا ما أمرهم به ابن السوداء، ثم إنهم خرجوا ومن شاء الله منهم، وشكوا عمراً واستعفوا منه، وكلما نهنه عثمان عن عمرو قوماً وسكتهم انبعث آخرون بشيء آخر، وكلهم يطلب عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فقال لهم عثمان: أما عمرو فسننزعه عنكم ونقره على الحرب، ثم ولى ابن أبي سرح خراجهم، وترك عمراً على الصلاة فمشى في ذلك سودان، وكنانة بن بشر، وخارجة، فيما بين عبد الله بن سعد، وعمرو بن العاص، وأغروا بينهما حتى تكاتبا على قدر ما أبلغوا كل واحد. وكتبا إلى
43

(3/433)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 434
عثمان، فكتب ابن أبي سرح: إن خراجي لا يستقيم ما دام عمرو على الصلاة. وخرجوا فصدقوه واستعفوا من عمرو، وسألوا ابن أبي سرح، فكتب عثمان إلى عمرو: إنه لا خير لك في صحبة من يكرهك فأقبل. ثم جمع مصر لابن أبي سرح. وقد روي أنه كان بين عمار بن ياسر، وبين عباس بن عتبة بن أبي لهب كلام، فضربهما عثمان. وقال سيف، عن مبشر، وسهل بن يوسف، عن محمد بن سعد بن أبي وقاص قال: قدم عمار) بن ياسر من مصر وأبى شاك، فبلغه، فبعثني إليه أدعوه، فقام معي وعليه عمامة وسخة وجبة فراء. فلما دخل على سعد قال له: ويحك يا أبا اليقظان إن كنت فينا لمن أهل الخير، فما الذي بلغني عنك من سعيك في فساد بين المسلمين والتأليب على أمير المؤمنين، أمعك عقلك أم لا: فأهوى عمار على عمامته وغضب فنزعها وقال: خلعت عثمان كما خلعت عمامتي هذه، فقال سعد إنا لله وإنا إليه راجعون ويحك حين كبرت سنك ورق عظمك ونفد عمرك خلعت ربقة الإسلام من عنقك وخرجت من الدين عرياناً، فقام عمار مغضباً مولياً وهو يقول: أعوذ بربي من فتنة سعد، فقال سعد: ألا في الفتنة سقطوا، اللهم زد عثمان بعفوه وحلمه عندك درجات، حتى خرج عمار من الباب، فأقبل على سعد يبكي حتى اخضل لحيته وقال: من يأمن الفتنة يا بني لا يخرجن منك ما سمعت منه، فإنه من الأمانة، وإني أكره أن يتعلق به الناس عليه يتناولونه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألحق مع عمار ما لم تغلب عليه دلهة الكبر، فقد دله وخرف.
43

(3/434)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 435
وممن قام على عثمان محمد بن أبي بكر الصديق، فسئل سالم بن عبد الله فيما قيل عن سبب خروج محمد، قال: الغضب والطمع، وكان من الإسلام بمكان، وغره أقوام فطمع، وكانت له دالة، ولزمه حق، فأخذه عثمان من ظهره. وحج معاوية، فقيل إنه لما رأى لين عثمان واضطرب أمره قال: انطلق معي إلى الشام قبل أن يهجم عليك من لا قبل لك به، فإن أهل الشام على الطاعة، فقال: أنا لا أبيع جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء وإن كان فيه قطع خيط عنقي، قال: فأبعث إليك جنداً، قال: أنا أقتر على جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم الأرزاق بجند تساكنهم قال: يا أمير المؤمنين والله لتغتالن ولتغزين، قال: حسبي الله ونعم الوكيل. وقد كان أهل مصر بايعوا أشياعهم من أهل الكوفة والبصرة وجميع من أجابهم، واتعدوا يوماً على شخص أمراؤهم، فلم يستقم لهم ذلك، لكن أهل الكوفة ثار فيهم يزيد بن قيس الأرحبي واجتمع عليه ناس، وعلى الحرب يومئذ القعقاع بن عمرو، فأتاه وأحاط الناس بهم فناشدوهم، وقال يزيد للقعقاع: ما سبيلك علي وعلى هؤلاء، فوالله إني لسامع مطيع، وإني لازم لجماعتي إلا أني أستعفي من إمارة سعيد، ولم يظهروا سوى ذلك، واستقبلوا سعيداً فردوه من الجرعة، واجتمع الناس على أبي موسى فأقره عثمان.)
43

(3/435)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 436
ولما رجع الأمراء لم يكن للسبائية سبيل إلى الخروج من الأمصار، فكاتبوا أشياعهم أن يتوافوا بالمدينة لينظروا فيما يريدون، وأظهروا أنهم يأمرون بالمعروف، وأنهم يسألون عثمان عن أشيياء لتطير في الناس ولتحقق عليه، فتوافوا بالمدينة، فأرسل عثمان رجلين من بني مخزوم ة من بني زهرة فقال: انظرا ما يريدون، وكانا ممن ناله من عثمان أدب، فاصطبرا للحق ولم يضطغنا، فلما رأوهما أتوهما وأخبروهما، فقالا: من معكم على هذا من أهل المدينة قالوا: ثلاثة، قالا: فكيف تصنعون قالوا: نريد أن نذكر له أشاء قد زرعناها في قلوب الناس، ثم نرجع إليهم ونزعم لهم أنا قررناه بها، فلم يخرج منها ولم يتب، ثم نخرج كأننا حجاج حتى نقدم فنحيط به فنخلعه، فإن أبى قتلناه. فرجعا إلى عثمان بالخبر، فضحك وقال: اللهم سلم هؤلاء فإنك إن لم تسلمهم شوا. فأما عمار فحمل علي عباس بن أبي لهب وعركه، وأما محمد بن أبي بكر فإنه أعجب حتى رأى أن الحقوق لاتلزمه، وأما ابن سارة فإنه يتعرض للبلاء. وأرسل إلى المصرين والكوفيين، ونادى: الصلاة جامعة وهم عنه في أصل المنبر فأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه، وأخبرهم بالأمر، وقام الرجلان، فقال الناس: اقتل هؤلاء فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم
43

(3/436)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 437
قال: من دعا إلى نفسه أو إلى أحد، وعلى الناس إمام فعليه لعنة الله فاقتلوه. وقال عثمان: بل نعفو ونقبل، ونبصرهم بجهدنا، إن هؤلاء قالوا: أتم الصلاة في السفر، وكانت لا تتم، إلا وإني قدمت بلداً فيه أهلي فأتتمت لهذا. قالوا: وحميت الحمى، وإني والله ما حميت إلا حمى قبلي، وإني قد وليت وإني لأكثر العرب بعيراً وشاءً، فمالي اليوم غير بعيرين لحجتي، أكذلك قالوا: نعم. قال: وقالوا: كان القرآن كتباً فتركها إلا واحداً، ألا وإن القرآن واحد جاء من عند واحد، وإنما أنا في ذلك تابع هؤلاء، أكذلك قالوا: نعم. وقالوا: إني رددت الحكم وقد سيره رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ثم رده، فرسول الله صلى الله عليه وسلم سيره وهو رده، أفكذاك قالوا: نعم. وقالوا: استعملت الأحداث. ولم أستعمل إلا مجتمعاً مرضياً، وهؤلاء أهل عملي فسلوهم، وقد ولى من قبلي أحدث منه، وقيل في ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أشد مما قيل لي في) استعماله أسامة، أكذلك قالوا: نعم. وقالوا: إني أعطيت ابن أبي سرح ما أفاء الله عليه، وإني إنما نفلته
43

(3/437)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 438
خمس الخمس، فكان مائة ألف، وقد نفل مثل ذلك أبو بكر وعمر، وزعم الجند أنهم يكرهون ذلك فرددته عليهم، وليس ذلك لهم، أكذلك قالوا: نعم. وقالوا: إني أحب أهلي وأعطيهم، فأما حبهم فلم يوجب جوراً، وأما إعطاؤهم، فإنما أعطيهم من مالي. ولا أستحل أموال المسلمين لنفسي ولا لأحد. وكان قد قسم ماله وأرضه في بني أمية، وجعل ولده كبعض من يعطى. قال: ورجع أولئك إلى بلادهم وعفا عنهم، قال: فتكاتبوا وتواعدوا إلى شوال، فلما كان شوال خرجوا كالحجاج حتى نزلوا بقرب المدينة، فخرج أهل مصر في أربعمائة، وأمراؤهم عبد الرحمن بن عديس البلوي، وكنانة بن بشر الليثي، وسودان بن حمران السكوني، وقتيرة السكوني، ومقدمهم الغافقي بن حرب العكي، ومعهم ابن السوداء. وخرج أهل الكوفة في نحو عدد أهل مصر، فيهم زيد بن صوجان العبدي، والأشتر النخعي، وزياد بن النضر الحارثي، وعبد الله بن الأصم، ومقدمهم عمرو بن الأصم. وخرج أهل البصرة وفيهم حكيم بن جبلة، وذريح بن عباد العبديان، وبشر بن شريح القيسي، وان محرش الحنفي، وعليهم حرقوص بن زهير السعدي.
43

(3/438)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 439
فأما أهل مصر فكانوا يشتهون علياً، وأما أهل البصرة فكانوا يشتهون الزبير، وأما أهل الكوفة فكانوا يشتهون طلحة، وخرجوا ولا تشك كل فرقة أن أمرها سيتم دون الأخرى، حتى كانوا من المدينة على ثلاث، فتقدم ناس من أهل البصرة فنزلوا ذا خشب. وتقدم ناس من أهل الكوفة فنزلوا الأعوص، وجاءهم أناس من أهل مصر، ونزل عامتهم بذي المروة، ومشى فيما بين أهل البصرة وأهل مصر زياد بن النضر، وعبد الله بن الأصم ليكشفوا خبر المدينة، فدخلا فلقيا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وطلحة، والزبير، وعلياً، فقالا: إنما نؤم هذا البيت، ونستعفي من بعض عمالنا، واستأذنوهم للناس بالدخول، فكلهم أبى ونهى. فرجعا، فاجتمع من أهل مصر نفر فأتوا علياً، ومن أهل البصرة نفر فأتوا الزبير، ومن أهل الكوفة نفر فأتوا طلحة، وقال كل فريق منهم: إن باعنا صاحبنا وإلا كدناهم وفرقنا جماعتهم، ثم كررنا حتى نبغتهم.) فأتى المصريون علياً وهو في عسكر عند أحجار الزيت، وقد سرح ابنه الحسن إلى عثمان فيمن اجتمع إليه، فسلم على علي المصريون، وعرضوا له، فصاح بهم وطردهم وقال: لقد علم الصالحون أنكم ملعونون، فارجعوا لا صحبكم الله، فانصرفوا، وفعل طلحة والزبير نحو ذلك. فذهب القوم وأظهروا أنهم راجعون إلى بلادهم، فذهب أهل المدينة إلى منازلهم، فلما ذهب القوم إلى عساكرهم كروا بهم، وبغتوا أهل المدينة
44

(3/439)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 440
ودخلوها وضجوا بالتكبير، ونزلوا في مواضع عساكرهم، وأحاطوا بعثمان وقالوا: من كف يده فهو آمن. ولزم الناس بيوتهم، فأتى علي رضي الله عنه فقال: ما ردكم بعد ذهابكم قالوا: وجدنا مع بريد كتاباً بقتلنا، وقال الكوفيون والبصريون: نحن نمنع إخواننا وننصرهم. فعلم الناس أن ذلك مكر منهم. وكتب عثمان إلى أهل الأمصار يستمدهم، فسارو إليه على الصعب والذلول، فبعث معاوية إله حبيب بن مسلمة، وبعث ابن أبي سرح معاوية بن حديج وسار إليه من الكوفة القعقاع بن عمرو. فلما كان يوم الجمعة صلى عثمان بالناس وخطب فقال: يا هؤلاء الغزاة الله الله، فوالله إن أهل المدينة ليعلمون أنكم ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، فامحوا الخطأ بالصواب، فإن الله لا يمحو السيء إلا بالحسن، فقام محمد بن مسلمة فقال: أنا أشهد بذلك، فأقعده حكيم بن جبلة، فقام زيد بن ثابت فقال: ابغني الكتاب، فثار إله من ناحية أخرى محمد بن أبي قتيرة فأقعده وتكلم فأفظع، وثار القوم بأجمعهم. فحصبوا الناس حتى أخرجوهم، وحصبوا عثمان حتى صرع عن المنبر مغشياً عليه، فاحتمل وأدخل الدار.
44

(3/440)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 441
وكان المصريون لا يطمعون في أحد من أهل المدينة أن ينصرهم إلا ثلاثة، فإنهم كانوا يراسلونهم، وهم: محمد بن أبي بكر الصديق، ومحمد بن جعفر، وعمار بن ياسر. قال واستقل أناس: منهم زيد بن ثابت، وأبو هريرة، وسعد بن مالك، والحسن بن علي، ونهضوا لنصرة عثمان، فبعث إليهم يعزم عليهم لما انصرفوا، فانصرفوا، وأقبل علي حتى دخل على عثمان هو وطلحة والزبير يعودونه من صرعته، ثم رجعوا منازلهم. وقال عمرو بن دينار، عن جابر قال: بعثنا عثمان خمسين راكباً، وعلينا محمد بن مسلمة حتى) أتينا ذا خشب، فإذا رجل معلق المصحف في عنقه، وعيناه تذرفان، والسيف بيده وهو يقول: ألا إن هذا يعني المصحف يأمرنا أن نضرب بهذا، يعني السيف، على ما في هذا، يعني المصحف، فقال محمد بن مسلمة: اجلس فقد ضربنا بهذا على ما في هذا قبلك، فجلس فلم يزل يكلمهم حتى رجعوا. وقال الواقدي: حدثني ابن جريج وغيره، عن عمرو، عن جابر، أن المصريين لما أقبلوا يريدون عثمان دعا عثمان محمد بن مسلمة فقال: اخرج إليهم فارددهم وأعطهم الرضا، وكان رؤساؤهم أربعة: عبد الرحمن بن عديس، وسودان بن حمران، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وابن النباع،
44

(3/441)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 442
فأتاهم ابن مسلمة، فلم يزل بهم حتى رجعوا، فلما كانوا بالبويب رأوا جملاً عليه ميسم الصدقة، فأخذوه، فإذا غلام لعثمان، ففتشوا متاعه، فوجدوا صبة من رصاص، فيها كتاب في جوف الإداوة في الماء: إلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح أن أفعل بفلان كذا، وبفلان كذا، من القوم الذين شرعوا في قتل عثمان، فرجع القوم ثانية ونازلوا عثمان وحصروه. قال الواقدي: فحدثني عبد الله بن الحارث، عن أبيه قال: أنكر عثمان أن يكون كتب ذلك الكتاب وقال: فعل ذلك بلا أمري. وقال أبو نضرة، عن أبي سعيد مولى أسيد، فذكر طرفاً من الحديث، إلى أن قال: ثم رجعوا راضين، فينما هم بالطريق ظفروا برسول إلى عامل مصر أن يصلبهم ويفعل، فردوا إلى المدينة، فأتوا علياً فقالوا: ألم تر إلى عدو الله، فقم معنا، قال: والله لا أقوم معكم، قالوا: فلم كتبت إلينا قال: والله ما كتبت إليكم، فنظر بعضهم إلى بعض. وخرج علي من المدينة، فانطلقوا إلى عثمان فقالوا: أكتبت فينا بكذا فقال: إنما هما اثنان، تقيمون رجلين من المسلمين يعني شاهدين، أو
44

(3/442)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 443
يميني بالله الذي لا إله إلا هو ما كتبت ولا علمت، وقد يكتب الكتاب على لسان الرجل وينقش الخاتم، فقالوا: قد أحل الله دمك، ونقض العهد والميثاق، وحصروه في القصر. وقال ابن سيرين: إن عثمان بعث إليهم علياً فقال: تعطون كتاب الله وتعتبون من كل ما سخطتم، فأقبل معه ناس من وجوههم، فاصطلحوا على خمس: على أن المنفي يقلب، والمحروم يعطى، ويوفر الفيء، ويعدل في القسم، ويستعمل ذو الأمانة والقوة، كتبوا ذلك في) كتاب، وأن يردوا ابن عامر إلى البصرة وأبا موسى إلى الكوفة. وقال أبو الأشهب، عن الحسن قال: لقد رأيتهم تحاصبوا في المسجد حتى ما أبصر السماء، وإن رجلاً رفع مصحفه من حجرات النبي صلى الله عليه وسلم ثم نادى: ألم تعلموا أن محمداً قد برئ ممن فرقوا دينهم وكانوا شيعاً. وقال سلام: سمعت الحسن قال: خرج عثمان يوم الجمعة، فقام إليه رجل فقال: أسألك كتاب الله، فقال: ويحك، أليس معك كتاب الله قال: ثم جاء رجل آخر فنهاه، وقام آخر، وآخر، حتى كثروا، ثم تحاصبوا حتى لم أر أدم السماء. وروى بشر بن شغاف، عن عبد الله بن سلام قال: بينما عثمان
44

(3/443)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 444
يخطب، فقام رجل فنال منه، فوذأته فاتذأ فقال رجل: لا يمنعك مكان ابن سلام أن تسب نعثلاً، فإنه من شيعته، فقال له: لقد قلت القول العظيم في الخليفة من بعد نوح. وذأته: زجرته وقمعته. وقالوا لعثمان نعثلاُ تشبهاً له برجل مصري اسمه نعثل كان طويل اللحية. والنعثل: الذكر من الضباع، وكان عمر يشبه بنوح في الشدة. وقال ابن عمر: بينما عثمان يخطب إذ قام إليه جهجاج الغفار، فأخذ من يده العصا فكسرها على ركبته، فدخلت منها شظية في ركبته، فوقعت فيها الأكلة. وقال غيره: ثم أنهم أحاطوا بالدار وحصروه، فقال سعد بن إبراهيم، عن أبيه: سمعت عثمان يقول: إن وجدتم في الحق أن تضعوا رجلي في القيد فضعوهما. وقال ثمامة بن حزن القشيري: شهدت الدار وأشرف عليهم عثمان فقال: ائتوني بصاحبيكم اللذين ألباكم، فدعيا له كأنهما جملان أو حماران، فقال: أنشدكم الله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس فيها ماء
44

(3/444)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 445
عذب غير بئر رومة، فقال: من يشتريها فيكون دلوه كدلاء المسلمين، وله في الجنة خير منها فاشتريها، وأنتم اليوم تمنعوني أن أشرب منها حتى أشرب من الماء المالح قالوا: اللهم نعم، قال: أنشدكم الله والإسلام، هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يشتري بقعة بخير له منها في الجنة، فاشتريتها وزدتها في المسجد، وأنتم تمنعوني اليوم أن أصلي فيها قالوا: اللهم نعم، قال: أنشدكم الله، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على ثبير مكة، فتحرك) وعليه أبو بكر وعمر وأنا، فقال: أسكن فليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدان. قالوا: اللهم نعم، فقال: الله أكبر شهدوا ورب الكعبة أني شهيد. ورواه أبو سلمة بن عبد الرحمن بنحوه، وزاد فيه أنه جهز جيش العسرة. ثم قال: ولكن طال عليكم أمري فاستعجلتم، وأردتم خلع سربال سربلنيه الله، وإني لا أخلعه حتى أموت أو أقتل. وعن ابن عمر قال: فأشرف عليهم وقال: علام تقتلونني فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا حل دم امريء مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إسلام، أو رجل زنى بعد إحصان، أو رجل قتل نفساً، فوالله ما زنيت في جاهلية ولا في إسلام، ولا قتلت رجلاً ولا كفرت.
44

(3/445)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 446
قال أبو أمامة بن سهل بن حنيف، إني لمع عثمان وهو محصور، فكنا ندخل إليه مدخلاً أو أدخل أدخل إليه الرجل نسمع كلام من على البلاط، فدخل وماً فيه وخرج إلينا وهو متغير اللون فقال: إنهم يتوعدوني بالقتل، فقلنا: يكفيكهم الله. وقال سهل السراج، عن الحسن، قال عمان: لئن قتلوني لا يقاتلون عدواً جميعاً أبداً، ولا يقتسمون فيئاً جميعاً أبداً، ولا يصلون جميعاً أبداً، وقال مثله عبد الملك بن أبي سليمان، عن أبي ليلى الكندي، وزاد فيه: ثم أرسل إلى عبد الله بن سلام فقال: ما ترى قال: الكف الكف، فإنه أبلغ لك في الحجة، فدخلوا عليه فقتلوه وهو صائم رضي الله عنه وأرضاه. وقال الحسن: حدثني وثاب قال: بعثني عثمان، فدعوت له الأشتر فقال: ما يريد الناس قال: إحدى ثلاث: يخيرونك بين الخلع، وبين أن تقتص من نفسك، فإن أبيت فإنهم قاتلوك، فقال: ما كنت لأخلع سربالاً سربلنيه الله، وبدني ما يقوم لقصاص. وقال حميد بن هلال: ثنا عبد الله بن مغفل قال: كان عبد الله ن سلام يجيء من أرض له على حمار يوم الجمعة، فلما حصر عثمان قال: يا أيها الناس لا تقتلوا عثمان، واستعتبوه، فوالذي نفسي بيده ما قتلت أمة نبيها
44

(3/446)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 447
فصلح ذات بينهم حتى يهرقوا دم سبعين ألفاً، وما قتلت أمة خليفتها فيصلح الله بينهم حتى يهرقوا دم أربعين ألفاً، وما هلكت أمة حتى يرفعوا القرآن على السلطان، قال: فلم ينظروا فيما قال، وقتلوه، فجلس على طريق علي بن أبي طالب، فقال له: لا تأت العراق والزم منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوالذي نفسي بيده لئن تركته لا) تراه أبداً، فقال من حول علي: دعنا نقتله، قال: دعوا عبد الله بن سلام، فإنه رجل صالح. قال عبد الله بن مغفل: كنت استأمرت عبد الله ن سلام في أرض اشتريتها. فقال بعد ذلك: هذه السنة أربعين سنة، وسيكون صلح فاشترها. قيل لحميد بن هلال: كيف ترفعون القرآن على السلطان قال: ألم تر إلى الخوارج كيف يتأولون القرآن على السلطان ودخل ابن عمر على عثمان وهو محصور فقال: ما ترى. قال: أرى أن نعطيهم ما سألوك من وراء عتبة بابك غير أن لا تخلع نفسك، فقال: دونك عطاءك وكان واجداً عليه فقال: ليس هذا اليوم ذاك. ثم خرج ابن عمر إليهم فقال: إياكم وقتل هذا الشيخ، والله لئن قتلتموه لم تحجوا البيت جميعاً أبداً، ولم تجاهدوا عدوكم جميعاً أبداً، ولم تقسموا فيئكم جميعاً أبداً إلا أن تجتمع الأجساد والأهواء مختلفة، ولقد رأيتنا وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون ونقول: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان. رواه عاصم بن محمد العمري، عن أبيه، عن ابن عمر. وعن أبي جعفر القاري قال: كان المصريون الذين حصروا عثمان
44

(3/447)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 448
ستمائة: رأسهم كنانة بن بشر، وان عديس البلوي، وعمرو بن الحمق، والذين قدموا من الكوفة مائتين، رأسهم الأشتر النخعي، والذين قدموا من البصرة مائة، رأسهم حكيم ببن جبلة، وكانوا يداً واحدة في الشر، وكانت حثالة من الناس قد ضووا إليهم، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين خذلوه كرهوا الفتنة وظنوا أن الأمر لا يبلغ قتله، فلما قتل ندموا على ما ضيعوه في أمره، ولعمري لو قاموا أو قام بعضهم فحثا في وجوه أولئك التراب لانصرفوا خاسئين. وقال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن الحسن قال: لما كثر الطعن على عثمان تنحى علي إلى ماله بينبع، فكتب إليه عثمان: أما بعد فقد بلغ الحزام الطبين، وبلغ السيل الزبى، وبلغ الأمر فوق قدره، وطمع في الأمر من لا يدفع عن نفسه:
(فإن كنت مأكولاً فكن خير آكل .......... وإلا فأدركني ولما أمزق)
والبيت لشاعر من عبد القيس. الطبي: موضع الثدي من الخيل.
44

(3/448)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 449
وقال محمد بن جبير بن مطعم: لما حصر عثمان أرسل إلى علي: إن ابن عمك مقتول، وإنك لمسلوب. وعن أبان بن عثمان قال: لما ألحوا على عثمان بالرمي، خرجت حتى أتيت علياً فقلت: يا عم) أهلكتنا الحجارة، فقام معي، فلم يزل يرمي حتى فتر منكبه، ثم قال: يا ابن أخي، اجمع حشمك، ثم يكون هذا شأنك. وقال حبيب بن أبي ثابت، عن أبي جعفر محمد بن علي: إن عثمان بعث إلى علي يدعوه وهو محصور، فأراد أن يأتيه، فتعلقوا به ومنعوه، فحسر عمامة سوداء عن رأسه وقال: اللهم لا أرضى قتله ولا آمر به. وعن أبي إدريس الخولاني قال: أرسل عثمان إلى سعد، فأتاه، فكلمه، فقال له سعد أرسل إلى علي، فإن أتاك ورضي صلح الأمر، قال: فأنت رسولي إليه، فأتاه، فقام معه علي، فمر بمالك الأشتر، فقال الأشتر لأصحابه: أين يريد هذا قالوا: يريد عثمان، فقال: والله لئن دخل عليه لتقتلن عن آخركم، فقام إليه في أصحابه حتى اختلجه عن سعد وأجلسه في أصحابه، وأرسل إلى أهل مصر: إن كنتم تريدون قتله فأسرعوا، فدخلوا عليه فقتلوه. وعن أبي حبيبة قال: لما اشتد الأمر، قالوا لعثمان يعني الذين عنده
45

(3/449)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 450
في الدار أئذن لنا في القتال، فقال: أعزم على من كانت لي عليه طاعة أن لا يقاتل. أبو حبيب هو مولى الزبير، روى عنه موسى بن عقبة. قال محمد بن سعد: ثنا منصور بن عمر، حدثني سرحبيل بن أبي عون، عن أبيه. وحدثني عبد الحميد بن عمران، عن أبيه، عن مسور ابن مخرمة. ح، وحدثني موسى بن يعقوب، عن عمه، عن ابن الزبير. ح، وثنا ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قالوا: بعث عثمان المسور بن مخرمة إلى معاوية يعلمه أنه محصور، ويأمره أن يجهز إليه جيشاً سريعاً. فلما قدم على معاوية، ركب معاوية لوقته هو ومسلم بن عقبة، وابن حديج، فساروا من دمشق إلى عثمان عشراً. فدخل معاوية نصف الليل، وقبل رأس عثمان، فقال: أين الجيش قال: ما جئت إلا في ثلاثة رهط، فقال عثمان: لا وصل الله رحمك، ولا أعز نصرك، ولا جزاك خيراً، فوالله لا أقتل إلا فيك، ولا ينقم علي إلا من أجلك، فقال: بأبي أنت وأمي، لو بعثت إليك جيشاً فسمعوا به عاجلوك فقتلوك، ولكن معي نجائب، فاخرج معي، فما يشعر بي أحد، فوالله ما
45

(3/450)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 451
هي إلا ثلاث حتى نرى معالم الشام، فقال: بئس ما أشرت به، وأبى أن يجيبه، فأسرع معاوية راجعاً، وورد) المسور يريد المدينة بذي المروة راجعاً. وقدم على عثمان وهو ذام لمعاوية غير عاذر له. فلما كان في حصره الآخر، بعث المسور ثانياً إلى معاوية لينجده فقال: إن عثمان أحسن فأحسن الله به، ثم غير فغير الله به، فشددت عليه فقال: تركتم عثمان حتى إذا كانت نفسه في حنجرته قلتم: اذهب فادفع عنه الموت، وليس ذلك بيدي، ثم أنزلني في مشربة على رأسه، فما دخل علي داخل حتى قتل عثمان. وأما سيف بن عمر، فروى عن أبي حارثة، وأبي عثمان قالا: لما أتى معاوية الخبر أرسل إلى حبيب بن مسلمة الفهري فقال: أشر علي برجل منفذ لأمري، ولا يقصر، قال: ما أعرف لذاك غيري، قال: أنت لها. وجعل على مقدمته يزيد بن شجعة الحميري في ألف وقال: إن قدمت يا حبيب وقد قتل، فلا تدعن أحداً أشار إليه ولا أعان عليه إلا قتلته، وإن أتاك الخبر قبل أن تصل، فأقم حتى أنظر، وبعث يزيد شجعة في ألف على البغال، يقودون الخيل، معهم الإبل عليها الروايا فأغذ السير، فأتاه قتله بقرب خيبر. ثم أتاه النعمان بن بشير، معه القميص الذي فيه الدماء وأصابع امرأته نائلة، قد قطعوها بضربة سيف، فرجعوا، فنصب معاوية القميص
45

(3/451)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 452
على منبر دمشق، والأصابع معلقة فيه، وآلى رجال من أهل الشام لا يأتون النساء ولا يمسون الغسل إلا من حلم، ولا ينامون على فراش حتى يقتلوا قتلة عثمان، أو تفنى أرواحهم، وبكوه سنة. وقال الأوزاعي: حدثني محمد بن عبد الملك بن مروان، أن المغيرة ابن شعبة، دخل على عثمان وهو محصور فقال: إنك إمام العامة، وقد نزل بك ما نرى، وإني أعرض عليك خصالاً: إما أن تخرج تقاتلهم، فإن معك عدداً وقوة. وإما أن تخرق لك باباً سوى الباب الذي هم عليه، فتقعد على رواحلك فتحلق بمكة، فإنهم لن يستحلوك وأنت بها، وإما أن تلحق بالشام، فإنهم أهل الشام، وفيهم معاوية. فقال: إني لن أفارق دار هجرتي، ولن أكون أول من خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته بسفك الدماء. وقال نافع، عن ابن عمر: أصبح عثمان يحدث الناس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة في المنام، فقال: أفطر عندنا غداً فأصبح صائماً، وقتل من يومه. وقال محمد بن سيرين: ما أعلم أحداً يتهم علياً في قتل عثمان، وقتل وإن الدار غاصة، فيهم ابن عمر، والحسن بن علي، ولكن عثمان عزم عليهم أن لا يقاتلوا.) ومن وجه آخر. عن ابن سيرين قال: انطلق الحسن والحسين وابن عمر، ومروان، وابن الزبير، كلهم شاك السلاح، حتى دخلوا على عثمان،
45

(3/452)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 453
فقال: أعزم عليكم لما رجعتم فوضعتم أسلحتكم ولزمتم بيوتكم، فقال ابن الزبير، ومروان: نحن نعزم على أنفسنا أن لا نبرح، وخرج الآخرون. وقال ابن سيرين: كان مع عثمان يومئذ في الدار سبعمائة، لو يدعهم لضربوهم حتى يخرجوهم من أقطارها. وروى أن الحسن بن علي ما راح حتى خرج. وقال عبد الله بن الزبير: قلت لعثمان: قاتلهم، فوالله لقد أحل الله لك قتالهم، فقال: لا أقاتلهم أبداً، فدخلوا عليه وهو صائم. وقد كان عثمان أمر ابن الزبير على الدار، وقال: أطيعوا عبد الله بن الزبير. وقال ابن سيرين: جاء زيد بن ثابت في ثلاثمائة من الأنصار، فدخل على عثمان فقال: هذه الأنصار بالباب. فقال: أما القتال فلا. وقال أبو صالح، عن أبي هريرة قال: دخلت على عثمان يوم الدار فقلت: طاب الضرب، فقال: أيسرك أن يقتل الناس جميعاً وأنا معهم قلت: لا، قال فإنك إن قتلت رجلاً واحداً، فكأنما قتلت الناس جميعاً،
45

(3/453)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 454
فانصرفت ولم أقاتل. وعن أبي عون مولى المسور قال: ما زال المصريون كافيين عن القتال، حتى قدمت أمداد العراق من عند ابن عامر، وأمداد ابن أبي سرح من مصر، فقالوا: نعاجله قبل أن تقدم الأمداد. وعن مسلم أبي سعيد قال: أعتق عثمان عشرين مملوكاً، ثم دعا بسراويل، فشدها عليه. ولم يلبسها في جاهلية ولا في إسلام، وقال إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة، وأبا بكر، وعمر، فقال: اصبر فإنك تفطر عندنا القابلة ثم نشر المصحف بين يديه، فقتل وهو بين يديه. وقال ابن عون، عن الحسن: أنبأني وثاب مولى عثمان قال: جاء رويجل كأنه ذئب، فاطلع من باب، ثم رجع، فجاء محمد بن أبي بكر في ثلاثة عشر رجلاً، فدخل حتى انتهى إلى عثمان، فأخذ بلحيته، فقال بها حتى سمعت وقع أضراسه، فقال: ما أغنى عنك معاوية، ما أغنى عنك) ابن عامر، ما أغنت عنك كتبك، فقال: أرسل لحيتي يا ابن أخي، قال: فأنا رأيته استعدى رجلاً من القوم عليه يعينه، فقام إلى عثمان بمشقص، حتى وجأ به في رأسه ثم تعاوروا عليه حتى قتلوه. وعن ريطة مولاة أسامة قالت: كنت في الدار، إذ دخلوا، فجاء محمد فأخذ بلحية عثمان فهزها، فقال: يا بن أخي دع لحيتي لتجذب ما يعز على أبيك أن يؤذيها. فرأيته كأنه استحى، فقام، فجعل بطرف ثوبه هكذا: ألا
45

(3/454)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 455
ارجعوا. قالت: وجاء رجل من خلف عثمان بسعفة رطبة، فضرب بها جبهته فرأيت الدم يسيل، وهو يمسحه ويقول: اللهم لا يطلب بدمي غيرك، وجاء آخر فضربه بالسيف على صدره فأقعصه، وتعاوروه بأسيافهم، فرأيتهم ينتهبون بيته. وقال مجالد، عن الشعبي قال: جاء رجل من تجيب من المصريين، والناس حول عثمان، فاستل سيفه، ثم قال: افرجوا، ففرجوا له، فوضع ذباب سيفه في بطن عثمان، فأمسكت نائلة بنت الفرافصة زوجة عثمان بالسيف لتمنع عنه، فحز السيف أصابعها. وقيل: الذي قتله رجل يقال له حمار. وقال الواقدي: حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد، أن محمد بن أبي بكر تسور من دار عمرو بن حزم على عثمان، ومعه كنانة بن بشر، وسودان، وعمرو بن الحمق، فوجدوه عند نائلة يقرأ في المصحف، فتقدمهم محمد، فأخذ بلحيته وقال:
45

(3/455)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 456
يا نعثل قد أخزاك الله، فقال: لست بنعثل ولكنني عبد الله، وأمير المؤمنين، فقال محمد: ما أغنى عنك معاوية وفلان وفلان، قال: يا بن أخي دع لحيتي،، فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت، فقال: ما يراد بك أشد من قبضتي، وطعن جنبه بمشقص، ورفع كنانة مشاقص فوجأ بها في أذن عثمان، فمضت حتى دخلت في حلقه، ثم علاه بالسيف، قال عبد الرحمن بن عبد العزيز: فسمعت ابن أبي عون يقول: ضرب كنانة بن بشر جبينه بعمو حديد، وضربه سودان المرادي فقتله، ووثب عليه عمرو بن الحمق، وبه رمق، وطعنه تسع طعنات وقال: ثلاث لله، وست لما في نفسي عليه. وعن المغيرة قال: حصروه اثنين وعشرين يوماً، ثم أحرقوا الباب، فخرج من في الدار. وقال سليمان التيمي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال: فتح عثمان الباب ووضع المصحف بين يديه، فدخل عليه رجل فقال: بيني وبينك كتاب الله، فخرج وتركه، ثم) دخل عليه آخر، فقال: بيني وبينك كتاب الله، فخرج وتركه، ثم دخل عليه آخر، فقال: بيني وبينك كتاب الله، فأهوى عليه بالسيف، فأتاه بيده فقطعها، فقال: أما والله إنها لأول كف خطت المفصل، ودخل عليه رجل يقال له: الموت الأسود، فخنقه قبل أن يضرب بالسيف، قال: فوالله ما رأيت شيئاً ألين من حلقه، لقد خنقته حتى رأيت نفسه مثل الجان تردد في جسده.
45

(3/456)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 457
وعن الزهري قال: قتل عند صلاة العصر، وشد عبد لعثمان على كنانة لبن بشر فقتله، وشد سودان على العبد فقتله. وقال أبو نضرة، عن أبي سعيد قال: ضربوه فجرى الدم على المصحف على: فسيكفيكم الله وهو السميع العليم. وقال عمران بن حدير، إلا يكن عبد الله بن شقيق حدثني: أن أول قطرة قطرت من دمه على: فسيكفيكم الله فإن أبا حريث ذكر أنه ذهب هو وسهيل المري، فأخرجوا إليه المصحف، فإذا قطرة الدم على فسيكفيكم الله قال: فإنها في المصحف ما حكت. وقال محمد بن عيسى بن سميع عن ابن أبي ذئب، عن الزهري: قلت لسعيد بن المسيب: هل أنت مخبري كيف كان قتل عثمان قال: قتل مظلوماً، ومن خذله كان معذوراً، ومن قتله كان ظالماً، وإنه لما استخلف كره ذلك نفر من الصحابة، لأنه كان يحب قومه ويوليهم، فكان يكون منهم ما تنكره الصحابة فيستعتب فيهم، فلا يعزلهم، فلما كان في الست الحجج الأواخر استأثر ببني عمه فولاهم وما أشرك معهم، فولى عبد الله بن أبي سرح مصر، فمكث عليها سنين، فجاء أهل مصر يشكونه ويتظلمون منه. وقد كان قبل ذلك من عثمان هنات إلى ابن مسعود، وأبي ذر
45

(3/457)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 458
وعمار فحنق عليه قومهم، وجاء المصريون يشكون ابن أبي سرح، فكتب إليه يتهدده ما صنع ابن أبي سرح بهم، فقام طلحة فكلم عثمان بكلام شديد، وأرسلت إليه عائشة تقول له: أنصفهم من عاملك، ودخل عليه علي، وكان متكلم القوم فقال: إنما يسألونك رجلاً مكان رجل، وقد ادعوا قبله دماً، فاعزله، واقض بينهم، فقال: اختاروا رجلاً أوله، فأشاروا عليه بمحمد بن أبي بكر، فكتب عهده، وخرج معهم عدد من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بين أهل مصر وابن أبي سرح، فلما كان محمد على مسيرة ثلاث من المدينة، إذا هم بغلام أسود على بعير مسرعاً، فسألوه، فقال: وجهني أمير المؤمنين إلى عامل مصر، فقالوا له: هذا عامل أهل مصر، وجاءوا به إلى محمد، وفتشوه فوجدوا إداوته تقلقل، فشقوها، فإذا فيها كتاب من عثمان) إلى محمد بن أبي سرح، فجمع محمد، من عنده الصحابة، ثم فك الكتاب، فإذا فيه: إذا أتاك محمد، وفلان، وفلان فاستحل قتلهم، وأبطل كتابه، واثبت على عملك. فلما قرأوا الكتاب رجعوا إلى المدينة، وجمعوا طلحة، وعلياً، والزبير، وسعداً، وفضوا الكتاب، فلم يبق أحد ألا حنق على عثمان، وزاد ذلك غضباً وحنقاً أعوان أبي ذر، وابن مسعود وعمار. وحاصر أولئك عثمان وأجلب عليه محمد بن أبي بكر ببني تيم، فلما رأى ذلك علي بعث إلى طلحة، والزبير، وعمار، ثم دخل إلى عثمان، ومعه الكتاب والغلام والبعير فقال: هذا الغلام والبعير لك قال: نعم، قال: فهذا كتابك فحلف أنه ما كتبه ولا أمر به، قال: فالخاتم خاتمك قال: نعم. فقال: كيف يخرج غلامك ببعيرك بكتاب عليه خاتمك ولا تعلم به.
45

(3/458)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 459
وعرفوا أنه خط مروان. وسألوه أن يدفع إليهم مروان، فأبى وكان عنده في الدار، فخرجوا من عنده غضاباً، وشكوا في أمره، وعلموا أنه لا يحلف بباطل ولزموا بيوتهم. وحاصره أولئك حتى منعوه من الماء، فأشرف يوماً فقال: أفيكم علي قالوا: لا، قال: أفيكم سعد قالوا: لا، فسكت، ثم قال: ألا أحد يسقينا ماءً. فبلغ ذلك علياً، فبعث إليه بثلاث قرب فجرح في سببها جماعة حتى وصلت إليه، وبلغ علياً أن عثمان يراد قتله فقال: إنما أردنا منه مروان، فأما عثمان، فلا ندع أحداً يصل إليه. وبعث إليه الزبير ابنه، وبعث طلحة ابنه، وبعث عدة من الصحابة أبنائهم، يمنعون الناس منه، ويسألونه إخراج مروان، فلما رأى ذلك محمد بن أبي بكر، ورمى الناس عثمان بالناس بالسهام، حتى خضب الحسن بالدماء على بابه، وأصاب مروان سهم، وخضب محمد بن طلحة، وشج قنبر مولى علي. فخشي محمد أن يغضب بنو هاشم خال الحسن، فاتفق هو وصاحباه، وتسوروا من دار، حتى دخلوا عليه، ولا يعلم أحد من أهل الدار، لأنهم كانوا فوق البيوت، ولم يكن مع عثمان إلا امرأته. فدخل محمد فأخذ بلحيته، فقال: والله لو رآك أبوك لساءه مكانك مني، فتراخت يده، ووثب الرجلان عليه فقتلاه، وهربوا من حيث دخلوا، ثم صرخت المرأة، فلم يسمع صراخها لما في الدار من الجلبة. فصعدت إلى الناس وأخبرتهم، فدخل الحسن والحسين وغيرهما، فوجدوه مذبوحاً.) وبلغ علياً وطلحة والزبير الخبر، فخرجوا وقد ذهبت عقولهم ودخلوا
46

(3/459)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 460
فرأوه مذبوحاً، وقال علي، كيف قتل وأنتم على الباب ولطم الحسن وضرب صدر الحسين، وشتم ابن الزبير، وابن طلحة، وخرج غضبان إلى منزله، فجاء الناس يهرعون إليه ليبايعوه، قال: ليس ذاك إليكم، إنما ذاك إلى أهل بدر، فمن رضوه فهو خليفة، فلم يبق أحد من البدريين إلا أتى علياً، فكان أول من بايعه طلحة بلسانه، وسعد بيده، ثم خرج إلى المسجد فصعد المنبر، فكان أول من صعد طلحة، فبايعه بيده، ثم بايعه الزبير وسعد والصحابة جميعاً، ثم نزل فدعا الناس، وطلب مروان، فهرب منه هو وأقاربه. وخرجت عائشة باكية تقول: قتل عثمان، وجاء علي إلى امرأة عثمان فقال: من قتله قالت: لا أدري، وأخبرته بما صنع محمد بن أبي بكر. فسأله علي، فقال: تكذب، وقد والله دخلت دخلت عليه، وأنا أريد قتله، فذكر لي أبي، فقمت وأنا تائب إلى الله، والله ما قتلته ولا أمسكته، فقالت: صدق، ولكنه أدخل الذين قتلاه. وقال محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص، عن أبيه، عن جده قال: اجتمعنا في دار مخرمة للبيعة بعد قتل عثمان، فقال أبو جهم بن حذيفة: أمامن بايعنا منكم فلا يحول بيننا وبين قصاص، فقال عمار: أما دم عثمان فلا، فقال: يا بن سمية، أتقتص من جلدات جلدتهم، ولا تقتص من دم عثمان فتفرقوا يومئذ عن غير بيعة. وروى عمر بن علي بن الحسين، عن أبيه قال: قال مروان: ما كان في القوم أدفع عن صاحبنا من صاحبكم يعني علياً عن عثمان، قال:
46

(3/460)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 461
فقلت: ما بالكم تسبونه على المنابر قال: لا يستقيم الأمر إلا بذلك. رواه ابن أبي خيثمة. بإسناد قوي، عن عمر. وقال الواقدي، عن ابن أبي سبرة، عن سعيد بن أبي زيد، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله قال: كان لعثمان عند خازنه يوم قتل ثلاثون ألف ألف درهم، وخمسون ومائة ألف دينار، فانتهبت وذهبت، وترك ألف بعير بالربذة، وترك صدقات بقيمة مائتي ألف دينار. وقال ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب قال: بلغني أن الركب الذين ساروا إلى عثمان عامتهم جنوا. وقال ليث بن أبي سليم، عن طاووس، عن ابن عباس سمع علياً يقول: والله ما قتلت يعني عثمان ولا أمرت، ولكن غلبت، يقول ذلك ثلاثاً. وجاء نحوه عن علي من طرق. وجاء عنه) أنه لعن قتلة عثمان. وعن الشعبي قال: ما سمعت من مراثي عثمان أحسن من قول كعب بن مالك:
46

(3/461)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 462
(فكف يديه ثم أغلق بابه .......... وأيقن أن الله ليس بغافل)

(وقال لأهل الدار: لا تقتلوهم .......... عفا الله عن كل امريء لم يقاتل)

(فكيف رأيت الله صب عليهم ال .......... العداوة والبغضاء بعد التواصل)

(وكيف رأيت الخير أدبر بعده .......... عن الناس إدبار النعام الجوافل)
ورثاه حسان بن ثابت بقوله:
(من سره الموت صرفاً لا مزاج له .......... فليأت مأدبة في دار عثمانا)

(ضحوا بأشمط عنوان السجود به .......... يقطع الليل تسبيحاً وقرآنا)

(صبراً فدى لكم أمي وما ولدت .......... قد يينفع الصبر في المكروه أحيانا)

(لتسمعن وشيكاً في ديارهم: .......... الله أكبر يا ثارات عثمانا)
46

(3/462)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 463
2 (الوفيات)
وممن توفي في هذه السنة: س الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي. له صحبة. واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على بعض صدقات مكة، وبعض أعماله مكة. ثم استعمله أبو بكر، وعمر، وعثمان، على مكة. ثم انتقل إلى البصرة، وبنى بها داراً. وتوفي في هذه السنة. وإنما للحارث حديث واحد عند النسائي، عن عائشة.
46

(3/463)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 464
عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك العنزي، عنز بن وائل. كان حليف آل الخطاب العدوي. أسلم قبل عمر، وهاجر الهجرتين، وشهد بدراً. وله عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر. وعنه ابنه عبد الله، وابن الزبير، وابن عمر، وأبو أمامة بن سهل. وكان الخطاب قد تبناه. وكان معه لواء عمر لما قدم الجابية. وقال ابن إسحاق: أول من قدم المدينة مهاجراً أبو سلمة بن عبد الأسد، وبعده عامر بن ربيعة.
46

(3/464)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 465
وقال الواقدي: كان موت عامر بن ربيعة بعد قتل عثمان بأيام. وكان لزم بيته، ولم يشعر) الناس إلا بجنازته قد أخرجت. وقال يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، أن أباه أتى في المنام، حين طعنوا على عثمان، فقيل له: قم فسل الله أن يعيذك من الفتنة. قيل: توفي قبل مقتل عثمان بيسير. عبد الله بن وهب بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد القرشي الأسدي. وأمه قريبة أخت أم سلمة أم المؤمنين. قيل له صحبة. والأصح أنه لا صحبة له. روى عنه عروة، وغيره. وقتل يوم الدار مع عثمان. عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة بن عبد الله المخزومي. والد الشاعر المشهور عمر، وأخو
46

(3/465)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 466
عياش. كان اسمه بحير، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله. وكان أحد الأشراف، ومن أحسن الناس صورة. وهو الذي بعثته قريش مع عمرو بن العاص إلى النجاشي لأذية مهاجرة الحبشة. ثم أسلم وحسن إسلامه. ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الجند ومخاليفها، فبقي فيها إلى أيام فتنة عثمان، فجاء لينصره، فوقع عن راحلته فمات بقرب مكة. وقد استقرض منه النبي صلى الله عليه وسلم أربعين ألفاً، فأقرضه. له حديث عند حفيده إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله، عن أبيه. الواقدي: ثنا كثير بن زيد، عن المطلب بن حنطب قال: قال لهم عمر: إن هذا الأمر لا يصلح للطلقاء، فإن اختلفتم فلا تظنوا عبد الله بن أبي ربيعة عنكم غافلاً. الواقدي عن رجل: إن عبد الله بن أبي ربيعة قال: أدخلوني معكم في الشورى فلا يعدمكم مني رأي. قالوا: لا تدخل معنا. فقال: إن بايعتم
46

(3/466)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 467
لعلي سمعنا وعصينا، وإن بايعتم لعثمان سمعنا وأطعنا. ولما حصر عثمان، أقبل عبد الله مسرعاً ينصره من صنعاء. فليقه صفوان بن أمية على فرس وهو على بغلة فجفلت من الفرس، فطرحت عبد الله فكسرت فخذه، فوضع في سرير، ثم جهز ناساً كثيرة في الطلب بدم عثمان. عثمان بن عفان رضي الله عنه ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، أمير المؤمنين، أبو عمرو، وأبو عبد الله، القرشي الأموي. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الشيخين.) قال الداني: عرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم، وعرض عليه أبو عبد الرحمن السلمي، والمغيرة بن أبي شهاب، وأبو الأسود، وزر بن حبيش. روى عنه بنوه: أبان، وسعيد، وعمرو، ومولاه حمران، وأنس، وأبو أمامة بن سهل، والأحنف بن قيس، وسعيد بن المسيب، وأبو وائل، وطارق بن شهاب، وعلقمة، وأبو عبد الرحمن السلمي، ومالك بن أوس بن الحدثان، وخلق سواهم. أحد السابقين الأولين، وذو النورين، وصاحب الهجرتين، وزوج الابنتين. قدم الجابية مع عمر. وتزوج رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل
46

(3/467)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 468
المبعث، فولدت له عبد الله، وبه كان يكنى، وبابنه عمرو. وأمه أروى بنت كريز بن حبيب بن عبد شمس، وأمها البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم، فهاجر إلى الحبشة، وخلفه النبي صلى الله عليه وسلم عليها في غزوة بدر ليداويها في مرضها، فتوفيت بعد بدر بليال، وضرب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهمه من بدر وأجره، ثم زوجه بالبنت الأخرى أم كلثوم. ومات ابنه عبد الله، وله ست سنين سنة أربع من الهجرة. وكان عثمان فيما بلغنا لا بالطويل ولا بالقصير، حسن الوجه، كبير اللحية، أسمر اللون، عظيم الكراديس، بعيد ما بين المنكبين يخضب بالصفرة، وكان قد شد أسنانه بالذهب. وعن أبي عبد الله مولى شداد قال: رأيت عثمان يخطب، وعليه إزار غليظ ثمنه أرعة دراهم، وريطة كوفية ممشقة، ضرب اللحم أي خفيفه، طويل اللحية، حسن الوجه. وعن عبد الله بن حزم قال: رأيت عثمان، فما رأيت ذكراً ولا أنثى أحسن وجهاً منه.
46

(3/468)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 469
وعن الحسن قال: رأيته وبوجهه نكتات جدري، وإذا شعره قد كسا ذراعيه. وعن السائب قال: رأيته يصفر لحيته، فما رأيت شيخاً أجمل منه. وعن أبي ثور الفهمي قال: قدمت على عثمان فقال: لقد اختبأت عند ربي عشراً: إني لرابع أربعة في الإسلام، وما تعنيت ولا تمنيت، ولا وضعت يميني على فرجي منذ بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مرت بي جمعة منذ أسلمت إلا وأنا أعتق فيها رقبة، إلا أن لا يكون عندي فأعتقها بعد ذلك، ولا زنيت في جاهلية ولا إسلام قط، وجهزت جيش العسرة، وأنكحني النبي ابنته، ثم ماتت، فأنكحني الأخرى، وما سرقت في جاهلية ولا إسلام.) وعن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنا نشبه عثمان بأبينا إبراهيم صلى الله عليه وسلم. وعن عائشة نحوه إن صحا. وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى عثمان عند باب المسجد، فقال: يا عثمان هذا جبريل يخبرني أن الله زوجك أم كلثوم بمثل صداق
47

(3/469)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 470
رقية، وعلى مثل صحبتها. أخرجه ابن ماجة. ويروى عن أنس أو غيره قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلا أبو أيم، إلا أخو أيم يزوج عثمان، فإني قد زوجته ابنتين، ولو كان عندي ثالثة لزوجته وما زوجته إلا بوحي من السماء. وعن الحسن قال: إنما سمي عثمان ذا النورين لأنا لا نعلم أحداً أغلق بابه على لبنتي نبي غيره. وروى عطية، عن أبي سعيد قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعاً يديه يدعو لعثمان. وعن عبد الرحمن بن سمرة قال: جاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينارر في ثوبه، حين جهز جيش العسرة، فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل يقلبها بيده ويقول: ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم رواه أحمد في مسنده، وفي مسند أبي يعلى، من حديث عبد الرحمن بن عوف، أنه جهز جيش العسرة بسبعمائة أوقية من ذهب. وقال خليد، عن الحسن قال: جهز عثمان بسبعمائة وخمسين ناقة، وخمسين فرساً، يعني في غزوة تبوك.
47

(3/470)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 471
وعن حبة العرني، عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحم الله عثمان تستحييه الملائكة. وقال المحاربي، عن أبي مسعود، عن بشر بن بشير الأسلمي، عن أبيه قال: لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء، وكانت لرجل من بني غفار، عين يقال لها رومة، وكان يبيع منها القربة بمد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تبيعها بعين في الجنة، فقال: ليس لي يا رسول الله عين غيرها، لا أستطيع ذلك، فبلغ ذلك عثمان، فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف) درهم، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتجعل لي مثل الذي جعلت له عيناً في الجنة إن اشتريتها قال: نعم، قال: قد اشتريتها وجعلتها للمسلمين. وعن أبي هريرة قال: اشترى عثمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة مرتين: يوم رومة، ويوم جيش العسرة. وقالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعاً في بيته كاشفاً عن ساقيه، فاستأذن أبو بكر، ثم عمر، وهو على تلك الحال فتحدثا، ثم استأذن عثمان، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوى ثيابه، فدخل فتحدث، فلما خرج قلت: يا رسول الله دخل أبو بكر، فلم تجلس له، ثم دخل عمر، فلم تهش له، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك، قال: إلا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة رواه مسلم. وروي نحوه من حديث علي، وأبي هريرة، وابن عباس.
47

(3/471)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 472
وقال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان. وعن طلحة بن عبيد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكل نبي رفيق، ورفيقي عثمان. أخرجه الترمذي. وفي حديث القف: ثم جاء عثمان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه.
47

(3/472)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 473
وقال شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري قال: قال الوليد بن سويد: إن رجلاً من بني سليم قال: كنت في مجلس فيه أبو ذر، وأنا أظن في نفسي أن في نفس أبي ذر على عثمان معتبة لإنزاله إياه بالربذة، فلما ذكر له عثمان عرض له بعض أهل المجلس بذلك، فقال أبو ذر: لا تقل في عثمان إلا خيراً، فإني أشهد لقد رأيت مشهداً لا أنساه، كنت التمست خلوات النبي صلى الله عليه وسلم لأسمع منه، فجاء أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، قال: فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصيات، فسبحن في يده حتى سمع لهن حنين كحنين النحل، ثم ناولهن أبا بكر، فسبحن في كفه، ثم وضعهن في الأرض فخرسن، ثم ناولهن عمر، فسبحن في كفه، ثم أخذهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعهن في الأرض فخرسن، ثم ناولهن عثمان فسبحن في كفه، ثم أخذهن منه، فوضعهن فخرسن.)
47

(3/473)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 474
وقال سليمان بن يسار: أخذ جهجاه الغفاري عصا عثمان التي كان يتخصر بها، فكسرها على ركبته، فوقعت في ركبته الأكلة. وقال ابن عمر: كنا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان. رواه جماعة عن ابن عمر. وقال الشعبي: لم يجمع القرآن أحد من الخلفاء من الصحابة غير عثمان، ولقد فارق علي الدنيا وما جمعه. وقال ابن سيرين: كان أعلمهم بالمناسك عثمان، وبعده ابن عمر. وقال ربعي، عن حذيفة: قال لي عمر بمنى من ترى الناس يولون بعدي قلت: قد نظروا إلى عثمان. وقال أبو إسحاق، عن حارثة بن مضرب قال: حججت مع عمر، فكان الحادي يحدو. أن الأمير بعده ابن عفان. وحججت مع عثمان، فكان الحادي يحدو. أن الأمير بعده علي.
47

(3/474)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 475
وقال الجريري، عن عبد الله بن شقيق، عن الأقرع مؤذن عمر، أن عمر دعا الأسقف فقال: هل تجدونا في كتبكم قال: نجد صفتكم وأعمالكم، ولا نجد أسماءكم، قال: وكيف تجدني قال: قرن من حديد، قال: ما قرن من حديد قال: أمير شديد، قال عمر: الله اكبر، قال فالذي بعدي قال: رجل صالح يؤثر أقرباءه، قال عمر: يرحم الله ابن عفان، قال: فالذي من بعده قال: صدع وكان حماد بن سلمة يقول: صدأ من حديد، فقال عمر: وادفراه وادفراه، قال مهلاً يا أمير المؤمنين، إنه رجل صالح، ولكن تكون خلافته في هراقة من الدماء. وقال حماد بن زيد: لئن قلت إن علياً أفضل من عثمان، لقد قلت إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خانوا. وقال ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان قال: كان نقش خاتم عثمان آمنت بالذي خلق فسوى. وقال ابن مسعود حين استخلف عثمان: أمرنا خير من بقي ولم نأل. وقال مبارك بن فضالة، عن الحسن قال: رأيت عثمان نائماً في المسجد، ورداؤه تحت رأسه،) فيجيء الرجل فيجلس إليه، ويجيء الرجل
47

(3/475)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 476
فيجلس إليه، كأنه أحدهم، وشهدته يأمر في خطبته بقتل الكلاب، وذبح الحمام. وعن حكيم بن عباد قال: أول منكر ظهر بالمدينة طيران الحمام، والرمي، يعني بالبندق، فأمر عثمان رجلاً فقصها، وكسر الجلاهقات. وصح من وجوه، أن عثمان قرأ القرآن كله في ركعة. وقال عبد الله بن المبارك، عن الزبير بن عبد الله، عن جدته، أن عثمان كان يصوم الدهر. وقال أنس: إن حذيفة قدم على عثمان، وكان يغزو مع أهل العراق قبل أرمينية، فاجتمع في ذلك الغزو أهل الشام، وأهل العراق، فتنازعوا في القرآن حتى سمع حذيفة من اختلافهم ما يكره، فركب حتى أتى عثمان فقال: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في القرآن اختلاف اليهود والنصارى في الكتب. ففزع لذلك عثمان، فأرسل إلى حفصة أم المؤمنين: أن أرسلي إلي بالصحف التي جمع فيها القرآن، فأرسلت إليه بها، فأمر زيد بن ثابت، وسعيد بن العاص، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أن ينسخوها في المصاحف، وقال: إذا
47

(3/476)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 477
اختلفتم أنتم وزيد في عربية فاكتبوها بلسان قريش، فإن القرآن إنما نزل بلسانهم. ففعلوا حتى كتبت المصاحف، ثم رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل جند من أجناد المسلمين بمصحف، وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف المصحف الذي أرسل إليهم به، فذلك زمان حرقت فيه المصاحف بالنار. وقال مصعب بن سعد بن أبي وقاص: خطب عثمان الناس فقال: أيها الناس، عهدكم بنبيكم بضع عشرة، وأنتم تميزون في القرآن، وتقولون قراءة أبي، وقراءة عبد الله، يقول الرجل: والله ما نقيم قراءتك، فأعزم على كل رجل منكم كان معه من كتاب الله شيء لما جاء به. فكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن، حتى جمع من ذلك كثيراً، ثم دخل عثمان، فدعاهم رجلاً رجلاً، فناشدهم: أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أملاه عليك فيقول: نعم، فلما فرغ من ذلك قال: من أكتب الناس قالوا: كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت، قال: فأي الناس أعرب قالوا: سعيد بن العاص، قال عثمان: فليمل سعيد وليكتب زيد، فكتب مصاحف ففرقها في الناس.) وروى رجل، عن سويد بن غفلة قال علي في المصاحف: لو لم يصنعنه عثمان لصنعته. وقال أبو هلال: سمعت الحسن يقول: عمل عثمان اثنتي عشرة سنة،
47

(3/477)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 478
ما ينكرون من إمارته شيئاً. وقال سعيد بن جمهان، عن سفينة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكاً. وقال قتادة، عن عبد الله بن شقيق، عن مرة البهزي قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: تهيج فتنة كالصياصي، فهذا ومن معه على الحق. قال: فذهبت وأخذت بمجامع ثوبه فإذا هو عثمان. ورواه الأشعث الصنعاني، عن مرة. ورواه محمد بن سيرين، عن كعب ابن عجزة، وروي نحوه عن ابن عمر. وقال قيس بن أبي حازم، عن أبي سهلة مولى عثمان، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل يسار عثمان، ولون عثمان يتغير، فلما كان يوم الدار وحصر فيها، قلنا: يا أمير المؤمنين إلا تقاتل قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهداً، وإني صابر نفسي عليه. أبو سهلة وثقه أحمد العجلي. وقال الجريري: حدثني أبو بكر العدوي قال: سألت عائشة: هل عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد من أصحابه عند موته قالت: معاذ الله إلا أنه
47

(3/478)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 479
سار عثمان، أخبره أنه مقتول، وأمره أن يكف يده. وقال شعبة: أخبرني أبو حمزة: سمعت أبي يقول: سمعت علياً يقول: قتل عثمان وأنا معه، قال أبو حمزة: فذكرته لابن عباس فقال: صدق يقول: قتل الله عثمان ويقتلني معه، قلت: قد كان علي يقول: عهد إلى النبي صلى الله عليه وسلم لتخضبن هذه من هذه. وقد روى شعبة، عن حبيب بن الزبير، عن عبد الرحمن بن الشرود، أن علياً قال: إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان ممن قال الله تعالى: ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين. ورواه عبد الله بن الحارث، عن علي.) وقال مطرف بن الشخير: لقيت علياً فقال: يأبا عبد الله ما بطأ بك، أجب عثمان، ثم قال: لئن قلت ذاك، لقد كان أوصلنا للرحم، وأتقانا للرب. وقال سعيد بن عمرو بن نفيل: لو أنقض أحد لما صنعتم بابن عفان لكان حقيقاً. وقال هشام: ثنا محمد بن سيرين، عن عقبة بن أوس، عن عبد الله بن عمرو قال: يكون على هذه الأمة اثنا عشر خليفة، منهم أبو بكر
48

(3/479)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 480
الصديق، أصبتم اسمه، وعمر الفاروق قرن من حديد، أصبتم اسمه، وعثمان ذو النورين، أوتي كفلين من الرحمة قتل مظلوماً، أصبتم اسمه. رواه غير واحد عن محمد. وقال عبد الله بن شوذب: حدثني زهدم الجرمي قال: كنت في سمر عند ابن عباس فقال: لأحدثنكم حديثاً: إنه لما كان من أمر هذا الرجل ما كان، قلت لعلي: اعتزل هذا الأمر، فوالله لو كنت في جحر لأتاك الناس حتى يبايعوك، فعصاني، وايم الله ليتأمرن عليه معاوية، ذلك بأن الله يقول: ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً. وقال أبو قلابة الجرمي: لما بلغ ثمامة بن عدي قتل عثمان وكان أميراً على صنعاء بكى فأطال البكاء، ثم قال: هذا حين انتزعت خلافة النبوة من أمة محمد، فصار ملكاً وجبرية، من غلب على شيء أكله. وقال يحيى بن سعيد الأنصاري: قال أبو حميد الساعدي وكان بدرياً لما قتل عثمان: اللهم إن لك علي أن لا أضحك حتى ألقاك. قال قتادة: ولي عثمان اثنتي عشرة سنة، غير اثني عشر يوماً. وكذا قال خليفة بن خياط وغيره.
48

(3/480)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 481
وقال أبو معشر السندي: قتل لثماني عشرة خلت من ذي الحجة، يوم الجمعة، زاد غيره فقال: بعد العصر، ودفن بالبقيع بين العشاءين، وهو ابن اثنتين وثمانين سنة. وهو الصحيح، وقيل عاش ستاً وثمانين سنة. وعن عبد الله بن فروخ قال: شهدته ودفن في ثيابه بدمائه، ولم يغسل، رواه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند وقيل: صلى عليه مروان، ولم يغسل. وجاء من رواية الواقدي: أن نائلة خرجت وقد شقت جيبها وهي تصرخ، ومعها سراج، فقال) جبير بن مطعم: أطفئي السراج لا يفطن بنا، فقد رأيت الغوغاء، ثم انتهوا إلى البقيع، فصلى عليه جبير بن مطعم، وخلفه أبو جهم بن حذيفة، ونيار بن مكرم، وزوجتا عثمان ونائلة، وأم البنين، وها دلتاه في حفرته على الرجال الذين نزلوا قبره. ولحدوا له وغيبوا قبره، وتفرقوا. ويروى أن جبير بن مطعم صلى عليه في ستة عشر رجلاً، والأول أثبت.
48

(3/481)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 482
وروى أن نائلة بنت الفرافصة كانت مليحة الثغر، فكسرت ثناياها بحجر، وقالت: والله لا يجتليكن أحد بعد عثمان، فلما قدمت على معاوية الشام، خطبها، فأبت. وقال فيها حسان بن ثابت:
(قتلتم ولي الله في جوف داره .......... وجئتم بأمر جائر غير مهتدي)

(فلا ظفرت أيمان قوم تعاونوا .......... على قتل عثمان الرشيد المسدد)
وقال كعب بن مالك:
(يا للرجال لأمر هاج لي حزناً .......... لقد عجبت لمن يبكي على الدمن)

(إني رأيت قتيل الدار مضطهداً .......... عثمان ييهدى إلى الأجداث في كفن)
وقال بعضهم:
(لعمر أبيك فلا تكذبن .......... لقد ذهب الخير إلا قليلا)

(لقد سفه الناس في دينهم .......... وخلى ابن عفان شراً طويلا)
48

(3/482)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 483
(أحداث سنة ست وثلاثين)

5 (خلافة علي رضي الله عنه)

(بقية أحداث سنة ست وثلاثين)
لما قتل عثمان صبراً، سقط في أيدي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبايعوا علياً، ثم إن طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وأم المؤمنين عائشة، ومن تبعهم رأوا أنهم لا يخلصهم مما وقعوا فيه من توانيهم في نصرة عثمان، إلا أن يقوموا في الطلب دمه، والأخذ بثأره من قتلته، فساروا من المدينة بغير مشورة من أمير المؤمنين علي، وطلبوا البصرة. قال خليفة: قدم طلحة، والزبير، وعائشة البصرة، وبها عثمان بن حنيف الأنصاري والياً لعلي، فخاف وخرج منها، ثم سار علي من المدينة، بعد أن استعمل عليها سهل بن حنيف أخا عثمان، وبعث ابنه الحسن، وعمار بن ياسر إلى الكوفة بين يديه يستنفران الناس، ثم إنه وصل إلى البصرة، وهو أحد الرؤوس الذين خرجوا على عثمان كما سلف، فالتقى هو وجيش طلحة والزبير، فقتل الله حكيماً في طائفة من قومه، وقتل مقدم
48

(3/483)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 484
جيش الآخرين أيضاً مجاشع بن مسعود السلمي. ثم اصطلحت الفئتان، وكفوا عن القتال، على أن يكون لعثمان بن حنيف دار الإمارة والصلاة، وأن ينزل طلحة والزبير حيث شاءا من البصرة، حتى يقدم علي رضي الله عنه. وقال عمار لأهل الكوفة: أما والله إني لأعلم أنها يعني عائشة زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم بها لينظر أتتبعونه أو إياها. قال سعد بن إبراهيم الزهري: حدثني رجل من أسلم قال: كنا مع علي أربعة آلاف من أهل المدينة. وقال سعيد بن جبير: كان مع علي يوم وقعة الجمل ثمانمائة من الأنصار، وأربعمائة ممن شهدوا بيعة الرضوان. رواه جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد. وقال المطلب بن زياد، عن السدي: شهد مع علي يوم الجمل مائة وثلاثون بدرياً وسبعمائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقتل بينهما ثلاثون ألفاً، لم تكن مقتلة أعظم منها. وكان الشعبي يبالغ ويقول: لم يشهدها إلا علي، وعمار، وطلحة، والزبير من الصحابة.) وقال سلمة بن كهيل: فخرج من الكوفة ستة آلاف، فقدموا على علي
48

(3/484)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 485
بذي قار، فسار في نحو عشرة آلاف، حتى أتى البصرة. وقال أبو عبيدة: كان على خيل علي يوم الجمل عمار، وعلى الرجالة محمد بن أبي بكر الصديق، وعلى الميمنة علباء بن الهيثم السدوسي، ويقال: عبد الله ببن جعفر، ويقال: الحسن بن علي، وعلى الميسرة الحسين بن علي وعلى المقدمة عبد الله بن عباس، ودفع اللواء إلى ابنه محمد بن الحنفية وكان لواء طلحة والزبير مع عبد الله بن حكيم بن حزام، وعلى الخيل طلحة، وعلى الرجالة عبد الله بن الزبير، وعلى الميمنة عبد الله بن عامر بن كريز، وعلى الميسرة مروان بن الحكم. وكانت الوقعة يوم الجمعة، خارج البصرة، عند قصر عبيد الله بن زياد. قال الليث بن سعد وغيره: كانت وقعة الجمل في جمادى الأولى. وقال أبو اليقظان: خرج يومئذ كعب بن سور الأزدي في عنقه المصحف، ومع ترس، فأخذ بخطام جمل عائشة، فجاءه سهم غرب فقتله. قال محمد بن سعد: وكان كعب قد طين عليه بيتاً، وجعل فيه كوة يتناول منها طعامه وشرابه اعتزالاً للفتنة، فقيل لعائشة: إن خرج معك لم يتخلف من الأزد أحد، فركبت إليه فنادته وكلمته فلم يجبها، فقالت:
48

(3/485)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 486
ألست أمك ولي عليك حق، فكلمها، فقالت: إنما أريد أن أصلح بين الناس. فذلك حين خرج ونشر المصحف، ومشى بين الصفين يدعوهم إلى ما فيه، فجاءه سهم فقتله. وقال حصين بن عبد الرحمن: قام كعب بن سور فنشر مصحفاً بين الفريقين، ونشدهم الله والإسلام في دمائهم، فما زال حتى قتل. وقال غيره: اصطف الفريقان، وليس لطلحة ولا لعلي رأسي الفريقين قصد في القتال، بل ليتكلموا في اجتماع الكلمة، فترامى أوباش الطائفتين بالنبل، وشبت نار الحرب، وثارت النفوس، وبقي طلحة يقول: أيها الناس انصتوا، والفتنة تغلي، فقال: أف فراش النار، وذئاب طمع، وقال: اللهم خذ لعثمان مني اليوم حتى ترضى، إنا داهنا في أمر عثمان، كنا أمس يداً على من سوانا، وأصبحنا اليوم جبلين من حديد، يزحف أحدنا إلى صاحبه، ولكنه كان مني في أمر عثمان مالا أرى كفارته، إلا بسفك دمي، وبطلب دمه. فروى قتادة، عن الجارود بن أبي سبرة الهذلي قال: نظر مروان بن الحكم إلى طلحة يوم) الجمل، فقال: لا أطلب ثأري بعد اليوم، فرمى طلحة بسهم فقتله. وقال قيس بن أبي حازم: رأيت مروان بن الحكم حين رمى طلحة يومئذ بسهم، فوقع في ركبته، فما زال يسح حتى مات. وفي بعض
48

(3/486)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 487
طرقه: رماه بسهم، وقال: هذا ممن أعان على عثمان. وعن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمه، أن مروان رمى طلحة، والفت إلى أبان بن عثمان وقال: قد كفيناك بعض قتلة أبيك. وروى زيد بن أبي أنيسة، عن رجل، أن علياً قال: بشروا طلحة بالنار. وعن عكرمة، عن ابن عباس قال: خرجنا مع علي إلى الجمل في ستمائة رجل، فسلكنا على طريق الربذة، فقام إليه الحسن، فبكى بين يديه وقال: ائذن لي فأتكلم، فقال: تكلم، ودع عنك أن تحن حنين الجارية، قال: لقد كنت أشرت عليك بالمقام، وأنا أشير عليك الآن: إن للعرب جولة، ولو قد رجعت إليها غوارب أحلامها، لضربوا إليك آباط الإبل، حتى يستخرجوك، ولو كنت في مثل حجر الضب. فقال علي: أتراني لا أبالك كنت منتظراً كما تنتظر الضبع اللدم. وروى نحوه من وجهين آخرين. وعن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عم له قال: لما كان يوم الجمل نادى علي في الناس: لا ترموا أحداً بسهم، وكلموا القوم، فإن هذا مقام من فلج فيه فلج يوم القيامة، قال: فتوافقنا حتى أتانا حر الحديد، ثم إن
48

(3/487)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 488
القوم نادوا بأجمعهم: يالثارات عثمان، قال: وابن الحنفية رتوة معه اللواء، فمد علي يديه وقال: اللهم أكب قتلة عثمان على وجوههم، ثم إن الزبير قال لأساورة معه: ارموهم ولا تبلغوا، وكأنه إنما أراد أن ينشب القتال. فلما نظر أصحابنا إلى النشاب لم ينتظروا أن يقع إلى الأرض، وحملوا عليهم فهزمهم الله. ورمى مروان طلحة بسهم فشك ساقه بجنب فرسه. وعن أبي جرو المازني قال: شهدت علياً والزبير حين تواقفا، فقال له علي: يا زبير أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنك تقاتلني وأنت ظالم لي قال: نعم ولم أذكره إلا في موقفي هذا، ثم انصرف. وقال الحسن البصري، عن قيس بن عباد قال: قال علي يوم الجمل: يا حسن، ليت أباك مات) منذ عشرين سنة، فقال له: يا أبت قد كنت أنهاك عن هذا، قال: يا بني لم أر أن الأمر يبلغ هذا. وقال سعد ابن سعد: إن محمد بن طلحة تقدم فأخذ بخطام الجمل، فحمل عليه رجل، فقال محمد: أذكركم حم فطعنه فقتله، ثم قال في محمد:
(وأشعث قوام بآيات ربه .......... قليل الأذى فيما ترى العين مسلم)

(هتكت له بالرمح جيب قميصه .......... فخر صريعاً لليدين وللفم)
48

(3/488)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 489
(يذكرني حم والرمح شاجر .......... فهلا تلاحم قيل التقدم)

(على غير شيء غير أن ليس تابعاً .......... علياً ومن لا يتبع الحق يندم)
فسار علي ليلته في القتلى، معه النيران، فمر بمحمد بن طلحة قتيلاً، فقال: يا حسن محمد السجاد ورب الكعبة، ثم قال: أبوه صرعه هذا المصرع، ولولا بره بأبيه ما خرج. فقال الحسن: ما كان أغناك عن هذا، فقال: مالي ومالك يا حسن. وقال شريك، عن الأسود بن قيس: حدثني من رأى الزبير يوم الجمل، وناداه علي يأبا عبد الله، فأقبل حتى التفت أعناق دوابهما، فقال: أنشدك بالله، أتذكر يوم كنت أناجيك، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تناجيه فوالله ليقاتلنك وهو لك ظالم. قال: فلم يعد أن سمع الحديث، فضرب وجه دابته وانصرف. وقال هلال بن خباب، فيما رواه عنه أبو شهاب الحناط، وغيره، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال يوم الجمل للزبير: يا بن صفية، هذه عائشة تملك طلحة، فأنت على ماذا تقاتل قريبك علياً فرجع الزبير،
49

(3/489)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 490
فلقيه ابن جرموز فقتله. وقال يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: انصرف الزبير يوم الجمل عن علي، وهم في المصاف، فقال له ابنه عبد الله: جبناً جبناً، فقال: قد علم الناس أني لست بجبان، ولكن ذكرني علي شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحلفت أن لا أقاتله، ثم قال:
(ترك الأمور التي أخشى عواقبها .......... في الله أحسن في الدنيا وفي الدين)
وكيع، عن عصام بن قدامة وهو ثقة عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيتكن صاحبة الجمل الأدبب، يقتل حواليها قتلى كثيرون، وتنجو بعد ما كادت.) وقيل: إن أول قتيل كان يومئذ مسلم الجهني، أمره علي فحمل مصحفاً، فطاف به على القوم يدعوهم إلى كتاب الله، فقتل. وقطعت يومئذ سبعون يداً من بني ضبة بالسيوف، صار كلما أخذ رجل بخطام الجمل الذي لعائشة، قطعت يده، فيقوم آخر مكانه ويرتجز، إلى أن صرخ صارخ اعقروا الجمل، فعقره رجل مختلف في اسمه، وبقي الجمل والهودج الذي عليه، كأنه قنفذ من النبل، وكان الهودج ملبساً بالدروع، وداخله أم المؤمنين، وهي تشجع الذين حول الجمل: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. ثم إنها ندمت وندم علي لأجل ما وقع.
49

(3/490)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 491
2 (ذكر من توفي في هذه السنة)
الأسود بن عوف الزهري له صحبة وهجرة قبل الفتح. وهو أخو عبد الرحمن بن عوف. قتل يوم الجمل. وقد ولي ابنه جابر المدينة لعبد الله بن الزبير. جندب بن زهير الغامدي الأزدي كوفي، يقال: له صحبة. يأتي في السنة الآتية. حذيفة بن اليمان واسم اليمان حسل ويقال حسيل على التصغير بن جابر بن
49

(3/491)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 492
49

(3/492)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 493
أسيد، وقيل عمرو، أبو عبد الله العبسي، حليف الأنصار، وصاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد المهاجرين. وكان أبوه أصاب دماً في قومه، فهرب إلى المدينة وحالف بني عبد الأشهل، فسماه قومه اليمان لحلفه لليمانية، فاستشهد يوم أحد. وشهد حذيفة أحداً وما بعدها من المشاهد، واستعمله عمر على المدائن، فبقي عليها إلى حين وفاته. وتوفي بعد عثمان بأربعين يوماً. روى عنه زيد بن وهب، وزر بن حبيش، وأبو وائل، وربعي بن حراش، وجماعة. قال خيثمة بن عبد الرحمن: أتيت المدينة فسألت الله أن ييسر لي جليساً صالحاً، فيسر لي أبا هريرة، فجلست إليه، فقلت: جئت من الكوفة ألتمس الخير، فقال: أليس فيكم سعد بن مالك مجاب الدعوة وابن مسعود صاحب طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم ونعليه، وحذيفة صاحب سر رسول الله، وعمار الذي أجاره الله على لسان نبيه من الشيطان، وسلمان صاحب الكتابين، يعني الإنجيل والقرآن. صححه الترمذي. وقال أبو اليقظان، عن زاذان، عن حذيفة قالوا: يا رسول الله لو استخلفت، قال: إن استخلفت عليكم فعصيتموه عذبتم، ولكن ما حدثكم عبد الله فاقرأوه. حسنه الترمذي.)
49

(3/493)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 494
أبو نعيم، عن مالك بن مغول عن طلحة: قدم حذيفة المدائن على حمار، عليه إكاف سادلاً رجليه، ومعه عرق ورغيف وهو يأكل. وأخباره مستوفاة في تاريخ ابن عساكر. عن حذيفة قال: ما منعني أن أشهد بدراً إلا أني خرجت أنا وأبي الحسيل، فأخذنا كفار قريش فقالوا: إنكم تريدون محمداً، فقلنا: ما نريد إلا المدينة، فأخذوا علينا عهد الله لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرناه فقال: فوالهم بعهدهم ونستعين الله عليهم. رواه مسلم. وحذيفة أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الأربعة عشر النجباء، كان النبي صلى الله عليه وسلم أسر إليه أسماء المنافقين، وحفظ عنه الفتن التي تكون بين يدي الساعة، وناشده عمر بالله: أنا من المنافقين اللهم لا، ولا أزكى أحداً بعدك. وقد ذكرنا ما أبلى حذيفة ليلة الأحزاب. وافتتحت الدينور عنوة على يديه. وحديثه في الكتب الستة.
49

(3/494)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 495
حكيم بن جبلة العبدي كان متديناً عابداً شريفاً مطاعاً، بعثه عثمان على السند، ثم إنه ظن أن أهلها نقضوا فقدم منها، فسأله عثمان عنها، فقال: ماؤها وشل، ولصها بطل، وسهلها جبل، إن أثر الجند بها جاعوا، وإن قلوا بها ضاعوا. فلم يوجه عثمان عليها أحد بعده. ثم إنه نزل البصرة. وقد ذكرنا أنه أحد من سار إلى الفتنة، ثم قتل في فتنة الجمل، سامحه الله. قيل إنه لم يزل يقاتل حتى قطعت رجله، فأخذها وضرب بها الذي قطعها فقتله بها، ثم أخذ يقاتل ويقول:
(يا ساق لن تراعي .......... إن معي ذراعي)
أحمي بها كراعي حتى نزفه الدم، فاتكأ على المقتول الذي قطع رجله، فمر به رجل، فقال له: من قطع رجلك قال: وسادتي، فما رؤي أشجع منه، ثم قتله سحيم الحداني.
49

(3/495)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 496
الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب، أبو عبد الله
49

(3/496)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 497
القرشي الأزدي المكي، حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته صفية، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أهل الشورى، شهد بدراً والمشاهد كلها، أسلم وهو ابن ست عشرة سنة، وكان من السابقين إلى الإسلام. وهو أول من سل سيفه في سبيل الله.) له أحاديث يسيرة، روى عنه إبناه عبد الله، وعروة، ومالك بن أوس ابن الحدثان، والأحنف بن قيس، وحكيم مولى الزبير وغيرهم. قال الليث: حدثني أبو الأسود، عن عروة قال: أسلم أبي وله ثماني سنين. ونفحة من الشيطان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بأعلى مكة،
49

(3/497)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 498
فخرج الزبير وهو غلام ابن اثنتي عشرة سنة، ومعه السيف، فمن رآه عجب وقال: الغلام معه سيف، حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: مالك فأخبره، فقال: أتيت أضرب بسيفي من أخذك. وقد روى أنه كان طويلاً إذا ركب تخط رجلاه الأرض، وأنه كان خفيف العارضين واللحية. وذكر يعقوب بن شيبة بإسناد لين، عن الزهري قال: كان الزبير طويلاً أزرق أخضر الشعر. وقال أبو نعيم: كان ربعة. خفيف اللحم واللحية، أسمر أشعر لا يخضب. وقال الواقدي: ليس بالقصير ولا بالطويل خفيف اللحية أسمر. وقد ذكرنا أنه انصرف عن القتال يوم الجمل، فلحقه ابن جرموز فقتله غيلة. وثبت في الصحيح أن الزبير خلف أملاكاً بنحو أربعين ألف ألف درهم وأكثر، وما ولي إمارة قط ولا خراجاً، بل كان يتجر ويأخذ عطاءه، وقيل: إنه كان له ألف مملوك يؤدون إليه الخراج، فربما تصدق بخراجهم
49

(3/498)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 499
كله في مجلسه قبل أن يقوم. وقال الليث بن سعد، عن أبي فروة أخي إسحاق قال: قال علي رضي الله عنه: حاربني خمسة: حاربني أطوع الناس في الناس عائشة، وأشجع الناس الزبير، وأمكر الناس طلحة بن عبيد الله، كان محموداً حتى استزله أبوه، فخرج به، وحاربني أعطى الناس يعلى بن منية، كان يعطي الرجل الواحد الثلاثين ديناراً والسلاح والفرس على أن يقاتلني. وعن موسى بن طلحة بن عبيد الله، أن علياً والزبير، وطلحة، وسعد بن أبي وقاص ولدوا في عام واحد. وقال الليث، عن الأسود، إن الزبير أسلم وهو ابن ثماني سنين. وقد ذكرنا أن الزبير كان يوم بدر على فرس، وأنه كان لابساً، عمامة صفراء، فنزلت الملائكة عليهم عمائم صفر.
50

(3/499)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 500
وفيه يقول حسان بن ثابت
(أقام على عهد النبي وهديه .......... حواريه والقول بالفعل يكمل)
)
(أقام على مناهجه وطريقه .......... يوالي ولي الحق والحق أعدل)

(هو الفارس المشهور والبطل الذي .......... يصول إذا ما كان يوم محجل)

(إذا كشفت عن ساقيها الحرب حشها .......... بأبيض سباق إلى الموت يرقل)

(فما مثله فيهم ولا كان قبله .......... وليس يكون الدهر ما دام يذبل)

(ثناؤك خير من فعال معاشر .......... وفعلك يابن الهاشمية أفضل)

(فكم كربة ذب الزبير بسيفه .......... عن المصطفى والله فيجزل)
50

(3/500)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 501
وفيه يقول عامر بن عبد الله بن الزبير:
(جدي ابن عمه أحمد وزيره .......... عند البلاء وفارس الشقراء)

(وغداة بدر كان أول فارس .......... شهد الوغى في الأمة الصفراء)

(نزلت بسيماه الملائك نصرة .......... بالحوض يوم تألب الأعداء)
وعن عروة وهو في الصحيح أن عائشة قالت: يابن أختي كان أبي تعني أبا بكر والزبير من الذين استجابوا لله وللرسول من بعد ما أصابهم القرح. وقال محمد بن المنكدر، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق: من يأتينا بخبر بني قريظة فقال الزبير: أنا، فذهب على فرس فجاء بخبرهم، ثم ندب الناس ثانياً وثالثاً، فانتدب الزبير وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن لكل نبي حوارياً وحواريي الزبير. وقال ابن المنكدر، عن جابر أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولبزبير ابن عمتي وحواريي من أمتي.
50

(3/501)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 502
وقال عاصم، عن زر استأذن اببن جرموز على علي وأنا عنده، فقال: بشر قاتل صفية بالنار، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لكل نبي حواري وحواريي الزبير. الحواري: الناصر. وقال الكلبي: الحواري: الخليل، وقال مصعب الزبيري: الحواري: الخالص من كل شيء. وقال عروة، عن أخيه عبد الله بن الزبير، عن أبيه قال: جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بويه قال: إرم فداك أبي وأمي. وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد: ضرب الزبير ييوم عثثمان ببن عبد الله بن المغيرة بالسيف فقده إلى القربوس، فقالوا: ما أجود سيفك، فغضب، يعني أن العمل ليده لا لسيفه.) وعن الزبير أنه دخل يوم الفتح ومعه لواءان: لواؤه، ولواء سعد بن عبادة.
50

(3/502)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 503
وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام، عن أبيه قال: أعطى النبي صلى الله عليه وسلم: الزبير يلمق حرير، محشو بالقز يقاتل فيه. وقال سفيان الثوري: كان هؤلاء الثلاثة نجدة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: حمزة وعلي والزبير. وقال عروة: كان في الزبير ثلاث ضربات بالسيف، إحداهن في عاتقه، إن كنت لأدخل أصابعي فيها، ضرب اثنتين يوم بدر، وواحدة يوم اليرموك. وقال عروة: أخذ بعضنا سيف الزبير بثلاثة آلاف. وقال سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء فتحرك الجبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسكن حراء فما عليك إلا نبي صديق أو شهيد، وكان عليه هو، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في العشرة إنهم في الجنة فذكر منهم الزبير.
50

(3/503)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 504
وقال عروة: قال عمر بن الخطاب: لو عهدت أو تركت تركة، كان أحبهم إلي الزبير، إنه ركن من أركان الدين. وقال عروة: أوصى سبعة من الصحابة إلى الزبير منهم عثمان وابن مسعود، وعبد الرحمن بن عوف، فكان ينفق على الورثة من ماله، ويحفظ عليهم أموالهم. وقال هشام بن عروة: لما قتل عمر محا الزبير بن العوام نفسه من الديوان. وروى أحمد في مسنده من حديث مطرف قال: قلت للزبير: يا أبا عبد الله ما شأنكم ضيعتم عثمان حتى قتل، ثم جئتم تطلبون بدمه فقال الزبير: إنا قرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان: واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة، لم نكن نحسب أنا أهلها، حتى وقعت منا حيث وقعت. يزيد بن هارون، عن عمرو بن مييمون بن مهران، عن أبيه قال: كانت
50

(3/504)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 505
أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط تحت الزبير، وكانت فه شدة على النساء، وكانت له كارهة، تسأله الطلاق، فيأبى حتى ضربها الطلق وهو لا يعلم، فألحت عليه وهو يتوضأ، فطلقها تطليقة، ثم خرج، فوضعت، فأدركه إنسان من أهله، فأخبره، فقال خدعتني خدعها الله. وأتى النبي صلى الله) عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال: سبق فيها كتاب الله فأخطبها قال: لا ترجع إلي أبداً. قال الواقدي: ثم تزوجها عبد الرحمن بن عوف، فولدت له إبراهيم وحميداً. قاله يعقوب بن شيبة. وروى هشام بن عروة، عن أبيه قال: قال الزبير: إن طلحة يسمي بأسماء الشهداء لعلهم يستشهدون: عبد الله بعبد الله بن جحش، والمنذر بالمنذر بن عمرو، وعروة بعروة بن مسعود، وحمزة بحمزة، وجعفر ببجعفر بن أبي طالب، ومصعب بمصعب بن عمير، وعبيدة بعبيدة بن الحارث، وخالد بخالد بن سعيد، وعمرو بعمرو بن سعيد بن العاص قتل باليرموك. وقال فضيل ببن مرزوق: حدثني شقيق بن عقبة، عن قرة بن الحارث، عن جون بن قتادة قال: كنت مع الزبير يوم الجمل، فكانوا يسلمون عليه بالأمرة. وقال حصين بن عبد الرحمن، عن عمرو بن جاوان قال: كان أول قتيل
50

(3/505)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 506
طلحة، وانهزموا، فانطلق الزبير فلقيه النعر المجاشعي فقال: تعال يا حواري رسول الله فأنت في ذمتي، فسار معه، وجاء رجل إلى الأحنف بن قيس، فذكر أنه رأى الزبير بسفوان فقال: حمل بين المسلمين، حتى إذا ضرب بعضهم حواجب بعض بالسيف، أراد أن يلحق ببنيه، قال: فسمعها عمير بن جرموز المجاشعي، وفضالة بن حابس، ورجل، فانطلقوا حتى لقوه مع النعر، فأتاه ابن جرموز من خلفه، فطعنه طعنة ضعيفة. فحمل عليه الزبير، فلما استلحمه وظن أنه قاتله، قال: يا فضلالة يا فلان، فحملوا عليه على الزبير فقتلوه، وقيل: طعنه ابن جرموز ثانية فوقع. وقال ابن عون: رأيت قاتل الزبير، وقد أقبل على الزبير، فأقبل عليه الزبير، فقال الزبير: أذكرك الله، فكف عنه الزبير حتى صنع ذلك غير مرة، فقال الزبير: ما له قاتله الله يذكرنا بالله وينساه. وعن أبي نضرة قال: جاء أعرابي برأس الزبير إلى علي، فقال: يا أعرابي تبؤأ مقعدك من النار. وقال أبو جعفر محمد بن علي الباقر: قال علي: إني لأرجو أن أكون أنا، وطلحة، والزبير من الذين قال الله: ونزعنا ما في صدورهم من غل
50

(3/506)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 507
إخواناً على سرر متقابلين. وقال منصور بن عبد الرحمن الغداني: سمعت الشعبي يقول. أدركت خمسمائة أو أكثر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: علي، وعثمان، وطلحة، والزبير في الجنة.) وفيه يقول جرير:
(إن الرزية من تضمن قبره .......... وادي السباع لكل جنب مصرع)

(لما أتى الزبير تواضعت .......... سور المدينة والجبال الخشع)
وقال عروة: ترك أبي من العروض خمسين ألف ألف درهم، ومن العين خمسين ألف ألف درهم. هذه رواية أبي أسامة، عن هشام، عن أبيه، وروى ابن عيينة عنه، عن أبيه قال: اقتسم مال الزبير على أربعين ألف أف. وادي السباع على سبعة فراسخ من البصرة.
50

(3/507)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 508
وقال البخاري: إنه قتل في رجب. وقال ابن عيينة: جاء ابن جرموزإلى المصعب بن الزبير، يعني أيام ولي العراق لأخيه فقال: أقدني بالزبير، فكتب في ذلك إلى عبد الله بن الزبير، فكتب إليه: أنا أقتل ابن جرموز بالزبير ولا شسع نعليه. وعن عبد الله بن عروة، أن ابن جرموز مضى من عند مصعب، حتى إذا كان ببعض السواد، لحق بقصر هناك، عليه زج، ثم أمر إنساناً أن يطرحه عليه، فطرحه عليه فقتله، وكان قد كره الحياة لما كان يهول عليه، ويرى في منامه، وذلك دعاه إلى ما فعل. زيد بن صوحان العبدي أخو صعصعة، يقال: له وفادة على النبي صلى الله عليه وسلم، وسمع من عمر، وعلي.
50

(3/508)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 509
روى عنه أبو وائل، والعيزار بن حريث. وكان صواماً قواماً، فقال له سلمان الفارسي: إن لبدنك عليك حقاً، ولزوجك عليك حقاً، فأقل مما تصنع. قتل يوم الجمل.
51

(3/509)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 510
سلمان الفارسي أبو عبد الله الرامهرمزي، وقيل الأصبهاني، سابق الفرس إلى
51

(3/510)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 511
الإسلام، خدم النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه. روى عنه ابن عباس، وأنس أبو الطفيل، وأبو عثمان النهدي، وأبو عمر زاذان، وجماعة سواهم. ثقبان: ثنا يعقوب بن سفان الفسوي، ثنا زكريا بن نافع الأرسوفي، ثنا السري بن يحيى، عن) سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي قال: كان سلمان من أهل رامهرمز، فجاء راهب إلى جبالها يتعبد، فكان ياتيه ابن دهقان القرية، قال: ففطنت له، فقلت: إذهب بي معك، فقال: لا، حتى أستأمره، فاستأمره، فقال: جيء به معك، فكنا نختلف إليه، حتى فطن لذلك أهل القرية، فقالوا: يا راهب، إنك قد جاورتنا فأحسنت جوارك، وإنا نراك تريد أن تفسد علنا غلماننا، فاخرج عن أرضنا، قال: فخررج، وخرجت معه، فجعل لا يزداد ارتفاعاً في الأرض، إلا ازداد معرفة وكرامة، حتى أتى الموصل، فأتى جبلاً من جبالها، فإذا رهبان سبعة، كل رجل في غار يتعبد فيه، يصوم ستة أيام ولياليهن، حتى إذا كان يوم السابع، اجتمعوا فأكلوا وتحدثوا. فقلت لصاحبي: اتركني عند هؤلاء إن شئت، قال: فمضى وقال: إنك لا تطيق ما يطيق هؤلاء، وكان ملك بالشام يقتل الناس، فأبى علي
51

(3/511)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 512
إلا أن ننطلق، فقلت: فإني أخرج معك، قال: فانطلقت معه. فلما انتهينا إلى باب بيت المقدس، فإذا على باب المسجد رجل مقعد قال: يا عبد الله تصدق علي، فلم يكن معه شيء يعطيه إياه، فدخل المسجد فصلى ثلاثة أيام ولياليهن، ثم إنه انصرف، فخط خطاً وقال: إذا رأيت الظل بلغ هذا الخط فأيقظني، فنام، وقال: فرثيت له من طول ما سهر، فلم أوقظه حتى جاوز الخط، فاستيقظ فقال: ألم أقل لك قلت: إني رثيت لك من طول ما سهرت، فقال: ويحك إني أستحي من الله أن تمضي ساعة من ليل أو نهار لا أذكره فيها، ثم خرج، فقال له المقعد: أنت رجل صالح دخلت وخرجت ولم تصدق علي، فنظر يميناً وشمالاً فلم ير أحداً، قال: أرني يدك، قم بإذن الله، فقام ليس به علة، فشغلني النظر إليه، ومضى صاحبي في السكك، فالتفت فلم أره، فانطلقت أطلبه. قال: ومرت رفقة من العراق، فاحتملوني، فجاءوا بي إلى المدينة، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال: ذكرت قولهم: إنه لا يأكل الصدقة ولا يقبل الهدية، فجئت بطعام إليه، فقال: ما هذا، قلت: صدقة، فقال لأصحابه: كلوا ولم يذقه، ثم إني رجعت وجمعت طعيماً، فقال: ما هذا يا سلمان قلت: هدية، فأكل، قلت: يا رسول الله أخبرني عن النصارى، قال: لا خير فيهم، فقمت وأنا مثقل، قال: فرجعت إليه رجعة أخرى، فقلت له: يا رسول الله أخبرني عن النصارى، قال: لا خير فهم ولا فيمن يحبهم، فقمت وأنا مثقل، فأنزل الله تعالى لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا) الذين قالوا إنا نصارى فأرسل إلي فقال: يا سلمان إن صاحبك أو أصحابك من هؤلاء الذين ذكر الله تعالى. إسناده جيد، وزكريا
51

(3/512)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 513
الأرسوفي صدوق إن شاء الله. وقد ذكرنا قصته وكيف تنقل في البلدان في طلب الهدى، إلى أن وقع في الأسر في المدينة، وكيف كاتب مولاه. قال أبو عبد الرحمن القاسم: إن سلمان زار الشام، فصلى الإمام الظهر، ثم خرج، وخرج الناس يتلقونه كما يتلقى الخليفة، فلقيناه وقد صلى بأصحابه العصر وهو يمشي، فوقفنا نسلم عليه، فلم يبق فينا شريف إلا عرض عليه أن ينزل به، فقال: جعلت على نفسي مرتي هذه أن أنزل على بشير بن سعد، وسأل عن أبي الدرداء، فقالوا: هو مرابط، قال: قال: أين مرابطكم قالوا: بيروت، فتوجه قبله. وقال أبو عثمان النهدي، عن سلمان، تداولني بضعة عشر من رب إلى رب. أخرجه البخاري.
51

(3/513)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 514
وقال يونس بن عبيد، عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلمان الفارسي سابق الفرس. وقال الواقدي: أول غزوة غزاها سلمان الخندق. وقال شريك: ثنا أبو ربيعة، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب من أصحابي أربعة، وأمرني أن أحبهم: علي، وأبو ذر، وسلمان، والمقداد بن الأسود. وعن أنس قال: الجنة تشتاق إلى ثلاثة: علي، وعمار، وسلمان. رفعه.
51

(3/514)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 515
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الجنة لأشوق إلى سلمان من سلمان إليها. وقال علي: سلمان أدرك العلم الأول والعلم الآخر، بحر لا يدرك قعره، وهو منا أهل البيت. وقال العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية: وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم. قالوا: يا رسول الله من هؤلاء فضرب على فخض سلمان الفارسي، ثم قال: هذا وقومه، ولو كان الدين عند الثريا لتناوله رجال من الفرس. وقال الأعمش، عن أبي صالح قال: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قول سلمان لأبي) الدرداء: إن لأهلك عليك حقاً، فقال: ثكلت سلمان أمه لقد اتسع من العلم.
51

(3/515)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 516
وقال قتادة: ومن عنده علم الكتاب هو سلمان، وعبد الله بن سلام. وعن علي، وذكر سلمان فقال: ذاك مثل لقمان الحكيم بحر لا ينزف. وقال أبو إدريس الخولاني، عن يزيد بن خمير قال: قلنا لمعاذ: أوصنا، قال: التمسوا العلم عند أربعة: أبي الدرداء، وسلمان، وابن مسعود، وعبد الله بن سلام. ويروى أن سلمان قال مرة: لو حدثتهم بكل ما أعلم لقالوا رحم الله قاتل سلمان. وقال الحجاج بن فروخ الواسطي وقد وضعه النسائي ثنا ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: قدم سلمان من غيبة، فتلقاه عمر، فقال لسلمان: أرضاك الله عبداً، قال: فزوجني، فسكت عنه، فقال: أترضاني لله عبداً ولا ترضاني لنفسك، فلما أصبح أتاه قوم عمر
51

(3/516)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 517
ليضرب عن خطبة عمر، فقال: والله ما حملني على هذا إمرأته ولا سلطانه، ولكن قلت: رجل صالح عسى الله أن يخرج منه ومني نسمة صالحة، قال: فتزوج في كندة، فلما جاء ليدخل على أهله، إذا البيت منجد، وإذا فيه نسوة، فقال: أتحولت الكعبة إلى كندة أم حم، يعني: بيتكم أمرني خليلي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم إذا تزوج أحدنا أن لا يتخذ من المتاع إلا أثاثاً كأثاث المسافر، ولا يتخذ من النساء إلا ما ينكح، فقام النسوة وخرجن، وهتكن ما في البيت، ودخل بأهله فقال: أتطيعيني قالت: نعم، قال: إن خليلي صلى الله عليه وسلم أمرنا إذا دخل أحدنا على أهله أن يقوم فيصلي، ويأمها فتصلي خلفه، ويدعو فتؤمن، ففعل وفعلت، فلما أصبح جلس في كندة، فقال له رجل: يا أبا عبد الله كيف أصبحت، كيف رأيت أهلك فسكت، فأعاد القول، فسكت عنه. ثم قال: ما بال أحدكم يسأل الشيء قد وارته الأبواب والحيطان، إنما كفي أحدكم أن يسأل عن الشيء، أجيب أو سكت عنه. وقال عقبة بن أبي الصهباء: ثنا ابن سيرين، ثنا عبيدة، أن سلمان الفارسي مر بجسر المدائن غازياً، وهو أمير الجيش، وهو ردف رجل من كندة، على بغل موكوف، فقال أصحابه: أعطنا اللواء أيها الأمير نحمله، فيأبى ويقول: أنا أحق من حمله، حتى قضى غزاته ورجع، وهو ردف ذلك
51

(3/517)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 518
الرجل، حتى رجع إلى الكوفة. وعن رجل قال: رأيت سلمان على حمار عري، وكان رجلاً طويل الساقين، وعليه قميص سنبلابي، فقلت للصبيان: تنحوا عن الأمير، فقال: دعهم فإن الخير والشر فيما بعد اليوم.) وقال عطاء بن السائب، عن ميسرة، إن سلمان كان إذا سجدت له العجم طأطأ رأسه وقال: خشعت لله، خشعت لله. وقال جرير بن حازم: سمعت شيخاً من عبس يحدث عن أبيه قال: أتيت السوق، فاشتريت علفاً بدرهم، فرأيت رجلاً فسخرته، فحملت عليه العلف، فمر بقوم فقالوا: نحمل عنك يأبا عبد الله، فقلت: من هذا قالوا: هذا سلمان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: لم أعرفك، فضعه عافاك الله، فأبى حتى أتى منزلي به. وقال الحسن البصري: كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان أميراً على ثلاثين ألفاً، يخطب في عباءة، يفترش نصفها ويلبس نصفها، وكان إذا خرج عطاؤه أمضاه ويأكل من سفيف يده. وقال النعمان بن حميد: رأيت سلمان وهو يعمل الخوص، فسمعته
51

(3/518)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 519
يقول: أشتري خوصاً بدرهم فأبيعه بثلاثة دراهم، فأعيد درهماً فيه، وأنفق درهماً على عيالي، وأتصدق بدرهم، ولو أن عمر نهاني عنه ما انتهيت، رواها بعضهم فزاد فيها: فقلت له: فلم تعمل يعني: لم وليت، قال: إن عمر أكرهني، فكتب إليه فأبى علي مرتين. وكتبت إليه فأوعدني. وقال عبد العزيز بن رفيع، عن أبي ظبيان، عن جرير بن عبد الله قال: نزلت بالصفاح في يوم شديد الحر، فإذا رجل نائم مستظل بشجرة، معه شيء من الطعام في مزود تحت رأسه، وقد التف في عباءة. فأمرت أن يظلل عليه، ونزلنا، فانتبه، فإذا هو سلمان، فقلت: ما عرفناك، فقال: يا جرير تواضع في الدنيا، فإنه من تواضع في الدنيا يرفعه الله يوم القيامة، ومن يتعظم في الدنيا يضعه الله يوم القيامة. يا جرير لو حرصت على أن تجد عوداً يابساً في الجنة لم تجده، لأن أصول الشجر ذهب وفضة، وأعلاها الثمار، يا جرير تدري ما ظلمة النار قلت: لا، قال: ظلم الناس بعضهم بعضاً. وقال عبد الله بن بريدة: كان سلمان يعمل بيديه، فإذا أصاب شيئاً اشترى به لحماً أو سمكاً، ثم يدعو المجذومين فيأكلون معه. وفي الموطأ عن يحيى بن سعيد، أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان:
52

(3/519)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 520
أن هلم إلى الأرض المقدسة، فكتب إليه: إن الأرض لا تقدس أحداً، وإنما يقدس الإنسان عمله، وقد بلغني أنك جعلت طيباً، فإن كنت تبرئ فنعماً لك، وإن كنت متطبباً فاحذر أن تقتل إنساناً فتدخل النار، فكان أبو الدرداء إذا قضى بين اثنين ثم أدبرا عنه نظر إليهما وقال: متطبب والله، ارجعا إلي) أعيد علي قصتكما. وقال سليمان بن قرم، عن الأعمش، عن أبي وائل قال: ذهبت أنا وصاحب لي إلى سلمان فقال: لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن التكلف لتكلفت لكم، ثم جاءنا بخبز وملح، فقال صاحبي: لو كان في ملحنا صعتر، فبعث سلمان بمطهرته فرهنها، وجاء بصعتر، فلما أكلنا قال صاحبي: الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا، فقال سلمان: لو قنعت لم تكن مظهرتي مرهونة. حبيب بن الشهيد، عن ابن بريدة قال: كان سلمان يصنع الطعام للمجذومين، ثم يجلس فيأكل معهم. وقال أبو عثمان النهدي: كان سلمان لا يفقه كلامه من شدة عجمته، وكان يسمى الخشب خشبان.
52

(3/520)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 521
وعن ثابت قال: بلغني أن سلمان لم يخلف إلا بضعة وعشرين درهماً. قال أبو عبيدة وابن زنجويه: قبل الجمل. وقال الواقدي: توفي في خلافة عثمان. ذكر ما يدل على أنه توفي في خلافة عثمان كما قال الوقدي: فروى جعفر بن سلمان، عن ثابت، عن أنس قال: دخل سعد، وابن مسعود على سلمان عند الموت، فبكى، فقيل: ما يبكيك قال: عهد عهده إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم نحفظه: قال: ليكن بلاغ أحدكم كزاد الراكب. وقال خليفة: توفي سنة سبع وثلاثين. وقيل عاش مائتين وخمسين سنة، وأكثر ما قيل: إنه عاش ثلاثمائة وخمسين سنة، والأول أصح.
52

(3/521)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 522
طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة التيمي، أبو
52

(3/522)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 523
محمد، أحد السابقين الأولين، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة. روى عنه بنوه يحيى، وموسى، وعيسى، وقيس بن أبي حازم، والأحنف بن قيس، والسائب بن يزيد، وأبو عثمان النهدي، وأبو سلمة بن عبد الرحمن. وغاب عن بدر في تجارة بالشام، فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره،) وخرج مع عمر إلى الجابية، وكان على المهاجرين. وكان رجلاً آدم، كثير الشعر، ليس بالجعد، ولا بالسبط، حسن الوجه، إذا مشى أسرع، ولا يغير شيبه.
52

(3/523)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 524
روى الترمذي بإسناد حسن، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد: أوجب طلحة. وقال الصلت بن دينار، عن أبي نضرة، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أراد أن ينظر إلى شهيد يمشي على رجليه فلينظر إلى طلحة. وقال عبد العزيز بن عمران: حدثني إسحاق بن حيى، حدثني موسى ابن طلحة قال: كان طلحة أبيض يضرب إلى حمرة، مربوعاً، إلى القصر أقرب، رحب الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم القدمين إذا التفت ألتفت جميعاً. وعن عائشة، وأم إسحاق ابنتي طلحة قالتا: جرح أبونا يوم أحد
52

(3/524)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 525
أربعاً وعشرين جراحة، وقع منها رأسه شجة، وقطع نساه وشلت أصابعه. وعن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طلحة ممن قضى نحبه رواه الطيالسي في مسنده. وفي مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، فتحركت الصخرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أثبت حراء، فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد. وعن علي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: طلحة والزبير جاراي في الجنة. رواه الترمذي. وعن سلمة بن الأكوع قال: ابتاع طلحة بئراً بناحية الجبل، ونحر جزوراً فأطعم الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت طلحة الفياض.
52

(3/525)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 526
وقال مجالد، عن الشعبي، عن قبيصة بن جابر: صحبت طلحة، فما رأيت أعطى لجزيل مال من غير مسألة منه. وقال أبو إسماعيل الترمذي: ثنا سليمان بن أيوب بن سليمان بن عيسى بن موسى بن طلحة التيمي، حدثني أبي، عن جدي، عن موسى بن طلحة، أن أباه أتاه مال من حضرموت سبعمائة ألف، فبات ليلته يتململ، فقالت له زوجته: مالك فقال: تفكرت فقلت: ما ظن رجل بربه يبيت) وهذا المال في بيته، قالت: فأين أنت عن بعض اخلائك، فإذا أصبحت فاقسمها، فقال: إنك موفقة وهي أم كلثوم بنت الصديق فقسمها بين المهاجرين والأنصار، فبعث إلى علي منها، وأعطى زوجته ما فضل، فكان نحو ألف درهم. أخبرنا عبد الرحمن بن أبي عمرو وجماعة كتابة، أن عمر بن طبرزد أخبرهم: نا هبة الله بن الحصين، أنا ابن غيلان، ثنا أبو بكر الشافعي، ثنا الحسن بن دينار، عن علي بن زيد قال: جاء أعرابي إلى طلحة، فسأله وتقرب إليه برحم، فقال: إن هذه لرحم ما سألني بها أحد قبلك، إن لي أرضاً قد أعطاني بها عثمان ثلاثمائة ألف، فإن شئت الأرض، وإن شئت ثمنها، قال: لا بل الثمن، فأعطاه. وروى أنه فدى عشرة من أسارى بماله.
52

(3/526)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 527
ولطلحة حكايات سوى هذه في السخاء. وعن محمد بن إبراهيم التيمي قال: كان ييغل طلحة بالعراق أربعمائة ألف، ويغل بالسراة عشرة آلاف دينار، وكان يكفي ضعفاء بني تيم، ويقضي ديونهم، ويرسل إلى عائشة كل سنة بعشرة آلاف. وقال الواقدي: حدثني إسحاق بن يحيى، عن موسى بن طلحة، أن معاوية سأله: كم ترك أبو محمد من العين قال: ترك ألف ألف ومائتي درهم، ومائتي ألف دينار، فقال: عاش سخياً حميداً، وقتل فقيداً. قد ذكرنا أن مروان كان في جيش طلحة والزبير يوم الجمل وأنه رمى بسهم على طلحة فقتله، فقال مجالد، عن الشعبي قال: رأى علي طلحة في بعض الأودية ملقى، فنزل فمسح التراب عن وجهه، ثم قال: عزيز علي أبا محمد أن أراك مجدلاً في الأودية، ثم قال: إلى الله أشكو عجزي وبجري. قال الأصمعي: معناه: سرائري وأحزاني التي تموج في جوفي. وقال ليث، عن طلحة بن مصرف، إن علياً انتهى إلى طلحة وقد مات، فنزل وأجلسه، ومسح الغبار، عن وجهه ولحيته، وهو يترحم عليه
52

(3/527)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 528
ويقول: ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة. قال أبو أسامة: ثنا إسماعيل بن أبي خالد، ثنا قيس قال: رمى مروان يوم الجمل طلحة بسهم في ركبته، فجعل الدم يسيل، فإذا أمسكوه استمسك، وإذا تركوه سال، فقال دعوه، فإنما هو سهم أرسله الله، قال: فمات، فدفناه على شاطئ الكلأ، فرأى بعض أهله أنه أتاه في المنام فقال:) ألا تريحوني من هذا الماء، فإني قد غرقت ثلاث مرات يقولها قال: فنبشوه، فإذا هو أخضر كأنه السلق، فنزعوا عنه الماء فاستخرجوه، فإذا ما يلي الأرض من لحيته ووجهه قد أكلته الأرض. فاشتروا له داراً من دور آل أبي بكرة، بعشرة آلاف فدفنوه فيها. الكلأ بالمد والتشديد: مرسى المراكب، ويسمى الميناء. وقال أبو معاوية وغيره: حدثنا أبو مالك الأشجعي، عن أبي حبيبة مولى طلحة قال: دخلت على علي مع عمران بن طلحة بعد الجمل، فرحب به وأدناه منه ثم قال: إني لأرجو الله أن يجعلني وأباك ممن قال فيهم: ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً الآية. فقال رجلان عنده: الله أعدل من ذلك، فقال: قوما أبعد أرض وأسحقها، فمن هو إذغ لم أكن أنا وطلحة، يا بن أخي إذا كانت لك حاجة فأتنا. وعن أم يحيى قالت: قتل طلحة وفي يد خازنه ألفا ألف درهم، ومائتا
52

(3/528)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 529
ألف درهم، وقومت أصوله وعقاره بثلاثين ألف ألف درهم. وقد مضى من أخباره في وقعة الجمل، حشرنا الله معه. عبد الله بن سعد بن أبي سرح القرشي العامري، أبو يحيى، أخو عثمان من الرضاعة. له صحبة. ولاه عثمان مصر، ولما مات عثمان اعتزل الفتنة. وجاء من مصر إلى الرملة، فتوفي بها. وكان صاحب ميمنة عمرو بن العاص في حروبه.
53

(3/529)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 530
وكان بطلاً شجاعاً مذكوراً. غزا بالجيش غير مرة المغرب. وكان أمير غزوة ذات الصواري من أرض الروم، غزاها في البحر. وكان قد أسلم وكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم ارتد ولحق بالمشركين. فلما كان يوم الفتح أهدر دمه، فأجاره عثمان. ثم حسن إسلامه وبلاؤه. وقال الليث بن سعد: إنه كان محمود السيرة، وإنه غزا إفريقية، وقتل جرير صاحبها، وغزا ذات الصواري، فالتقى الروم وكانوا في ألف مركب، فتلهم مقتلة عظيمة لم يقتلوا مثلها. ولما احتضر قال: اللهم اجعل آخر عملي صلاة الصبح، فلما طلع الفجر توضأ وصلى، فلما ذهب يسلم عن يساره فاضت نفسه. وقيل: شهد صفين مع معاوية.) وقال أبو سعيد بن يونس المصري: توفي بعسقلان. عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد بن أبي العيص الأموي. ولد
53

(3/530)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 531
قديماً. وأمه جويرية بنت أبي جهل بن هاشم التي كان قد خطبها علي، ثم تزوجها عتاب بن أسيد أمير مكة. كان عبد الرحمن يوم الجمل مع عائشة، فكان يصلي بهم، وقتل يومئذ. وقيل لما رآه علي قتيلاً قال: هذا يعسوب القوم. وقيل إن يده قطعت فحملها الطير حتى ألقتها بالمدينة، فعرفوا أنها يده بخاتمه، فصلوا عليه. عبد الرحمن بن عديس أبو محمد البلوي. له صحبة. وبايع تحت الشجرة. وله رواية. سكن مصر. وكان ممن خرج على عثمان وسار إلى قتاله. نسأل الله العافية. ثم ظفر به معاوية فسجنه بفلسطين في جماعة، ثم هرب من السجن، فأدركوه بجبل لبنان فقتل. ولما أدركوه قال لمن قتله: ويحك اتق الله في دمي، فإني من أصحاب الشجرة، فقال: الشجر بالجبل كثير، وقتله. قال ابن يونس: كان رئيس الخيل التي سارت من مصر إلى عثمان.
53

(3/531)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 532
وعن محمد بن يحيى الذهلي قال: لا يحل أن يحدث عنه بشيء، هو رأس الفتنة. عمرو بن أبي عمرو الحارث بم شداد. وقيل: الحارث بن زهير ابن شداد القرشي الفهري. أحد من شهد بدراً في قول الواقدي وابن عقبة. قدامة بن مظعون أبو عمر الجمحي، توفي فيها عن ثمان وستين سنة. شهد بدراً، واستعمله عمر على البحرين. وهو خال عبد الله وحفصة ابني عمر، وزوج عمتها صفية بنت الخطاب. وله هجرة إلى الحبشة. ثم إن عمر عزله عن البحرين لما شرب الخمر، وتأول: ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا وحده عمر.
53

(3/532)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 533
كعب بن سور الأزدي قاضي البصرة لعمر بن الخطاب. أتاه وهو يذكر الناس يوم الجمل سهم فقتله. كنانة بن بشر التجيبي أحد رؤوس المصريين الذين ساروا إلى
53

(3/533)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 534
حصار عثمان، ثم إنه هرب وقتل في هذه المدة. مجاشع بن مسعود خ م د ق بن ثعلبة السلمي. له صحبة.) روى عنه أبو عثمان النهدي وكليب بن وائل، وغيرهما. قتل في هذه السنة كما ذكرنا. مجالد بن مسعود خ م أخو مجاشع المذكور. له رواية عن أخيه. روى عنه أبو عثمان النهدي. وقتل مع أخيه. محمد بن طلحة بن عبيد الله التيمي ولد في حياة رسول الله
53

(3/534)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 535
صلى الله عليه وسلم، فسماه محمداً، وكناه أبا سليمان. وكان يلقب السجاد لكثرة صلاته وعبادته. لم يزل به أبوه حتى وافقه وخرج معه على علي. وأمه حمنة بنت جحش. قتل يوم الجمل. مسلم الجهني أمره علي يوم الجمل بحمل مصحف، فطاف به على القوم يدعوهم إلى الطاعة، فقتل. هند بن أبي هالة التميمي ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخو أولاده من أمهم خديجة. إختلف في اسم أبيه فقيل: نباش بن زرارة، وقيل مالك بن زرارة، وقيل مالك بن النباش
53

(3/535)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 536
ابن زرارة. والأول أكثر. شهد هند أحداً ويقال: وبدراً. وكان وصافاً لحلية رسول الله صلى الله عليه وسلم ولشمائله. روى عنه ابن أخته الحسن بن علي. وقتل يوم الجمل مع علي. وقتل ابنه هند بن هند مع مصعب بن الزبير. يقال انفرجت وقعة الجمل عن ثلاثة عشر ألف قتيل. وعن قتادة قال: قتل يوم الجمل عشرون ألفاً. وممن قتل يومئذ: عبد الرحمن بن عبد الله بن عامر بن كريز، وعبد الله بن مسافع بن طلحة العبدري، وعبد الله بن حكيم بن حزام الأسدي، ومعبد بن مقداد بن الأسود الكندي. والله أعلم.
53

(3/536)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 537
(أحداث سنة سبع وثلاثين)

2 (وقعة صفين)
قال محمد بن سعد: أنبأ محمد بن عمر قال: لما قتل عثمان، كتبت نائلة زوجته إلى الشام إلى معاوية كتاباً تصف فيه كيف دخل على عثمان وقتل، وبعثت إليه بقميصه بالدماء، فقرأ معاوية الكتاب على أهل الشام، وطيف بالقميص في أجناد الشام، وحرضهم على الطلب بدمه، فبايعوا معاوية على الطلب بدمه. ولما بويع علي بالخلافة قال له ابن الحسن وابن عباس: اكتب إلى معاوية فأقره على الشام، وأطمعه فإنه سيطمع ويكفيك نفسه وناحيته، فإذا بايع لك الناس أقررته أو عزلته، قال: فإنه لا يرضى حتى أعطيه عهد الله تعالى وميثاقه أن لا أعزله، قالا: لا تعطه ذلك. وبلغ ذلك معاوية فقال: والله لا ألي له شيئاً ولا أبايعه، وأظهر بالشام أن الزبير بن العوام قادم عليهم، وأنه مبايع له، فلما بلغه أمر الجمل أمسك، فلما بلغه قتل الزبير ترحم عليه وقال: لو قدم علينا لبايعناه وكان أهلاً.
53

(3/537)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 538
فلما انصرف علي من البصرة، أرسل جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية، فكلم معاوية، وعظم أمر علي ومبايعته واجتماع الناس عليه، فأبى أن يبايعه، وجرى بينه وبين جرير كلام كثير، فانصرف جرير إلى علي فأخبره، فأجمع على المسير إلى الشام، وبعث معاوية أبا مسلم الخولاني إلى علي بأشياء يطلبها منه، منها أن يدفع إليه قتلة عثمان، فأبى علي، وجرت بينهما رسائل. ثم سار كل منهما يريد الآخر، فالتقوا بصفين لسبع بقين من المحرم، وشبت الحرب بينهم في أول صفر، فاقتتلوا أياماً. فحدثني ابن أبي سبرة، عن عبد المجيد بن سهيل، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس قال: استعملني عثمان على الحج، فأقمت للناس الحج، ثم قدمت وقد قتل وبويع لعلي، فقال: سر إلى الشام فقد وليتكها، قلت: ما هذا برأي، معاوية ابن عم عثمان وعامله على الشام، ولست آمن أن يضرب عنقي بعثمان، وأدنى ما هو صانع أن يحبسني، قال علي: ولم قلت: لقرابتي منك، وأن كل من حمل عليك حمل علي، ولكن اكتب إلى معاوية فمنه وعده. فأبى علي وقال: والله لا كان هذا أبداً.) روى أبو عبيدة القاسم بن سلام، عمن حدثه، عن أبي سنان العجلي قال: قال ابن عباس لعلي: ابعثني إلى معاوية، فوالله لأفتلن له حبلاً لا ينقطع وسطه، قال: لست من مكرك ومكره في شيء، ولا أعطيه إلا السيف، حتى يغلب الحق الباطل، فقال ابن عباس: أو غير هذا قال: كيف قال: لأنه يطاع ولا يعصى، وأنت عن قليل تعصى ولا تطاع، قال: فلما جعل أهل العراق يختلفون على علي رضي الله عنه قال: لله در
53

(3/538)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 539
ابن عباس، إنه لينظر إلى الغيب من ستر رقيق. وقال مجالد، عن الشعبي قال: لما قتل عثمان، أرسلت أم المؤمنين أم حبيبة بنت أبي سفيان إلى أهل عثمان: أرسلوا إلي بثياب عثمان التي قتل فيها، فبعثوا إليها بقميصه مضرجاً بالدم، وبخصلة الشعر التي نتفت من لحيته، ثم دعت النعمان بن بشير، فبعثته إلى معاوية، فمضى بذلك وبكتابها، فصعد معاوية المنبر، وجمع الناس، ونشر القميص عليهم، وذكر ما صنع بعثمان، ودعا إلى الطلب بدمه. فقام أهل الشام فقالوا: هو ابن عمك وأنت وليه، ونحن الطالبون معك بدمه، وبايعوا له. وقال يونس، عن الزهري قال: لما بلغ معاوية قتل طلحة والزبير، وظهور علي، دعا أهل الشام للقتال معه على الشورى والطلب بدم عثمان، فبايعوه على ذلك أميراً غير خليفة. وذكر يحيى الجعفي في كتاب صفين بإسناده أن معاوية قال لجرير ابن عبد الله: اكتب إلى علي أن يجعل لي الشام، وأنا أبايع له، قال: وبعث الوليد بن عبد الله: اكتب إلى علي أن يجعل لي الشام، وأنا أبايع له، قال: وبعث الوليد بن عقبة إليه يقول:
(معاوي إن الشام شامك فاعتصم .......... بشامك لا تدخل عليك الأفاعيا)

(وحام عليها بالقبائل والقنا .......... ولا تك محشوش الذراعين وانيا)

(فإن علياً ناظر ما تجيبه .......... فاهد له حرباً تشيب النواصيا)
54

(3/539)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 540
وحدثني يعلى بن عبيد: ثنا أبي قال: قال أبو مسلم الخولاني وجماعة لمعاوية: أنت تنازع علياً هل أنت مثله فقال: لا والله إني لأعلم أن علياً أفضل مني وأحق بالأمر، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوماً، وأنا ابن عمه، وإنما أطلب بدمه، فأتوا علياً فقولوا له: فليدفع إلي قتلة عثمان وأسلم له، فأتوا علياً فكلموه بذلك، فلم يدفعهم إليه. وحدثني خلاد بن يزيد الجعفي، ثنا عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، عن الشعبي أو أبي) جعفر الباقر شك خلاد قال: لما ظهر أمر معاوية دعا علي رضي الله عنه رجلاً، وأمره أن يسير إلى دمشق، فيعتقل راحلته على باب المسجد، ويدخل بهيئة السفر، ففعل الرجل، وكان قد وصاه بما يقول، فسألوه: من أين جئت قال: من العراق: قالوا: ما وراءك قال: تركت علياً قد حشد إليكم ونهد في أهل العراق. فبلغ معاوية، فأرسل أبا الأعور السلمي يحقق أمره، فأتاه فسأله، فأخبره بالأمر الذي شاع، فنودي: الصلاة جامعة، وامتلأ الناس في المسجد، فصعد معاوية المنبر وتشهد ثم قال: إن علياً قد نهد إليكم في أهل العراق، فما الرأي فضرب الناس بأذقانهم على صدورهم، ولم يرفع إليه أحد طرفة، فقام ذو الكلاع الحميري فقال: عليك الرأي وعلينا أم فعال يعني الفعال فنزل معاوية ونودي في الناس: اخرجوا إلى معسكركم، ومن تخلف بعد ثلاث أحل بنفسه. فخرج رسول علي حتى وافاه، فأخبره بذلك، فأمر علي فنودي: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم
54

(3/540)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 541
قال: أن رسولي الذي أرسلته إلى الشام قد قدم علي، وأخبرني أن معاوية قد نهد إليكم في أهل الشام فما الرأي قال: فأضب أهل المجسد يقولون: يا أمير المؤمنين الرأي كذا الرأي كذا، فلم يفهم على كلامهم من كثرة من تكلم، وكثر اللغط، فنزل وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، وذهب بها ابن آكلة الأكباد، يعني معاوية. وقال الأعمش: حدثني من رأى علياً يوم صفين يصفق بيديه ويعض عليهما ويقول: واعجبا أعصى ويطاع معاوية. وقال الواقدي اقتتلوا أياماً حتى قتل خلق وضجروا، فرفع أهل الشام المصاحف وقالوا: ندعوكم إلى كتاب الله والحكم بما فيه، وكان ذلك مكيدة من عمرو بن العاص، يعني لما رأى ظهور جيش علي. فاصطلحوا كما يأتي. وقال الزهري: اقتتلوا قتالاً لم تقتتل هذه الأمة مثله قط، وغلب أهل العراق على قتلى أهل حمص، وغلب أهل الشام على قتلى أهل العالية، وكان على ميمنة علي الأشعث بن قيس الكندي، وعلى المسيرة عبد الله بن عباس، وعلى الرجالة عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي، فقتل يومئذ. ومن أمراء علي يومئذ الأحنف بن قيس التيمي، وعمار بن ياسر العنبسي وسليمان بن صرد الخزاعي وعدي بن حاتم الطائي والأشتر النخعي وعمرو بن الحمق الخزاعي، وشبث بن ربعي الرياحي، وسعيد بن قيس
54

(3/541)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 542
الهمداني، وكان رئيس همدان) المهاجر بن خالد بن الوليد المخزومي، وقيس بن مكشوح المرادي، وخزيمة بن ثابت الأنصاري، وغيرهم. وكان علي في خمسين ألفاً، وقيل: في تسعين ألفاً، وقيل: كانوا مائة ألف. وكان معاوية في سبعين ألفاً، وكان لواؤه مع عبد الرحمن بن خالد بن خالد بن الوليد المخزومي وعلى ميمنته عمرو بن العاص وقيل ابنه الأشتر عبيد الله بن عمرو، وعلى الميسرة حبيب ببن مسلمة الفهري، وعلى الخيل عبيد الله بن عمر بن الخطاب، ومن أمرائه يومئذ أبو الأعور السلمي، وزفر بن الحارث، وذو الكلاع الحميري، ومسلمة بن مخلد، وبسر بن أرطاة العامري، وحابس بن سعد الطائي، ويزيد بن هبيرة السكوني، وغيرهم. قال عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة قال: رأيت عمار بن ياسر بصفين، ورأى راية معاوية فقال: إن هذه قاتلت بها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مرات. ثم قاتل حتى قتل. وقال غيره: برز الأشعث بن قيس في ألفين، فبرز لهم أبو الأعور في خمسة آلاف، فاقتتلوا: ثم غلب الأشعث على الماء وأزالهم عنه.=

4. : تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام.
تأليف: شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي.

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 543
ثم التقوا يوم الأربعاء سابع صفر، ثم يوم الخميس والجمعة وليلة السبت، ثم رفع أهل الشام لما رأوا الكسرة المصاحف بإشارة عمرو، ودعوا إلى الصلح والتحكيم، فأجاب علي إلى تحكيم الحكمين، فاختلف عليه حينئذ جيشه وقالت طائفة: لا حكم إلا لله. وخرجوا عليه فهم الخوارج. وقال ثوير بن أبي فاختة، عن أبيه قال: قتل مع علي بصفين خمسة وعشرون بدرياً. ثوير متروك. قال الشعبي: كان عبد الله بن بديل يوم صفين عليه درعان ومعه سيفان، فكان يضرب أهل الشام ويقول:
(لم يبق إلا الصبر والتوكل .......... ثم التمشي في الرعيل الأول)

(مشى الجمال في حياض المنهل .......... والله يقضي ما يشا ويفعل)
فلم يزل يضرب بسيفه حتى انتهى إلى معاوية فأزاله عن موقفه، وأقبل أصحاب معاوية يرمونه بالحجارة حتى أثخنوه وقتل، فأقبل إليه معاوية، وألقى عبد الله بن عامر عليه، عمامته غطاه بها وترحم عليه، فقال معاوية لعبد الله: قد وهبناه لك، هذا كبش القوم ورب الكعبة، اللهم) أظفر
54

(3/543)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 544
بالأشتر والأشعث، والله ما مثل هذا إلا كما قال الشاعر:
(أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها .......... وإن شمرت يوماً به الحرب شمرا)

(كليث هزبر كان يحمي ذماره .......... رمته المنايا قصدها فتقصرا)
ثم قال: لو قدرت نساء خزاعة أن تقاتلني فضلاً عن رجالها لفعلت. وفي الطبقات لابن سعد، من حديث عمرو بن شراحيل، عن حنش بن عبد الله الصنعاني عن عبد الله بن زرير الغافقي قال: لقد رأيتنا يوم صفين، فاقتتلنا نحن وأهل الشام، حتى ظننت أنه لا يبقى أحد، فأسمع صائحاً يصيح: معشر الناس، الله الله في النساء والولدان من الروم ومن الترك، الله الله. والتقنا، فأسمع حركة من خلفي، فإذا علي يعدو بالراية حتى أقامها، ولحقه ابنه محمد بن الحنفية، فسمعته يقول: يا بني الزم رايتك، فإني متقدم في القوم، فأنظر إليه يضرب بالسيف حتى يفرج له، ثم يرجع فيهم.
54

(3/544)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 545
وقال خليفة: شهد مع علي من البدريين: عمار بن ياسر، وسهل بن حنيف، وخوات بن جبير، وأبو سعد الساعدي، وأبو اليسر، ورفاعة بن رافع الأنصاري، وأبو أيوب الأنصاري بخلف فيه، قال: وشهد معه من الصحابة ممن لم يشهد بدراً: خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وقيس بن سعد بن عبادة، وأبو قتادة، وسهل بن سعد الساعدي، وقرظة بن كعب، وجابر بن عبد الله، وابن عباس، والحسن، والحسين، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وأبو مسعود عقبة بن عمرو، وأبو عياش الزرقي، وعدي بن حاتم، والأشعث بن قيس، وسليمان بن صرد، وجندب بن عبد الله، وجارية بن قدامة السعدي. وعن ابن سيرين قال: قتل يوم صفين سبعون ألفاً يعدون بالقصب. وقال خليفة وغيره: افترقوا عن ستين ألف قتيل، وقيل، عن سبعين ألفاً، منهم خمسة وأربعون ألفاً من أهل الشام. وقال عبد السلام بن حرب، عن يزيد بن عبد الرحمن عن جعفر أظنه ابن أبي المغيرة عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه قال: شهدنا مع علي ثمانمائة ممن بايع بيعة الرضوان، قتل منهم ثلاثة وستون رجلاً، منهم عمار. وقال أبو عبيدة وغيره: كانت راية علي مع هاشم بن عتبة بن أبي
54

(3/545)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 546
وقاص، وكان على الخيل عمار بن ياسر.) وقال غيره: حيل بين علي وبين الفرات، لأم معاوية سبق إلى الماء، فأزالهم الأشعث عن الماء. قلت: ثم افترقوا وتواعدوا ليوم الحكمين. وقتل مع علي: خزيمة بن ثابت، وعمار بن ياسر، وهاشم بن عتبة، وعبد الله بن بديل، وعبد الله بن كعب المرادي، وعبد الرحمن بن كلدة الجمحي، وقيس بن مكشوح المرادي، وأبي بن قيس النخعي أخو علقمة، وسعد بن الحارث بن الصمة الأنصاري، وجندب بن زهير الغامدي، وأبو ليلى الأنصاري. وقتل مع معاوية: ذو الكلاع، وحوشب ذو ظليم، وحابس بن سعد الطائي قاضي حمص، وعمرو بن الحضرمي، وعبيد الله بن عمر بن الخطاب العدوي، وعروة بن داود، وكريب بن الصباح الحميري أحد الأبطال، قتل يومئذ جماعة، ثم بارزه علي فقتله. قال نصر بن مزاحم الكوفي الرافضي: ثنا عمر بن سعد، عن الحارث بن حصيرة، إن ولد ذي الكلاع أرسل إلى الأشعث بن قيس
54

(3/546)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 547
يقول: إن ذا الكلاع قد أصيب، وهو في الميسرة، أفتأذن لنا في دفنه فقال الأشعث لرسوله أقرئه السلام، وقل إني أخاف أن يتهمني أمير المؤمنين، فاطلبوا ذلك إلى سعيد بن قيس الهمداني فإنه في الميمنة، فذهب إلى معاوية فأخبره فقال: ما عسيت أن أصنع، وقد كانوا منعوا أهل الشام أن يدخلوا عسكر علي، خافوا أن يفسدوا أهل العسكر، فقال معاوية لأصحابه: لأنا أشد فرحاً بقتل ذي الكلاع مني بفتح مصر لو افتتحتها، لأن ذا الكلاع كان يعرض لمعاوية في أشياء كان يأمر بها، فخرج ابن ذي الكلاع إلى سعيد ابن قيس، فاستأذنه في أبيه فأذن له، فحملوه على بغل وقد انتفخ. وشهد صفين مع معاوية من الصحابة: عمرو بن العاص السهمي، وابنه عبد الله، وفضالة بن عبيد الأنصاري، ومسلمة بن مخلد، والنعمان بن بشير، ومعاوية بن حديج الكندي، وأبو غادية الجهني قاتل عمار، وحبيب ابن مسلمة الفهري، وأبو الأعور السلمي، وبسر بن أرطأة العامري.
2 (تحكيم الحكمين)
عن عكرمة قال: حكم معاوية عمرو بن العاص، فقال الأحنف بن قيس لعلي: حكم أنت وابن عباس، فإنه رجل مجرب، قال: أفعل، فأبت اليمانية وقالوا: لا، حتى يكون منا رجل، فجاء ابن عباس إلى علي لما رآه قد هم أن يحكم أبا موسى الأشعري، فقال له: علام تحكم أبا موسى، فوالله لقد عرفت رأيه فينا، فوالله ما نصرنا، وهو يرجو ما نحن فيه، فتدخله
54

(3/547)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 548
الآن في معاقد أمرنا، مع أنه ليس بصاحب ذاك فإذا أبيت أن تجعلني مع عمرو فاجعل الاحنف بن قيس فإنه مجرب من العرب، وهو، قرن لعمرو، فقال علي أفعل، فأبت اليمانية أيضاً. فلما غلب جعل أبا موسى، فسمعت ابن عباس يقول: قلت لعلي يوم الحكمين: لا تحكم أبا موسى، فإنه معه رجلاً حذر فرس فاره، فلزني إلى جنبه، فإنه لا يحل عقدة إلا عقدتها ولا يعقد عقدة إلا حللتها. قال: يا بن عباس ما أصنع: إنما أوتى من أصحابي، قد ضعفت بينهم وكلوا في الحرب، هذا الأشعث بن قيس يقول: لا يكون فيها مضريان أبداً حتى يكون أحدهما يمان، قال: فعذرته وعرفت أنه مضطهد، وأن أصحابه لا نية لهم. وقال أبو صالح السمان: قال علي لأبي موسى: أحكم ولو على حز عنقي. وقال غيره: حكم معاوية عمراً، وحكم علي أبا موسى، على أن من ولياه الخلافة فهو الخليفة، ومن اتفقنا على خلعه خلع. وتواعدا أن يأتيا في رمضان، وأن يأتي مع كل واحد جمع من وجوه العرب. فلما كان الموعد سار هذا من الشام، وسار هذا من العراق، إلى أن التقى الطائفتان بدومة الجندل وهي طرف من الشام من جهة زاوية الجنوب والشرق. فعن عمر بن الحكم قال: قال ابن عباس لأبي موسى الأشعري: احذر عمراً، فإنما يريد أن يقدمك ويقول: أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسن مني فتكلم حتى أتكلم، وإنما يريد أن يقدمك في الكلام لتخلع علياً. قال: فاجتمعا على إمرة، فأدار عمرو أبا موسى، وذكر له معاوية فأبى، وقال أبو
54

(3/548)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 549
موسى: بل عبد الله بن عمر، فقال عمرو: أخبرني عن رأيك فقال أبو موسى: أرى أن نخلع هذين الرجلين، ونجعل هذا الأمر شورى بين المسلمين، فيختاروا لأنفسهم من أحبوا. قال عمرو: الرأي ما رأيت، قال: فأقبلا على الناس وهم مجتمعون بدومة الجندل، فقال عمرو:) يا أبا موسى أعلمهم أن رأينا قد اجتمع، فقال: نعم، إن رأينا قد اجتمع على أمر نرجو أن يصلح الله به أمر الأمة، فقال عمرو: صدق وبر، ونعم الناظر للإسلام وأهله. فتكلم يا أبا موسى. فأتاه ابن عباس، فخلا به، فقال: أنت في خدعة، ألم أقل لك لا تبدأه وتعقبه، فإني أخشى أن يكون أعطاك أمراً خالياً، ثم ينزع عنه على ملأ من الناس، فقال: لا تخشى ذلك فقد اجتمعنا واصطلحنا. ثم قام أبو موسى فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، قد نظرنا في أمر هذه الأمة، فلم نر شيئاً هو أصلح لأمرنا ولا ألم لشعثها من ان لا نغير أمرها ولا بعضه، حتى يكون ذلك عن رضاً منها وتشاور، وقد اجتمعت أنا وصاحبي على أمر واحد: على خلع علي ومعاوية، وتستقبل الأمة هذا الأمر فيكون شورى بينهم يولون من أحبوا، وإني قد خلعت علياً ومعاوية، فولوا أمركم من رأيتم. ثم تأخر. وأقبل عمرو فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن هذا قد قال ما سمعتم، وخلع صاحبه، وإني خلعت صاحبه وأثبت صاحبي معاوية، فإنه ولي عثمان، والطالب بدمه، وأحق الناس بمقامه، فقال سعد بن أبي وقاص: ويحك يا أبا موسى ما أضعفك عن عمرو ومكايده، فقال: ما أصنع به، جامعني على أمر، ثم نزع عنه، فقال ابن عباس: لا ذنب لك، الذنب للذي قدمك، فقال: رحمك الله غدر بي، فما أصنع: وقال أبو موسى: يا عمرو إنما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه
55

(3/549)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 550
يلهث، فقال عمرو: إنما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفاراً. فقال ابن عمر: إلى ما صير أمر هذه الأمة إلى رجل لا يبالي ما صنع، وآخر ضعيف. قال المسعودي في المروج: كان لقاء الحكمين بدومة الجندل في رمضان، سنة ثمان وثلاثين، فقال عمرو لأبي موسى: تكلم، فقال: بل تكلم أنت، فقال: ما كنت لأفعل، ولك حقوق كلها واجبة. فحمد الله أبو موسى وأثنى عليه، ثم قال: هلم يا عمرو إلى أمر يجمع الله به الأمة، ودعا عمرو بصحيفة، وقال للكاتب: اكتب وهو غلام لعمرو، وقال: إن للكلام أولاً وآخراً، ومتى تنازعنا الكلام لو نبلغ آخره حتى ينسى أوله، فاكتب ما نقول، قال: لا تكتب شيئاً يأمرك به أحدنا حتى تستأمر الآخر، فإذا أمرك فاكتب، فكتب: هذا ما تقاضى عليه فلان وفلان. إلى أن قال عمرو وإن عثمان كان مؤمناً فقال أبو موسى: ليس لهذا قعدنا قال عمرو: لا بد أن يكون مؤمناً أو كافراً. قال: بل كان مؤمناً. قال: فمره أن يكتب، فكتب. قال عمرو:) فظالماً قتل أو مظلوماً قال أبو موسى: بل قتل مظلوماً، قال عمرو: أفليس قد جعل الله لوليه سلطاناً يطلب بدمه قال أبو موسى: نعم، قال عمرو: فعلى قاتله القتل، قال: بلى. قال: أفليس لمعاوية أن يطلب بدمه حتى يعجز قال: بلى، قال عمرو: فإنا نقيم البينة على أن علياً قتله.
55

(3/550)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 551
قال أبو موسى: إنما اجتمعنا لله، فهلم إلى ما يصلح الله به أمر الأمة، قال: وما هو قال: قد علمت أن أهل العراق لا يحبون معاوية أبداً، وأهل الشام لا يحبون علياً أبداً، فهلم نخلعهما معاً، ونستخلف ابن عمر وكان ابن عمر على بنت أبي موسى قال عمرو: أيفعل ذلك عبد الله قال: نعم إذا حمله الناس على ذلك. فصوبه عمرو وقال: فهل لك في سعد وعدد له جماعة، وأبو موسى يأبى إلا ابن عمر، ثم قال: قم حتى نخلع صاحبينا جميعاً، واذكر اسم من تستخلف، فقام أبو موسى وخطب وقال: إنا نظرنا في امرنا، فرأينا أقرب ما نحقن به الدماء ونلم به الشعث خلعنا معاوية وعلياً، فقد خلعتهما كما خلعت عمامتي هذه، واستخلفنا رجلاً قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، وله سابقة: عبد الله بن عمر، فأطراه ورغب الناس فيه. ثم قام عمرو فقال: أيها الناس، إن أبا موسى قد خلع علياً، وهو أعلم به، وقد خلعته معه، وأثبت معاوية علي وعليكم، وإن أبا موسى كتب في هذه الصحيفة أن عثمان قتل مظلوماً، وأن لوليه أن يطلب بدمه، فقام أبو موسى فقال: كذب عمرو، لم نستخلف معاوية، ولكنا خلعنا معاوية وعلياً معاً. قال المسعودي: ووجدت في رواية أنهما اتفقا وخلعا علياً ومعاوية، وجعلا الأمر شورى، فقام عمرو بعده، فوافقه على خلع علي، وعلى إثبات معاوية، فقال له: لا وفقك الله، غدرت. وقنع شريح بن هانئ عمراً بالسوط. وانخذل أبو موسى، فلحق بمكة، ولم يعد إلى الكوفة، وحلف لا
55

(3/551)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 552
ينظر في وجه علي ما بقي. ولحق سعد وابن عمر ببيت المقدس فأحرما، وانصرف عمرو، فلم يأت معاوية، فأتاه وهيأ طعاماً كثيراً، وجرى بينهما كلام كثير، وطلب الأطعمة، فأكل عبيد عمرو، ثم قاموا ليأكل عبيد معاوية، وأمر من أغلق الباب وقت أكل عبيده، فقال عمرو: فعلتها قال: إي والله بايع وإلا قتلتك. قال: فمصر، قال: هي لك ما عشت. وقال الواقدي: رفع أهل الشام المصاحف وقالوا: ندعوكم إلى كتاب الله والحكم بما فيه.) فاصطلحوا، وكتبوا بينهما كتاباً على أن يوافوا رأس الحول أذرح ويحكموا حكمين، ففعلوا ذلك فلم يقع إتفاق، ورجع علي بالاختلاف والدغل من أصحابه، فخرج منهم الخوارج، وأنكروا تحكيمه وقالوا: لا حكم إلا لله، ورجع معاوية بالألفة واجتماع الكلمة عليه. ثم بايع أهل الشام معاوية بالخلافة في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين. كذا قال: وقال خليفة وغيره إنهم بايعوه في ذي القعدة سنة سبع وثلاثين، وهو أشبه، لأن ذلك كان إثر رجوع عمرو بن العاص من التحكيم. وقال محمد بن الضحاك الحزامي، عن أبيه قال: قام علي على منبر الكوفة، فقال: حين اختلف الحكمان: لقد كنت نهيتكم عن هذه الحكومة
55

(3/552)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 553
فعصيتموني، فقام إليه شاب آدم فقال: إنك والله ما نهيتنا ولكن أمرتنا ودمرتنا، فلما كان منها ما تكره برأت نفسك ونحلتنا ذنبك. فقال علي: ما أنت وهذا الكلام قبحك الله، والله لقد كانت الجماعة فكنت فيها خاملاً، فلما ظهرت الفتنة نجمت فيها نجوم الماغرة. ثم قال: لله منزل نزله سعد بن مالك وعبد الله بن عمر، والله لئن كان ذنباً إنه لصغير مغفور، وإن كان حسناً إنه لعظيم مشكور. قلت: ما أحسنها لولا أنها منقطعة السند. وقال الزهري، عن سالم، عن أبيه قال: دخلت على حفصة وقلت: قد كان من الناس ما ترين، ولم يجعل لي من الأمر شيء، قالت: فالحق بهم، فإنهم ينتظرونك، وإني أخشى أن يكون في احتباسك عنهم فرقة، فذهب. فلما تفرق الحكمان خطب معاوية فقال: من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع إلى قرنه فلنحن أحق بهذا الأمر منه ومن أبيه يعرض بابن عمر قال ابن عمر: فحللت حبوتي وهممت أن أقول: أحق به من قاتلك وأباك على الإسلام. فخشيت أن أقول كلمة تفرق الجمع وتسفك الدم، فذكرت ما أعد الله في الجنان. قال جرير بن حازم، عن يعلى، عن نافع قال: قال أبو موسى: لا أرى لها غير ابن عمر، فقال عمرو لابن عمر: أما تريد أن نبايعك فهل لك أن تعطي مالاً عظيماً على ان تدع هذا الأمر لمن هو أحرص عليه منك.
55

(3/553)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 554
فغضب ابن عمر وقام. رواه معمر، عن الزهري. وفيها أخرج علي سهل بن حنيف على أهل فارس، فمانعوه، فوجه علي زياداً، فصالحوه وأدوا) الخراج. وفيها قال أبو عبيدة: خرج أهل حروراء في عشرين ألفاً، عليهم شبث بن ربعي، فكلمهم علي فحاجهم، فرجعوا. وقال سليمان التيمي، عن أنس قال: قال شبث بن ربعي: أنا أول من حرر الحرورية، فقال رجل: ما في هذا ما تمتدح به. وعن مغيرة قال: أول من حكم ابن الكواء وشبث. قلت: معنى قوله حكم هذه كلمة قد صارت سمة للخوارج. يقال حكم إذا خرج فقال: لا حكم إلا لله.
55

(3/554)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 555
2 (الوفيات)
أويس القرني بن عامر بن جزء بن مالك المرادي القرني الزاهد، سيد التابعين، في نسبة أقوال مختلفة، وكنيته أبو عمرو.
55

(3/555)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 556
قال ابن الكلبي: استشهد أويس يوم صفين مع علي. وقال يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: إن أويساً شهد صفين مع علي، ثم روى عن رجل أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أويس خير التابعين بإحسان. وقال غيره: إن أويساً وفد على عمر من اليمن، وروى عنه، وعن علي. روى عنه يسير بن عمرو، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبو عبد رب الدمشقي. وسكن الكوفة، وليس له حديث مسند بل له حكايات. قال أسير بن جابر، عن عمر بن الخطاب، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خير التابعين رجل يقال له أويس بن عامر، كان به بياض فدعا الله فأذهبه عنه إلا موضع الدرهم في سرته، لا يدع باليمن غير أم له، فمن لقيه منكم فمروه فليستغفر لكم. قال عمر: فقدم علينا رجل فقلت له: من أين أنت قال: من اليمن، قلت: ما اسمك قال: أويس. قلت: فمن تركت باليمن قال: أما لي، قلت: أكان بك بياض، فدعوت الله فأذهبه عنك قال: نعم، قلت: فاستغفر لي، قال: أويستغفر مثلي لمثلك يا أمير المؤمنين قال: فاستغفر لي، وقلت له: أنت أخي لا تفارقني، قال: فانملس مني. فأنبئت انه قدم عليكم الكوفة، قال: فجعل رجل كان يسخر بأويس
55

(3/556)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 557
بالكوفة ويحقره يقول: ما هذا) فينا ولا نعرفه، فقال عمر: بلى إنه رجل كذا وكذا، فقال كأنه يضع شأنه: فينا رجل يا أمير المؤمنين يقال له أويس، فقال عمر: أدركه فلا أراك تدركه، قال: فأقبل ذلك الرجل حتى دخل على أويس قبل أن يأتي أهله، فقال له أويس: ما هذه عادتك، فما بدا لك قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: فيك كذا وكذا فاستغفر لي، قال: لا أفعل حتى تجعل لي عليك أن لا تسخر بي فيما بعد، وأن لا تذكر ما سمعته من عمر لأحد، قال: نعم، فاستغفر له، قال أسير: فما لبثنا أن فشا أمره بالكوفة، قال: فدخلت عليه فقلت: يا أخي إن أمرك لعجب ونحن لا نشعر، فقال: ما كان في هذا ما أتبلغ به في الناس، وما يجزى كل عبد إلا بعمله قال: وانملس مني فذهب. رواه مسلم. وفي أول الحديث: قال أسير: كان رجل بالكوفة يتكلم بكلام لا أسمع أحداً يتكلم به، ففقدته فسألت عنه، فقالوا: ذاك أويس فاستدللت عليه وأتيته، فقلت: ما حبسك عنا قال: العري. قال: وكان أصحابه يسخرون به ويؤذونه، فقلت: هذا برد فخذه، فقال: لا تفعل فإنهم إذن يؤذونني، فلم أزل به حتى لبسه، فخرج عليهم فقالوا: من ترون خدع عن هذا البرد قال: فجاء فوضعه، فأتيت فقلت: ما تريدون من هذا الرجل فقد آذيتموه والرجل يعرى مرة ويكتسي أخرى، وآخذتهم بلساني، فقضي أن أهل الكوفة وفدوا على عمر، فوفد رجل ممن كان يسخر به، فقال عمر: ما ها هنا أحد من القرنيين فقام ذلك الرجل، فقال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
55

(3/557)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 558
قال: إن رجلاً يأتيكم من اليمن يقال له أويس فذكر الحديث. وروى نحو هذه القصة عثمان بن عطاء الخراساني، عن أبيه، وزاد فيها: ثم إنه غزا أذربيجان، فمات، فتنافس أصحابه في حفر قبره. وعن علقمة بن مرثد عن عمر وهو منقطع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يدخل الجنة بشفاعة أويس مثل ربيعة ومضر. وقال فضيل بن عياض: ثنا أبو قرة السدوسي، عن سعيد بن المسيب قال: نادى عمر بمنى على المنبر: يأهل قرن، فقام مشايخ، فقال: أفيكم من إسمه أويس فقال شيخ: يا أمير المؤمنين ذاك مجنون يسكن القنار لا يألف ولا يؤلف، قال: ذاك الذي أعنيه، فإذا عدتم فاطلبوه وبلغوه سلامي وسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فعادوا إلى قرن، فوجدوه في الرمال، فأبلغوه سلام عمر، وسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقال: عرفني أمير المؤمنين وشهر) باسمي، اللهم صل على محمد وعلى آله، السلام على رسول الله، ثم هام على وجهه، فلم يوقف له بعد ذلك على أثر دهراً، ثم عاد في أيام علي فاستشهد معه بصفين، فنظروا فإذا عليه نيف وأربعون جراحة. وقال هشام بن حسان، عن الحسن قال: يخرج من النار بشفاعة أويس أكثر من ربيعة ومضر.
55

(3/558)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 559
وقال خالد الحذاء، عن عبد الله بن شقيق، عن ابن أبي الجدعاء: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم. وقال يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لما كان يوم صفين، نادى منادي أصحاب معاوية: أفيكم أويس القرني قالوا: نعم، فضرب دابته ودخل معهم وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خير التابعين أويس القرني. قال: فوجد في قتلى صفين رضي الله عنه. قال ابن عدي: أويس ثقة صدوق، ومالك ينكر أويساً. قال: ولا يجوز أن يشك فيه. قلت: وروى قصة أويس مبارك بن فضالة، عن مروان الأصغر، عن صعصعة بن معاوية. ورواه هدبة، عن مبارك، عن أبي الأصغر، وقد ذكر ابن جبان أبا الأصفر في الضعفاء، وساق الحديث بطوله. وأخبار أويس مستوعبة في تاريخ دمشق، ليس في التابعين أحد أفضل منه، وأما أن يكون أحد مثله في الفضل فيمكن كسعيد بن المسيب، وهم قليل.
56

(3/559)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 560
جندب بن زهير بن الحارث الغامدي الأزدي، كوفي، يقال: له صحبة. وله حديث تفرد به السري بن اسماعيل، وهو ضعيف. وكان يوم صفين على الرجالة مع علي، فقتل. جهجاه بن قيس وقيل بن سعيد الغفاري، مدني، له صحبة. شهد بيعة الرضوان، وكان في غزوة المريسيع أجيراً لعمر، ووقع بينه
56

(3/560)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 561
وبين سنان الجهني، فنادى: يا للمهاجرين: ونادى سنان: يا للأنصار. وعن عطاء بن يسار، عن جهجاه أنه هو الذي شرب حلاب سبع شياه قبل أن يسلم، فلما أسلم لم يتم حلاب شاة. وقال ابن عبد البر: هو الذي تناول العصا من يد عثمان رضي الله عنه وهو يخطب، فكسرها على ركبته، فوقعت فيها الآكلة، وكانت عصا رسول الله صلى الله عليه وسلم.) توفي بعد عثمان بسنة. حابس بن سعد الطائي ولي قضاء حمص زمن عمر، وكان أبو بكر قد وجهه إلى الشام، وكان من العباد. روى عنه جبير بن نفير. قتل يوم صفين مع معاوية.
56

(3/561)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 562
خباب بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة التميمي، مولى أم السباع بنت أنمار أبو عبد الله من المهاجرين الأوليين يشهد بدراً والمشاهد بعدها، وروى عدة احاديث. وعنه أبو وائل، ومسروق، وعلقمة، وقيس بن أبي حازم، وخلق سواهم.
56

(3/562)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 563
قيل: كان أصابه سبي، فبيع بمكة، فاشترته أم سباع بنت أنمار الخزاعية من حلفاء بني زهرة، ويقال: كانت ختانة بمكة، أسلم قبل دخول دار الأرقم، وكان من المستضعفين بمكة الذين عذبوا في الله. وقال أبو إسحاق السبيعي، عن أبي ليلى الكندي قال: جاء خباب إلى عمر فقال: أدنه، فما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا عمار بن ياسر، قال: فجعل خباب يريه آثاراً في ظهره مما عذبه المشركون. وقال مجالد، عن الشعبي: دخل خباب بن الأرت على عمر، فأجلسه على متكئه وقال: ما على الأرض أحد أحق بهذا المجلس من هذا، إلا رجل واحد وهو بلال، فقال: ما هو بأحق به مني، إنه كان من المشركين من يمنعه، ولم يكن لي أحد يمنعني، لقد رأيتني يوماً أخذوني وأوقدوا لي ناراً، ثم سلقوني فيها، ثم وضع رجل رجله على صدري، فما اتقيت الأرض إلا بظهري، قال: ثم كشف عن ظهره، فإذا هو قد برص. وقال حارثة بن مضرب: دخلت على خباب وقد اكتوى سبع كيات، فسمعته يقول: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا ينبغي لأحد أن يتمنى الموت لألفاني قد تمنيته، قال: وقد أتي بكفنه قباطي، فبكى، ثم قال: لكن حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم كفن في بردة، إذا مدت على قدميه قلصت عن رأسه، وإذا مدت على رأسه قلصت عن قدميه، ولقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أملك ديناراً ولا درهماً، وإن في ناحية بيتي في تابوتي لأربعين ألف واف، ولقد خشيت أن تكون عجلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا.
56

(3/563)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 564
وقال الواقدي: سمعت من يقول: هو أول من قبره علي بالكوفة، وصلى عليه منصرفه من) صفين. وقال الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة: إن خباب بن الأرت لبس خاتماً من ذهب، فدخل به على ابن مسعود، فقال له أما آن لهذا الخاتم أن يطرح، فقال: لا تراه علي بعد اليوم. خزيمة بن ثابت م بن الفاكة أبو عمارة الأنصاري الخطمي
56

(3/564)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 565
ذو الشهادتين، يقال إنه بدري، والصحيح أنه شهد أحداً وما بعدها. له أحاديث. روى عنه إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص، وعمرو بن ميمون الاودي، وابنه، عمارة بن خزيمة، وأبو عبد الله الجدلي، وغيرهم. شهد صفين مع علي، وقاتل حتى قتل. ذو الكلاع الحميري إسمه السميفع، ويقال: سميفع بن ناكور. وقيل: اسمه أيفح، كنيته أبو شرحبيل. أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: له صحبة، فروى ابن لهيعة، عن كعب بن علقمة، عن حسان بن كليب، سمع ذا الكلاع يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اتركوا الترك ما تركوكم.
56

(3/565)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 566
كان ذو الكلاع سيد قومه، شهد يوم اليرموك، وفتح دمشق، وكان على ميمنة معاوية يوم صفين. روى عن عمر، وغير واحد. روى عنه أبو أزهر بن سعيد، وزامل بن عمرو، وأبو نوح الحميري. والدليل على أنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم ما روى إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن جرير قال: كنت باليمن، فلقيت رجلين من أهل اليمن: ذا الكلاع، وذا عمرو، فجعلت أحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبلا معي، حتى إذا كنا في بعض الطريق، رفع لنا ركب من قبل المدينة، فسألناهم، فقالوا: قبض النبي صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر. الحديث رواه مسلم. وروى علوان بن داود، عن رل قال: بعثني أهلي بهدية إلى ذي الكلاع، فلبثت على بابه حولاً لا أصل إليه، ثم إنه أشرف من القصر، فلم يبق حوله أحد إلا سجد له، فأمر بهديتي فقبلت، ثم رأيته بعد في الإسلام، وقد اشترى لحماً بدرهم فسمطه على فرسه. وروي أن ذا الكلاع لما قدم مكة كان يتلثم خشية أن يفتتن أحد بحسنه. وكان عظيم الخطر عند معاوية، وربما كان يعارض معاوية، فيطيعه معاوية.)
56

(3/566)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 567
عبد الله بن بديل بن ورقاء بن عبد العزى الخزاعي، كنيته أبو عمرو. روى البخاري في تاريخه أنه ممن دخل على عثمان، فطعن عثمان في ودجه، وعلا التنوخي عثمان بالسيف، فأخذهم معاوية فقتلهم. أسلم مع أبيه قبل الفتح، وشهد الفتح وما بعدها، وكان شريفاً وجليلاً. قتل هو وأخوه عبد الرحمن يوم صفين مع علي، وكان على الرجالة. قال الشعبي: كان على عبد الله يومئذ درعان وسيفان، فأقبل يضرب أهل الشام حتى انتهى إلى معاوية، فتكاثروا عليه فقتلوه، فلما رآه معاوية صريعاً قال: والله لو استطاعت نساء خزاعة لقاتلتنا فضلاً عن رجالها.
56

(3/567)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 568
عبد الله بن كعب المرادي من كبار عسكر علي، قتل يوم صفين، ويقال إن له صحبة. عبيد الله ابن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب القرشي العدوي المدني. ولد في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وسمع أباه، وعثمان، وأرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم. كنيته أبو عيسى. غزا في أيام أبيه. وأمه أم كلثوم الخزاعية. وعن أسلم، أن عمر ضرب ابنه عبيد الله بالدرة وقال: أتكتني بأبي عيسى، أو كان لعيسى أب وقد ذكرنا أن عبيد الله لما قتل عمر أخذ سيفه وشد على الهرمزان فقتله، وقتل جفنية، ولؤلؤة بنت أبي لؤلؤة، فلما بويع عثمان هم بقتله، ثم عفا عنه. وكان قد أشار علي على عثمان بقتله، فلما بويع ذهب عبيد الله هارباً منه إلى الشام. وكان مقدم جيش معاوية يوم صفين، فقتل يومئذ.
56

(3/568)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 569
ويقال: قتله عمار بن ياسر، وقيل رجل من همدان، ورثاه بعضهم بقصيدة مليحة. عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين المذحجي
57

(3/569)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 570
العنسي أبو اليقظان مولى بني مخزوم، من نجباء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، شهد بدراً والمشاهد كلها، وعاش ثلاثاً وتسعين سنة، وكان من السابقين إلى الإسلام، وممن عذب في الله في أول الإسلام. وأمه سمية أول شهيدة في الإسلام، طعنها أبو جهل في قلبها بحربة فقتلها. له نحو ثلاثين حديثاً. روى عنه ابن عباس، وجابر، ومحمد بن الحنفية، وزر بن حبيش، وهمام بن الحارث،) وآخرون. قدم ياسر بن عامر وأخواه من اليمن إلى مكة يطلبون أخاً لهم، فرجع أخواه وحالف ياسر أبا حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم،
57

(3/570)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 571
فزوجه أمة اسمها سمية، فولدت له عماراً، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلم عمار وأبواه وأخواه وأخوه عبد الله، وقتل أخوهما حريث في الجاهلية. وعن عمار قال: لقيت صهيباً على باب دار الأرقم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، فدخلنا فأسلمنا. وعن عمر بن الحكم قال: كان عمار يعذب حتى لا يدري ما يقول، وكذا صهيب، وعامر بن فهيرة. وفيهم نزلت والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا. وقال أبو بلج عن عمرو بن ميمون قال: أحرق المشركون عمار بن ياسر بالنار، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يمر به ويمر يده على رأسه فيقول: يا نار كوني برداً وسلاماً على عمار كما كنت على إبراهيم، تقتلك الفئة الباغية. رواه ابن سعد، عن يحيى بن حماد، أنبأ أبو عوانة، عنه. وقال القاسم بن الفضل: ثنا عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن عثمان بن عفان قال: أقبلت أنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم آخذ بيدي نتماشى في البطحاء حتى أتينا على أبي عمار، وعمار، وأمه، وهم
57

(3/571)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 572
يعذبون، فقال ياسر: الدهر هكذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اصبر، اللهم اغفر لآل ياسر، وقد فعلت. كذا رواه مسلم بن إبراهيم، وموسى بن إسماعيل، وأبو قطن عمرو بن الهيثم، عن القاسم، وهو الحداني، ورواه معتمر بن سليمان، عن القاسم الحداني، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن سلمان الفارسي. وقال هشام الدستوائي: ثنا أبو الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بآل عمار وهم يعذبون، فقال: أبشروا آل عمار، فإن موعدكم الجنة. مرسل. وقال ابن سيرين: لقي النبي صلى الله عليه وسلم عماراً وهو يبكي، فجعل يمسح عن عينيه ويقول: أخذك الكفار فغطوك في النار، فقلت كذا وكذا، فإن عادوا فقل ذاك لهم. قلت: حين تكلم يعني بالكفر، فرخص له في ذلك لأنه مكره. وقال المسعودي، عن القاسم بن عبد الرحمن: أول من بنى مسجداً يصلي فيه عمار.) وقال ابن سعد: قالوا: وهاجر عمار إلى الحبشة الهجرة الثانية.
57

(3/572)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 573
وقال فطر بن خليفة وغيره، عن كثير النواء، سمع عبد الله بن مليك قال: سمعت علياً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه لم يكن نبي قط إلا وقد أعطي سبعة رفقاء نجباء وزراء، وإني أعطيت أربعة عشر: حمزة، وأبو بكر، وعمر، وعلي، وجعفر، وحسن، وحسين، وابن مسعود، وأبو ذر، والمقداد، وعمار، وبلال، وسلمان. وقال أبو إسحاق السبيعي، عن هانئ بن هانئ، عن علي قال: استأذن عمار على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: مرحباً بالطيب المطيب. صححه الترمذي. وقال الأعمش، عن أبي عمار الهمداني، عن عمرو بن شرحبيل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمار مليء إيماناً إلى مشاشه. وقال عبد الملك بن عمير، عن مولى لربعي، عن ربعي، عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر،
57

(3/573)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 574
واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد. حسنه الترمذي. وقال ابن عون، عن الحسن، قال عمرو بن العاص: كنا نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب رجلاً، قالوا: من هو قال: عمار بن ياسر، قالوا: فذاك قتيلكم يوم صفين، قال: قد والله قتلناه. رواه جرير بن حازم، عن الحسن. وقال سلمة بن كهيل، عن علقمة، عن خالد بن الوليد قال: كان بيني وبين عمار كلام، فأغلظت له، فشكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من عادى عماراً عاداه الله، ومن أبغض عماراً أبغضه الله. رواه أحمد في مسنده، عن يزيد بن هارون، ثنا العوام عنه. وأخرجه النسائي لكن له علة وهو ما رواه عمرو بن مرزوق، عن شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد، عن أبيه، عن الأسود قال: كان بين عمار وخالد كلام، فذكر الحديث. روى أبو ربيعة الإيادي، عن الحسن، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجنة تشتاق إلى ثلاثة: علي، وعمار، وسلمان. حسنه الترمذي.
57

(3/574)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 575
وعن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دم عمار ولحمه حرام على النار. وقال عمار الدهني، عن سالم بن أبي الجعد قال: جاء رجل إلى ابن مسعود فقال: أرأيت إن) أدركت فتنة، قال: عليك بكتاب الله، قال: أرأيت إن كان كلهم يدعو إلى كتاب الله، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق. فيه انقطاع. وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمار ما عرض عليه أمران إلا اختار أرشدهما. أخرجه النسائي والترمذي، وإسناده صحيح. وقال أبو نعيم: ثنا سعد بن أوس، عن بلال بن يحيى، أن حذيفة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أبو اليقظان على الفطرة، لن يدعها حتى يموت، أو يلبسه الهرم هذا منكر، وسعد ضعيف.
57

(3/575)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 576
ويروى عن عائشة، وعن سعد إن عمار على الفطرة إلا أن تدركه هفوة من كبر. وقال علقمة: سمعت أبا الدرداء يقول: أليس فيكم صاحب السواك والوساد يعني ابن مسعود، أليس فيكم الذي أعاذه الله على لسان نبيه من الشيطان يعني عماراً، أليس فيكم صاحب السر حذيفة. أخرجه البخاري.
57

(3/576)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 577
وقال داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المسجد، فجعل ينقل عمار لبنتين لبنتين، فترب رأسه، فحدثني أصحابي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل ينفض رأسه ويقول: ويحك يا بن سمية تقتلك الفئة الباغية. روى آخره شعبة، عن أبي مسلمة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: حدثني من هو خير مني أبو قتادة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله. وقال شعبة: أخبرني عمرو بن دينار، سمعت أبا هشام يحدث عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمار: تقتلك الفئة الباغية. وقال أحمد بن المقدام العجلي، عن عبد الله بن جعفر، حدثني العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، نحوه. وقال عبد العزيز الدراوردي، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشر عمار تقتلك الفئة الباغية. قال الترمذي: صحيح غريب من حديث العلاء.
57

(3/577)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 578
وقال خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال لي ولابنه علي: انطلقا إلى أبي سعيد الخدري واسمعها من حديثه، فانطلقنا، فإذا هو في حائط له، فحدثنا أن رسول الله صلى الله) عليه وسلم قال: ويح عمار تقتله الفئة الباغية، ويدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، فجعل عمار يقول: أعوذ بالله من الفتن. أخرجه البخاري. وروى ورقاء، عن عمرو بن دينار، عن زياد مولى عمرو بن العاص، عن مولاه، سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقتل عماراً الفئة الباغية. رواه شعبة عن عمرو بن دينار، فقال، عن رجل، عن عمرو بن العاص. وقال الأعمش، عن عبد الرحمن بن زياد، عن عبد الله بن الحارث قال: إني لأسير مع معاوية منصرفه من صفين، بينه وبين عمرو، فقال عبد الله بن عمرو: يا أبه، أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعمار: ويحك يا بن سمية تقتلك الفئة الباغية قال: فقال عمرو لمعاوية: ألا تسمع ما
57

(3/578)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 579
يقول هذا فقال: لا تزال تأتينا بهنة، ما نحن قتلناه، إنما قتله الذين جاءوا به. وقال جماعة عن الحسن، عن أمه، عن أم سلمة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمار: تقتلك الفئة الباغية. وقال عبد لله بن طاووس، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن ابيه قال: لما قتل عمار دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص فقال: قتل عمار، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: تقتله الفئة الباغية، فدخل عمرو بن العاص على معاوية فقال: قتل عمار، قال معاوية: فماذا قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقتله الفئة الباغية. قال: دحضت في بولك أو نحن قتلناه، إنما قتله علي وأصحابه. وعن عثمان بن عفان، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تقتل عماراً الفئة الباغية. رواه أبو عوانة في مسنده. وقال عبد الله بن أبي الهذيل وغيره، عن عمار قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: تقتلك الفئة الباغية. وله طرق عن عمار. وروي هذا الحديث عن ابن عباس، وابن مسعود، وحذيفة، وأبي
58

(3/579)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 580
رافع، وابن أبي اوفى، وجابر بن سمرة، وأبي اليسر السلمي، وكعب بن مالك وأنس وجابر وغيرهم وهو متواترث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بن حنبل: في هذا غير حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قتلته الفئة الباغية.) وقال أبو إسحاق السبيعي، عن أبي ليلى الكندي قال: جاء خباب، فقال عمر: ادن، فما أحد أحق بهذا المجلس منك، إلا عمار. وقال حارثة بن مضرب: قرئ علينا كتاب عمر: إني بعثت إليكم يعني إلى الكوفة عمار بن ياسر أميراً، وابن مسعود معلماً ووزيراً، وإنهما لمن النجباء من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، من أهل بدر، فاسمعوا لهما، واقتدوا بهما، وقد آثرتكم بهما على نفسي. وعن سالم بن أبي الجعد، أن عمر جعل عطاء عمار ستة آلاف. وعن ابن عمر قال: رأيت عماراً يوم اليمامة على صخرة، وقد أشرف يصيح: يا معشر المسلمين، أمن الجنة تفرون، أنا عمار بن ياسر، هلموا إلي، وأنا أنظر إلى أذنه وقد قطعت، فهي تذبذب، وهو يقاتل أشد القتال. وعن عبد الله بن أبي الهذيل قال: رأيت عمار بن ياسر اشترى قتا بدرهم، فاستزاد حبلاً، فأبى، فجاذبه حتى قاسمه نصفين، وحمله على ظهره وهو أمير الكوفة. وقد روي أنهم قالوا لعمر: إن عمار غير عالم بالسياسة، فعزله.
58

(3/580)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 581
قال الشعبي: قال عمر لعمار: أساءك عزلنا إياك قال: لئن قلت ذاك، لقد ساءني حين استعملتني، وساءني حين عزلتني. وقال نوفل بن أبي عقرب: كان عمار قليل الكلام، طويل السكوت، وكان عامة أن يقول: عائذ بالرحمن من فتنة، عائذ بالرحمن من فتنة، قال: فعرضت له فتنة عظيمة. يعني مبالغته في القيام في أمر عثمان وبعده. وعن ابن عمر قال: ما أعلم أحداً خرج في الفتنة يريد الله إلا عمار ابن ياسر، وما أدري ما صنع. وعن عمار أنه قال وهو يسير إلى صفين: اللهم لو أعلم انه أرضى لك عني ان ارمي بنفسي من هذا الجبل لفعلت، وإني لا أقاتل إلا أريد وجهك. وقال حبيب بن أبي ثابت، عن أبي البختري قال: قال عمار يوم صفين: ائتوني بشربة لبن، قال: فشرب، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن آخر شربة تشربها من الدنيا شربة لبن، ثم تقدم فقاتل حتى قتل.
58

(3/581)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 582
وقال سعد بن إبراهيم، عن رجل، سمع عماراً بصفين ينادي: أزفت الجنان، وزوجت الحور) العين، اليوم نلقى حبيبنا صلى الله عليه وسلم. وقال حماد بن سلمة: ثنا أبو حفص كلثوم بن جبر، عن أبي غادية الجهني. قال: سمعت عمار بن ياسر يقع في عثمان يشتمه بالمدينة، فتوعدته بالقتل، فلما كان يوم صفين جعل يحمل على الناس، فحملت عليه وطعنته في ركبته فوقع، فقتلته. تمام الحديث. فقيل: قتل عمار. وأخبر عمرو بن العاص فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قاتل عمار وسالبه في النار. وقال أيوب، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل عمار وسالبه في النار. وقال الواقدي وغيره: استلحمت الحرب بصفين، وكادوا يتفانون، فقال معاوية: هذا يوم تفانى فيه العرب إلا أن تدركهم خفة العبد، يعني عماراً، وكان القتال الشديد ثلاثة أيام ولياليهن آخرهن ليلة الهرير، فلما كان اليوم الثالث، قال عمار لهاشم بن عتبة ومعه اللواء: إحمل فداك أبي وأمي، فقال هاشم: يا عمار إنك رجل تستخفك الحرب، وإني إنما أزحف باللواء رجاء أن أبلغ بذلك بعض ما أريد. وقال قيس بن أبي حازم: قال عمار: ادفنوني في ثيابي، فإني رجل مخاصم. قال أبو عاصم النبيل: توفي عن ثلاث وتسعين سنة. وكان لا يركب
58

(3/582)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 583
على سرج، وكان يركب راحتله من الكبر. وفيها غزا الحارث بن مرة العبدي أرض الهند، إلى ان جاوز مكران، وبلاد قندابيل، ووغل في جبل القيقان، فآب بسبي وغنائم، فأخذوا عليه بمضيق فقتل هو وعامة من معه في سبيل الله تعالى. قيس بن المكشوح أبو شداد المرادي، أحد شجعان العرب، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم باليمن ولم يره. وهو أحد من أعان على قتل الأسود العنسي، وشهد اليرموك، وأصيبت عينه يومئذ.
58

(3/583)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 584
وقد ارتد بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فيما قيل، وقتل دادويه الأبناوي. ثم حمل عليه المهاجر بن أبي أمية فأوثقه، وبعث به إلى أبي بكر رضي الله عنه، فهم بقتله وقال: قتلت الرجل الصالح، فأنكر وحلف خمسين يميناً قسامة أنه ما قتله، فقال: يا خليفة رسول الله) استبقني لحربك، فإن عندي بصراً بالحرب ومكيدة للعدو، فخلاه، ثم إنه كان من أعوان علي، وقتل يوم صفين رحمه الله تعالى. هاشم بن عتبة بن أبي وقاص الزهري ابن أخي سعد، ويعرف بالمرقال. ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تثبت له صحبة، وشهد اليرموك وأصيبت عينه يومئذ، وشهد فتح دمشق، وكان أحد الأشراف، كانت معه راية علي يوم صفين فيما ذكر حبيب بن أبي ثابت.
58

(3/584)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 585
وقال: كان أعور فجعل علي يقول له: أقدم يا أعور، لا خير في أعور لا يأتي الفرج. فيستحي فيتقدم. قال عمرو بن العاص: إني لأرى لصاحب الراية السوداء عملاً، لئن دام على ما أرى لتقتلن العرب اليوم، قال: فما زال أبو اليقظان حتى لف بينهم. وعن الشعبي أن علياً صلى على عمار بن ياسر، وهاشم بن عتبة، فجعل عماراً مما يليه، فلما قبرهما جعل عماراً أمام هاشم. أبو فضالة الأنصاري بدري. قتل مع علي يوم صفين. إنفرد بهذا القول محمد بن راشد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، وليسا بحجة. أبو عمرة الأنصاري س بشير بن عمرو بن محصن الخزرجي النجاري. وقيل اسم أبي عمرة: بشير، وقيل: ثعلبة، وقيل: عمرو. بدري كبير. له رواية في النسائي. روى عنه ابنه عبد الرحمن بن أبي عمرة، ومحمد بن الحنفية. وقتل يوم صفين مع علي. قاله ابن سعد.
58

(3/585)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 586
58

(3/586)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 587
(أحداث سنة ثمان وثلاثين)
فيها وجه معاوية من الشام عبد الله بن الحضرمي في جيش إلى البصرة ليأخذها، وبها زياد ابن أبيه من جهة علي، فنزل ابن الحضرمي في بني تميم وتحول زياد إلى الأزد، فنزل على صبرة بن شيمان الحداني. وكتب إلى علي فوجه علي أعين بن ضبيعة المجاشعي، فقتل أعين غيلة على فراشه. فندب علي جارية بن قدامة السعدي، فحاصر ابن الحضرمي في الدار التي هو فيها، ثم حرقها عليه.
2 (ثورة الخوارج)
وفي شعبان ثارت الخوارج وخرجوا على علي، وأنكروا عليه كونه حكم الحكمين، وقالوا: حكمت في دين الله الرجال، والله يقول: إن الحكم إلا لله، فناظرهم، ثم أرسل إليهم عبد الله بن عباس، فبين لهم فساد شبهتهم، وفسر لهم، واحتج بقوله تعالى: يحكم به ذوا عدل منكم، وبقوله فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها، فرجع إلى
58

(3/587)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 588
الصواب منهم خلق، وسار الآخرون، فلقوا عبد الله بن خباب بن الأرت، ومعه امرأته فقالوا: من أنت فانتسب لهم، فسألوه عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، فأثنى عليهم كلهم، فذبحوه وقتلوا امرأته، وكانت حبلى، فبقروا بطنها، وكان من سادات أبناء الصحابة.
2 (وقعة النهروان)
وفيها سارت الخوارج لحرب علي، فكانت بينهم وقعة النهروان، وكان على الخوارج عبد الله بن وهب السبائي، فهزمهم علي وقتل أكثرهم، وقتل ابن وهب. وقتل من أصحاب علي اثنا عشر رجلاً. وقيل في تسميتهم الحرورية لأنهم خرجوا على علي من الكوفة، وعسكروا بقرية قريبة من الكوفة يقال لها حروراء، واستحل علي قتلهم لما فعلوا بابن خباب وزوجته. وكانت الوقعة في شعبان سنة ثمان، وقيل: في صفر. قال عكرمة بن عمار: حدثني أبو زميل أن ابن عباس قال: لما اجتمعت الخوارج في دارها، وهم ستة آلاف أو نحوها، قلت لعلي: يا أمير المؤمنين بر بالصلاة لعلي ألقى هؤلاء، فإني أخافهم عليك، قلت: كلا، قال: فلبس ابن عباس حلتين من أحسن الحلل، وكان جهيراً جميلاً، قال: فأتيت القوم، فلما رأوني قالوا: مرحباً بابن عباس وما هذه الحلة قلت: وما تنكرون من) ذلك لقد رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة من أحسن الحلل، قال: ثم تلوت عليهم: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده.
58

(3/588)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 589
قالوا فما جاء بك قلت: جئتكم من عند أمير المؤمنين، ومن عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أرى فيكم أحداً منهم، ولأبلغنكم ما قالوا، ولأبلغنهم ما تقولون: فما تنقمون من ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره فأقبل بعضهم على بعض، فقالوا: لا تكلموه فإن الله يقول: بل هم قوم خصمون وقال بعضهم: ما يمنعنا من كلامه، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدعونا إلى كتاب الله، قال: فقالوا: ننقم عليه ثلاث خلال: إحداهن أنه حكم الرجال في دين الله وما للرجال ولحكم الله والثانية أنه علم فلم يسب ولم يغنم، فإن كان قد حل قتالهم فقد حل سبيهم، وإلا فلا، والثالثة، محا نفسه من أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين، فهو أمير المشركين. قلت: هل غير هذا قالوا: حسبنا هذا. قلت: أرأيتم إن خرجت لكم من كتاب الله وسنة رسوله أراجعون أنتم قالوا: وما يمنعنا، قلت: أما قولكم إنه حكم الرجال في أمر الله، فإني سمعت الله يقول في كتابه: يحكم به ذوا عدل منكم وذلك في ثمن صيد أرنب أو نحوه قيمته ربع درهم فوض الله الحكم فيه إلى الرجال، ولو شاء أن يحكم لحكم. وقال: وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله الآية. أخرجت من هذه قالوا: نعم. قلت: وأما قولكم: قاتل فلم يسب، فإنه قاتل أمكم، لأن الله يقول: وأزواجه أمهاتهم فإن زعمتم أنها ليست بأمكم فقد كفرتم، وإن زعمتم أنها أمكم فما حل سباؤها، فأنتم بين ضلالتين، أخرجت من هذه قالوا: نعم.
59

(3/589)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 590
قلت: وأما قولكم إنه محا اسمه من أمير المؤمنين، فإني أنبئكم عن ذلك: أما تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية جرى الكتاب يبنه وبين سهيل بن عمرو، فقال يا علي اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله فقالوا: لو علمنا أنك رسول الله ما قاتلناك، ولكن اكتب إسمك واسم أبيك، فقال اللهم إنك تعلم أني رسولك، ثم أخذ الصحيفة فمحاها بيده، ثم قال: يا علي اكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله، فوالله ما أخرجه ذلك من النبوة، أخرجت من هذه قالوا: نعم. قال: فرجع ثلثهم، وانصرف ثلثهم، وقتل سائرهم على ضلالة.) قال عوف: ثنا أبو نضرة، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تفترق أمتي فرقتين، تمرق بينهما مارقة تقتلهم، أولى الطائفتين بالحق. وكذا رواه قتادة وسليمان التيمي، عن أبي نضرة. وقال ابن وهب: أنبأ عمرو بن الحارث، عن بكير بن الأشج، عن بسر بن سعيد، عن عبيد الله بن أبي رافع، أن الحرورية لما خرجت على علي قالوا: لا حكم إلا لله، فقال علي: كلمة حق أريد بها باطل، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف ناساً إني لأعرف صفتهم في هؤلاء الذين يقولون الحق بألسنتهم لا يجاوز حناجرهم وأشار إلى حلقه من أبغض خلق الله إليه،
59

(3/590)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 591
منهم أسود إحدى يديه طبي شاة أو حلمة ثدي، فلما قاتلهم علي قال: انظروا، فنظروا فلم يجدوا شيئاً، قال: ارجعوا، فوالله ما كذبت ولا كذبت، ثم وجدوه في خربة، فأتوا به حتى وضعوه بين يديه، قال عبيد الله: أنا حاضر ذلك من أمرهم وقول علي فيهم. وقال يحيى بن سليم، عن ابن خثيم، عن عبيد الله بن عياض، أن عبد الله بن شداد بن الهاد دخل على عائشة ونحن عندها ليالي قتل علي، فقالت: حدثني عن هؤلاء الذين قاتلهم علي، قال: إن علياً لما كاتب معاوية وحكم الحكمين خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس يعني عبادهم فنزلوا بأرض حروراء من جانب الكوفة وقالوا: انسلخت من قميص ألبسك الله وحكمت في دين الله الرجال، ولا حكم إلا لله. فلما بلغ علياً ما عتبوا عليه، جمع أهل القرآن، ثم دعا بالمصحف إماماً عظيماً، فوضع بين يديه، فطفق يحركه بيده ويقول: أيها المصحف حدث الناس، فناداه الناس، ما تسأل إنما هو مداد وورق، ونحن نتكلم بما روينا منه، فماذا تريد فقال: أصحابكم الذين خرجوا، بيني وبينهم كتاب الله تعالى: يقول الله في كتابه: فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها، فأمة محمد أعظم حقاً وحرمة من رجل وامرأة، وذكر الحديث شبه ما تقدم، قال: فرجع منهم أربعة آلاف، فيهم ابن الكواء، ومضى
59

(3/591)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 592
الآخرون، قالت عائشة فلم قتلتهم قال: قطعوا السبيل، واستحلوا أهل الذمة، وسفكوا الدم.
59

(3/592)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 593
2 (الوفيات)
الأشتر النخعي واسمه مالك بن الحارث، شريف كبير القدر في النخع. روى عن عمر، وخالد بن الوليد. وشهد اليرموك، وقلعت عينه
59

(3/593)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 594
يومئذ. وكان ممن ألب على عثمان، وسار إليه وأبلى شراً. وكان خطيباً بليغاً فارساً. حضر صفين وبين يومئذ، وكاد أن يظهر على معاوية، فحل عليه أصحاب علي لما رأوا المصاحف على الأسنة، فوبخهم الأشتر، وما أمكنه مخالفة علي، وكف بقومه عن القتال. قال عبد الله بن سلمة المرادي: نظر عمر بن الخطاب إلى الأشتر، وأنا عنده فصعد فيه عمر النظر، ثم صوبه، ثم قال: إن للمسلمين من هذا يوماً عصيباً. ثم إن علياً لما انصرف من صفين أو بعدها، بعث الأشتر على مصر، فمات في الطريق مسموماً، وكان علي يتبرم به ويكرهه، لأنه كان صعب المراس، فلما بلغه موته قال: للمنخرين والفم. وقيل: إن عبداً لعثمان لقيه فسم له عسلاً وسقاه، فبلغ عمرو بن العاص فقال: إن لله جنوداً من عسل. وقال عوانة بن الحكم وغيره: لما جاء نعي الأشتر إلى علي رضي الله عنه قال: إنا لله: مالك، وما مالك وكل هالك، وهل موجود مثل ذلك، لو كان من حديد لكان قيداً، أو كان من حجر لكان صلداً، على مثل مالك فلتبك البواكي.
59

(3/594)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 595
سهل بن حنيف بن واهب بن عكيم الأنصاري الأوسي، والد أبي أمامة، وأخو عثمان. شهد بدراً والمشاهد، وله رواية. روى عنه ابناه أبو أمامة، وعبد الله، وأبو وائل، وعبيد بن السباق، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، ويسير بن عمرو.
59

(3/595)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 596
وقال ابن سعد: قالوا: آخى رسول الله بين سهل بن حنيف، وعلي بن أبي طالب. وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وبايعه على الموت، وجعل ينضح يومئذ بالنبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: نبلوا سهلاً فإنه سهل. وقال الزهري لم يعط رسول الله صلى الله عليه وسلم من أموال بني النضير أحداً من الأنصار، إلا سهل بن حنيف، وأبا دجانة. وكانا فقيرين. وقال أبو وائل: قال سهل بن حنيف يوم صفين: أيها الناس اتهموا رأيكم، فإنا والله ما وضعنا) سيوفنا على عواتقنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر يفظعنا إلا أسهل بنا إلى أمر نعرفه، إلا أمرنا هذا. وعن أبي أمامة قال: مات أبي بالكوفة سنة ثمان وثلاثين، وصلى عليه علي رضي الله عنه. وقال الشعبي، عن عبد الله بن معقل قال: صليت مع علي على سهل، فكبر عليه ستاً. وروى نحوه عن حنش بن المعتمر، وزاد: فكأن بعضهم أنكر ذاك، فقال علي: إنه رضي الله عنه.
59

(3/596)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 597
صفوان بن بيضاء وهي أمه، وأبوه وهب بن ربيعة بن هلال القرشي الفهري، أبو عمرو، أخو سهل وسهيل. قال ابن سعد: قالوا، آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين صفوان ورافع بن المعلى. وقتلا يوم بدر. قال الواقدي: قد روي لنا أن صفوان بن بيضاء لم يقتل يوم بدر، وإنه شهد المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتوفي في رمضان سنة ثمان وثلاثين، والله أعلم. صهيب بن سنان الرومي، لأن الروم سبتة من نينوى بالموصل، وهو من النمر بن فاسط، كان أبوه أو عمه عاملاً بنينوى لكسرى، ثم إنه جلب إلى مكة، فاشتراه عبد الله بن جدعان التيمي، وقيل: بل هرب من الروم فقدم مكة،
59

(3/597)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 598
وحالف ابن جدعان. كان صهيب من السابقين الأولين، شهد بدراً والمشاهد. روى عنه من أولاده: حبيب، وزياد، وحمزة، وسعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وكعب الاحبار، وغيرهم. وكنيته أبو يحيى، توفي بالمدينة في شوال، ونشأ صهيب بالروم، فبقيت فيه عجمة، وكان رجلاً أحمر شديد الحمرة ليس بالطويل ولا بالقصير، وكان كثير شعر الرأس، ويخضب بالحناء. صح من مراسيل الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صهيب سابق الروم.
59

(3/598)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 599
وورد أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كناه أبا يحيى. وعن صيفي بن صهيب قال: إني صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه. وقال منصور، عن مجاهد قال: أول من أظهر الإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو) بكر، وبلال، وخباب، وصهيب. وعن عمر بن الحكم قال: كان صهيب يعذب حتى لا يدري ما يقول. وقال عوف الأعرابي، عن أبي عثمان النهدي أن صهيباً حين أراد الهجرة إلى المدينة، قال له أهل مكة: أتيتنا صعلوكاً حقيراً فتنطلق بنفسك ومالك، والله لا يكون هذا أبداً، قال: أرأيتم إن تركت مالي، أمخلون أنتم سبيلي قالوا: نعم، فترك لهم ماله أجمع، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ربح صهيب ربح صهيب. وروى أنهم أدركوه، وقد سار عن مكة، فأطلق لهم ماله، ولحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعد بقباء، قال: فلما رآني قال: ربح البيع أبا يحيى قالها ثلاثاً، فقلت: يا رسول الله ما أخبرك إلا جبريل.
60

(3/599)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 600
وعن محمد بن إبراهيم التيمي قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين صهيب والحارث بن الصمة. وقد ذكرنا أن صهيباً استخلفه عمر على الصلاة، حتى يتفق أهل الشورى على خليفة، وأنه الذي صلى على عمر. وقال الواقدي: كان صهيب أحمر، شديد الصهبة، تحتها حمرة، وعاش سبعين سنة. وقال المدائني: عاش ثلاثاً وسبعين سنة. محمد بن أبي بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ووزيره ومؤنسه في الغار، وصديق الأمة أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر القرشي التيمي المدني. الذي ولدته أسماء بنت عميس في حجة الوداع، وكان أحد الرؤوس
60

(3/600)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 601
الذين ساروا إلى حصار عثمان كما قدمنا، ثم انضم إلى علي، فكان من أعيان أمرائه، فبعثه على إمارة مصر في رمضان سنة سبع وثلاثين، وجمع له صلاتها وخراجها، فسار إليها في جيش من العراق. وسير معاوية من الشام معاوية بن حديج على مصر أيضاً، وعلى حرب محمد. فالتقى الجمعان، فكسره ابن حديج، وانهزم عسكر محمد، واختفى هو بمصر في بيت امرأة، فدلت عليه فقال: احفظوني لأبي بكر، فقال معاوية بن حديج: قتلت ثمانين رجلاً من قومي في دم عثمان، وأتركك وأنت صاحبه، فقتله ثم جعله في بطن حمار وأحرقه. وقال عمرو بن دينار: أتى عمرو بن العاص بمحمد بن أبي بكر أسيراً، فقال: هل معك عقد) من أحد قال: لا. فأمر به فقتل. روى محمد عن أبيه مرسلاً. وعنه ابنه القاسم بن محمد، ولم يسمع منه. محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس القرشي
60

(3/601)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 602
العبشمي أبو القاسم. كان أبوه من السابقين إلى الإسلام، وهاجر إلى الحبشة فولد له هذا بها. واستشهد يوم اليمامة، فنشأ محمد في حجر عثمان، ثم إنه غضب على عثمان لكونه لم يستعمله أو لغير ذلك، فصار إلباً على عثمان. فلما وفد أمير مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح إلى عثمان، وكان محمد بمصر، فتوثب على مصر وأخرج منها نائب ابن أبي سرح عقبة بن مالك وخلع عثمان واستولى على مصر، فلم يتم أمره، وكان يسمى مشؤوم قريش. وقيل: إنه كان مع علي، فسيره على مصر، فقتلته شيعة عثمان بفلسطين. وقيل: قتلوه سنة ست وثلاثين، وقيل بعدها. أبو قتادة الأنصاري فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فارس شجاع، له شأن مذكور في سنة أربع وخمسين.
60

(3/602)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 603
وأما أهل الكوفة فيقولون: توفي بالكوفة، وصلى عليه علي رضي الله عنهما. قال غسان بن الربيع: توفي سنة ثمان وثلاثين.
60

(3/603)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 604
60

(3/604)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 605
(أحداث سنة تسع وثلاثين)
فيها كانت وقعة الخوارج بحروراء بالنخيلة، قاتلهم علي فكسرهم، وقتل رؤوسهم وسجد شكراً لله تعالى لما أتي بالمخدج إليه مقتولاً، وكان رؤوس الخوارج زيد بن حصن الطائي، وشريح بن أوفى العبسي، وكانا على المجنبتين، وكان رأسهم عبد الله بن وهب السبأي، وكان على رجالتهم حرقوص بن زهير.
2 (النزاع على موسم الحج)
وفيها بعث معاوية يزيد بن شجرة الرهاوي ليقيم الحج، فنازعه قثم ابن العباس ومانعه، وكان من جهة علي، فتوسط بينهما أبو سعيد الخدري وغيره، فاصطلحا، على أن يقيم الموسم شيبة بن عثمان العبدري حاجب الكعبة.
60

(3/605)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 606
وقيل توفي فيها أم المؤمنين، ميمونة، وحسان بن ثابت الأنصاري، وسيأتيان. وكان علي قد تجهز يريد معاوية، فرد من عانات، واشتغل بحرب الخوارج الحرورية، وهم العباد والقراء من أصحاب علي الذين مرقوا من الإسلام، وأوقعهم الغلو في الدين إلى تكفير العصاة بالذنوب، وإلى قتل النساء والرجال، إلا من اعترف لهم بالكفر وجدد إسلامه. ابن سعد: أنا محمد بن عمر، ثنا عبد الرحمن بن أبي الموالي، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، سمع محمد بن الحنفية يقول: كان أبي يريد الشام، فجعل يعقد لواءه، ثم يحلف لا يحله حتى يسير، فيأبى عليه الناس، وينتشر عليه رأيهم، ويجبنون فيحله ويكفر عن يمينه، فعل ذلك أربع مرات، وكنت أرى حالهم فأرى ما لا يسرني. فكلمت المسور بن مخرمة يومئذ، وقلت: ألا تكلمه أين يسير بقوم لا والله ما أرى عندهم طائلاً، قال: يا أبا القاسم يسير الأمر قد حم، قد كلمته فرأيته يأبى إلا المسير. قال ابن الحنفية: فلما رأى منهم ما رأى قال: اللهم إني قد مللتهم وقد ملوني، وأبغضتهم وأبغضوني، فأبدلني خيراً منهم، وأبدلهم شراً مني.
60

(3/606)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 607
(أحداث سنة أربعين)

2 (النزاع على ولاية اليمن)
فيها بعث معاوية إلى اليمن بسر بن أبي أرطأة القرشي العامري في جنود، فتنحى عنها عامل علي عبيد الله بن عباس، وبلغ علياً فجهز إلى اليمن جارية بن قدامة السعدي فوثب بسر على ولدي عبيد الله بن عباس صبيين، فذبحهما بالسكين وهرب، ثم رجع عبيد الله على اليمن. قال ابن سعد: قالوا انتدب ثلاثة من الخوارج، وهم: عبد الرحمن ابن ملجم المرادي، والبرك بن عبد الله التميمي، وعمرو بن بكر التميمي، فاجتمعوا بمكة، فتعاهدوا وتعاقدوا ليقتلن هؤلاء الثلاثة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، ويريحوا العباد منهم. فقال ابن ملجم: أنا لعلي، وقال البرك: أنا لمعاوية، وقال الآخر:
60

(3/607)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 608
أنا أكفيكم عمراً، فتواثقوا أن لا ينكصوا، واتعدوا بينهم أن يقع ذلك ليلة سبع عشرة من رمضان، ثم توجه كل رجل منهم إلى بلد بها صاحبة، فقدم ابن ملجم الكوفة، فاجتمع بأصحابه من الخوارج، فأسر إليهم، وكان يزورهم ويزورونه. فرأى قطام بنت شجنة من بني تيم الرباب، وكان علي قتل أباها وأخاها يوم النهروان، فأعجبته، فقالت: لا أتزوجك حتى تعطيني ثلاثة آلاف درهم، وتقتل علياً، فقال: لك ذلك، ولقي شبيب بن بجرة الأشجعي، فأعلمه ودعاه إلى أن يكون معه فأجابه. وبقي ابن ملجم في الليلة التي عزم فيها على قتل علي يناجي الأشعث بن قيس في مسجده حتى طلع الفجر، فقال له الأشعث: فضحك الصبح، فقام وشبيب، فأخذا أسيافهما، ثم جاءا حتى جلسا مقابل السدة التي يخرج منها علي، فذكر مقتل علي رضي الله عنه، فلما قتل أخذوا عبد الرحمن بن ملجم، وعذبوه فقتلوه. وقال حجاج بن أبي منيع: نبأ جدي، عن الزهري، عن أنس قال: تعاهد ثلاثة من أهل العراق على قتل معاوية، وعمرو بن العاص، وحبيب بن مسلمة، وذكره.
60

(3/608)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 609
2 (من توفي فيها)
الأشعث بن قيس أبو محمد الكندي نزيل الكوفة. له صحبة
61

(3/609)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 610
ورواية، وقد ارتد أيام الردة، فحوصر وأخذ بالأمان له ولسبعين من قومه، وقيل لم يأخذ لنفسه أماناً، فأتي به أبو بكر، فقال أبو بكر: إنا قاتلوك. لا أمان لك. فقال: أتمن علي وأسلم قال: نعم. فمن عليه وزوجه بأخته فروة بنت أبي قحافة. وكان سيد كندة، وأصيبت عينه يوم اليرموك. روى عنه قيس بن أبي حازم، وأبو وائل، وجماعة، وكان على ميمنة علي يوم صفين. وقد استعمله معاوية على أذربيجان. وكان سيداً جواداً. وهو أول من مشت الرجال في خدمته وهو راكب وتوفي بعد علي بأربعين ليلة، وصلى عليه الحسن رضي الله عنه. تميم الداري بن أوس بن خارجة بن سود بن جذيمة، أبو رقية اللخمي الدراي. صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلف في نسبه إلى الدار بن هانئ أحد بني لخم،
61

(3/610)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 611
ولخم من يعرب بن قحطان. وفد تميم الداري سنة تسع فأسلم، وحدث النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر بقصة الجساسة في أمر الدجال عن تميم الداري. ولتميم عدة أحاديث، روى عنه أنس، وابن عباس، وكثير بن مرة، وعطاء بن يزيد الليتي، وعبد الله بن موهب، وزرارة بن أوفى، وشهر بن حوشب، وطائفة. قال ابن سعد: لم يزل بالمدينة حتى تحول بعد قتل عثمان إلى الشام. وقال البخاري: هو أخو أبي هند الداري.
61

(3/611)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 612
وروى ابن سعد بإسنادين أن وفد الداريين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفة من تبوك، وهم عشرة، فيهم تميم. وقال ابن جريج: قال عكرمة: لما أسلم تميم قال: يا رسول الله، إن الله مظهرك على الأرض كلها، فهب لي قريتي من بيت لحم، قال: هي لك وكتب له بها، قال: ثم جاء تميم بالكتاب إلى عمر فقال: أنا شاهد ذلك، وأعطاه إياه. وذكر الليث بن سعد، أن عمر قال لتميم: ليس لك أن تبيع، فهي في أيدي أهل بيته إلى اليوم. وقال الواقدي: ليس لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالشام قطيعة غير حبرى وبيت عينون،) أقطعهما تميماً الداري وأخاه نعيماً. وفي البخاري من حديث ابن عباس قال: خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بدا، فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم، فلما قدما بتركته فقدوا جاماً من فضة، فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وجدوا الجام بمكة، فقيل: اشتريناه من تميم وعدي، فقام رجلان من أولياء السهمي، فحلفا لشهادتنا أحق من شهادتهما، وأن الجام لصاحبهم.
61

(3/612)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 613
وفيهم نزلت هذه الآية يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم. وقال قتادة في قوله: ومن عنده علم الكتاب قال: سلمان، وابن سلام، وتميم الداري. وقال قرة بن خالد، عن ابن سيرين: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي، وعثمان، وزيد، وتميم الداري. أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب قال: كان تميم الداري يختم القرآن في سبع. وقال عاصم بن سليمان، عن ابن سيرين: إن تميماً الداري كان يقرأ القرآن في ركعة. وقال عمرو بن مرة، عن أبي الضحى، عن مسروق قال: قال لي رجل من أهل مكة: هذا مقام أخيكم تميم الداري، صلى ليلة حتى أصبح
61

(3/613)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 614
أو كاد، يقرأ آية يرددها ويبكي: أم حسب الذين اجترحوا السيئات الآية. وقال أبو نباتة يونس بن يحيى، عن المنكدر بن محمد، عن أبيه، إن تميماً الداري نام ليلة لم يقم بتهجد، فقام سنة لم ينم فيها، عقوبة للذي صنع. الجريري، عن أبي العلاء، عن رجل قال: أتيت تميماً الداري فتحدثنا حتى استأنست إليه، فقلت: كم جزؤك قال: لعلك من الذين يقرأ أحدهم القرآن ثم يصبح فيقول: قد قرأت القرآن في هذه الليلة، فوالذي نفسي بيده لأن أصلي ثلاث ركعات نافلة أحب إلي من أن أقرأ في ليلة، فأصبح فأقول: قرأت القرآن هذه الليلة، فلما أغضبني قلت: والله إنكم معاشر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بقي منكم لجدير أن تسكتوا، فلا تعلموا وتعنوا من سألكم، فلما رآني قد غضبت لان وقال: ألا أحدثك يا بن أخي، أرأيت إن كنت أنا مؤمناً قوياً، وأنت مؤمن ضعيف، فتحمل قوتي على ضعفك، فلا تستطيع فتنبت، أو رأيت إن كنت مؤمناً قوياً وأنا مؤمن ضعيف أتيتك بنشاطي حتى أحمل قوتك على ضعفي، فلا أستطيع،
61

(3/614)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 615
فأنبت، ولكن خذ من نفسك لدينك، ومن دينك لنفسك، حتى يستقيم بك الأمر على عبادة تطيقها. رواه ابن المبارك) في كتاب الزهد، عن الجريري. وروى حماد بن سلمة، عن الجريري، عن أبي العلاء، عن معاوية بن حرمل قال: قدمت المدينة فلبثت في المسجد ثلاثاً لا أطعم، فأتيت عمر، فقلت: يا أمير المؤمنين تائب من قبل أن يقدر علي، قال: من أنت قلت: معاوية بن حرمل، قال: اذهب إلى خير المؤمنين فانزل عليه. قال: وكان تميم الداري إذا صلى ضرب بيده عن يمينه وشماله، فأخذ رجلين فذهب بهما، فصليت إلى جنبه، فأخذني، فأتينا بطعام، فأكلت أكلاً شديداً، وما شبعت من شدة الجوع. فبينا نحن ذات ليلة إذ خرجت نار بالحرة، فجاء عمر إلى تميم فقال: قم إلى هذه النار. فقال: يا أمير المؤمنين، ومن أنا، وما أنا، فلم يزل به حتى قام معه، وتبعتهما، فانطلق إلى النار، فجعل تميم يحوشها بيده، حتى دخلت الشعب، ودخل تميم خلفها، فجعل عمر يقول: ليس من رأى كمن لم ير، قالها ثلاثاً. رواه عفان عنه. ومعاوية هذا لا يعرف. قتادة، عن ابن سيرين، أن تميماً الداري اشترى رداء بألف درهم يخرج فيه إلى الصلاة.
61

(3/615)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 616
الأصح همام، عن قتادة، عن أنس، فذكره، فقال حماد بن سلمة، عن ثابت، أن تميماً الداري اشترى حلة بألف، كان يلبسها في الليلة التي ترى فيها ليلة القدر. الزبيدي، عن الزهري، عن السائب بن يزيد قال: أول من قص تميم الداري، استأذن عمر فأذن له فقص قائماً. وعن سهيل بن مالك، عن أبيه، أن تميماً استأذن عمر في القصص فأذن له، ثم مر عليه بعد فضربه بالدرة، ثم قال له: بكرة وعشية عبد الله بن نافع، عن أسامة، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، أن تميماً استأذن عمر في القصص سنتين، ويأبى عليه. فلما أكثر عليه قال: ما تقول قال: أقرأ عليهم القرآن وآمرهم بالخير، وأنهاهم عن الشر، قال عمر: ذلك الذبح، ثم قال: عظ قبل أن أخرج للجمعة، فكان يفعل ذلك، فلما كان عثمان استزاده فزاده يوماً آخر. وقال عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع، أن تميماً الداري استأذن عمر في القصص، فقال له: على مثل الذبح، قال: إني أرجو العاقبة، فإذن له. وقال خالد بن عبد الله، عن بيان، عن وبرة قال: رأى عمر تميماً
61

(3/616)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 617
الداري يصلي بعد العصر، فضربه بدرته على رأسه، فقال له تميم: يا عمر تضربني على صلاة صليتها مع رسول الله) صلى الله عليه وسلم قال: يا تميم ليس كل الناس يعلم ما تعلم. خالد بن إياس، وهو واه، عن يحيى بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدري قال: أول من أسرج المسجد تميم الداري. أخرجه ابن ماجة. قيل: وجد على نصيبة قبر تميم أنه مات سنة أربعين. الحارث بن خزمة بن عدي أبو بشير الأنصاري الأشهلي. شهد بدراً والمشاهد كلها. وهو من حلفاء بني عبد الأشهل. توفي بالمدينة سنة أربعين وله سبع وستون سنة. وخزمة بفتحتين. قيده ابن ماكولا. خارجة بن حذافة د ت ق بن غانم. قال ابن ماكولا: له
61

(3/617)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 618
صحبة، وشهد فتح مصر، وكان أمير ربع المدد الذين أمد بهم عمر بن الخطاب عمرو بن العاص، وكان على شرطة مصر في خلافة عمر، وفي خلافة معاوية، قتله عمرو بن بكير الخارجي بمصر، وهو يعتقد أنه عمرو بن العاص. روى عنه عبد الله بن أبي مرة حديثاً. خوات بن جبير بن النعمان الأنصاري. شهد بدراً والمشاهد بعدها.
61

(3/618)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 619
فائدة لم يشهد خوات بن جبير بدراً. قال عبد الرحمن بن أبي ليلى وغيره: أصابه في ساقه حجر بالصفراء، فرجع فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه. يونس بن محمد: أنبأ فليح بن سليمان، عن ضمرة بن سعيد، عن قيس بن أبي حذيفة، عن خوات بن جبير قال: خرجنا حجاجاً مع عمر، فسرنا في ركب، فيهم أبو عبيدة، وعبد الرحمن بن عوف، فقال القوم: غننا فقال، عمر: دعوا أبا عبد الله فليغن من شعره، فلما زلت أغنيهم حتى كان السحر، فقال عمر: ارفع لسانك يا خوات، فقد أسحرنا. وكان أحد الأبطال المشهورين. له أحاديث. روى عنه عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعطاء بن يسار وابنه صالح بن خوات، وبسر بن سعيد. روى له البخاري في كتاب الأدب، خارج الصحيح. وقيل: هو صاحب ذات النحيين.
62

(3/619)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 620
قال زيد بن أسلم: قال خوات: نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران، فإذا بنسوة يتحدثن، فأعجبنني، فرجعت، فأخرجت حلة فلبستها، وجئت فجلست معهن، وخرج) رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبته فقال: أبا عبد الله ما يجلسك معهن وذكر الحديث. توفي خوات بن جبير بن النعمان سنة أربعين. وقيل سنة اثنتين وأربعين، بعد أن كف بصره. روى له البخاري في الأدب موقوفاً النوم أول النهار خرق، وأوسطه خلق، وآخره حمق. شرحبيل بن السمط م بن الأسود الكندي، أبو يزيد، ويقال
62

(3/620)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 621
أبو السمط. له صحبة ورواية. وروى أيضاً عن عمر، وسلمان الفارسي. وعنه جبير بن نفير، وكثير بن مرة، وجماعة. قال البخاري: كان على حمص، وهو الذي افتتحها. وكان فارساً بطلاً شجاعاً، قيل: إنه شهد القادسية. وكان قد غلب الأشعث بن قيس على شرف كندة. واستقدمه معاوية قبل صفين يستشيره. وقد قال الشعبي: إن عمر استعجل شرحبيل بن السمط على المدائن، واستعمل أباه بالشام، فكتب إلى عمر: إنك تأمر أن لا يفرق بين السبايا وأولادهن، فإنك قد فرقت بيني وبين ابني، قال: فألحقه بابنه. قال يزيد بن عبد ربه الحمصي: توفي شرحبيل سنة أربعين. علي بن أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. أمير المؤمنين أبو الحسن القرشي الهاشمي، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف الهاشمية، وهي بنت عم أبي طالب، كانت من المهاجرات، توفيت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة. قال عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي: قلت لأمي اكفي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سقاية الماء والذهاب في الحاجة، وتكفيك هي الطحن والعجن، وهذا يدل على أنها توفيت بالمدينة.
62

(3/621)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 622
روى الكثير عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعرض عليه القرآن وأقرأه. عرض عليه أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو الأسود الدؤلي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى. وروى عن علي: أبو بكر، وعمر، وبنوه الحسن والحسين، ومحمد، وعمر، وابن عمه ابن عباس، وابن الزبير، وطائفة من الصحابة، وقيس بن أبي حازم، وعلقمة بن قيس، وعبيدة السلماني، ومسروق، وأبو رجاء العطاردي، وخلق كثير. وكان من السابقين الأولين، شهد بدراً وما بعدها، وكان يكنى أبا تراب أيضاً.) قال عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل، إن رجلاً من آل مروان استعمل على المدينة، فدعاني وأمرني أن أشتم علياً فأبيت، فقال: أما إذا أتيت فالعن أبا تراب، فقال سهل: ما كان لعلي اسم أحب إليه منه، إن كان ليفرح إذا دعي به. فقال له: أخبرنا عن قصته لم سمي أبا تراب فقال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة، فلم يجد علياً في البيت، فقال: أين ابن عمك فقالت: قد كان بيني وبينه شيء فغاظني، فخرج ولم يقل عندي، فقال لإنسان: اذهب انظر أين هو. فجاء فقال: يا رسول الله هو راقد في المسجد، فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مضطجع قد سقط
62

(3/622)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 623
رداؤه عن شقه، فأصابه تراب، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عنه التراب ويقول: قم أبا تراب قم أبا تراب. أخرجه مسلم. وقال أبو رجاء العطاردي: رأيت علياً شيخاً أصلع كثير الشعر، كأنما اجتاب إهاب شاة، ربعة عظيم البطن، عظيم اللحية. وقال سوادة بن حنظلة: رأيت علياً أصفر اللحية. وعن محمد بن الحنفية قال: اختضب علي بالحناء مرة ثم تركه. وعن الشعبي قال: رأيت علياً ورأسه ولحيته بيضاء، كأنهما قطن.
62

(3/623)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 624
وعن الشعبي قال: رأيت علياً أبيض اللحية، ما رأيت أعظم لحية منه، وفي رأسه زغبات. وقال أبو إسحاق: رأيته يخطب، وعليه إزار ورداء، أنزع، ضخم البطن، أبيض الرأس واللحية. وعن أبي جعفر الباقر قال: كان علي آدم، شديد الأدمة، ثقيل العينين، عظيمهما، وهو إلى القصر أقرب. قال عروة: أسلم علي وهو ابن ثمان. وقال الحسن بن زيد بن الحسن: أسلم وهو ابن تسع. وقال المغيرة: أسلم وله أربع عشرة سنة. رواه جرير عنه. وثبت عن ابن عباس قال: أول من أسلم علي. وعن محمد القرظي قال: أول من أسلم خديجة، وأول رجلين أسلما
62

(3/624)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 625
أبو بكر، وعلي، وإن أبا بكر أول من أظهر الإسلام، وكان علي يكتم الإسلام فرقاً من أبيه، حتى لقيه أبو طالب فقال:) أسلمت قال: نعم، قال وازر ابن عمك وانصره، وأسلم علي قبل أبي بكر. وقال قتادة إن علياً كان صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وفي كل مشهد. وقال أبو هريرة وغيره: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، ويفتح الله على يديه. قال عمر: فما أحببت الإمارة قبل يومئذ، قال: فدعا علياً فدفعها إليه، وذكر الحديث، كما تقدم في غزوة خيبر بطرقه. وقال محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن المنهال، عن عبد الله ابن أبي ليلى قال: كان أبي يسمر مع علي، وكان علي يلبس ثياب الصيف في الشتاء، وثياب الشتاء في الصيف، فقلت لأبي: لو سألته فسأله، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلي وأنا ارمد العين يوم خيبر، فقلت: يا رسول الله إني أرمد، فتفل في عيني، فقال: اللهم أذهب عنه الحر والبرد، فما وجدت حراً ولا برداً منذ يومئذ.
62

(3/625)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 626
وقال جرير، عن مغيرة، عن أم موسى: سمعت علياً يقول: ما رمدت ولا صدعت منذ مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهي وتفل في عيني. وقال المطلب بن زياد، عن ليث، عن أبي جعفر، عن جابر بن عبد الله، إن علياً حمل الباب على ظهره يوم خيبر، حتى صعد المسلمون عليه ففتحوها يعني خيبر، وأنهم جروه بعد ذلك، فلم يحمله إلا أربعون رجلاً. تفرد به اسماعيل ابن بنت السدي، عن المطلب. وقال ابن إسحاق في المغازي: حدثني عبد الله بن الحسن، عن بعض أهله، عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم برايته، فلما دنا من الحصن، خرج إليه أهله، فقاتلهم، فضربه رجل من اليهود، فطرح ترسه من يده، فتناول علي باباً عند الحصن، فتترس به عن نفسه، فلم يزل في يده، وهو يقاتل، حتى فتح الله علينا، رأيتنا ثم ألقاه، فلقد رأينا ثمانية نفر، نجهد أن نقلب ذلك الباب، فما استطعنا أن نقلبه. وقال غندر: عوف، عن ميمون أبي عبد الله، عن البراء، وزيد بن أرقم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: أنت مني كهارون من موسى، غير أنك لست بنبي. ميمون صدوق.
62

(3/626)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 627
وقال بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد، عن أبيه قال: أمر معاوية سعداً فقال: ما يمنعك أن) تسب أبا تراب قال: أما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، وخلف علياً في بعض مغازيه، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أتخلفني مع النساء والصبيان قال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي. أخرجه الترمذي، وقال: صحيح غريب. وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم خيبر: لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، فدفعها إليه، ففتح الله عليه. ولما نزلت هذه الآية: فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبناءكم، دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفاطمة، وحسناً وحسيناً فقال: اللهم هؤلاء أهلي. بكير احتج به مسلم. وقال إبراهيم بن المنذر الحزامي: ثنا إبراهيم بن مهاجر بن
62

(3/627)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 628
مسمار، عن أبيه، عن عامر بن سعد، عن أبيه قال: أما والله أشهد لقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي يوم غدير خم، وأخذ بضبعيه: أيها الناس من مولاكم قالوا: الله ورسوله، قال: ومن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه الحديث. إبراهيم هذا، قال النسائي: ضعيف. ويروى عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنته فاطمة: قد زوجتك أعظمهم حلماً، وأقدمهم سلماً، وأكثرهم علماً وروى نحوه جابر الجعفي وهو متروك عن ابن بريدة عن أبيه. وقال الأجلح الكندي، عن عبد الله ن بريدة، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا بريدة لا تقعن في علي فإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي.
62

(3/628)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 629
وقال الأعمش، عن سعيد بن عبيدة، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كنت وليه فعلي وليه. وقال غندر: حدثنا شعبة، عن ميمون أبي عبد الله، عن زيد بن أرقم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. هذا حديث صحيح. وقال أبو الجواب: ثنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن البراء قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مجنبتين على إحداهما علي، وعلى الآخرة خالد بن الوليد، وقال: إذا كان قتال) فعلي على الناس، فافتتح علي حصناً، فأخذ جارية لنفسه، فكتب خالد في ذلك، فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب قال: ما تقول في رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قلت: أعوذ بالله من غضب الله. أبو الجواب ثقة، أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن.
63

(3/629)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 630
قرأت على أبي المعالي أحمد بن إسحاق، أخبركم الفتح بن عبد الله بن محمد. ح. وأخبرنا يحيى بن أبي منصور، وجماعة إجازة قالوا: أنا أبو الفتوح محمد بن علي بن الجلاجلي قالا: أنا أبو القاسم هبة الله بن الحسين الحاسب، أنبأ أبو الحسين أحمد بن محمد بن النقور، ثنا عيسى بن علي بن الجراح املاء سنة تسع وثمانين وثلاثمائة، ثنا أبو القاسم بن عبد الله بن محمد، ثنا سويد بن سعيد، ثنل شريك، عن أبي إسحاق، عن حبشي بن جنادة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: علي مني وأنا من علي، لا يؤدي عني إلا أنا أو هو. رواه ابن ماجة عن سويد، ورواه الترمذي، عن إسماعيل بن موسى، عن شريك، وقال: صحيح غريب، ورواه يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن جده. أخرجه النسائي في الخصائص. وقال جعفر بن سليمان الضبعي: ثنا يزيد الرشك، عن مطرف بن عبد الله، عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سريةً، واستعمل عليهم علياً، وكان المسلمون إذا قدموا من سفر أو غزوا، أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يأتوا رحالهم، فأخبروه بمسيرهم، فأصاب علي جاريةً فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لنخبرنه، قال: فقدمت السرية فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بمسيرهم، فقام إليه أحد الأربعة فقال: يا رسول الله قد أصاب علي جارية، فأعرض عنه، ثم قام الثاني فقال: صنع كذا وكذا، فأعرض
63

(3/630)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 631
عنه، ثم الثالث كذلك، ثم الرابع، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم مغضباً فقال: ما تريدون من علي، علي مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي. أخرجه أحمد في المسند والترمذي، وحسنه، والنسائي. وقالت زينب بنت كعب بن عجرة، عن أبي سعيد قال: اشتكى الناس علياً، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيباً، فقال: لا تشكوا علياً، فوالله إنه لأخيشن في ذات الله أو في سبيل الله. رواه سعد بن إسحاق، وابن عمه سليمان بن محمد أبو كعب، عن عمتهما.) ويروى عن عمرو بن شاس الأسلمي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من آذى علياً فقد آذاني. وقال فطر بن خليفة، عن أبي الطفيل قال: جمع علي الناس في الرحبة، ثم قال لهم: أنشد الله كل امريءٍ سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام، فقام ناس كثير فشهدوا حين أخذ بيده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال للناس: أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا: نعم يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ثم قال لي زيد بن أرقم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك له.
63

(3/631)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 632
قال شعبة عن سلمة بن كهيل قال: سمعت أبا الطفيل يحدث عن أبي سريحة أو زيد بن أرقم، شك شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. حسنه الترمذي ولم يصححه لأن شعبة رواه عن ميمون أبي عبد الله، عن زيد بن أرقم نحوه، والظاهر أنه عند شعبة من طريقين، والأول رواه بندار، عن غندر، عنه. وقال كامل أبو العلاء، عن حبيب بن أبي ثابت، عن يحيى بن جعدة، عن زيد بن أرقم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي يوم غدير خم من كنت مولاه فعلي مولاه. وروى نحوه يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، أنه سمع علياً ينشد في الرحبة. وروى نحوه عبد الله بن أحمد في مسند أبيه، من حديث سماك بن عبيد، عن ابن أبي ليلى، وله طرق أخرى ساقها الحافظ ابن عساكر في ترجمة علي يصدق بعضها بعضاً. وقال حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، وأبي هارون، عن عدي بن ثابت، عن البراء قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين، ونودي في الناس: الصلاة جامعة، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً فأخذ بيده، وأقامه عن يمينه، فقال: ألست أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا: بلى، فقال: فإن هذا مولى من أنا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فلقيه عمر بن
63

(3/632)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 633
الخطاب فقال: هنيئاً لك يا علي، أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة. ورواه عبد الرزاق، عن معمر، عن علي بن زيد. وقال عبيد الله بن موسى، وغيره، عن عيسى بن عمر القاري، عن السدي قال: ثنا أنس بن) مالك، قال: أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيار، فقسمها، وترك طيراً فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي فجاء علي، وذكر حديث الطير. وله طرق كثيرة عن أنس متكلم فيها، وبعضها على شرط السنن، ومن أجودها حديث قطن بن نسير شيخ مسلم، ثنا جعفر بن سليمان، ثنا عبد الله بن المثنى، عن عبد الله بن أنس بن مالك، عن أنس قال: أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حجل مشوي فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي. وذكر الحديث. وقال جعفر الأحمر، عن عبد الله بن عطاء، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: كان أحب النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة، ومن الرجال علي. أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب.
63

(3/633)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 634
وقال أبو إسحاق السبيعي، عن أبي عبد الله الجدلي قال: دخلت على أم سلمة، فقالت لي: ايسب فيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: معاذ الله قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من سب علياً فقد سبني. ورواه أحمد في مسنده. وقال الأعمش، عن عدي بن ثابت، عن زر، عن علي قال: إنه لعهد النبي صلى الله عليه وسلم إلي أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق. أخرجه مسلم، والترمذي وصححه. وقال أبو صالح السمان، وغيره، عن أبي سعيد قال: إن كنا لنعرف المنافقين ببغضهم علياً. وقال أبو الزبير، عن جابر قال: ما كنا نعرف منافقي هذه الأمة إلا ببغضهم علياً. قال المختار بن نافع أحد الضعفاء ثنا أبو حيان التيمي، عن أبيه، عن علي قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحم الله أبا بكر، زوجني
63

(3/634)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 635
ابنته، وحملني إلى دار الهجرة، وأعتق بلالاً. رحم الله عمر، يقول الحق، وإن كان مراً، تركه الحق وما له من صديق. رحم الله عثمان تستحييه الملائكة. رحم الله علياً، اللهم أدر الحق معه حيث دار. أخرجه الترمذي وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وقال الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن الحارث، عن علي قال: يهلك في رجلان، مبغض مفتر، ومحب مطر. وقال يحيى الحماني: ثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن عائشة قالت: كنت قاعدة مع النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أقبل علي فقال: يا عائشة هذا سيد العرب قلت: يا) رسول الله، ألست سيد العرب قال: أنا سيد ولد آدم، وهذا سيد العرب. وروي من وجهين مثله، عن عائشة. وهو غريب. قال أبو الجحاف، عن جميع بن عمير التيمي قال: دخلت مع عمتي على عائشة، فسئلت: أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: فاطمة، فقيل: من الرجال، فقالت: زوجها، إن كان ما علمت صواماً قواماً. أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب.
63

(3/635)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 636
قلت: جميع كذبه غير واحد. وقال عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نخيل امرأة من الأنصار، فقال: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة فطلع أبو بكر، فبشرناه، ثم قال: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة فطلع عمر، فبشرناه، ثم قال: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة وجعل ينظر من النخل ويقول: اللهم إن شئت جعلته علياً. فطلع علي رضي الله عنه. حديث حسن. وعن سعيد بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أثبت حراء فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد وعليه أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي. وذكر بقية العشرة. وقال محمد بن كعب القرظي: قال علي: لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني لأربط الحجر على بطني من الجوع، وإن صدقة مالي لتبلغ اليوم أربعين ألفاً. رواه شريك، عن عاصم بن كليب، عنه. أخرجه أحمد في مسنده.
63

(3/636)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 637
وعن الشعبي قال: قال علي: ما كان لنا إلا إهاب كبش ننام على ناحيته، وتعجن فاطمة على ناحيته، يعني ننام على وجهٍ، وتعجن على وجه. وقال عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، وأنا حديث السن، ليس لي علم بالقضاء، فضرب صدري وقال: اذهب فإن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك قال: فما شككت في قضاءٍ بين اثنين بعد. وقال الأعمش عن إبراهيم التيمي، عن أبيه قال: خطبنا علي فقال: من زعم أن عندنا شيئاً نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة، وفيها أسنان الإبل وشيء من الجراحات، فقد كذب. وعن سليمان الأحمسي، عن أبيه قال: قال علي: والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت، وعلى من نزلت، وإن ربي وهب لي قلباً عقولاً، ولساناً ناطقاً.) وقال محمد بن سيرين: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبطأ علي عن ربيعة أبي بكر، فلقيه أبو بكر فقال: أكرهت إمارتي فقال: لا، ولكن آليت لا أرتدي بردائي إلا إلى الصلاة، حتى أجمع القرآن، فزعموا أنه كتبه على تنزيله فقال محمد: لو أصبت ذلك الكتاب كان فيه العلم.
63

(3/637)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 638
وقال سعيد بن المسيب: لم يكن أحد من الصحابة يقول: سلوني إلا علي. وقال ابن عباس: قال عمر: علي أقضانا، وأبي أقرؤنا. وقال ابن مسعود: كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي. وقال ابن المسيب، عن عمر قال: أعوذ بالله من معضلةٍ ليس لها أبو حسن. وقال ابن عباس: إذا حدثنا ثقة بفتيا عن علي لم نتجاوزها. وقال سفيان عن كليب، عن جسرة، قالت: ذكر عند عائشة صوم عاشوراء، فقالت: من يأمركم بصومه قالوا: علي قالت: أما إنه أعلم من بقي بالسنة. وقال مسروق: انتهى علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمر، وعلي، وعبد الله. وقال محمد بن منصور الطوسي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما ورد لأحدٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضائل ما ورد لعلي.
63

(3/638)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 639
وقال أبو إسحاق، عن عمرو بن ميمون قال: شهدت عمر يوم طعن، فذكر قصة الشورى، فلما خرجوا من عنده قال عمر: إن يولوها الأصيلع يسلك بهم الطريق المستقيم، فقال له ابنه عبد الله فما يمنعكّ يعني أن توليه قال: أكره أن أتحملها حياً وميتاً. وقال سفيان الثوري، عن الأسود بن قيس، عن سعيد بن عمرو، قال: خطبنا علي فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهد إلينا في الإمارة شيئاً، ولكن رأي، رأيناه، فاستخلف أبو بكر، فقام واستقام، ثم استخلف عمر، فقام واستقام، ثم ضرب الدين بجرانه، وإن أقواماً طلبوا الدنيا فمن شاء الله أن يعذب منهم عذب، ومن شاء أن يرحم رحم. وقال علي بن زيد بن جدعان، عن الحسن، عن قيس بن عباد قال: سمعت علياً يقول: والله ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم عهداً إلا شيئاً عهده إلى الناس، ولكن الناس وقعوا في عثمان فقتلوه، فكان غيري فيه أسوأ حالاً وفعلاً مني، ثم إني رأيت أني أحقهم بهذا الأمر،) فوثبت عليه، فالله أعلم أصبنا أم أخطأنا. قرأت على أبي الفهم بن أحمد السلمي، أخبركم أبو محمد عبد الله بن أحمد الفقيه سنة سبع عشرة وستمائة، أنبأ أبو الفتح محمد بن عبد الباقي،
64

(3/639)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 640
أنبأ مالك بن أحمد سنة أربع وثمانين وأربعمائة، ثنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل إملاء سنة ست وأربعمائة، ثنا أبو علي أحمد بن الفضل بن خزيمة، ثنا عبد الله بن روح، ثنا شبابة، ثنا أبو بكر الهذلي، عن الحسن قال: لما قدم علي البصرة قام إليه ابن الكواء، وقيس بن عباد فقالا له: ألا تخبرنا عن مسيرك هذا الذي سرت فيه، تتولى على الأمة، تضرب بعضهم ببعض، أعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم عهده إليك، فحدثنا فأنت الموثوق المأمون على ما سمعت، فقال، أما أن يكون عندي عهد من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فلا، والله إن كنت أول من صدق به، فلا أكون أول من كذب عليه، ولو كان عندي من النبي صلى الله عليه وسلم عهد في ذلك، ما تركت أخا بني تيم بن مرة، وعمر بن الخطاب يقومان على منبره، ولقاتلتهما بيدي، ولو لم أجد إلا بردي هذا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل قتلاً، ولم يمت فجأة، مكث في مرضه أياماً وليالي، يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة، فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس، وهو يرى مكاني، ثم يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة، فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس، وهو يرى مكاني، ولقد أرادت امرأة من نسائه أن تصرفه عن أبي بكر فأبى وغضب وقال: أنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر يصلي بالناس. فلما قبض الله نبيه، نظرنا في أمورنا، فاخترنا لدنيانا من رضيه نبي الله لديننا. وكانت الصلاة أصل الإسلام، وهي أعظم الأمر، وقوام الدين.
64

(3/640)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 641
فبايعنا أبا بكر، وكان لذلك أهلاً، لم يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع منه البراءة، فأديت إلى أبي بكر حقه، وعرفت له طاعته، وغزوت معه في جنوده، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي، فلما قبض، ولاها عمر، فأخذ بسنة صاحبه، وما يعرف من أمره، فبايعنا عمر، لم يختلف عليه منا إثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع البراءة منه. فأديت إلى عمر حقه، وعرفت طاعته، وغزوت معه في جيوشه، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي. فلما قبض تذكرت في نفسي قرابتي وسابقتي وسالفتي وفضلي، وأنا أظن أن لا يعدل بي،) ولكن خشي أن لا يعمل الخليفة بعده ذنباً إلا لحقه في قبره، فأخرج منها نفسه وولده، ولو كانت محاباة منه لآثر بها ولده فبرئ منها إلى رهط من قريش ستة، أنا أحدهم. فلما اجتمع الرهط تذكرت في نفسي قرابتي وسابقتي وفضلي، وأنا أظن أن لا يعدلوا بي، فأخذ عبد الرحمن مواثقنا على أن نسمع ونطيع لمن ولاه الله أمرنا، ثم أخذ بيد ابن عفان فضرب بيده على يده، فنظرت في أمري، فإذا طاعتي قد سبقت بيعتي، وإذا ميثاقي قد أخذ لغيري، فبايعنا عثمان، فأديت له حقه، وعرفت له طاعته، وغزوت معه في جيوشه، وكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي. فلما أصيب نظرت في أمري، فإذا الخليفتان اللذان أخذاها بعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهما بالصلاة قد مضيا، وهذا الذي قد أخذ له الميثاق، قد
64

(3/641)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 642
أصيب، فبايعني أهل الحرمين، وأهل هذين المصرين. روى إسحاق بن راهوية نحوه، عن عبدة بن سليمان، ثنا أبو العلاء سالم المرادي، سمعت الحسن، وروى نحوه وزاد في آخره: فوثب فيها من ليس مثلي، ولا قرابته كقرابتي، ولا علمه كعلمي، ولا سابقته كسابقتي، وكنت أحق بها منه. قالا: فأخبرنا عن قتالك هذين الرجلين يعنيان: طلحة والزبير قال: بايعني بالمدينة، وخلعاني بالبصرة، ولو أن رجلاً ممن بايع أبا بكر وعمر خلعه لقاتلناه. وروى نحوه الجريري، عن أبي نضرة. وقال أبو عتاب الدلال: ثنا مختار بن نافع التيمي، ثنا أبو حيان التيمي، عن أبيه عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله أبا بكر، زوجني ابنته، وحملني إلى دار الهجرة، وأعتق بلالاً. رحم الله عمر، يقول الحق، ولو كان مراً، تركه الحق وماله من صديق. رحم الله عثمان تستحيه الملائكة. رحم الله علياً، اللهم أدر الحق معه حيث دار. وقال إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن أبي سعيد، سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن، كما قاتلت على تنزيله.
64

(3/642)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 643
فقال أبو بكر: أنا هو قال: لا، قال عمر: أنا هو قال: لا، ولكنه خاصف النعل، وكان أعطى علياً نعله يخصفها. قلت: فقاتل الخوارج الذين أولوا القرآن برأيهم وجهلهم. وقال خارجة بن مصعب، عن سلام بن أبي القاسم، عن عثمان بن أبي عثمان قال: جاء أناس) إلى علي فقالوا: أنت هو، قال: من أنا قالوا: أنت هو، قال: ويلكم من أنا قالوا: أنت ربنا، قال: ارجعوا، فأبوا، فضرب أعناقهم، ثم خد لهم في الأرض، ثم قال: يا قنبر ائتني بحزم الحطب، فحرقهم بالنار وقال:
(لما رأيت الأمر أمراً منكراً .......... أوقدت ناري ودعوت قنبرا)
وقال أبو حيان التيمي: حدثني مجمع، ان علياً كان يكنس بيت المال ثم يصلي فيه، رجاء أن يشهد له أنه لم يحبس فيه المال عن المسلمين. وقال أبو عمرو بن العلاء، عن أبيه قال: خطب علي فقال: أيها
64

(3/643)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 644
الناس، والله الذي لا إله إلا هو، ما رزأت من مالكم قليلاً ولا كثير، إلا هذه القارورة، واخرج قارورة فيها طيب، ثم قال: أهداها إلي دهقان. وقال ابن لهيعة: ثنا عبد الله بن هبيرة، عن عبد الله بن زرير الغافقي قال: دخلت على علي يوم الأضحى فقرب إلينا خزيرة، فقلت: لو قربت إلينا من هذا الإوز، فإن الله قد أكثر الخير، قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل للخليفة من مال الله إلا قصعتان، قصعة يأكلها هو وأهله، وقصعة يضعها بين يدي الناس. وقال سفيان الثوري: إذا جاءك عن علي شيء فخذ به، ما بنى لبنة، على لبنة، ولا قصبة على قصبة، ولقد كان يجاء بجيوبه في جراب. وقال عباد بن العوام، عن هارون بن عنترة، عن أبيه قال: دخلت على علي بالخورنق، وعليه سمل قطيفة، فقلت: يا أمير المؤمنين إن الله قد جعل لك لأهل بيتك في هذا المال نصيباً، وأنت تفعل هذا بنفسك فقال: إني والله ما أرزؤكم شيئاً، وما هي إلا قطيفتي التي أخرجتها من بيتي.
64

(3/644)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 645
وعن علي أنه اشترى قميصاً بأربعة دراهم فلبسه، وقطع ما فضل عن أصابعه من الكم. وعن جرموز قال: رأيت علياً وهو يخرج من القصر، وعليه إزار إلى نصف الساق، ورداء مشمر، ومعه درة يمشي بها في الأسواق، ويأمرهم بتقوى الله وحسن البيع، ويقول: أوفوا الكيل والميزان، ولا تنفخوا اللحم. وقال الحسن بن صالح بن حي: تذاكروا الزهاد عند عمر بن عبد العزيز، فقال: أزهد الناس في الدنيا علي بن أبي طالب. وعن رجل أنه رأى علياً قد ركب حماراً ودلى رجليه إلى موضع واحد، ثم قال: أنا الذي) أهنت الدنيا. وقال هشيم، عن إسماعيل بن سالم، عن عمار الحضرمي، عن أبي عمر زاذان، أن رجلاً حدث علياً بحديث، فقال: ما أراك إلا قد كذبتني، قال: لم أفعل، قال: إن كنت كذبت أدعو عليك، قال: ادع، فدعا، فما برح حتى عمي. وقال عطاء بن السائب، عن أبي البختري، عن علي قال: وأبردها على الكبد إذا سئلت عما لا أعلم أن أقول: الله أعلم. وقال خيثمة بن عبد الرحمن: قال علي: من أراد أن ينصف الناس،
64

(3/645)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 646
من نفسه فليحب لهم ما يحب لنفسه. وقال عمرو بن مرة، عن أبي البختري قال: جاء رجل إلى علي فأثنى عليه، وكان قد بلغه عنه أمر، فقال: إني لست كما تقول، وأنا فوق ما في نفسك. وقال محمد بن بشر الأسدي وهو صدوق ثنا أبو موسى بن مطير وهو واه عن أبيه، عن صعصعة بن صوحان قال: لما ضرب علي أتيناه، فقلنا: إستخلف، قال: إن يرد الله بكم خيراً استعمل عليكم خيركم، كما أراد بنا خيراً واستعمل علينا أبا بكر. وروى الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن أبي وائل قال: قيل لعلي: ألا توصي قال: ما أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوصي، ولكن إن يرد الله بالناس خيراً سيجمعهم على خيرهم، كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم. وروي بإسناد آخر، عن الشعبي، عن أبي وائل، روى عبد الملك بن سلع الهمداني، عن عبد خير، عن علي قال: استخلف أبو بكر، فعمل بعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته، الحديث. وقال الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن عبد الله بن سبع، سمع علياً يقول: لتخضبن هذه من هذه، فما ينتظرني إلا شقي، قالوا: يا أمير المؤمنين، فأخبرنا عنه نبر، عترته، قال: أنشدكم بالله أن تقتلوا
64

(3/646)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 647
غير قاتلي، قالوا: فاستخلف علينا، قال: لا، ولكني أترككم إلى ما ترككم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: فما تقول لربك إذا أتيته قال: أقول: اللهم تركتني فيهم ما بدا لك، ثم قبضتني إليك، وأنت فيهم، إن شئت أصلحتهم، وإن شئت أفسدتهم. وقال الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ثعلبة بن يزيد الحماني سمعت علياً يقول: أشهد) أنه كان يسر إلي النبي صلى الله عليه وسلم: لتخضبن هذه من هذه، يعني لحيته من رأسه، فما يحبس أشقاها. وقال شريك، عن عثمان بن أبي زرعة، عن زيد بن وهب قال: قدم على علي قوم من البصرة من الخوارج، فقال منهم الجعد بن نعجة: اتق الله يا علي فإنك ميت، فقال علي: بل مقتول: ضربة على هذه تخضب هذه، عهد معهود وقضاء مقضي، وقد خاب من افترى، قال: وعاتبه في لباسه فقال: مالكم وللباسي، هو أبعد من الكبر، وأجدر أن يقتدي بي المسلم.
64

(3/647)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 648
وقال فطر، عن أبي الطفيل: إن علياً رضي الله عنه تمثل:
(أشدد حيازيمك للموت .......... فإن الموت لاقيكا)

(ولا تجزع من القتل .......... إذا حل بواديكا)
وقال ابن عيينة، عن عبد الملك بن أعين، عن أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي، عن أبيه، عن علي قال: أتاني عبد الله بن سلام، وقد وضعت قدمي في الغرز، فقال لي، لا تقدم العراق فإني أخشى أن يصيبك بها ذباب السيف، قلت: وايم الله لقد أخبرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو الأسود: فما رأيت كاليوم قط محارباً يخبر بذا عن نفسه. قال ابن عتبة: كان عبد الملك رافضياً. وقال يونس بن بكير: حدثني علي بن أبي فاطمة، حدثني الأصبغ الحنظلي قال: لما كانت الليلة التي أصيب فيها علي أتاه ابن النباح حين طلع الفجر، يؤذنه بالصلاة، فقام يمشي، فلما بلغ الباب الصغير، شد عليه عبد الرحمن بن ملجم، فضربه، فخرجت أم كلثوم فجعلت تقول:
64

(3/648)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 649
ما لي ولصلاة الصبح، قتل زوجي عمر صلاة الغداة، وقتل أبي صلاة الغداة. وقال أبو جناب الكلبي: حدثني أبو عون الثقفي، عن ليلة قتل علي قال: قال الحسن بن علي: خرجت البارحة وأمير المؤمنين يصلي فقال لي: يا بني إني بت البارحة أوقظ أهلي لأنها ليلة الجمعة صبيحة بدر، لسبع عشرة من رمضان، فملكتني عيناي، فسنح لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، ماذا لقيت من أمتك من الأود واللدد، فقال: ادع عليهم فقلت: اللهم أبدلني بهم من هو خير منهم، وأبدلهم بي من هو شر مني. فجاء ابن النباح فآذنه بالصلاة، فخرج، وخرجت خلفه، فاعتوره رجلان: أما أحدهما فوقعت ضربته في السدة، وأما الآخر فأثبتها في رأسه.) وقال جعفر بن محمد، عن أبيه، إن علياً كان يخرج إلى الصلاة، وفي يده درة يوقظ الناس بها، فضربه ابن ملجم، فقال علي أطعموه واسقوه فإن عشت فأنا ولي دمي. رواه غيره، وزاد: فإن بقيت قتلت أو عفوت فإن مت فاقتلوه قتلتي، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين. وقال محمد بن سعد: لقي ابن ملجم شبيب بن بجرة الأشجعي،
65

(3/649)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 650
فأعلمه بما عزم عليه من قتل علي، فوافقه، قال: وجلسنا مقابل السدة التي يخرج منها علي، قال الحسن: وأتيته سحراً، فجلست إليه فقال: إني ملكتني عيناي وأنا جالس، فسنح لي النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر المنام المذكور. قال وخرج وأنا خلفه، وابن النباح بين يديه، فلما خرج من الباب نادى: أيها الناس الصلاة الصلاة، وكذلك كان يصنع كل يوم، ومعه درته يوقظ الناس، فاعترضه الرجلان، فضربه ابن ملجم على دماغه، وأما سيف شبيب فوقع في الطاق، وسمع الناس علياً يقول: لا يفوتنكم الرجل، فشد الناس عليهما من كل ناحية، فهرب شبيب، وأخذ عبد الرحمن، وكان قد سم سيفه. ومكث علي يوم الجمعة والسبت، وتوفي ليلة الأحد، لإحدى عشرة ليلة بقيت من رمضان. فلما دفن أحضروا ابن ملجم، فاجتمع الناس، وجاءوا بالنفط والبواري، فقال محمد بن الحنفية، والحسين، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب: دعونا نشتف منه، فقطع عبد الله يديه ورجليه، فلم يجزع ولم يتكلم، فكحل عينيه، فلم يجزع، وجعل يقول: إنك لتكحل عيني عمك، وجعل يقرأ: إقرأ بسم ربك الذي خلق حتى ختمها، وإن عينيه لتسيلان، ثم أمر به فعولج عن لسانه ليقطع، فجزع، فقيل له في ذلك. فقال: ما ذاك بجزع، ولكني أكره أن أبقى في الدنيا فواقاً لا أذكر الله، فقطعوا لسانه، ثم أحرقوه في قوصرة، وكان أسمر حسن الوجه، أفلج، شعره مع شحمة أذنيه، وفي جبهته أثر السجود. ويروى أن علياً رضي الله عنه أمرهم أن يحرقوه بعد القتل. وقال جعفر بن محمد، عن أبيه قال: صلى الحسن على علي، ودفن
65

(3/650)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 651
بالكوفة، عند قصر الإمارة، وعمي قبره. وعن أبي بكر بن عياش قال: عموه لئلا تنبشه الخوارج. وقال شريك، وغيره: نقله الحسن بن علي إلى المدينة.) وذكر المبرد عن محمد بن حبيب قال: أول من حول من قبر إلى قبر علي. وقال صالح بن أحمد النحوي: ثنا صالح بن شعيب، عن الحسن بن شعيب الفروي، أن علياً صير في صندوق، وكثروا عليه من الكافور، وحمل على بعير، يريدون به المدينة، فلما كان ببلاد طيء، أضلوا البعير ليلاً، فأخذته طيء وهم يظنون أن في الصندوق مالاً فلما رأوه خافوا فدفنوه ونحروا البعير فأكلوه. وقال مطين: لو علمت الرافضة قبر من هذا الذي يزار بظاهر الكوفة لرجمته، هذا قبر المغيرة بن شعبة.
65

(3/651)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 652
قال أبو جعفر الباقر: قتل علي وهو ابن ثمان وخمسين. وعنه رواية أخرى أنه عاش ثلاثاً وستين سنة، وكذا روي عن ابن الحنفية، وقاله أبو إسحاق السبيعي، وأبو بكر بن عياش، وينصر ذلك ما رواه ابن جريج، عن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، أنه أخبر أن علياً توفي لثلاث أو أربع وستين سنة. وعن جعفر الصادق، عن أبيه قال: كان لعلي سبع عشر سرية. وقال أبو إسحاق السبيعي، عن هبيرة بن يريم قال: خطبنا الحسن بن علي فقال: لقد فارقكم بالأمس رجل ما سبقه إلا الأولون بعلم، ولا يدركه الآخرون، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيه الراية، فلا ينصرف حتى يفتح له، ما ترك بيضاء ولا صفراء، إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه، كان أرصدها لخادم أهله. وقال أبو إسحاق، عن عمرو الأصم قال: قلت للحسن بن علي إن الشيعة يزعمون أن علياً مبعوث قبل يوم القيامة، فقال: كذبوا والله ما هؤلاء بشيعة، لو علمنا أنه مبعوث ما زوجنا نساءه، ولا قسمنا ميراثه. ورواه شريك عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، بدل عمرو. ولو استوعبنا أخبار أمير المؤمنين لطال الكتاب. والله تعالى أعلم.
65

(3/652)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 653
عبد الرحمن بن ملجم المرادي قاتل علي رضي الله عنه: خارجي مفتر، ذكره ابن يونس في تاريخ مصر فقال: شهد فتح مصر، واختط بها مع الأشراف. وكان ممن قرأ القرآن، والفقه. وهو أحد بني تدول وكان فارسهم بمصر. قرأ القرآن على معاذ بن جبل. وكان من العباد. ويقال: هو الذي أرسل صبيغاً التميمي إلى عمر رضي الله عنه، فسأله عما سأله مستعجم القرآن.) وقيل إن عمر كتب إلى عمرو بن العاص: أن قرب دار عبد الرحمن بن ملجم من المسجد ليعلم الناس القرآن والفقه، فوسع له مكان داره، وكانت إلى جانب دار عبد الرحمن بن عديس البلوي، يعني أحد من أعان على قتل عثمان. ثم كان ابن ملجم من شيعة علي بالكوفة سار إليه إلى الكوفة، وشهد معه صفين. قلت: ثم أدركه الكتاب، وفعل ما فعل، وهو عند الخوارج من أفضل الأمة، وكذلك تعظمه النصيرية. قال الفقيه أبو محمد بن حزم: يقولون إن ابن ملجم أفضل أهل
65

(3/653)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 654
الأرض، خلص روح اللاهوت من ظلمة الجسد وكدره. فاعجبوا يا مسلمين لهذا الجنون. وفي ابن ملجم يقول عمران بن حطان الخارجي.
(يا ضربة من تقى ما أراد بها .......... إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا)

(إني لأذكره حيناً فأحسبه .......... أوفى البرية عند الله ميزانا)
وابن ملجم عند الروافض أشقى الخلق في الآخرة. وهو عندنا أهل السنة ممن نرجو له النار، ونجوز أن الله يتجاوز عنه، لا كما يقول الخوارج والروافض فيه. وحكمه حكم قاتل عثمان: وقاتل الزبير، وقاتل طلحة، وقاتل سعيد بن جبير، وقاتل عمار، وقاتل خارجة، وقاتل الحسين. فكل هؤلاء نبرأ منهم ونبغضهم في الله، ونكل أمورهم إلى الله عز وجل. معقيب ع بن أبي فاطمة الدوسي حليف بني عبد شمس، من مهاجرة الحبشة.
65

(3/654)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 655
قال ابن منده وحده: إنه شهد بدراً. كان معيقيب على خاتم النبي صلى الله عليه وسلم، واستعمله أبو بكر وعمر على بيت المال. له عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان. روى عنه حفيده إياس بن الحارث، وأبو سلمة بن عبد الرحمن. أبو أسيد الساعدي واسمه مالك بن ربيعة بن البدن الأنصاري. من كبار الصحابة. شهد
65

(3/655)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 656
بدراً والمشاهد كلها، وذهب بصره في آخر عمره. له عدة أحاديث. روى عنه بنوه المنذر، والزبير، وحمزة، وأنس بن مالك، وعباس بن سهل بن سعد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعلي بن عبيد الساعدي مولاه.) توفي سنة أربعين، قاله خليفة وغيره، وهو الصحيح. وقال المدائني: توفي سنة ستين. وقال ابن منده، سنة خمس وستين. وقال أبو حفص الفلاس: توفي سنة ثلاثين. وقال ابن سعد: كانت مع أبي أسيد راية بني ساعدة يوم الفتح. وأخبرني محمد بن عمر، حدثني أبي بن عباس بن سهل، عن أبيه قال: رأيت أبا أسيد بعد أن ذهب بصره قصيراً دحداحاً أبيض الرأس واللحية. وقال ابن عجلان عن عبيد الله بن أبي رافع قال: رأيت أبا أسيد يحفي شاربه كأخي الحلق. وقال ابن أبي ذئب، عن عثمان بن عبيد الله قال: رأيت أبا أسيد، وأبا هريرة، وأبا قتادة، وابن عمر، يمرون بنا ونحن في الكتاب، فنجد منهم ريح
65

(3/656)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 657
العبير، وهو الخلوق يصفرون به لحاهم. وقال عبد الرحمن بن الغسيل، عن حمزة بن أبي أسيد، والزبير بن المنذر بن أبي أسيد أنهما نزعا بن يد أبي أسيد خاتماً من ذهب حين مات. وكان بدرياً. قيل إنه عاش ثمانياً وسبعين سنة، وله عقب بالمدينة وبغداد. رضي الله عنه. أبو مسعود البدري ولم يكن بدرياً بل سكن ماء ببدر فنسب إليه، بل شهد العقبة، وكان أصغر من السبعين حينئذ. اسمه عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن أسيرة بن عسيرة الأنصاري. نزل
65

(3/657)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 658
الكوفة وكان من الفقهاء. روى عنه ابنه بشير بن أبي مسعود، وأوس بن ضمعج، وربعي بن حراش، وعلقمة، وهمام بن الحارث، وقيس بن أبي حازم، وأبو وائل، وآخرون. وقال الحكم بن عتيبة: كان بدرياً. وقال ابن أبي ذئب: قال عمر، لأبي مسعود الأنصاري: نبئت أنك تفتي الناس، ولست بأمير، فول حارها من تولى قارها. وقال خليفه: لما خرج علي يريد معاوية استخلف أبا مسعود على الكوفة. حماد بن زيد، عن مجالد، عن الشعبي قال: لما خرج علي إلى صفين استخلف أبا مسعود الأنصاري على الكوفة، فكانوا يقولون له: قد والله أهلك الله أعداءه وأظهر أمير المؤمنين، فيقول: إني والله ما أعده ظفراً أن تظهر إحدى الطائفتين على الأخرى. قالوا: فمه قال:) الصلح. فلما قدم علي ذكروا له ذلك، فقال له علي: اعتزل عملنا. قال: ممه قال: إنا وجدناك لا تعقل عقلة. فقال ابن مسعود: أما أنا فقد بقي في عقلي أن الآخر شر. عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن خيثمة بن عبد الرحمن قال: قام أبو مسعود على منبر الكوفة فقال: من كان
65

(3/658)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 659
تخبأ فليظهر، فإن كان إلى الكثرة، فإن أصحابنا أكثر، وما يعد فتحاً أن يلتقي هذان الحيان، فيقتل هؤلاء هؤلاء، حتى إذا لم يبق إلا رجرجة من هؤلاء وهؤلاء، ظهرت إحدى الطائفتين. ولكن الفتح أن يحقن الله دماءهم، ويصلح بينهم. قال المدائني وغيره: توفي سنة أربعين. وقال خليفة توفي قبل الأربعين. وقال الشيخ محيي الدين النووي في شرحه للبخاري: الجمهور على أنه سكن بدراً، ولم يشهدها. وقال: أربعة كبار شهدوها. قاله الزهري، وابن إسحاق، والبخاري، والحكم. وقال الواقدي: مات في آخر خلافة معاوية بالمدينة. وله مائة حديث وحديثان، اتفقا منها على تسعة، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بسبعة.
66

(3/659)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 660
2 (المتوفون في خلافة علي)

2 (تحديداً وتقريباً على الحروف)
رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان خ أبو معاذ الأنصاري الزرقي، أخو مالك، وخلاد. شهد بدراً هو وأخوه خلاد، وكان أبوه من نقباء الأنصار. له أحاديث. روى عنه ابناه: عبيد، ومعاذ، وابن أخيه يحيى بن خلاد، وغيرهم. وله عقب كثير بالمدينة، وبغداد.
66

(3/660)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 661
توفي في حدود سنة أربعين. وقال ابن سعد توفي في أول خلافة معاوية. سراقة بن مالك بن جعشم الكناني المدلجي، أبو سفيان. أسلم بعد حصار الطائف، وقيل بل شهد حنيناً. وهو المذكور في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي سأل عن متعة الحج أللأبد هي وكان ينزل قديداً. توفي بعد عثمان بعامين، أو في سنة أربع وعشرين كما مر. صفوان بن عسال المرادي ت ن ق غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثنتي عشرة غزوة. وله أحاديث.) روى عنه زر بن حبيش، وعبد الله بن مسلمة المرادي وأبو الغريف عبيد الله بن خليفة، وأبو سلمة بن عبد الرحمن. وسكن الكوفة. قرظة بن كعب الأنصاري الخزرجي ق أحد فقهاء الصحابة.
66

(3/661)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 662
وهو أحد العشرة الذين وجههم عمر إلى الكوفة ليعلموا الناس، ثم شهد فتح الري زمن عمر. وولاه علي على الكوفة. ثم سار إلى الجمل مع علي، ثم شهد صفين. توفي بالكوفة، وصلى عليه علي على الصحيح. وهو أول من نيح عليه بالكوفة. وقيل: توفي بعد علي. القعقاع بن عمرو التميمي قيل إنه شهد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وله أثر عظيم في قتال الفرس في القادسية وغيرها. وكان أحد الأبطال المذكورين. يقال: إن أبا بكر قال: صوت القعقاع في الجيش خير من ألف رجل. وشهد الجمل مع علي وكان الرسول في الصلح يومئذ بين الفريقين. وسكن الكوفة.
66

(3/662)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 663
هشام بن حكيم بن حزام م د ن بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي. هو وأبوه من مسلمة الفتح. ولهذا رواية. وعنه جبير بن نفير، وعروة بن الزبير، وغيرهما. وهو الذي صارعه النبي صلى الله عليه وسلم فصرعه. قال ابن سعد: كان صليباً مهيباً. وقال الزهري: كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وكان عمر إذا رأى منكراً قال: أما ما عشت أنا وهشام بن حكيم، فلا يكون هذا. وقال ابن سعد: توفي في أول خلافة معاوية. وقيل: إنه قتل بأجنادين، ولا يصح. الوليد بن عقبة ابن أبي معيط، واسم أبي معيط أبان بن أبي عمرو بن أمية بن عبد
66

(3/663)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 664
شمس، القرشي الأموي، أبو وهب. له صحبة يسيرة، وهو أخو عثمان لأمه. روى عنه الشعبي، وأبو موسى الهمداني. وولي الكوفة لعثمان. ولما قتل عثمان سكن الجزيرة، ولم يشهد الفتنة. وكان سخياً جواداً شاعراً شريفاً. قال ابن سعد: إنه أسلم يوم الفتح، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات بني) المصطلق، وولاه عمر صدقات بني تغلب. وولاه عثمان
66

(3/664)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 665
الكوفة بعد سعد، ثم عزله عنها، فقدم المدينة، ولم يزل بها حتى بويع علي، فخرج إلى الرقة فنزلها، واعتزل علياً ومعاوية. وقبره بعين الروحية على بريد من الرقة، وولده بالرقة إلى اليوم. وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق ليصدقوه، فتلقوه بالصدقة، فتوهم منهم، ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن بني المصطلق قد جمعوا لك ليقاتلوك. فنزلت: إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا الآية. وكذا قال قتادة،
66

(3/665)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 666
ويزيد بن رومان، وزاد يزيد فقال: كان رجلاً جباناً، فلما ركبوا يتلقونه ظن أنهم يريدون قتله. وقال محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال الوليد بن عقبة لعلي: أنا أحد منك سناناً، وأبسط منك لساناً، وأملأ للكتيبة منك. فقال علي: اسكت فإنما أنت فاسق، فنزلت أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون. وقال طارق بن شهاب: لما قدم الوليد أميراً على الكوفة، أتاه سعد فقال: يا أبا وهب، أكست بعدي أو استحمقت بعدك. وقال الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: كنا في جيش بالروم، ومعنا حذيفة، وعلينا الوليد، فشرب الخمر، فأردنا أن نحده، فقال حذيفة: اتحدون أميركم وقد دنوتم من عدوكم، فبلغه فقال:
(لأشربن وإن كانت محرمة .......... وأشربن على رغم أنف من رغما)
وقال سعيد بن أبي عروبة، عن عبد الله الداناج، عن أبي ساسان
66

(3/666)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 667
حصين بن المنذر قال: صلى الوليد بن عقبة بالناس الفجر أربع ركعات وهو سكران، ثم التفت إليهم وقال: أزيدكم. فركب ناس من الكوفة إلى عثمان فكلمه علي في ذلك، فقال له عثمان: دونك ابن عمك فخذه. قال: قم يا حسن فاجلده. قال: فيم أنت وهذا قال: بل ضعفت ووهنت، قم يا عبد الله بن جعفر فاجلده، فقام فجلده علي يعد حتى بلغ أربعين. رواه مسلم. وقيل: إن أهل الكوفة كذبوا عليه. وذكر أبو مخنف لوط وهوواه عن خاله الصعق بن زهير عن محمد بن مخنف قال: قال: كان أول عمال عثمان أحدث الوليد بن عقبة: كان يدني السحرة، ويشرب الخمر، ويجالسه أبو زبيد الطائي النصراني. قال: وجاء ساحر من أهل بابل، فأخذ يريهم حبلاً في المسجد مستطيلاً،) وعليه فيل يمشي، وناقة تخب، والناس يتعجبون، ثم يريهم حبلاً يشتد حتى يدخل في فيه، فيخرج من دبره، ثم يضرب رأس رجل فيقع ناحية، ثم يقول: قم. فيقوم. فرأى جندب بن كعب ذلك، فأخذ سيفاً وضرب عنق الساحر وقال: أحيي نفسك، فأمر الوليد بقتله، فقام رجال من الأزد فمنعوه، وقالوا: نقتله بعلج ساحر، فسجنه، وساق القصة بطولها.
66

(3/667)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 668
أبو رافع القبطي ع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، اسمه إبراهيم، وقيل: أسلم. وكان عبداً للعباس، فوهبه للنبي صلى الله عليه وسلم، فلما بشره بإسلام العباس أعتقه. روى عنه ابنه عبيد الله، وحفيده الحسن بن علي بن أبي رافع، وحفيده الفضل بن عبيد الله بن أبي رافع، وعلي بن الحسين، وأبو سعيد المقبري، وعمرو بن الشريد الثقفي، وجماعة كثيرة. وشهد أحداً والخندق. توفي بعد مقتل عثمان. وروابة علي بن الحسين عنه مرسلة. وقيل: توفي سنة أربعين بالكوفة. أبو لبابة بن عبد المنذر قيل: بقي إلى خلافة علي. وقد تقدم. وممن كان في هذا الوقت:
66

(3/668)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 669
سحيم عبد بني الحسحاس شاعر مفلق، بديع القول، لا صحبة له. روى معمر، عن سعيد بن عبد الرحمن، عن السائب قال: قيل لعمر رضي الله عنه: هذا عبد بني الحسحاس يقول الشعر، فدعاه فقال: كيف قلت فقال:
(ودع سليمى إن تجهزت غادياً.......... كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا)
قال: حسبك، صدقت صدقت. هذا حديث صحيح.
67

(3/669)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 670
وهذه قصيدة طنانة يقول فيها:
(جنوناً بها فيما اعتلقنا علاقة.......... علاقة حب ما استسر وباديا)
(ليالي تصطاد الرجال بفاحم.......... تراه أثيثاً ناعم النبت عافيا)
(وجيد كجيد الريم ليس بعاطل.......... من الدر والياقوت أصبح حاليا)
(كأن الثريا عقلت فوق نحرها.......... وجمر غضى هبت له الريح زاكيا)
(إذا اندفعت في ريطة وخميصة.......... وألقت بأعلى الرأس سباً يمانيا)
(تريك غداة البين كفاً ومعصماً.......... ووجهاً كدينار الأعزة صافيا)
)
(فلو كنت ورداً لونه لعشقتني.......... ولكن ربي شانني بسواديا)
(أتكتم حييتم على الناس تكتما.......... تحية من أمسى بحبك مغرما)
(وماشية مشي القطاة اتبعتها.......... من السير تخشى أهلها أن تكلما)
(فقالت له: يا ويح غيرك إنني.......... سمعت كلاماً بينهم يقطر الدما)
67

(3/670)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الثالث الصفحة 671
وله من قصيدة:
(وإن لا تلاقي الموت في اليوم فاعلمن.......... بأنك رهن أن تلاقيه غدا)
(رأيت المنايا لم يدعن محمداً.......... ولا أحداً إلا له الموت أرصدا)
وقيل إن سحيماً لما أكثر التشبيب بنساء الحي عزموا على قتله، فبكت امرأة كان يرمى بها، فقال:
(أمن سمية دمع العين مذروف.......... لو أن ذا منك قبل اليوم معروف)
(المال مالكم والعبد عبدكم.......... فهل عذابك عني اليوم مصروف)
(كأنها يوم صدت ما تكلمنا.......... ظبي بعسفان ساجي الطرف مطروف)
ثم قتل عفا الله عنه.

(3/671)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 5
5 (الطبقة الخامسة)
1 (الحوادث من سنة إلى)
4 (حوادث سنة واحد وأربعين)
ويسمى عام الجماعة لاجتماع الأمة فيه على خليفة واحد، وهو معاوية. قال خليفة: اجتمع الحسن بن علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان بمسكن وهي من أرض السواد من ناحية الأنبار فاصطلحا وسلم الحسن الأمر إلى معاوية وذلك في ربيع الآخر أو جمادى الأولى واجتمع الناس على معاوية فدخل الكوفة. وقال عبد الله بن شوذب: سار الحسن في أهل العراق يطلب الشام، وأقبل في أهل الشام فالتقوا، فكره الحسن القتال، وبايع معاوية على أن جعل العهد من بعده للحسن، فكان أصحاب الحسن يقولون له: يا عار المؤمنين، فيقول: العار خير من النار.

(4/5)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 6
وقال جرير بن حازم: بايع أهل الكوفة الحسن بعد أبيه، وأحبوه أكثر من أبيه. وعن عوانة بن الحكم قال: سار الحسن حتى نزل المدائن، وبعث قيس بن سعد بن عبادة على المقدمة في اثني عشر ألفاً، فبينا الحسن بالمدائن إذ نادى مناد ألا إن قيساً قد قتل، فاختبط الناس، وانتهب الغوغاء سرادق الحسن حتى نازعوه بساطاً تحته، وطعنه رجل من الخوارج من بني أسد بخنجر، فوثب الناس على الرجل فقتلوه، لا رحمه الله، ونزل الحسن القصر الأبيض بالمدائن، وكاتب معاوية في الصلح. وقال نحو هذا: أبو إسحاق، والشعبي. وروي أنه إنما خلع نفسه لهذا، وهو أنه قام فيهم فقال: ما ثنانا عن أهل الشام شك ولا زيغ، لكن كنتم في منتدبكم إلى صفين ودينكم أمام دنياكم، فأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم. روري أن الخنجر الذي جرح به في إليته كان مسموماً، فتوجع منه شهراً ثم عوفي، ولله الحمد. وقال أبو روق الهزاني: ثنا أبو الغريف قال: لما رد الحسن إلى الكوفة وبايع معاوية، قال له رجل منا يقال له أبو عامر: السلام عليك يا مذل المؤمنين، فقال: لست بمذل المؤمنين ولكني كرهت أن أقتلكم على الملك.

(4/6)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 7
وروي أنه قال في شرطه لمعاوية: إن علي عدات وديوناً، فأطلق له من بيت المال نحو) أربعمائة ألف أو أكثر. وكان الحسن رضي الله عنه سيداً لا يرى القتال، وقد قال جده رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين. وقال سكين بن عبد العزيز بصري ثقة: ثنا هلال بن خباب قال: قال الحسن بن علي: يا أهل الكوفة لو لم تذهل نفسي عنكم إلا لثلاث لذهلت: لقتلكم أبي، وطعنكم في فخذي، وانتهابكم ثقلي. ولما دخل معاوية الكوفة خرج عليه عبد الله بن أبي الحوساء بالنخيلة في جمع، فبعث لحربه خالد بن عرفطة، فقتل ابن أبي الحوساء. وفي جمادى الآخرة خرج بناحية البصرة سهم بن غالب الهجيمي والخطيم الباهلي، فقتلا عبادة بن قرط الليثي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بناحية

(4/7)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 8
الأهواز، فانتدب لحربهما عبد الله بن عامر بن كريز، فخافا واستأمنا، فأمنهما وقتل طائفة من أصحابهما. وفيها ولي عبد الله بن عامر البصرة، وولي مروان بن الحكم المدينة لمعاوية. وحج بالناس عتبة أخو معاوية. وفيها غزا إفريقية عقبة بن نافع الفهري. وفيها توفي صفوان بن أمية الجمحي، وحفصة أم المؤمنين، ولبيد الشاعر المشهور، وفيه خلف.

(4/8)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 9
4 (حوادث سنة اثنتين وأربعين)
فيها توفي بخلف: الأسود بن سريع. والأشعث بن قيس. وحبيب بن مسلمة. وعتبة بن أبي سفيان بن حرب. وصفوان بن أمية. وعثمان بن طلحة الحجبي. وعمرو بن العاص وفي سائرهم خلف.. وفيها وجه عبد الله بن عامر على إمرة سجستان عبد الرحمن بن سمرة، وهو من بني عمه،) وكان معه في تلك الغزوة من الشباب الحسن البصري والمهلب بن أبي صفرة، وقطري بن الفجاءة، فافتتح زرنج وبعض كور الأهواز.

(4/9)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 10
وفيها وجه ابن عامر راشد بن عمرو إلى ثغر الهند، فشن الغارات وتوغل في بلاد السند.

(4/10)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 11
4 (حوادث سنة ثلاث وأربعين)
فيها توفي عمرو بن العاص على الصحيح. وعبد الله بن سلام الحبر. ومحمد بن مسلمة. وأقام الحج مروان. وفيها فتح عبد الرحمن بن سمرة الرخج وغيرها من بلاد سجستان. وفيها افتتح عقبة بن نافع الفهري كوراً من بلاد السودان وودان وهي من برقة. وفيها شتى بسر بن أرطأة بأرض الروم مرابطاً.

(4/11)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 12
4 (حوادث سنة أربع وأربعين)
فيها توفي على الصحيح: أبو موسى الأشعري، ويقال: فيها توفي الحكم بن عمرو الغفاري. وحبيب بن مسلمة الأمير. وأم المؤمنين أم حبيبة. وقتل بكابل أبو قتادة العدوي، وقيل بل هو أبو رفاعة، وافتتحها ابن سمرة. وفيها غزا المهلب بن أبي صفرة أرض الهند، وسار إلى قندابيل، وكسر العدو وسلم وغنم، وهي أول غزواته. وكان من سبي كابل فيما ذكر خليفة: مكحول، ونافع مولى ابن عمر، وكيسان والد أيوب السختياني، وسالم الأفطس.

(4/12)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 13
وفيها استلحق معاوية زياد بن أبيه. وفيها حج معاوية بالناس.

(4/13)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 14
4 (حوادث سنة خمس وأربعين)
فيها توفي: زيد بن ثابت على الصحيح. وعاصم بن عدي. والمستورد بن شداد الفهري. وسلمة بن سلامة بن وقش. وحفصة أم المؤمنين بخلف. وأبو بردة بن نيار. وفيها عزل معاوية: عبد الله بن عامر عن البصرة، واستعمل عليها الحارث بن عمرو الأزدي، ثم عزل عن قريب، وولى عليها زياد. وقتل سهم بن غالب الهجيمي الذي كان قد خرج في أول إمرة معاوية وصلبه. وفيها غزا معاوية بن حديج إفريقية.)

(4/14)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 15
وفيها سار عبد الله بن سوار العبدي فافتتح القيقان وغنم وسلم.

(4/15)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 16
4 (حوادث سنة ست وأربعين)
فيها توفي عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزومي على الأصح، ومحمد بن مسلمة، وقد مر. وفيها عزل معاوية: عبد الرحمن بن سمرة عن سجستان، وولاها الربيع بن زياد الحارثي، فخاف الترك. وفيها جمع كابل شاه وزحف إلى المسلمين، فنزح المسلمون عن كابل، ثم لقيهم الربيع بن زياد فهزمهم الله، وسار وراءهم المسلمون إلى الرخج. وفيها شتى المسلمون بأرض الروم والله أعلم.

(4/16)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 17
4 (حوادث سنة سبع وأربعين)
فيها غزا عبد الله بن سوار العبدي القيقان، فجمع له الترك والتقوا، فاستشهد عبد الله، وسار ذلك الجيش، وغلب المشركون على القيقان. وفيها سار رويفع بن ثابت الأنصاري من أطرابلس المغرب فدخل إفريقية، ثم انصرف من سنته. وأقام الموسم عنبسة بن أبي سفيان. وفيها عزل عقبة بن عامر عن مصر وأمر عليها مسلمة بن مخلد. وفيها شتى مالك بن هبيرة بأرض الروم وفيها توفي أهبان بن أوس، وعتي بن ضمرة.

(4/17)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 18
4 (حوادث سنة ثمان وأربعين)
فيها عزل معاوية مروان عن المدينة وولاها سعيد بن العاص الأموي، وكتب معاوية إلى زياد لما بلغه قتل عبد الله بن سوار: انظر رجلاً يصلح لثغر الهند فوجهه إليه، قال: فوجه زياد سنان بن سلمة بن المحبق الهذلي. وفيها قتل بالهند عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي. وقيل: توفي فيها الحارث بن قيس الجعفي الفقيه صاحب ابن مسعود، وخزيمة الأسدي.

(4/18)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 19
4 (حوادث سنة تسع وأربعين)
فيها توفي الحسن بن علي رضي الله عنهما. وأبو بكرة الثقفي في قول. وعبد الله بن قيس) القيني له صحبة. وفيها قتل زياد بالبصرة: الخطيم الباهلي الخارجي. وفي ولاية المغيرة على الكوفة خرج شبيب بن بجرة الأشجعي فوجه إليه المغيرة: كثير بن شهاب الحارثي فقتله بأذربيجان، وكان شبيب ممن شهد النهروان. وفيها شتى مالك بن هبيرة بأرض الروم، وقيل بل شتاها فضالة بن عبيد الأنصاري. وأقام الحج سعيد بن العاص.

(4/19)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 20
4 (حوادث سنة خمسين)
فيها توفي الحسن بن علي، قاله جماعة. وعبد الرحمن بن سمرة. وعمرو بن الحمق الخزاعي. وكعب بن مالك الأنصاري الشاعر. والمغيرة بن شعبة. ومدلاج بن عمرو. وصفية أم المؤمنين.. ولما احتضر المغيرة استخلف على الكوفة ابنه عروة أو جرير بن عبد الله، فجمع معاوية المصرين البصرة والكوفة تحت إمرة زياد، فعزل عن سجستان الربيع واستعمل عليها عبيد الله بن أبي بكرة. وفيها أنفذ معاوية عقبة بن نافع إلى إفريقية، فخط القيروان وأقام بها ثلاث سنين.

(4/20)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 21
وقال محمد بن عمرو بن علقمة، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: لما افتتح عقبة إفريقية ووقف على مكان القيروان قال: يا أهل الوادي إنا حالون إن شاء الله فأظعنوا ثلاث مرات، قال: فما رأينا حجراً ولا شجراً إلا يخرج من تحته دابة حتى هبطن بطن الوادي، ثم قال للناس: إنزلوا باسم الله. وفيها وجه زياد: الربيع الحارثي إلى خراسان فغزا بلخ، وكانت قد أغلقت بعد رواح الأحنف بن قيس عنها، فصالحوا الربيع، ثم غزا الربيع قهستان ففتها عنوة. وفيها فتح معاوية بن حديج فتحاً بالمغرب، وكان قد جاءه عبد الملك بن مروان في مدد أهل المدينة، وهذه أول غزاة لعبد الملك. وفيها غزوة القسطنطينية، كان أمير الجيش إليها يزيد بن معاوية، وكان معه وجوه الناس، وممن كان معه أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه.

(4/21)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 22
وقال سعيد بن عبد العزيز: لما قتل عثمان لم يكن للناس غازية ولا صائفة، حتى اجتمعوا على) معاوية سنة أربعين، فأغزى الصوائف وشتاهم بأرض الروم، ثم غزاهم ابنه يزيد في جماعة من الصحابة في البر والبحر حتى أجازهم الخليج، وقاتلوا أهل القسطنطينية على بابها ثم قفل راجعاً. وفيها دعا معاوية أهل الشام إلى البيعة بولاية العهد من بعده لابنه يزيد فبايعوه. وفيها غزا سنان بن سلمة بن المحبق القيقان، فجاءه جيش عظيم من العدو، فقال سنان لأصحابه: أبشروا فإنكم بين خصلتين: الجنة أو الغنيمة، ففتح الله عليه ونصره وما أصيب من المسلمين إلا رجل واحد.

(4/22)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 23
1 (تراجم هذه الطبقة مرتبة على الأحرف)

4 (الألف)

4 (الأرقم بن أبي الأرقم)
بن أسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي، أحد السابقين الأولين، واسم أبيه عبد مناف. استخفى النبي صلى الله عليه وسلم في أوائل الإسلام في داره، وهي عند الصفا، شهد بدراً وعاش إلى دهر معاوية، وسيأتي.
4 (الأسود بن سريع)
بن حمير بن عبادة التميمي السعدي، أبو عبد الله.

(4/23)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 24
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو أول من قص بجامع البصرة. روى عنه: الأحنف بن قيس، والحسين البصري، وعبد الرحمن بن أبي بكرة. يقال: توفي سنة اثنتين وأربعين.
4 (أمامة بنت أبي العاص)
بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس الأموية النبوية، بنت السيدة زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي التي كان يحملها النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة. تزوجها علي رضي الله عنه في إمرة عمر، وبقيت معه إلى أن استشهد وجاءه منها أولاد، ثم تزوجها المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب فتوفيت عنده بعد أن ولدت له يحيى.
4 (أهبان بن أوس)
) مكلم الذئب، الأسلمي أبو عقبة، مكلم الذئب، وكان من أصحاب الشجرة.

(4/24)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 25
روى له البخاري حديثاً واحداً.
4 (أهبان بن صيفي، الغفاري)
أبو مسلم. نزل البصرة. روت عنه عائشة، أن علياً رضي الله عنه أتاه بعد فتنة الجمل فقال: ما خلفك عنا وكان قد اتخذ سيفاً من خشب. وله قصة مشهورة صحيحة عن بنته، قال لما احتضر: كفنوني في ثوبين، فزدناه ثوباً فدفناه فيه، فأصبح ذلك القميص موضوعاً على المشجب.

(4/25)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 26
4 (الجيم)
جارية بن قدامة، التميمي السعدي، أبو أيوب، ويقال أبو يزيد. له صحبة، وكان بطلاً شجاعاً شريفاً مطاعاً من كبار أمراء علي، شهد معه صفين، ثم وفد بعده على معاوية مع ابن عمه الأحنف. وكان سفاكاً فاتكاً، ويدعى محرقاً لأن معاوية وجه ابن الحضرمي إلى البصرة بنعي عثمان وليستنفرهم، فوجه علي جارية هذا، فتحصن منه ابن الحضرمي كما ذكرنا، فأحرق عليه الدار، فاحترق فيها خلق. ويروى أن علياً بلغه ما صنع بسر بن أرطأة من السفك بالحجاز، فبعث جارية هذا، فجعل لا يجد أحداً خلع علياً إلا قتله وحرقه بالنار حتى انتهى

(4/26)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 27
إلى اليمن، فسمي محرقاً.
4 (جبلة بن الأيهم،)
أبو المنذر الغساني ملك آل جفنة عرب الشام، وكان ينزل الجولان. كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام، فأسلم، وأهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم هدية، فلما كان زمن عمر داس جبلة رجلاً من مزينة، فوثب المزني فلطمه، فأخذه وانطلق به إلى أبي عبيدة، فقالوا: هذا لطم جبلة قال: فليلطمه، قالوا: وما يقتل ولا تقطع يده قال: لا، فغضب جبلة وقال: بئس الدين هذا، ثم دخل بقومه إلى أرض الروم وتنصر. وقيل: إنه إنما أسلم يوم اليرموك ثم ندم على تنصره، فلم يسلم فيما علمت.
4 (جبلة بن عمرو بن أوس)
بن عامر الأنصاري الساعدي. وهم بعضهم وقال: هو أخو أبي مسعود البدري: فأبو مسعود من) بني

(4/27)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 28
لحارث بن الخزرج. شهد أحداً وغيرها، وشهد فتح مصر وصفين. قال ابن عبد البر: كان فاضلاً من فقهاء الصحابة، وروى عنه: ثابت بن عبيد، وسليمان بن يسار. وقال ابن سيرين: كان بمصر جبلة الأنصاري له صحبة، جمع بين امرأة رجل وابنته من غيرها. وقال ابن يونس: غزا جبلة بن عمرو إفريقية مع معاوية بن حديج سنة خمسين. قال سليمان بن يسار: نفلنا معاوية بإفريقية فأبى جبلة أن يأخذ من النفل شيئاً.
4 (جندب بن كعب الأزدي)
بن عبد الله بن غنم الأزدي الغامدي الذي قتل الساحرعلى الصحيح. وكان هذا الساحر يقتل رجلاً ثم يحييه، ويدخل في فم ناقة ويخرج من حياها، فضرب جندب بن كعب عنقه ثم قال: أحي نفسك. وتلا أفتأتون

(4/28)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 29
السحر وأنتم تبصرون، فرفعوا جندباً إلى الوليد بن عقبة فحبسه، فلما رأى السجان قومه وصلاته أطلقه. وقيل: بل قتل السجان أقرباء جندب وأطلقوه، فذهب إلى أرض الروم يجاهد، ومات سنة خمسين، وكان شريفاً كبيراً في الأزد. وقيل: بل الذي قتل الساحر جندب الخير المذكور بعد الستين.
4 (جعفر بن أبي سفيان،)
الهاشمي بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي ابن ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. شهد حنيناً مع أبيه وثبتا يومئذ، لا أعلم له رواية. وقال ابن سعد: مات وسط إمرة معاوية.

(4/29)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 30
4 (الحاء)

4 (حارثة بن النعمان، الأنصاري)
الخزرجي بن رافع وقيل نفع بدل رافع الأنصاري الخزرجي. أحد من شهد بدراً وبقي إلى هذا الوقت.
4 (الحارث بن قيس، الجعفي)
الكوفي العابد. صحب علياً، وابن مسعود، ولا يكاد يوجد له حديث مسند، بل روى عنه خيثمة بن عبد الرحمن قال: إذا كنت في الصلاة، فقال لك الشيطان: إنك ترائي، فزدها طولاً.)

(4/30)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 31
وحكى عنه: أبو داود الأعمى، ويحيى بن هانئ المرادي. قال خيثمة: كان الحارث بن قيس من أصحاب ابن مسعود، وكانوا معجبين به، كان يجلس إليه الرجل والرجلان فيحدثهما، فإذا كثروا قام وتركهم. وقال حجاج بن دينار: كان أصحاب عبد الله ستة، علقمة، والحارث بن قيس، والأسود، وعبيدة، ومسروق، وعمرو بن شرحبيل. قال ابن المديني: قتل الحارث مع علي. وأما خيثمة بن عبد الرحمن فقال: صلى عليه أبو موسى الأشعري رحمه الله.
4 (حبيب بن مسلمة القرشي)
الفهري له صحبة.

(4/31)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 32
روى عنه زياد بن جارية في النفل. وهو الذي افتتح أرمينية زمن عثمان، ثم كان من خواص معاوية، وله معه آثار محمودة شكرها له معاوية. يروى أن الحسن قال: يا حبيب رب مسير لك في غير طاعة الله، قال: أما إلى أبيك فلا، قال: بلى والله، ولقد طاوعت معاوية على دنياه وسارعت في هواه، فلئن كان قام بك في دنياك لقد قعد بك في دينك، فليتك إذ أسأت الفعل أحسنت القول. قيل: توفي سنة اثنتين، وقيل سنة أربع وأربعين، قيل: لم يبلغ الخمسين، وكان شريفاً مطاعاً معظماً.
4 (حجر بن يزيدالكندي)
بن سلمة الكندي المعروف بحجر الشر، لأنه كان شريراً.

(4/32)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 33
وقالوا في حجر بن عدي: حجر الخير. له وفادة على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم، ثم رجع إلى اليمن، ثم نزل الكوفة، وشهد الحكمين، ثم ولاه معاوية أرمينية.
4 (الحسن بن علي،)
بن أبي طالب بن عبد المطلب، أبو محمد الهاشمي السيد، ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن ابنته السيدة فاطمة. ولد في شعبان سنة ثلاث من الهجرة، وقيل في نصف رمضان منها. قاله الواقدي، له صحبة) ورواية عن أبيه وجده.

(4/33)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 34
روى عنه: ابنه الحسن، وسويد بن غفلة، والشعبي، وأبو الجوزاء السعدي، وآخرون. وكان يشبه النبي صلى الله عليه وسلم. قاله أبو جحيفة وأنس فيما صح عنهما، وقد رآه أبو بكر الصديق يلعب فأخذه وحمله على عنقه وقال:
(بأبي شبيه بالنبي .......... ليس شبيهاً بعلي)
وعلي يبتسم. وقال أسامة بن زيد: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذني والحسن فيقول: اللهم إني أحبهما فأحبهما وقال أبو بكرة: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقول: إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين. أخرجه البخاري.

(4/34)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 35
وقال يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي نعم، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. صححه الترمذي. وعن أسامة بن زيد قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة وهو مشتمل على شيء، فلما فرغت من حديثي قلت: ما هذا الذي أنت مشتمل عليه فكشف فإذا حسن وحسين على وركيه، فقال: هذان ابناي وابنا ابنتي، اللهم إني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما. قال الترمذي: حديث حسن غريب. قلت: رواه من حديث عبد الله بن أبي بكر بن زيد بن المهاجر، مدني مجهول، عن مسلم بن أبي سهل النبال وهو مجهول أيضاً عن الحسن بن أسامة بن زيد، وهو كالمجهول عن أبيه، وما أظن لهؤلاء الثلاثة ذكر في رواية إلا في هذا الواحد، تفرد به موسى بن يعقوب الزمعي، عن عبد الله. وتحسين الترمذي لايكفي في الاحتجاج بالحديث، فإنه قال: وما ذكرنا في كتابنا من حديث حسن فإنما أردنا بحسن إسناده عندنا كل حديث لايكون إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون الحديث شاذاً، ويروى من غير وجه نحو ذلك فهو عندنا حديث حسن. وقال يوسف بن إبراهيم: سمعت أنساً يقول: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أهل بيتك أحب إليك قال: الحسن والحسين وكان يقول لفاطمة: ادعي

(4/35)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 36
لي ابني، فيشمهما ويضمهما إليه. حسنه الترمذي.) وقال ميسرة بن حبيب، عن المنهال بن عمرو، عن ذر، عن حذيفة: سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: هذا ملك لم ينزل إلى الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه أن يسلم علي ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. قال الترمذي: حسن غريب. وصحح الترمذي من حديث عدي بن ثابت، عن البراء قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم واضعاً الحسن على عاتقه وهو يقول: اللهم إني أحبه فأحبه. وصحح أيضاً بهذا السند أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر الحسن والحسين فقال: اللهم إني أحبهما فأحبهما. وقال جرير بن عبد الحميد، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرج بين فخذي الحسن وقبل زبيبته. قابوس: حسن الحديث. ومناقب الحسن رضي الله عنه كثيرة، وكان سيداً حليماً ذا سكينة ووقار وحشمة، كان يكره الفتن والسيف، وكان جواداً ممدحاً، تزوج سبعين امرأة ويطلقهن، وقلما كان يفارقه أربع ضرائر.

(4/36)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 37
وعن جعفر الصادق قال: قال علي: يا أهل الكوفة لا تزوجوا الحسن فإنه رجل مطلاق، فقال رجل: والله لنزوجنه، فما رضي أمسك، وما كره طلق. وقال ابن سيرين: تزوج الحسن بن علي امرأة فبعث إليها بمائة جارية، مع كل جارية ألف درهم. وقال ابن سيرين: إن الحسن كان يجيز الرجل الواحد بمائة ألف درهم. وقال غيره: حج الحسن بن علي خمس عشرة مرة. وقيل إنه حج أكثرهن ماشياً من المدينة إلى مكة، وإن نجائبه تقاد معه. وقال جرير: بايع أهل الكوفة الحسن وأحبوه أكثر من أبيه. روى الحاكم في مستدركه من طريق عمرو بن محمد العنقزي: حدثنا زمعة، عن سلمة بن وهرام، عن طاووس، عن ابن عباس قال: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم قد حمل الحسن على كتفه، فقال الرجل: نعم المركب ركبت يا غلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ونعم الراكب) هو. شعبة: ثنا يزيد بن خمير سمع عبد الرحمن بن جبير، عن أبيه قال:

(4/37)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 38
قلت للحسن: إنهم يقولون إنك تريد الخلافة، فقال: قد كانت جماعة العرب في يدي، يحاربون من حاربت ويسالمون من سالمت، تركتها ابتغاءً لوجه الله وحقن دماء الأمة، ثم أبتزها بأتياس أهل الحجاز. ابن عيينة: ثنا أبو موسى: سمعت الحسن يقول: استقبل الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال، فقال عمرو بن العاص: والله إني لأرى كتائب لا تولي أو تقتل أقرانها. وقال معاوية وكان خير الرجلين: أرأيت إن قتل هؤلاء هؤلاء، من لي بذراريهم، من لي بأمورهم، من لي بنسائهم قال: فبعث عبد الرحمن بن سمرة، فصالح الحسن معاوية وسلم الأمر له، وبايعه بالخلافة على شروط ووثائق، وحمل إليه معاوية مالاً، يقال خمسمائة ألف في جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين. وقال عبد الله بن بريدة: قدم الحسن فاجتمع بمعاوية بعد ما أسلم إليه الخلافة، فقال معاوية: لأجيزنك بجائزة ماأجزت بها أحداً قبلك ولا أجيز بها أحداً بعدك، فأعطاه أربعمائة ألف، ثم إن الحسن رضي الله عنه رجع بآل بيته من الكوفة ونزل المدينة. قال ابن عون، عن عمير بن إسحاق قال: عدنا الحسن بن علي قبل موته، فقام وخرج من الخلاء فقال: إني والله قد لفظت طائفة من كبدي قلبتها بعود، وإني قد سقيت السم مراراً قلم أسق مثل هذا قط، فحرض به الحسين أن يخبره من سقاه، فلم يخبره وقال: الله أشد نقمةً إن كان الذي أظن، وإلا فلا يقتل بي، والله، بريء. وقال قتادة: قال الحسن بن علي: لم أسق مثل هذه المرة.

(4/38)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 39
وقال حريز بن عثمان: ثنا عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي قال: لما بايع الحسن معاوية قال له عمرو بن العاص وأبو الأعور السلمي: لو أمرت الحسن فصعد المنبر فتكلم عيي عن المنطق، فيزهد فيه الناس، فقال معاوية: لا تفعلوا، فوالله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمص لسانه وشفته، ولن يعيا لسان مصه النبي صلى الله عليه وسلم أو شفه، قال: فأبوا على معاوية، فصعد معاوية المنبر، ثم أمر الحسن فصعد، وأمره أن يخبر الناس: إني قد بايعت معاوية، فصعد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إن الله هداكم بأولنا، وحقن دماءكم بآخرنا، وإني قد أخذت لكم على معاوية أن يعدل فيكم وأن يوفر عليكم غنائمكم، وأن يقسم فيكم) فيأكم، ثم أقبل على معاوية فقال: أكذاك قال: نعم. ثم هبط من المنبر وهو يقول ويشير بإصبعه إلى معاوية: وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين فاشتد ذلك على معاوية، فقالوا: لو دعوته فاستنطقته يعني استفهمته ما عنى بالآية، فقال: مهلاً، فأبوا عليه، فدعوه فأجابهم، فأقبل عليه عمرو، فقال له الحسن: أما أنت فقد اختلف فيك رجلان، رجل من قريش ورجل من أهل المدينة فادعياك، فلا أدري أيهما أبوك، وأقبل عليه أبو الأعور فقال له الحسن: ألم يعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم رعلاً وذكوان وعمرو بنت سفيان، وهذا اسم أبي الأعور، ثم أقبل عليه معاوية يعينهما، فقال له الحسن: أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن قائد الأحزاب وسائقهم، وكان أحدهما أبو سفيان والآخر أبو الأعور السلمي. زهير بن معاوية: ثنا أبو روق الهزاني، ثنا أبو الغريف قال: كنا في مقدمة الحسن اثني عشر ألفاً تقطر سيوفنا من الجدة عليه، فقال الشاميون: فلما أتانا صلح الحسن لمعاوية كأنما كسرت ظهورنا من الغيظ، قال: وقام سفيان من الليل إلى الحسن فقال: السلام عليك يا مذل المؤمنين، فقال: لا

(4/39)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 40
تقل ذاك، إني كرهت أن أقتلكم في طلب الملك. قال ابن عبد البر: قال قتادة، وأبو بكر بن حفص: سم الحسن زوجته بنت الأشعث بن قيس. وقالت طائفة: كان ذلك بتدسيس معاوية إليها، وبذل لها على ذلك، وكان لها ضرائر. قلت: هذا شيء لا يصح فمن الذي اطلع عليه. قال ابن عبد البر روينا من وجوه أنه لما احتضر قال: يا أخي إياك أن تستشرف لهذا الأمر فإن أباك استشرف لهذا الأمر فصرفه الله عنه، ووليها أبو بكر، ثم استشرف لها فصرفت عنه إلى عمر، ثم لم يشك وقت الشورى أنها لا تعدوه، فصرفت عنه إلى عثمان، فلما مات عثمان بويع، ثم نوزع حتى جرد السيف، فما صفت له، وإني والله ما أرى أن يجمع الله فينا النبوة والخلافة، فلا أعرفن ما استخفك سفهاء الكوفة فأخرجوك، وقد كنت طلبت إلى عائشة أن أدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: نعم، وإني لا أدري لعل ذلك كان منها حياءً، فإذا ما مت فاطلب ذلك إليها، وما أظن القوم إلا سيمنعونك، فإن فعلوا فلا تراجعهم. فلما مات أتى الحسين عائشة فقالت: نعم وكرامة، فمنعهم مروان، فلبس الحسين ومن معه السلاح حتى رده أبو هريرة، ثم دفن في البقيع إلى جنب أمه، وشهده سعيد بن العاص وهو الأمير، فقدمه الحسين) للصلاة عليه وقال: هي السنة. توفي الحسن رضي الله عنه في ربيع الأول سنة خمسين، ورخه فيها المدائني، وخليفة العصفري، وهشام بن الكلبي، والزبير بن بكار، والغلابي، وغيرهم.

(4/40)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 41
وقال الواقدي، ومحمد بن سعد: توفي سنة تسع وأربعين بالمدينة، رضي الله عنه.
4 (الحكم بن عمرو الغفاري،)
أخو رافع بن عمرو، وإنما هما من بني ثعلبة أخي غفار. للحكم صحبة ورواية، ونزل البصرة، وكان رجلاً صالحاً فاضلاً، قد ولي غزو خراسان فسباهم وغنم، وتوفي بمرو. وروى عنه: أبو الشعثاء جابر بن زيد، وسوادة بن عاصم، والحسن البصري، وابن سيرين. وكان محمود السيرة. توفي سنة خمس وأربعين، وقيل: سنة خمسين. هشام بن حسان: إن زياداً بعث الحكم بن عمرو على خراسان، فأصابوا غنائم، فكتب إليه: لا تقسم ذهباً ولا فضةً، فكتب إليه: بالله لو

(4/41)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 42
كانت السموات والأرض رتقاً على عبد فاتقى الله يجعل الله له من بينهما مخرجاً، والسلام. وروي أن عمر نظر إلى الحكم بن عمرو وقد خضب بصفرة فقال: هذا خضاب أهل الإيمان.
4 (حفصة أم المؤمنين،)
بنت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث من الهجرة. قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. ويروى أنها ولدت قبل النبوة بخمس سنين. لها عدة أحاديث.

(4/42)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 43
روى عنها: أخوها عبد الله بن عمر، وحارثة بن وهب الخزاعي، وشتير بن شكل، والمطلب بن أبي وداعة، وعبد الله بن صفوان الجمحي، وغيرهم. وأمهما أعني حفصة وعبد الله هي زينب أخت عثمان بن مظعون. وكانت حفصة قبل النبي صلى الله عليه وسلم تحت خنيس بن حذافة السهمي، أحد من شهد بدراً فتوفي بالمدينة، فلما تأيمت عرضها عمر على أبي بكر فلم يجبه، فغضب عمر، ثم عرضها على عثمان فقال: لا أريد أن أتزوج اليوم، فشكاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تتزوج حفصة من هو خير من عثمان، ويتزوج عثمان من هي خير من حفصة، ثم خطبها منه فزوجه عمر، ثم لقي أبو) بكر عمر فقال: لا تجد علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ذكر حفصة فلم أكن لأفشي سره، فلو تركها لتزوجتها. عفان وجماعة، عن حماد بن سلمة: أنبأ أبو عمران الجوني، عن قيس بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة، فأتاها خالاها عثمان وقدامة ابنا مظعون، فبكت وقالت: والله ما طلقني عن شبع، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها فتجلببت فقال: إن جبريل قال: راجع حفصة فإنها صوامة قوامة. حديث مرسل قوي الإسناد. هشيم: أنبأ حميد، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما طلق حفصة أمر أن يراجعها. عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، أن عمر أوصى إلى حفصة.

(4/43)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 44
موسى بن علي بن رباح، عن أبيه، عن عقبة بن عامر قال: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة، فبلغ ذلك عمر، فحثا على رأسه التراب وقال: ما يعبأ الله بعمر وابنته بعدها، فنزل جبريل من الغد فقال: إن الله يأمرك أن تراجع حفصة رحمةً لعمر. وفي رواية: وهي زوجتك في الجنة. رواه موسى بن علي بن رباح، عن أبيه، عن عقبة بن عامر. توفيت سنة إحدى وأربعين، وقيل سنة خمس وأربعين، وصلى عليها مروان وهو والي المدينة. قاله الواقدي.
4 (حنظلة بن الربيع،)
م ت ن ق بن صيفي التميمي الحنظلي الأسيدي الكاتب، كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ابن أخي حكيم العرب أكثم بن صيفي.

(4/44)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 45
كان حنظلة ممن اعتزل الفتنة، وكان بالكوفة، فلما شتموا عثمان انتقل إلى قرقيسياء. روى عنه: مرقع بن صيفي، وأبو عثمان النهدي، ويزيد بن عبد الله بن الشخير، والحسن، وغيرهم.

(4/45)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 46
4 (الخاء)

4 (خريم بن فاتك لأسدي)
أبو أيمن الأسدي، فاسم أبيه الأخرم بن شداد، وخريم هو أخو سبرة، والده فاتك. قيل إنه شهد بدراً، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن كعب.) روى عنه: ابنه فاتك، ووابصة بن معبد، وأبو هريرة، وابن عباس، والمعرور بن سويد، وشمر بن عطية. ونزل الرقة، وبها توفي زمن معاوية. روى أبو إسحاق السبيعي، عن شمر بن عطية، عن خريم بن فاتك

(4/46)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 47
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم الرجل أنت يا خريم لولا خلتين فيك، قلت: وما هما قال: إسبالك إزارك وإرخاؤك شعرك. رواه أحمد في مسنده. وقال البخاري في تاريخه: خريم بن فاتك شهد بدراً، وقال: قال أبو إسحاق: كنيته أبو يحيى.

(4/47)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 48
4 (الدال)

4 (دحية بن خليفة،)
بن فروة بن فضالة الكلبي القضاعي. أرسله النبي صلى الله عليه وسلم بكتابه إلى قيصر، وله أحاديث.

(4/48)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 49
روى عنه: الشعبي، وعبد الله بن شداد بن الهاد، ومحمد بن كعب القرظي، وخالد بن يزيد بن معاوية، ومنصور بن سعيد. وكان يوم اليرموك أميراً على كردوس، ثم سكن المزة. قال ابن سعد: أسلم دحية قبل بدر ولم يشهدها وكان يشبه بجبريل عليه السلام، وبقي إلى زمن معاوية. وقال عفير بن معدان، عن قتادة، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: يأتيني جبريل في صورة دحية. وكان دحية رجلاً جميلاً. وقال رجل لعوانة بن الحكم: أجمل الناس جرير بن عبد الله، فقال: بل أجمل الناس من ينزل جبريل على صورته، يعني دحية. وقال ابن قتيبة من حديث ابن عباس: كان دحية إذا قدم لم تبق معصر إلا خرجت تنظر إليه. المعصر: هي التي دنت من الحيض، ويقال: هي التي أدركت.

(4/49)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 50
4 (الراء)

4 (ركانة بن عبد يزيد،)
ت ق بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي المطلبي.) من مسلمة الفتح، له صحبة ورواية. روى عنه: ابنه يزيد وغيره. وهو الذي صارع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة، وكان أشد قريش، فقال: يا محمد إن صرعتني آمنت بك، فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد

(4/50)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 51
إنك ساحر. ولما أسلم أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم خمسين وسقاً بخيبر، وسكن المدينة وبها توفي في أول خلافة معاوية.
4 (رويفع بن ثابت الأنصاري،)
النجاري. له صحبة، شهد فتح مصر، وروى أحاديث. روى عنه: حنش الصنعاني، وبشر بن عبد الله، ومرثد اليزني. وولي غزو إفريقية لمعاوية سنة ست وأربعين. وقال أحمد بن عبد الله البرقي: توفي ببرقة وهو أمير عليها، رأيت قبره ببرقة رضي الله عنه.

(4/51)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 52
4 (الزاي)

4 (زياد بن لبيد، الخزرجي)
بن ثعلبة بن سنان، أبو عبد الله الخزرجي. أحد بني بياضة، شهد بدراً والعقبة، وكان لبيباً فقيهاً، ولي للنبي صلى الله عليه وسلم حضرموت، وله أثر حسن في قتال أهل الردة. روى عنه أبو الدرداء ومات قبله، وعوف بن مالك، وسالم بن أبي الجعد، وروايته مرسلة.

(4/52)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 53
وقد كان أسلم وسكن مكة ثم هاجر، فهو أنصاري مهاجري. له حديث في ذهاب العلم. قال خليفة: مات في أول خلافة معاوية.
4 (زيد بن ثابت، بن الضحاك)
بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار أبو سعيد، وأبو خارجة الأنصاري النجاري المقرئ الفرضي، كاتب الوحي.

(4/53)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 54
قتل أبوه يوم بعاث قبل الهجرة، وقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وزيد صبي ابن إحدى عشرة سنة، فأسلم وتعلم الخط العربي والخط العبراني، وكان فطناً ذكياً إماماً في القرآن إماماً في الفرائض.) روى: عن النبي صلى الله عليه وسلم وعرض عليه القرآن، وروى أيضاً عن أبي بكر، وعمر. وعنه: ابنه خارجة، وابن عباس، وابن عمر، ومروان بن الحكم، وعبيد بن السباق، وعطاء بن يسار، وبسر بن سعيد، وعروة بن الزبير، وطاووس، وخلق سواهم، وعرض عليه القرآن طائفة. وقال أبو عمرو الداني: عرض عليه ابن عباس، وأبو العالية، وأبو عبد الرحمن السلمي، وشهد الخندق وما بعدها. وكان عمر إذا حج استخلفه على المدينة. وهو الذي ندبه عثمان لكتابة المصاحف، وهو الذي تولى قسمة غنائم اليرموك. وقال ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد، عن أبيه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن إحدى عشرة سنة، وأمرني أن أتعلم كتاب يهود، فكنت أقرأ إذا كتبوا إليه، ولما قدم أبي بي إليه فقالوا: هذا غلام من بني النجار، وقد قرأ مما أنزل عليك بضع عشرة سورة، فقرأت عليه فأعجبه ذلك وقال: يا زيد تعلم لي كتاب يهود، فإني والله ما آمنهم على كتابي.

(4/54)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 55
قال: فتعلمته فحذقته في نصف شهر. وعن زيد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل الوحي بعث إلي فكتبته. وقال زيد: قال لي أبو بكر: إنك شاب عاقل لا نتهمك، قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه. فقلت: كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: هو والله خير، فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك. وقال أنس: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة كلهم من الأنصار: أبي، ومعاذ، وزيد بن ثابت، وأبو زيد الأنصاري. وقال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفرض أمتي زيد بن ثابت. ويروى عن معمر، عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد، وأفتاهم أبي، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة الجراح.

(4/55)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 56
رواه الترمذي وقال: غريب لا نعرفه من حديث قتادة إلا من هذا الوجه. وقد رواه أبو قلابة، عن أنس. قلت: هو صحيح من حديث أبي قلابة، رواه جماعة عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس) قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: أعلمهم بالفرائض زيد. وقال الشعبي: غلب زيد الناس على اثنتين: على الفرائض والقرآن. وقال مسروق: كان أهل الفتوى من الصحابة: عمر، وعلي، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب، وأبو موسى. وقال أبو نضرة، عن أبي سعيد لما قال قائل الأنصار: منكم أمير ومنا أمير، قال: فقام زيد بن ثابت فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين ونحن أنصاره. فقال أبو بكر: جزاكم الله يا معشر الأنصار خيراً وثبت قائلكم، لو قلتم غير هذا ما صالحناكم. وعن ابن عمر قال: فرق عمر الصحابة في البلدان، وحبس زيد بن ثابت بالمدينة يفتي أهلها.

(4/56)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 57
وعن سليمان بن يسار قال: ما كان عمر وعثمان يقدمان أحداً على زيد بن ثابت في القضاء والفتوى والفرائض والقراءة. وقال حجاج بن أرطأة، عن نافع قال: استعمل عمر زيد بن ثابت على القضاء وفرض له رزقاً. وقال ابن شهاب: لو هلك عثمان وزيد بن ثابت في بعض الزمان لهلك علم الفرائض، لقد أتى على الناس زمان وما يعلمهما غيرهما. وقال أحمد بن عبد الله العجلي: الناس على قراءة زيد وفرض زيد. وقال محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عن ابن عباس: إنه قدم إلى زيد بن ثابت، فأخذ له بركابه فقال: تنح يا بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إنا هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا وكبرائنا. وقال الأعمش، عن ثابت بن عبيد قال: كان زيد بن ثابت من أفكه الناس في أهله ومن أزمتهم عند القوم. وقال يحيى بن سعيد: لما مات زيد بن ثابت قال أبو هريرة: مات حبر الأمة، ولعل الله أن يجعل في ابن عباس منه خلفاً.

(4/57)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 58
الأنصاري: ثنا هشام بن خشان، ثنا محمد بن سيرين قال: خرج زيد بن ثابت يريد الجمعة فاستقبله الناس راجعين، فدخل داراً، فقيل له: فقال: إنه من لا يستحيي من الناس لا يستحيي من الله. قال الواقدي، ويحيى بن بكير، وخليفة، ومحمد بن عبد الله بن نمير: توفي سنة خمس وأربعين.) وقال علي بن المديني: توفي سنة أربع وخمسين. وقال أحمد بن حنبل وأبو حفص الفلاس: سنة إحدى وخمسين. وقال الهيثم بن عدي، والمدائني، ويحيى بن معين: توفي سنة خمس وخمسين.
4 (زيد بن عمر بن الخطاب،)
القرشي العدوي، وأمه أم كلثوم بنت فاطمة الزهراء. قال عطاء الخراساني: توفي شاباً ولم يعقب. وقال أبو عمرو بن العلاء، عن رجل من الأنصار، عن أبيه قال: وفدنا مع زيد بن عمر إلى معاوية، فأجلسه على السرير، وهو يومئذ من أجمل

(4/58)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 59
الناس، فأسمعه بسر بن أبي أرطأة كلمة، فنزل إليه زيد فخنقه حتى صرعه، وبرك على صدره، وقال لمعاوية: إني لأعلم أن هذا عن رأيك وأنا ابن الخليفتين، ثم خرج إلينا زيد وقد تشعث رأسه وعمامته، ثم اعتذر إليه معاوية، وأمر له بمائة ألف، وأمر لكل واحد منا بأربعة آلاف، ونحن عشرون رجلاً. يقال أصابه حجر في خربة ليلاً فمات.

(4/59)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 60
4 (السين)
سالم بن عمير، بن ثابت بن النعمان الأنصاري الأوسي. أحد البكائين، شهد بدراً والمشاهد، وبقي إلى خلافة معاوية.
4 (سفيان بن عبد الله،)
م ت ن ق بن ربيعة بن الحارث وقيل ابن

(4/60)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 61
عبد الله بن حطيط بن عمرو الثقفي الطائفي. ولي الطائف لعمر بن الخطاب، وله صحبة ورواية، وهو الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل آمنت بالله ثم استقم. روى عنه: ابناه عبيد الله، وعاصم، وعروة بن الزبير، وعبد الرحمن بن ماعز، وآخرون.
4 (سفيان بن مجيب الأزدي.)
ولي بعلبك لمعاوية، وله صحبة. روى إسماعيل بن عياش، عن سعيد بن يوسف، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلام، عن حجاج الثمالي وله صحبة قال: حدثني سفيان بن مجيب، وكان من قدماء الصحابة.)
4 (السائب بن أبي السائب،)
د ن ق صيفي بن عائذ بن عبد الله بن

(4/61)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 62
عمر بن مخزوم. مختلف في إسلامه، فابن إسحاق يقول: قتل يوم بدر كافراً. ثم تبعه الزبير بن بكار، ثم نقض الزبير ذلك في موضعين من كتابه، والظاهر إسلامه وبقاؤه إلى خلافة معاوية، وأنه هو شريك النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل المبعث. وفي السنن حديث لمجاهد، عن قائد السائب، عن السائب، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروى الزبير بإسناده، عن كعب مولى سعيد بن العاص، أن معاوية طاف في خلافته بالبيت في جنده، فزحموا السائب بن صيفي بن عائذ فوقع. فقال: ما هذا يا معاوية، تصرعوننا حول البيت أما والله لقد أردت أن أتزوج أمك. قال: ليتك فعلت، فجاءت بمثل ولدك أبي السائب. وقد ورد عن ابن عباس، أن السائب أسلم يوم الفتح، وأنه من المؤلفة قلوبهم.

(4/62)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 63
قال ابن عبد البر: وهو من حسن إسلامه. وقد اختلف في اسم شريك النبي صلى الله عليه وسلم على أقوال، فقيل هو عبد الله ولد السائب هذا. سلمة بن سلامة، بن وقش الأنصاري الأشهلي، أبو عوف. من أهل المدينة، كان أحد من شهد بدراً والعقبتين، وعاش سبعين سنة. توفي سنة خمس وأربعين، وقيل سنة أربع وثلاثين. روى عنه محمود بن الربيع في مسند أحمد.

(4/63)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 64
4 (سهل بن أبي حثمة،)
أبو عبد الرحمن، وأبو يحيى الأنصاري الخزرجي المدني. قال أبو حاتم: كان دليل النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أحد، وشهد المشاهد كلها سوى بدر، حدثني بذلك رجل من ولده. وأما الواقدي قال: توفي النبي صلى الله عليه وسلم وله ثمان سنين، وهذا غلط. روى عنه من الصحابة: محمد بن مسلمة، وأبو ليلى الأنصاريان، وابنه محمد، وابن أخيه محمد بن سليمان، وصالح بن خوات، وبشير بن يسار، وعروة بن الزبير، ونافع بن جبير، وآخرون.

(4/64)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 65
أظنه توفي في خلافة معاوية، ورواية الزهري عنه مرسلة، وفي اسم أبيه أقوال.)
4 (سهل بن الحنظلية، د ت)
وهي أمه، واسم أبيه عمرو ويقال الربيع بن عمرو الأنصاري. شهد بيعة الرضوان، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعنه: بشر أبو قيس التغلبي، وأبو كبشة السلولي. وكان رجلاً متوحداً ما يجالس أحداً، إنما هو في صلاة، فإذا انصرف إنما هو في تسبيح وذكر، وشهد أحداً والخندق، وسكن الشام، وتوفي في صدر خلافة معاوية.

(4/65)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 66
4 (الصاد)
صفوان بن أمية، بن خلف، أبو وهب الجمحي المكي.

(4/66)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 67
قتل أبوه يوم بدر، وأسلم هو يوم الفتح بل بعده، وكان من المؤلفة قلوبهم، ثم شهد اليرموك أميراً على كردوس. روى عنه: ابنه أمية، وابن أخيه حميد بن حجير، وسعيد بن المسيب، وعبد الله بن الحارث بن نوفل، وطاووس. وشهد حنيناً مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو على شركه بعد، وأعار النبي صلى الله عليه وسلم سلاحاً وأدرعاً يومئذ. وكان شريفاًُ مطاعاً كثير المال، ورد أنه ملك قنطاراً من الذهب. يقال إنه وفد على معاوية، فأقطعه زقاق صفوان. وعن أبي حصين الهذلي قال: استقرض النبي صلى الله عليه وسلم من صفوان بن أمية خمسين ألفاً فأقرضه. قال الهيثم بن عدي، والمدائني: مات صفوان سنة إحدى وأربعين. وقال خليفة: سنة اثنتين.
4 (صفية أم المؤمنين،)
بنت حيي بن أخطب بن سعية، من سبط

(4/67)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 68
لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، ثم من ولد هارون أخي موسى عليهما السلام. تزوجها سلام اليهودي، ثم خلف عليها كنانة بن أبي الحقيق، وكانا من شعراء اليهود، ثم قتل كنانة ثوم خيبر، فسباها رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر، وجعل صداقها عتقها. روى عنها: علي بن الحسين، وإسحاق بن عبد الله بن الحارث، ومولاها كنانة، وغيرهم. قال ابن عبد البر: روينا أن جارية لصفية أتت عمر، فقالت: إن صفية تحب السبت وتصل اليهود، فبعث إليها عمر فسألها فقالت: أما السبت فلم أحبه منذ أبدلني الله به الجمعة، وأما) اليهود فإن لي فيهم رحماً، فأنا أصلها، ثم قالت للجارية: ما حملك على ما صنعت قالت: الشيطان، قالت: فاذهبي فأنت حرة.

(4/68)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 69
وفي الترمذي من حديث هاشم بن سعيد الكوفي، حدثنا كنانة، حدثتنا صفية بنت حيي قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بلغني عن حفصة وعائشة كلام، فذكرت ذلك له فقال: ألا قلت: وكيف تكونان خيراً مني وزوجي محمد، وأبي هارون، وعمي موسى. وكان بلغها أنهما قالتا: نحن أكرم على رسول الله منها، نحن أزواجه، وبنات عمه. وقال ثابت البناني: حدثتني سمية، عن صفية بنت حيي أن النبي صلى الله عليه وسلم حج بنسائه، فبرك بصفية جملها، فبكت، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخبروه، فجعل يمسح دموعها بيده، وهي تبكي، وهو ينهاها، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، فلما كان عند الرواح قال لزينب بنت جحش: افقري أختك جملاً وكانت من أكثرهن ظهراً فقالت: أنا أفقر يهوديتك، فغضب صلى الله عليه وسلم فلم يكلمها حتى رجع إلى المدينة ومحرم وصفر، فلم يأتها، ولم يقسم لها، ويئست منه، فلما كان ربيع الأول دخل عليها، فلما رأته قالت: يا رسول الله ما اصنع قال: وكان لها جارية تخبئها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: فلانة لك. قال: فمشى النبي صلى الله عليه وسلم إلى سريرها، وكان قد رفع، فوضعه بيده، ورضي عن أهله. وقال الحسين بن الحسن الأشقر: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن

(4/69)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 70
مالك بن مالك، عن صفية بنت حيي قالت: قلت: يا رسول الله ليس من نسائك أحد إلا ولها عشيرة، فإن حدث بك حدث فإلى من الجأ قال: إلى علي. مالك مجهول، والحديث غريب. وكانت من عقلاء النساء، توفيت سنة خمسين، وقيل: سنة ست وثلاثين.

(4/70)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 71
4 (الضاد)

4 (ضباعة بنت الزيبر،)
بن عبد المطلب الهاشمية، بنت عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوجة المقداد بن الأسود. روى عنها: زوجها، وبنتها كريمة بنت المقداد، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والأعرج.)

(4/71)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 72
4 (العين)

4 (عاصم بن عدي، ن)
بن الجد بن العجلان البلوي، أبو عمرو، ويقال أبو عبد الله. حليف بني عمرو بن عوف، رده النبي صلى الله عليه وسلم من بدر إلى مسجد الضرار لشيء بلغه عنهم، وضرب به بسهمه وأجره. وطال عمره، وكان سيد بني العجلان.

(4/72)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 73
روى عنه ابنه أبو البداح حديثاً أخرجه النسائي في رمي الجمار. وقال ابن إسحاق: رده رسول الله صلى الله عليه وسلم من الروحاء، واستخلفه على العالية في غزوة بدر. وقيل إنه توفي سنة خمس وأربعين، وله من العمر مائة وخمس عشرة سنة. كذا قال الواقدي في سنه.
4 (عبد الله بن أنيس،)
الجهني حليف الأنصار ثم الأنصاري، حليف الأنصار. شهد العقبة، وبدر لم يشهدها، بل شهد أحداً.

(4/73)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 74
كنيته أبو يحيى، وقيل يقال له: الجهني، وليس بجهني بل ذلك لقب له، وهو من قضاعة. روى أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع إليه مخصرة كان يتخصر بها، وهو الذي رحل إليه جابر بن عبد الله إلى مصر، وسمع منه حديث القصاص. توفي في خلافة معاوية، وسيعاد.
4 (عبد الله بن سلام الإسرائيل)
بن الحارث، أبو يوسف الإسرائيلي النسب حليف الأنصار. أسلم عند قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وكان اسمه الحصين فسماه عبد الله، وشهد له بالجنة.

(4/74)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 75
حماد بن سلمة: أنبأ عاصم بن بهدلة، عن مصعب بن سعد، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بقصعة فقال: يجيء رجل من هذا الفج من أهل الجنة يأكل هذه الفضلة، فجاء عبد الله بن سلام فأكلها. رواه عبد الله في مسنده عن عفان، عنه. روى عنه: أنس بن مالك، وقاضي البصرة، وزرارة بن أوفى، وأبو سعيد المقبري، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو بردة بن أبي موسى، وابناه يوسف ومحمد ابنا عبد الله، وجماعة. وشهد فتح بيت المقدس مع عمر. وقيل إنه من ذرية يوسف عليه السلام، وحلفه في القوافل، وكان من الأحبار. تقدم خبر إسلامه) في الترجمة النبوية، وأن اليهود شهدوا فيه أنه عالمهم وابن عالمهم. وفي الصحيح من حديث سعد قال: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد: من أهل الجنة: إلا لعبد الله بن سلام. وقال سعد: فيه نزلت: وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله.

(4/75)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 76
وجاء من غير وجه: أن عبد الله رأى رؤيا، فقصها على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: تموت وأنت مستمسك بالعروة الوثقى. وثبت عن يزيد بن عميرة قال: لما احتضر معاذ قيل: أوصنا، قال: أجلسوني، ثم قال: إن العلم والإيمان مكانهما، من ابتغاهما وجدهما، فالتمسوا العلم عن أربعة: عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن سلام الذي كان يهودياً فأسلم، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إنه عاشر عشرة في الجنة. أخرجه الترمذي من حديث أبي إدريس الخولاني، عن يزيد، رواه زيد بن رفيع، عن معبد الجهني، عن يزيد بن عميرة. اتفقوا على وفاته في سنة ثلاث وأربعين.
4 (عبد الله بن قيس القيني.)
توفي سنة تسع وأربعين، ولا تحفظ له رواية.
4 (عبد الرحمن بن خالد بن الوليد،)
بن المغيرة المخزومي.

(4/76)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 77
أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ورآه، وشهد اليرموك مع أبيه، وسكن حمص. وكان أحد الأبطال كأبيه، وكان معه لواء معاوية يوم صفين. وكان يستعمله معاوية على غزو الروم. وكان شريفاً شجاعاً ممدحاً. روى عنه: خالد بن سلمة، وعمرو بن قيس، وغيرهما. وقال سيف: كان عمره يوم اليرموك ثمان عشرة سنة، وكان يومئذ على كردوس. وقال غيره: ولي إمرة حمص مدة وكان مشكور السيرة. قال أبو عبيد وغيره: توفي سنة ست وأربعين.
4 (عبد الرحمن بن سمرة،)
بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف

(4/77)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 78
بن قصي، أبو سعيد القرشي العبشمي.) هكذا نسبه ابن الكلبي، ويحيى بن معين، والبخاري، وأبو عبيد، وجماعة، وزاد في نسبه مصعب الزبيري، وابن أخيه الزبير بن بكار بعد حبيب: ربيعة. أسلم يوم الفتح، ونزل البصرة، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسأل الإمارة. وغزا سجستان أميراً كما مضى. روى عنه: ابن عباس، وسعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وحيان بن عمير، ومحمد بن سيرين، وحميد بن هلال، والحسن البصري، وأخوه سعيد. ويروى أن اسمه كان: عبد كلال، فغيره النبي صلى الله عليه وسلم. توفي سنة خمسين بالبصرة، ويقال سنة إحدى وخمسين.

(4/78)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 79
4 (عتبة بن فرقد السلمي،)
ن أبو عبد الله. له صحبة ورواية، وكان من كبار قومه. نزل الكوفة، وروى عنه: قيس بن أبي حازم، والشعبي، وغيرهما.
4 (عتبة بن أبي سفيان،)
صخر بن حرب بن أمية الأموي. شهد يوم الدار مع عثمان، وداره بدمشق بدرب الحبالين. ولي المدينة وإمرة الحج غير مرة. وحكى عنه ابنه الوليد أنه شهد الجمل مع عائشة، ثم نجا ولحق بأخيه، وذهبت عينه يومئذ.

(4/79)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 80
وولي مصر سنة ثلاث وأربعين، وكان فصيحاً مفوهاً. توفي بثغر الإسكندرية في ذي القعدة سنة أربع وأربعين، وهو أخو معاوية لأبيه. عثمان بن حنيف، د ن ق الأنصاري الأوسي. له صحبة، ولاه عمر السواد، وتولى مساحته بأمر عمر. روى عنه: ابن أخيه أبو أمامة بن سهل، وعمارة بن خريم بن ثابت، وعبيد الله بن عبد الله، وغيرهم، وكان أميراً شريفاً. شعيب بن أبي ضمرة، مما روى عنه ابنه بشر، عن الزهري، عن عمر بن عبد العزيز، عن حريث بن نوفل بن مساحق قال: انتجى عمر وعثمان بن حنيف في المسجد والناس محيطون بهما، فلم يزالا يتجادلان في الرأي حتى

(4/80)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 81
أغضب عثمان عمر، فقبض من حصباء المسجد قبضة ضرب بها وجه عثمان، فشج الحصى بجبهته آثاراً من شجاج، فلما رأى عمر كثرة) تسرب الدم على لحيته قال: إمسح عنك الدم، فقال: يا أمير المؤمنين لا يهولنك، فوالله إني لأنتهك ما وليتني أمره من رعيتك أكثر مما انتهكت مني، فأعجب بها عمر من رأيه وحلمه وزاد به عنده خيراً.
4 (عثمان بن طلحة، م د)
بن أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي القرشي العبدري الحجبي. حاجب الكعبة، هاجر مع عمرو بن العاص وخالد ثم سكن مكة. روى عنه: ابن عمر، وعروة بن الزبير، وابن عمه شيبة بن عثمان، وغيرهم. ودفع إليه النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة يوم الفتح.

(4/81)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 82
وقال عوف الأعرابي عن رجل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى المفتاح شيبة بن عثمان عام الفتح وقال: دونك هذا فأنت أمين الله على بيته. قلت: شيبة أسلم يوم حنين، فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم ولاه الحجابة لما اعتمر من الجعرانة مشاركاً لعثمان هذا في الحجابة، فإن شيبة كان حاجب الكعبة يوم قال له عمر: أريد أن أقسم مال الكعبة، كما في البخاري. فعن أبي بشر، عن مسافع بن شيبة، عن أبيه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة يصلي، فإذا فيها تصاوير، فقال: يا شيبة اكفني هذه، فاشتد ذلك عليه، فقال له رجل: طينها ثم الطخها بزعفران، ففعل. وقالت صفية بنت شيبة: أخبرتني امرأة من بني سليم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج من الكعبة أمر عثمان بن طلحة أن يغيب قرني الكبش، يعني كبش إسماعيل وقال: لا ينبغي للمصلي أن يصلي وبين يديه شيء يشغله. قتل طلحة يوم أحد مشركاً.

(4/82)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 83
وقال عبد الله بن المؤمل المخزومي، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خذوها يا بني أبي طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم يعني الحجابة. قال مصعب: قتل بأجنادين سنة ثلاث عشرة.) وقال الهيثم بن عدي، والمدائني: توفي سنة إحدى وأربعين. وقال خليفة: توفي سنة اثنتين وأربعين. عقيل بن أبي طالب، ن ق بن عبد المطلب الهاشمي، أبو يزيد،

(4/83)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 84
ويقال أبو عيسى، وكان أكبر من جعفر، وعلي. أسلم وشهد غزوة مؤتة، وله عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث. روى عنه: ابنه محمد، وحفيده عبد الله بن محمد، وموسى بن طلحة، والحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح، وأبو صالح السمان. ووفد على معاوية فأكرمه، وكان أكبر من علي بعشرين سنة، وعاش بعده مدة، وكان علامة بالنسب وأيام العرب. قال ابن سعد: وكان عقيل ممن أخرج من بني هاشم كرهاً إلى بدر، فأسر يومئذ، وكان لا مال له، ففداه العباس. ثم هاجر في أول سنة ثمان، ثم عرض له مرض بعد شهوده غزوة مؤتة، فلم نسمع له بذكر في الفتح ولا ما بعدها، وقد أطعمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر كل سنة مائة وأربعين وسقاً. وعن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أعطي لكل نبي سبعة رفقاء نجباء، وأعطيت أنا أربعة عشر، فذكر منهم عقيلاً. وروي من وجوه مرسلة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعقيل: يا أبا يزيد إني أحبك حبين، حباً لقرابتك مني، وحباً لحب أبي طالب إياك. وعن داود بن أبي هند، أن علياً دخل عليه عقيل ومعه كبش فقال: إن أحد الثلاثة أحمق، فقال عقيل: أما أنا وكبشي فلا.

(4/84)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 85
وقال عطاء: رأيت عقيلاً شيخاً كبيراً يقل غرب زمزم. وقال أبو جعفر الباقر: أتى عقيل علياً بالعراق ليعطيه، فأبى، فقال: أذهب إلى من هو أوصل منك، فذهب إلى معاوية، فعرف له معاوية قدومه، ثم قال: هذا عقيل وعمه أبو لهب، فقال: هذا معاوية وعمته حمالة الحطب. وقال غسان بن مضر: ثنا أبو هلال، ثنا حميد بن هلال، أن عقيلاً سأل علياً فقال: إني محتاج وفقير. فقال: اصبر حتى يخرج عطائي، فألح عليه. فقال لرجل: خذ بيده، فانطلق به إلى) الحوانيت، فقل: دق الأقفال وخذ ما في الحوانيت. فقال: تريد أن تتخذني سارقاً. قال: وأنت تريد أن تتخذني سارقاً وأعطيك أموال الناس. قال: لآتين معاوية. قال: أنت وذاك، فأتى معاوية، فأعطاه مائة ألف، ثم قال: اصعد على المنبر فاذكر ما أولاك علي وما أوليتك، قال: فصعد المنبر فحمد الله ثم قال: أيها الناس إني أخبركم أني أردت علياً على دينه، فاختار دينه علي، وأردت معاوية على دينه فاختارني على دينه. فقال معاوية: هذا الذي تزعم قريش أنه أحمق. توفي عقيل في خلافة معاوية.
4 (عمارة بن حزم،)
بن زيد بن لوذان الأنصاري النجاري، أبو عبد الله.

(4/85)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 86
أحد من شهد بدراً، ذهب بصره، وبقي إلى خلافة معاوية.
4 (عمرو بن أمية،)
بن خويلد بن عبد الله بن إياس، أبو أمية الضمري. أسلم بعد أحد، وشهد بئر معونة وما بعدها، وكان من أولي النجدة

(4/86)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 87
والشجاعة والإقدام، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية وحده. وبعثه بكتابه إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام فأسلم. روى عنه: ابناه جعفر، وعبد الله، وابن أخيه الزبرقان بن عبد الله، والشعبي، وأبو سلمة، وأبو قلابة الجرمي. وتوفي بالمدينة، وشهد بدراً مع المشركين، وبقي إلى أيام معاوية.
4 (عمرو بن الحمق ن ق الخزاعي.)
له صحبة ورواية، وبايع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وسمع منه. روى عنه: رفاعة بن شداد، وجبير بن نفير، وعبد الله بن عامر المعافري.

(4/87)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 88
وقال ابن سعد: كان أحد الرؤوس الذين ساروا إلى عثمان، وقتله ابن أم الحكم بالجزيرة. وقال خليفة: كان عمرو بن الحمق يوم صفين على خزاعة مع علي. وعن الشعبي قال: لما قدم زياد الكوفة أثاره عمارة بن عقبة بن أبي معيط فقال: إن عمرو بن الحمق من شيعة علي، فسير إليه يقول: ما هذه الزرافات التي تجتمع عندك من أرادك أو أردت كلامه ففي المسجد.) وعنه قال: تطلب زياد رؤساء أصحاب حجر، فخرج عمرو إلى الموصل هو ورفاعة بن شداد، فكمنا في جل، فبلغ عامل ذلك الرستاق، فاستنكر شأنهما، فسار إليهما في الخيل، فأما عمرو بن الحمق فكان مريضاً، فلم يكن عنده امتناع، وأما رفاعة فكان شاباً، فركب وحمل عليهم، فأفرجوا له، ثم طلبته الخيل، وكان رامياً فرماهم فانصرفوا، وبعثوا بعمرو إلى عبد الرحمن بن أم الحكم أمير الموصل، فكتب فيه إلى معاوية، فكتب إليه معاوية إنه زعم أنه طعن عثمان تسع طعنات بمشاقص، ونحن لا نتعدى عليه فاطعنه كذلك، ففعل به ذلك، فمات في الثانية. وقال أبو إسحاق، عن هنيدة الخزاعي قال: أول رأس أهدي في الإسلام رأس عمرو بن الحمق. وقال عمار الدهني: أول رأس نقل رأس ابن الحمق، وذلك لأنه لدغ فمات، فخشيت الرسل أن تتهم به، فحزوا رأسه وحملوه.

(4/88)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 89
وقلت: هذا أصح مما مر، فإن ذاك من رواية ابن الكلبي، فالله أعلم هل قتل أو لدغ. وقال خليفة: قتل سنة خمسين.
4 (عمرو بن العاص، ع)
بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن

(4/89)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 90
عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب، أبو عبد الله، وأبو محمد القرشي السهمي. أسلم في المدينة وهاجر، واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على جيش غزوة ذات السلاسل، وفيه أبو بكر وعمر، لخبرته بمكيدة الحرب. ثم ولي الإمرة في غزوة الشام لأبي بكروعمر. ثم افتتح مصر ووليها لعمر. وله عدة أحاديث. روى عنه: ابناه عبد الله ومحمد، وأبو عثمان النهدي، وقبيصة بن ذؤيب، وعلي بن رباح، وعبد الرحمن بن شماسة، وآخرون. وقال ابن عبد البر: أسلم عمرو بن العاص في صفر سنة ثمان، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم على سرية نحو الشام في جمادى الآخرة سنة ثمان فيما ذكره الواقدي إلى السلاسل، ثم أمده النبي صلى الله عليه وسلم بمائتي فارس، فيهم أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة، إلى أن قال: ثم ولي مصر لمعاوية، ومات بها يوم الفطر سنة ثلاث وأربعين على الأصح، فصلى ابنه عليه، ثم رجع فصلى الناس

(4/90)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 91
صلاة العيد، ثم ولي مصر بعده عتبة أخو معاوية، فبقي سنة ومات، فولي مصر مسلمة بن مخلد، انتهى.) وقدم عمرو دمشق رسولاً من أبي بكر إلى هرقل، وله بدمشق دار عند سقيفة كردوس، ودار عند باب الجابية، تعرف ببني حجيجة، ودار عند عين الحمى. وأمه عنزية، وكان قصيراً يخضب بالسواد. قال حماد بن سلمة: عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ابنا العاص مؤمنان، هشام وعمرو. ابن لهيعة عن مشرح، عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلم الناس، وآمن عمرو بن العاص. رواه الترمذي. وقال ابن أبي مليكة: قال طلحة بن عبيد الله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عمرو بن العاص من صالحي قريش. أخرجه الترمذي، وفيه انقطاع.

(4/91)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 92
وقال ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب: أخبرني سويد بن قيس، عن قيس بن سمي، أن عمرو بن العاص قال: يا رسول الله أبايعك على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي، قال: إن الإسلام والهجرة يجبان ما كان قبلهما، قال: فوالله ما ملأت عيني منه ولا راجعته بما أريد، حتى لحق بالله حياءً منه. وقال الحسن البصري: قال رجل لعمرو بن العاص: أرأيت رجلاً مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحبه، أليس رجلاً صالحاً. قال: بلى، قال: قد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحبك، وقد استعملك، قال: بلى، فوالله ما أدري أحباً كان لي منه، أو استعانة بي، ولكن سأحدثك برجلين مات وهو يحبهما: عبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر. فقال الرجل: ذاك قتيلكم يوم صفين. قال: قد والله فعلنا. وروي أن عمراً لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم كان على عمان، فأتاه كتاب أبي بكر بذلك. قال ضمرة، عن الليث بن سعد، أن عمر نظر إلى عمرو بن العاص يمشي فقال: ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أميراً.

(4/92)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 93
وقال جويرية بن أسماء: حدثني عبد الوهاب بن يحيى بن عبد الله بن الزبير: ثنا أشياخنا أن الفتنة وقعت، وما رجل من قريش له نباهة أعمى فيها من عمرو بن العاص، وقال: ما زال معتصماً بمكة ليس في شيء مما فيه الناس، حتى كانت وقعة الجمل، فلما فرغت بعث إلى ولديه عبد الله ومحمد فقال: إني قد رأيت رأياً، ولستما باللذين ترداني عن رأيي، ولكن أشيرا) علي، إني رأيت العرب صاروا عيرين يضطربان، وأنا طارح نفسي بين جداري مكة، ولست أرضى بهذه المنزلة، فإلى أي الفريقين أعمد قال عبد الله: إن كنت لا بد فاعلاً، فإلى علي. قال: إني إن أتيت علياً قال: إنما أنت رجل من المسلمين، وإن أتيت معاوية يخلطني بنفسه، يشركني في أمره، فأتى معاوية. وعن عروة، أو غيره قال: دعا ابنيه، فأشار عليه عبد الله أن يلزم بيته، لأنه أسلم له، فقال له محمد: أنت شريف من أشراف العرب، وناب من أنيابها، لا أرى أن تتخلف، فقال لعبد الله: أما أنت فأشرت علي بما هو خير لي في آخرتي، وأما أنت يا محمد فأشرت علي بما هو أنبه لذكري، ارتحلا، فارتحلوا إلى معاوية، فأتوا رجلاً قد عاد المرضى، ومشى بين الأعراض، يقص على أهل الشام غدوة وعشية: يا أهل الشام إنكم على خير وإلى خير، تطلبون بدم خليفة قتل مظلوماً، فمن عاش منكم فإلى خير. ومن مات فإلى خير. فقال عبد الله: ما أرى الرجل إلا قد انقطع بالأمر دونك، قال: دعني وإياه، ثم إن عمراً قال: يا معاوية أحرقت كبدي بقصصك، أترى أنا خالفنا علياً لفضل منا عليه، لا والله، إن هي إلا الدنيا نتكالب عليها، وايم الله لتقطعن لي قطعة من دنياك، أو لأنابذنك، قال: فأعطاه مصر، يعطي أهلها عطاءهم، وما بقي فله. ويروى أن علياً كتب إلى عمرو يتألفه، فلما أتاه الكتاب أقرأه معاوية

(4/93)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 94
وقال: قد ترى، فإما أن ترضيني، وإما أن ألحق به، قال: فما تريد قال: مصر، فجعلها له. وعن يزيد بن أبي حبيب وغيره، أن الأمر لما صار لمعاوية استكثر طعمة مصر لعمرو، ورأى عمرو أن الأمر كله قد صلح به وبتدبيره وعنائه، وظن ان معاوية سيزيده الشام مع مصر، فلم يفعل معاوية، فتنكر له عمرو، فاختلفا وتغالظا، فدخل بينهما معاوية بن حديج، فأصلح أمرهما، وكتب بينهما كتاباً: أن لعمرو ولاية مصر سبع سنين، وأشهد عليهما شهوداً، ثم سار عمرو إليها سنة تسع وثلاثين، فما مكث نحو ثلاث سنين حتى مات. ويروى أن عمراً ومعاوية اجتمعا، فقال معاوية له: من الناس. قال: أنا، وأنت، والمغيرة بن شعبة، وزياد، قال: وكيف ذاك قال: أما أنت فللتأني، وأما أنا فللبديهة، وأما مغيرة فللمعضلات، وأما زياد فللصغير والكبير، قال: أما ذانك فقد غابا، فهات أنت بهديتك، قال: وتريد ذلك قال: نعم، قال: فأخرج من عندك، فأخرجهم، فقال: يا أمير المؤمنين أسارك، قال: فأدنى منه رأسه، فقال: هذا من ذاك، من معنا في البيت حتى أسارك.) وقال جويرية بن أسماء أن عمراً قال لابن عباس: يا بني هاشم، أما والله لقد تقلدتم لقتل عثمان قرم الإماء العوارك، أطعتم فساق أهل العراق في عتبه، وأجزرتموه مراق أهل مصر، وآويتم قتلته. فقال ابن عباس: إنما تكلم لمعاوية، وإنما تكلم عن رأيك، وإن أحق الناس أن لا يتكلم في أمر عثمان لأنتما، أما أنت يا معاوية فزينت له ما كان يصنع، حتى إذا حصر طلب منك نصرك، فأبطأت عنه، وأحببت قتله وتربصت به، وأما أنت يا عمرو،

(4/94)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 95
فأضرمت المدينة عليه، وهربت إلى فلسطين تسأل عن أبنائه، فلما أتاك قتله أضافتك عداوة علي أن لحقت بمعاوية، فبعت دينك منه بمصر، فقال معاوية: حسبك يرحمك الله، عرضني لك عمرو، وعرض نفسه. وكان عمرو من أفراد الدهر دهاءً، وجلادة، وحزماً، ورأياً، وفصاحةً. ذكر محمد بن سلام الجمحي: أن عمر بن الخطاب كان إذا رأى رجلاً يتلجلج في كلامه قال: خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد. وقال مجالد، عن الشعبي، عن قبيصة بن جابر قال: صحبت عمر، فما رأيت رجلاً أقرأ لكتاب الله منه، ولا أفقه في دين الله منه، ولا أحسن مداراة منه، وصحبت طلحة بن عبيد الله، فما رأيت رجلاً أعطى لجزيل منه من غير مسألة، وصحبت معاوية، فما رأيت أحلم منه، وصحبت عمرو بن العاص، فما رأيت رجلاً أبين أو قال انصع طرفاً منه، ولا أكرم جليساً، ولا أشبه سريرة بعلانية منه، وصحبت المغيرة بن شعبة، فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب، لا يخرج من باب منها إلا بمكر لخرج من أبوابها كلها. وقال موسى بن علي، حدثنا أبي: ثنا أبو قيس مولى عمرو بن العاص، أن عمراً كان يسرد الصوم، وقلما كان يصيب من العشاء أول الليل أكثر مما كان يأكل في السحر. وقال عمرو بن دينار: وقع بين المغيرة بن شعبة وبين عمرو بن العاص كلام، فسبه المغيرة، فقال عمرو: يا هصيص، أيستبني ابن شعبة ! فقال

(4/95)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 96
عبد الله ابنه: إنا لله، دعوت بدعوى القبائل وقد نهي عنها. فأعتق ثلاثين رقبة. وقال عمرو بن دينار: أخبرني مولى لعمرو بن العاص، أن عمراً أدخل في تعريش الوهط وهو بستان له بالطائف ألف ألف عود، كل عود بدرهم. وقال يزيد بن أبي حبيب: حدثني عبد الرحمن بن شماسة قال: لما حضرت عمرو بن العاص الوفاة بكى، فقال له ابنه: لم تبكي، أجزعاً من الموت قال: لا والله ولكن لما بعده، قال: قد) كنت على خير، فجعل يذكره صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتوحه الشام، فقال عمرو: تركت أفضل من ذلك كله، شهادة أن لا إله إلا الله، إني كنت على ثلاث أطباق، ليس منها طبقة إلا عرفت نفسي فيها: كنت أول شيء كافراً، وكنت أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو مت حينئذ لوجبت لي النار، فلما بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت أشد الناس منه حياءً، ما ملأت عيني منه، فلو مت حينئذ لقال الناس: هنيئاً لعمرو، أسلم على خير، ومات على خير أحواله، ثم تلبست بعد ذلك بأشياء، فلا أدري أعلي أم لي، فإذا أنا مت فلا يبكي علي ولا تتبعوني ناراً، وشدوا علي إزاري، فإني مخاصم، فإذا وأريتموني فاقعدوا عندي قدر نحر جزور وتقطيعها، أستأنس بكم، حتى أعلم ما أراجع رسل ربي. أخرجه أبو عوانة في مسنده.

(4/96)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 97
وقال الزهري: عن حميد بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو أن أباه قال حين احتضر: اللهم أمرت بأمور ونهيت عن أمور، تركنا كثيراً مما أمرت، ووقعنا في كثير ممن نهيت، اللهم لا إله إلا أنت. ثم أخذ بإبهامه، فلم يزل يهلل حتى توفي. وقال أبو فراس مولى عبد الله بن عمرو: إن عمراً توفي ليلة الفطر، فصلى عليه ابنه ودفنه، ثم صلى بالناس صلاة العيد. قال الليث، والهيثم بن عدي، والواقدي، وابن بكير، وغيرهم: توفي سنة ثلاث وأربعين ليلة عيد الفطر، زاد يحيى بن بكير: وسنه نحو مائة سنة. وقال أحمد العجلي: وعمره تسع وتسعون سنة. وقال ابن نمير: توفي في سنة اثنتين وأربعين. فائدة، قال الطحاوي: ثنا المزني: سمعت الشافعي يقول: دخل ابن عباس على عمرو بن العاص وهو مريض فقال: كيف أصبحت؟ قال:

(4/97)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 98
أصبحت وقد أصلحت من دنياي قليلاً، وأفسدت من ديني كثيراً، فلو كان ما أصلحت هو ما أفسدت لفزت، ولو كان ينفعني أن أطلب طلبت، ولو كان ينجيني أن أهرب هربت، فعظني بموعظة أنتفع بها يا بن أخي، فقال: هيهات يا أبا عبد الله، فقال: اللهم إن ابن عباس يقنطني من رحمتك، فخذ مني حتى ترضى. ولعمرو بن العاص ترجمة طويلة في طبقات ابن سعد ثمان عشرة ورقة.
4 (عمرو بن معد يكرب)
) بن عبد الله بن عمرو بن عصم بن عمرو بن

(4/98)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 99
زبيد، أبو ثور الزبيدي. له وفادة على النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد اليرموك وأبلى بلاءً حسناً يوم القادسية، وكان فارساً بطلاً ضخماً عظيماً، أجش الصوت، إذا التفت التفت جميعاً، وهو أحد الشجعان المذكورين، وارتد عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رجع وحسن إسلامه. وقيل: كان يأكل أكل جماعة، أكل مرة عنزاً رباعياً وثلاثة أصوع ذرة. وقال جويرية بن أسماء: شهد صفين غير واحد أبناء خمسين ومائة سنة، منهم عمرو بن معد يكرب. توفي عمرو هذا في إمرة معاوية.
4 (عمير بن سعد، ت)
بن شهيد بن قيس الأنصاري الأوسي. صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان من زهاد الصحابة وفضلائهم.

(4/99)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 100
روى عنه: ابنه محمود، وكثير بن مرة، وأبو إدريس الخولاني، وراشد بن سعد، وغيرهم. وكان يقال له: نسيج وحده، واستعمله عمر على حمص. وهم ابن سعد فقال: إنه عمير بن سعد بن عبيد، وإنما هو ابن عم أبيه. وقال عبد الصمد بن سعيد: ولي حمص بعد سعيد بن عامر بن حذيم. وعن الزهري قال: فبقي على إمرة حمص حتى قتل عمر، ثم نزعه عثمان. وقال عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن عمير بن سعد قال: قال لي ابن عمر، ما كان في المسلمين رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من ابيك. وقال ابن سيرين: إن عمر من عجبه بعمير بن سعد كان يسميه: نسيج وحده. أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، أنبأ أحمد بن عبد الواحد البخاري سنة اثنتين وعشرين وستمائة، أنبأ أبو الكرم علي بن عبد الكريم بهمذان، أنبأ أبو غالب أحمد بن محمد المقري سنة ست وخمسمائة، أنبأ عبد الرحمن بن محمد بن شبابة، ثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن الحسن بن عبيد الأسدي، ثنا إبراهيم بن الحسين بن ديزيل، أنبأ عبد الله بن صالح كاتب الليث، ثنا سعيد بن عبد العزيز أنه بلغه أن الحسن بن أبي الحسن قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث عمير بن سعد أميراً على حمص، فأقام بها حولاً، فأرسل إليه عمر وكتب إليه: بسم الله) الرحمن الرحيم. من عمر بن الخطاب إلى عمير بن سعد، السلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا

(4/100)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 101
شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وقد كنا قد وليناك شيئاً من أمر المسلمين، فلا أدري ما صنعت، أوفيت بعهدنا، أم خنتنا، فإذا أتاك كتابي هذا إن شاء الله تعالى فاحمل إلينا ما قبلك من فيء المسلمين، ثم أقبل، والسلام عليك. قال: فأقبل عمير ماشياً من حمص، وبيده عكازه، وإداوة، وقصعة، وجراب، شاحباً، كثير الشعر، فلما قدم على عمر قال له: يا عمير، ما هذا الذي أرى من سوء حالك، أكانت البلاد بلاد سوء، أم هذه منك خديعة. قال عمير: يا عمر بن الخطاب ألم ينهك الله عن التجسس وسوء الظن ألست تراني ظاهر الدم، صحيح البدن ومعي الدنيا بقرابها قال عمر: ما معك من الدنيا قال: مزودي أجعل فيه طعامي، وقصعة آكل فيها، ومعي عكازتي هذه أتوكأ عليها وأجاهد بها عدواً إن لقيته، وأقتل بها حية إن لقيتها. فما بقي من الدنيا قال: صدقت، فأخبرني ما حال من خلفت من المسلمين قال: يصلون ويوحدون، وقد نهى الله أن نسأل عما وراء ذلك. قال: ما صنع أهل العهد قال عمير: أخذنا منهم الجزية عن يد وهم صاغرون. قال: فما صنعت بما أخذت منهم قال: وما أنت وذاك يا عمر أرسلتني أميناً، فنظرت لنفسي، وايم الله لولا أني أكره أن أغمك لم أحدثك يا أمير المؤمنين، قدمت بلاد الشام، فدعوت المسلمين، وأمرتهم بما حق لهم علي فيما افترض الله تعالى عليهم، ودعوت أهل العهد، فجعلت عليهم من يجيبهم، فأخذناه منهم، ثم رددناه على فقرائهم ومجهوديهم، ولم ينلك من ذلك شيء، فلو نالك بلغناك إياه. قال عمر: سبحان الله، ما كان فيهم رجل يتبرع عليك بخير ويحملك على دابة، جئت تمشي، بئس المعاهدون فارقت، وبئس المسلمون، أما والله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: لتوطأن حرمهم وليجارن عليهم

(4/101)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 102
في حكمهم، وليستأثرن عليهم بفيئهم، وليلينهم رجال إن تكلموا قتلوهم، وإن سكتوا اجتاحوهم. فقال عمير: ما لك يا عمر تفرج بسفك دمائهم وانتهاك محارمهم. قال عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطن الله عز وجل عليكم شراركم، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم. ثم إن عمر قال: هاتوا صحيفة لنجدد لعمير عهداً، قال عمير: والله لا أعمل لك، اتق الله يا أمير المؤمنين واعفني بغيري. وذكر حديثاً طويلاً منكراً. وروي نحوه، عن هارون بن عنترة، عن أبيه.) قال المفضل الغلابي: زهاد الأنصار ثلاثة: أبو الدرداء، وشداد بن أوس، وعمير بن سعيد، رضي الله عنهم.
4 (عنبسة بن أبي سفيان، م)
بن حرب بن أمية الأموي، أبو عامر، ويقال أبو عثمان، ويقال أبو الوليد. روى عن أخته أم المؤمنين أم حبيبة. وعنه: مكحول، وعمرو بن أوس، وشهر بن حوشب، وأبو صالح

(4/102)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 103
السمان، والقاسم أبو عبد الرحمن، وعطاء بن أبي رباح. ولعله بقي إلى بعد هذا الزمان، لكنه حج بالناس في سنة سبع وأربعين.

(4/103)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 104
4 (القاف)

4 (قيس بن عاصم، د ت ن)
بن سنان التميمي السعدي المنقري.

(4/104)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 105
قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد بني تميم، فأسلم، وكان عاقلاً حليماً كريماً جواداً شريفاً. قال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا سيد أهل الوبر. ويروى أن الأحنف بن قيس قيل له: ممن تعلمت الحلم قال: من قيس بن عاصم. ويقال: إن قيساً كان ممن حرم على نفسه في الجاهلية شرب الخمر. روى عنه: الأحنف، والحسن البصري، وشعبة بن التوأم، وابنه حكيم بن قيس، وحفيده خليفة بن حصين. يكنى أبا علي، ويقال: كنيته أبو طلحة، وقيل: أبو قبيصة. نزل البصرة، وتوفي عن اثنين وثلاثين ذكراً من أولاده وأولادهم. حديثه في السنن.

(4/105)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 106
4 (الكاف)

4 (كعب بن مالك، ع بن عمرو بن القين الأنصاري)
الخزرجي

(4/106)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 107
السلمي، أبو عبد الله، ويقال: أبو عبد الرحمن. شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم، شهد العقبة وأحداً، وحديثه في تخلفه عن غزوة تبوك في الصحيحين.) روى عنه: بنوه عبد الرحمن، وعبد الله، وعبيد الله، ومحمد، وابن عباس، وعمر بن الحكم، وعمر بن كثير بن أفلح، وحفيده عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب. ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين طلحة وكعب بن مالك، وقيل بل آخى بين كعب والزبير بن العوام. قاله عروة. وفي مغازي الواقدي: إن كعباً قاتل يوم أحد قتالاً شديداً، حتى جرح سبعة عشر جرحاً. وقال ابن سيرين: كان شعراء الصحابة: عبد الله بن رواحة، وحسان بن ثابت، وكعب بن مالك. وقال عبد الرحمن بن كعب، عن أبيه، أنه قال: يا رسول الله، قد أنزل الله في الشعراء ما أنزل، قال: إن المجاهد يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده ترمونهم به نضح النبل.

(4/107)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 108
قال ابن سيرين: أما كعب فكان يذكر الحرب ويقول: فعلنا ونفعل ويهددهم. وأما حسان فكان يذكر عيوبهم وأيامهم. وأما ابن رواحة فكان يعيرهم بالكفر. وقد أسلمت دوس فرقاً من بيت قاله كعب:
(نخيرها ولو نطقت لقالت .......... قواطعهن دوساً أو ثقيفاً)
وعن ابن المنكدر، عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن مالك: ما نسي ربك وما كان نسياً بيتاً قلته. قال: ما هو قال: أنشده يا أبا بكر، فقال:
(زعمت سخينةً أن ستغلب ربها .......... وليغلبن مغالب الغلاب)
عن الهيثم والمدائني أن كعباً مات سنة أربعين،. وروى الواقدي: أنه مات سنة خمسين. وعن الهيثم بن عدي أيضاً: أنه توفي سنة إحدى وخمسين.

(4/108)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 109
4 (اللام)

4 (لبيد بن ربيعة، بن مالك)
أبو عقيل الهوازني العامري.

(4/109)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 110
الشاعر المشهور، الذي له:
(ألا كل شيء ما خلا الله باطل .......... وكل نعيم لا محالة زائل)
وفد على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم وحسن إسلامه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: أصدق كلمة قالها شاعر، كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل) يقال: إن لبيداً عاش مائة وخمسين سنة، وقيل: إنه لم يقل شعراً بعد إسلامه، وقال: أبدلني الله به القرآن.

(4/110)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 111
ويقال: قال بيتاً واحداً وهو:
(ما عاتب المرء الكريم كنفسه .......... والمرء يصلحه القرين الصالح)
وكان أحد أشراف قومه، نزل الكوفة، وكان لا تهب الصبا إلا نحر وأطعم. وكان قد اعتزل الفتن. وقيل: إنه لم يبق إلى هذا الوقت، بل توفي في إمرة عثمان. وقيل مات يوم دخل معاوية الكوفة. وقال ابن أبي الزناد: عن هشام عن أبيه، عن عائشة قالت: رويت للبيد اثني عشر ألف بيت من الشعر. وللبيد:
(ولقد سئمت من الحياة وطولها .......... وسؤال هذا الناس كيف لبيد)

(4/111)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 112
4 (الميم)

4 (محمد بن مسلمة ع)
بن سلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة.

(4/112)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 113
ويقال محمد بن مسلمة بن سلمة بن حريش الأشهلي الأنصاري، أبو عبد الله، ويقال: أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو سعيد. شهد بدراً والمشاهد بعدها، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلفه على المدينة مرة. وكان رجلاً طويلاً، معتدلاً، أسمر، أصلع، عاش سبعاً وسبعين سنة، وهو حارثي من حلفاء بني عبد الأشهل. روى عنه: ابنه محمود، وسهل بن أبي حثمة، وقبيصة بن ذؤيب، وعروة بن الزبير، وأبو بردة بن أبي موسى، وآخرون. وكان على مقدمة عمر في قدومه إلى الجابية. وقال ابن سعد: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي عبيدة، واستخلفه في غزوة تبوك على المدينة. قلت: وكان ممن اعتزل الفتنة. قال علي بن زيد، عن أبي بردة، مررنا بالربذة فإذا فسطاط محمد بن مسلمة، فقلت: لو خرجت إلى الناس فأمرت ونهيت، فقال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ستكون فرقة وفتنة) واختلاف، فاكسر سيفك واقطع وترك واجلس في بيتك، ففعلت ما أمرني به. وقال أبو بردة، عن رجل قال: قال حذيفة إني لأعرف رجلاً لا تضره الفتنة، فإذا فسطاط مضروب لما أتينا المدينة، وإذا محمد بن مسلمة، فسألناه

(4/113)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 114
فقال: لا يشتمل على شيء من أمصاركم حتى ينجلي الأمر. وقال عبابة بن رفاعة: كان محمد بن مسلمة أسود طويلاً عظيماً. وقال ابن عيينة: عن موسى بن أبي عيسى قال: أتى عمر بن الخطاب مشربة بني حارثة، فإذا محمد بن مسلمة، فقال له عمر: كيف تراني قال: أراك كما أحب، وكما يجب لك الخير، أراك قوياً على جمع المال، عفيفاً عنه، عدلاً في قسمته، ولو ملت عدلناك كما يعدل السهم في الثقاف. فقال: الحمد لله الذي جعلني في قوم إذا ملت عدلوني. وعن جابر قال: بعثنا عثمان في خمسين راكباً، أميرنا محمد بن مسلمة نكلم الذين جاءوا من مصر في فتنة، فاستقبلنا رجل منهم، وفي يده مصحف، متقلداً سيفاً تذرف عيناه، فقال: ها إن هذا يأمرنا أن نضرب بهذا على ما في هذا، فقال محمد بن مسلمة: اسكت، فنحن ضربنا بهذا على ما في هذا قبلك، وقبل أن تولد. وعن زيد بن أسلم، أن محمد بن مسلمة قال: أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفاً فقال: جاهد في سبيل الله، حتى إذا رأيت من المسلمين فئتين يقتتلان، فاضرب به الحجر حتى تكسره، ثم كف لسانك ويدك حتى تأتيك منية قاضية، أو يد خاطئة. فلما قتل عثمان خرج إلى صخرة، فضربها بسيفه حتى كسره.

(4/114)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 115
وقال إسحاق بن أبي فروة: كان محمد يقال له حارس نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلما كسر سيفه اتخذ سيفاً من خشب، وصيره في الجفن في داره وقال: علقته أهيب به ذاعراً. وقال محمد بن مصفى: حدثنا يحيى بن سعيد، عن موسى بن وردان، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله قال: قدم معاوية ومعه أهل الشام، يعني إن شاء الله إلى المدينة، فبلغ رجلاً شقياً من أهل الأردن جلوس محمد بن مسلمة عن علي أو معاوية، فاقتحم عليه المنزل فقتله. وقال يحيى بن بكير، وإبراهيم بن المنذر، وابن نمير، وخليفة: توفي سنة ثلاث وأربعين في صفر، رضي الله عنه، ومن قال سنة ست فقد غلط.
4 (مدلاج بن عمرو، حليف بني عبد شمس)
) شهد بدراً، وتوفي سنة خمسين. وبعضهم يقول: مدلج بن عمرو، حليف لبني غنم بن ذودان، والله أعلم.
4 (المستورد بن شداد، القرشي الفهري.)

(4/115)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 116
يقال: توفي سنة خمسين، سيأتي، وهو صحابي مشهور. روى عنه: قيس بن أبي حازم، وغيره.
4 (معقل بن قيس، الرياحي.)
توفي سنة اثنتين وأربعين. لا أعرفه، وليست له صحبة.
4 (معقل بن أبي الهيثم،)
ويقال معقل بن أبي معقل، ويقال معقل بن أم معقل، الأسدي، حليف لهم. له صحبة، حديثه في فضل العمرة في رمضان، وفي النهي عن

(4/116)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 117
التغوط إلى القبلة. عداده في أهل المدينة. روى عنه: مولاه أبو زيد، وأم معقل، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وتوفي في أيام معاوية.
4 (المغيرة بن شعبة، ع)
ابن أبي عامر بن مسعود بن معتب الثقفي، أبو عيسى، ويقال أبو عبد الله، ويقال أبو محمد.

(4/117)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 118
صحابي مشهور، وكان رجلاً طوالاً، ذهبت عينه يوم اليرموك، وقيل يوم القادسية. وروى المغيرة بن الريان، عن الزهري قال: قالت عائشة: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام المغيرة بن شعبة ينظر إليها، فذهبت عينه. وقال ابن سعد: كان المغيرة أصهب الشعر جداً، يفرق رأسه فروقاً أربعة، أقلص الشفتين، مهتوماً، ضخم الهامة، عبل الذراعين، بعيد ما بين المنكبين. قال: وكان داهية، يقال له: مغيرة الرأي. وعن الشعبي: أن المغيرة سار من دمشق إلى الكوفة خمساً. وقال الواقدي: حدثني محمد بن سعيد الثقفي وجماعة قالوا: قال

(4/118)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 119
المغيرة: كنا قوماً متمسكين بديننا، ونحن سدنة اللات، فأراني لو رأيت قومنا قد أسلموا ما تبعتهم، فأجمع نفر من بني مالك الوفود على المقوقس، وإهداء هدايا له، فأجمعت الخروج معهم، فاستشرت عمي عروة بن مسعود، فنهاني وقال: ليس معك من بني أبيك أحد، فأبيت وخرجت معهم، وما معهم من) الأحلاف غيري، حتى دخلنا الإسكندرية، فإذا المقوقس في مجلس مطل على البحر، فركبت زورقاً حتى حاذيت مجلسه، فنظر إلي فأنكرني، وأمر من يسألني، فأخبرته بأمرنا وقدومنا، فأمر أن ننزل في الكنيسة، وأجرى علينا ضيافة، ثم أدخلنا عليه، فنظر إلى رأس بني مالك، فأدناه وأجلسه معه، ثم سأله عن القوم: أكلهم من بني مالك قال: نعم، إلا هذا، قال: فكنت أهون القوم عليه، وسر بهداياهم، وأعطاهم الجوائز، وأعطاني شيئاً يسيراً، وخرجنا، فأقبلت بنو مالك يشترون هدايا لأهلهم وهم مسرورون، ولم يعرض علي رجل منهم مواساةً، وخرجوا وحملوا معهم الخمر، فكانوا يشربون وأشرب معهم وتأبى نفسي أن تدعني ينصرفون إلى الطائف بما أصابوا، ويخبرون قومي بكرامتهم على الملك، وتقصيره بي وازدرائه إياي، فأجمعت على قتلهم، فتمارضت وعصبت رأسي، فوضعوا شرابهم، فقلت: رأسي يصدع، ولكني أجلس وأسقيكم، فجعلت أصرف لهم، يعني لا أمزج، وأنزع الكأس، فيشربون ولا يدرون، حتى ناموا سكراً، ما يعقلون، فوثبت وقتلتهم جميعاً، وأخذت ما معهم، فقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم، فأجده جالساً في المسجد، وعلي ثياب سفري، فسلمت بسلام الإسلام، فعرفني أبو بكر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي هداك للإسلام، فقال أبو بكر: أمن مصر أقبلتم قلت: نعم، قال: فما فعل المالكيون قلت: قتلتهم وجئت بأسلابهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخمسها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إسلامك فنقبله، وأما أموالهم فلا آخذ منها شيئاً، هذا

(4/119)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 120
غدر، ولا خير في الغدر، قال: فأخذني ما قرب وما بعد، وقلت: يا رسول الله إنما قتلتهم وأنا على دين قومي، ثم أسلمت حيث دخلت عليك الساعة، قال: فإن الإسلام يجب ما قبله. قال: وكان قد قتل ثلاثة عشر نفساً، فبلغ ذلك أهل الطائف، فتداعوا للقتال، ثم اصطلحوا، على أن تحمل عروة بن مسعود ثلاث عشرة دية. قال المغيرة: وأقمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كانت الحديبية سنة ست، فخرجت معه، وكنت أكون مع أبي بكر، وألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن يلزمه، فبعثت قريش عروة بن مسعود في الصلح، فأتاه فكلمه، وجعل يمس لحيته، وأنا قائم على رأسه مقنع في الحديد، فقلت لعروة: كف يدك قبل أن لا تصل إليك، فقال: من هذا يا محمد، فما أفظه وأغلظه فقال: هذا ابن أخيك المغيرة، فقال: يا عدو الله ما غسلت عني سوءتك إلا بالأمس.) روى عنه: بنوه عروة، وحمزة، وعفار، والمسور بن مخرمة، وأبو أمامة، وقيس بن أبي حازم، ومسروق، وأبو وائل، والشعبي، وعروة بن الزبير، وزياد بن علاقة، وغيرهم. وروى الشعبي، عن المغيرة قال: أنا آخر الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم، لما دفن خرج علي من القبر، فألقيت خاتمي وقلت: يا أبا حسن خاتمي،

(4/120)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 121
قال: انزل فخذه، قال: فنزلت فمسحت يدي على الكفن، ثم خرجت. وقال زيد بن أسلم، عن أبيه، أن عمر استعمل المغيرة بن شعبة على البحرين، فأبغضوه، فعزله، فخافوا أن يرده، فقال دهقانهم: إن فعلتم ما آمركم لم يرده علينا، قالوا: مرنا، قال: تجمعون مائة ألف درهم، فأذهب بها إلى عمر فأقول: هذا اختان هذا المال فدفعه إلي، فجمعوا له مائة ألف وأتى بها عمر، فدعا المغيرة فقال: ما هذا قال: كذب، أصلحك الله إنما كانت مائتي ألف، قال: ما حملك على ذلك قال: العيال والحاجة، فقال عمر للدهقان: ما تقول قال: لا والله لأصدقنك: والله ما دفع إلي شيئاً، وقص له أمره. قد ذكرنا أن المغيرة ولي البصرة وغيرها لعمر، وكان ممن قعد عن علي ومعاوية. وقال ابن أبي عروة، عن قتادة: إن أبا بكرة، وشبل بن معبد، وزياداً، ونافع بن عبد الحارث شهدوا على المغيرة، سوى زياد، أنهم رأوه يولجه ويخرجه، يعني يزني بامرأة، فقال عمر: وأشار إلى زياد: إني أرى غلاماً لسناً لا يقول إلا حقاً، ولم يكن ليكتمني شيئاً، فقال زياد: لم أر ما قال هؤلاء، ولكني قد رأيت ريبة وسمعت نفساً عالياً، قال: فجلد عمر الثلاثة. وعن ابن سيرين قال: كان يقول الرجل للرجل: غضب عليك الله كما غضب عمر على المغيرة، عزله عن البصرة فولاه الكوفة.

(4/121)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 122
قلت: وقد غزا المغيرة بالجيوش غير مرة في إمرته، وحج بالناس سنة أربعين. وقال جرير، عن مغيرة قال: قال المغيرة بن شعبة لعلي: ابعث إلى معاوية عهده، ثم بعد ذلك اخلعه، فلم يفعل فاعتزله المغيرة بالطائف، فلما اشتغل علي ومعاوية، فلم يبعثوا إلى الموسم أحداً، جاء المغيرة فصلى بالناس ودعا لمعاوية. قال الليث بن سعد: حج سنة أربعين، لأنه كان منعزلاً بالطائف، فافتعل كتاباً عام الجماعة بإمرة الموسم، فقدم الحج يوماً خشية أن يجيء أمير، فتخلف عنه ابن عمر، وصار معظم الناس مع ابن عمر.) قال الليث: قال نافع: لقد رأيتنا ونحن غادون من منى، واستقبلونا مفيضين من جمع، فأقمنا بعدهم ليلة. وقال الزهري: دعا معاوية عمرو بن العاص، وهما بالكوفة، فقال: يا أبا عبد الله أعني على الكوفة، قال: فكيف بمصر قال: استعمل عليها ابنك عبد الله، قال: فنعم إذن، فبينا هم على ذلك طوقهم المغيرة بن شعبة، وكان معتزلاً بالطائف، فناجاه معاوية، فقال المغيرة له: تؤمر عمراً على الكوفة وابنه على مصر، وتكون كقاعدة بين لحيي الأسد قال: فما ترى قال: أنا أكفيك الكوفة، قال: فافعل، فقال معاوية لعمرو حين أصبح: يا أبا عبد الله إني قد رأيت أن أفعل بك ونستوحش إليك، ففهمها عمرو فقال: ألا أدلك على أمير الكوفة قال: بلى، قال: المغيرة بن شعبة، واستعن برأيه وقوته على المكيدة، واعزل عنه المال، كان من قبلك عمر وعثمان قد فعلا ذلك، قال: نعم ما رأيت، فدخل عليه المغيرة فقال: إني كنت أمرتك على الجند

(4/122)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 123
والأرض، ثم ذكرت سنة عمر وعثمان قبلي، قال: قد قبلت، فلما خرج قال: قد عزلت الأرض عن صاحبكم. وقال عبد الله بن شوذب: إن المغيرة أحصن أربعة من بنات أبي سفيان بن حرب. وعن الشعبي قال: دهاة العرب: معاوية، والمغيرة، وعمرو بن العاص، وزياد. وقال المغيرة: تزوجت سبعين امرأة. وقال مالك: كان المغيرة بن شعبة نكاحاً للنساء، ويقول: صاحب المرأة إن مرضت مرض، وإن حاضت حاض، وصاحب المرأتين بين نارين تشتعلان، وكان ينكح أربعاً، ثم يطلقهن جميعاً. وقال ابن المبارك: كان تحت المغيرة أربع نسوة، فصفهن بين يديه وقال: أنتن حسان الأخلاق، طويلات الأعناق، ولكني رجل مطلاق، فأنتن الطلاق. المحاربي: حدثني عبد الملك بن عمير قال: رأيت المغيرة بن شعبة يخطب في العيد على بعير، ورأيته يخضب بالصفرة. محمد بن معاوية النيسابوري: ثنا داود بن خلد، عن عباس بن عبد الله بن معبد بن عباس قال: أول من خضب بالسواد المغيرة بن شعبة.

(4/123)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 124
أبو عوانة، ومسعر، عن زياد بن علاقة: سمعت جرير بن عبد الله حين مات المغيرة يقول:) استغفروا لأميركم، فإنه كان يحب العافية. وقال عبد الملك بن عمير: رأيت زياداً واقفاً على قبر المغيرة، وهو يقول:
(إن تحت الأحجار حزماً وعزماً .......... وخصيماً ألد ذا معلاق)

(حية في الوجار أربد لا ين .......... فع منه السليم نفثة راق)
قالوا: توفي المغيرة بالكوفة أميراً عليها سنة خمسين، زاد بعضهم: في شعبان.
4 (المغيرة بن نوفل، بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي)
ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة أو بعدها، كنيته أبو يحيى. تزوج بعد مقتل علي رضي الله عنه بأمامة بنت أبي العاص بن الربيع. فأولدها يحيى، وكان قد ولي القضاء في خلافة عثمان، وشهد صفين مع علي. وكان شديد القوة، وهو الذي ألقى على عبد الرحمن بن ملجم بساطاً

(4/124)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 125
لما رآه يحمل على الناس، ثم احتمله وضرب به الأرض، وأخذ منه السيف. له حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه أولاده عنه. وذكره أبو نعيم في الصحابة.

(4/125)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 126
4 (النون)

4 (ناجية بن جندب بن كعب الأسلمي.)
صاحب بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم، له رواية أحاديث يسيرة، وشهد الحديبية. روى عنه عروة بن الزبير، وغيره، وبقي إلى زمن معاوية، ويقال إنه خزاعي، وليس بشيء.
4 (نعيمان بن عمرو، بن رفاعة الأنصاري)
من بني مالك بن النجار.

(4/126)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 127
هو صاحب الحكايات الظريفة والمزاح، شهد بدراً. يقال: إنه توفي زمن معاوية. اسمه النعمان.
4 (نعيم بن همار)
ويقال بن هبار، وقيل في أبيه غير ذلك، الغطفاني. شامي له صحبة ورواية. روى عنه: كثير بن مرة، وأبو إدريس الخولاني، وقيس الحذامي، وقد روى عنه عقبة بن عامر، فلهذا وهم بعضهم وقال: هو تابعي.
4 (النواس بن سمعان، م الكلابي العامري.)
) سكن الشام، له صحبة ورواية. روى عنه: جبير بن نفير، وأبو إدريس الخولاني، وجماعة.

(4/127)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 128
4 (الواو)

4 (وائل بن حجر، م بن سعد،)
هنيدة الحضرمي. له صحبة ورواية، وكان سيد قومه، وفد على معاوية لما دخل الكوفة. روى عنه: ابناه علقمة، وعبد الجبار، ووائل بن علقمة، وكليب بن شهاب، وآخرون. وقيل إنه كان على راية حضرموت بصفين مع علي. وروى سماك بن حرب، عن علقمة بن وائل، عن أبيه، أنه وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقطعه أرضاً، وأرسل معه معاوية بن أبي سفيان ليعرفه بها.

(4/128)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 129
قال: فقال لي معاوية: أردفني خلفك، فقلت: إنك لا تكون من أرداف الملوك، قال: أعطني نعلك، فقلت: انتعل ظل الناقة. فلما استخلف أتيته، فأقعدني معه على السرير فذكرني الحديث، فقلت في نفسي: ليتني كنت حملته بين يدي.
4 (وحشي بن حرب، خ د ق الحبشي العبد،)
مولى جبير بن مطعم، وقيل مولى ابنه الحارث بن نوفل. هو قاتل حمزة، وقاتل مسيلمة الكذاب. لما أسلم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل تستطيع أن تغيب وجهك عني. روى عنه: ابنه حرب، وعبيد الله بن عدي بن الخيار، وجعفر بن عمرو بن أمية. وسكن حمص.

(4/129)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 130
4 (الكنى)

4 (أبو الأعور السلمي، اسمه عمرو بن سفيان،)
وقيل: عمرو بن عبد الله بن سفيان، ويقال غير ذلك. له صحبة، وكان يوم اليرموك أميراً على كردوس، وكان أمير الميسرة يوم صفين مع معاوية. روى عنه: قيس بن أبي حازم، وأبو عبد الرحمن السلمي، وعمرو البكالي. وقال الوليد بن مسلم: ثنا عثمان بن حصن، عن يزيد، عن عبيدة قال: غزا أبو الأعور السلمي قبرس ثانياً سنة سبع وعشرين.

(4/130)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 131
وعن سنان بن مالك أنه قال لأبي الأعور: إن الأشتر يدعوك إلى مبارزته، فسكت طويلاً ثم) قال: إن الأشتر، خفته وسوء رأيه، حملاه على إجلاء عمال عثمان من العراق، ثم سار إلى عثمان، فأعان على قتله، لا حاجة لي بمبارزته. توفي أبو الأعور في خلافة معاوية لأني وجدت جرير بن عثمان روى عن عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي قال: لما بايع الحسن معاوية قال له عمرو بن العاص وأبو الأعور عمرو بن سفيان السلمي: لو أمرت الحسن فتكلم على الناس على المنبر عيى عن المنطق، فيزهد فيه الناس، فقال معاوية: لا تفعلوا، فوالله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمص لسانه وشفته، فأبوا على معاوية. وذكر الحديث، تقدم.
4 (أبو بردة بن نيار، ع بن عمرو بن عبيد.)
اسمه هانئ حليف الأنصار، وهو بدري شهد بدراً والمشاهد بعدها.

(4/131)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 132
روى عنه: ابن أخته البراء بن عازب، وجابر بن عبد الله، وبشير بن يسار، وغيرهم. توفي سنة بعد اثنتين وأربعين.
4 (أم حبيبة أم المؤمنين)
بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية الأموية، اسمها رملة. روى عنها: أخواها معاوية، وعنبسة، وابن أخيها عبد الله بن عتبة، وعروة، وأبو صالح السمان، وصفية بنت شيبة، وجماعة.

(4/132)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 133
وقد تزوجها أولاً عبيد الله بن جحش بن رباب الأسدي، حليف بني عبد شمس، فولدت منه حبيبة بأرض الحبشة في الهجرة، ثم توفي عبيد الله وقد تنصر بالحبشة، فكاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي، فزوجها بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأصدق عنه أربعمائة دينار في سنة ست، وكان الذي ولي عقد النكاح خالد بن سعيد بن العاص بن أمية، ودخل بها النبي صلى الله عليه وسلم سنة سبع، وعمرها يومئذ بضع وثلاثون سنة. قال عروة، عن أم حبيبة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بالحبشة، زوجها إياه النجاشي، ومهرها أربعة آلاف درهم من عنده، وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجهازها كله من عند النجاشي. وقال حسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت قال: نزلت في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة.) قال الواقدي والفسوي وأبو القاسم: توفيت أم حبيبة سنة أربع وأربعين. وقال المفضل الغلابي: توفيت سن اثنتين وأربعين.

(4/133)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 134
ووهم من قال: توفيت قبل معاوية بسنة، إنما تلك أم سلمة. توفيت أم حبيبة رضي الله عنها بالمدينة على الصحيح، وقيل توفيت بدمشق، وكانت قد أتتها تزور اخاها.
4 (أبو حثمة، والد سهل بن أبي حثمة الأنصاري)
الحارثي، اسمه عامر بن ساعدة. شهد الخندق وما بعدها، وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر خارصاً إلى خيبر غير مرة. توفي في أول خلافة معاوية.
4 (أبو رفاعة، م ن العدوي.)
له صحبة ورواية، عداده في البصريين. روى عنه: حميد بن هلال، ومحمد بن سيرين، وصلة بن أشيم، وغيرهم.

(4/134)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 135
قال خليفة: وهو من فضلاء الصحابة، اسمه عبد الله بن الحارث بن أسد، من بني عدي الرباب، وقيل اسمه تميم بن أسيد، أخباره في الطبقات، علقتها في منتقى الاستيعاب. وكان صاحب ليل وعبادة وغزو، استشهد في سرية عليهم عبد الرحمن بن سمرة، تهجد فنام على الطريق فذبح غيلة.
4 (أبو الغادية الجهني، وجهينة قبيلة من قضاعة،)
اسمه يسار بن أزهر وقيل ابن سبع المزني، وقيل اسمه مسلم. وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعه. وروى عنه: ابنه سعد، وكلثوم بن جبر، وخالد بن معدان، والقاسم أبو عبد الرحمن، وغيرهم. وقال ابن عبد البر: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام. وقال الدار قطني وغيره: هو قاتل عمار بن ياسر يوم صفين. وقال حماد بن سلمة: ثنا كلثوم بن جبر، عن أبي الغادية قال: سمعت عمار بن ياسر يشتم عثمان، فتوعدته بالقتل، فلما كان يوم صفين طعنته، فوقع، فقتلته.

(4/135)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 136
4 (أم كلثوم، بنت أبي بكر الصديق.)
تزوجها طلحة بن عبيد الله، وهي أم عائشة بنت طلحة. مولدها بعد موت أبي بكر، وتزوجت) بعد طلحة برجل مخزومي، وهو عبد الرحمن ولد عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة، فولدت له أربعة أولاد.
4 (أم كلثوم، بنت عقبة بن أبي معيط.)
لها حديث في الصحيحين. وهي أخت عثمان رضي الله عنه لأمه، من المهاجرات الأول. لها ترجمة أيضاً في الطبقات لابن سعد.

(4/136)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 137
4 (أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب الهاشمية.)
ولدت في حياة جدها صلى الله عليه وسلم، وتزوجها عمر وهي صغيرة، قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي. فروى عبد الله بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده أن عمر تزوجها على أربعين ألف درهم. وعبد الله ضعيف الحديث. قال الزهري وغيره: ولدت له زيداً. وقال ابن إسحاق: توفي عنها عمر، فتزوجت بعون بن جعفر بن أبي

(4/137)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 138
طالب، فحدثني أبي قال: دخل الحسن والحسين عليها لما مات عمر فقالا: إن مكنت أباك من ذمتك أنكحك بعض أيتامه، ولئن أردت أن تصيبي بنفسك مالاً عظيماً لتصيبنه، فلم يزل بها علي رضي الله عنه حتى زوجها بعون فأحبته، ثم مات عنها. قال ابن إسحاق: فزوجها أبوها بمحمد بن جعفر، فمات عنها، ثم زوجها بعبد الله بن جعفر، فماتت عنده. قلت: ولم يجئها ولد من الإخوة الثلاثة. وقال الزهري: ولدت جاريةً من محمد بن جعفر اسمها نبتة. وقال غيره: ولدت لعمر زيداً ورقية، وقد انقرضا. وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي قال: جئت وقد صلى عبد الله بن عمر على أخيه زيد بن عمر، وأمه أم كلثوم بنت علي. وقال حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، إن أم كلثوم وزيد بن عمر ماتا فكفنا، وصلى عليهما سعيد بن العاص، يعني إذ كان أمير المدينة. قال ابن عبد البر: إن عمر قال لعلي: زوجنيها أبا حسن، فإني أرصد من كرامتها ما لا يرصده أحد، قال: فأنا أبعثها إليك، فإن رضيتها فقد زوجتكها، يعتل بصغرها، قال: فبعثها إليه ببردة) وقال لها: قولي له: هذا البرد الذي قلت لك، فقالت له ذلك، فقال: قولي له: قد رضيت، رضي الله عنك، ووضع يده على ساقها فكشفها، فقالت: أتفعل هذا، لولا أنك أمير

(4/138)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 139
المؤمنين لكسرت أنفك، ثم مضت إلى أبيها فأخبرته وقالت: بعثتني إلى شيخ سوء، قال: يا بنية إنه زوجك. روى نحواً من هذا سفيان بن عيينة، عن عمر بن دينار، عن محمد بن علي.
4 (أبو موسى الأشعري)
هو عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار اليماني، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(4/139)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 140
قدم عليه مسلماً سنة سبع، مع أصحاب السفينتين من الحبشة، وكان قدم مكة، فحالف بها أبا أحيحة سعيد بن العاص، ثم رجع إلى بلاده، ثم خرج منها في خمسين من قومه قد أسلموا، فألقتهم سفينتهم والرياح إلى أرض الحبشة، فأقاموا عند جعفر بن أبي طالب، ثم قدموا معه. استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا موسى على زبيد وعدن، ثم ولي الكوفة والبصرة لعمر. وحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم الكثير، وعن أبي بكر، وعمر، ومعاذ، وأبي بن كعب، وكان من أجلاء الصحابة وفضلائهم. روى عنه: أنس، وربعي بن حراش، وسعيد بن المسيب، وزهدم الجرمي، وخلق كثير، وبنوه أبو بكر، وأبو بردة، وإبراهيم، وموسى. وفتحت أصبهان على يده وتستر وغير ذلك، ولم يكن في الصحابة أطيب صوتاً منه.

(4/140)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 141
قال سعيد بن عبد العزيز: حدثني أبو يوسف صاحب معاوية، أن أبا موسى قدم على معاوية، فنزل في بعض الدور بدمشق، فخرج معاوية من الليل يتسمع قراءته. وقال الهيثم بن عدي: أسلم أبو موسى بمكة، وهاجر إلى الحبشة. وقال عبد الله بن بريدة كان أبو موسى قصيراً أثط خفيف الجسم ولم يذكره ابن اسحق فيمن هاجر إلى الحبشة وقال أبو بردة، عن أبي موسى قال: قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم لما قدمنا حين افتتحت خيبر: لكم الهجرة مرتين، هاجرتم إلى النجاشي، وهاجرتم إلي. وقال يحيى بن أيوب، عن حميد، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقدم عليكم غداً قوم أرق قلوباً للإسلام منكم، قال: فقدم الأشعريون، فيهم أبو موسى، فلما دنوا من المدينة جعلوا يرتجزون:)
(غداً نلقى الأحبه .......... محمداً وحزبه)
فلما أن قدموا تصافحوا، فكانوا أول من أحدث المصافحة. رواه أحمد في مسنده. وقال سماك بن حرب: ثنا عياض الأشعري، عن أبي موسى قال: لما

(4/141)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 142
نزل: فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هم قومك يا أبا موسى. صححه الحاكم. وعياض نزل الكوفة، مختلف في صحبته، بقي إلى بعد السبعين، رواه ثقات، عن شعبة بن سماك، عن عياض فقال، عن أبي موسى. وقال مالك بن مغول عن أبي بريدة، عن أبيه قال: خرجت ليلة من المسجد، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم عند باب المسجد قائم، وإذا رجل في المسجد يصلي، فقال لي: يا بريدة أتراه يرائي، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: بل هو مؤمن منيب، ثم قال: لقد أعطي هذا مزماراً من مزامير داود، فأتيته فإذا هو أبو موسى، فأخبرته. وفي الصحيحين من حديث أبي بردة، عن أبي موسى، في قصة جيش أوطاس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وأدخله يوم القيامة مدخلاً كريماً. وقال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أوتي أبو موسى من مزامير آل داود.

(4/142)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 143
وقال ثابت، عن أنس قال: قرأ أبو موسى ليلة فقام أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يستمعن لقراءته، فلما أصبح أخبر بذلك، فقال: لو علمت لحبرته تحبيراً ولشوقت تشويقاً. وقال أبو البختري: سألنا علياً عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فسألناه عن أبي موسى فقال: صبغ في العلم صبغة ثم خرج منه. وقال الأعلم بن يزيد: لم أر بالكوفة أعلم من علي وأبي موسى. وقال مسروق: كان القضاء في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ستة: عمر، وعلي، وابن مسعود، وأبي، وزيد بن ثابت، وأبي موسى. وقال الشعبي: قضاة هذه الأمة أربعة: عمر، وعلي، وزيد بن ثابت، وأبو موسى. وقال الحسن: ما قدم البصرة راكب خير لأهلها من أبي موسى. وقال قتادة: بلغ أبا موسى أن ناساً يمنعهم من الجمعة أنه ليس لهم ثياب، قال: فخرج على) الناس في عباءة. وقال ابن شوذب: دخل أبو موسى البصرة على جمل أورق، وعليه خرج لما عزل.

(4/143)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 144
قلت: عزله عثمان عنها، وأمر عليها عبد الله بن عامر. وقال أبو بردة: سمعت أبي يقسم بالله أنه ما خرج حين نزع عن البصرة إلا بستمائة درهم. وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن: كان عمر ربما قال لأبي موسى: ذكرنا يا أبا موسى، فيقرأ. وقال أبو عثمان النهدي: ما سمعت مزماراً ولا طنبوراً ولا صنجاً أحسن من صوت أبي موسى، إن كان ليصلي بنا، فنود أنه قرأ البقرة من حسن صوته. رواه سليمان التيمي، عن أبي عثمان. وعن أبي بردة قال: كان أبو موسى لا تكاد تلقاه في يوم حار إلا صائماً.

(4/144)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 145
وقال زيد بن الحباب: ثنا صالح بن موسى الطلحي، عن أبيه قال: اجتهد الأشعري قبل موته اجتهاداً شديداً، فقيل له: لو رفقت بنفسك، قال: إن الخيل إذا أرسلت فقاربت رأس مجراها أخرجت جميع ما عندها، والذي بقي من أجلي أقل من ذلك، قال: فلم يزل على ذلك حتى مات. وقال أبو صالح بن السمان: قال علي رضي الله عنه في أمر الحكمين: يا أبا موسى أحكم ولو على حز عنقي. وقال زيد بن الحباب: ثنا سليمان بن المغيرة البكري، عن أبي بردة، عن أبي موسى، أن معاوية كتب إليه: سلام عليك، أما بعد، فإن عمرو بن العاص قد بايعني على ما أريد، وأقسم بالله لئن بايعتني على الذي بايعني عليه، لأستعملن أحد ابنيك على الكوفة والآخر على البصرة، ولا يغلق دونك باب، ولا تقضى دونك حاجة، وقد كتبت إليه بخط يدي، فاكتب إلي بخط يدك، قال: فقال لي: يا بني إنما تعلمت المعجم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتبت إليه كتاباً مثل العقارب، فكتب إليه: أما بعد، فإنك كتبت إلي في جسيم أمر أمة محمد، فماذا أقول لربي إذا قدمت عليه، ليس لي فيما عرضت من حاجة، والسلام عليك. قال أبو بردة: فلما ولي معاوية أتيته، فما أغلق دوني باباً، وقضى حوائجي. قال أبو نعيم، وابن نمير وأبو بكر بن أبي شيبة، وقعنب: توفي سنة أربع وأربعين.

(4/145)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 146
وقال الهيثم: توفي سنة اثنتين وأربعين، وحكاه ابن منده. وقال الواقدي: توفي سنة اثنتين وخمسين.) وقال المدائني: توفي سنة ثلاث وخمسين.

(4/146)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 147
5 (الطبقة السادسة)

1 (الحوادث من سنة إلى)

4 (حوادث سنة إحدى وخمسين)
توفي فيها: زيد بن ثابت في قول. وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. وجرير بن عبد الله البجلي بخلف. وعثمان بن أبي العاص الثقفي. وأبو أيوب الأنصاري. وكعب بن عجرة في قول. وميمونة أم المؤمنين. وعمرو بن الحمق في قول. وقتل حجر بن عدي وأصحابه، كما في ترجمته. ورافع بن عمر الغفاري، ويقال سنة ثلاث، وله خمس وسبعون سنة. وفيها حج بالناس معاوية وأخذهم ببيعة يزيد. قال أحمد بن أبي خيثمة: ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا القاسم بن

(4/147)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 148
الفضل، عن محمد بن زياد. قال: قدم زياد المدينة فخطبهم وقال: يا معشر أهل المدينة إن أمير المؤمنين حسن نظره لكم، وإنه جعل لكم مفزعاً تفزعون إليه، يزيد ابنه. فقام عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: يا معشر بني أمية اختاروا منها بين ثلاثة، بين سنة رسول الله، أو سنة أبي بكر، أو سنة عمر، إن هذا الأمر قد كان، وفي أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من لو ولاه ذلك، لكان لذلك أهلاً، ثم كان أبو بكر، فكان في أهل بيته من لو ولاه، لكان لذلك أهلاً، فولاها عمر فكان بعده، وقد كان في أهل بيت عمر من لو ولاه ذلك، لكان له أهلاً، فجعلها في نفر من المسلمين، ألا وإنما أردتم أن تجعلوها قيصرية، كلما مات قيصر كان قيصر، فغضب مروان بن الحكم، وقال لعبد الرحمن: هذا الذي أنزل الله فيه: والذي قال لوالديه أف لكما فقالت عائشة: كذبت، إنما أنزل ذلك في فلان، وأشهد أن الله لعن أباك على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وأنت في صلبه.) وقال سالم بن عبد الله: لما أرادوا أن يبايعوا ليزيد قام مروان فقال: سنة أبي بكر الراشدة المهدية، فقام عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: ليس بسنة أبي بكر، وقد ترك أبو بكر الأهل والعشيرة، وعدل إلى رجل من بني عدي، أن رأى أنه لذلك أهلاً، ولكنها هرقلية. وقال النعمان بن راشد، عن الزهري، عن ذكوان مولى عائشة قال: لما أجمع معاوية على أن يبايع لابنه حج، فقدم مكة في نحو من ألف رجل، فلما دنا من المدينة خرج ابن عمر، وابن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر، فلما قدم معاوية المدينة حمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر ابنه يزيد فقال: من أحق بهذا الأمر منه، ثم ارتحل فقدم مكة، فقضى طوافه، ودخل منزله، فبعث إلى ابن عمر، فتشهد وقال: أما بعد يا بن عمر، إنك كنت تحدثني أنك لا تحب تبيت ليلة سوداء، ليس عليك فيها أمير، وإني أحذرك أن تشق عصا المسلمين، أو تسعى في فساد ذات بينهم. فحمد ابن عمر الله وأثنى عليه،

(4/148)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 149
ثم قال: أما بعد، فإنك قد كانت قبلك خلفاء لهم أبناء، ليس ابنك بخير من أبنائهم، فلم يروا في أبنائهم ما رأيت في ابنك، ولكنهم اختاروا للمسلمين حيث علموا الخيار، وإنك تحذرني أن أشق عصا المسلمين، ولم أكن لأفعل، إنما أنا رجل من المسلمين، فإذا اجتمعوا على أمر فإنما أنا رجل منهم. فقال: يرحمك الله، فخرج ابن عمر. ثم أرسل إلى ابن أبي بكر، فتشهد، ثم أخذ في الكلام، فقطع عليه كلامه، وقال: إنك والله لوددت أنا وكلناك في أمر ابنك إلى الله، وإنا والله لانفعل، والله لتردن هذا الأمر شورى في المسلمين، أو لنعيدنها عليك جذعة، ثم وثب ومضى، فقال معاوية: اللهم اكفنيه بما شئت، ثم قال: على رسلك أيها الرجل، لا تشرفن على أهل الشام، فإني أخاف أن يسبقوني بنفسك، حتى أخبر العشية أنك قد بايعت، ثم كن بعد على ما بدا لك من أمرك. ثم أرسل إلى ابن الزبير فقال: يا بن الزبير، إنما أنت ثعلب رواغ، كلما خرج من حجر دخل آخر، وإنك عمدت إلى هذين الرجلين فنفخت في مناخرهما وحملتهما على غير رأيهما. فقال ابن الزبير: إن كنت قد مللت الإمارة فاعتزلها، وهلم ابنك فلنبايعه، أرأيت إذا بايعنا ابنك معك لأيكما تسمع ونطيع لا نجمع البيعة لكما أبداً، ثم خرج. وصعد معاوية المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إنا وجدنا أحاديث الناس ذات عوار، زعموا أن ابن عمر، وابن أبي بكر، وابن الزبير، لن يبايعوا يزيد، وقد سمعوا وأطاعوا وبايعوا له، فقال أهل الشام: والله لا نرضى حتى يبايعوا على رؤوس الأشهاد، وإلا ضربنا أعناقهم،) فقال: سبحان الله ما أسرع الناس إلى قريش بالشر، لا أسمع هذه المقالة من أحد منكم بعد اليوم، ثم نزل، فقال الناس: بايع ابن عمر وابن الزيبر وابن أبي بكر

(4/149)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 150
وهم يقولون: لا والله ما بايعنا. فيقول الناس: بلى، وارتحل معاوية فلحق بالشام. وقال أيوب، عن نافع قال: خطب معاوية، فذكر ابن عمر فقال: والله ليبايعن أو لأقتلنه، فخرج إليه ابنه عبد الله فأخبره، فبكى ابن عمر، فقدم معاوية مكة، فنزل بذي طوى، فخرج إليه عبد الله بن صفوان فقال: أنت الذي تزعم أنك تقتل عبد الله بن عمر إن لم يبايع ابنك فقال: أنا أقتل ابن عمر والله لا أقتله. وقال ابن المنكدر: قال ابن عمر حين بويع يزيد: إن كان خيراً رضينا، وإن كان بلاءً صبرنا. وقال جويرية بن أسماء: سمعت أشياخ أهل المدينة يحدثون: أن معاوية لما رحل عن مر قال لصاحب حرسه: لا تدع أحداً يسير معي إلا من حملته أنا، فخرج يسير وحده حتى إذا كان وسط الأراك، لقيه الحسين رضي الله عنه فوقف وقال: مرحباً وأهلاً بابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيد شباب المسلمين، دابةً لأبي عبد الله يركبها، فأتي ببرذون فتحول عليه، ثم طلع عبد الرحمن بن أبي بكر، فقال مرحباً وأهلاً بشيخ قريش وسيدها وابن صديق الأمة، دابةً لأبي محمد، فأتي ببرذون فركبه، ثم طلع ابن عمر، فقال: مرحباً وأهلاً بصاحب رسول الله، وابن الفاروق، وسيد المسلمين، فدعا له بدابة فركبها، ثم طلع ابن الزبير، فقال: مرحباً وأهلاً بابن حواري رسول الله، وابن الصديق، وابن عمة رسول الله، ثم دعا له بدابة فركبها، ثم أقبل يسير بينهم لا يسايره غيرهم، حتى دخل مكة، ثم كانوا أول داخل وآخر خارج،

(4/150)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 151
وليس في الأرض صباح إلا أولاهم حباءً وكرامة، ولا يعرض لهم بذكر شيء، حتى قضى نسكه وترحلت أثقاله، وقرب سيره، فأقبل بعض القوم على بعض فقال: أيها القوم لا تخدعوا، إنه والله ما صنع بكم ما صنع لحبكم ولا لكرامتكم، ولا صنعه إلا لما يريده، فأعدوا له جواباً. وأقبلوا على الحسين فقالوا: أنت يا أبا عبد الله فقال: وفيكم شيخ قريش وسيدها هو أحق بالكلام. فقالوا لعبد الرحمن: يا أبا محمد، قال: لست هناك، وفيكم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيد المرسلين. فقالوا لابن عمر: أنت، قال: لست بصاحبكم، ولكن ولوا الكلام ابن الزبير، قال: نعم إن أعطيتموني عهودكم أن لا تخالفوني، كفيتكم الرجل، قالوا: ذاك لك. قال: فأذن لهم ودخلوا، فحمد الله معاوية وأثنى عليه، ثم قال: قد علمتم مسيري فيكم، وصلتي) لأرحامكم، وصفحي عنكم، ويزيد أخوكم، وابن عمكم، وأحسن الناس فيكم رأياً، وإنما أردت أن تقدموه، وأنتم الذين تنزعون وتؤمرون وتقسمون، فسكتوا، فقال: ألا تجيبوني فسكتوا، فأقبل على ابن الزبير فقال: هات يابن الزبير، فإنك لعمري صاحب خطبة القوم. قال: نعم يا أمير المؤمنين، نخيرك بين ثلاث خصال، أيها ما أخذت فهو لك، قال: لله أبوك، إعرضهن، قال: إن شئت صنع ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن صنع ما صنع أبو بكر، وإن شئت صنع ما صنع عمر. قال: ما صنعوا قال: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يعهد عهداً، ولم يستخلف أحداً، فارتضى المسلمون أبا بكر. فقال: إنه ليس فيكم اليوم مثل أبي بكر، إن أبا بكر كان رجلاً تقطع دونه الأعناق، وإني لست آمن عليكم الاختلاف. قال: صدقت، والله ما نحب أن تدعنا، فاصنع ما صنع أبو بكر. قال: لله أبوك وما صنع؟

(4/151)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 152
قال: عمد إلى رجل من قاصية قريش، ليس من رهطه فاستخلفه، فإن شئت أن تنظر أي رجل من قريش شئت، ليس من بني عبد شمس، فنرضى به. قال: فالثالثة ما هي قال: تصنع ما صنع عمر. قال: وما صنع قال: جعل الأمر شورى في ستة، ليس فيهم أحد من ولده، ولا من بني أبيه، ولا من رهطه. قال: فهل عندك غير هذا قال: لا، قال: فأنتم قالوا: ونحن أيضاً. قال: أما بعد، فإني أحببت أن أتقدم إليكم، إنه قد أعذر من أنذر، وإنه قد كان يقوم القائم منكم إلي فيكذبني على رؤوس الناس، فأحتمل له ذلك، وإني قائم بمقالة، إن صدقت فلي صدقي، وإن كذبت فعلي كذبي، وإني أقسم بالله لئن رد علي إنسان منكم كلمة في مقامي هذا ألا ترجع إليه كلمته حتى يسبق إلي رأسه، فلا يرعين رجل إلا على نفسه، ثم دعا صاحب حرسه فقال: أقم على رأس كل رجل من هؤلاء رجلين من حرسك، فإن ذهب رجل يرد علي كلمة في مقامي، فليضربا عنقه، ثم خرج، وخرجوا معه، حتى رقي المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن هؤلاء الرهط سادة المسلمين وخيارهم، لا يستبد بأمر دونهم، ولا يقضى أمر إلا عن مشورتهم، إنهم قد رضوا وبايعوا ليزيد ابن أمير المؤمنين من بعده، فبايعوا بسم الله، قال: فضربوا على يده بالمبايعة، ثم جلس على رواحله، وانصرف الناس فلقوا أولئك النفر فقالوا: زعمتم وزعمتم، فلما أرضيتم وحييتم فعلتم، فقالوا: إنا والله ما فعلنا. قالوا: ما منعكم ثم بايعه الناس.

(4/152)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 153
4 (حوادث سنة اثنتين وخمسين)
توفي فيها: أبو بكرة الثقفي، في قول.) وعمران بن حصين. وكعب بن عجرة ومعاوية بن حديج. وسعيد بن زيد، في قول. وسفيان بن عوف الأزدي أمير الصوائف. وحويطب بن عبد العزى القرشي. وأبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري، بخلف فيهما. ورويفع بن ثابت، أمير برقة. وفيها ولد يزيد بن أبي حبيب فقيه أهل مصر. وفيها صالح عبيد الله بن أبي بكرة الثقفي رتبيل وبلاده على ألف ألف درهم

(4/153)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 154
وأقام الحج سعيد بن العاص. وفيها، أو في حدودها، قال جرير بن حازم، عن جرير بن يزيد قال: خرج قريب وزحاف في سبعين رجلاً في رمضان فأتوا بني ضبيعة، وهم في مسجدهم بالبصرة، فقتلوا رؤبة بن المخبل. قال جرير بن حازم: فحدثني الزبير بن الخريت، عن أبي لبيد: أن رؤبة قال في العشية التي قتل فيها، لرجل في كلام: إن كنت صادقاً فرزقني الله الشهادة قبل أن أرجع إلى بيتي. قال جرير: عن قطن بن الأزرق، عن رجل منهم، قال: ما شعرنا وإنا لقيام في المسجد، حتى أخذوا بأبواب المسجد ومالوا في الناس، فقتلوهم، فوثب القوم إلى الجدر، وصعد رجل المنارة فجعل ينادي: يا خيل الله اركبي، قال: فصعدوا فقتلوه، ثم مضوا إلى مسجد المعاول، فقتلوا من فيه، فحدثني جرير بن يزيد، أنهم انتهوا إلى رحبة بني علي، فخرج عليهم بنو علي، وكانوا رماة، فرموهم بالنبل حتى صرعوهم أجمعين. قال جرير بن حازم: واشتد زياد بن أبيه في أمر الحرورية، بعد قتل قريب وزحاف فقتلهم، وأمر سمرة بن جندب بقتلهم، فقتل منهم بشراً كثيراً. قال أبو عبيدة: زحاف: طائي، وقريب: أودي.

(4/154)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 155
4 (حوادث سنة ثلاث وخمسين)
) فيها توفي: فضالة بن عبيد الأنصاري، وقيل سنة تسع. والضحاك بن فيروز الديلمي. وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، بمكة. وزياد بن أبيه. وعمرو بن حزم الأنصاري، بخلف فيه. وفيها بعد موت زياد استعمل معاوية على الكوفة الضحاك بن قيس الفهري، وعلى البصرة سمرة بن جندب، وعزل عبيد الله بن أبي بكرة عن سجستان وولاها عباد بن زياد، فغزا ابن زياد القندهار حتى بلغ بيت الذهب، فجمع له الهند جمعاً هائلاً، فقاتلهم فهزمهم، ولم يزل على سجستان حتى توفي معاوية. وفيها شتى عبد الرحمن بن أم الحكم بأرض الروم.

(4/155)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 156
وأقام الموسم سعيد بن العاص. وفيها أمر معاوية على خراسان عبيد الله بن زياد. وفيها قتل عائذ بن ثعلبة البلوي، أحد الصحابة، قتله الروم بالبرلس. يزيد بن هارون: أنبأ حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه أو عن أمه أن أسماء بنت أبي بكر اتخذت خنجراً زمن سعيد بن العاص للصوص، وكانوا قد استعزوا بالمدينة، فكانت تجعله تحت رأسها.

(4/156)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 157
4 (حوادث سنة أربع وخمسين)
فيها توفي: جبير بن مطعم. وفيها: أسامة بن زيد، على الصحيح. وثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعمرو بن حزم. وفيها حسان بن ثابت. وعبد الله بن أنيس الجهني. وسعيد بن يربوع المخزومي. وحكيم بن حزام.) ومخرمة بن نوفل. وفيها بخلف: حويطب بن عبد العزى، وأبو قتادة الحارث بن ربعي. وفيها عزل عن المدينة سعيد بن العاص بمروان. وفيها غزا عبيد الله بن زياد، فقطع النهر إلى بخارى، وافتتح راميثن،

(4/157)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 158
ونصف، بيكند، فقطع النهر على الإبل، فكان أول عربي قطع النهر. وفيها وجه الضحاك بن قيس من الكوفة مصقلة بن هبيرة الشيباني إلى طبرستان، فصالح أهلها على خمسمائة ألف درهم. وفيها عزل معاوية عن البصرة سمرة، بعبد الله بن عمرو بن غيلان الثقفي. وحج بالناس مروان. وفيها توفيت سودة أم المؤمنين في قول، وقد مرت في خلافة عمر.

(4/158)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 159
4 (حوادث سنة خمس وخمسين)
فيها توفي: زيد بن ثابت في قول المدائني. وسعد بن أبي وقاص، على الأصح. والأرقم بن أبي الأرقم، في قول. وأبو اليسر. وكعب بن عمرو السلمي. وفيها عزل عن البصرة عبيد الله الثقفي، ووليها عبيد الله بن زياد. وفيها غزا يزيد بن شجرة الرهاوي، فقتل، وقيل لم يقتل، إنما قتل في سنة ثمان وخمسين. وأقام الحج مروان بن الحكم. وشتى بأرض الروم مالك بن عبد الله.

(4/159)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 160
4 (حوادث سنة ست وخمسين)
فيها توفي: عبد الله بن قرط الثمالي. وجويرية أم المؤمنين المصطلقية، وقيل: توفيت سنة خمسين. وفيها: إسحاق بن طلحة بن عبيد الله. وفيها: ولد أبو جعفر محمد بن علي، وعمرو بن دينار. وقد مر أن معاوية ولى على البصرة عبيد الله بن زياد، فعزله في هذه السنة عن خراسان، وأمر عليها سعيد بن عثمان بن عفان، فغزا سعيد ومعه المهلب بن أبي صفرة الأزدي، وطلحة) الطلحات، وأوس بن ثعلبة سمرقند، وخرج إليه الصغد فقاتلوه، فألجأهم إلى مدينتهم، فصالحوه وأعطوه رهائن. وفيها شتى المسلمون بأرض الروم.

(4/160)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 161
وفيها اعتمر معاوية في رجب. وفيها توفيت الكلابية التي تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، فاستعاذت منه، ففارقها، أرخها الواقدي.

(4/161)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 162
4 (حوادث سنة سبع وخمسين)
فيها توفيت أم المؤمنين عائشة، أو في سنة ثمان. وفيها: السائب بن أبي وداعة السهمي. ومعتب بن عوف بن الحمراء. وعبد الله بن السعدي العامري. وفي قول: أبو هريرة. وفيها: كعب بن مرة، أو مرة بن كعب البهزي. وقثم بن العباس. ويقال توفي فيها سعيد بن العاص. وعبد الله بن عامر بن كريز. وفيها عزل الضحاك عن الكوفة، ووليها عبد الرحمن بن أم الحكم. وفيها وجه معاوية حسان بن النعمان الغساني إلى إفريقية، فصالحه من يليه من البربر، وضرب عليهم الخراج، وبقي عليها حتى توفي معاوية.

(4/162)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 163
وفيها عزل معاوية مروان عن المدينة، وأمر عليها الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وعزل عن خراسان سعيد بن عثمان، وأعاد عليها عبيد الله بن زياد. وشتى عبد الله بن قيس بأرض الروم.

(4/163)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 164
4 (حوادث سنة ثمان وخمسين)
فيها توفي: شداد بن أوس. وعبد الله بن حوالة. وعبيد الله بن العباس. وعقبة بن عامر الجهني. وأبو هريرة.) ويزيد بن شجرة الرهاوي. وجبير بن مطعم، في قول المدائني. وفيها غزا عقبة بن نافع من قبل مسلمة بن مخلد، فاختط مدينة القيروان وابتناها. وصلى أبو هريرة على عائشة، وكان مروان غائباً في العمرة. وفيها حج بالناس الوليد بن عتبة.

(4/164)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 165
4 (حوادث سنة تسع وخمسين)
فيها توفي: سعيد بن العاص الأموي، على الصحيح. وجبير بن مطعم، في قول. وأوس بن عوف الطائفي، له صحبة. وشيبة بن عثمان الحجبي، في قول. وأبو محذورة المؤذن. وعبد الله بن عامر بن كريز، على الصحيح. وأبو هريرة، في قول سعيد بن عفير. ويقال: توفيت فيها أم سلمة، وتأتي سنة إحدى وستين. وفيها ولد عوف الأعرابي. وفيها غزا أبو المهاجر دينار فنزل على قرطاجنة، فالتقوا، فكثر القتل في الفريقين، وحجز الليل بينهم، وانحاز المسلمون من ليلتهم، فنزلوا جبلاً في قبلة تونس، ثم عاودوهم القتال، فصالحوهم على أن يخلو لهم الجزيرة،

(4/165)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 166
وافتتح أبو المهاجر ميلة، وكانت إقامته في هذه الغزاة نحواً من سنتين. وفيها شتى عمرو بن مر بأرض الروم في البر. وأقام الحج للناس الوليد بن عتبة.

(4/166)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 167
4 (حوادث سنة ستين)
فيها توفي: معاوية بن أبي سفيان. وبلال بن الحارث المزني. وسمرة بن جندب الفزاري.) وعبد الله بن مغفل. وفي قول الواقدي: صفوان بن المعطل السلمي. وفيها توفي في قول: أبو حميد الساعدي. وفيها: أبو أسيد الساعدي، في قول ابن سعد.
4 (بيعة يزيد)
قال مجالد، عن الشعبي: قال علي رضي الله عنه: لا تكرهوا إمرة معاوية، فإنكم لو فقدتموه رأيتم الرؤوس تندر عن كواهلها.. قلت: قد مضى أن معاوية جعل ابنه ولي عهده بعده، وأكره الناس على ذلك، فلما توفي لم يدخل في طاعة يزيد: الحسين بن علي، ولا عبد الله بن الزبير، ولا من شايعهما.

(4/167)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 168
قال أبو مسهر: ثنا خالد بن يزيد، حدثني سعيد بن حريث قال: لما كان الغداة التي مات في ليلتها معاوية فزع الناس إلى المسجد، ولم يكن قبله خليفة بالشام غيره، فكنت فيمن أتى المسجد، فلما ارتفع النهار، وهم يتكون في الخضراء، وابنه يزيد غائب في البرية، وهو ولي عهده، وكان نائبه على دمشق الضحاك بن قيس الفهري، فدفن معاوية، فلما كان بعد أسبوع بلغنا أن ابن الزبير خرج بالمدينة وحارب، وكان معاوية قد غشي عليه مرة، فركب بموته الركبان، فلما بلغ ذلك ابن الزبير خرج، فلما كان يوم الجمعة صلى بنا الضحاك ثم قال: تعلمون أن خليفتكم يزيد قد قدم، ونحن غداً متلقوه، فلما صلى الصبح ركب، وركبنا معه، فسار إلى ثنية العقاب، فإذا بأثقال يزيد، ثم سرنا قليلاً، فإذا يزيد في ركب معه أخواله من بني كلب، وهو على بختي، له رحل، ورائطه مثنية في عنقه، ليس عليه سيف ولا عمامة، وكان ضخماً سميناً، قد كثر شعره وشعث، فأقبل الناس يسلمون عليه ويعزونه، وهو ترى فيه الكآبة والحزن وخفض الصوت، فالناس يعيبون ذلك منه ويقولون: هذا الأعرابي الذي ولاه أمر الناس، والله سائله عنه، فسار، فقلنا: يدخل من باب توما، فلم يدخل، ومضى إلى باب شرقي، فلم يدخل منه وأجازه، ثم أجاز باب كيسان إلى باب الصغير، فلما وافاه أناخ ونزل، ومشى الضحاك بين يديه إلى قبر معاوية، فصفنا خلفه، وكبر أربعاً، فلما خرج من المقابر أتى ببغلة فركبها إلى الخضراء، ثم نودي الصلاة جامعة لصلاة الظهر، فاغتسل ولبس ثياباً نقية، ثم جلس على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر موت أبيه، وقال: إنه كان يغزيكم البر والبحر، ولست) حاملاً واحداً من المسلمين في البحر، وإنه كان يشتيكم بأرض الروم، ولست مشتياً أحداً بها، وإنه كان يخرج لكم العطاء أثلاثاً، وأنا أجمعه لكم كله. قال: فافترقوا، وما يفضلون عليه أحداً.

(4/168)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 169
وعن عمرو بن ميمون: أن معاوية مات وابنه بحوارين، فصلى عليه الضحاك. وقال أبو بكر بن أبي مريم، عن عطية بن قيس قال: خطب معاوية فقال: اللهم إن كنت إنما عهدت ليزيد لما رأيت من فضله، فبلغه ما أملت وأعنه، وإن كنت إنما حملني حب الوالد لولده، وإنه ليس بأهل، فاقبضه قبل أن يبلغ ذلك. وقال حميد بن عبد الرحمن: دخلنا على بشير، وكان صحابياً، حين استخلف يزيد فقال: يقولون إنما يزيد ليس بخير أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنا أقول ذلك، ولكن لأن يجمع الله أمة محمد أحب إلي من أن تفترق. وقال جويرية بن أسماء: سمعت أشياخنا بالمدينة، ما لا أحصي يقولون: إن معاوية لما هلك، وعلى المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، أتاه موته من جهة يزيد قال: فبعث إلى مروان وبني أمية فأخبرهم، فقال مروان: ابعث الآن إلى الحسين وابن الزبير، فإن بايعا، وإلا فاضرب أعناقهما، فأتاه الزبير فنعى له معاوية، فترحم عليه، فقال: بايع يزيد، قال: ما هذه ساعة مبايعة ولا مثلي يبايع هاهنا يا بن الزرقاء، واستبا، فقال الوليد: أخرجهما عني، وكان رجلاً رفيقاً سرياً كريماً، فأخرجا، فجاء الحسين على تلك الحال، فلم يكلم في شيء، حتى رجعا جميعاً، ثم رد مروان إلى الوليد فقال: والله لا تراه بعد مقامك إلا حيث يسؤوك، فأرسل العيون في أثره، فلم يزد حين دخل منزله على أن توضأ وصلى، وأمر ابنه حمزة أن يقدم راحلته إلى ذي الحليفة، مما يلي الفرع، وكان له بذي الحليفة مال عظيم، فلم يزل صافاً قدميه إلى السحر، وتراجعت عنه العيون، فركب دابة إلى ذي الحليفة، فجلس على راحلته، وتوجه إلى مكة، وخرج الحسين من ليلته

(4/169)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 170
فالتقيا بمكة، فقال ابن الزبير للحسين: ما يمنعك من شيعتك وشيعة أبيك فوالله لو أن لي مثلهم ما توجهت إلا إليهم، وبعث يزيد بن معاوية عمر بن سعيد بن العاص أميراً على المدينة، خوفاً من ضعف الوليد، فرقي المنبر، وذكر صنيع ابن الزبير، وتعوذه بمكة، يعني أنه عاذ ببيت الله وحرمه، فوالله لنغزونه، ثم لئن دخل الكعبة لنحرقنها عليه على رغم أنف من رغم. وقال جرير بن حزم: حدثنا محمد بن الزبير، حدثني رزيق مولى معاوية قال: بعثني يزيد إلى) أمير المدينة، فكتب إلي بموت معاوية، وأن يبعث إلى هؤلاء الرهط، ويأمرهم بالبيعة، قال: فقدمت المدينة ليلاً، فقلت للحاجب: استأذن لي، ففعل، فلما قرأ كتاب يزيد بوفاة معاوية جزع جزعاً شديداً، وجعل يقوم على رجليه، ثم يرمي بنفسه على فراشه، ثم بعث إلى مروان، فجاء وعليه قميص أبيض وملاءة موردة، فنعى له معاوية وأخبره، فقال: ابعث إلى هؤلاء، فإن بايعوا، وإلا فاضرب أعناقهم، قال: سبحان الله أقتل الحسين وابن الزبير قال: هو ما أقول لك. قلت: أما ابن الزبير فعاذ ببيت الله، ولم يبايع، ولا دعا إلى نفسه، وأما الحسين بن علي رضي الله عنهما، فسار من مكة لما جاءته كتب كثيرة من عامة الأشراف بالكوفة، فسار إليها، فجرى ما جرى وكان أمر الله قدراً مقدوراً. مجالد، عن الشعبي. ح والواقدي من عدة طرق أن الحسين رضي الله عنه قدم مسلم بن عقيل وهو ابن عمه إلى الكوفة، وأمره أن ينزل على هانئ بن عروة المرادي، وينظر إلى اجتماع الناس عليه، ويكتب إليه بخبرهم، فلما قدم عبيد الله بن زياد من البصرة إلى الكوفة، طلب هانئ بن عروة فقال: ما حملك على أن تجبر عدوي وتنطوي عليه قال: يا بن أخي إنه جاء حق هو أحق من حقك، فوثب عبيد الله بعنزة طعن بها في رأس

(4/170)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 171
هانئ حتى خرج الزج، واغترز في الحائط، وبلغ الخبر مسلم بن عقيل، فوثب بالكوفة، وخرج بمن خف معه، فاقتتلوا، فقتل مسلم، وذلك في أواخر سنة ستين. وروى الواقدي، والمدائني، بإسنادهم: أن مسلم بن عقيل بن أبي طالب خرج في أربعمائة، فاقتتلوا، فكثرهم أصحاب عبيد الله، وجاء الليل، فهرب مسلم حتى دخل على امرأة من كندة، فاستجار بها، فدل عليه محمد بن الأشعث، فأتي به إلى عبيد الله، فبكته وأمر بقتله، فقال: دعني أوصي، فقال: نعم، فنظر إلى عمر بن سعد بن أبي وقاص فقال: إن لي إليك حاجة وبيننا رحم، فقام إليه فقال: يا هذا ليس هنا رجل من قريش غيري وغيرك وهذا الحسين قد أظلك، فأرسل إليه فلينصرف، فإن القوم قد غروه وخدعوه وكذبوه، وعلي دين فاقضه عني، واطلب جثتي من عبيد الله بن زياد فوارها، فقال له عبيد الله: ما قال لك فأخبره، فقال: أما مالك فهو لك لا نمنعه منك، وأما الحسين فإن تركنا لم نرده، وأما جثته فإذا قتلناه لم نبال ما صنع به، فقتل رحمه الله.) ثم قضى عمر بن سعد دين مسلم، وكفنه ودفنه، وأرسل رجلاً على ناقة إلى الحسين يخبره بالأمر، فلقيه على أربع مراحل، وبعث عبيد الله برأس مسلم وهانئ إلى يزيد بن معاوية، فقال علي لأبيه الحسين: ارجع يا أبه، فقال بنو عقيل: ليس ذا وقت رجوع.

(4/171)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 172
1 (تراجم أهل هذه الطبقة مرتبين على الأحرف)

4 (الألف)

4 (الأرقم بن أبي الأرقم،)
عبد مناف بن أسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي، الذي استخفى رسول الله صلى الله عليه وسلم في داره المعروفة بدار الخيزران عند الصفا، أبو عبد الله. نفله النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر سيفاً، واستعمله على الصدقات.

(4/172)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 173
قال ابن عبد البر: ذكر ابن أبي خيثمة أن والد الأرقم قد أسلم أيضاً، فغلط. وذكر أبو حاتم أن عبد الله بن الأرقم هو ولد الأرقم هذا، فغلط لأنه زهري، ولي بيت المال لعثمان. وقال غيره: عاش الأرقم بضعاً وثمانين سنة، ومات بالمدينة، وصلى عليه سعد بن أبي وقاص بوصيته، وبقي ابنه عبد الله إلى حدود المائة. وروى أحمد في مسنده من حديث هشام بن زياد، عن عثمان بن الأرقم، عن أبيه، في ذم تخطي الرقاب يوم الجمعة، رفع الحديث. قال عثمان: توفي أبي سنة ثلاث وخمسين، وله ثلاث وثمانون سنة.
4 (أسامة بن زيد)
ابن حارثة بن شراحيل الكلبي، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه ومولاه،

(4/173)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 174
أبو زيد، ويقال أبو محمد، ويقال أبو حارثة. وفي الصحيح عن أسامة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذني والحسن فيقول: اللهم إني أحبهما فأحبهما. وروى عنه: ابناه حسن، ومحمد، وابن عباس، وأبو وائل، وأبو عثمان النهدي، وأبو سعيد المقبري، وعروة، وأبو سلمة، وعطاء بن أبي رباح، وجماعة. وأمه أم أيمن بركة حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم ومولاته.) وكان أسود كالليل، وكان أبوه أبيض أشقر. قاله إبراهيم بن سعد. قالت عائشة: دخل مجزر المدلجي القائف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى أسامة وزيداً، وعليهما قطيفة، قد غطيا رؤوسهما، وبدت أقدامهما، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، فسر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأعجبه.

(4/174)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 175
وقال أبو عوانة، عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه: أخبرني أسامة أن علياً قال: يا رسول الله أي أهلك أحب إليك قال: فاطمة، قال: إنما أسألك عن الرجال، قال: من انعم الله عليه وأنعمت عليه أسامة بن زيد، قال: ثم من قال: ثم أنت، وهذا حديث حسن. وقال مغيرة، عن الشعبي أن عائشة قالت: لا ينبغي لأحد أن يبغض أسامة بعدما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كان يحب الله ورسوله فليحب أسامة. هذا صحيح غريب. وقالت عائشة في شأن المخزومية التي سرقت فقالوا: من يجترئ يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها إلا حب رسول الله أسامة. وقال موسى بن عقبة وغيره، عن سالم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحب الناس إلي أسامة، ما حاشى فاطمة ولا غيرها. قال زيد بن أسلم، عن أبيه، عم عمر أنه فرض لأسامة ثلاثة آلاف وخمسمائة، وفرض لعبد الله بن عمر ثلاثة آلاف، فقال عبد الله: لم فضلته

(4/175)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 176
علي، فوالله ما سبقتني إلى مشهد قال: لأن زيداً كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك، وكان أسامة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، فآثرت حب رسول الله أسامة. فطعنوا في إمارته فقال: إن يطعنوا في إمارته فقد طعنوا في إمارة أبيه، وأيم الله إن كان لمن أحب الناس إلي بعده. وفي المغازي: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسامة على جيش، فيهم أبو بكر، وله ثمان عشرة سنة. وفي: صحيح مسلم، من حديث عائشة قالت: أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يمسح مخاط أسامة فقلت: دعني حتى أكون أنا التي أفعله، فقال: يا عائشة أحبيه فإني أحبه. وقال مجالد، عن الشعبي، عن عائشة قالت: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً أن أغسل وجه أسامة بن زيد وهو صبي، قالت: وما ولدت، ولا أعرف كيف يغسل وجه الصبيان،) فآخذ فأغسله غسلاً ليس بذاك، قالت: فأخذه وجعل يغسل وجهه ويقول: لقد أحسن بنا أسامة إذ لم يكن جارية، ولو كنت جارية لحليتك وأعطيتك. وفي مسند أحمد، من حديث البهي، عن عائشة قالت: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولو كان أسامة جارية لكسوته وحليته حتى أنفقه.

(4/176)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 177
وعن عبد الله بن دينار، وغيره قال: لم يلق عمر أسامة قط إلا قال: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته، أمير أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات وأنت علي أمير. وقال عبيد الله بن عمر بن نافع: قال ابن عمر: فرض عمر لأسامة أكثر مما فرض لي فقلت: إنما هجرتي وهجرته واحدة، فقال: إن أباه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك، وإنه كان أحب إلى رسول الله منك. وقال قيس بن أبي حازم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه أن الراية صارت إلى خالد بن الوليد قال: فهلا إلى رجل قتل أبوه، يعني أسامة. وقال الزهري: مات أسامة بالجرف، وحمل إلى المدينة. وعن سعيد المقبري قال: شهدت جنازة أسامة، فقال ابن عمر: عجلوا بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تطلع الشمس. ابن سعد: ثنا يزيد، ثنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الإفاضة من عرفات من أجل أسامة ينتظره، فجاء غلام أسود أفطس، فقال أهل اليمن: إنما حبسنا من أجل هذا فلذلك ارتدوا، يعني أيام الصديق. وقال وكيع: سلم من الفتنة من المعروفين أربعة: سعد، وابن عمر، وأسامة بن زيد، ومحمد بن مسلمة، واختلط سائرهم. وقال ابن سعد: مات في آخر خلافة معاوية بالمدينة.

(4/177)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 178
قلت: وقد سكن المزة مدة، ثم انتقل إلى المدينة، وتوفي بها، ومات وله قريب من سبعين سنة. وقيل: توفي سنة أربع وخمسين، فالله أعلم. وقال وهب بن جرير: ثنا أبي، سمعت ابن إسحاق، عن صالح بن كيسان، عن عبيد الله بن عبد الله قال: رأيت أسامة بن زيد مضطجعاً على باب حجرة عائشة، رافعاً عقيرته يتغنى، ورأيته يصلي عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فمر به مروان فقال: أتصلي عند قبر وقال له قولاً) قبيحاً ثم أدبر، فانصرف أسامة ثم قال: يا مروان إنك فاحش متفحش، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يبغض الفاحش المتفحش.
4 (إسحاق بن طلحة، بن عبيد الله.)
توفي سنة ست وخمسين بخراسان. وروى عن: أبيه، وعائشة. وعنه: ابنه معاوية، وابن أخيه إسحاق بن يحيى. ووفد على معاوية، و خطب إليه أخته. وهو ابن خالة معاوية، لأن أمه أم أبان بنت عتبة بن ربيعة.
4 (أسماء بنت عميس الخثعمية.)

(4/178)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 179
هاجرت مع زوجها جعفر إلى الحبشة، فلما استشهد بمؤتة تزوجها بعده أبو بكر، فولدت له محمداً. ويحيى بن علي بن أبي طالب إخوة لأم. روت أحاديث. وعنها: ابنها عبد الله، وابن أختها عبد الله بن شداد بن الهاد، وسعيد بن المسيب، والشعبي، والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وفاطمة بنت علي بن أبي طالب، وفاطمة بنت الحسين، وآخرون. وهي أخت ميمونة أم المؤمنين، وأم الفضل زوجة العباس من الأم. وقيل: كن تسع أخوات.

(4/179)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 180
4 (أوس بن عوف، الطائفي)
قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد قومه ثقيف. قال خليفة: توفي سنة تسع وخمسين. وقال أبو نعيم الحافظ: هو أوس بن حذيفة، نسب إلى جده الأعلى. وقيل هو أوس بن أبي أوس روى عنه: ابنه عبد الله، وحفيده عثمان بن عبد الله. وقيل: هو أوس الذي نزل الشام، وهو بعيد.

(4/180)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 181
4 (الباء)

4 (بلال بن الحارث المزني)
أبو عبد الرحمن. عداده في أهل المدينة. صحابي معروف عاش ثمانين سنة، وكان ينزل جبل) مزينة المعروف بالأجرد، ويتردد إلى المدينة. روى عنه: ابنه الحارث، وعلقمة بن وقاص. وحديثه في السنن.

(4/181)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 182
4 (الثاء)

4 (ثوبان مولى رسول الله)
صلى الله عليه وسلم. سبي من نواحي الحجاز، فاشتراه النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يخدمه حضراً وسفراً، وحفظ عنه كثيراً، وسكن حمص.

(4/182)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 183
روى عنه: جبير بن نفير، وخالد بن معدان، وأبو أسماء الرحبي، وراشد بن سعد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وجماعة كثيرة. توفي سنة أربع وخمسين.

(4/183)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 184
4 (الجيم)

4 (جبير بن الحويرث)
بن نقيد القرشي. أهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم دم أبيه يوم الفتح، لكونه كان مؤذياً لله ورسوله. ولجبير رؤية. روى عن: أبي بكر، وعمر، وشهد اليرموك. روى عنه: عبد الرحمن بتن سعيد بن يربوع، وعروة، وسعيد بن المسيب.
4 (جبير بن مطعم)
بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي

(4/184)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 185
النوفلي أبو محمد، ويقال أبو عدي. قدم المدينة مشركاً في فداء أسارى بدر، ثم أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه، وكان من حلماء قريش وأشرافهم. وأبوه هو الذي قام في نقض الصحيفة، وأجار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طاف بالبيت لما رجع من الطائف. ومات مشركاً. لجبير أحاديث، روى عنه: ابناه محمد، ونافع، وسليمان بن صرد، وسعيد بن المسيب، وآخرون.
4 (جرير بن عبد الله)
أبو عمرو البجلي، الأحمسي، اليمني.

(4/185)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 186
وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة عشر، فأسلم في رمضان، فأكرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه. وكان بديع الجمال، مليح الصورة إلى الغاية، طويلاً، يصل إلى سنام البعير، وكان نعله ذراعاً.)

(4/186)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 187
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: على وجهه مسحة ملك. وروي عن عمر رضي الله عنه قال: جرير يوسف هذه الأمة. اعتزل علياً ومعاوية، وأقام بنواحي الجزيرة. روى عنه: حفيده أبو زرعة بن عمرو بن جرير، والشعبي، وزياد بن علاقة، وأبو إسحاق السبيعي، وجماعة. توفي سنة إحدى وخمسين على الصحيح. وقيل: توفي سنة أربع وخمسين. قال مغيرة: عن الشعبي، إن عمر كان في بيت، فوجد ريحاً، فقال: عزمت على صاحب الريح لما قام فتوضأ، فقال جرير: يا أمير المؤمنين أو نتوضأ جميعاً فقال عمر: نعم السيد كنت في الجاهلية، ونعم السيد أنت في الإسلام. قال ابن إسحاق: وفيه يقول الشاعر:
(لولا جرير هلكت بجيله .......... نعم الفتى وبئست القبيله)

(4/187)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 188
يونس بن أبي إسحاق، عن المغيرة بن شبيل، قال جرير: لما دنوت من المدينة حللت عيبتي، ولبست حلتي، ثم دخلت المسجد، وإذ برسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فرماني الناس بالحدق، فقلت لجليسي: هل ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمري شيئاً قال: نعم ذكرك بأحسن الذكر. وقال جرير: ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسم في وجهي. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم ألقى إليه وسادة وقال: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه. وقيل: رمى إليه بردة ليجلس عليها.
4 (جعفر بن أبي سفيان)
بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي.

(4/188)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 189
شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم حنيناً، وبقي إلى زمن معاوية، وهو وأبوه من مسلمة الفتح.
4 (جويرية أم المؤمنين)
ع بنت الحارث بن أبي ضرار المصطلقي. سباها النبي صلى الله عليه وسلم يوم المريسيع في السنة الخامسة. وكان اسمها برة، فغيره النبي صلى الله عليه وسلم.

(4/189)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 190
وكانت قبله عند ابن عمها مسافع بن صفوان بن ذي الشفر، فتزوجها، وجعل صداقها عتق جماعة من) قومها. ثم قدم أبوها الحارث بن أبي ضرار على النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم. وعن جويرية قالت: تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بنت عشرين سنة. زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبي قال: أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية واستنكحها، وجعل صداقها عتق كل مملوك من بني المصطلق. وكانت في ملك اليمين، فأعتقها وتزوجها. قال ابن سعد وغيره: وبنو المصطلق من خزاعة. لها أحاديث، روى عنها: ابن عباس، وعبيد بن السباق، وكريب، ومجاهد، وأبو أيوب الأزدي يحيى بن مالك، وغيرهم. توفيت بالمدينة سنة ست وخمسين، وصلى عليها مروان. وعن عائشة قالت: كانت جويرية امرأة حلوةً ملاحة، لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه.

(4/190)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 191
والحديث قد مر في سنة خمس.

(4/191)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 192
4 (الحاء)

4 (الحارث بن كلدة، الثقفي)
الطائفي، طبيب العرب. سافر البلاد، وتعلم الطب بناحية فارس، وتعلم أيضاً ضرب العود بفارس وباليمن. ويقال: إنه بقي إلى أيام معاوية، وهو بعيد، فإن ابنه النضر بن الحارث ابن خالة النبي صلى الله عليه وسلم أسر يوم بدر، وقتله علي بالصفراء. ويروى أن سعد بن أبي وقاص لما مرض بمكة قال النبي صلى الله عليه وسلم: أدعوا

(4/192)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 193
له الحارث بن كلدة.
4 (حجر بن عدي)
ويدعى حجر بن الأدبر بن جبلة الكندي الكوفي، أبو عبد الرحمن. وقيل لأبيه: الأدبر، لأنه طعن مولياً. ولحجر صحبة ووفادة، ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً. سمع من: علي وعمار، وعنه: مولاه أبو ليلى، وأبو البختري الطائي. شهد صفين أميراً مع علي.) وكان صالحاً عابداً، يلازم الوضوء، ويكثر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان يكذب زياد ابن أبيه الأمير على المنبر، وحصبه مرة فكتب فيه إلى معاوية، فسر حجر عن الكوفة في ثلاثة آلاف بالسلاح، ثم تورع وقعد عن الخروج، فسيره زياد إلى معاوية، وجاء الشهود فشهدوا عند معاوية

(4/193)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 194
عليه، وكان معه عشرون رجلاً فهم معاوية بقتلهم، فأخرجوا إلى عذراء. وقيل: إن رسول معاوية جاء إليهم لما وصلوا إلى عذراء يعرض عليهم التوبة والبراءة من علي رضي الله عنه، فأبى من ذلك عشرة، وتبرأ عشرة، فقتل أولئك، فلما انتهى القتل إلى حجر رضي الله عنه جعل يرعد، فقيل له: مالك ترعد فقال: قبر محفور، وكفن منشور، وسيف مشهور. ولما بلغ عبد الله بن عمر قتله حجر قام من مجلسه مولياً يبكي. ولما حج معاوية استأذن على أم المؤمنين عائشة فقالت له: أقتلت حجراً فقال: وجدت في قتله صلاح الناس، وخفت من فسادهم. وقيل: إن معاوية ندم كل الندم على قتلهم، وكان قتلهم في سنة إحدى وخمسين. ابن عوف، عن نافع قال: كان ابن عمر في السوق، فنعي إليه حجر، فأطلق حبوته وقام، وقد غلبه النحيب. هشام، عن ابن سيرين قال: لما أتي معاوية بحجر قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، قال: وأمير المؤمنين أنا اضربوا عنقه، فصلى ركعتين، وقال لمن حضر من أهله، لا تطلقوا عني حديداً، ولا تغسلوا عني دماً، فإني ملاق معاوية على الجادة.
4 (حسان بن ثابت الأنصاري)
سوى ت بن المنذر بن حرام الأنصاري النجاري،

(4/194)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 195
أبو عبد الرحمن، شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(4/195)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 196
دعا له النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم أيده بروح القدس. روى عنه: ابنه عبد الرحمن، وسعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وغيرهم. بلغنا أن حسان، وأباه، وجده، وجد أبيه، عاش كل منهم مائة وعشرين سنة. وكان في حسان جبن، وأضر بأخره.

(4/196)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 197
وله شعر فائق في الفصاحة.) توفي سنة أربع وخمسين.
4 (حكيم بن حزام)
ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي أبو خالد، وعمته خديجة رضي الله عنها.

(4/197)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 198
وكان يوم الفيل مراهقاً، وهو والد هشام، له صحبة، ورواية، وشرف في قومه، وحشمة. روى عنه: ابنه حزام، وسعيد بن المسيب، وعبد الله بن الحارث بن نوفل، وعروة بن الزبير، وموسى بن طلحة، ويوسف بن ماهك، وغيرهم. حضر بدراً مشركاً، وأسلم عام الفتح، وكان إذا اجتهد في يمينه قال: لا والذي نجاني يوم بدر من القتل. وله منقبة وهو أنه ولد في جوف الكعبة. وأسلم وله ستون سنة أو أكثر، وكان من المؤلفة قلوبهم. أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين مائة من الإبل. قاله ابن إسحاق. حصل حكيم أموالاً من التجارة، وكان شديد الأدمة نحيفاً. ولما ضيقت قريش على بني هاشم بالشعب، كان حكيم تأتيه العير، تحمل الحنطة، فيقبلها الشعب، ثم يضرب أعجازها، فتدخل عليهم. وقال عروة: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح: من دخل دار حكيم فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل دار بديل بن ورقاء فهو آمن.

(4/198)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 199
وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أسلمت على ما سلف لك من خير. وكان سمحاً جواداً كريماً، عالماً بالنسب، أعتق في الجاهلية مائة رقبة، وفي الإسلام مائة رقبة، وكان ذا رأي وعقل تام، وهو أحد من دفن عثمان سراً. وباع داراً لمعاوية بستين ألفاً، وتصدق بها، وقال: اشتريتها في الجاهلية بزق خمر. وروي أن الزبير لما توفي، قال حكيم بن حزام لابن الزبير: كم على أخي من الدين قال: ألف ألف درهم، قال: علي منها خمسمائة ألف. ودخل على حكيم عند الموت وهو يقول: لا إله إلا الله، قد كنت أخشاك، وأنا اليوم أرجوك. توفي رضي الله عنه سنة أربع وخمسين.
4 (حويطب بن عبد العزى)
) العامري.

(4/199)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 200
من مسلمة الفتح، له صحبة، وهو أحد من دفن عثمان، وكان حميد الإسلام. عمر مائة وعشرين سنة. ويروى انه باع من معاوية داراً بالمدينة بأربعين ألف دينار. روى عن عبد الله بن السعدي، حديث رزق العامل، رواه عنه السائب بن يزيد، وهو في الصحيحين، قد اجتمع في إسناده أربعة من الصحابة. توفي حويطب سنة أربع، ويقال سنة اثنتين وخمسين.

(4/200)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 201
4 (الخاء)

4 (خالد بن عرفطة)
العذري يقال له صحبة ورواية. روى عنه: مولاه مسلم، وأبو عثمان النهدي، وعبد الله بن يسار. وكان أحد الأبطال المذكورين. توفي بالكوفة سنة ستين. قال ابن سعد: وكان سعد ولى خالداً القتال يوم القادسية، وهو الذي

(4/201)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 202
قتل الخوارج يوم النخيلة، وله بالكوفة دار وعقب.
4 (خراش بن أمية)
الكعبي الخزاعي له دار بالمدينة بسوق الدجاج. شهد بيعة الرضوان وحلق رأس النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ، وتوفي آخر أيام معاوية. قال ابن سعد: لم يرو شيئاً.

(4/202)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 203
4 (الدال)

4 (دغفل بن حنظلة،)
الشيباني، الذهلي، النسابة. مختلف في صحبته. وقال أحمد بن حنبل: لا أرى له صحبة، توفي في دهر معاوية.

(4/203)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 204
4 (الذال)

4 (ذو مخمرالحبشي)
ويقال: ذو مخبر الحبشي، ابن أخي النجاشي. هاجر، وخدم النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه.) روى عنه: جبير بن نفير، وخالد بن معدان، وأبو الزاهرية حدير بن كريب، ويزيد بن صلح. توفي بالشام.

(4/204)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 205
4 (الراء)

4 (الربيع بن زياد، الحارثي الأمير،)
يكنى أبا عبد الرحمن. روى عن: أبي بن كعب، وكعب الأحبار. وعنه: أبو مخلد لاحق، ومطرف بن الشخير، وحفصة بنت سيرين، وأرسل عنه قتادة. ولي خراسان لمعاوية، وكان الحسن البصري كاتباً له.

(4/205)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 206
روى الهيثم، عن مجالد، عن الشعبي قال: قال عمر: دلوني على رجل أستعمله، فذكروا له جماعة، فلم يردهم، قالوا: من تريد قال: من إذا كان أميرهم كان كأنه رجل منهم، وإذا لم يكن أميرهم كان كأنه أميرهم، قالوا: ما نعلمه إلا الربيع بن زياد الحارثي، قال: صدقتم. قال أبو أحمد الحاكم في الكنى: لما بلغ الربيع بن زياد مقتل حجر بن عدي، دعا فقال: اللهم إن كان للربيع عندك خير، فاقبضه إليك وعجل، فزعموا أنه لم يبرح من مجلسه حتى مات، رحمه الله.
4 (رويفع بن ثابت لأنصاري)
د ت ن الأنصاري أمير المغرب. يقال: توفي سنة اثنتين وخمسين، وقد ذكر في الطبقة الماضية. وأما ابن يونس فقال: توفي سنة ست وخمسين.

(4/206)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 207
4 (الزاي)

4 (زياد بن عبيد، الأمير)
الذي ادعى معاوية أنه أخوه والتحق به، وجمع

(4/207)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 208
له إمرة العراق، كنيته أبو المغيرة، أسلم في عهد أبي بكر، وكان كاتب أبي موسى في إمرته على البصرة. سمع من عمر. روى عنه: محمد بن سيرين، وعبد الملك بن عمير، وجماعة. وولد سنة الهجرة، وأمه سمية جارية الحارث بن كلدة الثقفي. قال البخاري: هو أخو أبي بكرة الثقفي لأمه. وكان زياد لبيباً فاضلاً، حازماً، من دهاة العرب، بحيث يضرب به المثل. يقال أنه كتب لأبي موسى، وللمغيرة بن شعبة، ولعبد الله بن عامر، وكتب بالبصرة لابن) عباس. وذكر الشعبي: أن عبد الله بن عباس لما سار من البصرة مع علي إلى صفين استخلف زياداً على بيت المال. وذكر عوانة بن الحكم أن أبا سفيان بن حرب صار إلى الطائف فسكر، فالتمس بغياً، فأحضرت له سمية، فواقعها، وكانت مزوجة بعبيد مولى الحارث بن كلدة، قال: فولدت زياداً، فادعاه معاوية في خلافته، وأنه من ظهر أبي سفيان. ولما توفي علي كان زياد عامله على فارس، فتحصن في قلعة، ثم كاتب معاوية أن يصالحه على ألفي ألف درهم، ثم أقبل زياد من فارس. وقال محمد بن سيرين: إن زياداً قال لأبي بكرة، وهو أخوه لأمه: ألم تر أن أمير المؤمنين أرادني على كذا وكذا، وقد ولدت على فراش عبيد وأشبهته، وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ادعى إلى غير أبيه، فليتبوأ

(4/208)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 209
مقعده من النار. ثم جاء العام المقبل، وقد ادعاه. قال الشعبي: ما رأيت أحداً أخطب من زياد. وقال قبيصة بن جابر: ما رأيت أخصب نادياً، ولا أكرم جليساً، ولا أشبه سريرة بعلانية من زياد، ما كان إلا عروساً. وقال الفقيه الوزير أبو محمد بن حزم في كتاب الفضل: ولقد امتنع زياد وهو فقعة القاع لا عشيرة له ولا نسب، ولا سابقة، ولا قدم، فما أطاقه معاوية إلا بالمداراة، حتى أرضاه وولاه. وقال أبو الشعثاء جابر بن زيد: كان أقتل لأهل دينه ممن يخالف هواه من الحجاج، وكان الحجاج أعلم بالقتل. وقال ابن شوذب: بلغ ابن عمر أن زياداً كتب إلى معاوية: إني قد

(4/209)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 210
ضبطت العراق بيميني، وشمالي فارغة، فسأله أن يوليه الحجاز، فقال ابن عمر: اللهم إنك تجعل في القتل كفارة، فموتاً لابن سمية لا قتلاً، فخرج في إصبع زياد الطاعون، فمات. وقال الحسن البصري: بلغ الحسن بن علي أن زياداً يتتبع شيعة علي بالبصرة فيقتلهم، فدعا عليه. وروى ابن الكلبي: أن زياداً جمع أهل الكوفة ليعرضهم على البراءة من علي، فخرج خارج) من القصر فقال: إن الأمير مشغول، فانصرفوا، وإذا الطاعون قد ضربه. توفي سنة ثلاث وخمسين. وله أخبار تطول.
4 (زيد بن ثابت)
رضي الله عنه، قد ذكر في الماضية. وقال أحمد بن حنبل، والفلاس: توفي سنة إحدى وخمسين. وقال المدائني، وغيره: توفي سنة خمس وخمسين.

(4/210)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 211
4 (السين)

4 (السائب بن خلاد)
بن سويد بن ثعلبة، أبو سهلة الأنصاري الخزرجي. له صحبة، وأحاديث قليلة. روى عنه: ابنه خلاد، وعطاء بن يسار، ومحمد بن كعب القرظي، وصالح بن حيوان السبائي، وعبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي صعصعة. وقيل: هما اثنان، وأن والد خلاد ما روى عنه إلا ولده.
4 (السائب بن أبي وداعة،)
القرشي السهمي.

(4/211)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 212
أسر يوم بدر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تمسكوا به فإن له ابناً كيساً بمكة. فخرج ابنه عبد المطلب سراً حتى قدم، ففدى أباه بأربعة آلاف درهم، ثم أسلم السائب، وتوفي سنة سبع وخمسين.
4 (سبرة بن معبد الجهني.)
ويقال سبرة بن عوسجة بن حرملة الجهني. له صحبة ورواية. روى عنه: ابنه الربيع أحاديث. أخرج له مسلم وغيره، وكان رسول علي إلى معاوية من المدينة، بعد مقتل عثمان. وكنيته: أبو ثرية.
4 (سعد بن أبي وقاص)
مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة، أبو إسحاق الزهري.

(4/212)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 213
أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد السابقين الأولين، كان يقال له

(4/213)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 214
فارس الإسلام، وهو أول) من رمى بسهم في سبيل الله. وكان مقدم الجيوش في فتح العراق، مجاب الدعوة، كثير المناقب، هاجر إلى المدينة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد بدراً. روى عنه: بنوه عامر، ومصعب، وإبراهيم، وعمر، ومحمد، وعائشة بنو سعد، وبسر بن سعيد، وسعيد بن المسيب، وأبو عثمان النهدي، وعلقمة بن قيس، وعروة بن الزبير، وأبو صالح السمان، وآخرون. وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس. أسلم وهو ابن تسع عشرة سنة، وكان قصيراً دحداحاً غلظاً، ذا هامة، شثن الأصابع، جعد الشعر، أشعر الجسد، آدم، أفطس. قال سعيد بن المسيب: سمعت سعداً يقول: مكثت سبع ليال، وإني لثلث الإسلام.

(4/214)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 215
وقال قيس بن أبي حازم: قال سعيد: ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه لأحد قبلي، قال لي: يا سعد فداك أبي وأمي. وإني لأول من رمى المشركين بسهم، ولقد رأيتني مع النبي صلى الله عليه وسلم سابع سبعة، ما لنا طعام إلا ورق السمر، حتى إن أحدنا ليضع مثل ما تضع الشاة، ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الإسلام، لقد خبت إذن وضل سعيي. وقال بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد، عن أبيه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع له أبويه قال: كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إرم فداك أبي وأمي، قال: فنزعت بسهم ليس فيه نصل، فأصبت جبهته، فوقع، فانكشفت عورته، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى بدت نواجذه. وعن الزهري قال: قتل سعد يوم أحد بسهم رمي به ثلاثة: رموا به، فأخذه سعد، فرمى به فقتل، فرموا به، فأخذه سعد الثانية، فقتل، فرموا به فرمى به، سعد ثالثاً، فقتل ثالثاً، فعجب الناس من فعله.

(4/215)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 216
قال ابن المسيب: كان سعد جيد الرمي. وقال علي رضي الله عنه: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع أبويه لأحد غير سعد. وقال ابن مسعود: لقد رأيت سعداً يقاتل يوم بدر قتال الفارس في الرجال.) وروى عثمان بن عبد الرحمن، عن الزهري قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فيها سعد بن أبي وقاص على رابغ، وهو من جانب الجحفة، فانكفأ المشركون على المسلمين، فحماهم سعد يومئذ بسهامه، وهذا أول قتال كان في الإسلام، فقال سعد:
(ألا أتى رسول الله أني .......... حميت صحابتي بصدور نبلي)

(فما يعتد رام في عدو .......... بسهم يا رسول الله قبلي)
وقال ابن مسعود: اشتركت أنا، وسعد، وعمار، يوم بدر فيما نغنم، فجاء سعد بأسيرين، ولم أجيء أنا ولا عمار بشيء. وعن أبي إسحاق قال: كان أشد الصحابة أربعة: عمر، وعلي، والزبير، وسعد.

(4/216)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 217
وجاء عن ابن عمر، وأنس، وعبد الله بن عمرو، من وجوه ضعيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أول من يدخل من هذا الباب عليكم رجل من أهل الجنة، فدخل سعد بن أبي وقاص. وقال سعد: ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي. نزلت في ستة، وأنا وابن مسعود منهم. أخرجه مسلم. وقال مجالد، عن الشعبي، عن جابر قال: أقبل سعد بن أبي وقاص، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا خالي، فليرني امرؤ خاله. وقال عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة قال: شكا أهل الكوفة سعداً يعني لما كان أميراً عليهم إلى عمر فقالوا: إنه لا يحسن يصلي، فقال سعد: أما إني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلاتي العشاء، لا أخرم منها، أركد في الأوليين واحذف في الأخريين، فقال: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق، ثم بعث رجالاً يسألون عنه، فكانوا لا يأتون مسجداً من مساجد الكوفة إلا قالوا خيراً، حتى أتوا مسجداً من مساجد بني عبس، فقال رجل يقال له أبو سعدة: أما إذ أنشدتمونا بالله، فإنه كان لا يعدل في القضية، ولا يقسم بالسوية، ولا يغزو في السرية، فقال سعد: اللهم إن كان كاذباً، فأعم بصره، وأطل عمره، وعرضه للفتن، قال عبد الملك: أنا رأيته بعد يتعرض للإماء في السكك، فإذا سئل كيف أنت يقول: شيخ كبير فقير

(4/217)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 218
مفتون، أصابتني دعوة سعد. وقال الزبير بن عدي، عن مصعب، إن سعداً خطبهم بالكوفة، ثم قال: يا أهل الكوفة، أي أمير) كنت لكم فقام رجل فقال: إن كنت ما علمتك لا تعدل في الرعية، ولا تقسم بالسوية، ولا تغزو في السرية فقال: اللهم إن كان كاذباً فأعم بصره، وعجل فقره، وأطل عمره، وعرضه للفتن، قال: فما مات حتى عمر وافتقر وسأل، وأدرك فتنة المختار فقتل فيها. وقال شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن سعيد بن المسيب قال: خرجت جارية لسعد، وعليها قميص جديد، فكشفها الريح، فشد عمر عليها بالدرة، وجاء سعد ليمنعه فتناوله بالدرة، فذهب سعد ليدعو على عمر، فناوله الدرة وقال: اقتص، فعفا عن عمر. وقال زياد البكائي عن عبد الملك بن عمير، عن قبيصة بن جابر قال: قال ابن عمر لنا يوم القادسية:
(ألم تر أن الله أنزل نصره .......... وسعد بباب القادسية معصم)

(فأبنا وقد آمت نساء كثيرة .......... ونسوة سعد ليس فيهن أيم)
فبلغ سعداً فقال: اللهم اقطع عني لسانه، فجاءت نشابة، فأصابت فاه، فخرس، ثم قطعت يده في القتال. وكان في جسد سعد قروح، فأخبر الناس بعذره عن القتال.

(4/218)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 219
وقال مصعب بن سعد، وغيره: إن رجلاً نال من علي، فنهاه سعد، فلم ينته، فدعا عليه، فما برح حتى جاء بعير ناد، فخبطه حتى مات. لها طرق عن سعد. وقال جرير بن مغيرة، عن أمه قالت: زرنا آل سعد بن أبي وقاص، فرأينا جارية كان طولها شبر، قلت: من هذه قالوا: ما تعرفينها، هذه بنت سعد، غمست يدها في طهوره فقال: قصه الله قرنك، فما شبت بعد. قد ذكرنا فيما مر أن سعداً جعله عمر أحد الستة أهل الشورى، وقال: إن أصابت الخلافة سعداً، وإلا فليستعن به الخليفة بعدي، فإني لم أعزله من ضعف ولا من خيانة. وسعد كان ممن اعتزل علياً ومعاوية. قال أيوب، عن ابن سيرين: نبئت أن سعداً قال: ما أزعم أني بقميصي هذا أحق مني الخلافة، قد جاهدت إذ أنا أعرف الجهاد، ولا أبخع نفسي إن كان رجل هذا مؤمن وهذا كافر.

(4/219)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 220
وقال محمد بن الضحاك الحزامي، عن أبيه، أن علياً رضي الله عنه خطب بعد الحكمين فقال: لله منزل نزله سعد بن مالك وعبد الله بن عمر والله لئن كان ذنباً يعني اعتزالهما إنه لصغير مغفور، ولئن كان حسناً، إنه لعظيم مشكور.) وقال عمر بن الحكم، عن عوانة: دخل سعد على معاوية، فلم يسلم عليه بالإمارة، فقال معاوية: لو شئت أن تقول غيرها لقلت، قال: فنحن المؤمنون ولم نؤمرك، فإنك معجب بما أنت فيه، والله ما يسرني أني على الذي أنت عليه، وإني هرقت محجمة دم. وقال محمد بن سيرين: إن سعداً طاف على تسع جوار في ليلة، ثم أيقظ العاشرة، فغلبه النوم، فاستحيت أن توقظه. وقال الزهري: إن سعداً لما حضرته الوفاة، دعا بخلق جبة من صوف فقال: كفنوني فيها، فإني لقيت فيها المشركين يوم بدر، وإنما خبأتها لهذا اليوم. وقال حماد بن سلمة، عن سماك، عن مصعب بن سعد قال: كان رأس أبي في حجري، وهو يقضي، فبكيت، فرفع رأسه إلي فقال: أي بني ما يبكيك قلت: لمكانك وما أرى بك، فقال: لا تبك، فإن الله لا يعذبني أبداً، وإني من أهل الجنة. وعن عائشة بنت سعد، أن أباها أرسل إلى مروان بزكاة عين ماله، خمسة آلاف، وخلف يوم مات مائتين وخمسين ألف درهم. قال الزبير بن بكار: كان سعد قد اعتزل في الآخر في قصر بناه بطرف حمراء الأسد.

(4/220)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 221
قال الواقدي، وابن المديني، وجماعة كثيرة: توفي سنة خمس وخمسين. وقال قعنب بن المحرر: سنة ثمان وخمسين، وقيل سنة سبع، وليس بشيء. وقال ابن سعد: توفي في قصره بالعقيق، على سبعة أميال من المدينة، وحمل إلى المدينة، وصلى عليه مروان، وله أربع وسبعون سنة.
4 (سعيد بن زيد)
ابن عمرو بن نفيل بن عبد العزى، القرشي العدوي، أبو الأعور.

(4/221)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 222
أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وكان أميراً على ربع المهاجرين، وولي دمشق نيابة لأبي عبيدة، وشهد فتحها. روى عنه: ابن عمر، وأبو الطفيل، وعمرو بن حريث، وزر بن حبيش، وحميد بن عبد الرحمن، وقيس بن أبي حازم، وعروة بن الزبير، وجماعة. وقال أهل المغازي: إن سعيد بن زيد قدم من الشام بعيد بدر، فكلم النبي صلى الله عليه وسلم، فضرب له بسهمه وأجره.) أسلم سعيد قبل دخول دار الأرقم، وكان مزوجاً بفاطمة أخت عمر، وهي بنت عم أبيه. وقال سعيد: ولقد رأيتني وإن عمر لموثقي على الإسلام، فلم يكن عمر أسلم بعد. وعن ابن مكيث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سعيداً وطلحة يتجسسان خبر عير قريش، فلهذا غابا عن وقعة بدر، فرجعا إلى المدينة وقدماها في يوم الوقعة، فخرجا يؤمانه، وشهد سعيد أحداً وما بعدها. وقال عبد الله بن ظالم المازني، عن سعيد بن زيد قال: أشهد على التسعة أنهم في الجنة، ولو شهدت على العاشر لم آثم، يعني نفسه.

(4/222)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 223
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن الشهادة لأبي بكر وعمر بالجنة، فقال: نعم، اذهب إلى حديث سعيد بن زيد. وقال هشام بن عروة، عن أبيه، إن أروى بنت أويس ادعت على سعيد بن زيد أنه اخذ من أرضها شيئاً، فخاصمته إلى مروان، فقال: أنا آخذ من أرضها شيئاً بعدما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت يقول: من أخذ شيئاً من الأرض طوقه من سبع أرضين، فقال مروان: لا أسألك بينة بعد هذا، فقال سعيد: اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها، واقتلها في أرضها، فما ماتت حتى ذهب بصرها، وبينا هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت. رواه مسلم. وقال عطاء بن السائب، عن محارب بن دثار إن معاوية كتب إلى مروان بالمدينة يبايع لابنه يزيد، فقال رجل من أهل الشام: ما يحبسك قال: حتى يجيء سعيد بن زيد فيبايع، فإنه سيد أهل البلد، إذا بايع بايع الناس.

(4/223)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 224
وقال نافع: إن ابن عمر لما سمع بموت سعيد بالعقيق، ذهب إليه، وترك الجمعة. وقالت عائشة بنت سعد بن أبي وقاص: مات سعيد بن زيد بالعقيق، فغسله سعد وكفنه، وخرج معه. قال مالك: كلاهما مات بالعقيق. وقال الواقدي: توفي سنة إحدى وخمسين، وهو ابن بضع وسبعين سنة، وقبر بالمدينة، ونزل في قبره سعد وابن عمر، وكان رجلاً آدم، طويلاً، أشعر. وكذا ورخ موته ابن بكير وجماعة، وشذ عبيد الله بن سعد الزهري فقال: سنة اثنتين وخمسين،) وغلط الهيثم بن عدي فقال: توفي بالكوفة رضي الله عنه. وقال عبد الله بن ظالم المازني، عن سعيد بن زيد قال: أشهد على التسعة أنهم في الجنة، فقال: نعم، أذهب إلى حديث سعيد بن زيد.
4 (سعيد بن العاص)
ابن سعيد بن العاص بن أمية الأموي، والد عمرو، ويحيى.

(4/224)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 225
قتل أبوه يوم بدر مشركاً وخلف سعيداً طفلاً. وقال أبو حاتم: له صحبة. روى عن: عمر، وعائشة. وعنه: ابناه، وعروة بن الزبير، وسالم بن عبد الله. وكان أحد الأشراف الأجواد الممدحين، والحلماء العقلاء. ولي إمرة المدينة غير مرة لمعاوية، وولي الكوفة لعثمان، واعتزل عليا

(4/225)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 226
ً ومعاوية من عقله، فلما صفا الأمر لمعاوية وفد إليه، فأمر له بجائزة عظيمة، وقد غزا سعيد طبرستان في إمرته على الكوفة، فافتتحها، وفيه يقول الفرزدق:
(ترى الغر الجحاجح من قريش .......... إذ ما الأمر دون الحدثان عالا)

(قياماً ينظرون إلى سعيد .......... كأنهم يرون به هلالا)
وقال ابن سعد: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولسعيد بن العاص أبي أحيحة تسع سنين أو نحوها. ولم يزل في ناحية عثمان لقرابته منه، فاستعمله على الكوفة لما عزل عنها الوليد بن عتبة، فقدمها سعيد شاباً مترفاً، فأضر بأهلها إضراراً شديداً، وعمل عليها خمس سنين إلا شهراً، ثم قام عليه أهل الكوفة وطردوه، وأمروا عليهم أبا موسى، فأبى عليهم، وجدد البيعة في رقابهم لعثمان، وكتب إليه فاستعمله عليهم. وكان سعيد بن العاص يوم الدار مع عثمان يقاتل عنه، ولما خرج طلحة والزبير نحو البصرة خرج معهم سعيد، ومروان، والمغيرة بن شعبة، فلما نزلوا مر الظهران قام سعيد خطيباً، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإن عثمان عاش حميداً، وخرج شهيداً، فضاعف الله له حسناته، وقد زعمتم أنكم خرجتم تطلبون بدمه، فإن كنتم تريدون ذلك، فإن قتله عثمان على) صدور هذه المطي وأعجازها، فميلوا عليهم أسيافكم، فقال مروان: لا بل

(4/226)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 227
نضرب بعضهم ببعض، فمن قتل ظفرنا منه، ويبقى الباقي فنطلبه وقد وهن، وقام المغيرة فقال: الرأي ما رأى سعيد، وذهب إلى الطائف، ورجع سعيد بن العاص بمن اتبعه، فلم يزل بمكة حتى مضت الجمل وصفين. وقال قبيصة بن جابر: إنهم سألوا معاوية: من ترى لهذا الأمر بعدك قال: أما كريمة قريش فسعيد بن العاص وأما فلان، وذكر جماعة. ابن سعد: ثنا علي بن محمد، عن يزيد بن عياض بن جعدية، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال: خطب سعيد بن العاص أم كلثوم بنت علي بعد عمر بن الخطاب، وبعث إليها بمائة ألف، فدخل عليها أخوها الحسين فقال: لا تزوجيه، فأرسلت إلى الحسن فقال: أنا أزوجه، واتعدوا لذلك، وحضر الحسن، وأتاهم سعيد بن العاص ومن معه، فقال سعيد: أين أبو عبد الله قال الحسن: سأكفيك، قال: فلعل أبا عبد الله كره هذا قال: نعم، قال: لا أدخل في شيء يكرهه، ورجع ولم يعرض للمال، ولم يأخذ منه شيئاً. وقال الوليد بن مزيد: ثنا سعيد بن عبد العزيز قال: عربية القرآن أقيمت على لسان سعيد بن العاص بن سعيد لأنه كان أشبههم لهجةً برسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى الواقدي، عن رجاله، أن سعيد بن العاص خرج من الدار، فقاتل حتى أم، ضربه رجل ضربة مأمومة، قال الذي رآه: فلقد رأيته،

(4/227)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 228
ليسمع صوت الرعد، فيغشى عليه. وقال هشيم: قدم الزبير الكوفة زمن عثمان، وعليها سعيد بن العاص، وبعث إلى الزبير بسبعمائة فقبلها. وعن صالح بن كيسان قال: كان سعيد بن العاص حليماً وقوراً، ولقد كانت المأمومة التي أصابت رأسه يوم الدار، قد كاد أن يخف منها بعض الخفة وهو على ذلك من أوقر الرجال وأحلمهم. وقال ابن عون، عن عمير بن إسحاق قال: كان مروان أميراً علينا بالمدينة ست سنين، فكان يسب علياً في الجمع، ثم عزل، فاستعمل عليها سعيد بن العاص، فكان لا يسب علياً. وقال ابن عيينة: كان سعيد بن العاص إذا سأله سائل، فلم يكن عنده شيء قال: اكتب علي بمسألتكم سجلاً إلى أيام ميسرتي.) وروى الأصمعي أن سعيد بن العاص كان يدعوا إخوانه وجيرانه كل جمعة، فيصنع لهم الطعام، ويخلع عليهم الثياب الفاخرة، ويأمرهم بالجوائز الواسعة. وروى عبد الأعلى بن حماد قال: استسقى سعيد بن العاص من دار بالمدينة، فسقوه، ثم حضر صاحب الدار في الوقت مع جماعة يعرض الدار للبيع، وكان عليه أربعة آلاف دينار، فبلغ ذلك سعيداً فقال: إن له عليه ذماماً لسقيه، فأداها عنه. وعن يحيى بن سعيد الأموي: أن سعيد بن العاص أطعم الناس في سنة جدبة، حتى أنفق ما في بيت المال وأدان، فعزله معاوية لذلك.

(4/228)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 229
ويروى: أنه توفي وعليه ثمانون ألف دينار. الواقدي: حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبيه قال: لما مات الحسن بعث سعيد بن العاص بريداً يخبر معاوية، وبعث مروان أيضاً بريداً، وأن الحسن أوصى أن يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك لا يكون وأنا حي، فلما دفن الحسن بالبقيع، أرسل مروان بذلك وبقيامه مع بني أمية ومواليهم، وأني يا أمير المؤمنين عقدت لوائي، ولبسنا السلاح في ألفي رجل، فدرأ الله، أن يكون مع أبي بكر وعمر ثالث أبداً، حيث لم يكن أمير المؤمنين عثمان المظلوم وكانوا هم الذين فعلوا بعثمان ما فعلوا، وكتب معاوية إلى مروان يشكر له، وولاه المدينة، وعزل سعيد بن العاص، وكتب إلى مروان أن لا تدع لسعيد مالاً إلا أخذته، فلما جاء مروان الكتاب بعث به مع ابنه عبد الملك إلى سعيد، فلما قرأه أخرج كتابين، وقال لعبد الملك: إقرأهما، فإذا فيهما: من معاوية إلى سعيد، يأمره حين عزل مروان أن يقبض أمواله، ولا يدع له عذقاً، فجزاه عبد الملك خيراً وقال: والله لولا أنك جئتني بهذا الكتاب، ما ذكرت مما ترى حرفاً واحداً، فجاء عبد الملك بن مروان بالكتاب إلي أبيه، قال مروان: هو كان أوصل لنا منا له. وعن صالح بن كيسان قال: كان سعيد بن العاص أوقر الرجال وأحلمهم، وكان مروان حديدي اللسان، سريع الجواب، ذلق اللسان، قلما صبر إن كان في صدره حب أحد أو بغضه إلا ذكره، وكان سعيد خلاف ذلك ويقول: إن الأمور تغير، والقلوب تتغير، فلا ينبغي للمرء أن يكون مادحاً اليوم، غائباً غداً. قال الزبير: مات سعيد في قصره بالعرصة، على ثلاثة أميال من المدينة، وحمل إلى البقيع،) وركب ابنه عمرو بن سعيد إلى معاوية، فباعه

(4/229)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 230
منزله وبستانه بالعرصة بثلاثمائة ألف درهم، قاله الزبير بن بكار. وفي ذلك المكان يقول عمرو بن الوليد بن عقبة:
(القصر ذو النخل والجمار فوقهما .......... أشهى إلى النفس من أبواب جيرون)
قال خليفة وغيره: توفي سنة تسع وخمسين. وقال مسدد: مات سعيد بن العاص، وعائشة، وأبو هريرة، وعبد الله بن عامر: سنة سبع أو ثمان وخمسين. وقال أبو معشر: سنة ثمان وخمسين.
4 (سعيد بن يربوع المخزومي.)
من مسلمة الفتح، وشهد حنيناً. كان ممن يجدد أنصاب الحرم لخبرته بحدود الحرم.

(4/230)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 231
روى ابنه عبد الرحمن، عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً. توفي سنة أربع وخمسين، وعاش مائة وعشرين سنة، وهو من أقران حكيم بن حزام.
4 (سفيان بن عوف،)
الأزدي الغامدي الأمير. شهد فتح دمشق، وولي غزو الرصافة لمعاوية، وتوفي مرابطاً بأرض الروم سنة اثنتين وخمسين، ولا صحبة له.
4 (سمرة بن جندب)
ابن هلال الفزاري.

(4/231)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 232
له صحبة ورواية وشرف، ولي إمرة الكوفة والبصرة خلافة لزياد. روى عنه: ابنه سليمان، وأبو قلابة الجرمي، وأبو رجاء العطاردي، وأبو نضرة العبدي، وعبد الله بن بريدة، ومحمد بن سيرين، والحسن بن أبي الحسن، وسماعه منه ثابت، فالصحيح لزوم الاحتجاج بروايته عنه، ولا عبرة بقول من قال من الأئمة: لم يسمع الحسن من سمرة، لأن عندهم علماً زائداً على ما عندهم من نفي سماعه منه. وكان سمرة شديداً على الخوارج، فقتل منهم جماعة، وكان الحسن وابن سيرين يثنيان عليه. وقال معاذ بن معاذ: ثنا شعبة، عن أبي سلمة، عن أبي نضرة، عن أبي هريرة، أن النبي صلى) الله عليه وسلم قال لعشرة من أصحابه في بيت: آخركم موتاً في النار. فيهم سمرة بن جندب، قال أبو نضرة: فكان سمرة آخرهم موتاً. أبو نضرة لم يسمع من أبي هريرة، لكن للحديث مع غرابته شاهد من حديث أبي هريرة، وهو ما رواه إسماعيل بن حكيم ولم يذكره أحد بجرح

(4/232)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 233
قال: ثنا يونس بن عبيد، عن الحسن، عن أنس بن حكيم الضبي قال: كنت أمر بالمدينة، فألقى أبا هريرة، فلا يبدأ بشيء حتى يسألني عن سمرة، فإذا أخبرته بحياته فرح، فقال: إنا كنا عشرة في بيت، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ونظر في وجوهنا، وأخذ بعضادتي الباب، ثم قال: آخركم موتاً في النار. فقد مات منا ثمانية، ولم يبق غيري وغير سمرة، فليس شيء أحب إلي من أن أكون قد ذقت الموت. وروى مثله حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن أوس بن خالد قال: كنت إذا قدمت على أبي محذورة سألني عن سمرة، وإذا قدمت على سمرة سألني عن أبي محذورة، فسألته، فقال: إني كنت أنا وسمرة، وأبو هريرة في بيت، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: آخركم موتاً في النار، فمات أبو هريرة، ثم مات أبو محذورة. وقال معمر: ثنا عبد الله بن طاوس وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسمرة بن جندب، ولأبي هريرة، ولآخر: آخركم موتاً في النار. فمات الرجل، فكان الرجل إذا أراد أن يغيظ أبا هريرة يقول: مات سمرة، فإذا سمعه غشي عليه وصعق، ثم مات أبو هريرة قبل سمرة. وقتل سمرة بشراً كثيراً. وقال سليمان بن حرب: ثنا عامر بن أبي عامر قال: كنا في مجلس يونس بن عبيد في أصحاب الخز، فقالوا: ما في الأرض بقعة نشفت من الدم ما نشفت هذه البقعة يعنون دار الإمارة قتل بها سبعون ألفاً، فجاء يونس بن عبيد، فقلت: إنهم يقولون كذا وكذا، فقال: نعم من بين قتيل وقطيع، قيل له: ومن فعل ذلك يا أبا عبد الله قال: زياد وابنه عبيد الله وسمرة. قال البيهقي: نرجو لسمرة بصحبته رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى عبد الله بن معاوية الجمحي، عن رجل: أن سمرة استجمر، فغفل عن نفسه، وغفلوا عنه حتى أخذته.

(4/233)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 234
وهب بن جرير، عن أبيه، سمع أبا يزيد المديني يقول: لما مرض سمرة أصابه برد شديد،) فأوقدت له نار في كانون بين يديه، وكانون خلفه، وكانون عن يمينه، وآخر عن شماله، فجعل لا ينتفع بذلك، وكان يقول: كيف أصنع بما في جوفي، فلم يزل كذلك حتى مات. وإن صح هذا فيكون إن شاء الله قوله عليه السلام آخركم موتاً في النار متعلقاً بموته في النار، لا بذاته. قال عبد الله بن صبيح، عن ابن سيرين: كان سمرة فيما علمت عظيم الأمانة، صدوقاً، يحب الإسلام وأهله. توفي سمرة سنة تسع وخمسين، ويقال: في أول سنة ستين.
4 (سودة أم المؤمنين)
مرت في خلافة عمر. قال الواقدي: الثابت عندنا أنها توفيت سنة أربع وخمسين فيما حدثنا به محمد بن عبد الله بن مسلم، عن أبيه.

(4/234)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 235
4 (الشين)

4 (شداد بن أوس)
ابن ثابت، أبو يعلى، ويقال: أبو عبد الرحمن الأنصاري النجاري، ابن أخي حسان بن ثابت.

(4/235)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 236
له صحبة ورواية، أحد سادة الصحابة. روى عنه: بشير بن كعب، وخالد بن معدان، وأبو الأشعث الصنعاني شراحيل، وأبو إدريس الخولاني، وأبو أسماء الرحبي، وجماعة، ومحمد، ويعلى إبناه. فعن عبادة بن الصامت قال: شداد ممن أوتي العلم والحلم. ابن جوصا: ثنا محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عمرو بن محمد بن شداد بن أوس: حدثني أبي، حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده، قال: كان لأبي يعلى شداد بن أوس خمسة أولاد، منهم بنته أسماء لها نسل إلى سنة ثلاثين ومائة. ذكرت باقي الحديث في تلك السنة. قال البخاري: شداد بن أوس، قيل إنه بدري، ولم يصح. وقال محمد بن سنان القزاز وليس بحجة: ثنا عمر بن يونس اليماني، أنبأ علي بن محمد بن عمارة، سمعت شداد أنبأ عمار يحدث، عن شداد بن أوس، وكان بدرياً. وقال محمد بن سعد: لشداد بقية وعقب ببيت المقدس، وبهامات سنة ثمان وخمسين، وله خمس) وسبعون سنة. وعن خالد بن معدان قال: لم يبق من الصحابة بالشام أحد كان أوثق ولا أفقه ولا أرضى من عبادة بن الصامت، وشداد بن أوس، وعمير بن سعد الذي ولاه عمر حمص. وذكر غير واحد وفاة شداد سنة ثمان وخمسين، إلا ما رواه ابن جوصا

(4/236)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 237
عن محمد بن عبد الوهاب بن محمد المذكور، عن آبائه، أنه توفي سنة أربع وستين. وقال سعيد بن عبد العزيز: فضل شداد بن أوس الأنصار بخصلتين: ببيان إذا نطق، وبكظم إذا غضب. وقال ابن سعد: كان عابداً مجتهداً، قيل إن أباه استشهد يوم أحد، وقال غيره: لما قتل عثمان اعتزل شداد الفتنة وتعبد. وقال فرج بن فضالة، عن أسد بن وداعة، عن شداد بن أوس: أنه كان إذا دخل الفراش يتقلب على فراشه، لا يأتيه النوم، فيقول: اللهم إن النار أذهبت مني النوم، فيقوم فيصلي حتى يصبح. نزل شداد بيت المقدس، وأخباره في تاريخ دمشق. شريك بن شداد، الحضرمي التنعي. أحد العشرة الذين قتلوا مع حجر بعذراء صبراً، في سنة إحدى وخمسين. وهو من التابعين.
4 (شيبة بن عثمان)
بن أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى

(4/237)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 238
العبدري المكي الحجبي، أبو صفية، ويقال أبو عثمان. حاجب الكعبة ابن أخت مصعب بن عمير العبدري، وإليه ينسب بنو شيبة حجبة الكعبة. وأبوه قتله علي رضي الله عنه يوم أحد، فلما كان عام الفتح خرج شيبة مع النبي صلى الله عليه وسلم كافراً إلى حنين، ومن نيته اغتيال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم هداه الله، ومن عليه بالإسلام، فأسلم، وقاتل يومئذ وثبت ولم يول. وروى عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي بكر، وعمر. وعنه: ابناه مصعب بن شيبة، وصفية بنت شيبة، وأبو وائل، وعكرمة، وحفيده مسافع بن عبد الله. توفي سنة تسع وخمسين، وقيل سنة ثمان وخمسين.

(4/238)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 239
وحديثه في البخاري عن عمر.

(4/239)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 240
4 (الصاد)
)
4 (صعصعة بن صوحان)
بن حجر العبدي الكوفي. أحد شيعة علي، أمره على بعض الكراديس يوم صفين. وكان شريفاً، مطاعاً، خطيباً، بليغاً، مفوهاً، واجه عثمان بشيء فأبعده إلى الشام.

(4/240)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 241
وروى عن علي، وغيره. وروى عنه: الشعبي، وأبو إسحاق، وابن بريدة، والمنهال بن عمرو. وقال ابن سعد هو ثقة. وفد على معاوية فخطب، فقال معاوية: إن كنت لأبغض أن أراك خطيباً، قال: وأنا إن كنت لأبغض أن أراك خليفة. وقال ابن سعد: توفي في خلافة معاوية، وكنيته أبو عمر، له حكايات.
4 (صفوان بن المعطل، السلمي،)
الذي له ذكر في حديث الإفك. قد مر في سنة تسع عشرة. وقال الواقدي: توفي سنة ستين بسميساط.
4 (صيفي بن قشيل)
أو فشيل الربعي. كوفي من شيعة علي، قتل صبراً بعذراء مع حجر بن عدي، وكان من رؤوس أصحابه.

(4/241)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 242
4 (الطاء)

4 (طارق بن عبد الله المحاربي)
له صحبة ورواية. روى عنه: ربعي بن حراش وأبو صخرة جامع بن شداد. وله حديثان إسنادهما صحيح.

(4/242)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 243
وهو في عداد أهل الكوفة.

(4/243)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 244
4 (العين)

4 (عائشة أم المؤمنين)
بنت أبي بكر الصديق، التيمية أم عبد الله، فقيهة نساء الأمة.

(4/244)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 245
دخل بها النبي صلى الله عليه وسلم في شوال بعد بدر، ولها من العمر تسع سنين. روى عنها: جماعة من الصحابة، والأسود، ومسروق، وابن المسيب، وعروة، والقاسم،) والشعبي، ومجاهد، وعكرمة، وعطاء بن أبي رباح، وابن أبي مليكة، ومعاذة العدوية، وعمرة الأنصارية، ونافع مولى ابن عمر، وخلق كثير. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضل عائشة على النساء، كفضل الثريد على سائر الطعام.

(4/245)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 246
وعن عائشة: أن جبريل جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذه زوجتك في الدنيا والآخرة. رواه الترمذي وحسنه. وقال عبد العزيز بن المختار: ثنا خالد الحذاء، عن أبي عثمان النهدي، عن عمرو بن العاص قلت: يا رسول الله أي الناس أحب إليك قال: عائشة، قلت: ومن الرجال قال: أبوها. وهذا صحيح صححه الترمذي. وروي بإسناد صحيح من حديث أنس نحوه. وقال زياد بن أيوب: ثنا مصعب بن سلام، ثنا محمد بن سوقة، عن عاصم بن كليب، عن أبيه قال: انتهينا إلى علي، فذكر عائشة فقال: حليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: هذا حديث حسن، فإن مصعباً لا بأس به إن شاء الله. ومن عجيب ما ورد أن أبا محمد بن حزم، مع كونه أعلم أهل زمانه، ذهب إلى أن عائشة أفضل من أبيها، وهذا ما خرق به الإجماع. قال ابن علية، عن أبي سفيان بن العلاء المازني، عن ابن أبي عتيق قال: قالت عائشة: إذا مر ابن عمر فأرونيه، فلما مر قيل لها: هذا ابن عمر، قالت: يا أبا عبد الرحمن ما منعك أن تنهاني عن مسيري قال: رأيت رجلاً قد غلب عليك وظننت أنك لا تخالفينه يعني ابن الزبير قالت: أما إنك لو نهيتني ما خرجت تعني مسيرها في فتنة يوم الجمل. أخبرنا عبد الخالق بن عبد السلام الشافعي، أنبأ ابن قدامة سنة إحدى

(4/246)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 247
عشرة وستمائة، أنبأ محمد هو ابن البطي، أنبأ أحمد بن الحسن، أنبأ أبو القاسم بن بشران، ثنا أبو مسعود، أنبأ أبو الفضل بن خزيمة، ثنا محمد بن أبي العوام، ثنا موسى بن داود، ثنا أبو مسعود الجرار، عن علي بن الأقمر فقال: ككان مسروق إذا حدث عن عائشة رضي الله عنها قال: حدثتني الصديقة بنت الصديق، حبيبة حبيب الله، المبرأة من فوق سبع سموات، فلم أكذبها. وقال أبو بردة بن أبي موسى، عن أبيه قال: ما أشكل علينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حديث قط، فسألنا عنه عائشة، إلا وجدنا عندها منه علماً.) وقال مسروق: رأيت مشيخة الصحابة يسألونها عن الفرائض. وقال عطاء بن أبي رباح: كانت عائشة أفقه الناس، وأحسن الناس رأياً في العامة. وقال الزهري: لو جمع علم عائشة إلى علم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل. وقال أبو إسحاق السبيعي، عن عمرو بن غالب: إن رجلاً نال من عائشة رضي الله عنها، عند عمار بن ياسر فقال: أغرب مقبوحاً منبوحاً، أتؤذي حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم. صححه الترمذي. وقال عمار أيضاً: هي زوجته في الدنيا والآخرة.

(4/247)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 248
قال الترمذي: حسن صحيح. وقال عروة: كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة. وقال الزهري، عن القاسم بن محمد: إن معاوية لما قدم المدينة حاجاً، دخل على عائشة، فلم يشهد كلامهما إلا ذكوان مولى عائشة فقالت له: أمنت أن أخبئ لك رجلاً يقتلك بأخي محمد قال: صدقت، ثم إنها وعظته وحضته على الاتباع، فلما خرج اتكأ على ذكوان وقال: والله ما سمعت خطيباً ليس رسول الله صلى الله عليه وسلم أبلغ من عائشة. وقال سعيد بن عبد العزيز: قضى معاوية عن عائشة ثمانية عشر ألف دينار. وقال عروة بن الزبير: بعث معاوية مرة إلى عائشة بمائة ألف، فوالله ما أمست حتى فرقتها، فقالت مولاتها: لو اشتريت لنا منن هذه الدراهم بدرهم لحماً فقالت: ألا قلت لي. وقال عروة: ما رأيت أعلم بالطب من عائشة، فقال: يا خالة من أين تعلمت الطب قالت: كنت أسمع الناس ينعت بعضهم لبعض. وعن عروة قال: ما رأيت أعلم بالشعر منها. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أم سلمة لا تؤذيني، والله ما نزل علي الوحي، وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها.

(4/248)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 249
وقال القاسم بن محمد: اشتكت عائشة، فجاء ابن عباس فقال: يا أم المؤمنين تقدمين على فرط صدق على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى أبي بكر رضي الله عنه. ولو لم يكن إلا ما في القرآن من البراءة لكفى بذلك شرفاً. ولهذا حظ وافر من الفصاحة والبلاغة، مع ما لها من المناقب رضي الله عنها. توفيت على الصحيح سنة سبع وخمسين بالمدينة، قاله هشام بن عروة، وأحمد بن حنبل،) وشباب. وقال أبو عبيدة، وغيره: في رمضان سنة ثمان. وقال الواقدي: في ليلة سابع عشر رمضان. ودفنت بالبقيع ليلاً، فاجتمع الناس وحضروا، فلم تر ليلة أكثر ناساً منها، وصلى عليها أبو هريرة، ولها ست وستون سنة، وذلك في سنة ثمان. ابن سعد: أنبأ محمد بن عمر حدثني ابن أبي سبرة عن عثمان بن أبي عتيق، عن أبيه قال: رأيت ليلة ماتت عائشة رضي الله عنها حمل معها جريد في الخرق والزيت، فيه ناراً ليلاً، ورأيت النساء بالبقيع كأنه عيد. قال محمد بن عمر: حدثني ابن جريج، عن نافع: شهدت أبا هريرة

(4/249)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 250
صلى على عائشة بالبقيع، وكان خليفة مروان على المدينة، وقد اعتمر تلك الأيام. وقال هشام بن عروة، عن أبيه: إن عائشة دفنت ليلاً. قال حفص بن غياث: ثنا إسماعيل، عن أبي إسحاق قال: قال مسروق: لولا بعض الأمر، لأقمت المناحة على أم المؤمنين. وعن عبد الله بن عبيد الله قال: أما إنه لا يحزن عليها إلا من كانت أمه. وخرج البخاري في تفسير النور من حديث ابن أبي مليكة: أن ابن عباس استأذن عليها وهي مغلوبة، فقالت: أخشى أن يثني علي، فقيل ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن وجوه المسلمين، قالت: ائذنوا له، فقال: كيف تجدينك قالت: بخير إن اتقيت، قال: فأنت بخير إن شاء الله، زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتزوج بكراً غيرك، ونزل عذرك من السماء، فلما جاء ابن الزبير قالت: جاء ابن عباس، وأثنى علي، ووددت أني كنت نسياً منسياً. أبو معاوية، عن الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عورة، عن عائشة، رأيتها تصدق بسبعين ألفاً، وإنها لترقع جانب درعها. أبو معاوية: ثنا هشام بن عروة، عن ابن المنكدر عن أم ذرة قالت: بعث ابن الزبير إلى عائشة بمال في غرارتين، يكون مائة ألف، فدعت بطبق،

(4/250)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 251
فجعلت تقسم في الناس، فلما أمست قالت: يا جارية هاتي فطري، فقالت أم ذرة: يا أم المؤمنين، أما استطعت أن تشتري لحماً مما أنفقت فقالت: لا تعنفيني، لو أذكرتيني لفعلت. القاسم بن عبد الواحد بن أيمن: ثنا عمر بن عبد الله بن عروة عن جده عن عائشة قالت:) فخرت بمال أبي في الجاهلية، وكان ألف ألف أوقية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عائشة كنت لك كأبي زرع لأم زرع. أخرجه س. مطرف بن طريف، عن أبي إسحاق، عن مصعب بن سعد قال: فرض عمر لأمهات المؤمنين عشرة آلاف، عشرة آلاف، وزاد عائشة ألفين، وقال: إنها حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم. شعبة: أنبأ عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه: أن عائشة كانت تصوم الدهر. حجاج بن الأعور، عن ابن جريج، عن عطاء: كنت آتي عائشة أنا وعبيد بن عمير، وهي مجاورة في جوف ثبير، في قبة لها تركية، عليها غشاؤها، ولكن قد رأيت عليها درعاً معصفراً، وأنا صبي. ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يخفى علي حين ترضين وحين تغضبين، في الرضا تحلفين: لا ورب محمد، وفي الغضب تحلفين: لا ورب إبراهيم، فقلت: صدقت يا رسول الله.

(4/251)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 252
رواه أبو أسامة، عن هشام، وفي آخره فقلت: والله لا أهجر إلا اسمك. الواقدي، عن عبد الحكيم بن أبي فروة، عن الأعرج قال: أطعم رسول الله صلى اتلله عليه وسلم عائشة بخيبر ثمانين وعشرين وسقاً. سليمان بن بلال، عن عمرو بن أبي عمرو: سمعت القاسم يقول: كانت عائشة تلبس الأحمرين الذهب والمعصفر وهي محرمة. وقال ابن أبي مليكة: رأيت عليها درعاً مضرجاً. معلى بن أسد: ثنا المعلى بن زياد: حدثنا بكرة بنت عقبة، أنها دخلت على عائشة وهي جالسة في معصفرة، فسألتها عن الحناء فقالت: شدرة طيبة، وماء طهور، وسألتها عن الحفاف فقالت لها: إن كان لك زوج فاستطعت أن تنزعي مقلتيك، فتضعينهما أحسن مما هما فافعلي. المعليان ثقتان. وعن معاذة قالت: رأيت على عائشة ملحفة صفراء. الواقدي: قال ابن أبي الزناد، عن هشام، عن أبيه قال: ربما روت عائشة القصيدة ستين بيتاً وأكثر.)

(4/252)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 253
هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: وددت أني إذا مت كنت نسياً منسياً. مسعر، عن حماد بن إبراهيم، قالت عائشة: يا ليتني كنت ورقة من هذه الشجرة. ابن أبي مليكة: إن ابن عباس دخل على عائشة، وهي تموت، فأثنى عليها، فقالت: دعني منك، فوالذي نفسي بيده لوددت أني كنت نسياً منسياً. وعن عمارة بن عمير، عمن سمع عائشة إذا قرأت: وقرن في بيوتكن بكت حين تبل خمارها رضي الله عنها.
4 (عبد الله بن الأرقم،)
بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة، الزهري الكاتب.

(4/253)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 254
وكان ممن أسلم يوم الفتح، وحسن إسلامه، وكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم لأبي بكر، وعمر. ثم ولي بيت المال لعمر، وعثمان مديدة. وكان من فضلاء الصحابة وصلحائهم. قال مالك: بلغني أنه أجازه عثمان رضي الله عنه وهو على بيت المال بثلاثين ألف درهم، فأبى أن يقبلها. وعن عمرو بن دينار: أنها كانت ثلاثمائة ألف درهم، فلم يقبلها، وقال: إنما عملت لله، وإنما أجري على الله. وروي عن عمر أنه قال لعبد الله بن الأرقم: لو كانت لك سابقة ما قدمت عليك أحداً. وكان يقول ما رأيت أخشى لله من عبد الله بن الأرقم. وروى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبيه قال: والله ما رأيت رجلاً قط، أراه كان أخشى من عبد الله بن الأرقم. قلت: روى عنه عروة، وغيره.
4 (عبد الله بن أنيس الجهني)

(4/254)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 255
شذ خليفة بن خياط فقال: شهد بدراً. والمشهور أنه شهد العقبة وأحداً. قد ذكرنا من أخباره في الطبقة الماضية، وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه وحده سرية إلى خالد بن نبيح العنزي، فقتله. روى عنه: جابر بن عبد الله ورحل إليه، وبسر بن سعيد، وضمرة ابنه، وابنا كعب بن مالك:) عبد الله، وعبد الرحمن، وآخرون. توفي سنة أربع وخمسين.
4 (عبد الله بن السعدي)

(4/255)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 256
اسم أبيه عمرو بن وقدان على الصحيح، أبو محمد القرشي العامري. ولقب عمرو بالسعدي لأنه كان مسترضعاً في بني سعد. لعبد الله صحبة ورواية، نزل الأردن. وروى عن عمر بن الخطاب. روى عنه: حويطب بن عبد العزى، وعبد الله بن محيريز، وبسر بن سعيد، وأبو إدريس الخولاني، وغيرهم. قال الواقدي: توفي سنة سبع وخمسين.
4 (عبد الله بن حوالة)
له صحبة ورواية، نزل الشام. روى عنه جبير بن نفير، وكثير بن مرة، وربيعة بن يزيد القصير، وجماعة. كنيته أبو حوالة، ويقال: أبو محمد. قال ابن سعد: توفي سنة ثمان وخمسين وله اثنتان وسبعون.

(4/256)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 257
4 (عبد الله بن عامر)
ابن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس القرشي، العبشمي، أبو عبد الرحمن. رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وله حديث وهو: من قتل دون ماله فهو شهيد.

(4/257)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 258
روى عنه: حنظلة بن قيس، وأسلم والده يوم الفتح، وبقي إلى زمن عثمان، وقدم البصرة على ابنه عبد الله في ولايته عليها. وهو خال عثمان بن عفان، وابن عمه النبي صلى الله عليه وسلم. ولي عبد الله البصرة وغيرها، وافتتح خراسان، وأحرم من نيسابور شكراً لله، وكان سخياً كريماً جواداً. وفد على معاوية، فزوجه بابنته هند، وكان له بدمشق دار بالجويرة، تعرف اليوم ببيت ابن الحرستاني. قال الزبير بن بكار: هو الذي دعا طلحة والزبير إلى البصرة، في نوبة الجمل يعني وقال: إن) لي بها صنائع، فشخصا معه. وقال ابن سعد: قالوا إنه ولد بعد الهجرة بأربع سنين، وحنكه النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة القضاء، وهو ابن ثلاث سنين، فتلمظ، وولد له ابنه عبد الرحمن، وعمره ثلاث عشرة سنة. وقال غيره: هو خال عثمان رضي الله عنه. وقال أبو عبيدة: إن عامر بن كريز أتى بابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ابن خمس سنسن، فتفل في فمه، فجعل يردد ريق النبي صلى الله عليه وسلم ويتلمظ، فقال: إن ابنك هذا لمسقى، قال: وكان يقال: لو أن عبد الله بن عامر قدح حجراً أمامه، يعني يخرج الماء منه. قال مصعب بن الزبير: يقال إنه كان لا يعالج أرضاً إلا ظهر له الماء. وقال الأصمعي: أرتج على ابن عامر بالبصرة في يوم أضحى، فمكث

(4/258)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 259
ساعة، ثم قال: والله لا أجمع عليكم عياً ولؤماً، من أخذ شاة من السوق، فثمنها علي. وقد فتح الله على يدي عبد الله فتوحاً عظيمة، كما ذكرنا في حدود سنة ثلاثين. وكان سخيا، شجاعاً، وصولاً لرحمه، فيه رفق بالرعية، ربما غزا، فيقع الحمل في العسكر، فينزل بنفسه، فيصلحه. قال ابن سعد: لما قتل عثمان حمل ابن عامر ما في بيت مال البصرة من الأموال، ثم سار إلى مكة، فوافى بها عائشة، وطلحة، والزبير، وهو يريدون الشام فقال: لا، بل ائتوا البصرة، فإن لي بها صنائع، وهي أرض الأموال، وفيها عدد الرجال، فلما كان من أمر وقعة الجمل ما كان، لحق بالشام فنزل بدمشق، وقد قتل ولده عبد الرحمن يوم الجمل، ولم نسمع لعبد الله بذكر في يوم صفين، ثم لما بايع الناس معاوية ولى على البصرة بسر بن أرطأة، ثم عزله، فقال له ابن عامر: إن لي بها ودائع، فإن لم تولينها ذهبت، فولاه البصرة ثلاث سنين. ومات قبل معاوية بعام، فقال: يرحم الله أبا عبد الرحمن، بمن نفاخر بعده، وبمن نباهي. وقال أبو بكر الهذلي: قال علي رضي الله عنه يوم الجمل: أتدرون من حاربت، حاربت أمجد الناس، وأنجد الناس يعني عبد الله بن عامر، وأشجع الناس، يعني الزبير، وأدهى الناس، يعني طلحة.

(4/259)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 260
قال خليفة ومحمد بن سعد: توفي سنة تسع وخمسين.)
4 (عبد الله بن قرط الأزدي الثمالي.)
ولي حمص لأبي عبيدة، وقيل: بل وليها لمعاوية. له صحبة. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل يوم النحر، وعن خالد بن الوليد. وعنه: أبو عامر الهوزني عبد الله بن لحي، وسليم بن عامر الخبايري، وشريح بن عبيد، وعمرو بن قيس السكوني، وغيرهم. يقال: إنه أخو عبد الرحمن بن قرط. قال إسماعيل بن عياش، عن بكر بن زرعة، عن مسلم بن عبد الله الأزدي قال: جاء ابن قرط الأزدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما اسمك؟

(4/260)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 261
قال: شيطان ابن قرط، قال: أنت عبد الله. وعن جنادة بن مروان: أن عبد الله بن قرط والي حمص خرج يحرس ليلة على شاطئ البحر. فلقيه فاثور الروم، فقتله بين بلنياس ومرقية. يقال إنه استشهد سنة ست وخمسين.
4 (عبد الله بن مالك بن بحينة)
وهي أمه، أبو محمد الأزدي. له عدة أحاديث. نزل بطن ريم، على مرحلة من المدينة، وكان يصوم الدهر. روى عنه: حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، والأعرج، ومحمد بن يحيى بن حيان. توفي في أواخر أيام معاوية.
4 (عبد الله بن مغفل)
ابن عبد نهم بن عفيف لمزني، أبو عبد الرحمن،

(4/261)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 262
ويقال: أبو سعيد، ويقال: أبو زياد. صحابي مشهور، شهد بيعة الشجرة، ونزل المدينة، ثم سكن البصرة. قال الحسن البصري: كان عبد الله بن مغفل أحد العشرة الذين بعثهم إلينا عمر بن الخطاب، يفقهون الناس. مات والد عبد الله بن مغفل لطريق مكة مع الناس، قبل فتح مكة. وكان عبد الله من البكائين الذين نزلت فيهم ليس على الضعفاء وقال: إني لممن رفع أغصان الشجرة يوم الحديبية عن النبي صلى الله عليه وسلم.) عوف الأعرابي، عن خزاعي بن زياد المزني قال: أري عبد الله بن مغفل المزني أن الساعة قد قامت وأن الناس حصروا، وثم مكان، من جازه فقد نجا، وعليه عارض، فقيل له: أتريد أن تنجو وعندك ما عندك فاستيقظت فزعاً، قال: فأيقظه أهله، وعنده عيبة مملوءة دنانير، ففرقها كلها.

(4/262)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 263
روى عنه: الحسن، ومعاوية بن قرة، وحميد بن هلال، ومطرف بن عبد الله بن الشخير، وابن بريدة، وثابت البناني، وغيرهم. توفي سنة ستين، وستأتي له قصة في ترجمة عبيد الله بن زياد.
4 (عبد الله بن نوفل،)
بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي، أبو محمد، وهو أخو الحارث. ولي القضاء بالمدينة زمن معاوية، فيما قيل: وكان يشبه النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يحفظ له سماع من النبي صلى الله عليه وسلم. توفي في خلافة معاوية. وقيل: قتل يوم الحرة، سنة ثلاث وستين.

(4/263)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 264
4 (عبد الله بن الحارث)
بن هشام بن المغيرة المخزومي، أبو محمد، والد أبي بكر الفقيه وإخوته، وأحد الذين عينهم عثمان لكتابة مصاحف الأمصار. سمع: أباه، وعمر، وعثمان، وعلياً، وحفصة أم المؤمنين، وجماعة. وعنه: ابنه أبو بكر، والشعبي، وأبو قلابة الجرمي، وهشام بن عمرو الفزاري، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب. رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يحفظ عنه. وأرسلته عائشة إلى معاوية يكلمه في حجر بن الأدبر، فوجده قد قتله. قال ابن سعد قالت عائشة: لأن أكون قعدت عن مسيري إلى البصرة أحب إلي من أن يكون لي عشرة من الولد من النبي صلى الله عليه وسلم، مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. قلت: وكان من سادة بني مخزوم بالمدينة، وهو ابن أخي أبي جهل، توفي في أيام معاوية في آخرها، وتوفي أبوه في طاعون عمواس.
4 (عبد الرحمن بن شبل)
) بن عمرو الأنصاري الأوسي.

(4/264)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 265
أحد كتاب الأنصار، كان فقيهاً فاضلاً نزل حمص، وله أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. روى عنه: أبو راشد الخيراني، وأبو سلام الأسود، وتميم بن محمود، وغيرهم. توفي زمن معاوية.
4 (عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق)
عبد الله بن عثمان، أبو محمد التيمي، ويقال أبو عثمان، شقيق أم المؤمنين عائشة.

(4/265)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 266
حضر بدراً مشركاً، ثم أسلم قبل الفتح وهاجر، وكان أسن ولد أبي بكر، وكان شجاعاً رامياً، قتل يوم اليمامة سبعة. روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبيه. وعنه: ابناه عبد الله، وحفصة، وابن أخيه القاسم بن محمد، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبو عثمان النهدي، وعمرو بن أوس الثقفي، وابن أبي مليكة، وجماعة. وكان يتجر إلى الشام. قال مصعب الزبيري: ذهب إلى الشام قبل الإسلام، فرأى هناك امرأة يقال لها ابنة الجودي الغساني، فكان يذكرها في شعره ويهذي بها. وقال ابن سعد: إنه أسلم في هدنة الحديبية وهاجر، وأطعمه النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر أربعين وسقاً، وكان يكنى أبا عبد الله، ومات سنة ثلاث وخمسين. وقال هشام بن عروة، عن أبيه، إن عبد الرحمن قدم الشام، فرأى ابنة الجودي على طنفسة، وحولها ولائد، فأعجبته، فقال فيها:
(تذكرت ليلى والسماوة دونها .......... فما لابنة الجودي ليلى وماليا)

(وأنى تعاطي قلبه حارثية .......... تدمن بصرى أو تحل الجوابيا)

(فوأنى يلاقيها بلى ولعلها .......... إن الناس حجوا قابلاً أن توافيا)
قال: فلما بعث عمر جيشه إلى الشام قال لمقدمهم: إن ظفرت بليلى بنت الجودي عنوةً فادفعها إلى عبد الرحمن، فظفر بها، فدفعها إليه، فأعجب بها، وآثرها على نسائه، حتى شكونه إلى أخته عائشة، فقالت له: لقد

(4/266)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 267
أفرطت، فقال: والله إني أرشف بأنيابها حب الرمان، قال: فأصابها وجع سقطت له قواها، فجفاها حتى شكته إلى عائشة، فقالت: يا عبد الرحمن لقد أحببت ليلى فأفرطت، وأبغضتها فأفرطت، فإما أن تنصفها، وإما أن تجهزها إلى أهلها، فجهزها إلى أهلها،) قال: وكانت بنت ملك يعني من ملوك العرب. قال ابن أبي مليكة: إن عبد الرحمن توفي بالصفاح، فحمل فدفن بمكة والصفاح على أميال من مكة فقدمت أخته عائشة فقالت: أين قبر أخي فأتته فصلت عليه: رواه أيوب السختياني عنه. قال الواقدي، والمدائني، وغيرهما: توفي سنة ثلاث. وقال يحيى بن بكير: سنة أربع وخمسين. وقد صح في الوضوء من صحيح مسلم عن سالم سبلان مولى المهري قال: خرجت أنا وعبد الرحمن بن أبي بكر إلى جنازة سعد بن أبي وقاص. وصح أن سعداً مات سنة خمس وخمسين.
4 (عبيد الله بن العباس)
بن عبد المطلب، أبو محمد.

(4/267)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 268
ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، له صحبة ورواية، وهو أصغر من عبد الله بسنة، وأمهما واحدة. روى عنه: محمد بن سيرين، وسليمان بن يسار، وعطاء بن أبي رباح. وأردفه النبي صلى الله عليه وسلم خلفه. توفي بالمدينة سنة ثمان وخمسين، وكان جواداً ممدحاً، وكان يتعانى التجارة. ولي اليمن لعلي ابن عمه، وبعث معاوية بسر بن أبي أرطأة على اليمن، فهرب منه عبيد الله، فأصاب بسر لعبيد الله ولدين صغيرين. فذبحهما، ثم وفد فيما بعد عبيد الله على معاوية، وقد هلك بسر، فذكر ولديه لمعاوية، فقال: ما عزلته إلا لقتلهما. وكان يقال بالمدينة: من أراد العلم والجمال والسخاء فليأت دار ابن عباس، أما عبد الله فكان أعلم الناس، وأما عبيد الله فكان أكرم الناس، وأما الفضل فكان أجمل الناس. وروي أن عبيد الله كان ينحر في كل يوم جزوراً، وكان يسمى تيار الفرات.

(4/268)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 269
قال خليفة وغيره: توفي سنة ثمان وخمسين. وقال أبو عبيد، ويعقوب بن سيبة وغيرهما: توفي سنة سبع وثمانين، وأنا أستبعد أنه بقي إلى هذا الوقت. وقيل: إنه مات باليمن.
4 (عتبان بن مالك الجهني.)
) بن عمرو بن العجلان الأنصاري الخزرجي. بدري كبير القدر، أضر بأخرة، له أحاديث. روى عنه أنس، ومحمود بن الربيع، والحصين بن محمد السالمي. وتوفي في وسط خلافة معاوية.
4 (عثمان بن أبي العاص)
الثقفي، أبو عبد الله الطائفي.

(4/269)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 270
أخو الحكم، ولهما صحبة. قدم عثمان على النبي صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف، فأسلم، واستعمله على الطائف لما رأى من فضله وحرصه على الخير والدين، وكان أصغر الوفد سناً. وأقره أبو بكر، ثم عمر على الطائف، ثم استعمله عمر على عمان والبحرين، وهو الذي افتتح توج ومصرها، وسكن البصرة. ذكره الحسن البصري قال: ما رأيت أفضل منه. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد شهدت أمه ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم. روى عنه: سعيد بن المسيب، ونافع بن جيبر بن مطعم، ومطرف ابنا عبد الله بن الشخير، وموسى بن طلحة بن عبيد الله. توفي سنة إحدى وخمسين.

(4/270)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 271
روي عن عثمان بن أبي العاص قال: الناكح مغترس، فلينظر أين يضع غرسه، فإن عرق السوء لا بد أن ينزع ولو بعد حين.
5 (فائدة)
سالم بن نوح، عن الجريري، عن أبي العلاء، عن عثمان بن أبي العاص أنه بعث غلماناً له تجاراً، فجاءوا، قال: ما جئتم به قالوا: جئنا بتجارة يربح الدرهم عشرة، قال: ما هي قالوا: خمر، وقد نهينا عن شرابها وبيعها فجعل يفتح أفواه الزقاق ويصبها.
4 (عدي بن عميرة الكندي)
م د م ق أبو زرارة. وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه. روى عنه: ابنه عدي، وأخوه العرس بن عميرة، وقيس بن أبي حازم، ورجاء بن حيوة. وسكن الجزيرة، وكان من وجوه كندة، رضي الله عنه.
4 (عقبة بن عامر)
) ابن عبس الجهني، أبو حماد.

(4/271)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 272
صحابي مشهور، له رواية وفضل. روى عنه: جبير بن نفيل، وأبو عشانة حي بن يؤمن، وأبو قبيل حيي بن هانئ المعافري، وسعيد المقبري، وعلي بن رباح، وأبو الخير مرثد اليزني، وطائفة سواهم. وقد ولي إمرة مصر لمعاوية، وليها بعد عتبة بن أبي سفيان، ثم عزله معاوية، وأغزاه البحر في سنة سبع وأربعين، وكان يخضب بالسواد. له معرفة بالقرآن والفرائض، وكان فصيحاً شاعراً. قال أبو سعيد بن يونس: مصحفه الآن موجود بخطه، رأيته عند علي بن الحسين بن قديد، على غير التأليف الذي في مصحف عثمان، وكان في آخره: وكتب عقبة بن عامر بيده. ولم أزل أسمع شيوخنا يقولون، إنه

(4/272)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 273
مصحف عقبة، لا يشكون فيه. وكان عقبة كاتباً قارئاً، له هجرة وسابقة. وقال عبد الله: سمعت حيي بن عبد الله يحدث، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، أن عقبة بن عامر كان من أحسن الناس صوتاً بالقرآن، فقال له عمر: أعرض علي، فعرض عليه سورة براءة، فبكى عمر، ثم قال: ما كنت أظن أنها نزلت. قلت: معناه ما كأني كنت سمعت، لحسن ما حبرها عقبة بتلاوته، أو يكون الضمير في نزلت عائداً إلى آيات من السورة استغربها عمر، والله أعلم.
4 (عمران بن حصين)
ابن عبيد بن خلف، أبو نجيد الخزاعي.

(4/273)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 274
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسلم هو وأبوه، وأبو هريرة معاً، ولعمران أحاديث. ولي قضاء البصرة، وكان عمر بن الخطاب بعثه إليهم ليفقههم، وكان الحسن البصري يحلف ما قدم عليهم البصرة بخير لهم من عمران بن حصين. روى عنه: الحسن، ومحمد بن سيرين، ومطرف بن عبد الله بن الشخير، وزرارة بن أوفى، وزهدم الجرمي، والشعبي، وأبو رجاء العطاردي، وعبد الله بن بريدة، وطائفة سواهم. قال زرارة بن أوفى: رأيت عمران بن حصين يلبس الخز. وقال مطرف بن الشخير: قال لي عمران بن حصين، أنا أحدثك حديثاً عسى الله أن ينفعك به،) إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الحج والعمرة، ولم ينه عنه حتى مات، ولم ينزل فيه قرآن يحرمه، وإنه كان يسلم علي، يعني الملائكة، فلما اكتويت، أمسك، فلما تركته عاد إلي. متفق عليه، ولعمران غزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان ببلاد قومه ويتردد إلى المدينة. أبو خشينة حاجب بن عمر، عن الحكم بن الأعرج، عن عمران بن حصين قال: ما مسست ذكري بيميني منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(4/274)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 275
هشام، عن ابن سيرين قال: ما قدم البصرة أحد يفضل على عمران بن حصين. هشام الدستوائي، عن قتادة: بلغني أن عمران بن حصين قال: وددت أني رماد تذروني. قلت: وكان ممن اعتزل الفتنة وذمها. قال أيوب، عن حميد بن هلال، عن أبي قتادة قال: قال لي عمران بن حصين: إلزم مسجدك. قلت: فإن دخل علي قال: إلزم بيتك، قلت: فإن دخل بيتي فقال: لو دخل علي رجل يريد نفسي ومالي، لرأيت أن قد حل لي قتاله. ثابت، عن مطرف، عن عمران قال: قد اكتوينا، فما أفلحن ولا أنجحن يعني المكاوي. قتادة، عن مطرف قال: أرسل إلي عمران بن حصين في مرضه، فقال إنه كان يسلم علي يعني الملائكة فإن عشت، فاكتم علي، وإن مت، فحدث به إن شئت.. حميد بن هلال، عن مطرف، قلت لعمران: ما يمنعني من عيادتك إلا ما أرى من حالك، قال: فلا تفعل، فإن أحبه إلي أحبه إلى الله. قال يزيد بن هارون: أنبأ إبراهيم بن عطاء مولى عمران بن حصين،

(4/275)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 276
عن أبيه: أن عمران قضى على رجل بقشية، فقال: والله لقد قضيت علي بحور، وما ألوت، قال: وكيف ذلك قال: شهد علي بزور، قال: ما قضيت عليك، فهو في مالي، ووالله لا أجلس مجلسي هذا أبداً. وكان نقش خاتم عمران تمثال رجل، مقلداً لسيف. شعبة: ثنا فضيل بن فضالة رجل من قريش، عن أبي رجاء العطاردي قال: خرج علينا عمران بن حصين في مطرف خز، لم نره عليه قبل ولا بعد، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله إذا أنعم على عبد نعمة يحب أن يرى أثر نعمته على عبده.) وقال محمد بن سيرين: سقى بطن عمران بن حصين ثلاثين سنة، كل ذلك يعرض عليه الكي فيأبى، حتى كان قبل موته بسنتين، فاكتوى. رواه يزيد، عن إبراهيم، عنه. وقال عمران بن حدير، عن أبي مجلز قال: كان عمران ينهى عن الكي فابتلي، فاكتوى، فكان يعج. وقال حميد بن هلال، عن مطرف: قال لي عمران: لما اكتويت انقطع عني التسليم، قلت: أمن قبل رأسك كان يأتيك التسليم قال: نعم، قلت: سعود، فلما كان بعد ذلك قال: أشعرت أن التسليم عاد إلي، ثم لم يلبث إلا يسيراً حتى مات. ابن علية، عن سلمة بن علقمة، عن الحسن: إن عمران بن حصين

(4/276)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 277
أوصى لأمهات أولاده بوصايا وقال: أيما امرأة منهن صرخت علي، فلا وصية لها. توفي عمران سنة اثنتين وخمسين.
4 (عمرو بن الأسود العنسي)
ويسمى عميراً، سكن داريا، وهو مخضرم أدرك الجاهلية. وروى عن: عمر، ومعاذ، وابن مسعود، وجماعة. وعنه: خالد بن معدان، وزياد بن فياض، ومجاهد بن جبر، وشرحبيل بن مسلم الخولاني، وابنه حكيم بن عمير، وجماعة. وكان من عباد التابعين وأتقيائهم، كنيته أبو عياض، وقيل: أبو عبد الرحمن. قال بقية، عن صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير قال: حج عمرو بن الأسود، فلما انتهى إلى المدينة نظر إليه عبد الله بن عمر قائماً يصلي، فسأل عنه، فقيل: هذا الرجل من أهل الشام يقال له عمرو بن الأسود، فقال: ما رأيت أحداً أشبه صلاة ولا هدياً ولا خشوعاً ولا لبسة برسول الله صلى الله عليه وسلم، من هذا الرجل. هكذا رواه عيسى بن المنذر الحمصي، عن بقية.

(4/277)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 278
ورواه عنه عبد الوهاب بن نجدة، عن أرطاة بن المنذر الحمصي، عن بقية. ورواه عنه عبد الوهاب بن نجدة، عن أرطأة بن المنذر، حدثني رزيق أبو عبد الله الهاني أن عمرو بن الأسود قدم المدينة، فرآه ابن عمر يصلي فقال: من سره أن ينظر إلى أشبه الناس صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى هذا. ثم بعث ابن عمر بقرىً ونفقة وعلف) إليه، فقبل القرى والعلف، ورد النفقة. وأما ما رواه أبو بكر بن أبي مريم الغساني، عن ضمرة بن حبيب وحكيم بن عمير قالا: قال عمر بن الخطاب: من سره أن ينظر إلى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلينظر إلى عمر بن الأسود. فهذا منقطع. وعن شرحبيل قال: قال عمرو بن الأسود يدع كثيراً من الشبع، مخافة الأشر. قرأت على أحمد بن إسحاق: أنبأ الفتح بن عبد السلام، أنبأ ابن الداية وأبو الفضل الأرموي، ومحمد بن أحمد قالوا: أنبأ ابن المسلمة، أنبأ أبو الفضل الزهري، أنبأ جعفر الفريابي: ثنا إبراهيم بن العلاء الحمصي: ثنا إسماعيل بن عياش، عن بجير بن سعيد، عن خالد بن معدان، عن عمرو بن الأسود العنسي: أنه كان إذا خرج إلى المسجد، قبض بيمينه على شماله، فسئل عن ذلك فقال: مخافة أن تنافق يدي، يعني لئلا يخطر بها في مشيته، فيكون ذلك نفاقاً.
4 (عمرو بن حزم)
بن زيد بن لوذان بن حارثة، أبو الضحاك

(4/278)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 279
وقيل أبو محمد الأنصاري النجاري. قال ابن سعد: شهد الخندق، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على نجران، وهو ابن سبع عشرة سنة، وبعثه أيضاً بكتاب فيه فرائض إلى اليمن. روى عنه: ابنه محمد، وحفيده أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، والنضر بن عبد الله السلمي، وزياد الحضرمي، وامرأته سودة. توفي سنة ثلاث، وقيل سنة أربع، وقيل سنة إحدى وخمسين. عمرو بن الحمق. يقال: قتل سنة إحدى وخمسين.
4 (عمرو بن عوف، بن زيد بن مليحة المزني، أبو عبد الله.)

(4/279)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 280
قديم الصحبة، وكان أحد البكائين في غزوة تبوك، شهد الخندق وسكن المدينة. روى كثير بن عبد الله بن عمرو، عن أبيه، عن جده، عدة أحاديث، وكثير واهي الحديث. توفي عمرو في آخر زمن معاوية.
4 (عمرو بن مرة بن عبس الجهني.)
له صحبة ورواية قليلة، وكان قوالاً بالحق، وقد وفد على معاوية، وكان ينزل فلسطين، وكان بطلاً شجاعاً، أسلم وهو شيخ، وكان معاوية يسميه أسد جهينة.) روى عنه: عيسى بن طلحة، والقاسم بن مخيمرة، وحجر بن مالك، وغيرهم. وهو والد طلحة، صاحب درب طلحة بداخل باب توما بدمشق.

(4/280)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 281
وبقي عمرو إلى أن غزا سنة تسع وخمسين، ولعله بقي بعدها.
4 (عمير بن جودان، العبدي.)
بصري، أرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضهم يقول: له صحبة. روى عنه: ابنه أشعث، ومحمد بن سيرين.
4 (عياض بن حمار)
المجاشعي التميمي. له صحبة ونزل البصرة، ولما وفد على النبي صلى الله عليه وسلم أهدى له نجيبة فقال: إنا نهينا أن نقبل زبد المشركين، فلما أسلم قبلها منه. روى عنه: العلاء بن زياد العدوي، ومطرف، ويزيد، ابنا عبد الله بن

(4/281)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 282
الشخير، والحسن البصري. وله حديث طويل في صحيح مسلم.
4 (عياض بن عمرو الأشعري.)
نزل الكوفة، وله صحبة إن شاء الله.

(4/282)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 283
روى الشعبي عنه أنه شهد عيداً بالأنبار فقال: ما لي أراهم لا يقلسون كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلس لهم. وقال شعبة، عن سماك، عن عياض قال: لما نزلت فسوف يأتي الله بقوم يحبهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هم قوم أبي موسى.

(4/283)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 284
4 (الفاء)

4 (فاطمة بنت قيس الفهرية)
أخت الضحاك بن قيس التي كانت تحت أبي عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي، فطلقها، فخطبها معاوية وأبو جهم، فنصحها النبي صلى الله عليه وسلم وأشار عليها بأسامة، فتزوجت به. وهي التي تروي حديث السكنى والنفقة في الطلاق والعدة. وهي راوية حديث الجساسة.)

(4/284)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 285
روى عنها: الشعبي، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وغيرهم. توفيت فيما أرى بعد الخمسين.
4 (فضالة بن عبيد،)
أبو محمد الأنصاري. قاضي دمشق. كان أحد من بايع بيعة الرضوان، ولي الغزو لمعاوية، ثم ولي له قضاء دمشق، وناب عنه بها. له عدة أحاديث. روى عنه: عبد الله بن محيريز، وحنش الصنعاني، وعبد الرحمن بن جبير بن نفير، وعلاء بن رباح، والقاسم أبو عبد الرحمن، وغيرهم.

(4/285)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 286
قال سعيد بن عبد العزيز: كان أصغر من شهد بيعة الرضوان. وقال علاء بن رباح: أمسكت على فضالة بن عبيد القرآن، حتى فرغ منه. توفي سنة ثلاث وخمسين. قاله المدائني. وقال خليفة: توفي سنة تسع وخمسين. ورد أنه قرأ: وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً بالزاي.
4 (فيروز أبو الضحاك الديلمي)
قاتل الأسود العنسي، له صحبة ورواية، وهو من أبناء الفرس الذين نزلوا اليمن، وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم برأس الأسود فيما بلغنا فوجده توفي. روى عنه: ابناه عبد الله، والضحاك. د وتوفي سنة ثلاث وخمسين.

(4/286)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 287
4 (القاف)

4 (قثم بن العباس)
عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمه لبابة بنت الحارث الهلالية، وكانت أول امرأة أسلمت فيما قاله الكلبي بعد خديجة، وقد أردفه النبي صلى الله عليه وسلم خلفه.

(4/287)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 288
وكان آخر من خرج من لحد النبي صلى الله عليه وسلم. قاله ابن عباس. ولما ولي علي الخلافة استعمل قثماً على مكة، فلم يزل عليها حتى استشهد علي، قاله خليفة. وقال الزبير بن بكار: استعمله علي على المدينة، ثم إن قثماً سار أيام معاوية مع سعيد بن) عثمان إلى سمرقند، فاستشهد بها. قال ابن سعد: غزا قثم خراسان، وعليها سعيد بن عثمان بن عفان، فقال له: أضرب لك بألف سهم فقال: لا بل خمس، ثم أعط الناس حقوقهم، ثم اعطني بعد ما شئت. وكان قثم ورعاً فاضلاً. كان يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم، وله صحبة ورواية، ولم يعقب.
4 (قطبة بن مالك)
الثعلبي الذبياني. صحابي معروف، نزل الكوفة، وله رواية. وعنه: ابن أخيه زياد بن علاقة.

(4/288)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 289
4 (قيس بن سعد)
بن عبادة بن دليم الأنصاري الخزرجي المدني. كان من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير، له عدة أحاديث. روى عنه: عبد الرحمن بن أبي ليلى، وعروة بن الزبير، والشعبي، وميمون بن أبي شبيب، وعريب بن حميد الهمداني، وجماعة.

(4/289)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 290
وكان ضخماً جسيماً طويلاً جداً، سيداً مطاعاً، كثير المال، جواداً كريماً، يعد من دهاة العرب. قال عمرو بن دينار: كان ضخماً جسيماً، صغير الرأس، وكان ليست له لحية، وإذا ركب الحمار خطت رجلاه الأرض. روي عنه أنه قال: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المكر والخديعة في النار لكنت من أمكر هذه الأمة. وقال مسعر، عن معبد بن خالد، كان قيس بن سعد لا يزال هكذا رافعاً إصبعه المسبحة، يدعو. وقال الزهري: أخبرني ثعلبة بن أبي مالك: أن قيس بن سعد كان صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال جويرية بن أسماء: كان قيس يستدين ويطعمهم، فقال أبو بكر وعمر: إن تركنا هذا الفتى أهلك مال أبيه، فمشيا في الناس، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم يوماً، فقام سعد بن عبادة خلفه فقال: من يعذرني من ابن أبي قحافة وابن الخطاب يبخلان علي ابني. وقال موسى بن عقبة: وقفت على قيس عجوز فقالت: أشكو إليك قلة الجرذان، فقال: ما أحسن) هذه الكناية، املؤوا بيتها خبزاً وسمناً وتمراً.

(4/290)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 291
وقال ابن سيرين: أمر علي قيس بن سعد على مصر زاد غيره في سنة ست وثلاثين وعزله سنة سبع، لأن أصحاب علي شنعوا على أنه قد كاتب معاوية، فلما عزل بمحمد بن أبي بكر، عرف قيس أن علياً قد خدع، ثم كان علي بعد يطيع قيساً في الأمر كله. قال عروة: كان قيس بن سعد مع علي في مقدمته، ومعه خمسة آلاف قد حلقوا رؤوسهم بعد موت علي، فلما دخل الجيش في بيعة معاوية، أبى قيس أن يدخل، وقال لأصحابه: ما شئتم، إن شئتم جالدت بكم أبداً حتى يموت الأعجل، وإن شئتم أخذت لكم أماناً، قالوا: خذ لنا، ففعل، فلما ارتحل نحو المدينة جعل ينحر كل يوم جزوراً. وقال أبو تميلة يحيى بن واضح: أخبرني أبو عثمان من ولد الحارث بن الصمة قال: بعث قيصر إلى معاوية: ابعث إلي سراويل أطول رجل من العرب، فقال لقيس بن سعد: ما أظننا إلا قد احتجنا إلى سراويلك، فقام فتنحى، وجاء بها فألقاها، فقال: ألا ذهبت إلى منزلك ثم بعثت بها فقال:
(أردت بها كي يعلم الناس أنها .......... سراويل قيس والوفود شهود)

(وأن يقولوا غاب قيس وهذه .......... سراويل عادي نمته ثمود)

(وإني من الحي اليماني لسيد .......... وما الناس إلا سيد ومسود)

(فكدهم بمثلي إن مثلي عليهم .......... شديد وخلقي في الرجال مديد)
فأمر معاوية أطول رجل في الجيش فوضعها على أنفه، قلل: فوقفت بالأرض. قال الواقدي وغيره: إنه توفي في آخر خلافة معاوية.

(4/291)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 292
4 (قيس بن السكن،)
الأسدي الكوفي. روى عن: علي، وابن مسعود، وأبي ذر، وكان ثقة. توفي زمن مصعب بن الزبير، قاله محمد بن سعد، له أحاديث.
4 (قيس بن عمرو)
ويقال قيس بن قهد، ويقال قيس بن عمرو بن قهد، وقيل قيس بن سهل، وقيل قيس بن عمرو بن سهل الأنصاري النجاري. له صحبة ورواية. وهو جد يحيى بن سعيد الأنصاري الفقيه.) روى عنه: ابنه سعيد، ومحمد بن إبراهيم التميمي، وعطاء بن أبي رباح، وله أحاديث. قال الترمذي: لم يسمع منه محمد بن إبراهيم.

(4/292)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 293
4 (الكاف)

4 (كدام بن حيان العنزي.)
أحد من قتل بعذراء مع حجر بن عدي الكندي.
4 (كعب بن عجرة)
الأنصاري المدني.

(4/293)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 294
شهد بيعة الرضوان، وله أحاديث. روى عنه بنوه: سعد، ومحمد، وعبد الملك، والربيع، وأبو وائل، وطارق بن شهاب، وعبد الله بن معقل، ومحمد بن سيرين، وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، وجماعة. كنيته أبو محمد، وقيل أبو عبد الله، و أبو إسحاق، وكان قد استأخر إسلامه. وقال ضمام بن إسماعيل: عن يزيد بن أبي حبيب، إن كعب بن عجرة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فرأيته متغيراً، قلت: بأبي وأمي، ما لي أراك متغيراً قال: ما دخل جوفي ما يدخل جوف ذات كبد منذ ثلاث. قال: فذهبت، فإذا يهودي يسقي، فسقيت له على كل دلو بتمر، فجمعت تمراً، فأتيته به وأخبرته، فقال: يا كعب أتحبني قلت: بأبي أنت نعم، قال: إن الفقر أسرع إلى من يحبني من السيل إلى محاربه، وإنه سيصيبك بلاء، فأعد له تجفافاً. قال: ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما فعل كعب قالوا: مريض، فخرج يمشي حتى دخل عليه، فقال له: أبشر يا كعب، فقالت أمه: هنيئاً لك الجنة يا كعب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من هذه المتألية على الله قال: هي أمي يا رسول الله، قال: ما يدريك يا أم كعب، لعل كعباً قال ما لا ينفعه، أو منع مالا يغنيه. وقال مسعر، عن ثابت بن عبيد قال: بعثني أبي إلى كعب بن عجرة، فأتيت رجلاً أقطع، فأتيت أبي فقلت: بعثتني إلى رجل أقطع فقال: إن يده قد دخلت الجنة، وسيتبعها ما بقي من جسده، إن شاء الله. قال أبو عبيد وجماعة: توفي كعب بن عجرة سنة اثنتين وخمسين.

(4/294)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 295
4 (كرز بن علقمة الخزاعي.)
له صحبة ورواية في مسند أحمد روى عنه: عروة بن الزبير، وغيره.) قال ابن سعد: هو الذي قفا أثر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، فانتهى إلى باب الغار فقال: هنا انقطع الأثر، قال: وهو الذي نظر إلى قدم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذه القدم من تلك القدم التي في المقام، يعني قدم إبراهيم عليه السلام. عمر كرز عمراً طويلاً، وكتب معاوية إلى عامله: مر كرز بن علقمة يوقفكم على معالم الحرم، ففعل، فهي معالمه إلى الساعة.
4 (كعب بن مرة،)
وقيل: مرة بن كعب البهزي. صحابي نزل البصرة، ثم سكن الأردن، له أحاديث.

(4/295)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 296
روى عنه: شرحبيل بن السمط، وجبير بن نفير، وأبو الأشعث الصنعاني، وغيرهم. توفي بالأردن سنة سبع، أو تسع وخمسين.

(4/296)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 297
4 (الميم)

4 (مالك بن الحويرث)
أبو سليمان الليثي. قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام أياماً، ثم أذن له في الرجوع إلى أهله، ثم نزل البصرة. روى عنه: أبو عطية مولى بن عقيل، ونصر بن عاصم الليثي، وأبو قلابة عبد الله بن زيد.
4 (مالك بن عبد الله الخثعمي،)
أبو حكيم الفلسطيني، المعروف بمالك السرايا.

(4/297)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 298
يقال له صحبة، قدم على معاوية برسالة عثمان، وقاد الصوائف أربعين سنة، وكسر فيما بلغنا على قبره أربعون لواءً، وكان صواماً قواماً. شتى سنة ست وخمسين بأرض الروم، وعاش بعد ذلك.
4 (مجمع بن جارية)
الأنصاري المدني. له صحبة ورواية، وهو مجمع بن يزيد بن جارية. وروى أيضاً عن: خنساء بنت خذام. وعنه: ابنه يعقوب، والقاسم بن محمد، وعكرمة بن سلمة. وقرأ القرآن في صباه.

(4/298)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 299
قال الشعبي: توفي النبي صلى الله عليه وسلم، وبقي على مجمع سورتان. وقال محمد بن إسحاق: كان أبوه جارية ممن اتخذ مسجد الضرار، فكان مجمع يصلي بهم فيه،) ثم إنه أخرب، فلما كان زمن عمر كلم في مجمع ليصلي بهم، فقال: أو ليس بإمام المنافقين، فقال لعمر: والله الذي لا إله إلا هو ما علمت بشيء من أمرهم، فيقال: إنه تركه يصلي بهم.
4 (محجن بن الأدرع السلمي.)
له رواية وصحبة، وهو الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم: ارموا، وأنا مع ابن الأدرع. روى عنه: عبد الله بن شقيق، ورجاء بن أبي رجاء الباهلي، وحنظلة بن علي الأسلمي. وهو الذي اختط مسجد البصرة. توفي آخر خلافة معاوية.
4 (محيصة بن مسعود)
أبو أسعد، الأنصاري الخزرجي.

(4/299)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 300
أخو حويصة، ويقال فيهما بتشديد الياء وتخفيفهما. شهد أحداً وما بعدها، ومحيصة الأصغر منهما، وهو أسلم قبل أخيه، له أحاديث. وعنه: حفيده حرام بن سعد بن محيصة، وابنه سعد، وبشير بن يسار، ومحمد بن زياد الجمحي، وغيرهم.
4 (مخرمة بن نوفل،)
بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة الزهري، والد المسور. كان من المؤلفة قلوبهم، له شرف وعقل وقعدد، كساه النبي صلى الله عليه وسلم حلة باعها بأربعين أوقية، وعمي في خلافة عثمان.

(4/300)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 301
وروى أبو عامر الخزاز، عن أبي يزيد المديني، عن عائشة قالت: جاء مخرمة بن نوفل يستأذن، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم صوته قال: بئس أخو العشيرة، فلما دخل بش به، فلما خرج، قلت له في ذلك، فقال: يا عائشة، أعهدتني فحاشاً، إن شر الناس من يتقى شره. توفي مخرمة رحمه الله سنة أربع وخمسين، وله مائة وخمس عشرة سنة.
4 (مسلم بن عقيل)
بن أبي طالب الهاشمي. قدمه ابن عمه الحسين رضي الله عنه بين يديه إلى الكوفة، ليكشف له كيف اجتماع الناس على الحسين، فدخل سراً، ونزل على هانئ المرادي، فطلب عبيد الله بن زياد أمير الكوفة هانئاً، فقال: ما حملك على أن تجير عدوي قال: يا بن أخي، جاء حق هو) أحق من حقك، فوثب عبيد الله فضربه بعنزة شك دماغه بالحائط، ثم أحضر مسلماً من داره فقتله، وذلك في آخر سنة ستين.

(4/301)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 302
4 (المستورد بن شداد)
بن عمرو القرشي الفهري. له صحبة ورواية، ولأبيه أيضاً صحبة. وعنه: قيس بن أبي حازم، وعلي بن رباح، وأبو عبد الرحمن الحبلي، ووقاص بن ربيعة، وعبد الكريم بن الحارث.
4 (معتب بن عوف)
بن الحمراء، أبو عوف الخزاعي. حليف بني مخزوم، أحد المهاجرين إلى الحبشة وإلى المدينة، والحمراء هي أمه، اتفقوا على أنه شهد بدراً، وكان يدعى عيهامة. قال غير واحد، إنه توفي سنة سبع وخمسين، والعجب أن معتباً بقي إلى هذا الوقت، وما روى شيئاً. معقل بن يسار المزني ع: له صحبة ورواية سكن البصرة وهو ممن بايع تحت الشجرة

(4/302)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 303
وروى أبضاً عن النعمان بن مقرن. وعنه: عمران بن حصين وهو أكبر منه، والحسن البصري، ومعاوية بن قرة، وعلقمة بن عبد الله المزنيان، وغيرهم. قال محمد بن سعد: لا نعلم في الصحابة من يكنى أبا علي سواه. توفي في آخر زمن معاوية.
4 (معمر بن عبد الله)
القرشي العدوي بن نافع بن نضلة القرشي العدوي.

(4/303)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 304
أحد المهاجرين، وله هجرة إلى الحبشة، وهو الذي حلق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وعمر بعده دهراً، وحدث عنه. روى عنه: سعيد بن المسيب، وبسر بن سعيد.
4 (معاوية بن حديج)
بن جفنة بن قتير التجيبي الكندي، أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو نعيم.)

(4/304)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 305
أحد أمراء معاوية على مصر، له صحبة ورواية، وروى أيضاً عن عمر، وأبي ذر. وعنه: ابنه عبد الرحمن، وسويد بن قيس التجيبي، وعلي بن رباح، وعبد الرحمن بن شماسة المهري، وآخرون. وله عقب بمصر، وشهد اليرموك، وكان الوافد على عمر بفتح الإسكندرية، وذهبت عينه في غزوة النوبة، وكان متغالياً في عثمان وفي محبته. وقال ابن لهيعة: حدثني أبو قبيل قال: لما قتل حجر بن الأدبر وأصحابه، بلغ معاوية بن حديج وهو بإفريقية، فقام في أصحابه فقال: يا أشقائي في الرحم، وأصحابي وجيرتي، أنقاتل لقريش في الملك، حتى إذا استقام لهم دفعوا يقتلوننا، أما والله لئن أدركتها ثانياً، لأقولن لمن أطاعني من أهل اليمن، اعتزلوا بنا، ودعوا قريشاً يقتل بعضها بعضاً، فأيهم غلب اتبعناه. قال ابن يونس: توفي معاوية بمصر في سنة اثنتين وخمسين.
4 (معاوية بن الحكم السلمي)
له صحبة ورواية، وهو صاحب حديث الجارية السوداء، التي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أعتقها فإنها مؤمنة.

(4/305)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 306
روى عنه: عطاء بن يسار، وأبو سلمة بن عبد الرحمن. ووهم من سماه: عمر.
4 (معاوية بن أبي سفيان)
صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، أبو

(4/306)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 307

(4/307)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 308
عبد الرحمن القرشي الأموي، وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف. أسلم قبل أبيه في عمرة القضاء، وبقي يخاف من الخروج إلى النبي صلى الله عليه وسلم، من أبيه. روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وأخته أم المؤمنين أم حبيبة. وعنه: ابن عباس، وسعيد بن المسيب، وأبو صالح السمان، والأعرج، وسعيد بن أبي سعيد، ومحمد بن سيرين، وهمام بن منبه، وعبد الله بن عامر اليحصبي، والقاسم أبو عبد الرحمن، وشعيب بن محمد والد عمرو بن شعيب، وطائفة سواهم. وأظهر إسلامه يوم الفتح.) وكان رجلاً طويلاً، أبيض، جميلاً مهيباً، إذا ضحك انقلبت شفته العليا، وكان يخضب بالصفرة. قال أبو عبد رب الدمشقي: رأيت معاوية يصفر لحيته كأنها الذهب. وعن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ قال: سمعت معاوية على منبر المدينة يقول: أين فقهاؤكم يا أهل المدينة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن هذه القصة، ثم وضعها على رأسه أو خده، فلم أر على عروس ولا على غيرها أجمل منها على معاوية.

(4/308)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 309
وذكر المفضل الغلابي: أن زيد بن ثابت كان كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان معاوية كاتبه فيما بينه وبين العرب. كذا قال. وقد صح عن ابن عباس قال: كنت ألعب، فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ادع لي معاوية وكان يكتب الوحي. وقال معاوية بن صالح، عن يونس بن سيف، عن الحارث بن زياد، عن أبي رهم السماعي، عن العرباض بن سارية: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعونا إلى السحور: هلم إلى الغداء المبارك. ثم سمعته يقول: اللهم علم معاوية الكتاب والحساب، وقه العذاب. رواه أحمد في مسنده، وقد وهم فيه قتيبة، وأسقط منه أبا رهم والعرباض. وقيل أبو مسهر: ثنا سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاوية: اللهم علمه الكتاب والحساب، وقه العذاب. هذا الحديث رواته ثقات، لكن اختلفوا في صحبة عبد الرحمن، والأظهر أنه صحابي، روي نحوه من وجوه أخر. وقال مروان الطاطري: ثنا سعيد بن عبد العزيز، حدثني ربيعة بن يزيد، سمعت عبد الرحمن بن أبي عميرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول

(4/309)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 310
لمعاوية: اللهم اجعله هادياً مهدياً، واهده واهد به. رواه الوليد بن مسلم، وأبو مسهر، عن سعيد، نحوه، رواه الترمذي، عن الذهلي، عن أبي مسهر، وقال: حسن غريب. وقال نعيم بن حماد: ثنا محمد بن شعيب بن شابور، ثنا مروان بن جناح، عن يونس بن ميسرة، عن عبد الله بن بسر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن أبا بكر وعمر في أمر فقال: أشيروا، فقالا: الله ورسوله أعلم، فقال: أدعوا معاوية، أحضروه أمركم، فإنه قوي أمين. وقد رووه عن ابن شعيب مرسلاً.) قلت: هذا من مناكير نعيم، وهو صاحب أوابد. وقال أبو مسهر، ومحمد بن عائذ، عن صدقة بن خالد، عن وحشي بن حرب بن وحشي، عن أبيه، عن جده قال: أردف النبي صلى الله عليه وسلم معاوية بن أبي سفيان خلفه، فقال: ما يليني منك قال: بطني، قال: اللهم املأه علماً، زاد أبو مسهر: وحلماً. قال صالح جزرة: لا تشتغل بوحشي ولا بأبيه. وقال خليفة: جمع عمر لمعاوية الشام كله، ثم أقره عثمان. وعن إسماعيل بن أمية أن عمر أفرد معاوية بالشام، ورزقه في كل شهر ثمانين ديناراً، والمحفوظ أن الذي جمع الشام لمعاوية عثمان. وقال مسلم بن جندب، عن أسلم مولى عمر قال: قدم علينا معاوية، وهو أبض الناس وأجملهم، فحج مع عمر، وكان عمر ينظر إليه، فيعجب له، ثم يضع إصبعه على متنه ويرفعها، عن مثل الشراك. ويقول: بخ بخ، نحن

(4/310)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 311
إذاً خير الناس، أن جمع لنا خير الدنيا والآخرة، فقال معاوية: يا أمير المؤمنين سأحدثك: إنا بأرض الحمامات والريف، فقال عمر: سأحدثك، ما بك إلا إلطافك نفسك بأطيب الطعام، وتصبحك حتى تضرب الشمس منيتك، وذوو الحاجات وراء الباب، قال: فلما جئنا ذا طوى، أخرج معاوية حلة، فلبسها، فوجد عمر منها ريحاً طيبة، فقال: يعمد أحدكم فيخرج حاجاً تفلا، حتى إذا جاء أعظم بلدان الله حرمة أخرج ثوبيه كأنهما كانا في الطيب فيلبسهما، فقال: إنما لبستهما لأدخل فيهما على عشيرتي، والله لقد بلغني أذاك هاهنا وبالشام، والله يعلم إني لقد عرفت الحياء فيه، ونزع معاوية الثوبين، ولبس ثوبيه اللذين أحرم فيهما. وقال أبو الحسن المدائني: كان عمر إذا نظر إلى معاوية قال: هذا كسرى العرب. وروى ابن أبي ذئب، عن المقبري قال: تعجبون من دهاء هرقل وكسرى، وتدعون معاوية. وقال الزهري: استخلف عثمان، فنزع عمير بن سعد، وجمع الشام لمعاوية. وقال مجالد، عن الشعبي، عن الحارث، عن علي قال: لا تكرهوا إمرة معاوية، فإنكم لو فقدتموه رأيتم الرؤوس تندر عن كواهلها. وروى علقمة بن أبي علقمة، عن أمه قالت: قدم معاوية المدينة، فأرسل إلى عائشة: أرسلي إلي بأنبجانية رسول الله صلى الله عليه وسلم وشعره، فأرسلت

(4/311)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 312
بذلك معي أحمله، فأخذ الأنبجانية، فلبسها، وغسل الشعر بماء، فشرب منه، وأفاض على جلده.) وروى أبو بكر الهذلي، عن الشعبي قال: لما قدم معاوية المدينة عام الجماعة، تلقته رجال قريش فقالوا: الحمد لله الذي أعز نصرك وأعلى أمرك، فما رد عليهم جواباً، حتى دخل المدينة، فعلا المنبر، ثم حمد الله وقال: أما بعد، فإني والله ما وليت أمركم حين وليته، إلا وأنا اعلم أنكم لا تسرون بولايتي، ولا تحبونها، وإني لعالم بما في نفوسكم، ولكن خالستكم بسيفي هذا مخالسة، ولقد رمت نفسي على عمل ابن أبي قحافة، فلم أجدها تقوم بذلك، وأردتها على عمل عمر، فكانت عنه أشد نفوراً، وحاولتها على مثل سنيات عثمان فأبت علي، وأين مثل هؤلاء، هيهات أن يدرك فضلهم أحد من بعدهم، غير أني قد سلكت بها طريقاً لي فيه منفعة، ولكم فيه مثل ذلك، ولكل فيه مؤاكلة حسنة ومشاربة جميلة ما استقامت السيرة، وحسنت الطاعة، فإن لم تجدوني خيركم، فأنا خير لكم، والله لا أحمل السيف على من لا سيف معه، ومهما تقدم مما قد علمتمونه، فقد جعلته دبر أذني، وإن لم تجدوني أقوم بحقكم كله، فارضوا مني ببغضه، إنها ليست بقائبة قوبها، وإن السيل إذا جاء تترى، وإن قل أغنى، وإياكم والفتنة، فلا تهموا بها، فإنها تفسد المعيشة، وتكدر النعمة، وتورث الاستئصال، وأستغفر الله لي ولكم، ثم نزل. وقال جندل بن والق وغيره: ثنا محمد بن بشر، ثنا مجالد، عن أبي الوداك، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه.

(4/312)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 313
مجالد ضعيف. وقد رواه الناس عن: علي بن زيد بن جدعان، وليس بالقوي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، فذكره. ويروى عن أبي بكر بن أبي داود قال: هو معاوية بن تابوه رأس المنافقين، حلف أن يتغوط فوق المنبر. وقال بسر بن سعيد، عن سعد بن أبي وقاص قال: ما رأيت أحداً بعد عثمان أقضى بحق من صاحب هذا الباب، يعني معاوية. وقال أبو بكر بن أبي مريم، عن ثابت مولى أبي سفيان: إنه سمع معاوية يخطب ويقول: إني لست بخيركم، وإن فيكم من هو خير مني: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وغيرهما من الأفاضل، ولكني عسيت أن أكون أنكاكم في عدوكم، وأنعمكم لكم ولايةً، وأحسنكم خلقاً.) وقال همام بن منبه: سمعت ابن عباس يقول: ما رأيت رجلاً كان أخلق للملك من معاوية، كان الناس يردون منه على أرجاء واد رحب، لم يكن بالضيق الحصر العصعص المتغضب. يعني ابن الزبير. وقال جبلة بن سحيم، عن ابن عمر: ما رأيت أحداً أسود من معاوية، قلت: ولا عمر قال: كان عمر خيراً منه، وكان معاوية أسود منه.

(4/313)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 314
وقال أيوب، عن أبي قلابة: إن كعب الأحبار قال: لن يملك أحد هذه الأمة ما ملك معاوية. قال سويد بن سعيد: نبأ ضمام بن إسماعيل بالإسكندرية: سمعت أبا قبيل حيي بن هانئ يخبر عن معاوية، وصعد المنبر يوم الجمعة، فقال عند خطبته: أيها الناس، إن المال مالنا، والفيء فيئنا، من شئنا أعطينا، ومن شئنا منعنا، فلم يجبه أحد، فلما كانت الجمعة الثانية قال مثل ذلك، فلم يجبه أحد، فلما كانت الجمعة الثالثة قال مثل مقالته، فقام رجل فقال: كلا، إنما المال مالنا، والفيء فيئنا، من حال بيننا وبينه حكمناه إلى الله بأسيافنا. فنزل معاوية، فأرسل إلى الرجل، فأدخل عليه، فقال القوم: هلك، ففتح معاوية الأبواب، ودخل الناس، فوجدوا الرجل معه على السرير، فقال: إن هذا أحياني أحياه الله، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ستكون أئمة من بعدي. يقولون فلا يرد عليهم قولهم، يتقاحمون في النار تقاحم القردة، وإني تكلمت فلم يرد علي أحد، فخشيت أن أكون منهم، ثم تكلمت الثانية، فلم يرد علي أحد، فقلت في نفسي: إني من القوم، ثم تكلمت الجمعة الثالثة، فقام هذا فرد علي فأحياني أحياه الله، فرجوت أن يخرجني الله منهم، فأعطاه وأجازه. هذا حديث حسن. محمد بن مصفى: ثنا بقية، عن بحير بن سعيد، عن خالد بن معدان قال: وفد المقدام بن معد يكرب، وعمرو بن الأسود، ورجل من الأسد له صحبة إلى معاوية، فقال معاوية للمقدام: توفي الحسن، فاسترجع، فقال: أتراها مصيبة قال: ولم لا، وقد وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره وقال: هذا مني وحسين من علي. فقال للأسدي: ما تقول أنت قال: جمرة أطفئت، فقال المقدام: أنشدك الله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن لبس الذهب والحرير، وعن جلود السباع والركوب عليها قال: نعم، قال: فوالله

(4/314)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 315
لقد رأيت هذا كله في بنيك، فقال معاوية: عرفت أني لا أنجو منك.) قلت: توفي كعب قبل أن يستخلف معاوية، وصدق كعب فيما نقله، فإن معاوية بقي خليفة عشرين سنة، لا ينازعه أحد الأمر في الأرض، بخلاف خلافة عبد الملك بن مروان، وأبي جعفر المنصور، وهارون الرشيد، وغيرهم، فإنهم كان لهم مخالف، وخرج عن أمرهم بعض المماليك. قلت: وكان يضرب المثل بحلم معاوية، وقد أفرد ابن أبي الدنيا، وأبو بكر بن أبي عاصم، تصنيفاً في حلم معاوية. قال ابن عون: كان الرجل يقول لمعاوية: والله لتستقيمن بنا يا معاوية أو لنقومنك، فيقول: بماذا فيقولون: بالخشب، فيقول: إذاً نستقيم. وعن قبيصة بن جابر قال: صحبت معاوية، فما رأيت رجلاً أثقل حلماً، ولا أبطأ جهلاً، ولا أبعد أناةً منه. وقال جرير، عن مغيرة قال: أرسل الحسن بن علي وعبد الله بن جعفر إلى معاوية يسألانه، فبعث إليهما بمائة ألف، فبلغ علياً رضي الله عنه، فقال لهما: ألا تستحيان، رجل نطعن فيه غدوةً وعشيةً، تسألانه المال قالا: لأنك حرمتنا وجاد لنا. وقال مالك: إن معاوية نتف الشيب كذا وكذا سنة، وكان يخرج إلى الصلاة ورداؤه يحمل، فإذا دخل مصلاه جعل عليه، وذلك من الكبر. وذكر غيره: أن معاوية أصابته اللقوة قبل أن يموت، وكان اطلع في بئر عادية.

(4/315)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 316
بالأبواء لما حج، فأصابته لقوة، يعني بطل نصفه. المدائني، عن أبي عبيد الله، عن عبادة بن نسي قال: خطب معاوية فقال: إن من زرع قد استحصد، وقد طالت إمرتي عليكم، حتى مللتكم ومللتموني، ولا يأتيكم بعدي خير مني كما أن من كان قبلي خير مني، اللهم قد أحببت لقاءك، فأحبب لقائي. الواقدي: ثنا أبي سبرة، عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى قال: قال معاوية ليزيد وهو يوصيه: اتق الله، فقد وطأت لك الأمر، ووليت من ذلك ما وليت، فإن يك خيراً، فأنا أسعد به، وإن كان غير ذلك، شقيت به، فارفق بالناس، وإياك وجبه أهل الشرف والتكبر عليهم. في كلام طويل، أورده ابن سعد. وروى يحيى بن معين، عن عباس بن الوليد النرسي وهو من أقرانه عن رجل، أن) معاوية قال ليزيد: إن أخوف ما أخاف شيئاً عملته في أمرك، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلم يوماً أظفاره، وأخذ من شعره، فجمعت ذلك، فإذا مت فاحش به فمي وأنفي. وروى عبد الأعلى بن ميمون بن مهران، عن أبيه: أن معاوية قال في مرضه: كنت أوضيء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً، فنزع قميصه وكسانيه، فرقعته، وخبأت قلامة أظفاره في قارورة، فإذا مت فاجعلوا القميص على جلدي، واسحقوا تلك القلامة واجعلوها في عيني، فعسى الله أن يرحمني ببركتها. حميد بن هلال، عن أبي بردة بن أبي موسى قال: دخلت على معاوية

(4/316)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 317
حين أصابته قرحته فقال: هلم ابن أخي، تحول فانظر، فنظرت، فإذا هي قد سرت. وعن الشعبي قال: أول من خطب الناس قاعداً معاوية، وذلك حين كثر شحمه وعظم بطنه. وعن ابن سيرين قال: أخذت معاوية قرحة، فاتخذ لحفاً تلقى عليه، فلا يلبث أن يتأذى بها، فإذا أخذت عنه، سأل أن ترد عليه، فقال: فبحك الله من دار، مكثت فيك عشرين سنة أميراً، وعشرين سنة خليفة، ثم صرت إلى ما أرى. وقال أبو عمرو بن العلاء: لما حضرت معاوية، الوفاة قيل له: ألا توصي فقال:
(هو الموت لا منجى من الموت والذي .......... نحاذر بعد الموت أدهى وأفظع)
اللهم أقل العثرة، واعف عن الزلة، وتجاوز بحلمك عن جهل من لم يرج غيرك فما وراءك مذهب. وقال أبو مسهر: صلى الضحاك بن قيس الفهري على معاوية، ودفن بين باب الجابية وباب الصغير فيما بلغني. وقال أبو معشر وغيره: مات معاوية في رجب سنة ستين، وقيل: إنه عاش سبعاً وسبعين سنة.
4 (ميمونة بنت الحارث)
أم المؤمنين الهلالية.

(4/317)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 318
تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة سبع. روى عنها: مولياها عطاء، وسليمان ابنا يسار، وابن أختها يزيد بن الأصم، وكريب مولى ابن عباس، وابن أختها عبد الله بن عباس، وابن أختها عبد الله بن شداد بن الهاد، وعبيد بن السباق، وجماعة.) وكانت قبل النبي صلى الله عليه وسلم عند أبي رهم بن عبد العزى العامري، فتأيمت منه، فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلت أمرها إلى العباس، فزوجها منه، وبنى بها بسرف بطريق مكة، لما رجع من عمرة القضاء.

(4/318)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 319
وهي أخت أسماء بنت عميس لأمها، وأخت زينب بنت خزيمة أيضاً لأمها. روى محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة، عن كريب، عن ابن عباس قال: كان اسم ميمونة برة، فسماها النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة. وقيل: أنها لما ماتت صلى عليها ابن عباس ودخل قبرها، وهي خالته. ابن علية: ثنا أيوب، عن ميمون بن مهران قال: أمرني عمر بن عبد العزيز، فسألت يزيد بن الأصم عن نكاح ميمونة، فقال: نكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم حلالاً بسرف، وبنى بها حلالاً بسرف، وماتت بسرف، فذاك قبرها تحت السقيفة. وروى زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ميمونة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الجبن فقال:: اقطع بالسكين وسم الله وكل. قال إبراهيم بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأخوات الأربع ميمونة، وأم الفضل، وسلمى، وأسماء بنت عميس، أختهن لأمهن مؤمنات، أخرجه النسائي. قال الواقدي: توفيت سنة إحدى وستين، وهي آخر من مات من أمهات المؤمنين. وقال خليفة: توفيت سنة إحدى وخمسين.

(4/319)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 320
وقيل أنها ماتت أيضاً بسرف، ووهم من قال: إنها ماتت سنة ثلاث وستين.
4 (ميمونة بنت سعيد.)
خادم النبي صلى الله عليه وسلم، لها صحبة ورواية. روى عنها: أيوب بن خالد، وزياد بن أبي سودة، وعثمان بن أبي سودة، وأبو يزيد الضبي، وطارق بن عبد الرحمن القرشي، وغيرهم.

(4/320)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 321
4 (الهاء)

4 (هشام بن عامر الأنصاري.)
له صحبة ورواية، نزل البصرة، واستشهد أبوه يوم أحد.) روى عنه: سعد بن هشام، ومعاذة العدوية، وأبو قتادة العدوي، وأبو الدهماء العدوي، وحميد بن هلال.
4 (هند بن حارثة، الأسلمي)
أخو أسماء.

(4/321)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 322
قال الواقدي: قال أبو هريرة: ما كنت أرى أسماء وهند إلا خادمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، من طول لزومهما بابه، وخدمتهما إياه. وقال غيره: كانا من أصحاب الصفة، ولهما إخوة. توفي هند في خلافة معاوية.

(4/322)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 323
4 (الواو)

4 (وابصة بن معبد)
بن عتبة الأسدي، أسد خزيمة. وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تسع في عشرة من رهطه، فأسلموا ورجعوا إلى أرضهم، ثم نزل وابصة الجزيرة، وسكن الرقة، وله بدمشق دار. روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وعن ابن مسعود، وخريم بن فاتك. وعنه: زر بن حبيش، والشعبي، وعمرو بن ناشد، وهلال بن يساف، وابنه عمر بن وابصة، وجماعة. وقبره بالرقة عند الجامع، وكنيته أبو سالم.

(4/323)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 324
4 (الياء)

4 (يزيد بن شجرة الرهاوي.)
ورها: قبيلة من مذحج. روى عنه: مجاهد، وله صحبة ورواية، وكان متألهاً متوقياً. وروى عنه أيضاً أبو الزاهرية، وأرسل عنه الزهري. وقد روى هو أيضاً عن: أبي عبيدة بن الجراح، ونزل الشام. وكان معاوية يستعمله على الغزو، وسيره مرة يقيم للناس الحج. استشهد يزيد وأصحابه في غزو البحر، وقيل بالروم سنة ثمان

(4/324)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 325
وخمسين، وقيل سنة خمس وخمسين. زائدة، عن منصور، عن مجاهد قال: كان يزيد بن شجرة ممن يذكرنا فيبكي، وكان يصدق بكاءه بفعله.) وقال الأعمش، عن مجاهد: خطبنا يزيد بن شجرة الرهاوي، وكان معاوية استعمله على الجيوش. والرهاوي قيده عبد الغني بالفتح، فخطأه ابن ماكولا.
4 (يعلى بن أمية)
بن أبي عبيدة التميمي المكي.

(4/325)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 326
حليف قريش، وهو يعلى بن منية بنت غزوان، أخت عتبة بن غزوان. أسلم يوم الفتح، وشهد الطائف وتبوكاً، وروى عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عمر. وعنه: بنوه محمد، وصفوان، وعثمان، وأخوه عبد الرحمن، وابن أخيه صفوان بن عبد الله، وعكرمة، وعبد الله بن بابيه، ومجاهد، وعطاء بن أبي رباح، وآخرون. قال ابن سعد: كان يعلى يفتي بمكة. وقيل: إنه عمل لعمر على نجران، وله أخبار في السخاء. وقال زكريا بن إسحاق، عن عمرو بن دينار قال: كان أول من ورخ الكتب يعلى بن أمية، وهو باليمن. قلت: كان قد ولي صنعاء لعثمان، وكان يعلى ممن شهد مع عائشة يوم الجمل، وأنفق أموالاً عظيمة في ذلك الجيش، فلما هزم الناس هرب يعلى، وبقي إلى أواخر خلافة معاوية. وقيل: قتل بصفين مع علي، والله أعلم. أبو عاصم النبيل: عن عبد الله بن أمية، عن محمد بن حيي، عن صفوان بن يعلى، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البحرمن جهنم. فقيل له في ذلك، فقال: أحاط بهم سرادقها والله لا أدخله، ولا يصيبني منه

(4/326)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 327
قطرة حتى أعرض على الله. قال أبو عاصم: حلف على غيب، وهو ممن أعان على علي رضي الله عنه.
4 (يعلى بن مرة الثقفي)
بن وهب الثقفي ويقال العامري، واسم أمه سيابة. شهد الحديبية وخيبر، وله أحاديث، وسكن العراق. روى عنه: ابناه عثمان، وعبد الله، وعبد الله بن حفص بن أبي عقيل الثقفي، وراشد بن سعد، وأبو البختري.) وأرسل عنه: المنهال بن عمرو، ويونس بن خباب، وعطاء بن السائب. وكان فاضلاً.

(4/327)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 328
4 (الكنى)

4 (أبو أروى الدوسي.)
له صحبة ورواية، وكان من شيعة عثمان، نزل ذا الحليفة. وقد روى عن أبي بكر أيضاً. وعنه: أبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو واقد صالح بن محمد بن زيادة المدني. فروى وهيب، عن أبي واقد، عنه، قال: كنت أصلي العصر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم آتي الشجرة قبل غروب الشمس.
4 (ابو أيوب الأنصاري)
اسمه خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد عوف بن غنم بن مالك

(4/328)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 329

(4/329)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 330
بن النجار، الخزرجي، النجاري، المالكي، المدني. شهد بدراً والعقبة، وعليه نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة، فبقي في داره شهراً حتى بنيت حجره ومسجده. وكان من نجباء الصحابة، وروى أيضاً عن: أبي. وعنه: مولاه أفلح، والبراء بن عازب، وسعيد بن المسيب، وعروة، وعطاء بن يزيد، وموسى بن طلحة، وآخرون. روى إسحاق بن سليمان الرازي، عن أبي سنان، عن حبيب بن أبي ثابت، أن أبا أيوب الأنصاري وفد على ابن عباس بالبصرة، ففرغ ابن عباس له داره وقال: لأصنعن بك ما صنعت برسول الله صلى الله عليه وسلم، كم عليك من الدين قال: عشرو ألفاً، فأعطاه أربيعن ألفاً، وعشرين مملوكاً وقال: لك ما في البيت كله. وشهد أبو أيوب الجمل وصفين مع علي، وكان من خاصته، وكان على مقدمته يوم النهروان، ثم إنه غزا الروم مع يزيد بن معاوية ابتغاء ما عند الله، فتوفي عند القسطنطينية، فدفن هناك، وأمر يزيد بالخيل، فمرت على قبره

(4/330)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 331
حتى عفت أثره لئلا ينبش، ثم إن الروم عرفوا مكان قبره، فكانوا إذا أمحلوا كشفوا عن قبره فمرطوا، وقبره تجاه سور القسطنطينية. توفي سنة إحدى وخمسين، أو في آخر سنة خمسين، ووهم من قال: توفي سنة اثنتين وخمسين.
4 (أبو برزة الأسلمي)
) اسمه نضلة بن عبيد، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قيل: إنه قتل ابن خطل يوم الفتح، وهو تحت أستار الكعبة. روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر. وعنه: ابنه المغيرة، وحفيدته منية بنت عبيد، وأبو عثمان النهدي،

(4/331)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 332
والأزرق بن قيس، وأبو المنهال سيار بن سلامة، وأبو الرضى عباد بن نسيب، وكنانة بن نعيم العدوي، وجماعة. سكن البصرة، وتوفي غازياً بخراسان. وقيل: اسمه نضلة بن عمرو، وقيل: ابن عائذ، وقيل ابن عبد الله، وقيل: اسمه عبد الله بن نضلة، وقيل: خالد بن نضلة. وكان مع معاوية بالشام، وقيل: شهد صفين مع علي رضي الله عنه. وعن أبي برزة قال: كنا نقول في الجاهلية: من أكل الخمير سمن، فأجهضنا، القوم يوم خيبر عن خبرة لهم، فجعل أحدنا يأكل في الكسرة ثم يمس عطفه، هل سمن وقيل: إن أبا برزة كان يقوم الليل، وله بر ومعروف. توفي سنة ستين قبل معاوية. وقال الحاكم: توفي سنة أربع وستين، فالله أعلم.
5 (فائدة)
تدل على بقاء أبي برزة بعد هذا الوقت: قال الأنصاري: ثنا عوف، حدثني أبو المنهال سيار بن سلامة قال: لما خرج ابن زياد، ووثب ابن مروان بالشام، وابن الزبير بمكة، اغتم أبي فقال: انطلق معي إلى أبي برزة الأسلمي، فانطلقنا إليه في داره، فإذا هو قاعد في ظل، فقال له أبي: يا أبا برزة ألا ترى فكان أول شيء تكلم به أن قال: إني أحتسب عند الله أني أصبحت ساخطاً على أحياء قريش وذكر الحديث.

(4/332)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 333
قال ابن سعد: مات أبو برزة بمرو، ثم روى ابن سعد أن أبا برزة وأبا بكرة كانا متآخيين. وقال بعضهم: رأيت أبا برزة أبيض الرأس واللحية.
4 (أبو بكرة الثقفي)
اسمه نفيع بن الحارث بن كلدة بن عمرو.

(4/333)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 334
وقيل: نفيع بن مسروح.) وقيل: كان عبداً للحارث فاستلحقه، وهو أخو زياد بن أبيه لأمه، واسمها سمية مولاة الحارث بن كلدة، وقد كان تدلى يوم الطائف من الحصن ببكرة، وأتى إلى بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم، وكني يومئذ بأبي بكرة. وله أحاديث، روى عنه: عبد الرحمن، وعبد العزيز، ومسلم، ورواد، وعبد الله، وكبشة أولاده، والأحنف بن قيس، وأبو عثمان النهدي، وربعي بن حراش، والحسن، وابن سيرين. وسكن البصرة، فعن الحسن قال: لم ينزل البصرة أفضل منه ومن عمران بن حصين. وكان أبو بكرة ممن شهد على المغيرة، فحده عمر لعدم تكميل أربعة شهداء، وأبطل شهادته، ثم قال له: تب لنقبل شهادتك، فقال: لا أشهد بين اثنين أبداً. وكان أبو بكرة كثير العبادة. وكان أولاده رؤساء البصرة شرفاً وعلماً وولاية. مغيرة بن مقسم، عن شباك، عن رجل، أن ثقيفاً سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد إليهم أبا بكرة عبداً، فقال: لا، هو طليق الله وطليق رسوله. يزيد بن هارون: أنبأ عيينة بن عبد الرحمن، أخبرني أبي، أنه رأى أبا بكرة عليه مطرف خز سداه حرير. قال خليفة: توفي سنة اثنتين وخمسين، وقال غيره: سنة إحدى وخمسين.

(4/334)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 335
4 (أبو بصرة الغفاري)
اسمه حميل بن بصرة، له صحبة ورواية، وروى عن أبي ذر أيضاً. وعن أبو هريرة وهو من طبقته، وأبو تميم الجيشاني، وعبد الرحمن بن شماسة، وأبو الخير مرثد اليزني، وأبو الهيثم سليمان بن عمرو العتواري. وشهد فتح مصر، وسكنها، وبها توفي.
4 (أبو جهم بن حذيفة)
بن غانم القرشي العدوي.

(4/335)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 336
اسمه عبيد، أسلم في الفتح، وابتنى داراً بالمدينة، وهو صاحب الأنبجانية. توفي في آخر خلافة معاوية. ويقال: اسمه عامر، أسلم يوم الفتح، وشهد اليرموك، وحضر يوم الحكمين بدومة الجندل، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة، وكان من مشيخة قريش ونسابهم.) والأصح أنه بقي بعد معاوية. فسيعاد.
4 (أبو جهم بن الحارث)
بن الصمة الأنصاري.

(4/336)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 337
ابن أخت أبي بن كعب، له صحبة ورواية. وعنه: بسر بن سعيد، وعمير مولى ابن عباس، وعبد الله بن يسار مولى ميمونة. توفي في أواخر زمن معاوية.
4 (أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان)
قد تقدمت سنة أربع وأربعين. وقال أحمد بن أبي خيثمة: توفيت قبل أخيها معاوية بعام.
4 (أبو حميد الساعدي الأنصاري)
المدني، اسمه عبد الرحمن، وقيل: المنذر بن سعد. من فقهالء الصحابة. روى عنه: جابر بن عبد الله، وعروة بن الزبير، وعمرو بن سليم الزرقي، وعباس بن سهل بن سعد، وخارجة بن زيد، ومحمد بن عمرو بن عطاء.

(4/337)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 338
توفي سنة ستين، وقيل توفي قبلها بقليل.
4 (أبو زيد عمرو بن أخطب الأنصاري)
جد عروة بن ثابت، قال: مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي ودعا لي. ويقال: إنه عاش مائة وعشرين سنة. روى عنه: علباء بن أحمر، والحسن البصري. وقيل له أنصاري تجوزاً، لأنه من غير ذرية الأوس والخزرج، بل من ولد أخيهما عدي. وأبوهم هو حارثة بن ثعلبة.
4 (أم شريك)

(4/338)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 339
هي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم. مختلف في اسمها ونسبها، ولها أحاديث. روى عنها: جابر بن عبد الله، وسعيد بن المسيب، وعروة، وشهر بن حوشب، وغيرهم. وهي من بني عامر بن لؤي، وفي ذلك اضطراب.
4 (أبو ضبيس الجهني.)
كان يلزم البادية، وبايع تحت الشجرة، وشهد الفتح. توفي في آخر خلافة معاوية. قاله ابن سعد.)
4 (أبو عياش الزرقي.)
قيل: عبيد بن الصامت، وقيل: عبيد بن معاوية، الأنصاري

(4/339)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 340
الخزرجي، وهو والد النعمان بن أبي عياش. روى عنه: مجاهد، وأبو صالح السمان، وقبلهما أنس بن مالك. وهو فارس حلوة، وحلوة فرس كانت له، لعه غزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم. وتوفي في زمن معاوية بعد الخمسين، وقيل قبلها.
4 (أبو قتادة الأنصاري)
السلمي، ع فارس النبي صلى الله عليه وسلم. اسمه على الصحيح الحارث بن ربعي، وقيل النعمان، وقيل عمرو، شهد أحداً وما

(4/340)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 341
بعدها، وكان من فضلاء الصحابة. روى عنه: أنس، وسعيد بن المسيب، وعطاء بن يسار، وعبد الله بن رباح الأنصاري، وعلي بن رباح، وعبد الله بن معبد الزماني، وعمرو بن سليم الزرقي، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وابنه عبد الله بن أبي قتادة، ونافع مولاه، وآخرون. وقال الواقدي: اسم أبي قتادة النعمان. وقال الهيثم بن عدي: عمر. وقال ابن معين والبخاري وغيرهما: الحارث بن ربعي. وفي حديث ثابت البناني، عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة في مسيرهم إعوازهم الماء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم نعس، فدعمته غير مرة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: حفظك الله بما حفظت به نبيه. وقال حماد، عن أيوب، عن محمد، إن أبا قتادة قتل مسعدة رأس المشركين. وقال إياس بن سلمة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير فرساننا أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة بن الأكوع.

(4/341)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 342
توفي سنة أربع وخمسين، وقيل سنة اثنتين وخمسين، وشهد مع علي مشاهده كلها.
4 (أم قيس بنت محصن)
أخت عكاشة، من المهاجرات الأول، رضي الله عنها. روى عنها: مولاها عدي بن دينار، ووابصة بن معبد، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعمرة،) ونافع موليا حمنة، وغيرهم. تأخرت وفاتها.
4 (أم كرز الكعبية)
الخزاعية المكية. لها صحبة ورواية.

(4/342)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 343
روى عنها: سماع بن ثابت، وطاووس، وعروة، ومجاهد، وعطاء بن أبي رباح. وتأخرت وفاتها.
4 (أبو لبابة لقرشي)
العدوي بن عبد المنذر الأنصاري المدني. قد ذكرنا في خلافة عثمان أيضاً له ترجمة، وإنما ذكرته هنا لرواية سالم بن عبيد الله، ونافع، وعبيد الله بن أبي يزيد، عنه.
4 (أبو محذورة لمؤذن)
الجمحي المكي المؤذن.

(4/343)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 344
له صحبة ورواية، اختلفوا في اسمه ونسبه، وهو أوس بن معير على الصحيح، وهو من مسلمة الفتح. روى عنه: ابنه عبد الملك، وزوجته، والأسود بن يزيد، وابن أبي مليكة، وعبد الله بن محيريز الجمحي، وغيرهم. وكان من أحسن الناس وأنداهم صوتاً. قاله الزبير بن بكار، قال: وأنشدني عمي لبعضهم:
(أما ورب الكعبة المستوره .......... وما تلا محمد من سوره)

(والنغمات من أبي محذوره .......... لأفعلن فعلةً مذكوره)
توفي سنة تسع وخمسين، وكان مؤذن المسجد الحرام، علمه النبي صلى الله عليه وسلم الأذان.
4 (أبو مسعود الأنصاري.)

(4/344)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 345
مر سنة أربعين، وقال الواقدي: مات في آخر خلافة معاوية بالمدينة.
4 (أم هانيء)
بنت أبي طالب الهاشمية، اسمها فاختة، وقيل هند.

(4/345)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 346
أسلمت عام الفتح، وصلى ابن عمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتها يوم الفتح صلاة الضحى، وقال لها: قد أجرنا من أجرت يا أم هانيء، وكانت قد أجارت رجلاً.) روى عنها: حفيدها يحيى بن جعدة، ومولاها أبو صالح باذام، وكريب مولى ابن عباس، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعروة، ومجاهد، وعطاء، وآخرون. لها عدة أحاديث، وتأخر موتها إلى بعد الخمسين، وكانت تحت هبيرة بن عمرو بن عائذ المخزومي، فهرب يوم الفتح إلى نجران، وولدت له: عمرو بن هبيرة وهانئاً، ويوسف، وجعدة. قال ابن إسحاق: لما بلغ هبيرة إسلام أم هانيء قال أبياتاً منها:
(وعاذلة هبت بليل تلومني .......... وتعذلني بالليل ضل ضلالها)

(وتزعم أني إن أطعت عشيرتي .......... سأردى وهل يرديني إلا زوالها)

(فإن كنت قد تابعت دين محمد .......... وقطعت الأرحام منك حبالها)

(فكوني على أعلى سحيق بهضبة .......... ململة غبراء يبس اختلفوا بلالها.)

(4/346)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 347
4 (أبو هريرة الدوسي)
رضي الله عنه ودوس قبيلة من الأزد، اختلفوا في اسمه، واسمه عبد شمس.

(4/347)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 348
وقال كناني أبي بأبي هريرة، لأني كنت أرعى غنماً فوجدت أولاد هر وحشي، فأخذتهم، فلما رآهم أخبرته، فقال: أنت أبو هر. قال: وكان اسمي في الجاهلية عبد شمس. وقال المحرر بن أبي هريرة: اسم أبي: عمرو بن عبد غنم. وساق ابن خزيمة من حديث محمد بن عمرو بن أبي سلمة، عن أبي هريرة عبد شمس، وقال: هذه دلالة واضحة أن اسمه كان عبد شمس، فإنه إسناد متصل، وهو أحسن إسناداً من سفيان بن حسين، عن الزهري، عن المحرر، اللهم إلا أن يكون كان له اسمان قبل الإسلام. وقال أحمد بن حنبل: اسمه عبد شمس، ويقال: عبد غنم، ويقال سكين. وقال ابن أبي حاتم: اسمه عبد شمس، ويقال عبد غنم، ويقال عامر، قال: وسمي في الإسلام عبد الله، ويقال عبد الرحمن. وقد استوعب الحافظ ابن عساكر أكثر ما ورد في اسمه. وكان أحد الحفاظ المعدودين في الصحابة. روى عنه: ابن عباس، وأنس، وجابر، وسعيد بن المسيب، وعلي بن

(4/348)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 349
الحسين، وعروة، والقاسم، وسالم، وعبيد الله بن عبد الله، والأعرج، وهمام بن منبه، وابن سيرين، وحميد بن عبد الرحمن) الزهري، وحميد بن عبد الرحمن الحميري، وأبو صالح السمان، وزرارة بن أوفى، وسعيد بن أبي سعيد المقبري، وأبوه، وسعيد بن مرجانة، وشهر بن حوشب، وأبو عثمان النهدي، وعطاء بن أبي رباح، وخلق كثير. قدم من أرض دوس مسلماً هو وأمه وقت فتح خيبر. قال البخاري: روى عنه ثمانمائة رجل أو أكثر. قلت: يروى له نحو من خمسة آلاف حديث وثلاثمائة وسبعين حديثاً، في الصحيحين، منها ثلاثمائة وخمسة وعشرون حديثاً، وانفرد البخاري أيضاً له بثلاثة وتسعين، ومسلم بمائة وتسعين. وبلغنا أنه كان رجلاً آدم، بعيد ما بين المنكبين، ذا ضفيرتين، أفرق الثنيتين، يخضب شيبته بالحمرة، ولما أسلم كان فقيراً من أصحاب الصفة، ذاق جوعاً وفاقة، ثم استعمله عمر وغيره، وولي إمرة المدينة في زمن معاوية، فمر في السوق يحمل حزمة حطب، وهو يقول: أوسعوا الطريق للأمير. وقال أسامة بن زيد، عن عبد الله بن رافع: قلت لأبي هريرة: لم اكتنيت بأبي هريرة قال: أما تفرق مني قلت: بلى والله إني لأهابك، قال: كنت أرعى غنم أهلي، وكانت لي هريرة صغيرة، فكنت أضعها في شجرة بالليل، فإذا كان النهار ذهبت بها معي، فلقيت بها، وكان من أصحاب الصفة. أخرجه الترمذي. وقال المقبري، عن أبي هريرة قلت: يا رسول الله، أسمع منك

(4/349)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 350
أشياء فلا أحفظها، فقال: ابسط رداءك، فبسطته، فحدث حديثاً كثيراً، فما نسيت شيئاً حدثني به. وقال الوليد بن عبد الرحمن عن ابن عمر أنه قال لأبي هريرة: أنت كنت ألزمنا لرسول الله وأحفظنا لحديثه. وقال الأعرج: سمعت أبا هريرة يقول: إنكم تقولون إني أكثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله الموعد، كنت رجلاً مسكيناً أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً: من بسط ثوبه فلن ينسى شيئاً سمعه مني، فبسطت ثوبي، حتى قضى حديثه، ضممته إلي فما نسيت شيئاً سمعته بعد.) وقال أبو معشر، عن محمد بن قيس قال: كان أبو هريرة يقول: لا تكنوني أبا هريرة، كناني رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبا هر، قال لي: ثكلتك أمك أبا هر، والذكر خير من الأنثى. وقال ابن المسيب، عن أبي هريرة: شهدت خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال قيس بن أبي حازم عنه: جئت يوم خيبر بعدما فرغوا من القتال. وقال ابن سيرين، عنه: لقد رأيتني أصرع بين القبر والمنبر من الجوع، حتى يقول الناس: مجنون

(4/350)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 351
وتمخط مرة فقال: الحمد لله الذي تمخط أبو هريرة في الكتان، لقد رأيتني وإني لأخر من الجوع، فيجلس الرجل على صدري، فأرفع رأسي، فأقول: ليس الذي ترى، إنما هو الجوع. وقال أبو كثير السحيمي: حدثني أبو هريرة قال: والله ما خلق الله مؤمناً يسمع بي إلا أحبني، قلت: وما علمك بذاك قال: إن أمي كانت مشركة، وكنت أدعوها إلى الإسلام، وكانت تأبى علي، فدعوتها يوماً، فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره، فأتيته أبكي، وسألته أن يدعو لها، فقال: اللهم أهد أم أبي هريرة، فخرجت أعدو أبشرها، فأتيت فإذا الباب مجاف، وسمعت خضخضة الماء، وسمعت حسي فقالت: كما أنت، ثم فتحت، وقد لبست درعها، وعجلت عن خمارها، فقالت: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبكي من الفرح، فأخبرته فقلت: أدع الله يا رسول الله أن يحببني وأمي إلى عباده المؤمنين، فقال: اللهم حبب عبيدك هذا وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحببهم إليهما. هذا حديث صحيح، أظنه في مسلم. أيوب، عن محمد قال: تمخط أبو هريرة وعليه ثوب من كتان ممشق، فتمخط فيه، وقال: بخ بخ، يتمخط أبو هريرة في الكتان، لقد رأيتني أخر فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحجرة عائشة، يجيء الجائي يظن بي جنوناً، شعبة، عن محمد بن زياد قال: رأيت على أبي هريرة كساء خز. وقال قتادة وغير واحد: كان أبو هريرة يلبس الخز.

(4/351)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 352
قيس بن الربيع، عن أبي حصين، عن خباب بن عروة قال: رأيت أبا هريرة عليه عمامة سوداء. اسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن أبي هريرة قال: هاجرت، فأبق مني غلام في الطريق،) فلما قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم بايعته، وجاء الغلام، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة هذا غلامك، قلت: هو حر لوجه الله، فأعتقته. عفان: ثنا سليم بن حيان، عن أبيه، سمع أبا هريرة يقول: نشأت يتيماً، وهاجرت مسكيناً، وكنت أجيراً لبسرة بنت غزوان، بطعام بطني وعقبة رجلي، وكنت أخدم إذا نزلوا، وأحذوا إذا ركبوا، فزوجنيها الله، فالحمد لله الذي جعل الدين قواماً، وجعل أبا هريرة إماماً. ابن سيرين، عن أبي هريرة، أكريت نفسي من ابنة غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي، فقالت لي: لتردن حافياً، ولتركبن قائماً، ثم زوجنيها الله بعد. وقد دعا لنفسه، وأمن النبي صلى الله عليه وسلم على دعائه. فقال النسائي: أنبأ محمد بن صدران: ثنا الفضل بن العلاء، عن إسماعيل بن أمية، عن محمد بن قيس، عن أبيه، أن رجلاً جاء زيد بن ثابت، فسأله عن شيء، فقال: عليك بأبي هريرة، بينما أنا وأبو هريرة وفلان ذات يوم في المسجد ندعو ونذكر ربنا، إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس إلينا فسكتنا، فقال: عودوا للذي كنتم فيه، فدعوت أنا وصاحبي،

(4/352)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 353
فأمن النبي صلى الله عليه وسلم على دعائنا، ثم دعا أبو هريرة فقال: اللهم إني أسألك مثل صاحبي، وأسألك علماً لا ينسى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: آمين، فقلنا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن نسألك كذلك، فقال: سبقكما بها الغلام الدوسي. قال الطبراني: لا يروى إلا بهذا الإسناد. وقال أبو نضرة العبدي، عن الطفاوي قال: قرأت على أبي هريرة بالمدينة ستة أشهر، فلم أر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً أشد تشميراً ولا اقوم على ضيف منه، فدخلت عليه ذات يوم ومعه كيس فيه نوى أو حصى يسبح به. وقال ابن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم، عن مالك بن أبي عامر الأصبحي قال: جاء رجل إلى طلحة بن عبيد الله فقال: يا أبا محمد أرأيت هذا اليماني يعني أبا هريرة لهو أعلم بحديث رسول الله منكم، منه أشياء لا نسمعها منكم، أم يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل قال: أما أن يكون سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع فلا أشك، كنا أهل بيوتات وعمل وغنم، فنأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار، وكان مسكيناً لا مال له، ضيفاً على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يده مع يده، ولا أجد أحداً فيه خير، يقول) على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل. وقال محمد بن سعد: ثنا محمد بن عمر: ثنا عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، عن زياد بن مينا قال: كان ابن عباس، وابن عمر، وأبو سعيد، وأبو هريرة، وجابر يفتون بالمدينة، ويحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من لدن توفي

(4/353)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 354
عثمان إلى أن توفوا، وهؤلاء الخمسة، إليهم صارت الفتوى. وقال أبو سعد السمعاني: سمعت أبا القاسم المعمر المبارك بن أحمد الأرحبي يقول: سمعت أبا القاسم يوسف بن علي الزنجاني الفقيه: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن علي الزنجاني الفقيه: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن علي الفيروز آباذي، سمعت أبا الطيب الطبري يقول: كنا في حلقة النظر بجامع المنصور، فجاء شاب خراساني، فسأل عن مسألة المصراة، فطالب بالدليل، فاحتج المستدل بحديث أبي هريرة الوارد فيها، فقال الشاب وكان حنيفاً: أبو هريرة غير مقبول الحديث، فما استتم كلامه حتى سقطت عليه حية عظيمة من سقف الجامع، فوثب الناس من أجلها، وهربالشاب وهي تتبعه، فقيل له: تب تب، فغابت الحية، فلم ير لها أثر. الزنجاني ممن برع في الفقه على أبي إسحاق، توفي سنة خمسمائة. وقال حمد بن زيد، عن العباس بن فروخ الحريري: سمعت أبا عثمان النهدي قال: تضيف أبا هريرة سبعاً، فكان هو وامراته وخادمه يعتقبون الليل أثلاثاً، يصلي هذا، ثم يوقظ هذا هذا ويصلي، فقلت: يا أبا هريرة كيف تصوم قال: أصوم من أول الشهر ثلاثاً. قال الداني: عرض أبو هريرة القرآن على أبي بن كعب قرأ عليه من

(4/354)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 355
التابعين: عبد الرحمن بن هرمز. وقال قتيبة بن مهران: ثنا سليمان بن مسلم: سمعت أبا جعفر يحكي لنا قراءة أبي هريرة في: إذا الشمس كورت يحزنها شبه الرثاء. وروى عمر بن أبي زائدة، عن أبي خالد الوالبي، أنه كام إذا قرأ بالليل خفض طوراً ورفع طوراً، وذكر أنها قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: وكان أبو هريرة ممن يجهر ببسم الله في الصلاة. وفي البخاري من حديث المقبري: مر أبو هريرة بقوم، بين أيديهم شاة مصلية، فدعوه أن يأكل فأبى وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الدنيا وما شبع من خبز الشعير.) وعن شراحبيل أن أبا هريرة كان يصوم الخميس والاثنين. وقال خالد الحذاء عن عكرمة إن أبا هريرة كان يسبح كل يوم اثني عشرألف تسبيحة، ويقول: أسبح بقدر ذنبي. همام بن يحيى: ثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طليحة أن عمر قال لأبي هريرة: كيف وجدت الإمارة قال: بعثتني وأنا كاره، ونزعتني وقد أحببتها، وأتاه بأربعمائة ألف من البحرين قال: أظلمت أحداً قال: لا، قال: فما جئت به لنفسك قال: عشرين ألفاً، قال: من أين أصبتها؟ قال:

(4/355)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 356
كنت أتجر، قال: أنظر رأس مالك ورزقك فخذه، واجعل الآخر في بيت المال. وقال محمد بن سيرين: استعمل عمر أبا هريرة على البحرين، فقدم بعشرة آلاف، فقال له عمر: استأثرت بهذه الأموال يا عدو الله وعدو كتابه، قال: لست بعدو الله ولا عدو كتابه، ولكني عدو من عاداهما، قال: فمن اين هذا قال: خيل نتجت لي وغلة رقيق، وأعطية تتابعت علي، فنظروا فوجدوه كما قال. ثم بعد ذلك دعاه عمر ليستعمله فأبى. وروى معمر، عن محمد بن زياد قال: كان معاوية يبعث أبا هريرة على المدينة، فإذا غضب عليه بعث مروان وعزل أبا هريرة، فلم يلبث أن نزع مروان وبعث أبا هريرة، فقال لغلام أسود: قف على الباب، فلا تمنع أحداً إلا مروان، ففعل الغلام، ودخل الناس، ومنع مراون، ثم جاء نوبة فدخل وقال: حجبنا منك، فقال: إن أحق من لا ينكر هذا لأنت. قلت: كأنه بدا منه نحو هذا في حق أبي هريرة. وقال ثابت البناني، عن أبي رافع قال: كان مروان ربما استخلف أبا هريرة على المدينة، فيركب حماراً ببردعة، وخطامه ليف، فيسير فيلقى الرجل فيقول: الطريق، قد جاء الأمير. وربما أتى الصبيان وهم يلعبون بالليل لعبة الأعراب، فلا يشعرون بشيء حتى يلقي نفسه بينهم، ويضرب برجليه، فيفزع الصبيان ويفرون. وعن ثعلبة بن أبي مالك قال: أقبل أبو هريرة في السوق يحمل حزمة حطب، وهو يومئذ خلفة لمروان، فقال: أوسع الطريق للأمير.

(4/356)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 357
وقال سعيد المقبري: دخل مروان على أبي هريرة في شكواه فقال: شفاك الله يا أبا هريرة، فقال: اللهم إني أحب لقاءك فأحب لقائي قال: فما بلغ مروان القطانين حتى مات. وقال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن عمير بن هانئ قال: قال أبو هريرة: اللهم لا تدركني) سنة ستين، فتوفي فيها أو قبلها بسنة. قال الواقدي: توفي أبو هريرة سنة تسع وخمسين، وله ثمان وسبعون سنة. وهو الذي صلى على عائشة في رمضان سنة ثمان وخمسين. وقال هشام بن عروة: مات أبو هريرة وعائشة سنة سبع وخمسين، تابعه المدائني، وعلي بن المديني، وغيرهما. وقال أبو معشر، وحمزة، وعبد الرحمن بن مغراء، والهيثم بن عدي ويحيى بن بكير: توفي سنة ثمان وخمسين. وقال الواقدي، وقبله محمد بن إسحاق، وبعده أبو عبيد، وأبو عمر الضرير، ومحمد بن عبد الله بن نمير: توفي سنة تسع وخمسين. وقيل صلى عليه الوليد بن عتبة بالمدينة، ثم كتب إلى معاوية بوفاته، فكتب إلى الوليد: ادفع إلى ورثته عشرة آلاف درهم، وأحسن جوارهم، فإنه كان ممن ينصر عثمان، وكان معه في الدار. وقيل: كان الذين تولوا حمل سريره ولد عثمان.

(4/357)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الرابع الصفحة 358
4 (أبو اليسر السلمي)
من أعيان الأنصار، اسمه كعب بن عمرو، وشهد العقبة وله عشرون سنة، وهو الذي أسر ابن العباس يوم بدر. روى عنه: صيفي مولى أبي أيوب الأنصاري، وعبادة بن الوليد الصامتي، وموسى بن طلحة بن عبيد الله، وحنظلة بن قيس الزرقي، وغيرهم. وكان دحداحاً قصيراً، ذا بطن، وهو الذي انتزع راية المشركين يوم بدر، وقد شهد صفين مع علي. وتوفي بالمدينة سنة خمسة وخمسين، وقال بعضهم: وهو آخر من مات من البدريين. آخر هذه الطبقة، والحمد لله وحده دائماً.

(4/358)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 5
5 (الطبقة السابعة)

1 (الحوادث من سنة إلى)

4 (حوادث سنة واحد وستين)
توفي فيها: جرهد الأسلمي، والحسين بن علي رضي الله عنهما، وحمزة ابن عروة الأسلمي، وأم سلمة أم المؤمنين، وجابر بن عتيك بن قيس الأنصاري، وخالد بن عرفطة، وعثمان بن زياد ابن أبيه أخو عبيد الله، توفي شاباً وله ثلاث وثلاثون سنة، وهمام بن الحارث، وهو مخضرم.
4 (مقتل الحسين)
واستشهد مع الحسين ستة عشر رجلاً من أهل بيته. وكان من قصته أنه توجه من مكة طالباً الكوفة ليلي الخلافة. وروى ذلك ابن سعد الكاتب من وجوه متعددة، قال بعد أن سرد عدة أسطر، أسانيد وغير هؤلاء: حدثني في هذا الحديث بطائفة، فكتب جوامع حديثهم في مقتل الحسين رضي الله عنه قالوا: لما أخذ البيعة معاوية لابنه يزيد، كان الحسين ممن لم يبايع، وكان أهل الكوفة يكتبون إلى الحسين يدعونه إلى الخروج إليهم زمن معاوية، وهو يأبى، فقدم منهم قوم إلى محمد ابن الحنفية، وطلبوا إليه أن يخرج معهم، فأبى، وجاء الحسين، فأخبره بما عرضوا عليه وقال: إن القوم إنما يريدون أن يأكلونا ويشيطوا دماءنا، فأقام الحسين على ما هو عليه مهموماً، يجمع الإقامة مرة، ويريد أن يسير إليهم مرة، فجاءه أبو سعيد الخدري فقال: يا أبا عبد الله إني لك ناصح ومشفق،

(5/5)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 6
وقد بلغني أن قوماً من شيعتكم كاتبوك، فلا تخرج فإني سمعت أباك بالكوفة يقول: والله إني لقد مللتهم، وأبغضوني وملوني، وما بلوت منهم وفاء، ومن فاز بهم، فإنما فاز بالسهم الأخيب، والله ما لهم ثبات ولا عزم ولا صبر على السيف، قال: وقدم المسيب بن نجبة الفزاري وعدة معه إلى الحسين، بعد وفاة الحسن، فدعوه إلى خلع معاوية وقالوا: قد علمنا رأيك ورأي أخيك، فقال: إني لأرجو أن يعطي الله أخي على نيته، وأن يعطيني على نيتي في حبي جهاد الظالمين. وكتب مروان إلى معاوية: إني لست آمن أن يكون حسين مرضداً للفتنة، وأظن يومكم من حسين طويلاً.) فكتب معاوية إلى الحسين: إن من أعطى الله تعالى صفقة يمينه وعهده لجدير بالوفاء، وقد أنبئت أن قوماً من أهل الكوفة قد دعوك إلى الشقاق، وأهل العراق من قد جربت، قد أفسدوا على أبيك وأخيك، فاتق الله واذكر الميثاق، فإنك من تكدني أكدك. فكتب إليه الحسين: أتاني كتابك، وأنا بغير الذي بلغك عني جدير، وما أردت لك محاربة، ولا عليك خلافاً، وما أظن لي عند الله عذراً في ترك جهادك، وما أعظم فتنة أعظم من ولايتك هذه الأمة. وقال معاوية: إن أثرنا بأبي عبد الله إلا أسداً. رواه بطوله الواقدي، عن جماعة، وعن أشياخهم. وقال جويرية بن أسماء، عن نافع بن شيبة قال: لقي الحسين معاوية بمكة، فأخذ بخطام راحلته، فأناخ به، ثم ساره طويلاً وانصرف، فزجر معاوية راحلته، وقال له يزيد ابنه: لا تزال رجل قد عرض لك، فأناخ بك،

(5/6)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 7
قال: دعه لعله يطلبه من غيري، فلا يسوغه، فيقتله. مروان بن سعد، عن المدائني، عن جويرية، ثم قال: رجع الحديث إلى الأول. قالوا: ولما احتضر معاوية أرسل إلى يزيد فأوصاه وقال: انظر حسين بن فاطمة، فإنه أحب الناس إلى الناس، فصل رحمه، وارفق به، فإن بك منه شيء، فإني أرجو أن يكفيكه الله بمن قتل أباه وخذل أخاه. ولما بويع يزيد كتب إلى الوليد بن عتبة أمير المدينة: أن أدع الناس إلى البيعة، وابدأ بوجوه قريش، وليكن أول من تبدأ به الحسين، وارفق به، فبعث الوليد في الليل إلى الحسين وابن الزبير، وأخبرهما بوفاة معاوية، ودعاهما إلى البيعة، فقالا: نصبح وننظر فيما يصنع الناس، ووثبا فخرجا، وأغلظ الوليد للحسين، فشتمه الحسين وأخذ بعمامته فنزعها، فقال الوليد: إن هجنا بأبي عبد الله إلا أسداً، فقيل للوليد: اقتله، قال: إن ذلك لدم مصون. وخرج الحسين وابن الزبير لوقتهما إلى مكة، ونزل الحسين بمكة دار العباس. ولزم عبد الله الحجر، فلبس المغافر، وجعل يحرض على بني أمية، وكان يتردد إلى الحسين، ويشير عليه أن يقدم العراق ويقول له: هم شيعتكم، وكان ابن عباس يقول له: لا تفعل. وقال له عبد الله بن مطيع: فداك أبي وأمي متعنا بنفسك ولا تسر إلى العراق، فوالله لئن قتلك هؤلاء القوم ليتخذنا خولاً أو عبيداً.) وقد لقي عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس بن أبي ربيعة بالأبواء، منصرفين من العمرة، فقال لهما ابن عمر: أذكركما الله إلا رجعتما، فدخلتما

(5/7)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 8
في صالح ما يدخل فيه الناس، وننظر، فإن أجمع على يزيد الناس لم تشذا، وإن افترقوا عليه كان الذي تريدان. وقال ابن عمر للحسين: لا تخرج فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خيره الله بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة، وإنك بضعة منه، ولا تنالها يعني الدنيا فاعتنقه وبكى، وودعه، فكان ابن عمر يقول: غلبنا حسين بالخروج، ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة، ورأى من الفتنة وخذلان الناس لهم ما كان ينبغي له أن لا يتحرك ما عاش. وقال له ابن عباس: أين تريد يا ابن فاطمة قال: العراق وشيعتي، قال: إني لكاره لوجهك هذا، تخرج إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك، حتى تركهم سخطة وملهم، أذكرك الله أن تغرر بنفسك. الواقدي: حدثني عبد الله بن جعفر المخرمي، عن أبي عون قال: خرج الحسين من المدينة، فمر بابن مطيع وهو يحفر بئره، فقال: إلى أين، فداك أبي وأمي متعنا بنفسك ولا تسر، فأبى الحسين، قال: إن بئري هذه رشحها، وهذا اليوم ما خرج إلينا في الدلو، ماء، فلو دعوت لنا فيها بالبركة، قال: هات من مائها، فأتى بما في الدلو فشرب منه، ثم مضمض، ثم رده في البئر. وقال أبو سعيد: غلبني الحسين على الخروج، وقد قلت له: اتق الله والزم بيتك، ولا تخرج على إمامك، وكلمه في ذلك جابر بن عبد الله، وأبو واقد الليثي، وغيرهما.

(5/8)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 9
وقال سعيد بن المسيب: لو أن حسيناً لم يخرج لكان خيراً له. وقد كتبت إليه عمرة بنت عبد الرحمن تعظم عليه ما يريد أن يصنع، وتأمره بلزوم الجماعة، وتخبره أنه إنما يساق إلى مصرعه وتقول: أشهد لحدثتني عائشة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يقتل حسين بأرض بابل. وكتب إليه عبد الله بن جعفر كتاباً يحذره أهل الكوفة، ويناشده الله أن يشخص إليهم. فكتب إليه الحسين: إني رأيت رؤيا، ورأيت فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمرني بأمر أنا ماض له، ولست بمخبر أحداً بها حتى ألاقي عملي. ولم يقبل الحسين غداً، وصمم على المسير إلى العراق. فقال له ابن عباس: والله إني لأظنك) ستقتل غداً بين نسائك وبناتك كما قتل عثمان، وإني لأخاف أن تكون الذي يقاد به عثمان، فإنا لله وإنا إليه راجعون. فقال: يا أبا العباس إنك شيخ قد كبرت، فبكى ابن عباس وقال: أقررت عين ابن الزبير، ولما رأى ابن عباس عبد الله بن الزبير قال له: قد أتى ما أحببت، هذا الحسين يخرج ويتركك والحجاز. ثم تمثل:
(يا لك من قنبرة بمعمر .......... خلا لك الجو فبيضي واصفري)
ونقري ما شئت أن تنقري وبعث الحسين إلى أهل المدينة، فسار إليه من خف معه من بني عبد المطلب، وهم تسعة عشر رجلاً، ونساء وصبيان، وتبعهم محمد بن الحنفية فأدرك أخاه الحسين بمكة، وأعلمه أن الخروج ليس له برأي، يومه هذا، فأبى الحسين عليه، فحبس محمد ولده، فوجد عليه الحسين وقال: ترغب بولدك عن موضع أصاب فيه وبعث أهل العراق إلى الحسين الرسل،

(5/9)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 10
والكتب يدعونه إليهم، فخرج من مكة متوجهاً إلى العراق، في عشر ذي الحجة، فكتب مروان إلى عبيد الله بن زياد أمير الكوفة: أما بعد فإن الحسين قد توجه إليك، وتالله ما أحد أحب إلينا سلمة من الحسين، فإياك أن تفتح على الحسين ما لا يسده شيء. وكتب إليه عمرو بن سعيد بن العاص: أما بعد، توجه إليك الحسين، وفي مثلها تعتق أو تسترق كما تسترق العبيد. وقال جرير بن حازم: بلغ عبيد الله بن زياد مسير الحسين وهو بالبصرة، فخرج على بغاله هو واثنا عشر رجلاً حتى قدموا الكوفة، فاعتقد أهل الكوفة أنه الحسين وهو متلثم، فجعلوا يقولون: مرحباً بابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسار الحسين حتى نزل نهري كربلاء، وبعث عبيد الله عمر بن سعد على جيش. قال: وبعث شمر بن ذي الجوشن فقال: إن قتله وإلا فاقتله وأنت على الناس. وقال محمد بن الضحاك الحزامي، عن أبيه: خرج الحسين إلى الكوفة، فكتب يزيد إلى واليه بالعراق عبيد الله بن زياد: إن حسيناً صائر إلى الكوفة، وقد ابتلي به زمانك من بين الأزمان، وبلدك من بين البلدان، وأنت من بين العمال، وعندها تعتق أو تعود عبداً. فقتله ابن زياد وبعث برأسه إليه. وقال الزبير بن الخريت: سمعت الفرزدق يقول: لقيت الحسين بذات عرق وهو يريد الكوفة، فقال لي: ما ترى أهل الكوفة صانعين معي حمل بعير من كتبهم قلت: لا شيء، يخذلونك، لا) تذهب إليهم. فلم يطعني. وقال ابن عيينة: حدثني بجير، من أهل الثعلبية، قلت له: أين كنت

(5/10)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 11
حين مر الحسين؟ قال: غلام قد أيفعت، قال: كان في قلة من الناس، وكان أخي أسن مني، فقال له: يا ابن بنت رسول الله، أراك في قلة من الناس فقال بالسوط، وأشار إلى حقيبة الرحل: هذه خلفي مملوءة كتباً. قال ابن عيينة: وحدثني شهاب بن خراش، عن رجل من قومه قال: كنت في الجيش الذين بعثهم عبيد الله بن زياد إلى الحسين، وكانوا أربعة آلاف يريدون الديلم، فصرفهم عبيد الله إلى الحسين، فلقيت حسيناً، فرأيته أسود الرأس واللحية، فقلت له: السلام عليك يا أبا عبد الله، فقال: وعليك السلام، وكانت فيه غنة. قال شهاب: فحدثت به زيد بن علي، فأعجبه قوله وكانت فيه غنة. ابن سعد، عن الواقدي، وغيره، بإسنادهم، أن عمر بن سعد بن أبي وقاص أرسل رجلاً على ناقة إلى الحسين، يخبره بقتل مسلم بن عقيل، وكان قد بعثه الحسين إلى الكوفة كما مر في سنة ستين، فقال للحسين ولده علي الأكبر: يا أبه ارجع، فإنهم أهل العراق وغدرهم، وقلة وفائهم، ولا لك بشيء، فقالت بنو عقيل: ليس هذا حين رجوع، وحرضوه على المضي. وقال الحسين لأصحابه: قد ترون ما يأتينا، وما أرى القوم إلا سيخذلوننا، فمن أحب أن يرجع فليرجع، فانصرف عنه جماعة، وبقي فيمن خرج معه من مكة، فكانت خيلهم اثنين وثلاثين فرساً. وأما ابن زياد فجمع المقاتلة وأمر لهم بالعطاء. وقال يزيد الرشك: حدثني من شافه الحسين قال: رأيت أبنية مضروبة بالفلاة للحسين، فأتيته، فإذا شيخ يقرأ القرآن والدموع تسيل على خديه، فقلت: بأبي وأمي يا بن بنت رسول الله، ما أنزلك هذه البلاد والفلاة التي

(5/11)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 12
ليس بها أحد قال: هذه كتب أهل الكوفة إلي، ولا أراهم إلا قاتلي، فإذا فعلوا ذلك لم يدعوا لله حرمة إلا انتهكوها، فيسلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من فرم الأمة، يعني مقنعتها. قلت: ندب ابن زياد لقتال الحسين، عمر بن سعد بن أبي وقاص. فروى الزبير بن بكار، عن محمد بن حسين قال: لما نزل عمر بن سعد بالحسين أيقن أنهم قاتلوه، فقام في أصحابه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: قد نزل بنا ما ترون، إن الدنيا قد تغيرت وتنكرت، وأدبر معروفها، واستمرت حتى لم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، وإلا خسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا) ترون الحق لا يعمل به، والباطل لا ينتاهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله، وإني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برماً. وقال خالد الحذاء، عن الجريري، عن عبد الله أو غيره، إن الحسين لما أرهقه السلاح قال: ألا تقبلون مني ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل من المشركين قيل: وما كان يقبل منهم قال: كان إذا جنح أحدهم للسلم قبل منه، قالوا: لا، قال: فدعوني أرجع، قالوا: لا، قال: فدعوني آتي أمير المؤمنين يزيد. فأخذ له رجل السلاح، فقال له: أبشر بالنار، فقال: بل إن شاء الله برحمة ربي وشفاعة نبيي، قال: فقتل وجيء برأسه حتى وضع في طست بين يدي ابن زياد، فنكته بقضيبه وقال: لقد كان غلاماً صبيحاً، ثم

(5/12)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 13
قال: أيكم قاتله؟ فقال الرجل، فقال: ما قال لك فأعاد الحديث، فاسود وجهه. وروى ابن سعد في الطبقات بأسانيده، قالوا: وأخذ الحسين طريق العذيب، حتى نزل قصر أبي مقاتل، فخفق خفقة، ثم انتبه يسترجع وقال: رأيت كأن فارساً يسايرنا ويقول: القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم، فعلمت أنه نعى إلينا أنفسنا، ثم سار فنزل بكربلاء، فسار إليه عمر بن سعد في أربعة آلاف كالمكره، واستعفى عبيد الله فلم يعفه، ومع الحسين خمسون رجلاً، وتحول إليه من الجيش عشرون رجلاً، وكان معه من أهل بيته تسعة عشر رجلاً، وقتل عامة أصحابه حوله، وذلك في يوم الجمعة يوم عاشوراء، وبقي عامة نهاره لا يقدم عليه أحد، وأحاطت به الرجالة، فكان يشد عليهم فيهزمهم، وهم يتدافعونه، يكرهون الإقدام عليه، فصاح بهم شمر: ثكلتكم أمهاتكم ماذا تنتظرون به فطعنه سنان بن أنس النخعي في ترقوته، ثم انتزع الرمح وطعن في بواني صدره، فخر رضي الله عنه صريعاً، واحتز رأسه خولي الأصبحي، لا رحمه الله ولا رضي عنه. وقال أبو معشر نجيح، عن بعض مشيخته، إن الحسين رضي الله عنه قال حين نزلوا كربلاء: ما اسم هذه الأرض قالوا: كربلاء، قال: كرب وبلاء، فبعث عبيد الله عمر بن سعد فقابلهم، فقال الحسين: يا عمر اختر مني إحدى ثلاث: إما أن تتركني أن أرجع، أو أن تسيرني إلى يزيد فأضع يدي في

(5/13)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 14
يده، فيحكم في ما أرى، فإن أبيت فسيرني إلى الترك، فأقاتلهم حتى أموت. فأرسل عمر إلى ابن زياد بذلك، فهم أن يسيره إلى يزيد، فقال له شمر بن جوشن كذا قال، والأصح شمر بن ذي الجوشن: لا أيها الأمير، إلا أن ينزل على حكمك، فأرسل إليه بذلك،) فقال الحسين: والله لا أفعل. وأبطأ عمر، فأرسل إليه ابن زياد شمر المذكور فقال: إن تقدم عمر وقاتل وإلا فاقتله وكن مكانه، وكان مع عمر ثلاثون رجلاً من أهل الكوفة، قالوا: يعرض عليكم ابن بنت رسول الله ثلاث خصال، فلا تقبلون منها شيئاً وتحولوا مع الحسين فقاتلوا. وقال عباد بن العوام، عن حصين، عن سعد بن عبيدة قال: رأيت الحسين وعليه جبة برود، ورماه رجل يقال له عمرو بن خالد الطهوي بسهم، فنظرت إلى السهم معلقاً بجنبه. وقال ابن عيينة، عن أبي موسى، عن الحسن قال: قتل مع الحسين رضي الله عنه ستة عشر رجلاً من أهل بيته. وعن غير واحد قالوا: قاتل يومئذ الحسين، وكان بطلاً شجاعاً إلى أن أصابه سهم في حنكه، فسقط عن فرسه، فنزل شمر، وقيل غيره، فاحتز رأسه، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

(5/14)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 15
وروى شريك عن مغيرة قال: قالت مرجانة لابنها عبيد الله: يا خبيث، قتلت ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا ترى الجنة أبداً. وقال عباد بن العوام، عن حصين: حدثني سعد بن عبيدة قال: إنا لمستنقعين في الفرات مع عمر بن سعد، إذ أتاه رجل فساره، فقال: قد بعث إليك عبيد الله جويرة بن بدر التميمي، وأمره إن أنت لم تقاتل أن يضرب عنقك، قال: فوثب على فرسه، ودعا بسلاحه وعلا فرسه، ثم سار إليهم، فقاتلهم حتى قتلهم، قال سعد: وإني لأنظر إليهم، وإنهم لقريب مائة رجل، ففيهم من صلب علي رضي الله عنه خمسة أو سبعة، وعشرة من الهاشميين، ورجل من بني سليم، وآخر من بني كنانة. وروى أبو شيبة العبسي، عن عيسى بن الحارث الكندي قال: لما قتل الحسين مكثنا أياماً سبعة، إذا صلينا العصر نظرنا إلى الشمس على أطراف الحيطان، كأنها الملاحف المعصفرة، وبصرنا إلى الكواكب، يضرب بعضها بعضاً. وقال المدائني، عن علي بن مدرك، عن جده الأسود بن قيس قال: احمرت آفاق السماء بعد قتل الحسين ستة أشهر، يرى فيها كالدم، فحدثت بذلك شريكاً، فقال لي: ما أنت من الأسود فقلت: هو جدي أبو أمي، فقال: أما والله إن كان لصدوق الحديث. وقال هشام بن حسان، عن ابن سيرين قال: تعلم هذه الحمرة في الأفق مم هو من يوم قتل الحسين.) رواه سليمان بن حرب، عن حماد، عنه. وقال جرير بن عبد الحميد، عن زيد بن أبي زياد قال: قتل الحسين ولي أربع عشرة سنة، وصار الورس الذي في عسكرهم رماداً، واحمرت آفاق السماء، ونحروا ناقة في عسكرهم، وكانوا يرون في لحمها النيران.

(5/15)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 16
وقال ابن عيينة: حدثتني جدتي قالت: لقد رأيت الورس عاد رماداً، ولقد رأيت اللحم كأن فيه النار حين قتل الحسين. وقال حماد بن زيد: حدثني جميل بن مرة قال: أصابوا إبلاً في عسكر الحسين يوم قتل، فنحروها وطبخوها، فصارت مثل العلقم. وقال قرة بن خالد: ثنا أبو رجاء العطاردي قال: كان لنا جار من بلهجيم، فقدم الكوفة فقال: ما ترون هذا الفاسق ابن الفاسق قتله الله يعني الحسين، قال أبو رجاء: فرماه الله بكوكبين من السماء، فطمس بصره، وأنا رأيته. وقال معمر بن راشد: أوما عرف الزهري تلكم في مجلس الوليد بن عبد الملك، فقال الوليد: تعلم ما فعلت أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين فقال الزهري: إنه لم يقلب حجر إلا وجد تحته دم عبيط. وروى الواقدي، عن عمر بن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه قال: أرسل عبد الملك إلى ابن رأس جالوت فقال: هل كان في قتل الحسين علامة قال: ما كشف يومئذ حجر إلا وجد تحته دم عبيط. وقال جعفر بن سليمان: حدثتني أم سالم خالتي قالت: لما قتل الحسين مطرنا مطراً كالدم على البيوت والجدر. وقال علي بن زيد بن جدعان، عن أنس قال: لما قتل الحسين جيء برأسه إلى عبيد الله بن زياد، فجعل ينكت بقضيب على ثناياه وقال: إن كان

(5/16)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 17
لحسن الثغر، فقلت: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل موضع قضيبك من فيه. وقال حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصف النهار، أشعث أغبر، وبيده قارورة فيها دم، فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله، ما هذا قال: هذا دم الحسين وأصحابه، لم أزل منذ اليوم ألتقطه، فأحصي ذلك اليوم، فوجدوه) قتل يومئذ. وعن سلمى أنها دخلت على أم سلمة وهي تبكي فقالت: ما يبكيك قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، على رأسه ولحيته التراب، فقلت: ما لك يا رسول الله قال: شهدت قتل الحسين آنفاً. أخرجه الترمذي من حديث أبي خالد الأحمر: ثنا رزين، حدثتني سلمى. قلت: رزين هو ابن حبيب، كوفي. قال الترمذي: هذا حديث غريب. وقال حماد بن سلمة، عن عمار: سمعت أم سلمة قالت: سمعت الجن تبكي على حسين وتنوح عليه. وروي عن أم سلمة نحوه من وجه آخر. وروى عطاء بن مسلم، عن أبي جناب الكلبي قال: ثم أتيت كربلاء، فقلت لرجل من أشراف العرب بها: بلغني أنكم تسمعون نوح الجن، فقال: ما تلقى أحداً إلا أخبرك أنه سمع ذلك، قلت: فأخبرني ما سمعت أنت، قال: سمعتهم يقولون:

(5/17)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 18
(مسح الرسول جبينه .......... فله بريق في الخدود)

(أبواه من عليا قري .......... ش وجده خير الجدود)
رواه ثعلب في أماليه. ثنا عمر بن شيبة: ثنا عبيد بن جناد: ثنا عطاء، فذكره. وقال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن حسن المخزومي قال: لما أدخل ثقل الحسين على يزيد ووضع رأسه بين يديه بكى يزيد وقال:
(نفلق هاماً من رجال أحبة .......... إلينا وهم كانوا أعق وأظلما)
أما والله لو كنت أنا صاحبك ما قتلتك أبداً. فقال علي بن الحسين: ليس هكذا، قال: فكيف يا بن أم قال: ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها، وعنده عبد الرحمن بن الحكم أخو مروان، فقال:
(لهام بجنب الطف أدنى قرابة .......... من ابن زياد العبد ذي النسب الوغل)

(سمية أمسى نسلها عدد الحصى .......... وبنت رسول الله ليس لها نسل)
قال يحيى بن بكير: حدثني الليث بن سعد قال: أبى الحسين أن يستأسر، فقاتلوه، فقتل، وقتل ابنه) وأصحابه بالطف، وانطلق ببنيه: علي وفاطمة وسكينة إلى عبيد الله بن زياد، فبعث بهم إلى يزيد بن معاوية، فجعل

(5/18)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 19
سكينة خلف سريره، لئلا ترى رأس أبيها، وعلي بن الحسين في غل، فضرب يزيد على ثنيتي الحسين رضي الله عنه وقال:
(نفلق هاماً من أناس أعزة .......... علينا وهم كانوا أعق وأظلما)
فقال علي: ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها فثقل على يزيد أن تمثل ببيت، وتلا علي آية فقال: فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير، فقال: أما والله لو رآنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مغلوبين، لأحب أن يحلنا من الغل، قال: صدقت، حلوهم، قال: ولو وقفنا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعد لأحب أن يقربنا، قال: صدقت، قربوهم، فجعلت فاطمة وسكينة يتطاولان ليريا رأس أبيهما، وجعل يزيد يتطاول في مجلسه، فيستره عنهما، ثم أمر بهم فجهزوا، وأصلح آلتهم وأخرجوا إلى المدينة. كثير بن هشام: ثنا جعفر بن برقان، عن يزيد بن أبي زياد قال: لما أتي يزيد بن معاوية برأس الحسين جعل ينكت بمخصرة معه سنه ويقول: ما كنت أظن أبا عبد الله بلغ هذا السن، وإذا لحيته ورأسه قد نصل من الخضاب الأسود. وقال ابن سعد، عن الواقدي، والمديني، عن رجالهما، أن محفز بن ثعلبة العائذي، عائذة قريش، قدم برأس الحسين على يزيد فقال: أتيتك يا أمير المؤمنين برأس أحمق الناس وألأمهم، قال يزيد: ما ولدت أم محفز أحمق وألأم، لكن الرجل لم يقرأ كتاب الله: تؤتي الملك من تشاء وتنزع

(5/19)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 20
الملك ممن تشاء الآية. ثم بعث يزيد برأس الحسين على عامله على المدينة، فقال: وددت أنه لم يبعث به إلي، ثم أمر به، فدفن بالبقيع عند قبر أمه فاطمة، رضي الله عنها. وقال عبد الصمد بن سعيد القاضي: ثنا سليمان بن عبد الحميد البهراني: سمعت أبا أمية الكلاعي، سمعت أبا كرب قال: كنت في القوم الذين توثبوا على الوليد بن يزيد، وكنت فيمن نهب خزائنهم بدمشق، فأخذت سفطاً وقلت: فيه غنائي، فركبت فرسي وجعلته بين يدي، وخرجت من باب توما، ففتحته، فإذا بحريرة فيها رأس مكتوب عليه: هذا رأس الحسين، فحفرت له بسيفي ودفنته. وقال ابن جرير الطبري: حدثت عن أبي عبيدة، أن يونس بن حبيب حدثه قال: لما قتل الحسين) وبنو أبيه، بعث ابن زياد برؤوسهم إلى يزيد، فسر بقتلهم أولاً، ثم ندم فكان يقول: وما علي لو احتملت الأذى وأنزلت الحسين معي، وحكمته فيما يريد، وإن كان علي في ذلك وهن في سلطاني حفظاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورعاية لحقه وقرابته، لعن الله ابن مرجانة يريد عبيد الله، فإنه أخرجه واضطره، وقد كان سأل أن يخلى سبيله، ويرجع من حيث أقبل، أو يأتيني فيضع يده في يدي، أو يلحق بثغر من الثغور، فأبى ذلك ورده عليه، فأبغضني بقتله المسلمون. وقال المدائني، عن إبراهيم بن محمد، عن عمرو بن دينار: حدثني محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه قال: لما قتل الحسين دخلنا الكوفة، فلقينا رجل، فدخلنا منزله، فألحفنا، فنمت، فلم استيقظ إلا بحس الخيل في الأزقة، فحملنا إلى يزيد، فدمعت عينه حين رآنا، وأعطانا ما شئنا وقال: إنه

(5/20)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 21
سيكون في قومك أمور، فلا تدخل معهم في شيء، فلما كان من أهل المدينة ما كان، كتب مع مسلم بن عقبة كتاباً فيه أماني، فلما فرغ مسلم من الحرة بعث إلي، فجئته وقد كتبت وصيتي، فرمى إلي بالكتاب، فإذا فيه: استوص بعلي ابن الحسين خيراً، وإن دخل معهم، في أمرهم فأمنه واعف عنه، وإن لم يكن معهم فقد أصاب وأحسن. وقال غير واحد: قتل مع الحسين ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب، وقد كان في آخر سنة ستين، قتله ابن زياد صبراً، وكان الحسين قد قدمه إلى الكوفة، ليخبر من بها من شيعته بقدومه، فنزل على هانيء بن عروة المرادي، فأحس به عبيد الله بن زياد، فقتل مسلماً وهانئاً. وممن قتل مع الحسين يوم عاشوراء إخوته بنو أبيه: جعفر، وعتيق، ومحمد، والعباس الأكبر بنو علي، وابنه الأكبر علي وهو غير علي زين العابدين، وابنه عبد الله بن الحسين، وابن أخيه القاسم بن الحسين، ومحمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وأخوه عون، وعبد الله، وعبد الرحمن ابنا مسلم بن عقيل، رضي الله عنهم. وفيها: ظناً وتخميناً، قدم على ابن الزبير وهو بمكة المختار بن أبي عبيد الثقفي من الطائف، وكان قد طرد إلى الطائف، وكان قوي النفس، شديد البأس، يظهر المناصحة والدهاء، وكان يختلف إلى محمد بن الحنفية، فيسمعون منه كلاماً ينكرونه، فلما مات يزيد استأذن ابن الزبير في المضي إلى العراق، فأذن له وركن إليه، وكتب إلى عامله على العراق عبد الله بن مطيع يوصيه به، فكان يختلف إلى ابن مطيع، ثم أخذ يعيب في الباطن ابن الزبير ويثني على ابن) الحنفية، ويدعو إليه، ويحرض أهل الكوفة على ابن مطيع، ويكذب وينافق، فراج أمره واستغوى طائفة، وصار له شيعة، إلى أن خافه ابن مطيع، وهرب منه، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

(5/21)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 22
4 (حوادث سنة اثنتين وستين)

4 (المتوفون في هذه السنة)
توفي فيها: بريدة بن الحصيب، وعبد المطلب بن ربيعة بن الحارث الهاشمي، ومسلمة بن مخلد، وأبو مسلم الخولاني الداراني الزاهد، وعلقمة بن قيس النخعي الفقيه.
4 (الجارود أميرا على السند)
وفيها استعمل عبيد الله بن زياد أمير العراق على السند المنذر بن الجارود العبدي، ولأبنه الجارود بن عمرو صحبة. وكان المنذر من وجوه أهل البصرة من أصحاب علي، قتله الحجاج. وفيها غزا سلم بن أحور خوارزم فصالحوه على مال، ثم عبر إلى سمرقند، فنازلها، فصالحوه أيضاً. وفيها نقض أهل كابل، وأخذوا أبا عبيدة بن زياد بن أبي سفيان بن حرب أسيراً، فسار أخوه يزيد في جيش، فهجم عليهم، فقاتلوه، فقتل يزيد، وقتل معه زيد بن جدعان التيمي والد علي بن زيد، وصلة بن أشيم العدوي، وولداه، وعمرو بن قثم، وبديل بن نعيم العدوي، وعثمان بن آدم العدوي، في رجال من أهل الصدق. قاله خليفة. وأقام الموسم للناس عثمان بن محمد بن أبي سفيان بن حرب.

(5/22)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 23
4 (حوادث سنة ثلاث وستين)

4 (المتوفون في هذه السنة)
فيها توفي: ربيعة بن كعب الأسلمي، ومسروق بن الأجدع. وفيها وقعة الحرة على باب طيبة، واستشهد فيها خلق وجماعة من الصحابة. وفيها بعث سلم بن زياد: ابن أبيه طلحة بن عبد الله الخزاعي والياً على سجستان، فأمره أن يفدي أخاه من الأسر، ففداه بخمسمائة ألف، وأقدمه على أخيه، وأقام طلحة بسجستان. فيها غزا عقبة بن نافع من القيروان، فسار حتى أتى السوس الأقصى، وغنم وسلم، ورد، فلقيه) كسيلة وكان نصرانياً، فالتقيا، فاستشهد في الوقعة عقبة بن نافع، وأبو المهاجر دينار مولى الأنصار، وعامة أصحابهما. ثم سار كسيلة الكلب، فسار لحربه زهير بن قيس البلوي خليفة عقبة على القيروان، فقتل في الوقعة كسيلة، وهزم جنوده، وقتلت منهم مقتلة كبيرة.
4 (قصة الحرة)
قال جويرية بن أسماء: سمعت أشياخنا يقولون: وفد إلى يزيد عبد الله بن حنظلة بن الغسيل الأوسي المدني، وله صحبة، وفد في ثمانية بنين له،

(5/23)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 24
فأعطاه يزيد مائة ألف، وأعطى لكل ابن عشرة آلاف، سوى كسوتهم، فلما رجع إلى المدينة قالوا: ما وراءك قال: أتيتكم من عند رجل والله لو لم أجد إلا بني هؤلاء لجاهدته بهم، قالوا: إنه قد أكرمك وأعطاك، قال: نعم وما قبلت ذلك منه إلا لأتقوى به عليه، ثم حض الناس فبايعوه. وقال خليفة بن خياط: قال أبو اليقظان: دعوا إلى الرضا والشورى وأمروا على قريش عبد الله بن مطيع العدوي، وعلى الأنصار عبد الله بن حنظلة، وعلى قبائل المهاجرين معقل بن سنان الأشجعي، وأخرجوا من بالمدينة من بني أمية. وقال غيره: خلعوا يزيد، فأرسل إليهم جيشاً عليه مسلم بن عقبة، وأرسل أهل المدينة إلى مياه الطريق، فصبوا في كل ماء زق قطران وغوروه، فأرسل الله السماء عليهم، فما استقوا بدلو. وجاء من غير وجه أن يزيد لما بلغه وثوب أهل المدينة بعامله وأهل بيته، ونفيهم، جهز لحربهم مسلم بن عقبة المري، وهو شيخ، وكانت به النوطة، وجهز معه جيشاً كثيفاً، فكلم يزيد عبد الله بن جعفر بن أبي طالب في أهل المدينة، وكان عنده، وقال: إنما تقتل بهم نفسك، فقال: أجل أقتل بهم نفسي وأشقى، ولك عندي واحدة، آمر مسلماً أن يتخذ المدينة طريقاً، فإن هم لم ينصبوا له الحرب، وتركوه يمضي إلى ابن الزبير فيقاتله، وإن منعوه وحاربوه قاتلهم، فإن ظفر بهم قتل من أشرف له وأنهبها ثلاثاً، ثم يمضي إلى ابن الزبير. فكتب عبد الله بن جعفر إلى أهل المدينة أن لا تعرضوا لجيشه، فورد مسلم بن عقبة، فمنعوه ونصبوا له الحرب، ونالوا من يزيد، فأوقع بهم وأنهبها ثلاثاً، وسار إلى الزبير، فمات بالمشلل، وعهد

(5/24)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 25
إلى حصين بن نمير في أول سنة أربع وستين. وروى محمد بن عجلان، عن زيد بن أسلم قال: دخل عبد الله بن مطيع ليالي الحرة على ابن عمر، فقال ابن عمر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من نزع يداً من طاعة لم يكن) له حجة يوم القيامة، ومن مات مفارقاً للجماعة فإنه يموت موتة جاهلية. وقال المدائني: توجه مسلم بن عقبة إلى المدينة في اثني عشر ألف رجل، ويقال في اثني عشر ألف فارس، وخمسة عشر راجل، ونادى منادي يزيد: سيروا على أخذ أعطياتكم، ومعونة أربعين ديناراً لكل رجل. وقال النعمان بن بشير ليزيد: وجهني أكفك، قال: لا، ليس لهم إلا هذا، والله لا أقبلهم بعد إحساني إليهم وعفوي عنهم مرة بعد مرة، فقال: أنشدك الله يا أمير المؤمنين في عشيرتك وأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال له عبد الله بن جعفر: أرأيت إن رجعوا إلى طاعتك، أتقبل ذلك منهم قال: إن فعلوا فلا سبيل عليهم، يا مسلم إذا دخلت المدينة ولم تصد عنها، وسمعوا وأطاعوا فلا تعرضن لأحد، وامض إلى الملحد ابن الزبير، وإن صدوك عن المدينة فادعهم ثلاثة أيام، فإن لم يجيبوا فاستعن بالله وقاتلهم، فستجدهم أول النهار مرضى، وآخره صبراً، سيوفهم أبطحية، فإذا ظهرت عليهم، فإن كان بنو أمية قد قتل منهم أحد فجرد السيف واقتل المقبل والمدبر، وأجهز على الجريح وانهبها ثلاثاً، واستوص بعلي بن الحسين، وشاور حصين بن نمير، وإن حدث بك حدث، فوله الجيش. وقال جرير بن حازم، عن الحسن، أنه ذكر الحرة فقال: والله ما كاد ينجو منهم أحد، ولقد قتل ابنا زينب بنت أم سلمة، فأتيت بهما فوضعتهما بين يديها، فقالت: والله إن المصيبة علي فيكما لعظيمة، وهي في هذا وأشارت إلى أحدهما أعظم منها في هذا وأشارت إلى الآخر، لأن هذا

(5/25)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 26
بسط يده، وأما هذا فقعد في بيته، فدخل عليه فقتل، فأنا أرجو به. وقال جرير بن عبد الحميد، عن مغيرة قال: نهب مسرف بن عقبة المدينة ثلاثاً، وافتض فيها ألف عذراء. قال يزيد بن الهاد، عن أبي بكر بن المنكدر، عن عطاء بن يسار، عن السائب بن خلاد، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أخاف أهل المدينة أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. رواه مسلم بن أبي مريم، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، عن عطاء عن السائب، وخالفهم موسى بن عقبة، عن عطاء فقال: عن عبادة بن الصامت، والأول أصح. وقال جويرية بن أسماء: سمعت أشياخنا من أهل المدينة يتحدثون قالوا: خرج أهل المدينة يوم) الحرة بجموع كبيرة، وهيئة لم ير مثلها، فلما رآهم أهل الشام كرهوا قتالهم، فأمر مسلم بن عقبة بسريره، فوضع بين الصفين، ثم أمر مناديه: قاتلوا عني، أو دعوا، فشد الناس في قتالهم، فسمعوا التكبير خلفهم من المدينة، وأقحم عليهم بنو حارثة وهم على الحرة، فانهزم الناس، وعبد الله بن حنظلة متساند إلى بعض بنيه يغط نوماً، فنبهه ابنه، فلما رأى ما جرى أمر أكبر بنيه، فقاتل حتى قتل، ثم لم يزل يقدمهم واحداً بعد واحد، حتى أتى على آخرهم، ثم كسر جفر سيفه، فقاتل حتى قتل. وقال وهيب بن خالد: ثنا عمرو بن يحيى، عن أبيه قال: قيل لعبد الله ابن زيد يوم الحرة: ها ذاك ابن حنظلة يبايع الناس على الموت، فقال: لا أبايع عليه أحداً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. إسناده صحيح.

(5/26)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 27
وقال الواقدي: أنا ابن أبي ذئب، عن صالح بن أبي حسان، أنا إسماعيل بن إبراهيم المخزومي، عن أبيه، وثنا سعيد بن محمد بن عمرو بن يحيى، عن عبادة بن تميم، كل قد حدثني، قالوا: لما وثب أهل الحرة، وأخرجوا بني أمية عن المدينة، واجتمعوا على عبد الله بن حنظلة، وبايعهم على الموت قال: يا قوم اتقوا الله، فوالله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء، إنه رجل ينكح أمهات الأولاد والبنات والأخوات، ويشرب الخل ويدع الصلاة، قال: فكان ابن حنظلة يبيت تلك الليالي في المسجد، وما يزيد على أن يشرب، يفطر على شربة سويق ويصوم الدهر، وما رؤي رافعاً رأسه إلى السماء إخباتاً، فلما قرب القوم خطب عبد الله بن حنظلة أصحابه، وحرضهم على القتال، وأمرهم بالصدق في اللقاء وقال: اللهم إنا بك واثقون، فصبح القوم المدينة، فقاتل أهل المدينة قتالاً شديداً حتى كثرهم أهل الشام، ودخلت المدينة من النواحي كلها، وابن حنظلة يمشي بها في عصابة من الناس أصحابه، فقال لمولى له: إحم لي ظهري حتى أصلي الظهر، فلما صلى قال له مولاه: ما بقي أحد، فعلام نقيم ولواؤه قائم ما حوله إلا خمسة، فقال: ويحك، إنما خرجنا على أن نموت، قال: وأهل المدينة كالنعام الشرود، وأهل الشام يقتلون فيهم، فلما هزم الناس طرح الدرع، وقاتلهم حاسراً حتى قتلوه، فوقف عليه مروان وهو ماد إصبعه السبابة، فقال: أما والله لئن نصبتها ميتاً لطالما نصبتها حياً. وقال مبارك بن فضالة، عن أبي هارون العبدي قال: رأيت أبا سعيد الخدري ممعط اللحية،) فقلت تعبث بلحيتك فقال: لا، هذا ما لقيت من ظلمة أهل الشام يوم الحرة، دخلوا علي زمن الحرة فأخذوا ما في البيت، ثم دخلت علي طائفة، فلم يجدوا في البيت شيئاً، فأسفوا وقالوا: أضجعوا

(5/27)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 28
الشيخ، فأضجعوني، فجعل كل واحد منهم يأخذ من لحيتي خصلة. عن بعضهم قالوا: ودخلوا المدينة ونهبوا وأفسدوا، واستحلوا الحرمة. قال خليفة: فجميع من أصيب من قريش والأنصار يوم الحرة ثلاثمائة وستة رجال، ثم سرد أسماءهم في ست أوراق، قال: وكانت الوقعة لثلاث بقين من ذي الحجة. الواقدي: حدثني أبو بكر بن أبي سبرة، عن يحيى بن شبل، عن أبي جعفر، أنه سأله عن يوم الحرة: هل خرج فيها أحد من بني عبد المطلب قال: لا، لزموا بيوتهم، فلما قدم مسرف وقتل الناس، سأل عن أبي، أحاضر هو قالوا: نعم، قال: ما لي لا أراه فبلغ ذلك أبي فجاءه ومعه ابنا محمد ابن الحنفية، فرحب بهم، وأوسع لأبي على سريره وقال: كيف كنت إن أمير المؤمنين أوصاني بك خيراً، فقال: وصل الله تعالى أمير المؤمنين، ثم سأله عن عبد الله والحسين ابني محمد، فقال: هما ابنا عمي، فرحب بهما. قلت: فمن أصيب يومئذ: أميرهم عبد الله بن حنظلة، وبنوه، وعبد الله ابن زيد بن عاصم الأنصاري الذي حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعقل بن سنان الأشجعي، حامل لواء قومه يوم الفتح، وواسع بن حبان الأنصاري، مختلف في صحبته، وكثير بن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري، أحد من نسخ المصاحف التي سيرها عثمان، رضي الله عنه، إلى الأمصار، وأبوه أفلح، ومحمد بن أبي الجهم بن حذيفة العدوي، ومحمد بن أبي حذيفة، قتلا مع معقل الأشجعي صبراً. وممن قتل يومئذ: سعد، وسليمان، ويحيى، وإسماعيل، وسليط، وعبد الرحمن، وعبد الله بنو زيد بن ثابت لصلبه. قاله محمد بن سعد. وممن قتل يوم الحرة: إبراهيم بن نعيم النحام بن عبد الله بن أسيد

(5/28)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 29
القرشي العدوي. قال ابن سعد: كان ابن النحام أحد الرؤوس يوم الحرة، وقتل يومئذ، وكان زوج رقية ابنة عمر بن الخطاب. وقتل يوم الحرة أيضاً محمد بن أبي بن كعب، وعبد الرحمن بن أبي قتادة، ويزيد، ووهب ابنا عبد الله بن زمعة، ويعقوب بن طلحة بن عبيد الله التيمي، وأبو حكيمة معاذ بن الحارث) الأنصاري القاريء، الذي أقامه عمر يصلي بالناس التراويح، وقد روى عن أبي بكر وعمر، وروى عنه سعيد المقبري، ونافع مولى ابن عمر. ومنهم عمران بن أبي أنيس، توفي النبي صلى الله عليه وسلم وله ست سنين، والفضل ابن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، ويزيد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، ومحمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، ومحمد بن ثابت بن قيس بن شماس. قال عوانة بن الحكم: أتى مسلم بن عقبة بين يدي عبد الله بن زمعة ابن الأسود الأسدي فقال: بايع على كتاب الله وسنة نبيه، فامتنع، فأمر به مسلم فقتل. وقال: دخل مسلم بن عقبة المدينة، ودعا الناس إلى البيعة، على أنهم خول ليزيد، يحكم في أهلهم ودمائهم وأموالهم ما شاء، حتى أتي بابن عبد الله بن زمعة، وكان صديقاً ليزيد وصفياً له، فقال: بل أبايعك على أني ابن عم أمير المؤمنين، يحكم في دمي وأهلي، فقال: إضربا عنقه، فوثب مروان بن الحكم فضمه إليه، فقال مسلم: والله لا أقتله أبداً، وقال: إن تنحى مروان، وإلا فاقتلوهما معاً، فتركه مروان، فضربت عنقه. وقتل أيضاً صبراً أبو بكر بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وأبو بكر بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، ويعقوب بن طلحة بن عبيد الله.

(5/29)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 30
وجاء أن معقل بن سنان، ومحمد بن أبي الجهم كانا في قصر العرصة، فأنزلهما مسلم بالأمان، ثم قتلهما، وقال لمحمد: أنت الوافد على أمير المؤمنين، فوصلك وأحسن جائزتك، ثم تشهد عليه بالشرب. وقيل: بل قال له: تبايع أمير المؤمنين على أنك عبد قن، إن شاء أعتقك، وإن شاء استرقك، قال: بل أبايع على أني ابن عم لئيم، فقال: إضربوا عنقه. وروي عن مالك بن أنس قال: قتل يوم الحرة من حملة القرآن سبعمائة. قلت: ولما فعل يزيد بأهل المدينة ما فعل، وقتل الحسين وإخوته وآله، وشرب يزيد الخمر، وارتكب أشياء منكرة، بغضه الناس، وخرج عليه غير واحد، ولم يبارك الله في عمره، فخرج عليه أبو بلال مرداس بن أدية الحنظلي. قال ثابت البناني: فوجه عبيد الله بن زياد جيشاً لحربه، فيهم عبد الله ابن رباح الأنصاري، فقتله أبو بلال.) وقال غيره: وجه عبيد الله بن زياد أيضاً عباد بن أخضر في أربعة آلاف، فقاتلوا أبا بلال في سواد ميسان، ثم قتل عباد غيلة. وقال يونس بن عبيد: خرج أبو بلال أحد بني ربيعة بن حنظلة في أربعين رجلاً، فلم يقاتل أحداً، لم يعرض للسبيل، ولا سأل، حتى نفذ زادهم ونفقاتهم، حتى صاروا يسألون، فبعث عبيد الله لقتالهم جيشاً، عليهم عبد الله بن حصن الثعلبي، فهزموا أصحابه، ثم بعث عليهم عباد بن أخضر، فقتلهم أجمعين.

(5/30)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 31
وروى غسان بن مضر، عن سعيد بن يزيد قال: خرج أبو بلال من البصرة في أربعين رجلاً، فلم يقاتلوا، فحدثني من كان في قافلة قال: جاءونا يقودون خيولهم، فتكلم أبو بلال فقال: قد رأيتم ما كان يؤتى إلينا، ولعلنا لو صبرنا لكان خيراً لنا، وقد أصابتنا خصاصة، فتصدقوا، إن الله يجزي المتصدقين، قال: فجاءه التجار بالبدر، فوضعوها بين يديه، فقال: لا، إلا درهمين لكل رجل، فلعلنا لا نأكلها حتى نقتل، فأخذ ثمانين درهماً لهم، قال: فسار إليهم جند فقتلوهم. وقال عوف الأعرابي: كان أبو بلال صديقاً لأبي العالية، فلما بلغ أبا العالية خروجه، أتاه فكلمه فما نفع. وقال ابن عيينة: كان أبو بلال يلبس سلاحه في الليل، ويركب فرسه، فيرفع رأسه إلى السماء ويقول:
(إني وزنت الذي يبقى لأعدله .......... ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا)

(خوف الأله وتقوى الله أخرجني .......... ويبيع نفسي بما ليست له ثمنا)
وخرج نافع بن الأزرق في آخر خلافة يزيد، فاعترض الناس، فانتدب له أهل البصرة مع مسلم بن عبيس العبشمي القرشي، فقتلا كلاهما. قال معاوية بن قرة: خرجت مع أبي في جيش ابن عبيس، فلقيناهم بدولاب، فقتل منا خمسة أمراء. وقال غيره: قتل في الوقعة قرة بن إياس المزني وأبو معاوية، وله صحبة ورواية. وقال أبو اليقطان: قتل ربيعة السليطي مسلم بن عبيس فارس أهل

(5/31)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 32
البصرة، ولما قتل ابن الأزرق رأست الخوارج عليهم عبد الله بن ماحوز، فسار بهم إلى المدائن. ولما قتل مسعود المعني غلبوا على الأهواز وجبوا المال، وأتتهم الأمداد من اليمامة والبحرين،) وخرج طواف بن المعلى السدوسي في نفر من العرب، فخرج في يوم عيد، فحكم أبي قال: لا حكم إلا عند قصر أوس، فرماه الناس بالحجارة، وقاتله ابن زياد ثلاثة أيام، قتل وتمزق جمعه.

(5/32)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 33
4 (حوادث سنة أربع وستين)

4 (المتوفون في هذه السنة)
توفي فيها: ربيعة الجرشي في ذي الحجة بمرج راهط، وشقيق بن ثور السدوسي، والمسور بن مخرمة، والضحاك بن قيس الفهري، ويزيد بن معاوية، ومعن بن يزيد السلمي، وابنه ثور، والنعمان بن بشير في آخرها، ومعاوية بن يزيد بن معاوية، والوليد بن عقبة بن أبي سفيان الأموي، والمنذر ابن الزبير بن العوام، ومصعب بن عبد الرحمن بن عوف، ومسعود بن عمرو الأزدي، ومسلم بن عقبة. قال محمد بن جرير: لما فرغ مسلم بن عقبة المري من الحرة، توجه إلى مكة، واستخلف على المدينة روح بن زنباع الجذامي، فأدرك مسلماً الموت، وعهد بالأمر إلى حصين بن نمير، فقال: أنظر يا برذعة الحمار، لا ترع سمعك قريشاً، ولا تردن أهل الشام عن عدوهم، ولا تقيمن إلا ثلاثاً حتى تناجز ابن الزبير الفاسق، ثم قال: اللهم إني لم أعمل عملاً قط بعد الشهادتين أحب إلي من قتل أهل المدينة، ولا أرجى عندي منه، ثم مات، فقدم حصين على ابن الزبير، وقد بايعه أهل الحجاز، وقدم عليه وفد أهل المدينة، وقدم عليه نجدة بن عامر الحنفي الحروري، في أناس من الخوارج، فجرد أخاه المنذر لقتال أهل الشام، وكان ممن شاهد الحرة، ثم لحق به فقاتلهم ساعة، ثم دعى إلى المبارزة، فضرب كل واحد صاحبه،

(5/33)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 34
وخر ميتاً، وقاتل مصعب بن عبد الرحمن حتى قتل، صابرهم ابن الزبير على القتال إلى الليل، ثم حاصروه بمكة شهر صفر، ورموه بالمنجنيق، وكانوا يوقدون حول الكعبة، فأقبلت شررة هبت بها الريح، فأحرقت الأستار وخشب السقف، سقف الكعبة، واحترق قرنا الكبش الذي فدى الله به إسماعيل، وكانا في السقف. قال: فبلغ عبد الله بن الزبير موت يزيد بن معاوية، فنادى بأهل الشام: إن طاغيتكم قد هلك، فغدوا يقاتلون، فقال ابن الزبير للحصين ابن نمير: أدن مني أحدثك، فدنا، فحدثه، فقال: لا نقاتلك، فائذن لنا نطف بالبيت وننصرف، ففعل. وذكر عوانة بن الحكم، أن الحصين سأل ابن الزبير موعداً بالليل، فالتقيا بالأبطح، فقال له الحصين: إن يك هذا الرجل قد هلك، فأنت أحق الناس بهذا الأمر، هلم نبايعك، ثم اخرج معي) إلى الشام، فإن هؤلاء وجوه أهل الشام وفرسانهم، فوالله لا يختلف عليك اثنان، وأخذ الحصين يكلمه سراً، وابن الزبير يجهر جهراً، ويقول: أفعل، فقال الحصين: كنت أظن أن لك رأياً، ألا أراني أكلمك سراً وتكلمني جهراً، وأدعوك إلى الخلافة وتعدني القتل ثم قام وسار بجيشه، وندم ابن الزبير فأرسل وراءه يقول: لست أسير إلى الشام، إني أكره الخروج من مكة، ولكن بايعوا لي الشام، فإني عادل عليكم، ثم سار الحصين، وقل عليهم العلف، واجترأ على جيشه أهل المدينة وأهل الحجاز، وجعلوا يتخطفونهم وذلوا، وسار معهم بنو أمية من المدينة إلى الشام. وقال غيره: سار مسرف بن عقبة وهو مريض من المدينة، حتى إذا صدر عن الأبواء هلك، وأمر على جيشه حصين بن نمير الكندي، فقال: قد دعوتك، وما أدري أستخلفك على الجيش، أو أقدمك فأضرب عنقك، قال: أصلحك الله، سهمك، فارم به حيث شئت، قال: إنك أعرابي جلف جاف، وإن قريشاً لم يمكنهم رجل قط من أذنه إلا غلبوه على رأيه، فسر بهذا

(5/34)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 35
الجيش، فإذا لقيت القوم فاحذر أن تمكنهم من أذنيك، لا يكون إلا الوقاف ثم الثقاف ثم الانصراف.
4 (وفاة يزيدبن معاوية)
وقال الواقدي: ثنا عبد الله بن جعفر، عن أبي عون قال: جاء نعي يزيد ليلاً، وكان أهل الشام يردون ابن الزبير، قال ابن عون: فقمت في مشربة لنا في دار مخرمة بن نوفل، فصحت بأعلى صوتي: يا أهل الشام، يا أهل النفاق والشؤم، قد والله الذي لا إله إلا هو مات يزيد، فصاحوا وسبوا وانكسروا، فلما أصبحنا جاء شاب فاستأمن، فأمناه، فجاء ابن الزبير، وعبد الله بن صفوان، وأشياخ جلوس في الحجر، والمسور يموت في البيت، فقال الشاب: إنكم معشر قريش، إنما هذا الأمر أمركم، والسلطان لكم، وإنما خرجنا في طاعة رجل منكم، وقد هلك، فإن رأيتم أن تأذنوا لنا فنطوف بالبيت وننصرف إلى بلادنا، حتى يجتمعوا على رجل. فقال ابن الزبير: لا، ولا كرامة، فقال ابن صفوان: لم بلى نفعل ذلك، فدخلا على المسور فقال: ومن أظلم ممن منع مساجد الله الآية، قد خربوا بيت الله، وأخافوا عواده، فأخفهم كما أخافوا عواده، فتراجعوا، وغلب المسور ومات من يومه. قلت: وكان له خمسة أيام قد أصابه من حجر المنجنيق شقة في خده فهشم خده. وروى الواقدي، عن جماعة، أن ابن الزبير دعاهم إلى نفسه، فبايعوه، وأبى عليه ابن عباس) وابن الحنفية وقالا: حتى تجتمع لك البلاد وما عندنا خلاف، فكاشرهما ثم غلظ عليهما سنة ست وستين.
4 (البيعة لابن الزبير)
وقال غيره: لما بلغ ابن الزبير موت يزيد بايعوه بالخلافة، لما خطبهم ودعاهم إلى نفسه، وكان قبل ذلك إنما يدعوا إلى الشورى، فبايعوه في رجب.

(5/35)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 36
4 (البيعة لمعاوية بن يزيد)
ولما هلك يزيد بويع بعده ابنه معاوية بن يزيد، فبقي في الخلافة أربعين يوماً وقيل شهرين، أو أكثر متمرضاً، والضحاك بن قيس يصلي بالناس، فلما احتضر قيل له: ألا تستخلف فأبى وقال: ما أصبت من حلاوتها، فلم أتحمل مرارتها وكان لم يغير أحداً من عمال أبيه. وكان شاباً صالحاً، أبيض جميلاً وسيماً، عاش إحدى وعشرين سنة. وصلى عليه عثمان بن عنبسة بن أبي سفيان، فأرادت بنو أمية عثمان هذا على الخلافة، فامتنع ولحق بخاله عبد الله بن الزبير. وقال حصين بن نمير لمروان بن الحكم عند موت معاوية: أقيموا أمركم قبل أن يدخل عليكم شامكم، فتكون فتنة، فكان رأي مروان أن يرد إلى ابن الزبير فيبايعه، فقدم عليه عبد الله بن زياد هارباً من العراق، وكان عندما بلغه موت يزيد خطب الناس، ونعى إليهم يزيد وقال: اختاروا لأنفسكم أميراً، فقالوا: نختارك حتى يستقيم أمر الناس، فوضع الديون وبذل العطاء، فخرج عليه سلمة الرياحي بناحية البصرة، فدعا إلى ابن الزبير، فمال الناس إليه. وقال سعيد بن يزيد الأزدي: قال عبيد الله لأهل لبصرة: اختاروا لأنفسكم، قالوا: نختارك، فبايعوه وقالوا: أخرج لنا إخواننا، وكان قد ملأ السجون من الخوارج، فقال: لا تفعلوا فإنهم يفسدون عليكم، فأبوا عليه، فأخرجهم، فجعلوا يبايعونه، فما تتام آخرهم حتى أغلظوا له، ثم خرجوا في ناحية بني تميم. وروى جرير بن حازم، عن عمه، أنهم خرجوا، فجعلوا يمسحون أيديهم بجدر باب الإمارة، ويقولون: هذه بيعة ابن مرجانة، واجترأ عليه

(5/36)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 37
الناس حتى نهبوا خيله من مربطه. وقال غيره: فهرب بالليل، فاستجار بمسعود بن عمرو رئيس الأزد، فأجاره. ثم إن أهل البصرة بايعوا عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي ببه، ورضوا به أميراً عليهم،) واجتمع الناس لتتمة البيعة، فوثبت الحرورية على مسعود بن عمرو، فقتلوه، وهرب الناس، وتفاقم الشر، وافترق الجيش فرقتين، وكانوا نحواً من خمسين ألفاً، واقتتلوا ثلاثة أيام، فكان على الخوارج نافع بن الأزرق. وقال الزبير بن الخريت، عن أبي لبيد إن مسعوداً جهز مع عبيد الله بن زياد مائة من الأزد، فأقدموه الشام. وروى ابن الخريت، عن أبي لبيد، عن الحارث بن قيس الجهضمي قال: قال ابن زياد: إني لأعرف سوراً كان في قومك، قال الحارث: فوقفت عليه فأردفته على بغلتي، وذلك ليلاً، وأخذ على بني سليم فقال: من هؤلاء قلت: بنو سليم، قال: سلمنا إن شاء الله، ثم مررنا على بني ناجية وهم جلوس معهم السلاح، فقالوا: من ذا قلت: الحارث بن قيس، قالوا: إمض راشداً، فقال رجل: هذا والله ابن مرجانة خلفه، فرماه بسهم، فوضعه في كور عمامته، فقال: يا أبا محمد من هؤلاء قلت: الذين كنت تزعم أنهم من قريش، هؤلاء بنو ناجية، فقال: نجونا إن شاء الله، ثم قال: إنك قد أحسنت وأجملت، فهل تصنع ما أشير به عليك، قد عرفت حال مسعود بن عمرو وشرفه وسنه، وطاعة قومه له، فهل لك أن تذهب بي إليه، فأكون في داره، فهي أوسط الأزد داراً، فإنك إن لم تفعل تصدع عليك قومك قلت: نعم، فانطلقت به، فأشعر مسعود وهو جالس يوقد له بقصب على لبنة، وهو يعالج أحد خفيه بخلعه، فعرفنا فقال: إنه قد كان يتعوذ من طوارق السوء، فقلت له: أفتخرجه بعدما دخل عليك بيتك فأمره، فدخل عليه بيت ابنه

(5/37)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 38
عبد الغافر، وركب معي في جماعة من قومه، وطاف في الأزد فقال: إن ابن زياد قد فقد، وإنا لا نأمن أن نلطخ به، فأصبحت الأزد في السلاح، وأصبح الناس قد فقدوا ابن زياد فقالوا: أين توجه، ما هو إلا في الأزد قال خليفة: قال أبو اليقظان: فسار مسعود وأصحابه يريدون دار الإمارة، ودخلوا المسجد، وقتلوا قصاراً كان في ناحية المسجد، ونهبوا دار امرأة، وبعث الأحنف حين علم بذلك إلى بني تميم، فجاءوا، ودخلت الأساورة المسجد فرموا بالنشاب، فيقال: فقأوا عين أربعين نفساً. وجاء رجل من بني تميم إلى مسعود فقتله، وهرب مالك بن مسمع، فلجأ إلى بني عدي، وانهزم الناس. وقال الزبير بن الخريت، عن أبي لبيد: إن عبد الله قدم الشام، وقد بايع أهلها عبد الله بن الزبير،) ما خلا أهل الجابية ومن كان من بني أمية، فبايع هو ومروان وبنو أمية خالد بن يزيد بن معاوية، بعد موت أخيه معاوية، في نصف ذي القعدة، ثم ساروا فالتقوا هم والضحاك بن قيس الفهري بمرج راهط، فاقتتلوا أياماً في ذي الحجة، وكان الضحاك في ستين ألفاً، وكان مروان في ثلاثة عشر ألفاً، فأقاموا عشرين يوماً يلتقون في كل يوم. فقال عبيد الله بن زياد لمروان: إن الضحاك في فرسان قيس، ولن تنال منهم ما تريد إلا بمكيدة، فسلهم الموادعة، وأعد الخيل، فإذا كفوا عن القتال فادهمهم، قال: فمشت بينهم السفراء حتى كف الضحاك عن القتال، فشد عليهم مروان في الخيل، فنهضوا للقتال من غير تعبئة، فقتل الضحاك، وقتل معه طائفة من فرسان قيس. وسنورد من أخباره في اسمه. وقال أبو عبيدة: لما مات يزيد انتقض أهل الري، فوجه إليهم عامر بن مسعود أمير الكوفة محمد بن عمير بن عطارد الدارمي. وكان إصبهبذ الري

(5/38)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 39
يومئذ الفرخان، فانهزم الفرخان والمشركون. وفيها ظهرت الخوارج الذين بمصر، ودعوا إلى عبد الله بن الزبير، وكانوا يظنونه على مذهبهم، ولحق به خلق من مصر إلى الحجاز، فبعث ابن الزبير على مصر: عبد الرحمن بن جحدم الفهري، فوثبوا على سعيد الأزدي فاعتزلهم. وأما الكوفيون، فإنهم بعد هروب ابن زياد اصطلحوا على عامر بن مسعود الجمحي، فأقره ابن الزبير. وفيها هدم ابن الزبير الكعبة لما احترقت، وبناها على قواعد إبراهيم الخليل، صلى الله عليه وعلى نبينا الحديث المشهور، وهو في البخاري، ومتنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا عائشة، لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لنقضت الكعبة، ولأدخلت الحجر في البيت، ولجعلت لها بابين، باباً يدخل الناس منه، وباباً يخرجون منه، وقال: إن قريشاً قصرت بهم النفقة، فتركوا من أساس إبراهيم الحجر، واقتصروا على هذا، وقال: إن قومك عملوا لها باباً عالياً، ليدخلوا من أرادوا، أو يمنعوا من أرادوا. فبناه ابن الزبير كبيراً، وألصق بابه بالأرض، فلما قتل ابن الزبير وولي الحجاج على مكة أعاد البيت على ما كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ونقض حائطه

(5/39)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 40
من جهة الحجر فصغره، وأخرج منه الحجر، وأخذ ما فضل من الحجارة، فدكها في أرض البيت، فعلا بابه،) وسد الباب الغربي.

(5/40)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 41
4 (حوادث سنة خمس وستين)

4 (المتوفون في هذه السنة)
توفي فيها: أسيد بن ظهير الأنصاري، وعبد الله بن عمرو بن العاص، ومروان بن الحكم، وسليمان بن صرد، والمسيب بن نجبة، ومالك بن هبيرة السكوني، وله صحبة، والنعمان بن بشير في أول سنة، وقيل في آخر سنة أربع، والحارث بن عبد الله الهمداني الأعور.
4 (البيعة لمروان بن الحكم)
ولما انقضت وقعة مرج راهط في أول السنة بايع أكثر أهل الشام لمروان، فبقي تسعة أشهر، ومات، وعهد إلى ابنه عبد الملك. وفيها دخل المهلب بن أبي صفرة الأزدي خراسان أميراً عليها من جهة ابن الزبير، فكلمه أميرها الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي في قتال الأزارقة والخوارج، وأشار بذلك الأحنف بن قيس، وأمدوه بالجيوش، فسار وحارب الأزارقة أصحاب ابن الأزرق، وصابرهم على القتال حتى كسرهم، وقتل منهم أربع آلاف وثمانمائة.

(5/41)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 42
وفيها سار مروان بجيوشه إلى مصر، وقد كان كاتبه كريب بن أبرهة، وعابس بن سعيد قاضي مصر، فحاصر جيشه والي مصر لابن الزبير، فخندق على البلد، وخرج أهل مصر، وهو اليوم الذي يسمونه يوم التراويح، لأن أهل مصر كانوا ينتابون القتال ويستريحون، واستحر القتل في المعافر، فقتل منهم خلق، وقتل يومئذ عبد الله بن يزيد بن معد يكرب الكلاعي، أحد الأشراف، ثم صالحوا مروان، فكتب لهم كتاباً بيده، وتفرق الناس، وأخذوا في دفن قتلاهم وفي البكاء، ثم تجهز إلى مصر عبد الرحمن بن جحدم، وأسرع إلى ابن الزبير، وضرب مروان عنق ثمانين رجلاً تخلفوا عن مبايعته. وضرب عنق الأكيدر بن حمام اللخمي سيد لخم وشيخها في هذه الأيام، وكان من قتلة عثمان رضي الله عنه، وذلك في نصف جمادى الآخرة، يوم مات عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. وما قدروا يخرجون بجنازة عبد الله، فدفنوه بداره. واستولى مروان على مصر، وأقام بها شهرين، ثم استعمل عليها ابنه عبد العزيز، وترك عنده أخاه بشر بن مروان، وموسى بن نصير وزيراً، وأوصاه بالمبايعة في الإحسان إلى الأكابر، ورجع إلى الشام.) وفيها وفد الزهري على مروان، قال عنبسة بن سعيد، عن يونس، عن الزهري: وفدت على مروان وأنا محتلم. قلت: وهذا بعيد، وإنما المعروف وفادته أول شيء على عبد الملك في أواخر إمارته.

(5/42)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 43
وفيها وجه مروان جيش بن دلجة القيني في أربعة آلاف إلى المدينة، وقال له أنت على ما كان عليه مسلم بن عقبة، فسار ومعه عبيد الله ابن الحكم أخو مروان، وأبو الحجاج يوسف الثقفي، وابنه الحجاج وهو شاب، فجهز متولي البصرة من جهة ابن الزبير عمر بن عبيد الله التيمي جيشاُ من البصرة، فالتقوا هم وحبيش بالربذة في أول رمضان، فقتل حبيش بن دلجة، وعبيد الله بن الحكم، وأكثر ذلك الجيش، وهرب من بقي، فتخطفتهم الأعراب، وهرب الحجاج ردف أبيه. وفيها دعا ابن الزيبر إلى بيعته محمد بن الحنفية، فأبى عليه، فحصره في شعب بني هاشم في جماعة من بيته وشيعته وتوعدهم. وفيها خرج بنو ماحوز بالأهواز وفارس، وتقدم عسكرهم، فاعترضوا أهل المدائن، فقتلوهم أجمعين، ثم ساروا إلى أصبهان، وعليها عتاب بن ورقاء الرياحي، فقتل ابن ماحوز، وانهزم الخوارج الذين معه، ثم أمروا عليهم قطري بن الفجاءة. وأما نجدة الحروري فإنه قدم في العام الماضي في جموعه من الحرورية على ابن الزبير، وقاتلوا معه، فلما ذهب أهل الشام اجتمعوا بابن الزبير وسألوه: ما تقول في عثمان فقال: تعالوا العشية حتى أجيبكم، ثم هيأ أصحابه بالسلاح، فجاءت الخوارج، فقال نافع بن الأزرق لأصحابه: قد خشي الرجل غائلتكم، ثم دنا منه فقال: يا هذا اتق الله، وابغض الجائر، وعاد أول من سن الضلالة، وخالف حكم الكتاب، وإن خالفت فأنت من الذين استمتعوا بخلافهم، وأذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا.

(5/43)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 44
ثم تكلم خطيب القوم عبيدة بن هلال، فأبلغ. ثم تكلم ابن الزبير، فقال في آخر مقالته: أنا ولي عثمان في الدنيا والآخرة، قالوا: فبريء الله منك يا عدو الله، فقال: وبريء منكم يا أعداء الله، فتفرقوا على مثل هذا. ورحلوا، فأقبل نافع بن الأزرق الحنظلي، وعبد الله بن صفوان السعدي، وعبد الله بن أباض، وحنظلة بن بيهس، وعبد الله، وعبيد الله، وابن الماحوز اليربوعي، حتى قدموا البصرة، وانطلق أبو طالوت، وأبو فديك عبد الله بن ثور، وعطية اليشكري، فوثبوا باليمامة، ثم اجتمعوا بعد ذلك) على نجدة بن عامر الحنفي الحروري. ولما رجع مروان إلى دمشق إذا مصعب بن الزبير قد قدم في عسكر من الحجاز يطلب فلسطين، فسرح مروان لحربه عمرو بن سعيد الأشدق، فقاتله، فانهزم أصحاب مصعب. وورد أن مروان تزوج بأم خالد بن يزيد بن معاوية، وجعله ولي عهده من بعده، ثم بعده عمرو بن سعيد، ثم لم يتم ذلك. وفيها بايع جند خراسان سلم بن زياد بن أبيه، بعد موت معاوية بن يزيد، وأحبوه حتى يقال: سموا باسمه تلك السنة أكثر من عشرين ألف مولود، فبايعوه على أن يقوم بأمرهم حتى يجتمع الناس على خليفة، ثم نكثوا واختلفوا، فخرج سلم وترك عليهم المهلب بن أبي صفرة، فلقيه بنيسابور عبد الله بن خازم السلمي فقال: من وليت على خراسان فأخبره، قال: ما وجدت في مصر رجلاً تستعمله حتى فرقت خراسان بين بكر بن وائل وأزد

(5/44)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 45
عمان ! وقال: اكتب لي عهداً على خراسان، فكتب له، وأعطاه مائة ألف درهم، فأقبل إلى مرو، فبلغ المهلب الخبر، فتهيأ وغلب ابن خازم على مرو، ثم صار إلى سليمان بن مرثد، فاقتتلوا أياماً، فقتل سليمان، ثم سار ابن خازم إلى عمرو بن مرثد وهو بالطالقان في سبعمائة، فبلغ عمراً، فسار إليه، فالتقوا فقتل عمرو، وهرب أصحابه إلى هراة، وبها أوس بن ثعلبة، فاجتمع له خلق كثير وقالوا: نبايعك، على أن تشير إلى ابن خازم فيخرج مضر من خراسان كلها، فقال: هذا بغي، وأهل البغي مخذولون، فلم يطيعوه، وسار إليهم ابن خازم، فخندقوا على هراة، فاقتتلوا نحو سنة، وشرع ابن خازم يلين لهم، فقالوا: لا، إلا أن تخرج مضر من خراسان، وإما أن ينزلوا عن كل سلاح ومال، فقال ابن خازم، وجدت إخواننا قطعاً للرحم، قال: قد أخبرتك أن ربيعة لم تزل غضاباً على ربها مذ بعث الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم من مضر. ثم كانت بينه وبين أوس بعد الحصار الطويل وقعة هائلة، أثخن فيها أوس بالجراحات، وقتلت ربيعة قتلاً ذريعاً، وهرب أوس إلى سجستان فمات بها، وقتل من جنده يومئذ من بكر بن وائل ثمانية آلاف، واستخلف ابن خازم ولده على هراة، ورجع إلى مرو. وفيها سار المختار بن أبي عبيد الثقفي في رمضان من مكة، ومعه إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله أميراً من قبل ابن الزبير على خراج الكوفة، فقدم المختار والكوفة والشيعة، قد اجتمعت على سليمان بن صرد، فليس يعدلون به، فجعل المختار يدعوهم إلى نفسه، وإلى) الطلب بدم الحسين، فتقول الشيعة: هذا سليمان شيخنا، فأخذ يقول لهم: إني قد جئتكم من قبل المهدي محمد بن الحنفية، فصار معه طائفة من الشيعة، ثم قدم على

(5/45)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 46
الكوفة عبد الله بن يزيد الخطمي من قبل ابن الزبير، فنبهوه على أمر الشيعة، وأن نيتهم أن يتوبوا، فخطب الماس، وسب قتلة الحسين، ثم قال: ليس هؤلاء القوم وليخرجوا ظاهرين إلى قاتل الحسين عبيد الله بن زياد، فقد أقبل إليهم، وأنا لهم على قتاله ظهير، فقتاله أولى بكم، فقام إبراهيم بن محمد بن طلحة، فنقم عليه هذه المقالة وعابها، فقام إليه المسيب بن نجبة فسبه، وشرعوا يتجهزون للخروج إلى ملتقى عبيد الله بن زياد. وقد كان سليمان بن صرد الخزاعي، والمسيب بن نجبة الفزاري وهما من شيعة علي ومن كبار أصحابه خرجا في ربيع الآخر يطلبون بدم الحسين بظاهر الكوفة في أربعة آلاف، ونادوا: يا لثارات الحسين، وتعبدوا بذلك، ولكن ثبط جماعة وقالوا: إن سليمان لا يصنع شيئاً، إنما يلقي بالناس إلى التهلكة، ولا خبرة له بالحرب، وقام سليمان في أصحابه، فحض على الجهاد وقال: من أراد الدنيا فلا يصحبنا، ومن أراد وجه الله والثواب في الآخرة فذلك، وقام صخر بن حذيفة المزني فقال: آتاك الله الرشد، أيها الناس إنما أخرجتنا التوبة من ذنوبنا، والطلب بدم ابن بنت نبينا ليس معنا دينار ولا درهم، إنما نقدم على حد السيوف. وقام عبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي في قومه، فدخل على سليمان ابن صرد فقال: إنما خرجنا نطلب بدم الحسين، وقتلته كلهم بالكوفة، عمر ابن سعد، وأشراف القبائل، فقالوا: لقد جاء برأي، وما نلقى إن سرنا إلى الشام إلا عبيد الله بن زياد، فقال سليمان: أنا أرى أنه هو الذي قتله، وعبأ الجنود وقال: لا أمان له عندي دون أن يستسلم، فأمضي فيه حكمي، فسيروا إليه، وكان عمر بن سعد في تلك الأيام خائفاً، لا يبيت إلا في قصر الإمارة، فخرج عبد الله بن يزيد الخطمي، وإبراهيم بن محمد فأتيا سليمان بن صرد، فقال: إنكم أحب أهل بلدنا إلينا، فلا تفجعونا بأنفسكم، ولا تنقصوا عددنا

(5/46)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 47
بخروجكم، أقيموا معنا حتى نتهيأ، فإذا علمنا أن عدونا قد شارف بلادنا خرجنا كلنا فقاتلناه، فقال سليمان: قد خرجنا لأمر، ولا نرانا إلا شاخصين إن شاء الله، قال: فأقيموا حتى نعبئ معكم جيشاً كثيفاً، فقال: سأنظر ويأتيك رأيي. ثم سار، وخرج معه كل مستميت، وانقطع عنه بشر كثير، فقال سليمان: ما أحب أن من تخلف عنكم معكم، وأتوا قبر الحسين فبكوا، وقاموا يوماً وليلة يصلون عليه ويستغفرون له، وقال) سليمان: يا رب إنا قد خذلناه، فاغفر لنا، وتب علينا. ثم أتاهم كتاب عبد الله بن يزيد من الكوفة ينشدهم الله ويقول: أنتم عدد يسير، وإن جيش الشام خلق، فلم يلووا عليه، ثم قدموا قرقيسياء، فنزلوا بظاهرها وبها زفر بن الحارث الكلابي قد حصنها، فأتى بابها المسيب ابن نجبة، فأخبروا به زفر فقال: هذا وفارس مضر الحمراء كلها، وهو ناسك دين، فأذن له ولاطفه، فقال: ممن نتحصن، إنا والله ما إياكم نريد، فأخرجوا لنا سوقاً، فأمر لهم بسوق، وأمر للمسيب بفرس، وبعث إليهم من عنده بعلف كثير، وبعث إلى وجوه القوم بعشر جزائر وعلف وطعام، فما احتاجوا إلى شراء شيء من السوق، إلا مثل سوط أو ثوب، وخرج فشيعهم وقال: إنه قد بعث خمسة أمراء قد فصلوا من الرقة: حصين بن نمير السكوني، وشرحبيل ابن ذي الكلاع، وأدهم بن محرز الباهلي، وربيعة بن المخارق الغنوي، وجبلة الخثعمي، في عدد كثير، فقال سليمان: على الله توكلنا، قال زفر: فتدخلون مدينتنا، ويكون أمرنا واحداً، ونقاتل معكم، فقال: قد أردنا أهل بلدنا على ذلك، فلم نفعل، قال: فبادروهم إلى عين الوردة، فاجعلوا المدينة في ظهوركم، ويكون الرستاق والماء في أيديكم، ولا تقاتلوا في فضاء، فإنهم أكثر منكم، فيحيطون بكم، ولا تراموهم، ولا تصفوا لهم، فإني

(5/47)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 48
لا أرى معكم رجالة والقوم ذوو رجال وفرسان، والقوم كراديس. قال: فعبأ سليمان بن صرد كنانته، وانتهى إلى عين الوردة، فنزل في غربيها، وأقام خمساً، فاستراحوا وأراحوا خيولهم، ثم قال سليمان: إن قتلت فأميركم المسيب، فإن أصيب فالأمير عبد الله بن سعد بن نفيل، فإن قتل فالأمير عبد الله بن وال، فإن قتل فالأمير رفاعة بن شداد، رحم الله من صدق ما عاهد الله عليه، ثم جهز المسيب بن نجبة في أربعمائة، فانقضوا على مقدمة القوم، وعليها شرحبيل بن ذي الكلاع، وهم غارون، فقاتلوهم فهزموهم، وأخذوا من خيلهم وأمتعتهم وردوا، فبلغ الخبر عبيد الله بن زياد. فجهز إليهم الحصين بن نمير في اثني عشر ألفاً، ثم ردفهم بشرحبيل في ثمانية آلاف، ثم أمدهم من الصباح بأدهم بن محرز في عشرة آلاف، ووقع القتال، ودام الحرب ثلاثة أيام قتالاً لم ير مثله، وقتل من الشاميين خلق كثير. وقتل من التوابين وكذا كانوا يسمون، لأنهم تابوا إلى الله من خذلان الحسين رضي الله عنه فاستشهد أمراؤهم الأربعة، لم يخبر رفاعة بمن بقي ورد إلى الكوفة، وكان المختار في الجيش، فكتب إلى رفاعة بن شداد: مرحباً بمن عظم الله لهم الأجر، فأبشروا إن سليمان قضى ما عليه،) ولم يكن بصاحبكم الذي به تنصرون، إني أنا الأمير المأمون، وقاتل الجبارين، فأعدوا واستعدوا، وكان قد حبسه الأميران إبراهيم بن محمد بن طلحة، وعبد الله بن يزيد الخطمي، فبقي أشهراً، ثم بعث عبد الله بن عمر يشفع فيه إلى الأميرين، فضمنه جماعة وأخرجوه، وحلفوه فحلف لهما مضمراً للشر، فشرعت الشيعة تختلف إليه وأمره يستفحل. وكانت الكعبة احترقت في العام الماضي من مجمر، علقت النار في

(5/48)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 49
الأستار، فأمر ابن الزبير في هذا العام بهدمها إلى الأساس، وأنشأها محكمة، وأدخل من الحجر فيها سعة ستة أذرع، لأجل الحديث الذي حدثته خالته أم المؤمنين عائشة، ثم إنه لما نقضها ووصلوا إلى الأساس، عاينوه آخذاً بعضه ببعض كأسنمة البخت، وأن الستة أذرع من جملة الأساس، فبنوا على ذلك، ولله الحمد، وألصقوا داخلها بالأرض، لم يرفعوا داخلها، وعملوا لها باباً آخر في ظهرها، ثم سده الحجاج، فذلك بين للناظرين، ثم قصر تلك الستة الأذرع، فأخرجها من البيت، ودك تلك الحجارة رفي أرض البيت، حتى علا كما هو في زماننا، زاده الله تعظيماً. وغلب في هذه السنة عبد الله بن خازم على خراسان، وغلب معاوية الكلابي على السند، إلى أن قدم الحجاج البحرين، وغلب نجدة الحروري على البحرين وعلى بعض اليمن. وأما عبيد الله بن زياد فإنه بعد وقعة عين الوردة مرض بأرض الجزيرة، فاحتبس بها وبقتال أهلها عن العراق نحواً من سنة، ثم قصد الموصل وعليها عامل المختار كما يأتي.

(5/49)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 50
4 (حوادث سنة ست وستين)

4 (المتوفون في هذه السنة)
توفي فيها: جابر بن سمرة، وزيد بن أرقم على الأصح فيهما، وهبيرة بن يريم، وأسماء بن خارجة الفزاري، وقتل عبيد الله بن زياد بن أبيه، وشرحبيل بن ذي الكلاع، وحصين بن نمير السكوني. وقيل: إنما قتلوا في أول سنة سبع وستين. وفي أثناء السنة عزل ابن الزبير عن الكوفة، أميرها وأرسل عليها عبد الله بن مطيع، فخرج من السجن المختار، وقد التف عليه خلق من الشيعة، وقويت بليته، وضعف ابن مطيع معه، ثم إنه توثب بالكوفة، فناوشه طائفة من أهل الكوفة القتال، فقتل منهم رفاعة بن شداد، وعبد الله بن سعد ابن قيس، وغلب على الكوفة، وهرب منه عبد الله بن مطيع إلى ابن الزبير، وجعل يتبع) قتلة الحسين، وقتل عمر بن سعد بن أبي وقاص، وشمر بن ذي الجوشن الضبابي وجماعة، وافترى على الله أنه يأتيه جبريل بالوحي، فلهذا، قيل له المختار الكذاب، كما قالوا مسيلمة الكذاب. ولما قويت شوكته في هذا العام، كتب إلى ابن الزبير يحط على عبد الله بن مطيع، ويقول: رأيته مداهناً لبني أمية، فلم يسعني أن أقره على ذلك وأنا على طاعتك، فصدقه ابن الزبير وكتب إليه بولاية الكوفة، فكفاه جيش عبيد الله بن زياد، وأخرج من عنده إبراهيم بن الأشتر، وقد جهزه للحرب ابن زياد في ذي الحجة،

(5/50)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 51
وشيعه المختار إلى دير ابن أم الحكم، واستقبل إبراهيم أصحاب المختار قد حملوا الكرسي الذي قال لهم المختار: هذا فيه سر، وإنه آية لكم كما التابوت آية لبني إسرائيل، قال: وهم يدعون حول الكرسي ويحفون به، فغضب ابن الأشتر وقال: اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، سنة بني إسرائيل إذا عكفوا على العجل.
5 (فائدة)
وافتعل المختار كتاباً عن ابن الحنفية يأمره فيه بنصر الشيعة، فذهب بعض الأشراف إلى ابن الحنفية فقال: وددت أن الله انتصر لنا بمن شاء، فوثب إبراهيم بن الأشتر، وكان بعيد الصوت كثير العشيرة، فخرج وقتل إياس بن مضارب أمير الشرطة، ودخل على المختار فأخبره، ففرح ونادى أصحابه في الليل بشعارهم، واجتمعوا بعسكر المختار بدير هند، وخرج أبو عثمان النهدي فنادى: يا ثارات الحسين، ألا إن أمير آل محمد قد خرج. ثم التقى الفريقان من الغد، فاستظهر المختار، ثم اختفى ابن مطيع، وأخذ المختار يعدل ويحسن السيرة، وبعث في السر إلى ابن مطيع بمائة ألف، وكان صديقه قبل ذلك، وقال: تجهز بهذه واخرج، فقد شعرت أين أنت، ووجد المختار في بيت المال سبعة آلاف، فأنفق في جنده قواهم. قال ابن المبارك، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة: حدثني معبد بن خالد، حدثني طفيل بن جعدة بن هبيرة قال: كان لجار لي زيات، كرسي، وكنت قد احتجت، فقلت للمختار: إني كنت أكتمك شيئاً، وقد بدا لي أن أذكره. قال: وما هو قلت: كرسي كان أبي يجلس عليه، كان يرى أن فيه أثرة من علم، قال: سبحان الله أخرته إلى اليوم، قال: وكان ركبه وسخ

(5/51)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 52
شديد، فغسل وخرج عواداً نضاراً، فجيء به وقد غشي، فأمر لهم باثني عشر ألفاً، ثم دعا: الصلاة جامعة، فاجتمعوا فقال: إنه لم يكن في الأمم الخالية أمر إلا وهو كائن في هذه الأمة مثله، وإنه كان في بني إسرائيل التابوت، وإن فينا مثل التابوت، اكشفوا عنه، فكشفوا الأثواب، وقامت السبائية فرفعوا) أيديهم، فقام شبث بن ربعي ينكر، فضرب. فلما قتل عبيد الله بن زياد، وخبره المقتلة الآتية، ازداد أصحابه به فتنة، وتغالوا فيه حتى تعاطوا الكفر، فقلت: إنا لله، وندمت على ما صنعت، فتكلم الناس في ذلك، فغيب، قال معبد: فلم أره بعد. قال محمد بن جرير: ووجه المختار في ذي الحجة ابن الأشتر لقتال ابن زياد، وذلك بعد فراغ المختار من قتال أهل السبيع وأهل الكناسة الذين خرجوا على المختار، وأبغضوه من أهل الكوفة، وأوصى ابن الأشتر وقال: هذا الكرسي لكم آية، فحملوه على بغل أشهب، وجعلوا يدعون حوله ويضجون، ويستنصرون به على قتال أهل الشام، فلما اصطلم أهل الشام ازداد شيعة المختار بالكرسي فتنة، فلما رآهم كذلك إبراهيم بن الأشتر تألم وقال: الله لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، سنة بني إسرائيل إذ عكفوا على العجل. وكان المختار يربط أصحابه بالمحال والكذب، ويتألفهم بما أمكن، ويتألف الشيعة بقتل قتلة الحسين. وعن الشعبي قال: خرجت أنا وأبي مع المختار من الكوفة، فقال لنا: أبشروا، فإن شرطة الله قد حسوهم بالسيوف بنصيبين أو بقرب نصيبين،

(5/52)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 53
فدخلنا المدائن، فوالله إنه ليخطبنا إذ جاءته البشرى بالنصر، فقال: ألم أبشركم بهذا قالوا: بلى والله. قال: يقول لي رجل همداني من الفرسان: أتؤمن الآن يا شعبي قلت: بماذا قال: بأن المختار يعلم الغيب، ألم يقل إنهم انهزموا، قلت: إنما زعم أنهم هزموا بنصيبين، وإنما كان ذلك بالخازر من الموصل، فقال لي: والله لا تؤمن حتى ترى العذاب الأليم يا شعبي. وروي أن أحد عمومة الأعشى كان يأتي مجلس أصحابه، فيقولون: قد وضع اليوم وحي ما سمع الناس بمثله، فيه نبأ ما يكون من شيء. وعن موسى بن عامر قال: إنما كان يصنع لهم ذلك عبد الله بن نوف ويقول: إن المختار أمرني به، ويتبرأ منه المختار. وفي المختار يقول سراقة بن مرداس البارقي الأزدي:
(كفرت بوحيكم وجعلت نذراً .......... علي هجاكم حتى الممات)

(أري عيني ما لم تبصراه .......... كلانا عالم بالترهات)
)
4 (تفشي الطاعون بمصر)
وفيها وقع بمصر طاعون هلك فيه خلق من أهلها.
4 (ضرب الدنانير بمصر)
وفيها ضرب الدنانير بمصر عبد العزيز بن مروان، وهو أول من ضربها في الإسلام.

(5/53)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 54
وفي ذي الحجة التقى عسكر المختار، وكانوا ثلاثة آلاف، وعسكر ابن زياد فقتل قائد أصحاب ابن زياد، واتفق أن قائد عسكر المختار كان مريضاً فمات من الغد، فانكسر بموته أصحابه وتحيزوا.

(5/54)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 55
4 (حوادث سنة سبع وستين)

4 (المتوفون في هذه السنة)
فيها توفي: عدي بن حاتم، والمختار بن ابي عبيد الكذاب، وعمر وعبيد الله ابنا علي بن أبي طالب، وزائدة بن عمير الثقفي، ومحمد بن الأشعث بن قيس الكندي، قتل هؤلاء الأربعة في حرب المختار، وقتل عبيد الله وأمراؤه في أول العام.
4 (ذكر واقعة الخازر)
في المحرم، وقيل: كانت في يوم عاشوراء، بين إبراهيم بن الأشتر، وكان في ثمانية آلاف من الكوفيين، وبين عبيد الله بن زياد، وكان في أربعين ألفاً من الشاميين، فسار ابن الأشتر في هذا الوقت مسرعاً يريد أهل الشام قبل أن يدخلوا أرض العراق، فسبقهم ودخل الموصل، فالتقوا على خمسة فراسخ من الموصل بالخازر، وكان ابن الأشتر قد عبأ جيشه، وبقي لا يسسير إلا على تقية، فلما تقاربوا أرسل عمير بن الحباب السلمي إلى ابن الأشتر: إني معك. قال: وكان بالجزيرة خلق من قيس، وهم أهل خلاف لمروان، وجند مروان يومئذ كلب، وسيدهم ابن بحدل، ثم أتاه عمير ليلاً فبايعه، وأخبره أنه على مسيرة ابن زياد، ووعده أن ينهزم بالناس، فقال ابن الأشتر: ما رأيك

(5/55)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 56
أخندق على نفسي قال: لا تفعل، إنا لله، هل يريد القوم إلا هذه، إن طاولوك وماطلوك فهو خير لكم، هم أضعافكم، ولكن ناجز القوم، فإنهم قد ملئوا منكم رعباً، وإن شاموا أصحابك وقاتلوهم يوماً بعد يوم أنسوا بهم واجترءوا عليهم، فقال: الآن علمت أنك ناصح لي، والرأي ما رأيت، وإن صاحبي بهذا الأمر أمدني، ثم انصرف عمير، وأتقن ابن الأشتر أمره ولم ينم، وصلى بأصحابه بغلس، ثم زحف بهم حتى أشرف من تل على) القوم، فجلس عليه، وإذا أولئك لم يتحرك منهم أحد، فقاموا على دهش وفشل، وساق ابن الأشتر على أمرائه يوصيهم ويقول: يا أنصار الدين وشيعة الحق، هذا عبيد الله بن مرجانة قاتل الحسين، حال بينه وبين الفرات أن يشرب منه هو وأولاده ونساؤه، ومنعه أن ينصرف إلى بلده، ومنعه أن يأتي ابن عمه يزيد فيصالحه حتى قتله، فوالله ما عمل فرعون مثله، وقد جاءكم الله به، وإني لأرجو أن يشفي صدروكم، ويسفك دمه على أيديكم، ثم نزل تحت رايته، فزحف إليه عبيد الله بن زياد، وعلى ميمنته الحصين بن نمير، وعلى ميسرته عمير بن الحباب، وعلى الخيل شرحبيل بن ذي الكلاع، فحمل الحصين على ميسرة ابن الأشتر فحطمها، وقتل مقدمها علي بن مالك الجشمي، فأخذ رايته قرة بن علي، فقتل أيضاً، فانهزمت الميسرة، وتحيزت مع ابن الأشتر، فحمل وجعل يقول لصاحب رايته: إنغمس براتيك فيهم، ثم شد ابن الأشتر، فلا يضرب بسيفه رجلاً إلا صرعه، واقتتلوا قتالاً شديداً، وكثرت القتلى، فانهزم أهل الشام، فقال ابن الأشتر: قتلت رجلاً وجدت منه رائحة المسك، شرقت يداه وغربت رجلاه، تحت راية منفردة على جنب النهر، فالتمسوه فإذا هو عبيد الله بن زياد، قد ضربه فقده بنصفين، وحمل شريك التغلبي على الحصين بن نمير فاعتنقا، فقتل أصحاب شريك حصيناً، ثم تبعهم اصحاب ابن الأشتر، فكان من غرق في الخازر أكثر ممن قتل، ثم إن إبراهيم بن الأشتر دخل الموصل، واستعمل عليها وعلى نصيبين وداراً وسنجار، وبعث

(5/56)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 57
برؤوس عبيد الله، والحصين، وشرحبيل بن ذي الكلاع إلى المختار، فأرسلها فنصبت بمكة. وممن قتل مع إبراهيم: هبيرة بن يريم، وممن قتله المختار حبيب بن صهبان الأسدي، ومحمد بن عمار بن ياسر بالكوفة. وفيها وجه المختار أربعة آلاف فارس، عليهم أبو عبد الله الجدلي، وعقبة بن طارق، فكلم الجدلي عبد الله بن الزبير في محمد بن الحنيفة، وأخرجوه من الشعب، ولم يقدر ابن الزبير على منعهم، وأقاموا في خدمة محمد ثمانية أشهر، حتى قتل المختار، وسار محمد إلى الشام. فأما ابن الزبير فإنه غضب على المختار، وبعث لحربه أخاه مصعب بن الزبير، وولاه جميع العراق، فقدم محمد بن الأشعث بن قيس وشبث بن ربعي إلى البصرة يستنصران على المختار، فسير المختار إلى البصرة أحمر ابن شميط، وأبا عمرة كيسان في جيش من الكوفة، حتى نزلوا) المدار، فسار إليهم مصعب بأهل البصرة، وعلى ميمنته وميسرته المهلب بن أبي صفرة، الأسدي. وعمر بن عبيد الله التيمي، فحمل عليهم المهلب، فألجأهم إلى دجلة، ورموا بخيولهم في الماء، وانهزموا، فاتبعوهم حتى أدخلوهم الكوفة، وقتل أحمر بن شميط وكيسان، وقتل من عسكر مصعب: محمد بن الأشعث، وعبيد الله بن علي بن أبي طالب، ودخل أهل البصرة الكوفة، فحصروا المختار في قصر الإمارة، فكان يخرج في رجاله، فيقاتل ويعود إلى القصر، حتى قتله طريف وطرف أخوان من بني حنيفة، في رمضان، وأتيا

(5/57)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 58
برأسه إلى مصعب، فأعطاهما ثلاثين ألفاً، وقتل بين الطائفتين سبعمائة. ويقال: كان المختار في عشرين ألفاً، فقتل أكثرهم، والله أعلم. وقتل مصعب خلقاً بدار الإمارة غدراً بعد أن أمنهم، وقتل عمرة بنت النعمان بن بشير الأنصاري امرأة المختار صبراً، لأنها شهدت في المختار عبد صالح. وبلغنا من وجه آخر أن طائفة من أهل الكوفة لما بلغهم مجيء مصعب تسربوا إليه إلى البصرة، منهم شبث بن ربعي، وتحته بغلة قد قطع ذنبها وأذنها، وشق قباءه، وهو ينادي: يا غوثاه، وجاء أشراف أهل الكوفة وأخبروا مصعباً بما جرى، وبوثون عبيدهم وغلمانهم عليهم مع المختار، ثم قدم عليهم محمد بن الأشعث، ولم يكن شهد وقعة الكوفة، بل كان في قصر له بقرب القادسية، فأكرمه مصعب وأدناه لشرفه، ثم كتب إلى المهلب بن أبي صفرة وكان عامل فارس ليقدم، فتوانى عنه، فبعث مصعب خلفه محمد ابن الأشعث، فقال له المهلب: مثلك يأتي بريداً قال: إني والله ما أنا بريد أحد، غير أن نساءنا وأبناءنا غلبنا عليهم عبداؤنا وموالينا، فأقبل المهلب بجيوش وأموال عظيمة، وهيئة ليس بها أحد من أهل البصرة. ولما انهزم جيش المختار انهد لذلك، وقال لنجي له: ما من الموت بد، وحبذا مصارع الكرام، ثم حصر القصر، ودام الحصار أياماً، ثم في أواخر الأمر كان المختار يخرج فيقاتل هو وأصحابه قتالاً ضعيفاً، ثم جهدوا وقل عليهم القوت والماء، وكان نساؤهم يجئن بالشيء اليسير خفية، فضايقهم جيش مصعب، وفتشوا النساء، فقال المختار: ويحكم انزلوا بنا نقاتل حتى نقتل كراماً، وما أنا بآيس إن صدقتموهم أن تنصروا، فضعفوا، فقال: أما أنا فلا والله لا أعطي بيدي، فأملس عبد الله بن جعدة بن هبيرة المخزومي فاختبأ، وأرسل المختار إلى امرأته بنت سمرة بن جندب، فأرسلت إليه بطيب كثير، ثم اغتسل وتحنط وتطيب، ثم خرج حوله تسعة عشر رجلاً،) فيهم السائب بن مالك الأشعري

(5/58)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 59
خليفته على الكوفة، فقال السائب: ما ترى قال: أنا أرى أم الله يرى قال: بل الله يرى، ويحك أحمق أنت، إنما أنا رجل من العرب، رأيت ابن الزبير انتزى على الحجاز، ورأيت نجدة انتزى على اليمامة، ورأيت مروان انتزى على الشام، فلم أكن بدونهم، فأخذت هذه البلاد، فكننت كأحدهم، إلا أني طلبت بثأر أهل البيت، فقالت على حسبك إن لم يكن لك نية، قال: إنا لله، وما كنت أصنع بحسبي وقال لهم المختار: أتؤمنوني قالوا: لا، إلا على الحكم، قال: لا أحكمكم في نفسي، ثم قاتل حتى قتل، ثم أمكن أهل القصر من أنفسهم، فبعث إليه مصعب: عباد بن الحصين، فكان يخرجهم مكتفين، ثم قتل سائرهم. فقيل: إن رجلاً منهم قال لمصعب: الحمد لله الذي ابتلانا بالإسار، وابتلاك أن تعفو عنا، فهما منزلتان إحداهما رضا الله والثانية سخطه، من عفا عفا الله عنه، ومن عاقب لم يأمن القصاص، يا ابن الزبير نحن أهل قبلتكم وعلى ملتكم، لسنا تركاً ولا ديماً، فإن خالفنا إخواننا من أهل المصر، فإما أن نكون أصبنا وأخطأوا، وإما أن نكون أخطأنا وأصابوا. فاقتتلنا كما اقتتل أهل الشام بينهم، ثم اصطلحوا واجتمعوا، وقد ملكتم فاسجحوا، وقد قدرتم فاعفوا، فرق لهم مصعب، وأرد أن يخلي سبيلهم، فقام عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، فقال: تخلي سبيلهم إخترنا واخترهم، ووثب محمد بن عبد الرحمن الهمداني فقال: قتل أبي وخمسمائة من همدان وأشراف العشيرة ثم تخلهم، ووثب كل أهل البيت، فأمر بقتلهم، فنادوا: لا تقتلنا واجعلنا مقدمتك إلى أهل الشام غداً، فواله ما بك عنا غناء، فإن ظفرنا فلكم، وإن قتلنا لم نقتل حتى نرقهم لكم، فأبى، فقال مسافر بن سعيد: ما تقول لله غداً إذا قدمت عليه، وقد قتلت أمة من المسلمين صبراً، حكموك في دمائهم، فكان الحق في دمائهم أن لا تقتل

(5/59)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 60
نفساً مسلمة بغير نفس، فإن كنا عدة رجال منكم، فاقتلوا عدة منا، وخلوا سبيل الباقي، فلم يستمع له، ثم أمر بكف المختار، فقطعت وسمرت إلى جانب المسجد، وبعث عماله إلى البلاد، وكتب إلى ابن الأشتر يدعوه إلى طاعته ويقول: إن أجبتني فلك الشام وأعنة الخيل. وكتب عبد الملك بن مروان أيضاً إلى ابن الأشتر: إن بايعتني فلك العراق، ثم استشار أصحابه فترددوا، ثم قال: لا أؤثر على مصري وعشيرتي أحداً، وسار إلى مصعب. قال أبو غسان مالك بن إسماعيل: ثنا إسحاق بن سعيد، عن سعيد قال: جاء مصعب إلى ابن عمر، يعني لما وفد على أخيه ابن الزبير، فقال: أي عم، أسألك عن قوم خلعوا الطاعة وقاتلوا،) حتى إذا غلبوا تحصنوا وسألوا الأمان، فأعطوا، ثم قتلوا بعد، قال: كم العدد قال: خمسة آلاف، قال: فسبح ابن عمر، ثم قال: عمرك الله يا مصعب، لو أن امرءاً أتى ماشية للزبير، فذبح منها خمسة آلاف شاة في غداة، أكنت تعده مسرفاً قال: نعم، قال: فتراه إسرافاً في البهائم، وقتلت من وحد الله، أما كان فيهم مستكره أو جاهل ترجى توبته أصب يا ابن أخي من الماء البارد ما استطعت في دنياك. وكان المختار محسناً إلى ابن عمر، يبعث إليه بالجوائز والعطايا، لأنه كان زوج أخت المختار صفية بنت أبي عبيد، وكان أبوهما أبو عبيد الثقفي رجلاً صالحاً، استشهد يوم جسر أبي عبيد، والجسر مضاف إليه، وبقي ولداه بالمدينة. فقال ابن سعد: ثنا محمد بن عمر، ثنا عبد الله بن جعفر، عن أم بكر بنت المسور، وعن رباح بن مسلم، عن أبيه، وإسماعيل بن إبراهيم المخزومي، عن أبيه قالوا: قدم أبو عبيد الله من الطائف، وندب عمر الناس

(5/60)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 61
إلى أرض العراق، فخرج أبو عبيد إليها فقتل، وبقي المختار بالمدينة، وكان غلاماً يعرف بالانقطاع إلى بني هاشم، ثم خرج في آخر خلافة معاوية إلى البصرة، فأقام بها يظهر ذكر الحسين، فأخبر بذلك عبيد الله بن زياد، فأخذه وجلده مائة، وبعث به إلى الطائف، فلم يزل بها حتى قام ابن الزبير، فقدم عليه. وقال الطبري في تاريخه: كانت الشيعة تكره المختار، لما كان منه في أمر الحسن بن علي يوم طعن، لما قدم مسلم بن عقيل الكوفة بين يدي الحسين نزل دار المختار، فبايعه وناصحه، فخرج ابن عقيل يوم خرج والمختار في قرية له، فجاءه خبر ابن عقيل أنه ظهر بالكوفة، ولم يكن خروجه على ميعاد من أصحابه، إنما خرج لما بلغه أن هانئ بن عروة قد ضرب وحبس، فأقبل المختار في مواليه وقت المغرب، فلما رأى الوهن نزل تحت راية عبيد الله بن زياد فقال: إنما جئت لتنصر مسلم بن عقيل، قال: كلا، فلم يقبل منه، وضربه بقضيب شتر عينيه، وسجنه. ثم إن عبد الله بن عمر كتب فيه إلى يزيد، لما بكت صفية أخت المختار على زوجها ابن عمر، فكتب: إن ابن زياد حبس المختار، وهو صهري، وأنا أحب أن يعافى ويصلح، قال: فكتب يزيد إلى عبيد الله فأخرجه، وقال: إن أقمت بالكوفة بعد ثلاث برئت منك الذمة، فأتى الحجاز، واجتمع بابن الزبير، فحضه على أن يبايع الناس، فلم يسمع منه، فغاب عنه بالطائف نحو سنة، ثم قدم عليه فرحب به، وتحادثا، ثم إن المختار خطب وقال: إني جئت لأبايعك على أن لا) تقضي الأمور دوني، وإذا ظهرت استعنت بي على أفضل عملك، فقال ابن الزبير: أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه، فبايعه ابن الزبير على ما طلب، وشهد معه حصار حصين بن نمير له، وأبلى بلاء حسناً، وأنكى في عسكر الشام.

(5/61)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 62
ثم بعد ذلك جاءته الأخبار أن الكوفة كغنم بلا راع، وكان رأي ابن الزبير أن لا يستعمله، فمضى بلا أمر إلى الكوفة، ودخلها متجملاً في الزينة والثياب الفاخرة، وجعل كلما مر على أحد من الشيعة الأشراف قال: أبشر بالنصر واليسر، ثم يعدهم أن يجتمع بهم في داره، قال: ثم أظهر لهم أن المهدي بن محمد الوصي، يعني ابن الحنفية، بعثني إليكم أميناً ووزيراً وأميراً، وأمني بقتال قتلة الحسين، والطلب بدماء أهل البيت، فهويته طائفة، ثم حبسه متولي الكوفة عبد الله بن يزيد، ثم إنه قويت أنصاره، واستفحل شره، وأباد طائفة من قتلة الحسين، واقتص الله من الظلمة بالفجرة، ثم سلط على المختار مصعباً، ثم سلط على مصعب عبد الملك: ألا لله الخلق والأمر. واستعمل مصعب على أذربيجان والجزيرة المهلب بن أبي صفرة الأزدي.

(5/62)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 63
4 (حوادث سنة ثمان وستين)

4 (المتوفون في هذه السنة)
توفي فيها: عبد الله بن عباس، وأبو شريح الخزاعي، وأبو واقد الليثي، وملك الروم قسطنطين بن قسطنطين، لعنه الله. وتوفي فيها في قول: زيد بن خالد الجهني، وزيد بن أرقم. وفيها عزل ابن الزبير أخاه مصعباً عن العراق، وأمر عليها ولده حمزة بن عبد الله، واستعمل على المدينة جابر بن الأسود الزهري، فأراد من سعيد ابن المسيب أن يبايع لابن الزبير، فامتنع، فضربه ستين سوطاً. كذا قال خليفة. وقال المسبحي: عزل ابن الزبير عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس من المدينة، لكونه ضرب سعيد بن المسيب ستين سوطاً في بيعة ابن الزبير، فلامه ابن الزبير على ذلك وعزله. وفيها كان مرجع الأزارقة من نواحي فارس إلى العراق، حتى قاربوا

(5/63)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 64
الكوفة ودخلوا المدائن، فقتلوا الرجال والنساء، وعليهم الزبير بن الماحوز، وقد كان قاتلهم عمر بن عبد الله التيمي أمير البصرة بسابور، وصاح أهل الكوفة بأميرهم الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، الملقب بالقباع،) وقالوا: انهض، فهذا عدو ليست له تقية، فنزل بالنخيلة، فقام إليه إبراهيم بن الأشتر فقال: قد سار إلينا عدو يقتل المرأة والمولود، ويخرب البلاد، فانهض بنا إليه، فرحل بهم، ونزل دير عبد الرحمن، فأقام أياماً حتى دخل شبث بن ربعي، فكلمه بنحو كلام إبراهيم، فارتحل ولم يكد، فلما رأى الناس بطء سيره رجزوا فقالوا:
(سار بنا القباع سيراً نكرا .......... يسير يوماً ويقيم شهرا)
فأتى الصراة، وقد انتهى إليها العدو، فلما رأوا أن أهل الكوفة قد ساروا إليهم، قطعوا الجسر، فقال ابن الأشتر للحارث القباع: أندب معي الناس حتى أعبر إلى هؤلاء الكلاب، فأجيئك برؤوسهم الساعة، فقال شبث ابن ربعي، وأسماء بن خارجة، دعهم فليذهبوا، لا تبدأوهم بقتال، وكأنهم حسدوا ابن الأشتر. قال: ثم إن الحارث عمل الجسر، وعبر الناس إليهم فطاروا حتى أتوا المدائن، فجهز خلفهم عسكراً، فذهبوا إلى أصبهان، وحاصروها شهراً، حتى أجهدوا أهلها، فدعاهم متوليها عتاب بن ورقاء، وخطبهم وحضهم على مناجزة الأزارقة، فأجابوه، فجمع الناس وعشاهم وأشبعهم، وخرج بهم سحراً، فصبحوا الأزارقة بغتة، وحملوا حتى وصلوا إلى الزبير بن الماحوز، فقاتل حتى قتل في جماعة من عصابته، فانحازت الأزارقة إلى قطري بن الفجاءة، فبايعوه بالخلافة، فرحل بهم، وأتى ناحية كرمان، وجمع الأموال والرجال، ثم نزل إلى الأهواز، فسير مصعب لقتالهم، لما أكلبوا الناس،

(5/64)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 65
المهلب بن أبي صفرة، فالتقوا بسولاف غير مرة، ودام القتال ثمانية أشهر. وفيها كان مقتل عبيد الله بن الحر، وكان صالحاً عابداً كوفياً، فخرج إلى الشام فقاتل مع معاوية، فلما استشهد علي، رضي الله عنه، رجع إلى الكوفة، وخرج عن الطاعة، وتبعه طائفة، فلما مات معاوية قوي وصار معه سبعمائة رجل، وعاث في مال الخراج بالمدائن، وأفسد بالسواد في أيام المختار، فلما كان مصعب ظفر به وسجنه، ثم شفعوا فيه فأخرجوه، فعاد إلى الفساد والخروج، فندم مصعب ووجه عسكراً لحربه، فكسرهم، ثم في الآخر قتل.

(5/65)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 66
4 (حوادث سنة تسع وستين)

4 (المتوفون في هذه السنة)
توفي فيها قبيصة بن جابر الكوفي، وأبو الأسود الدؤلي صاحب النحو.)
4 (الطاعون بالبصرة)
وكان في أولها طاعون الجارف بالبصرة، فقال المدائني: حدثني من أدرك الجارف قال: كان ثلاثة أيام، فمات فيها في كل يوم نحو من سبعين ألفاً. قال خليفة: قال أبو اليقظان: مات لأنس بن مالك في طاعون الجارف ثمانون ولداً، ويقال: سبعون. وقيل: مات لعبد الرحمن بن أبي بكرة أربعون ولداً، وقل الناس جداً بالبصرة، وعجزوا عن الموتى، حتى كانت الوحوش تدخل البيوت فتصيب منهم. وماتت أم أمير البصرة، فلم يجدوا من يحملها إلا أربعة. ومات لصدقة بن عامر المازني في يوم واحد سبعة بنين، فقال: اللهم إني مسلم مسلم، ولما كان يوم الجمعة خطب الخطيب بن عامر، وليس في

(5/66)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 67
المسجد إلا سبعة أنفس وامرأة، فقال: ما فعلت الوجوه فقالت المرأة: تحت التراب. وقد ورد أنه مات في الطاعون عشرون ألف عروس، وأصبح الناس في رابع يوم ولم يبق حياً إلا القليل، فسبحان من بيده الأمر. وممن قيل إنه توفي فيها: يعقوب بن بجير بن أسيد، وقيس بن السكن، ومالك بن يخامر السكسكي، والأحنف بن قيس، وحسان بن فائد العبسي، ومالك بن عامر الوادعي، وحريث بن قبيصة. قال الواقدي: ثنا عبد الله بن جعفر، عن حبيب بن فليح قال: ركبني دين، فجلست يوماً إلى سعيد بن المسيب، فجاءه رجل فقال: إني رأيت كأني أخذت عبد الملك بن مروان، فوتدت في ظهره أربعة أوتاد، قال: ما رأيت ذا، فأخبرني من رآها قال: أرسلني إليك ابن الزبير بها، قال: يقتله عبد الملك، ويخرج من صلب عبد الملك أربعة، كلهم يكون خليفة، فركبت إلى عبد الملك، فسر بذلك، وأمر لي بخمسمائة دينار وثياب. وفيها أعاد ابن الزبير أخاه مصعباً إلى إمرة العراق، لضعف حمزة بن عبد الله عن الأمور وتخليطه، فقدمها مصعب، فتجهز وسار يريد الشام في جيش كبير، وسار إلى حربه عبد الملك، فسار كل منهما إلى آخر ولايته، وهجم عليهما الشتاء فرجعا. قال خليفة، كانا يفعلان ذلك في كل عام، حتى قتل مصعب، واستناب مصعب على عمله) إبراهيم بن الأشتر.
4 (فتح قرطاجة)
وفيها عقد عبد العزيز بن مروان أمير مصر لحسان الغساني على غزو

(5/67)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 68
إفريقية، فسار إليها في عدد كثير، فافتتح قرطاجنة، وأهلها إذ ذاك روم عباد صليب. وفيها قتل نجدة الحروري، مال عليه أصحاب ابن الزبير، وقيل اختلف عليه أصحابه فقتلوه.

(5/68)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 69
4 (حوادث سنة سبعين)

4 (المتوفون في هذه السنة)
توفي فيها: عاصم بن عمر بن الخطاب، ومالك بن يخامر، وبشير بن النضر قاضي مصر، وعمرو بن سعيد الأشدق، وبخلف الحارث الأعور. وفيها أم كلثوم بنت سهل بن الأبرد الأنصاري، وعمير بن الحباب، وبشير بن عقربة، ويقال: بشر الجهني صحابي له حديثان، وأبو الجلد. ويقال: إن طاعون الجارف المذكور كان فيها. وفيها كان الوباء بمصر، فهرب منه عبد العزيز بن مروان إلى الشرقية، فنزل حلوان واتخذها منزلاً، واشتراها من القبط بعشرة آلاف دينار، وبنى بها دار الإمارة والجامع، وأنزلها الجند والحرس. وفيها سارت الروم واستجاشوا على أهل الشام، وعجز عبد الملك بن مروان عنهم، لاشتغاله بخصمه ابن الزبير، فصالح ملك الروم، على أن يؤدي إليه في كل جمعة ألف دينار. وفيها وفد مصعب بن الزبير من العراق إلى مكة على أخيه أمير المؤمنين عبد الله بأموال عظيمة، وتحف وأشياء فاخرة.

(5/69)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 70

(5/70)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 71
1 (ذكر أهل هذه الطبقة مرتبين على الأحرف)

4 (حرف الألف)

4 (الأحنف بن قيس، التميمي السعدي)
أدرك الجاهلية. ورخه في سنة سبع وستين يعقوب الفسوي، والأصح وفاته سنة اثنتين وسبعين.
4 (أسامة بن شريك، الذبياني الثعلبي.)
له صحبة ورواية. روى عنه: زيادة بن علاقة، وعلي بن الأقمر، وغيرهما. حديثه في السنن الأربعة، وعداده في الكوفيين.

(5/71)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 72
4 (أسماء بن خارجة، بن حصن)
بن حذيفة بن بدر الفزاري، أبو حسان، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو هند. من أشراف الكوفة. روى عن: علي، وابن مسعود. وعنه: ابنه مالك، وعلي بن ربيعة. وله وفادة على عبد الملك بن مروان، وفيه يقول القطامي:
(إذا مات ابن خارجة بن حصن .......... فلا مطرت على الأرض السماء)

(ولا رجع البريد بغنم جيش .......... ولا حملت على الطهر النساء)

(5/72)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 73
قال شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص قال: فاخر أسماء بن خارجة رجلاً فقال: أنا ابن الأشياخ الكرام، فقال عبد الله: ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم الخليل. إسناده ثابت. وقال مروان بن معاوية بن الحرث بن عثمان بن أسماء بن خارجة الفزاري: أتيت الأعمش، فانتسبت له فقال: لقد قسم جدك أسماء بن خارجة قسماً، فنسي جاراً له، فاستحيا أن يعطيه، وقد بدأ بآخر قبله، فدخل عليه، وصب عليه المال صباً، أفتفعل أنت شيئاً من ذلك. قال خليفة: توفي سنة ست وستين.
4 (أسماء بنت يزيد، بن السكن، أم عامر،)
) ويقال: أم سلمة الأنصارية الأشهلية. بايعت النبي صلى الله عليه وسلم، وروت جملة أحاديث، وقتلت بعمود خبائها يوم

(5/73)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 74
اليرموك تسعة من الروم، وسكنت دمشق. روى عنها: شهر بن حوشب، ومجاهد، ومولاها مهاجر، وابن أخيها محمود بن عمرو، وإسحاق بن راشد. قال عبد بن حميد: أسماء بنت يزيد هي: أم سلمة الأنصارية. قلت: وقبر أم سلمة بباب الصغير، وهي إن شاء الله هذه، وقد روي أنها شهدت الحديبية، وبايعت يومئذ. وروى محمد بن مهاجر، وأخوه عمرو، عن أبيهما، عن أسماء بنت يزيد بنت عم معاذ بن جبل، قالت: قتلت يوم اليرموك تسعة.
4 (أسيد بن ظهير، بن رافع الأنصاري الأوسي.)
ابن عم رافع بن خديج، وقيل ابن أخيه، وأخو عباد بن بشير لأمه. شهد الخندق وغيرها، وأبوه عقبي. لأسيد أحاديث، روى عنه: ابنه رافع، ومجاهد، وعكرمة بن خالد، وغيرهم. عداده في أهل المدينة، وروى عن رافع بن خديج. توفي سنة خمس وستين.
4 (أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري.)

(5/74)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 75
روى عن: أبي أيوب، وعمر، وزيد بن ثابت. روى عنه: محمد بن سيرين، وعبد الله بن الحارث، وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم. وثقه أحمد بن عبد الله العجلي، وقتل يوم الحرة هو وابنه كثير بن أفلح. قال الواقدي: هو من سبي عين التمر، في خلافة أبي بكر. قال هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، أن أبا أيوب كاتب أفلح على أربعين ألفاُ، فجعلوا يهنئونه، فندم أبو أيوب وقال: أحب أن ترد الكتاب وترجع كما كنت، فجاءه بمكاتبته، فكسرها، ثم مكث ما شاء الله، فقال له أبو أيوب: أنت حر، وما كان لك من مال فهو لك. قال ابن سعد: كان ثقة، يكنى أبا كثير.)
4 (إياس بن قتادة العبشمي)
ابن أخت الأحنف بن قيس، بصري نبيل، ولي قضاء الري.

(5/75)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 76
4 (حرف الباء)

4 (بريدة بن الحصيب، بن عبد الله بن الحارث،)
أبو عبد الله الأسلمي. نزيل البصرة، أسلم قبل غزوة بدر، وله عدة مشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم وعدة أحاديث، سكن مرو في آخر عمره، وبها قبره.

(5/76)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 77
روى عنه: ابناه عبد الله، وسليمان، والشعبي، وأبو المليح بن أسامة، وجماعة. توفي سنة اثنتين وستين على الأصح. قال ابن سعد: غزا خراسان زمن عثمان. أنبأ أبو النصر: ثنا شعبة، ثنا محمد بن أبي يعقوب، حدثني من سمع بريدة الأسلمي وراء نهر بلخ وهو يقول: لا عيش إلا طراد الخيل بالخيل وقال بكير بن معروف، عن مقاتل بن حيان، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: شهدت خيبر، فكنت فيمن شهد الثلمة، فقاتلت حتى رئي مكاني، وعلي ثوب أحمر، فما أعلم أني ركبت في الإسلام ذنباً أعظم علي منه للشهرة. قلت: روي له أكثر من مائة وخمسين حديثاً.
4 (بشير بن عقربة، ويقال بشر، أبو اليمان الجهني.)
صحابي له حديثان.

(5/77)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 78
قال سعيد بن منصور: ثنا ابن الحارث الرملي، عن عبد الله بن عوف الكناني، عامل الرملة لعمر بن عبد العزيز قال: شهدت عبد الملك بن مروان قال لبشر بن عقربة يوم قتل عمرو بن سعيد: قد احتجت يا أبا اليمان إلى كلامك اليوم فقم، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قام بخطبة لا يلتمس إلا رياء وسمعة وقفه الله يوم القيامة موقف رياء وسمعة.
4 (بشير بن النضر، بن بشير بن عمرو.)
) قاضي مصر، توفي في أول سنة سبعين، وولي القضاء بعده عبد الرحمن الخولاني، وكان رزقه في العام ألف دينار.

(5/78)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 79
4 (حرف التاء)

4 (تميم بن حذلم، أبو سلمة الضبي)
الكوفي المقريء. عرض القرآن على ابن مسعود. وروى عنه: عثمان بن يسار، وإبراهيم النخعي. قال جرير، عن مغيرة عن إبراهيم، عن تميم بن حذلم قال: قرأت القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(5/79)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 80
وقال هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، أن تميم بن حذلم الضبي قرأ على ابن مسعود، فلم يغير عليه إلا قوله: وكل أتوه مده تميم، وقصره ابن مسعود، وظنوا أنهم قد كذبوا قرأها ابن مسعود مخففة. وقد أدرك تميم أن أبا بكر، وعمر. روى عنه أيضاً: العلاء بن بدر، والركين بن عبد الأعلى، وابنه أبو الخير ابن تميم، وغيرهم.

(5/80)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 81
4 (حرف الثاء)

4 (ثور بن معن، بن يزيد بن الأخنس السلمي.)
أحد الأشراف، قتل بمرج راهط مع الضحاك، ولأبيه صحبة، وقد عاش بعد ثور أبوه.

(5/81)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 82
4 (حرف الجيم)

4 (جابر بن سمرة، بن جنادة،)
أبو عبد الله. ويقال: أبو خالد السوائي، وقيل: اسم جنادة: عمرو، وله ولأبيه سمرة صحبه، نزل الكوفة.

(5/82)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 83
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن: خاله سعد بن أبي وقاص، وأبي أيوب. روى عنه: تميم بن طرفة، وسماك بن حرب، وعبد الملك بن عمير، وجماعة، وحديثه في الكتب كثير. قيل: توفي سنة ست وستين.
4 (جابر بن عتيك بن قيس،)
ويقال جبر، أبو عبد الله الأنصاري، أحد بني عمرو بن عوف من كبار الصحابة، واتفقوا على) أنه شهد بدراً. وتوفي سنة إحدى وستين، وله إحدى وتسعون سنة. ورخ موته ابن سعد، وخليفة، وابن زبر، وابن مندة، وغيرهم. وكانت معه راية بني معاوية بن مالك بن الأوس يوم الفتح. وفي الموطأ عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك، عن جده

(5/83)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 84
لأمه عتيك بن الحارث قال: أخبرني جابر بن عتيك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غلب، فاسترجع. قلت: هو آخر البدريين موتاً.
4 (جرهد الأسلمي الذي قال له النبي لله: غط فخذك.)

(5/84)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 85
روى عنه ابناه: عبد الله، وعبد الرحمن، وحفيده زرعة. توفي سنة إحدى وستين. له دار بالمدينة.
4 (جعفر بن علي بن أبي طالب قتل شاباً)
هو وإخوته مع الحسين رضي الله عنهم أجمعين.
4 (جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي العلقي.)
وعلقه:

(5/85)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 86
حي من بجيلة، أقام بالبصرة وبالكوفة، له صحبة ورواية كثيرة. روى عنه الحسن، ومحمد بن سيرين، وأنس بن سيرين، وأبو عمران الجوني، وعبد الملك بن عمير، وسلمة بن كهيل، والأسود بن قيس، وآخرون.
4 (جندب الخير)
هو جندب بن عبد الله ويقال ابن كعب الأزدي، له صحبة ورواية. وروى أيضاً عن: علي، وسلمان الفارسي. روى عنه: أبو عثمان النهدي، وتميم بن الحارث، وحارثة بن وهب، والحسن البصري. فروى إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حد الساحر ضربة بالسيف

(5/86)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 87
. وقال أبو عثمان النهدي: كان ساحر يلعب عند الوليد بن عقبة بن أبي معيط، فيأخذ سيفه فيذبح نفسه ولا يضره، فقام جندب فأخذ السيف فضرب عنقه، ثم قرأ أفتأتون السحر وأنتم تبصرون. إسناده صحيح.) وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود: إن الوليد بن عقبة كان بالعراق يلعب بين يديه ساحر، فكان يضرب عنق الرجل، ثم يصيح به، فيقوم، فترتد إليه رأسه، فقال الناس: سبحان الله يحي الموتى فرآه رجل من صالحي المهاجرين، فاشتمل من الغد على سيفه، فذهب الساحر يلعب لعبه ذلك، فاخترط الرجل سيفه فضرب عنقه. وقال: إن كان صادقاً فينجي نفسه، فأمر به الوليد فسجنه، فأعجب السجان نحو الرجل فقال: أتستطيع أن تهرب فقال: نعم، قال: فاخرج، لا يسألني الله عنك أبداً.
4 (جندرة بن خيشنة أبو قرصافة الكناني،)
صحابي نزل الشام

(5/87)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 88
واستوطن عسقلان، له أحاديث. روى عنه: حفيدته عزة بنت عياض بنت جندرة، ويحيى بن حسان الفلسطيني، وشداد أبو عمار، وزياد بن سيار، وعطية بن سعيد الكنانيان، وزياد بن أبي جعد. ليس له في الكتب الستة شيء.

(5/88)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 89
4 (حرف الحاء)

4 (الحارث بن عبد الله)
الهمداني الأعور الكوفي أبو زهير، صاحب علي. روى عن: علي، وابن

(5/89)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 90
مسعود. وكان فقيهاً فاضلاً من علماء الكوفة، ولكنه لين الحديث. روى عنه: الشعبي، وعطاء بن أبي رباح، وعمرو بن مرة، وأبو إسحاق السبيعي، وغيرهم. قال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال الحارث: تعلمت القرآن في سنتين، والوحي في ثلاث سنين. وقال الشعبي، وعلي بن المديني، وأبو خيثمة: الحارث كذاب. قلت: هذا محمول من الشعبي على أنه أراد بالكذب الخطأ وإلا فلأي شيء يروي عنه، وأيضاً فإن النسائي مع تعنته في الرجال قد احتج بالحارث. وقال شعبة: لم يسمع أبو إسحاق من الحارث إلا أربعة أحاديث. وروى منصور، عن إبراهيم قال: الحارث يهم. وقال النسائي أيضاً: ليس به بأس. توفي سنة خمس وستين. قال ابن أبي داود: كان الحارث أفقه الناس، وأفرض الناس، وأحسب الناس، تعلم الفرائض من علي. وقال ابن سيرين: أدركت أهل الكوفة وهم يقدمون خمسة، من بدأ بالحارث الأعور ثنى بعبيدة، ومن بدأ بعبيدة ثنى بالحارث، ثم علقم، ثم مسروق، ثم شريح.) وقال ابن معين: الحارث ليس به بأٍ س. وقال مرة: ثقة.
4 (الحارث بن عمرو الهذلي المدني)
ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم،

(5/90)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 91
وحدث عن عمر بن الخطاب. قال ابن سعد. الحارث بن قيس قد ذكر.
4 (حبشي بن جنادة أبو الجنوب السلولي،)
نزل الكوفة، له صحبة ورواية. روى عنه الشعب، وأبو إسحاق. وقد بالغ ابن عدي في الثقات له بذكر في الضعفاء، ثم طرز بذلك بقوله: أرجو أنه لا بأس به. قال عبيد الله بن موسى: أنبأ إسرائيل، عن آبي إسحاق، عن حبشي بن جنادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر للمحلقين الحديث. هذا

(5/91)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 92
حديث صحيح غريب. وقال مجالد، عن الشعبي، عن حبشي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهو واقف بعرفة، فذكر حديثاً في تحريم المسألة. وعن يوسف بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن حبشي قال: شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة مشاهد، وشهدت مع علي ثلاثة مشاهد ما هن بدونها. قلت ولحبشي أحاديث أخر، وما أدري لأي شيء قال البخاري: إسناده فيه نظر.
4 (حسان بن مالك بن بحدل بن أنيف الأمير)
أبو سليمان الكلبي. وكان على قضاعة الشام بين صفين، وهو الذي قام بأمر البيعة لمروان. وذكر

(5/92)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 93
الكلبي أنهم سلموا بالخلافة أربعين ليلة على حسان بن مالك، ثم سلمها إلى مروان وقال:
(فإن لم يكن منا الخليفة نفسه .......... فما نالها إلا ونحن شهود)
وقصر حسان بدمشق وهو قصر البحادلة، ثم صار يعرف بقصر ابن أبي الحديد.
4 (الحسين بن علي رضي الله عنه)
ابن أبي طالب أبو عبد الله الهاشمي ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن بنته فاطمة،

(5/93)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 94
السعيد الشهيد رضي الله عنه. استشهد بكربلاء وله ست وخمسون سنة. وقد حفظ عن جده، وروى عنه، وعن أبويه، وخاله هند بن أبي هالة. روى عنه: أخوه الحسن، وابنه علي، وابن ابنه محمد بن علي الباقر، وبنته فاطمة بنت الحسين، وعكرمة، والشعبي، والفرزدق همام، وطلحة بن عبيد الله العقيلي.) قال ابن سعد والزبير بن بكار: مولده في خامس شعبان سنة أربع. وقال جعفر الصادق: كان بين الحسن والحسين طهر واحد. وقال أبو إسحاق السبيعي، عن هانئ بن هانئ، عن علي قال: لما ولد الحسن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أروني ابني ما سميتموه قلت حرباً. قال: بل هو حسن، وذكر الحديث وفيه: فقال عليه السلام: إنما سميتهم بأسماء ولد هارون شبر وشبير ومشبر. قلت: وكان وقد ولدت فاطمة بعدهما ولداً فسماه محسناً. وروى الأعمش عن سالم بن أبي الجعد قال: قال علي: كنت أحب الحرب، فلما ولد الحسن هممت أن أسميه حرباً فسماه الحسين، وقال: سميت ابني هذين باسم ابني هارون شبر وشبير. رواه يحيى بن عيسى التميمي، عن الأعمش، وهو من رجال مسلم، لكنه منقطع.

(5/94)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 95
وقال عكرمة: لما ولد فاطمة حسناً أتت به النبي صلى الله عليه وسلم فسماه حسناً، فلما ولدت حسيناً أتت به فسماه، وقال: هذا أسن من هذا فشق له من اسمه حسين. وقال أبو إسحاق، عن هانئ، عن علي قال: الحسن أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم، ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أشبه الناس برسول الله، ما كان أسفل من ذلك. وقال علي بن جعفر بن محمد بن علي: حدثني أخي موسى، عن أبي، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي رضي الله عنهم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الحسن والحسين فقال: من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة. أخرجه الترمذي، وعبد الله بن أحمد في زيادات المسند، عن نصر بن علي الجهضمي، عنه. وفي المسند بإسناد قوي، عن آبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني. وقال عاصم، عن زر، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذان ابناي من أحبهما فقد أحبني. له علة، وهي أن بعضهم أرسله، واسقط منه عبد الله. وقال شهر بن حوشب، عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم جلل علياً، وحسناً، وحسيناً، وفاطمة، كساءً، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، اللهم

(5/95)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 96
أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. له طرق صحاح عن شهر، وروي من وجهين آخرين عن أم سلمة. وقال عطية العوفي، عن أبي سعيد، إن هذه الآية نزلت فيهم، يعني إنما يريد الله ليذهب عنكم) الرجس. وعن حذيفة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: جاءني جبريل فبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. رواه أحمد في مسنده بإسناد حسن، وروى نحوه من حديث ابن عمر، وعلي بإسنادين جيدين. وفي الباب عن عمر، وابن عباس، وابن مسعود، ومالك بن الحويرث، وأنس بأسانيد ضعيفة. وقال يزيد بن مردانبة، عن عبد الرحمن بن أبي نعم، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحسن سيدا شباب أهل الجنة. رواه أحمد في مسنده. وقال إسماعيل بن عياش: ثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن راشد، عن يعلى بن مرة قال: جاء الحسن والحسين يسعيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوصل أحدهما قبل الآخر، فجعل يده على رقبته، ثم ضمه

(5/96)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 97
إلى إبطه، ثم جاء الأخر فضمه إلى إبطه الأخرى، ثم قبل هذا، ثم قال: إني أحبهما فأحبهما. وقال: إن الولد مبخلة مجبنة مجهلة. روى بعضه معمر، عن ابن خثيم فقال: عن محمد بن الأسود بن خلف. وقال كامل أبو العلاء، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العشاء، فكان إذا سجد ركب الحسن والحسين على ظهره، فإذا رفع رأسه رفع رفعاً رفيقاً، ثم إذا سجد عادا، فلما صلى قلت: ألا أذهب بهما إلى أمهما قال: لا فبرقت برقة فلم يزالا في ضوئها حتى دخلا على أمهما. وقال الترمذي: ثنا الحسن بن عرفة، ثنا إسماعيل بن عياش، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن راشد، عن يعلى بن مرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسيناً حسين سبط من الأسباط. قال الترمذي: هذا حديث حسن. وقال حسين بن واقد: حدثني عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فأقبل الحسن والحسين، عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فزل فأخذهما فوضعهما بين يديه، ثم قال: صدق الله إنما أموالكم وأولادكم فتنة رأيت هذين فلم أصبر ثم أخذ في خطبته إسناده صحيح.

(5/97)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 98
وقال أبو شهاب مسروق، عن الثوري، عن أبي الزبير، عن جابر قال: دخلت على النبي صلى) الله عليه وسلم وهو يمشي على أربع، وعلى ظهره الحسن والحسين، وهو يقول: نعم الحمل حملكما ونعم العدلان أنتما. تفرد به هذا عن الثوري، وهو حديث منكر. مهدي بن ميمون: ثنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن الحسن ابن سعد، عن عبد الله بن شداد قال: سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة فجاء الحسن أو الحسين قال مهدي: وأكبر ظني أنه الحسين فركب عنقه وهو ساجد، فأطال السجود بالناس حتى ظنوا أنه قد حدث أمر، فلما قضى صلاته قالوا له، فقال: إن ابني هذا ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته. مرسل. عبد الله بن نمير، عن الربيع بن سعد، عن عبد الرحمن بن سابط، عن جابر قال: دخل الحسين فقال جابر: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا، أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله. تفرد به الربيع، وهو صدوق جعفي. أبو نعيم: ثنا سلم الحداء، عن الحسن بن سالم بن أبي الجعد: سمعت أبا حازم، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أحب الحسن والحسين فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني. إسناده قوي وسلم لم يضعف ولا يكاد يعرف ولكن قد روى مثله أبو الجحاف، عن أبي حازم.

(5/98)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 99
وقال أبو الحجاف، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي والحسن، والحسين، وفاطمة، فقال: أنا حرب لمن حاربكم سلم لمن سالمكم. رواه أحمد في مسنده، وله شاهد من حديث زيد بن أرقم. وقال بقية، عن بحير، عن خالد بن معدان، عن المقدام بن معديكرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسن مني وحسين من علي. وقال محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن ابن أبي نعم قال: كنت عند ابن عمر، فسأله رجل عن دم البعوض، فقال: ممن أنت قال: من أهل العراق، قال: انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هما ريحانتاي من الدنيا. صححه الترمذي. وعن أبي أيوب الأنصاري قال: دخلت على رسول الله صلى عليه وسلم والحسن والحسين) يلعبان على صدره، فقلت: يا رسول الله أتحبهما قال: وكيف لا أحبهما وهما ريحانتاي من الدنيا

(5/99)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 100
. وقال عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن راشد، عن يعلى العامري قال: قال رسول الله صلى الهه عليه وسلم: حسين سبط من الأسباط، من أحبني فليحب حسيناً. رواه أحمد في المسند. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحبني فليحب هذين. ويروى مثله عن أسامة بن زيد، وإبن عباس، وسلمان، وغيرهم. وقال علي بن ابي علي اللهبي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: قعد رسول الله صلى الله عليه وسلم موضع الجنايز، فطلع الحسن والحسين فاعتركا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إيهاً حسن خذ حسيناً. فقال علي: يا رسول الله أعلى حسين تؤلبه وحسن أكبر فقال: هذا جبريل يقول إيهاً حسين. ورواه الحسن بن سفيان في مسنده بإسناد آخر، من حديث أبي هريرة. وقال حماد بن زيد: ثنا يحيى بن سعيد، عن عبيد بن حسين، عن الحسين بن علي قال: صعدت المنبر إلى عمر بن الخطاب فقلت: انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك، فقال: إن أبي لم يكن له منبر، فأقعدني معه، فلما نزل ذهب بي إلى منزله، فقال: أي بني من علمك هذا قلت: ما علمنيه أحد، قال: أي بني وهل أنبت على رؤوسنا الشعر إلا أنتم، لو جعلت تأتينا وتغشنا. وقال أبو جعفر الباقر: إن عمر جعل عطاء حسن وحسين مثل عطاء أبيهما خمسة آلاف.

(5/100)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 101
وقال الزهري: كسا عمر أبناء الصحابة، فلم يكن فيها ما يصلح للحسن والحسين، فبعث إلى اليمن فأتى لهما بكسوة، فقال: الآن طابت نفسي. وقال أبو عوانة، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي إدريس، عن المسيب بن نجبة قال: سمعت علياً يقول: ألا أحدثكم عني وعن أهل بيتي: أما عبد الله بن جعفر فصاحب لهو، وأما الحسن فصاحب جفنة وخوان فتى من فتيان قريش لو قد التقت حلقتا البطان لم يغن عنكم في الحرب شيئاً، وأما أنا وحسين فنحن منكم وأنتم منا. ويروى أن الحسن كان يقول للحسين: أي أخي والله لوددت أن لي بعض شدة قلبك، فيقول الحسين: وأنا والله وددت أن لي بعض بسط لسانك.) وقال محمد بن سعد: أنا كثير بن هشام، ثنا حماد بن سلمة، عن أبي المهزم قال: كنا في جنازة امرأة، معنا أبو هريرة، فلما أقبلنا أعيا

(5/101)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 102
الحسين، فقعد في الطريق، فجعل أبو هريرة ينفض التراب عن قدميه بطرف ثوبه، فقال الحسين: يا أبا هريرة وأنت تفعل هذا فقال: فوالله لو يعلم الناس مثل ما أعلم لحملوك على رقابهم. وقال الإمام أحمد في مسنده: ثنا محمد بن عبيد، ثنا شرحبيل بن مدرك، عن عبد الله بن نجي، عن أبيه أنه سار مع علي، وكان صاحب مطهرته، فلما حاذى نينوى وهو سائر إلى صفين فنادى: اصبر أبا عبد الله بشط الفرات. قلت: وما ذاك قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعيناه تفيضان فقال: قام من عندي جبريل فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات وقال: هل لك أن أشمك من تربته قلت: نعم. فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا. وروى نحوه ابن سعد، عن المدائني، عن يحيى بن زكريا، عن رجل، عن الشعبي أن علياً قال وهو بشط الفرات: صبراً أبا عبد الله، وذكر الحديث. وقال عمارة بن زاذان: ثنا ثابت، عن أنس قال: استأذن ملك القطر على النبي صلى الله عليه وسلم في يوم أم سلمة فقال: يا أم سلمة احفظي علينا الباب لا يدخل علينا أحد، فبينا هي على الباب إذ جاء الحسين فاقتحم الباب ودخل، فجعل يتوثب على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يلثمه، فقال الملك: أتحبه قال: نعم، قال: فإن أمتك ستقتله، إن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه، قال: نعم فجاءه بسهلة أو تراب أحمر.

(5/102)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 103
قال ثابت: فكنا نقول: إنها كربلاء. عمارة: صالح الحديث، رواه الناس، عن شيبان، عنه. وقال علي بن الحسين بن واقد: حدثني أبي، ثنا أبو غالب، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنسائه: لا تبكوا هذا الصبي يعني حسيناً، فكان يوم أم سلمة، فنزل جبريل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة: لا تدعي أحداً يدخل. فجاء حسين فبكى، فخلته أم سلمة يدخل، فدخل حتى جلس في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال جبريل: إن أمتك ستقتله، قال: يقتلونه وهم مؤمنون قال: نعم، وأراه تربته. رواه الطبراني. وقال إبراهيم بن طهمان، عن عباد بن إسحاق، وقال خالد بن مخلد، واللفظ له: ثنا موسى بن يعقوب الزمعي كلاهما عن هاشم بن هاشم الزهري، عن عبد الله بن زمعة قال: أخبرتني أم) سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطجع ذات يوم فاستيقظ وهو خاثر، ثم اضطجع ثم استيقظ وهو خاثر دون المرة الأولى، ثم رقد ثم استيقظ وفي يده تربة حمراء، وهو يقبلها، فقلت: ما هذه التربة قال: أخبرني جبريل أن الحسين يقتل بأرض العراق، وهذه تربتها. وقال وكيع: ثنا عبد الله بن سعيد، عن أبيه، عن عائشة أو أم سلمة

(5/103)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 104
شك عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: دخل علي البيت ملك لم يدخل علي قبلها، فقال لي إن ابنك هذا حسيناً مقتول، وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها. رواه عبد الرزاق، عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند مثله، إلا أنه قال أم سلمة ولم يشك. وإسناده صحيح. رواه أحمد والناس. وروي عن شهر بن حوشب، وأبي وائل، كلاهما عن أم سلمة نحوه. وروى الأوزاعي، عن شداد أبي عمار، عن أم الفضل بنت الحارث. وروي عن حماد بن زيد، عن سعيد بن جمهان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل بتراب من تراب القرية التي يقتل فيها الحسين، وقيل له: اسمها كربلاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كرب وبلاء. كلا الإسنادين منقطع. وقال أبو إسحاق السبيعي: عن هانئ بن هانئ، عن علي قال: ليقتلن الحسين قتلاً، وإني لأعرف تربة الأرض التي يقتل بها، يقتل بقرية قريب من النهرين. وقال ابن عساكر: وفد الحسين على معاوية وغزا القسطنطينية مع يزيد. وعن عبد الله بن بريدة قال: دخل الحسن والحسين على معاوية، فأمر لهما في وقته بمائتي ألف درهم.

(5/104)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 105
وقال محمد بن سيرين، عن أنس قال: شهدت ابن زياد حيث أتى برأس الحسين فجعل ينكت بقضيب في يده، فقلت: أما إنه كان أشهبهها بالنبي صلى الله عليه وسلم. رواه هشام بن حسان، وجرير بن حازم، عن محمد. وقال عبيد الله بن أبي يزيد: رأيت الحسين أسود الرأس واللحية إلا شعرات في مقدم لحيته. وقال ابن جريج: سمعت عمر بن عطاء يقول: رأيت الحسين بن علي يصبغ بالوسمة، أما هو فكان ابن ستين سنة، وكان رأسه ولحيته شديدي السواد. جعفر بن محمد، عن أبيه قال: كان الحسين يتختم في اليسار.) المطلب بن زياد: عن السدي: رأيت الحسين وله جمة خارجة من تحت عمامته. يونس بن أبي إسحاق، عن العيزار بن حريث: رأيت على الحسين مطرفاً من خز، قد خضب رأسه ولحيته بالحناء والكتم. الشعبي: أخبرني من رأى على الحسين جبة من خز. وعن جعفر بن محمد قال: أصيب الحسين وعليه جبة خز. إبراهيم بن مهاجر، عن الشعبي: رأيت الحسين يخضب بالوسمة

(5/105)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 106
يتختم في شهر رمضان. وروى غير واحد أن الحسين كان يخضب بالوسمة. عبد العزيز بن رفيع، عن قيس مولى خباب قال: رأيت الحسين يخضب بالسواد. وقال طاووس، عن ابن عباس قال: استشارني الحسين في الخروج، فقلت: لولا أن يزرى بي وبك لنشبت يدي في رأسك، فقال: لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلي من أن أستحل حرمتها يعني الحرم فكان ذلك الذي سلى نفسي عنه. وقال سعيد بن المسيب: لو أن الحسين لم يخرج لكان خيراً له. قلت: وهذا كان رأي ابن عمر، وأبي سعيد، وابن عباس، وجابر، وجماعة سواهم، وكلموه في ذلك كما تقدم في مصرعه. وقد ذكرنا في الحوادث من غير وجه أن الرأس قدم به على يزيد. وقال أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة: حدثني أبي، عن أبيه قال: أخبرني أبي حمزة بن يزيد الحضرمي قال: رأيت امرأة من أجمل النساء وأعقلهن يقال لها ريا حاضنة يزيد بن معاوية، يقال: بلغت مائة سنة،

(5/106)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 107
قالت: دخل رجل على يزيد، فقال: يا أمير المؤمنين أبشر فقد مكنك الله من الحسين، فحين رآه خمر وجهه كأنه يشم منه رائحة، قال حمزة: فقلت لها: أقرع ثناياه بقضيب قالت: إي والله. ثم قال حمزة: وقد كان حدثني بعض أهلها أنه رأى رأس الحسين مصلوباً بدمشق ثلاثة أيام، وحدثتني ريا أن الرأس مكث في خزائن السلاح حتى ولي سليمان الخلافة، فبعث إليه فجيء به وقد بقي عظماً أبيض، فجعله في سفط وكفنه ودفنه في مقابر المسلمين، فلما دخلت المسودة سألوا عن موضع الرأس فنبشوه وأخذوه، فالله أعلم ما صنع به. وذكر الحكاية وهي طويلة قوية الإسناد. رواه عبد الرحمن بن أبي نصر، عن أحمد بن محمد بن عمارة، عن المذكور. وعن أبي قبيل قال: لما قتل الحسين احتزوا رأسه وقعدوا في أول مرحلة يشربون النبيذ، فخرج) عليهم قلم من حديد من حائط فكتب بسطر دم:
(أترجو أمة قتلت حسيناً .......... شفاعة جده يوم الحساب)
فهربوا وتركوا الرأس.

(5/107)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 108
وسئل نعيم الفضل بن دكين عن قبر الحسين، فلم يعلم أين هو. وقال الجماعة: قتل يوم عاشوراء، زاد بعضهم يوم السبت. قلت: فيكون عمره على ما ذكرنا من تاريخ مولده ستاً وخمسين سنة وخمسة أشهر وخمسة أيام. وقال سليمان بن قتة يرثيه:
(وإن قتيل الطف بني آل هاشم .......... أذل رقاباً من قريش فذلت)

(فإن يتبعوه عائذ البيت يصبحوا .......... كعاد تعمت عن هداها فضلت)

(مررت على أبيات آل محمد .......... فألفيتها أمثالها حين حلت)

(وكانوا لنا غنماً فعادوا رزي .......... لقد عظمت تلك الزوايا وجلت)

(فلا يبعد الله الديار وأهلها .......... وإن أصبحت منهم برغمي تخلت)

(ألم تر أن الأرض أضحت مريضة .......... لفقد حسين والبلاد اقشعرت)
يريد بقوله: أذل رقاباً، أي ذللها، يعني أنهم لا يزعمون عن قتل قرشي بعد الحسين، وعائذ إلى البيت هو عبد الله بن الزبير.

(5/108)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 109
4 (حصين بن نمير السكوني أحد أمراء الشام،)
وهو الذي حاصر ابن الزبير، وقد مر من أخباره في الحوادث وأنه قتل بالجزيرة سنة بضع وستين.
4 (الحكم بن أبي العاص الثقفي)
توفي سنة سبع وستين.
4 (حمزة بن عمرو الأسلمي الذي له صحبة ورواية.)
وروى أيضاً عن: أبي بكر، وعمر. روى عنه: عروة بن الزبير، وسليمان بن سياه، وحنظلة بن علي الأسلمي، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وابنه محمد بن حمزة.

(5/109)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 110
وهو كان البشير إلى أبي بكر بوقعة أجنادين، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وتوفي سنة) إحدى وستين، وقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم على سرية، وكان رجلاً صالحاً يسرد الصوم. ذكره ابن سعد في الطبقة الثالثة من المهاجرين. وقال كثير بن زيد الأسلمي، عن محمد بن حمزة، عن أبيه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فتفرقنا في ليلة ظلماء دحمسة، فأضاءت أصابعي حتى جمعوا عليها ظهرهم وما هلك منهم وان اصابعي لتنير.
4 (حميد بن ثور أبو مثنى الهلالي)
، شاعر مشهور إسلامي.

(5/110)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 111
أدرك النبي صلى الله عليه وسلم بالسن، وقال الشعر في أيام عمر، ووفد على مروان وابنه عبد الملك وكان يشبب بجمل، وهو من فحول الشعراء المذكورين. روى الزبير بن بكار، عن أبيه، أن حميد بن ثور وفد على بعض بني أمية، فقال: ما جاء بك فقال:
(أتاك بي الله الذي فوق عرشه .......... وخير معروف عليك دليل)

(ومطوية الأقراب أما نهارها .......... فسيب وأما ليلها فذميل)

(ويطوي علي الليل حصنيه إنني .......... لذاك إذا هاب الرجال فعول)

(5/111)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 112
4 (حرف الذال)

4 (ذكوان مولى عائشة)
روى عنه: علي بن الحسين، وابن أبي ملكية، وجماعة. وكان قارئاً، فصيحاً، عالماً.

(5/112)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 113
4 (حرف الراء)

4 (ربيعة بن عمر الجرشي، أبو الغاز)
ويقال: ابن الحارث الجرشي، أبو الغاز. أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل له صحبة. وله رواية عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وعن سعد بن أبي وقاص، وأبي هريرة، وعائشة. روى عنه: خالد بن معدان، وعلي بن رباح، وأبو هشام الغاز بن ربيعة ولدة

(5/113)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 114
قال أبو المتوكل الناجي: سألت عن ربيعة الجرشي وكان فقيه الناس في زمن معاوية. وقال غيره: فقئت عين ربيعة الجرشي يوم صفين مع معاوية، وقتل يوم مرج راهط مع الضحاك بن قيس.) وقال عطية بن قيس، عن ربيعة الجرشي، إنه كان يقول في قصصه: إن الله جعل الخير من أحدكم كشراك نعله، وجعل الشر منه مد بصره.
4 (ربيعة بن كعب أبو فراس الأسلمي)
المدني، من أصحاب الصفة. خدم النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل بعد موته على بريد من المدينة، له أحاديث. روى عنه: أبو سلمة بن عبد الرحمن، ونعيم المجمر، ومحمد بن عمرو بن عطاء، وأبو عمران الجوني. توفي أيام الحرة، وهو الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أسأل مرافقتك في الجنة، فقال: أعني على نفسك بكثرة السجود

(5/114)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 115
.
4 (الربيع بن خثيم)
أبو يزيد الثوري الكوفي. من سادة التابعين وفضلائهم. روى عن: عبد الله بن مسعود، وأبي أيوب الأنصاري، وعمرو بن ميمون. روى عنه: إبراهيم النخعي، والشعبي، وهلال بن يساف، وآخرون. وكان يعد من عقلاء الرجال، توفي قبل سنة خمس وستين. و عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال: كان الربيع بن خثيم إذا دخل على أبي لم يكن عليه إذن لأحد حتى يفرغ كل واحد من صاحبه، فقال

(5/115)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 116
عبد الله: يا أبا يزيد، لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبك وما رأيتك إلا ذكرت المخبتين. وقال سعيد بن مسروق، عن منذر الثوري: كان الربيع بن خثيم إذا أتاه الرجل قال: اتق الله فيما علمت، وما استؤثر به عليك، فكله إلى عالمه، لأنا عليكم في العمد أخوف مني عليكم في الخطأ. وعن الربيع قال: ما لا نبغي به وجه الله يضمحل. وعن الشعبي قال: كان الربيع بن خثيم أشد أصحاب عبد الله ورعاً.

(5/116)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 117
4 (حرف الزاي)

4 (زيد بن أرقم)
ابن زيد بن قيس بن النعمان، أبو عمرو، ويقال: أبو عامر، ويقال: أبو

(5/117)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 118
سعيد، ويقال أبو أنيسة،) الأنصاري الخزرجي، نزيل الكوفة. قال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن صدقك يا زيد، وكان قد نقل إليه أن ابن أبي قال في غزوة تبوك: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فتوقف النبي صلى الله عليه وسلم في نفله، فنزلت الآية بتصديقه. وقال زيد: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع عشرة غزوة. ولزيد رواية كثيرة، روى عنه: عبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبو عمرو الشيباني واسمه سعيد بن إياس وطاوس، وعطاء، ويزيد بن حيان التيمي، وأبو إسحاق السبيعي، وطائفة. قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر، عن بعض قومه، عن زيد بن أرقم قال: كنت يتيماً في حجر عبد الله بن رواحة، فخرج بي معه إلى مؤتة مردفي على حقيبة رحله. وعن عروة قال: رد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد نفراً استصغرهم، منهم ابن عمر، وأسامة، والبراء، وزيد بن ثابت، وزيد بن أرقم، وجعلهم حرساً للذراري والنساء بالمدينة. وروى يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن زيد قال: رمدت، فعادني

(5/118)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 119
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا زيد إن كانت عينك عميت لما بها كيف تصنع قلت: أصبر وأحتسب، قال: إن فعلت دخلت الجنة. وروي نحوه بإسناد آخر. وفي مسند أبي يعلى من طريق أنيسة بنت زيد بن أرقم، أن أباها عمي بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رد الله عليه بصره. وقال أبو المنهال: سألت البراء عن الصرف، فقال: سل زيد بن أرقم، فإنه خير مني، وأعلم. قال خليفة، والمدائني: توفي سنة ست وستين، وقال الواقدي وغيره: توفي سنة ثمان وستين.
4 (زيد بن خالد الجهني صحابي مشهور.)

(5/119)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 120
قال خليفة: توفي سنة ثمان وستين. سيعاد.

(5/120)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 121
4 (حرف السين)

4 (السائب بن الأقرع بن جابر بن سفيان الثقفي.)
ذكر البخاري أن له صحبة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه، وولاه عمر قسمة الغنائم يوم نهاوند، واستخلفه عبد الله بن بديل على أصبهان، وله ذرية بأصبهان، وهو ابن عم) عثمان بن أبي العاص، الثقفي. روى عنه: أبو عون الثقفي، وأبو إسحاق السبيعي، وغيرهما.
4 (سعيد بن مالك بن بحدل الكلبي،)
أخو حسان المذكور. ولي إمرة الجزيرة وقنسرين ليزيد بن معاوية، وإليه ينسب دير ابن بحدل

(5/121)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 122
من إقليم بيت المال، وكان شريفاً مطاعاً في قومه.
4 (سليمان بن صرد بن الجون الخزاعي،)
أبو مطرف الكوفي. له صحبة ورواية، من صغار الصحابة. وروى أيضاً عن: أبي بن كعب، وجبير بن مطعم. وروى عنه: يحيى بن يعمر، وعدي بن ثابت، وأبو إسحاق السبيعي، وجماعة. وكان صالحاً ديناً، من أشراف قومه، خرج في جماعة تابوا إلى الله من خذلانهم الحسين وطلبوا بدمه، كما تقدم في سنة خمس وستين، فقتل إلى

(5/122)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 123
رحمة الله هو وعامة جموعه، وسموا جيش التوابين، وهو الذي قتل حوشباً ذا ظليم يوم صفين. قال ابن عبد البر، وقال: كان ممن كاتب الحسين يسأله القدوم إلى الكوفة ليبايعوه، فلما عجز عن نصره ندم. قيل عاش ثلاثاً وتسعين سنة.
4 (سواد بن قارب الأزدي،)
ويقال: السدوسي. وفد على النبي صلى الله عليه من نواحي البلقاء. قال ابن أبي حاتم: له صحبة روى عنه: أبو جعفر محمد بن علي، وسعد بن جبير، سمعت أبي يقول ذلك. قلت: وروى ابن عساكر حديث إسلامه، وقصته مع رئيه من الجن من طريق: سعيد بن جبير، عنه، وأرسله أبو جعفر، وإسناد الحديث ضعيف. وقال ابن عبد البر: كان يتكهن ويقول الشعر، ثم أسلم، وقد داعبه عمر يوماً فقال: ما فعلت كهانتك يا سواد فغضب وقال: ما كنا عليه من جاهليتنا وكفرنا شر من الكهانة، فاستحيا عمر، ثم سأله عن حديثه في بدء الإسلام، وما أتاه به رئيه من ظهور النبي صلى الله عليه وسلم.

(5/123)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 124
4 (حرف الشين)
)
4 (شداد بن أوس رضي الله عنه، قد مر.)
وقيل توفي سنة أربع وستين.
4 (شرحبيل بن ذي الكلاع الحميري)
من كبار أمراء الشام. قتل مع ابن زياد.
4 (شقيق بن ثور أبو الفضل السدوسي)
البصري، رئيس بكر بن وائل في الإسلام، وكان حامل رايتهم يوم الجمل، وشهد صفين مع علي. روى عن: أبيه، وعن عثمان، وعلي.

(5/124)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 125
روى عنه: خلاد بن عبد الرحمن الصنعاني، وأبو وائل. وله وفادة على معاوية، وقتل أبوه بتستر مع أبي موسى الأشعري. وقال غسان بن مضر، عن سعيد بن يزيد، إن شقيق بن ثور حين حضرته الوفاة قال: ليته لم يكن سيد قومه، كم من باطل قد حققناه وحق قد أبطلناه. توفي سنة خمس ظناً.
4 (شمر بن ذي الجوشن)
الضبابي الذي احتز رأس الحسين على الأشهر، كان من أمراء عبيد الله بن زياد، وقع به أصحاب المختار فبيتوه، فقاتل حتى قتل. قال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أبو بشر هارون الكوفي، ثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق قال: كان شمر بن ذي الجوشن يصلي معنا الفجر، ثم يقعد حتى يصبح، ثم يصلي فيقول: اللهم إنك شريف تحب الشرف، وأنت تعلم أني شريف، فاغفر لي، فقلت: كيف يغفر الله لك، وقد خرجت إلى ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعنت على قتله قال: ويحك، فكيف

(5/125)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 126
نصنع، إن أمراءنا هؤلاء أمرونا بأمر، فلم نخالفهم، ولو خالفناهم كنا شراً من هذه الحمر. قلت: ولأبيه صحبة، اسمه شرحبيل، ويقال: أوس، ويقال عثمان العامري الضبابي، وكنيته أعني شمر: أبو السابغة. وقال الواقدي: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق قال: رأيت قاتل الحسين شمر بن ذي الجوشن، ما رأيت بالكوفة أحداً عليه طيلسان غيره.) وذكر الحافظ ابن عساكر أنه قدم على يزيد مع آل الحسين رضي الله عنه.

(5/126)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 127
4 (حرف الصاد)

4 (صلة بن أشيم)
أبو الصهباء العدوي البصري، العابد من سادة التابعين. يروى له عن ابن عباس حديث واحد. روى عنه: الحسن البصري، ومعاذة العدوية وهي زوجته، وثابت البناني، وحميد بن هلال، وغيرهم حكايات. روى ابن المبارك في الزهد عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يكون في أمتي رجل يقال له صلة، يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا. حديث منقطع كما ترى.

(5/127)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 128
جعفر بن سليمان، عن يزيد الرشك، عن معاذة قالت: كان أبو الصهباء يصلي حتى ما يستطيع أن يأتي فراشه إلا زحفاً. وقالت معاذة: كان أصحاب صلة إذا التقوا عانق بعضهم بعضاً. وقال ثابت: جاء رجل إلى صلة بن أشيم ينعي أخاه فقال له: أدن فكل، فقد نعي إلي أخي منذ حين، قال الله تعالى: إنك ميت، وإنهم ميتون. وقال حماد بن سلمة، أنبأ ثابت أن صلة كان في الغزو، وعه ابن له، فقال: أي بني تقدم فقاتل حتى أحتسبك، فحمل فقاتل حتى قتل، ثم تقدم هو فقتل، فاجتمع النساء عند امرأته معاذة العدوية، فقالت: إن كنتن جئتن لتهنئتي فمرحباً بكن، وإن كنتن جئتن لغير ذلك فارجعن. وفي الزهد لابن المبارك، عن جرير بن حازم، عن حميد بن هلال، عن صلة بن أشيم قال: خرجنا في بعض قرى نهر تيرى وأنا على دابتي في زمن فيوض الماء، فأنا أسير على مسناة فسرت يوماً لا أجد شيئاً آكله فلقيني علج يحمل على عاتقه شيئاً، فقلت: ضعه، فوضعه، فإذا هو خبز، فقلت: أطعمني، قال: إن شئت، ولكن فيه شحم خنزير، فتركته، ثم لقيت آخر يحمل طعاماً فقلت: أطعمني، فقال: تزودت بهذا لكذا وكذا من يوم، فإن أخذت منه شيئاً أجعتني، فتركته ومضيت، فوالله إني لأسير

(5/128)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 129
إذ سمعت خلفي وجبة كوجبة الطير فالتفت، فإذا هو شيء ملفوف في سب أبيض أي خمار فنزلت إليه، فإذا هو دوخلة من رطب في زمان ليس في) الأرض رطبة، فأكلت منه، ثم لففت ما بقي، وركبت الفرس وحملت معي نواهن. قال جرير: فحدثني أوفى بن دلهم قال: رأيت ذلك السب مع امرأته ملفوفاً فيه مصحف، ثم فقد بعد. قلت: هذا حديث صحيح، روى نحوه عوف الأعرابي، عن أبي السليل، عن نضلة. وقال ابن المبارك: ثنا المسلم بن سعيد الواسطي، أنا حماد بن جعفر بن زيد، أن أباه أخبره، قال: خرجنا في غزاة إلى كابل، وفي الجيش صلة بن أشيم، فنزل الناس عند العتمة، فقلت: لأرمقن عمله، فصلى، ثم اضطجع، فالتمس غفلة الناس، ثم وثب فدخل غيضة، فدخلت في أثره، فتوضأ ثم قام يصلي فافتتح الصلاة، وجاء أسد حتى دنا منه فصعدت في شجرة قال: أفتراه التفت إليه أو اعتد به حتى سجد فقلت: الآن يفترسه فلا شيء، فجلس، ثم سلم، فقال: أيها السبع، اطلب رزقك من مكان آخر، فولى وإن له لزئيراً، أقول: تصدع منه الجبال، فما زال كذلك، حتى إذا كان عند الصبح جلس فحمد الله بمحامد لم أسمع بمثلها، إلا ما شاء الله، ثم قال: اللهم إني أسألك أن تجيرني من النار أو مثلي يجترئ أن يسألك الجنة، ثم رجع، فأصبح كأنه بات على الحشايا، وقد أصبحت وبي من

(5/129)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 130
الفترة شيء الله به عليم. روى نحوها أبو النعيم في الحلية بإسناد له، إلى مالك بن مغول. وروى ابن المبارك، عن السري بن يحيى، حدثني العلاء بن هلال الباهلي أن رجلاً قال لصلة: يا أبا الصهباء، إني رأيت أني أعطيت شهادة، وأعطيت شهادتين، فقال: تستشهد، وأستشهد أنا وابني، فلما كان يوم يزيد بن زياد لقيهم الترك بسجستان، فكان أول جيش انهزم من المسلمين، فقال صلة: يا بني ارجع إلى أمك، فقال: يا أبت تريد الخير لنفسك وتأمرني بالرجوع ارجع أنت، قال: وأما إذا قلت هذا فتقدم فتقدم فقاتل حتى أصيب، فرمى صلة عن جسده، وكان رجلاً رامياً، حتى تفرقوا عنه، وأقبل حتى أقام عليه فدعا له، ثم قاتل حتى قتل. قلت: وذلك سنة اثنتين وستين.

(5/130)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 131
4 (حرف الضاد)

4 (الضحاك بن قيس)
القرشي الفهري، أخو فاطمة بنت قيس رضي الله عنها وعنه، وكانت

(5/131)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 132
أكبر منه بعشر سنين، له صحبة إن شاء الله ورواية، يكنى أبا أمية، ويقال: أبا أنيس، ويقال: أبا عبد الرحمن، ويقال: أبا) سعيد. وروى أيضاً عن: حبيب بن مسلمة. روى عنه: معاوية وهو أكبر منه، والشعبي، ومحمد بن سويد الفهري، وسعيد بن جبير، وسماك بن حرب، وعمير بن سعد، وأبو إسحاق السبيعي. وشهد فتح دمشق وسكنها، وكان على عسكر أهل الشام يوم صفين. وقال حجاج الأعور، عن ابن جريج، حدثني، محمد بن طلحة، عن معاوية بن أبي سفيان أنه قال: وهو على المنبر: حدثني الضحاك بن قيس وهو عدل على نفسه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال وال من قريش على الناس. وفي مسند أحمد: ثنا حماد، أنا علي بن زيد، عن الحسن، أن الضحاك بن قيس كتب إلى قيس بن الهيثم حين مات يزيد: سلام عليك، أما بعد. فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الدخان، يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه. وإن يزيد بن معاوية قد مات، وأنتم إخواننا وأشقاؤنا، فلا تسبقونا بشيء حتى نختار لأنفسنا. وقال الزبير بن بكار: كان الضحاك بن قيس مع معاوية، فولاه الكوفة، قال: وهو الذي صلى على معاوية وقام بخلافته حتى قدم يزيد، وكان يعني بعد موت يزيد قد دعا إلى ابن الزبير وبايع له، ثم دعا لنفسه، وفي بيت

(5/132)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 133
أخته اجتمع أهل الشورى، وكانت نبيلة، وهي راوية حديث الجساسة. وقال الواقدي: ولد الضحاك قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين. وقال غيره: بل سمع منه. وذكر مسلم بن الحجاج أنه شهد بدراً، فغلط. وقال خليفة: مات زياد بن أبيه سنة ثلاث وخمسين بالكوفة، فولاها معاوية الضحاك بن قيس، ثم عزله منها، واستعمله على دمشق، واستعمل على الكوفة عبد الرحمن بن أم الحكم، وبقي الضحاك على دمشق حتى هلك يزيد. وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن الضحاك خطب بالكوفة قاعداً فقام كعب بن عجرة فقال: لم أر كاليوم قط، إمام قوم مسلمين يخطب قاعداً. وكان الضحاك أحد الأجواد، كان عليه برد قيمته ثلاثمائة دينار، فأتاه رجل لا يعرفه فساومه) به، فأعطاه إياه وقال: شح بالرجل أن يبيع عطافه، فخذه فالبسه. وقال الليث بن سعد: أظهر الضحاك بيعة ابن الزبير بدمشق ودعا له، فسار عامة بني أمية وحشمهم وأصحابهم حتى لحقوا بالأردن، وسار مروان وبنو بحدل إلى الضحاك. وقال ابن سعد: أنا المدائني، عن خالد بن يزيد بن بشر، عن أبيه، وعن مسلمة بن محارب، عن حرب بن خالد، وغير واحد: أن معاوية بن يزيد لما مات دعا النعمان بن بشير بحمص إلى ابن الزبير، ودعا زفر بن الحارث

(5/133)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 134
أمير قنسرين إلى ابن الزبير، ودعا الضحاك بدمشق إلى ابن الزبير سراً لمكان بني أمية وبني كليب، وبلغ حسان بن مالك بن بحدل وهو بفلسطين، وكان هواه في خالد بن يزيد، فكتب إلى الضحاك كتاباً يعظم فيه حق بني أمية ويذم ابن الزبير، وقال للرسول إن قرأ الكتاب، وإلا فاقرأه أنت على الناس، وكتب إلى بني أمية يعلمهم، فلم يقرأ الضحاك كتابه، فكان في ذلك اختلاف، فسكنهم خالد بن يزيد، ودخل الضحاك الدار، فمكثوا أياماً، ثم خرج الضحاك فصلى بالناس، وذكر يزيد فشتمه، فقام إليه رجل من كلب فضربه بعصاً، فاقتتل الناس بالسيوف، ودخل الضحاك داره، وافترق الناس ثلاث فرق، فرقة زبيرية، وفرقة بحدلية هواهم في بني أمية، وفرقة لا يبالون، وأرادوا أن يبايعوا الوليد بن عقبة بن أبي سفيان، فأبى وهلك تلك الليالي، فأرسل الضحاك إلى مروان، فأتاه هو وعمرو بن سعيد الأشدق، وخالد، وعبد الله ابنا يزيد، فاعتذر إليهم وقال: اكتبوا إلى حسان حتى ينزل الجابية ونسير إليه، ونستخلف أحدكم، فكتبوا إلى حسان، فأتى الجابية، وخرج الضحاك وبنوا أمية يريدون الجابية، فلما استقلت الرايات موجهة قال معن بن ثور ومن معه من أشراف قيس للضحاك: دعوتنا إلى بيعة رجل أحزم الناس رأياً وفضلاً وبأساً، فلما أجبناك خرجت إلى هذا الأعرابي تبايع لابن أخيه قال: فما العمل قالوا: تصرف الرايات، وتنزل فتظهر البيعة لابن الزبير، ففعل وتبعه الناس، وبلغ ابن الزبير، فكتب الضحاك بإمرة الشام، ونفي من بمكة والمدينة من الأمويين، فكتب الضحاك إلى الأمراء الذين دعوا إلى ابن الزبير فأتوه، فلما رأى مروان ذلك سار يريد ابن الزبير ليبايع له ويأخذ الأمان لبني أمية، فلقيهم بأذرعات عبيد الله بن زياد مقبلاً من العراق، فحدثوه، فقال لمروان: سبحان الله: أرضيت لنفسك بهذا، أتبايع لأبي خبيب وأنت سيد قريش وشيخ بني عبد مناف واله لأنت أولى بها منه، قال: فما ترى قال:

(5/134)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 135
الرأي أن ترجع وتدعوا إلى نفسك، وأنا أكفيك قريشاً ومواليها، فرجع ونزل عبيد الله بباب) الفراديس، فكان يركب إلى الضحاك كل يوم، فعرض له رجل فطعنه بحربة في ظهره، وعليه من تحت الدرع، فانثنت الحربة، فرجه عبيد الله إلى منزله، فأتاه الضحاك يعتذر، وأتاه بالرجل فعفا عنه، وعاد يركب إلى الضحاك، فقال له يوماً: يا أبا أنيس، العجب لك، وأنت شيخ قريش، تدعوا لابن الزبير وأنت أرضى عند الناس منه، لأنك لم تزل متمسكاً بالطاعة، وابن الزبير مشاق مفارق للجماعة فأصغى إليه ودعا إلى نفسه ثلاثة أيام، فقالوا: قد أخذت عهودنا وبيعتنا لرجل، ثم تدعوا إلى خلعه من غير حدث أحدث وامتنعوا عليه، فعاد إلى الدعاء لابن الزبير، فأفسده ذلك عند الناس، فقال عبيد الله بن زياد: من أراد ما تريد لم ينزل المدائن والحصون، بل يبرز ويجمع إليه الخيل فاخرج عن دمشق وضم إليك الأجناد، فخرج ونزل المرج، وبقي ابن زياد بدمشق، وكان مروان وبنو أمية بتدمر، وتزوج بأم خالد ابن يزيد بن معاوية، وهي بنت هاشم بن عتبة بن ربيعة، واجتمع خلق على بيعة مروان، وخرج أبن زياد فنزل بطرف المرج، وسار إليه مروان في خمسة آلاف، وأقبل من حوارين عباد بن زياد في ألفين من موليه، وكان بدمشق يزيد بن أبي النمس فأخرج عامل الضحاك منها، وأمر مروان بسلاح ورجال، فقدم إلى الضحاك زفر بن الحارث الكلابي من قنسرين، وأمده النعمان بن بشير بشرحبيل بن ذي الكلاع في أهل حمص، فصار الضحاك في ثلاثين ألفاً، ومروان في ثلاثة عشر ألفاً أكثرهم من رجاله ولم يكن في عسكر مروان غير ثمانين عتيقاً نصفها لعباد بن زياد، فأقاموا بالمرج عشرين يوماً يلتقون في كل يوم، وكان على ميمنة مروان عبيد الله بن زياد، وعلى

(5/135)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 136
ميسرته عمرو بن سعيد الأشدق، فقال عبيد الله: إنا لا ننال من الضحاك إلا بمكيدة، فادع إلى الموادعة، فإذا أمنوا فكر عليهم، فراسله مروان، فأمسك الضحاك والقيسية عن القتال، وهم يطمعون أن مروان يبايع لابن الزبير، فأعد مروان أصحابه وشد على الضحاك، ففزع قومه إلى راياتهم، ونادى الناس: يا أبا أنيس أعجزاً بعد كيس فقال الضحاك: نعم أنا أبو أنيس عجز لعمري بعد كيس، والتحم الحرب، وصبر الضحاك، فترجل مروان وقال: قبح الله من يوليهمم اليوم ظهره حتى يكون الأمر لإحدى الطائفتين، فقتل الضحاك، وصبرت قيس على رايتها يقاتلون عندها، فاعترضها رجل بسيفه، فكان إذا سقطت الراية تفرق أهلها، ثم انهزموا، فنادى منادي مروان لا تتبعوا مولياً. قال الواقدي: قتلت قيس بمرج راهط مقتلة لم يقتل منها قط، وذلك في نصف ذي الحجة سنة) أربع وستين. وقال المدائني، عن خالد بن يزيد بن بشر الكلبي قال: حدثني من شهد مقتل الضحاك قال: مر بنا زحنة بن عبد الله الكلبي، لا يطعن أحداً إلا صرعه، إذ حمل على رجل فطعنه فصرعه، فأتيته فإذا هو الضحاك، فاحتززت رأسه فأتيت به مروان، فكره قتله، وقال: الآن حين كبرت سني واقترب أجلي، أقبلت بالكتائب أضرب بعضها ببعض، وأمر لي بجائزة.

(5/136)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 137
4 (حرف العين)

4 (عاصم بن عمرو بن الخطاب)
أبو عمر العدوي. ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. وروى عن أبيه. روى عنه: ابناه حفص، وعبيد الله، وعروة بن الزبير.

(5/137)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 138
قال أبو حاتم: لا يروى عنه إلا حديث واحد. وأمه هي جميلة بنت ثابت بن أبي الأقلح الأنصارية التي كان اسمها عاصية، فغير النبي صلى الله عليه وسلم اسمها، وتزوجت بعمد عمر يزيد بن جارية الأنصاري، فولدت له عبد الرحمن. وكان عاصم طويلاً جسيماً، يقال إن ذراعه كان ذراعاً ونحواً من شبر، وكان خيراً فاضلاً ديناً شاعراً مفوهاً فصيحاً، وهو جد الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز لأمه. ولقد رثاه أخوه عبد الله رضي الله عنه فقال:
(فليت المنايا كن خلفن عاصماً .......... فعشنا جميعاً أو ذهبن بنا معا)
وقيل: كنيته أبو عمرو، توفي سنة سبعين.
4 (عامر بن عبد قيس)
التميمي العنبري البصري الزاهد، أبو عبد الله، ويقال: أبو عمرو، عابد زمانه.

(5/138)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 139
روى عن: عمر، وسلمان الفارسي. وعنه: الحسن، وابن سيرين، وأبو عبد الرحمن الحبلي وغيرهم. قال أحمد العجلي: كان ثقة من كبار التابعين. وقال أبو عبيد في القراءات: كان عامر بن عبد الله الذي يعرف بابن عبد قيس يقرئ الناس. ثنا عباد، عن يونس، عن الحسن، أن عامراً كان يقول: من أقرئ فيأتيه ناس، فيقرئهم القرآن،) ثم يقوم يصلي إلى الظهر، ثم يصلي إلى العصر، ثم يقرئ الناس إلى المغرب، ثم يصلي ما بين العشاءين، ثم ينصرف إلى منزله فيأكل رغيفاً وينام نومة خفيفة، ثم يقوم لصلاته، ثم يتسحر رغيفاً. وقال بلال بن سعد: إن عامر بن عبد قيس وشي به إلى زياد، وقيل: إلى ابن عامر، فقالوا له: ها هنا رجل قيل له: ما إبراهيم عليه السلام خيراً منك، فسكت وقد ترك النساء، قال فكتب فيه إلى عثمان، فكتب إليه، أن انفه إلى الشام على قتب، فلما جاءه الكتاب أرسل إلى عامر فقال: أنت قيل لك: ما إبراهيم خيراً منك، فسكت فقال: أما والله ما سكوتي إلا تعجباً لوددت أني غبار قدميه، فيدخل بي الجنة، قال: ولم تركت النساء قال: والله ما تركتهن إلا أني قد علمت أنها متى تكون امرأة فعسى أن يكون

(5/139)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 140
ولد، ومتى يكون ولد تشعبت الدنيا قلبي، فأحببت التخلي من ذلك، فأجلاه على قتب إلى الشام، فلما قدم أنزله معاوية معه الخضراء، وبعث إليه، بجارية، وأمرها أن تعلمه ما حاله، فكان يخرج من السحر، فلا تراه إلا بعد العتمة، فيبعث إليه معاوية بطعام، فلا يعرض له، ويجيء معه بكسر فيبلها ويأكل منها، ثم يقوم إلى أن يسمع النداء فيخرج، ولا تراه إلا مثلها، فكتب معاوية إلى عثمان يذكر حاله، فكتب إليه عثمان: أن اجعله أول داخل وآخر خارج، ومر له بعشرة من الدقيق وعشرة من الظهر، فأحضره وقال: إن أمير المؤمنين أمر لك بكذا، قال: إن علي شيطاناً قد غلبني، فكيف أجمع على عشرة. وكانت له بغلة فروى بلال بن سعد عمن رآه بأرض الروم يركبها عقبة، ويحمل المهاجر عقبة. قال بلال بن سعد: وكان إذا فصل غازياً يتوسم يعني من يرافقه فإذا رأى رفقة تعجبه اشترط عليهم أن يخدمهم، وأن يؤذن، وأن ينفق عليهم طاقته. رواه ابن المبارك بطوله في الزهد. وقال همام، عن قتادة قال: كان عامر يسأل ربه أن ينزع شهوة النساء من قلبه، فكان لا يبالي إذا لقي ذكراً أو أنثى، وسأل ربه أن يمنع قلبه من الشيطان وهو في الصلاة فلم يقدر عليه، ويقال: إن ذلك ذهب عنه. وعن أبي الحسين المجاشعي قال: قيل لعامر بن عبد قيس. أتحدث نفسك في الصلاة قال: نعم، أحدث نفسي بالوقوف بين يدي الله تعالى ومنصرفي.

(5/140)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 141
قال جعفر بن سليمان، عن مالك بن دينار قال: لما رأى كعب الأحبار عامراً بالشام قال: من) ذا قالوا: عامر بن عبد قيس، فقال كعب: هذا راهب هذه الأمة. وروى جعفر بن سليمان، عن أبي عمران الجوني قال: قيل لعامر بن عبد قيس: إنك تبيت خارجاً، أما تخاف الأسد قال: إني لأستحي من ربي أن أخاف شيئاً دونه. وروي مثله عن قتادة. حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة: لقي رجل عامر بن عبد قيس فقال: ما هذا، ألم يقل الله وجعلنا لهم أزواجاً وذرية يعني: وأنت لا تتزوج، فقال: أفلم يقل الله تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون. وقال ابن أبي الدنيا: ثنا محمد بن يحيى الأزدي، ثنا جعفر بن أبي جعفر الرازي، عن أبي جعفر السائح، أنبأ أبو وهب وغيره أن عامر بن عبد قيس كان من أفضل العابدين، ففرض على نفسه كل يوم ألف ركعة، يقوم عند طلوع الشمس، فلا يزال قائماً إلى العصر، ثم ينصرف وقد انتفخت ساقاه فيقول: يا نفس إنما خلقت للعبادة، يا أمارة بالسوء، فوالله لأعملن بك عملاً يأخذ الفراش منك نصيباً. وهبط وادياً يقال له وادي السباع، وفيه عابد حبشي، فانفرد يصلي في ناحية والعابد في ناحية، أربعين يوماً لا يجتمعان إلا في صلاة الفريضة. وقال محمد بن واسع، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير: إن عامراً كان

(5/141)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 142
يأخذ عطاءه، فيجعله في طرف ثوبه، فلا يلقاه أحد من المساكين إلا أعطاه، فإذا دخل بيته رمى به إليهم، فيعدونها فيجدونها سواء كما أعطيها. وقال جعفر بن برقان: ثنا ميمون بن مهران أن عامر بن عبد قيس بعث إليه أمير البصرة: مالك لا تزوج النساء قال: ما تركتهن، وإني لدائب في الخطيئة، قال: ومالك لا تأكل الجبن قال: أنا بأرض فيها مجوس، فما شهد شاهدان من المسلمين أن ليس فيه ميتة أكلته، قال: وما يمنعك أن تأتي الأمراء قال: إن لدى أبوابكم طلاب الحاجات، فادعوهم واقضوا حوائجهم، ودعوا من لا حاجة له إليكم. وقال مالك بن دينار: حدثني فلان أن عامراً مر في الرحبة وإذا ذمي، يظلم، فألقى رداءه ثم قال: لا أرى ذمة الله تخفر وأنا حي، فاستنقذه. ويروى أن سبب إرساله إلى الشام كونه أنكر وخلص هذا الذمي، فقال جعفر بن سليمان: ثنا) الجريري قال: لما سير عامر بن عبد الله يعني ابن عبد قيس شيعه إخوانه، وكان بظهر المربد، فقال: إني داع فأمنوا، قال: اللهم من وشى بي وكذب علي وأخرجني من مصري وفرق بيني وبين إخوتي، فأكثر ماله وولده، وأصح جسمه، وأطل عمره. وقال الحسن البصري: بعث بعامر بن عبد قيس إلى الشام، فقال: الحمد لله الذي حشرني راكباً. وقال هشام عن قتادة: إن عامر بن عبد قيس لما احتضر جعل يبكي، فقيل: ما يبكيك قال: والله ما أبكي جزعاً من الموت، ولا حرصاً على الدنيا، ولكن أبكي على ظمأ الهواجر وقيام الليل.

(5/142)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 143
روى ضمرة، عن عثمان بن عطاء الخراساني، عن أبيه أن قبر عامر بن عبد قيس ببيت المقدس. وقيل: إنه توفي في زمان معاوية.
4 (عامر بن مسعود أبو سعد،)
وقيل: أبو سعيد الزرقي الأنماري، مختلف في صحبته. روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عائشة. وعنه: يونس بن ميسرة بن حلبس ومكحول. وقيل: إنه كان زوج أسماء بنت يزيد بن السكن، سكن دمشق.
4 (عائد بن عمرو بن هلال أبو هبيرة المزني،)
له صحبة ورواية، شهد بيعة الحديبية ونزل البصرة.

(5/143)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 144
روى عنه: الحسن، ومعاوية بن قرة، وأبو جمرة الضبعي، وأبو شمر الضبعي، وأبو عمران الجوني. وكان من فضلاء الصحابة وصالحيهم، وأوصى أن يصلي عليه أبو برزة الأسلمي. وقد دخل على عبيد الله بن زياد فوعظه، وقال: إن الدعاء الحطمة.
4 (عبد الله بن حنظلة)
ابن أبي عامر عبد عمرو بن صيفي بن النعمان، أبو عبد الرحمن، ويقل: أبو بكر ابن الغسيل غسيل الملائكة يوم أحد، ويعرف أبو عامر بالراهب، الأنصاري الأوسي المدني. أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه، وروى عنه، وهو من صغار الصحابة.

(5/144)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 145
روى عنه: عبد الله بن يزيد الخطمي، وابن أبي ملكية، وضمضم بن جوس، وأسماء بنت زيد) بن الخطاب، وله رواية عن عمر، وكعب الأحبار، وكان رأس أهل المدينة يوم الحرة. قال الحسن بن سوار: ثنا عكرمة بن عمار، عن ضمضم بن جوس عن عبد الله بن حنظلة بن الراهب قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت على ناقة. تفرد به الحسن، وقد وثقه أحمد وغيره. وقال إبراهيم بن المنذر: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وله سبع سنين، وأصيب يوم الحرة، وأمه جميلة بنت عبد الله بن أبي بن سلول، ولدته بعد مقتل أبيه.
4 (عبد الله بن خثيمة الأنصاري السالمي)
الخزرجي. قال ابن سعد: شهد أحداً وبقي إلى دهر يزيد بن معاوية.
4 (عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري)
النجاري المازني

(5/145)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 146
المدني، أخو حبيب الذي قتله مسيلمة الكذاب، وعم عباد بن تميم، وهو الذي حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم. وله ولأبيه صحبة، وقيل: إنه الذي قتل مسيلمة مع وحشي، واشتركا في قتله، وأخذ بثأر أخيه. روى عنه: ابن أخيه عباد، وسعيد بن المسيب، وواسع بن حبان وغيرهم. واستشهد يوم الحرة.
4 (عبد الله بن السائب المخزومي)
بن أبي السائب صيفي بن عابد

(5/146)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 147
المخزومي العابدي، أبو السائب ويقال: أبو عبد الرحمن، المكي، قارئ أهل مكة. له صحبة ورواية، وكان أبو السائب شريك النبي صلى الله عليه وسلم قبل المبعث، وأسلم السائب يوم الفتح، وجاء أن عبد الله أم الناس بمكة في رمضان زمن عمر. وقال ابن جريج: عن ابن أبي ملكية قال: رأيت ابن عباس لما فرغوا من قبر عبد الله بن السائب، وقام الناس عنه، قام ابن عباس فوقف على قبره فدعا له وانصرف. روى عنه: ابن أبي ملكية، وعطاء، ومجاهد، وسبطه محمد بن عباد بن جعفر، وآخرون. قرأ على أبي بن كعب. وقرأ عليه: مجاهد، وغيره، وآخر من روى عنه القرآن عبد الله بن كثير. توفي بعد السبعين، وهو من صغار الصحابة. وقيل غير ذلك. المخزومي عبد الله بن سخبرة أبو معمر الأزدي) الكوفي، تابعي مشهور، ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(5/147)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 148
وروى عن: علي، وعبد الله بن مسعود، والمقداد بن الأسود، وخباب ابن الأرت. روى عنه: إبراهيم، ومجاهد، وعمارة بن العمير التيمي، وغيرهم. وثقه ابن معين.
4 (عبد الله بن عباس)
ابن عبد المطلب بن هاشم، الحبر أبو العباس، ابن عم

(5/148)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 149
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو الخلفاء.

(5/149)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 150
ولد في شعب بني هاشم قبل الهجرة بثلاث سنين، وذكر ابن عباس أنه يوم حجة الوداع كان قد ناهز الاحتلام. وروى البخاري في صحيحه عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين، وقد قرأت المحكم، فتحقق هذا. وصحب النبي صلى الله عليه وسلم، ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحكمة مرتين.

(5/150)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 151
وقال ابن مسعود: نعم ترجمان العرب القرآن ابن عباس. روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وأبي، وأبيه العباس، وأبي ذر، وأبي سفيان بن حرب، وطائفة من الصحابة. روى عنه: أنس، وغيره من الصحابة، وابنه علي، ومواليه الخمسة: كريب، وعكرمة، ومقسم، وأبو معبد نافذ، ودفيف، ومجاهد، وطاوس، وعطاء، وعروة، وسعيد بن جبير، والقاسم، وأبو الشعثاء، وأبو العالية، والشعبي، وأبو رجاء العطاردي، وعطاء بن يسار، وعلي بن الحسين، وأبو صالح السمان، وأبو صالح باذام، ومحمد بن سيرين، والحسن البصري، وأخوه سعيد، وابن أبي مليكة، ومحمد بن كعب القرظي، وميمون بن مهران، والضحاك، وشهر بن حوشب، وعبيد الله بن أبي يزيد، وإسماعيل السدي، وبكر بن عبد الله المزني، وخلق سواهم. وقال أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: جمعت المحكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبض وأنا ابن عشر حجج، قلت: وما المحكم قال: المفصل. خالفه أبو إسحاق السبيعي: فروى عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن خمس عشرة سنة، وأنا ختين.) وقال الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس قال: أقبلت راكباً على أتان، وأنا قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى.

(5/151)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 152
قال الواقدي: لا خلاف بين أهل العلم عندنا أنه ولد في الشعب. وقد ذكر أحمد بن حنبل حديث أبي بشر المذكور فقال: هذا عندي حديث أبي إسحاق يوافق حديث الزهري. وقال الزبير بن بكار: توفي النبي صلى الله عليه وسلم وله ثلاث عشرة سنة. وقال ابن يونس: غزا ابن عباس إفريقية مع عبد الله بن سعد، وروى عنه من أهل مصر خمسة عشر نفساً. وقال ابن منده: ولد قبل الهجرة بسنتين، قال: وكان أبيض طويلاً مشرباً صفرة، جسيماً، وسيماً، صبيحاً، له وفرة، يخضب بالحناء. وقال ابن جريج: قال لنا عطاء: ما رأيت القمر ليلة أربع عشرة إلا ذكرت وجه ابن عباس. وقال إبراهيم بن الحكم بن أبان، عن أبيه، عن عكرمة، أن ابن عباس كان إذا مر في الطريق قالت النساء على الحيطان: أمر المسك أم مر ابن عباس. وقال عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: بت في بيت خالتي ميمونة، فوضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلاً، فقال: من وضع هذا قالوا: عبد الله، فقال: اللهم علمه التأويل وفقهه في الدين. وقال ورقاء: ثنا عبيد الله بن أبي يزيد، عن ابن عباس، قال: وضعت

(5/152)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 153
لرسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءاً فقال: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل. وروى أبو مالك عبد الملك بن الحسين النخعي، عن أبي إسحاق، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: رأيت جبريل مرتين، ودعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحكمة مرتين. أحمد بن منصور زاج: ثنا سعدان المروزي، ثنا عبد المؤمن بن خالد الحنفي، عن عبد الله بن بريدة، عن ابن عباس قال: أرسلني أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلب الأدام، وعنده جبريل، فقال: هو ابن عباس، قال: بلى، قال: فاستوص به خيراً فإنه حبر أمتك، أو قال: حبر من الأحبار. هذا حديث منكر، وعبد المؤمن ثقة، رواه أيضاً محمد بن الحكم المروزي، عن رجل، عنه.) قلت: جاء من غير وجه أنه رأى جبريل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صورة دحية الكلبي، فروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لن يموت عبد الله حتى يذهب بصره، فكان كذلك. وقال جرير بن حازم، عن يعلى بن حكيم، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار: هلم نسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم اليوم كثير، فقال: يا عجباً لك يا ابن عباس، أترى الناس يحتاجون إليك، وفي الناس من أصحاب رسول الله من ترى فترك الرجل وأقبلت على المسألة، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل، فآتيه وهو قائل فأتوسد ردائي على بابه، فتسفس الريح على التراب فيخرج فيراني، فيقول:

(5/153)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 154
يا ابن عم الرسول، ألا أرسلت إلى فآتيك فأقول: أنا أحق أن آتيك فأسألك، قال: فعاش الرجل رآني وقد اجتمع الناس علي، فقال: هذا الفتى أعقل مني. وقال عبد الملك بن أبي سليمان، عن سعيد بن جبير قال: كان ناس من المهاجرين قد وجدوا على عمر رضي الله عنه في إدنائه ابن عباس دونهم، قال: وكان يسأله، فقال عمر: أما إني سأريكم اليوم منه ما تعرفون فضله به، فسألهم عن هذه السورة إذا جاء نصر الله والفتح فقال بعضهم: أمر الله نبيه إذا رأى الناس يدخلون في دين الله أفواجاً أن يحمده ويستغفره، فقال: تكلم يا ابن عباس، فقال ابن عباس: أعلمه متى يموت. قال: إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فهي آيتك من الموت فسبح بحمد ربك. وقال أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان عمر يأذن لي مع أهل بدر. وقال المعافى بن عمران، عن يزيد بن إبراهيم، عن سليمان الأحول، عن طاوس، عن ابن عباس قال: إن كنت لأسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم. وقال أبو بكر الهذلي، عن الحسن قال: كان ابن عباس من الإسلام

(5/154)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 155
بمنزل، وكان من القرآن بمنزل، وكان يقوم على منبرنا هذا، فيقرأ البقرة وآل عمران، فيفسرها آية آية، وكان عمر إذا ذكره قال: ذلكم فتى الكهول، له لسان سؤول، وقلب عقول. وقال عكرمة، عن ابن عباس قال: كل القرآن أعلمه إلا الرقيم، وغسلين، وحناناً. وعن سعيد بن جبير قال: قال عمر لابن عباس: لقد علمت علماً ما علمناه. سنده صحيح.) وعن يعقوب بن زيد قال: كان عمر ستشير ابن عباس في الأمر يهمه ويقول: غواص. وعن سعيد بن جبير، قال عمر: لا يلومني أحد على حب ابن عباس. وعن الشعبي، قال ابن عباس: قال لي أبي: يا بني إن عمر يدنيك، فاحفظ عني ثلاثاً: لا تفشين له سراً، ولا تغتابن عنده أحداً، ولا يجربن عليك كذباً. وقال عكرمة: حرق علي ناساً ارتدوا، فبلغ ذلك ابن عباس، فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم بالنار، إن رسول اله صلى الله عليه وسلم قال: لا تعذبوا بعذاب الله ولقتلتهم، لقوله عليه السلام: من بدل دينه فاقتلوه، فبلغ ذلك علياً فقال: ويح ابن أم الفضل، إنه لغواص على الهنات.

(5/155)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 156
وعن سعد بن أبي وقاص قال: ما رأيت أحداً أحضر فهماً، ولا ألب لباً، ولا أكثر علماً، ولا أوسع حلماً من ابن عباس، ولقد رأيت عمر يدعوه للمعضلات، فلا يجاوز قوله، وإن حوله لأهل بدر. وعن طلحة بن عبيد الله قال: لقد أعطي ابن عباس فهماً لقناً وعلماً، وما كنت أرى عمر يقدم عليه أحداً. هذا والذي قبله من رواية الواقدي. وقال الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن عبد الله قال: لو أدرك ابن عباس أسناننا ما عشره منا أحد. وفي لفظ: ما عاشره منا أحد، وكذا قال جعفر بن عون، وغيره، والأول أصح. وقال الأعمش، عن إبراهيم قال: قال عبد الله: لو أن هذا الغلام أدرك ما أدركنا، ما تعلقنا نعه بشيء. قال الأعمش: وسمعتهم يتحدثون أن عبد الله قال: ولنعم الترجمان القرآن ابن عباس. وقال الواقدي: ثنا مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن بسر بن سعيد، عن

(5/156)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 157
محمد بن أبي بن كعب: سمعت أبي يقول، وكان عنده ابن عباس، فقام فقال: هذا يكون حبر هذه الأمة، أرى عقلاً وفهماً، وقد دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفقهه في الدين. وقال الواقدي: ثنا أبو بكر ابن أبي سبرة، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة قال: سمعت معاوية يقول: مولاك والله أفقه من مات ومن عاش. وعن عائشة قالت: ابن عباس أعل من بقي بالحج.) وقال مجاهد: ما رأيت أحداً قط مثل ابن عباس، لقد مات يوم مات، وإنه لحبر هذه الأمة، كان يسمى البحر لكثرة علمه. وعن عبيد الله بن عبد الله قال: كان ابن عباس قد فات الناس بخصال: بعلم ما سبق إليه، وفقه فيما احتيج إليه، وحلم نسب ونائل، وما رأيت أحداً أعلم بما سبقه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا بقضاء أبي بكر، وعمر، وعثمان، منه، ولا أعلم بما مضى، ولا أثقب رأياً فيما احتيج إليه منه، ولقد كنا نحضر عنده، فيحدثنا العشية كلها في المغازي، والعشية كلها في النسب، والعشية كلها في الشعر. رواه ابن أسعد، عن الواقدي، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عنه. وعن مسروق قال: كنت إذا رأيت ابن عباس قلت: أجمل الناس، وإذا نطق قلت: أفصح الناس، وإذا تحدث قلت: أعلم الناس. وقال القاسم بن محمد: ما رأيت في مجلس ابن عباس باطلاً قط.

(5/157)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 158
وقال صالح بن رستم، عن ابن أبي ملكية قال: صحبت ابن عباس من مكة إلى المدينة، فكان يصلي ركعتين، فإذا نزل قام شطر الليل، ويرتل القرآن حرفاً حرفاً، ويكثر في ذلك من النشيج والنحيب. وقال معمر بن سليمان، عن سعيد بن درهم، عن أبي رجاء قال: رأيت ابن عباس وأسفل من عينيه مثل الشراك البالي من البكاء. وجاء عنه أنه كان يصوم الاثنين والخميس. وقد ولي البصرة لعلي، وشهد معه صفين، فكان على ميسرته، وقد وفد على معاوية فأكرمه وأجازه، وجاء أنه كان يلبس حلة بألف درهم. أبو جناب الكلبي، عن شيخ، أن ابن عباس شهد الجمل مع علي. وقال مجالد، عن الشعبي: أقام علي بعد الجمل خمسين ليلة، ثم أقبل إلى الكوفة، واستخلف ابن عباس على البصرة، ولما قتل علي حمل ابن عباس مبلغاً من المال ولحق بالحجاز، واستخلف على البصرة. عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن رشدين بن كريب، عن أبيه قال: رأين ابن عباس يعتم بعمامة سوداء خرقانية، ويرخيها شبراً.) محمد بن أبي يحيى، عن عكرمة: كان ابن عباس إذا اتزر أرخى مقدم إزاره، حتى تقع حاشيته على ظهر قدمه. ابن جريج: أنبأ الحسن بن مسلم، عن سعيد بن جبير، أن ابن عباس كان ينهى عن كتاب العلم، وأنه قال: إنها أضل من كان قبلكم الكتب. حفص بن عمر بن أبي العطاف وهو واه، عن أبي الزناد، عن الأعرج: أن ابن عباس قال: قيدوا العلم بالكتب.

(5/158)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 159
نافع بن عمر، ثنا عمرو بن دينار، أنهم كلموا ابن عباس أن يحج بهم وعثمان محصور فدخل عليه فأخبره، فأمره أن يحج بالناس، فحج بهم، فلما قدم وجد عثمان قد قتل، فقال لعلي: إن أنت قمت بهذا الأمر الآن ألزمك الناس دم عثمان إلى يوم القيامة. معتمر بن سليمان، وغيره، عن سليمان التيمي، عن الحسن قال: أول من عرف بالبصرة ابن عباس، كان مثجاً، كثير العلم، قال: فقرأ سورة البقرة، ففسرها آية أية. ابن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد قال: كان ابن عباس إذا سئل عن الأمر، فإن كان في القرآن أو السنة أخبر به، وإلا اجتهد رأيه. حماد بن زيد، عن علي بن زيد، عن سعيد بن جبير، ويوسف بن مهران قالا: ما نحصي ما سمعنا ابن عباس يسأل عن الشيء من القرآن، فيقول: هو كذا، أما سمعت الشاعر يقول: كذا وكذا. أبو أمية بن يعلى، عن سعيد بن أبي سعيد: كنت عند ابن عباس، فقيل له: كيف صومك قال أصوم الاثنين والخميس. مالك بن دينار، عن عكرمة: كان ابن عباس يلبس الخز، ويكره المصمت منه. أبو عوانة، عن أبي الجويرية: رأيت إزار ابن عباس إلى أنصاف ساقيه.

(5/159)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 160
شريك، عن أبي إسحاق: رأيت ابن عباس طويل الشعر أيام منى، أظنه قصر، ورأيت في إزاره بعض الإسبال. ابن جريج، عن عطاء: رأيت ابن عباس يصفر، يعني لحيته. يونس بن يزيد قال: استعمل عثمان على الحج وهو مصحور ابن عباس، فلما صدر عن الموسم إلى المدينة، بلغه وهو ببعض الطريق قتل عثمان، فجزع من ذلك وقال: يا ليتني لا أصل حتى يأتيني قاتله فيقتلني، فلما قدم على علي خرج معه إلى البصرة، يعني في وقعة) الجمل، ولما سار الحسين إلى الكوفة قال ابن عباس لابن الزبير، وقد لقيه بمكة: خلا لك والله إلى الكوفة بيت ابن الزبير الحجاز، فقال: والله ما ترون إلا أنكم أحق بهذا الأمر من سائر الناس، وتكالما حتى علت أصواتهما، حتى سكنهما رجال من قريش، وكان ابن عباس وابن الحنيفة قد نزلا بمكة في أيام فتنة ابن الزبير، فطلب منهما أبن يبايعاه، فامتنعا وقالا: أنت وشأنك لا نعرض لك ولا لغيرك. وعن عطية العوفي أن ابن الزبير ألح عليهما في البيعة وقال: والله لتبايعن أو لأحرقنكم بالنار، فبعثا أبا الطفيل عامر بن واثلة إلى شيعتهم بالكوفة، فانتدب أربعة آلاف، وساروا فلبسوا السلاح حتى دخلوا مكة، وكبروا تكبيرة سمعها الناس، وانطلق ابن الزبير من المسجد هارباً، ويقال: تعلق بالأستار، وقال: أنا عائذ الله، قال بعضهم: فمثلنا إلى ابن عباس وابن الحنفية، وقد عمل حول دورهم الحطب ليحرقها، فخرجنا بهم حتى نزلنا بهم الطائف. قلت: فأقام ابن عباس بالطائف سنة أو سنتين لم يبايع أحداً. وقال ابن الحنيفة لما دفن ابن عباس: اليوم مات رباني هذه الأمة. رواه مسلم بن أبي حفصة، عن أبي كلثوم، عنه.

(5/160)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 161
وقال أبو الزبير المكي: لما مات ابن عباس جاء طائر أبيض فدخل في أكفانه. وروى عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير نحوه، وزاد: فما رؤي بعد. توفي سنة ثمان وستين. قاله غير واحد، وله نيف وسبعون سنة. روى الواقدي أن ابن عباس عاش إحدى وسبعين سنة، وقيل: اثنتين وسبعين سنة. وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن شعيب بن يسار قال: لما أدرج ابن عباس كفنه دخل فيه طائر أبيض، فما رؤي حتى الساعة. عفان: ثنا حماد بن سلمة، أنا يعلى بن عطاء، عن بجير بن أبي عبيد، أن ابن عباس مات بالطائف، فلما أخرج بنعشه، جاء طائر عظيم أبيض من قبل وج حتى خالط أكفانه، فلم يدر أين يذهب، رضي الله عنه.
4 (عبد الله بن عمرو بن العاص)
ابن وائل بن هاشم، أبو محمد، ويقال: أبو عبد الرحمن، القرشي

(5/161)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 162
السهمي من نجباء الصحابة، وعلمائهم.) كتب عن النبي صلى الله عليه وسلم الكثير، وروى أيضاً عن: أبيه، وأبي بكر، وعمر. روى عنه: حفيده شعيب بن محمد بن عبد الله، وسعيد بن المسيب وعروة، وطاوس، وأبو سلمة ومجاهد، وعكرمة، وجبير بن نفير، وعطاء،

(5/162)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 163
وابن أبي مليكة، وأبو عبد الرحمن الحبلي، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وحميد بن عبد الرحمن، وسالم بن أبي الجعد، ووهب بن منبه، وخلق سواهم. وأسلم قبل أبيه، ولم يكن أصغر من أبيه إلا باثنتي عشرة سنة، وقيل: بإحدى عشرة سنة. وكان واسع العلم، مجتهداً في العبادة، عاقلاً يلوم أباه على القيام مع معاوية بأدب وتؤدة. قال قتادة: كان رجلاً سميناً. وقال علي بن زيد بن جدعان، عن العريان بن الهيثم قال: وفدت مع أبي إلى يزيد، فجاء رجل طوال، أحمر، عظيم البطن، فقلت: من ذا قيل: عبد الله بن عمرو. وقال ابن أبي مليكة: قال طلحة بن عبيد الله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نعم أهل البيت: عبد الله، وأبو عبد الله، وأم عبد الله. وروي نحوه من حديث ابن لهيعة، عن مشرح، عن عقبة بن عامر. وقال ابن جريج: سمعت ابن أبي مليكة يحدث، عن يحيى بن حكيم بن صفوان، عن عبد الله بن عمرو قال: جمعت القرآن فقرأته كله في ليلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إقرأه في شهر، قلت: يا رسول الله دعني أستمتع من قوتي وشبابي، فأبى.

(5/163)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 164
وقال أحمد في مسنده: ثنا قتيبة، ثنا ابن لهيعة، عن واهب بن عبد الله المعافري، عن عبد الله بن عمرو قال: رأيت كأن في أحد إصبعي سمناً، وفي الأخرى عسلاً، وأنا ألعقهما، فلما أصبحت ذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: تقرأ الكتابين: التوراة والفرقان، فكان يقرأهما. وعن شفي، عن عبد الله قال: حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف مثل. وقال أبو قبيل: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب ما يقول. وقال ابن إسحاق وغيره: عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قلت: يا رسول الله أكتب ما أسمع منك في الرضا والغضب قال: نعم، فإني لا أقول إلا حقاً.) وقال أبو هريرة: لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر حديثاً مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب، وكنت لا أكتب. وقال إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله، عن مجاهد قال: دخلت على عبد الله بن عمرو، فتناولت صحيفة تحت رأسه، فتمنع علي، فقلت: تمنعني شيئاً من كتبك فقال: إن هذه الصحيفة الصادقة التي سمعتها من

(5/164)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 165
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس بيني وبينه أحد، فإذا سلم لي كتاب الله، وسلمت لي هذه الصحيفة والوهط، لم أبال ما ضيعت الدنيا. الوهط: بستانه بالطائف. وقال عياش بن عباس، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو قال: لأن أكون عاشر عشرة مساكين يوم القيامة، أحب إلي من أن أكون عاشر عشرة أغنياء، فإن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة، إلا من قال هكذا وهكذا، يقول: يتصدق يميناً وشمالاً. وقال شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن أبيه قال: كنت أصنع الكحل لعبد الله بن عمرو، وكان يطفئ السراج ثم يبكي، حتى رسعت عيناه. وعن عبد الله بن عمرو قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم بيتي فقال: ألم أخبر أنك تكفلت قيام الليل وصيام النهار قلت: إني لأفعل. قال: إن من حسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام، وذكر الحديث. وقال خليفة: كان عبد الله على ميمنة معاوية بصفين، وقد ولاه معاوية

(5/165)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 166
الكوفة، ثم عزله بالمغيرة بن شعبة. وقال أحمد في مسنده: ثنا يزيد بن هارون، ثنا العوام، حدثني أسود بن مسعود، عن حنظلة بن خويلد قال: بينا أنا عند معاوية، إذ جاءه رجلان يختصمان في رأس عمار، كل واحد يقول: أنا قتلته، فقال عبد الله بن عمرو: ليطب أحدكما به نفساً لصاحبه، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقتله الفئة الباغية فقال معاوية: يا عمرو ألا ترد عنا مجنونك، فما بالك معنا قال: إن أبي شكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي أطع أباك ما دام حياً، فأنا معكم، ولست أقاتل. وقال ابن أبي مليكة: قال ابن عمرو: مالي ولصفين، مالي ولقتال المسلمين، لوددت أني مت قبلها بعشرين سنة، أما والله على ذلك ما ضربت بسيف، ولا رميت بسهم، وذكر أنه كانت) الراية بيده. وقال قتادة، عن عبد الله بن بريدة، عن سليمان بن الربيع قال: انطلقت في رهط من نساك أهل البصرة إلى مكة، فقلنا: لو نظرنا رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحدثنا، فدللنا على عبد الله بن عمرو، فأتينا منزله، فإذا قريب من ثلاثمائة راحلة، فقلنا: على كل هؤلاء حج عبد الله قالوا: نعم، هو ومواليه وأحباؤه، فانطلقنا إلى البيت، فإذا رجل أبيض الرأس واللحية، بين بردين قطريين، عليه عمامة، ليس عليه قميص. رواه حسين المعلم، عن ابن بريدة فقال، عن سليمان بن ربيعة الغنوي. قال غير واحد: إنه توفي سنة خمس وستين، وتوفي بمصر على الصحيح. ==

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المستدرك للحاكم فيه8803 كل احاديثه كلها صحيح ما عدا 160.حديث بعد تعقب الذهبي فضعف100 حديث وابن الجوزي60. حديث يصبح كل الصحيح في المستدرك 8743.حديثا

تعريف المستدركات وبيان كم حال أحاديث  مستدرك الحاكم النيسابوري إذ كل الضعيف 160 .حديثا وقد احصاها الذهبي فقال 100 حديث وذكر ابن الجوزي ...