88

تعريف المستدركات وبيان كم حال أحاديث  مستدرك الحاكم النيسابوري إذ كل الضعيف160.حديثا وقد احصاها الذهبي فقال 100 حديث وذكر ابن الجوزي في الضعفاء له 60 حديثا أُخر فيكون  كل الضعيف في كل المستدرك 160 حديثا من مجموع 8803=الباقي الصحيح =8743.فهذه قيمة رائعة لمستدرك الحاكم

روابط مصاحف م الكاب الاسلامي

روابط مصاحف م الكاب الاسلامي
 

السبت، 20 أغسطس 2022

مجلد5.و6.تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام. محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي.

 

5. تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام. شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي.

تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 167
وقيل: مات بالطائف. وقيل: مات بمكة. وقيل: مات بالشام.
4 (عبد الله بن مسعدة الفزاري)
ويقال: ابن مسعود، ويدعى صاحب الجيوش، لأنه كان أميراً على غزو الروم. قال الطبراني: له صحبة. وقال الحافظ ابن عساكر: له رؤية، ونزل دمشق وبعثه يزيد مقدماً على جند دمشق في جملة مسلم بن عقبة إلى الحرة، ثم بايع مروان بالجابية. وقال عبد الرزاق: ثنا ابن جريج، عن عثمان بن أبي سليمان، عن ابن مسعدة أن النبي صلى الله عليه وسلم سها في صلاة، وذكر الحديث. وقيل: إن ابن مسعدة من سبي فزارة، وهبه النبي صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة، فأعتقته. وقال عباد بن عبد الله بن الزبير: كان ابن مسعدة شديداً في قتال ابن الزبير، فجرحه مصعب بن عبد الرحمن بن عوف، فما عاد للحرب حتى انصرفوا.
4 (عبد الله بن يزيد)
ابن زيد بن حصن الأنصاري الأوسي الخطمي، أبو موسى، شهد

(5/167)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 168
الحديبية وله سبع عشرة سنة. وروى أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن حذيفة، وزيد بن ثابت. روى عنه: ابن بنته عدي بن ثابت، والشعبي ومحارب بن دثار، وأبو إسحاق السبيعي، وآخرون. وكان من نبلاء الصحابة، كان الشعبي كاتبه وشهد أبوه يزيد أحداً، ومات قبل الفتح، وشهد أبو) موسى مع علي صفين والنهروان، وولي إمرة الكوفة لابن الزبير، فاستكتب الشعبي، وذلك في سنة خمس وستين، ثم صرف بعبد الله بن مطيع. مسعر، عن ثابت بن عبيد قال: رأيت على عبد الله بن يزيد خاتماً من ذهب، وطيلساناً مدبجاً. الواقدي: ثنا جحاف بن عبد الرحمن، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، أن الفيل لما برك على أبي عبيد يوم الجسر فقتله، هرب الناس، فسبقهم عبد الله بن يزيد الخطمي فقطع الجسر وقال: قاتلوا عن أميركم، ثم قدم عبد الله بن يزيد فأسرع السير، وأخبر عمر خبرهم.

(5/168)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 169
4 (عبد الله بن أبي أحمد)
ابن جحش بن رباب الأسدي، اسم أبيه عبد. أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وحدث عن: أبيه، وعلي، وكعب الأحبار، وغيرهم. روى عنه: سعيد بن عبد الرحمن، وحسين بن السائب، وعبد الله بن الأشج. ووفد على معاوية، وكان سمحاً جواداً، وكان أبوه من المهاجرين. قال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن الحسن، عن إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز، عن أبيه قال: قال عبد الله بن أبي أحمد: قدمت من عند معاوية بثلاثمائة ألف دينار، فأقمت سنة، وحاسبت قوامي فوجدتني قد أنفقت مائة ألف دينار، ليس بيدي منها إلا رقيق وغنم وقصور، ففزعت من ذلك، فلقيت كعب الأحبار، فذكرت ذلك له، فقال: أين أنت من النخل. قلت: هذا حديث منكر، ويقوي وهنه أنه يقول فيه: فلقيت كعباً، وكعب قد مات في خلافة عثمان، قبل أيام معاوية بسنين.
4 (عبد الرحمن بن أزهر الزهري)
ابن عم عبد الرحمن بن عوف.

(5/169)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 170
وله صحبة ورواية، وشهد حنيناً. روى عنه: ابناه عبد الرحمن، وعبد الحميد، وطلحة بن عبد الله بن عوف، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، ومحمد بن إبراهيم التيمي. وأمه من بني عبد مناف، وهو مقل من الرواية، له أربعة أحاديث.
4 (عبد الرحمن بن الأسود)
ابن عبد يغوث بن وهب، أبو محمد القرشي الزهري المدني.) روى عن: أبي بكر، وعمر، وأبي بن كعب. روى عنه: عبيد الله بن عدي بن الخيار، ومروان بن الحكم وهما من طبقته وأبو سلمة بن عبد الرحمن. وكان من أشراف قريش. قيل: إنه شهد فتح دمشق، وأنه ممن عين في حكومة الحكمين، فقالوا: ليس له ولا لأبيه هجرة، وكان ذا منزلة من عائشة، وأبوه ممن نزل فيه إنا كفيناك المستهزئين. قال أحمد العجلي: هو ثقة من كبار التابعين. وقال أبو صالح كاتب الليث: ثنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبيه

(5/170)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 171
قال: لما حصر عثمان، اطلع من فوق داره، فذكر لهم أنه يستعمل عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث على العراق، فبلغ ذلك عبد الرحمن، فقال: والله لركعتين أركعهما أحب إلي من إمرة العراق.
4 (عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة)
بن عمرو، وأبو يحيى اللخمي، رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عن: أبي عبيدة بن الجراح، وعمر، وعثمان، ووالده. روى عنه: ابنه يحيى، وعروة بن الزبير. وكان فقيهاً ثقة. ذكره ابن سعد وغيره. توفي سنة ثمان وستين.
4 (عبد الرحمن بن حسان)
ابن ثابت بن المنذر بن حرام، أبو محمد، ويقال: أبو سعد الأنصاري

(5/171)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 172
الخزرجي المدني، الشاعر المشهور، ابن شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقال: إنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وله رواية عن أبيه. وأمه شيرين القبطية أخت مارية سرية النبي صلى الله عليه وسلم وأم إبراهيم. حكى محمد بن كثير، عن الأوزاعي، أن معاوية قال له ابنه يزيد: ألا ترى عبد الرحمن بن حسان يشبب بابنتك فقال: وما يقول قال: يقول:
(هي زهراء مثل لؤلؤة الغ .......... واص ميزت من جوهر مكنون)
فقال: صدق، قال: فإنه يقول:
(فإذا ما نسبتها لم تجدها .......... في سناء من المكارم دون)
) قال: صدق، قال: فإنه يقول:
(ثم خاصرتها إلى القبة الخض .......... راء أمشي في مرمر مسنون)
وفيه يقول بعضهم:
(فمن للقوافي بعد حسان وابنه .......... ومن للمثاني بعد زيد بن ثابت)

(5/172)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 173
4 (عبد الرحمن بن الحكم)
ابن أبي العاص بن أمية، أبو حرب، ويقال: أبو الحارث الأموي، أخو مروان. شاعر محسن، شهد يوم الدار مع عثمان رضي الله عنه. ومن شعره:
(وأكرم ما تكون علي نفسي .......... إذا ما قل في الكربات مالي)

(فتحسن سيرتي ويصون عرضي .......... ويجمل عند أهل الرأي حالي)
وقد عاش إلى يوم مرج راهط، فقال ابن الأعرابي قال عبد الرحمن بن الحكم:
(لحا الله قيساً قيس عيلان إنها .......... أضاعت فروج المسلمين وولت)

(أترجع كلب قد حمتها رماحها .......... وتترك قتلى راهط ما أحنت)

(5/173)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 174
(فشاول بقيس في الطعان ولا تكن .......... أخاها إذا ما المشرفية سلت)

(ألا إنما قيس بن عيلان قلة .......... إذا شربت هذا العصير تغنت)

4 (عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب)
كابن نفيل بن عبد العزى العدوي. أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وحدث عن: أبيه، وعمه عمر بن الخطاب. روى عنه: ابنه عبد الحميد، وسالم بن عبد الله، وحسين بن الحارث، وأبو جناب الكلبي. وولي إمرة مكة ليزيد. قال الزبير: كان عبد الرحمن فيما زعموا من أطول الرجال وأتمهم، وكان شبيهاً بأبيه، وكان عمر إذا نظر إليه قال:
(أخوكم غير أشيب قد أتاكم .......... بحمد الله عاد له الشباب)
وزوجه عمر بابنته فاطمة، فولدت له عبد الله. وقال ابن سعد: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وله ست سنين، وجده أبو لبابة بن عبد) المنذر. وتوفي أيام عبد الله بن الزبير.

(5/174)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 175
وقال غيره: ولاه يزيد مكة سنة ثلاث وستين.
4 (عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني،)
صحابي، له أحاديث، وقد سكن حمص وتاجر. روى عنه: خالد بن معدان، والقاسم أبو عبد الرحمن، وربيعة بن يزيد القصير. وبعضهم يقول: هو تابعي.
4 (عبيد الله بن زياد)
ابن عبيد الله المعروف أبوه بزياد بن أبيه عند الناس، وعند بني أمية بزياد

(5/175)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 176
ابن أبي سفيان، فقد ذكرنا أن زياداً استلحقه معاوية وجعله أخاه، ولى أبو حفص عبيد الله إمرة الكوفة لمعاوية، ثم ليزيد، ثم ولاه إمرة العراق. وقد روى عن: سعد بن أبي وقاص، وغيره. قال الفضل بن دكين: ذكروا أن عبيد الله بن زياد كان له وقت قتل الحسين ثمان وعشرون سنة. وقال ابن معين: هو ابن مرجانة وهي أمة. وعن معاوية أنه كتب إلى زياد: أن أوفد علي ابنك عبيد الله، ففعل، فما سأله معاوية عن شيء إلا أنفذه له، حتى سأله عن الشعر، فلم يعرف منه شيئاً، فقال: ما منعك من رواية الشعر قال: كرهت أن أجمع كلام الله وكلام الشيطان في صدري، فقال: أغرب، والله لقد وضعت رجلي في الركاب يوم صفين مراراً، ما يمنعني من الهزيمة إلا أبيات ابن الإطنابة، حيث يقول:

(5/176)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 177
(أبت لي عفتي وأبى بلائي .......... وأخذي الحمد بالثمن الربيح)

(وإعطائي على الإعدام مالي .......... وإقدامي على البطل المشيح)

(وقولي كلما جشأت وجاشت .......... مكانك تحمدي أو تستريحي)
وكتب إلى أبيه فرواه الشعر، فأسقط عليه منه بعد شيء. قال أبو رجاء العطاردي: ولى معاوية عبيد الله البصرة سنة خمس وخمسين، فلما ولي يزيد الخلافة ضم إليه الكوفة. وقال خليفة: وفي سنة ثلاث وخمسين ولى معاوية عبيد الله بن زياد خراسان، وفي سنة أربع) غزا عبيد الله خراسان وقطع النهر إلى بخارى على

(5/177)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 178
الإبل، فكان أول عربي قطع النهر، فافتتح رامين ونسف وبيكند من عمل بخارى. وقال أبو عتاب: ما رأيت رجلاً أحسن وجهاً من عبيد الله بن زياد. ونقل الخطابي أن أم عبيد الله يعني مرجانة كانت بنت بعض ملوك فارس. قال أبو وائل: دخلت على ابن زياد بالبصرة، فإذا بين يديه تل من ورق، ثلاثة آلاف ألف من خراج أصبهان، فقال: ما ظنك برجل يموت ويدع مثل هذا فقلت: فكيف إذا كان غلول قال: ذاك شر على شر. وروى السري بن يحيى، عن الحسن البصري قال: قدم علينا عبيد الله، أمره علينا معاوية، غلاماً، سفيهاً، يسفك الدماء سفكاً شديداً، فدخل عليه عبد الله المزني فقال: إنته عما أراك تصنع، فإن شر الرعاء الحطمة، قال: ما أنت وذاك، إنما أنت من حثالة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فقال له: وهل كان فيهم حثالة، لا أم لك، بل كانوا أهل بيوتات وشرف، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من إمام ولا وال بات ليلة غاشاً لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة. ثم خرج من عنده، فأتى المسجد، فجلست إليه، ونحن نعرف في وجهه ما قد لقي منه، فقلت له: يغفر الله لك أبا زياد، ما كنت تصنع بكلام هذا السفيه على رؤوس الناس فقال: إنه كان عندي علم خفي من علم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحببت أن لا أموت حتى أقول به علانية، ولوددت أن داره وسعت أهل المصر، حتى سمعوا مقالتي ومقالته، قال: فما لبث الشيخ أن مرض، فأتاه الأمير عبيد الله يعوده، قال: أتعهد إلينا شيئاً نفعل فيه الذي تحب قال: أسألك أن لا تصلي علي، ولا تقوم على قبري.

(5/178)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 179
قال الحسن: وكان عبيد الله رجلاً جباناً فركب، فإذا الناس في السكك، ففزع وقال: ما هؤلاء قالوا: مات عبد الله بن مغفل، فوقف حتى مر بسريره، فقال: أما إنه لو كان سألنا شيئاً فأعطيناه إياه لسرنا معه. له إسناد آخر، وإنما الصحيح كما أخرجه مسلم أن الذي دخل عليه وكلمه عائذ بن عمرو المزني، ولعلهما واقعتان، فقال جرير بن حازم: ثنا الحسن، أن عائذ بن عمرو دخل على ابن زياد فقال: أي بني، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: شر الرعاء الحطمة، فإياك أن تكون منهم، فقال: إجلس، فإنما أنت من نخالة أصحاب رسول الله، فقال: هل هؤلاء) كان لهم نخالة إنما كانت النخالة بعدهم. المحاربي: ثنا ابن إسحاق، عن طلحة بن عبيد الله بن كريز، عن الحسن قال: كان عبد الله بن مغفل أحد الذين بعثهم عمر إلى البصرة ليفقهوهم، فدخل عليه عبيد الله بن زياد يعوده، فقال: إعهد إلينا أبا زياد، فإن الله قد كان ينفعنا بك، قال: هل أنت فاعل ما آمرك به قال: نعم، قال: إذا مت لا تصل علي، وذكر بقية الحديث. وقد ذكرنا مقتل عبيد الله في سنة سبع وستين يوم عاشوراء. كذا ورخه أبو اليقظان. وروى يزيد بن أبي زياد، عن أبي الطفيا قال: عزلنا سبعة رؤوس وغطيناها، منها رأس حصين بن نمير، وعبيد الله بن زياد، فجئت فكشفتها، فإذا حية في رأس عبيد الله تأكله. روى الترمذي نحوه، وصححه من حديث الأعمش، عن عمارة بن عمير قال: جيء برأس عبيد الله بن زياد وأصحابه، فأتيت وهم يقولون: جاءت، فإذا حية قد جاءت تخلل الرؤوس حتى دخلت في منخري عبيد الله، فمكثت هنيهة، ثم خرجت، فذهبت حتى تغيبت ثم قالوا: قد جاءت قد

(5/179)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 180
جاءت، ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثاً.
4 (عبد المطلب بن ربيعة)
بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. له صحبة وحديث رواه عنه عبد الله بن الحارث بن نوفل، وروى عن علي حديثاً. توفي بدمشق، وداره بزقاق الهاشميين، وكان شاباً في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، بعثه أبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليوليه عماله، والحديث في مسلم. وفي المسند والترمذي قال مصعب الزبيري: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم

(5/180)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 181
أبا سفيان ابن الحارث أن يزوج بنته عبد المطلب بن ربيعة، ففعل وسكن الشام في أيام عمر. وقال خليفة: توفي عبد المطلب في دولة يزيد. وقال الطبراني: توفي سنة إحدى وستين.
4 (عبيد الله بن علي بن أبي طالب الهاشمي،)
وأمه ليلى بنت مسعود بن خالد التميمي، أخت نعيم بن مسعود. قدم على مصعب بن الزبير، فوصله بمائة ألق درهم، ثم قتل معه في محاربة المختار سنة سبع وستين.)
4 (عدي بن حاتم)
ابن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امريء القيس بن عدي، أبو

(5/181)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 182
طريف الطائي، ويكنى أبا واهب، ولد حاتم الجود. وفد على النبي صلى الله عليه وسلم في شعبان سنة سبع، فأكرمه النبي صلى الله عليه وسلم، وكان سيد قومه. له عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عمر.

(5/182)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 183
روى عنه: الشعبي، ومحل بن خليفة الطائي، وسعيد بن جبير، وخيثمة بن عبد الرحمن، وعبد الله بن مغفل المزني، وتميم بن طرفة، وهمام بن الحارث، ومصعب بن سعد، وأبو إسحاق السبيعي، وآخرون. قدم الشام مع خالد من العراق، ثم وجهه خالد بالأخماس إلى أبي بكر، وسكن الكوفة مرة، ثم قرقيسياء. وقال أيوب السختياني، عن ابن سيرين، عن أبي عبيدة بن حذيفة قال: كنت أسأل الناس عن حديث عدي بن حاتم، وهو إلى جنبي لا آتيه، فأتيته فسألته، فقال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث بعث فكرهته أشد ما كرهت شيئاً قط، حتى كنت في أقصى أرض مما يلي الروم، فكرهت مكاني ذلك، فقلت: لو أتيت هذا الرجل، فإن كان كاذباً لم يخف علي، وإن كان صادقاً اتبعته فأقبلت، فلما قدمت المدينة استشرفني الناس، وقالوا: جاء عدي بن حاتم، جاء عدي بن حاتم، فأتيته، فقال لي: يا عدي، أسلم تسلم، قلت: بلى. قال: ألست ركوسياً تأكل المرباع قلت: بلى، قال: فإن ذلك لا يحل لك في دينك. فتضعضعت لذلك، ثم قال: يا عدي أسلم تسلم، فأظن مما يمنعك أن تسلم خصاصة تراها بمن حولي، وأنك ترى الناس علينا إلباً واحداً، هل أتيت الحيرة قلت: لم آتها وقد علمت مكانها، قال: توشك الظعينة أن ترتحل من الحيرة بغير جوار حتى تطوف بالبيت، ولتفتحن علينا كنوز كسرى بن هرمز، قلت: كسرى بن هرمز قال: كسرى بن هرمز مرتين أو ثلاثاً، وليفيضن المال حتى يهم الرجل من يقبل منه ماله صدقة. قال عدي: فلقد رأيت اثنتين، وأحلف بالله لتجيئن الثالثة، يعني فيض المال.

(5/183)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 184
وقال قيس بن أبي حازم، وغير، إن عدي بن حاتم جاء إلى عمر فقال: أما تعرفني قال:) أعرفك، آمنت إذا كفروا، ووفيت إذا غدروا، وأقبلت إذا أدبروا. رواه جماعة عن الشعبي، وكان قد أتى عمر يسأله من المال. وقال الواقدي: حدثني أسامة بن زيد، عن نافع مولى بن أسيد، عن نائل مولى عثمان قال: جاء عدي بن حاتم إلى باب عثمان وأنا عليه، فمنعته، فلما خرج عثمان إلى الظهر عرض له، فلما رآه عثمان رحب به وانبسط له، فقال عدي: انتهيت إلى بابك وقد عم إذنك الناس، فحجبني هذا، فالتفت عثمان إلي فانتهرني وقال: لا تحجبه واجعله أول من يدخل، فلعمري إنا لنعرف حقه وفضله ورأي الخليفتين فيه وفي قومه، فقد جاءنا بالصدقة يسوقها، والبلاد كأنها شعل النار، من أهل الردة، فحمده المسلمون على ما رأوا منه. وقال ابن عيينة: حدثت عن الشعبي، عن عدي قال: ما دخل وقت صلاة حتى أشتاق إليها. وعن عدي قال: ما أقيمت الصلاة منذ أسلمت إلا وأنا على وضوء. وقال أبو عبيدة: كان عدي بن حاتم على طيء يوم صفين مع علي رضي الله عنه. وقال سعيد بن عبد الرحمن، عن ابن سيرين قال: لما قتل عثمان قال عدي بن حاتم: لا تنتطح فيها عنزان، ففقئت عينه يوم صفين، فقيل له:

(5/184)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 185
أليس قلت: لا تنتطح فيها عنزان فقال: بلى، وتفقأ عيون كثيرة. وروي أن ابنه قتل يومئذ. وقال أبو إسحاق: رأيت عدياً رجلاً جسيماً أعور، فرأيته يسجد على جدار ارتفاعه من الأرض ذراع أو نحو ذراع. وقال أبو حاتم السجستاني: قالوا: وعاش عدي بن حاتم مائة وثمانين سنة، فلما أسن استأذن قومه في وطاء يجلس فيه في ناديهم، وقال: أكره أن يظن أحدكم أني أرى أن لي فضلاً، ولكني قد كبرت ورق عظمي. وروى جرير بن عبد الحميد، عن مغيرة قال: خرج عدي بن حاتم، وجرير بن عبد الله البجلي، وحنظلة الكاتب، من الكوفة، فنزلوا قرقيسياء وقالوا: لا نقيم ببلد يشتم فيه عثمان. قال أبو عبيد: توفي عدي سنة ست وستين. وقال ابن سعد: توفي سنة ثمان وستين. وقال هشام بن الكلبي: توفي سنة سبع وستين، وله مائة وعشرون سنة.)
4 (عروة بن الجعد ويقال ابن أبي الجعد،)
البارقي

(5/185)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 186
الأسدي وبارق جبل نزله قومه. له صحبة ورواية وثلاثة أحاديث. استعمله عمر على قضاء الكوفة مع عثمان بن ربيعة قبل شريح. قاله الشعبي. وروى عنه: الشعبي، ولمازة بن زبار، والعيزار بن حريث، وشبيب بن غرقدة، وأبو إسحاق السبيعي، وغيرهم. وقد أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ديناراً ليشتري له أضحية، فاشترى له شاتين، فباع إحداهما بدينار، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم بشاة ودينار، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم، فكان لو اشترى التراب ربح فيه. وقال شبيب بن غرقدة: رأيت في دار عروة يعني البارقي سبعين فرساً مربوطة. قال ابن سعد: كان عروة مرابطاً، وله أفراس، فيها فرس أخذه بعشرين ألف درهم.
4 (عطية القرظي)
له صحبة ورواية قليلة.

(5/186)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 187
روى عنه: مجاهد، وكثير بن السائب، وعبد الملك بن عمير. وقال: كنت من سبي بني قريظة، فكان من أنبت قتل، فكتبت فيمن لم ينبت، فتركت.
4 (عقبة بن الحارث)
ابن عامر نوفل بن عبد مناف بن قصي أبو سروعة القرشي النوفلي المكي. أسلم يوم الفتح، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر. روى عنه: إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وعبيد بن أبي مريم المكي، وابن أبي ملكية، وغيرهم. وهو قاتل خبيب. وأما أبو حاتم الرازي فقال: ليس هو الذي روى عنه ابن أبي ملكية. فإن أب سروعة قديم الوفاة.

(5/187)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 188
حماد بن زيد: ثنا أيوب، عن ابن أبي ملكية: سمعت عقبة بن الحارث، وحدثني صاحب لي، وأنا لحديث صاحبي أحفظ، قال عقبة: تزوجت أم يحيى بنت أبي أهاب، فدخلت علينا امرأة سوداء، فزعمت أنها أرضعتنا جميعاً، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأعرض عني،) ثم قلت: إنها كاذبة، قال: وما يدريك أنها كاذبة وقد قالت ما قالت، دعها عنك. قلت: فيه دليل على ترك الشبهات، وفيه الرجوع من اليقين إلى الظن احتياطاً وورعاً، واستبراء للعرض والدين.
4 (عقبة بن نافع)
ابن عبد قيس بن لقيط القرشي الفهري الأمير. قال أبو سعيد بن يونس: يقال إن له صحبة، ولم يصح، شهد فتح مصر واختط بها، وولي المغرب لمعاوية ويزيد بم معاوية، وهو الذي بنى قيروان إفريقية وأنزلها المسلمين، قتله البربر بهوذة من أرض المغرب سنة ثلاث وستين، وولده بمصر والمغرب. وقال ابن عساكر: وفد على معاوية ويزيد، وحكى عن معاوية، روى

(5/188)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 189
عنه قوله: ابنه أبو عبيدة مرة وعبد الله بن هبيرة، وعلي بن رباح، وعمار بن سعد، وغيرهم. وقال الواقدي: ثنا الوليد بن كثير، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير قال: لما فتح المسلمون مصر بعث عمرو بن العاص إلى القرى التي حولها الخيل يطأوهم، فبعث عقبة بن نافع بن عبد قيس، وكان نافخ أخا العاص بن وائل السهمي لأمه، فدخلت خيولهم أرض النوبة غزاة غزوا كصوائف الروم، فلقي المسلمون من النوبة قتالاً شديداً، رشقوهم بالنبل، فلقد جرح عامتهم، وانصرفوا بحدق مفقأة. قال الواقدي: لما ولي معاوية وجه عقبة بن نافع على عشرة آلاف إلى أفريقية، فافتتحها واختط قيروانها، وقد كان موضعه غيضة لا ترام من السباع والحيات، فدعا عليها، فلم يبق منها شيء إلا خرج هارباً بإذن الله، حتى إن كانت السباع وغيرها لتحمل أولادها، فحدثني موسى بن علي، عن أبيه قال: نادى عقبة: إنا نازلون فأظعنوا فخرجن من جحورهن هوارب. وقال محمد بن عمرو: عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: لما افتتح عقبة بن نافع إفريقية وقف وقال: يا أهل الوادي إنا حالون إن شاء الله، فأظعنوا، ثلاث مرات، قال: فما رأينا حجراً ولا شجراً إلا يخرج من تحته دابة، حتى هبطن بطن الوادي، ثم قال للناس: إنزلوا باسم الله. وعن مفضل بن فضالة، وغيره قالوا: كان عقبة بن نافع مجاب الدعوة. وعن علي بن رباح قال: قدم عقبة بن نافع على يزيد، فرده والياً على إفريقية سنة اثنين) وستين، فخرج سريعاً لحينه على أبي المهاجر دينار هو مولى مسلمة بن مخلد فأوثق أبا المهاجر في الحديد، ثم غزا إلى السوس الأدنى، وأبو المهاجر معه مقيد، ثم رجع وقد سبقه أكثر الجيش، فعرض له

(5/189)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 190
كسيلة في جمع من البربر والروم، فالتقوا، فقتل عقبة وأصحابه وأبو المهاجر.
4 (علقمة بن قيس)
ابن عبد الله بن مالك، أبو شبل النخعي الكوفي، الفقيه المشهور، خال إبراهيم النخعي، وشيخه، وعم الأسود بن يزيد. أدرك الجاهلية، وسمع: عمر، وعثمان، وعلياً، وابن مسعود، وأبا الدرداء، وسعد بن أبي وقاص، وعائشة، وأبا موسى، وحذيفة، وتفقه بابن مسعود وقرأ عليه القرآن. روى عنه: إبراهيم النخعي، والشعبي، وإبراهيم بن سويد النخعي، وهني بن نويرة، وأبو الضحى مسلم، وعبد الرحمن بن يزيد النخعي أخو

(5/190)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 191
الأسود، والقاسم بن مخيمرة والمسيب بن رافع، وأبو ظبيان. وقرأ عليه القرآن: يحيى بن وثاب، وعبيد بن نضلة، وأبو إسحاق، وغيرهم. وكان فقيهاً إماماً مقرئاً، طيب الصوت بالقرآن، ثبتاً حجة، وكان أعرج، دخل دمشق واجتمع بأبي الدرداء بالجامع، وكان الأسود أكبر منه، فإن أبا نعيم قال: قال الأسود: إني لأذكر ليلة بنى بأم علقمة. وقال خليفة وغيره: إنه شهد صفين مع علي. وقال مغيرة، عن إبراهيم أن عبد الله كنى علقمة أبا شبل، وكان علقمة عقيماً خلف عمر سنتين. وقال أحمد بن حنبل: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: كان علقمة يشبه بعبد الله ين مسعود في هديه ودله وسمته. وقال الأعمش: ثنا عمارة بن عمير، عن أبي معمر، وهو عبد الله بن سخبرة قال: كنا عند عمرو بن شرحبيل فقال: اذهبوا بنا إلى أشبه الناس هدياً ودلاً وأمراً بعبد الله، فقمنا معه لم ندر من هو، حتى دخل بنا على علقمة. وقال داود الأودي: قلت للشعبي: أخبرني عن أصحاب عبد الله كأني

(5/191)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 192
أنظر إليهم، قال: كان علقمة أبطن القوم به، وكان مسروق قد خلط منه ومن غيره، وكان الربيع بن خثيم أسهم اجتهاداً، وكان عبيدة يوازي شريحاً في العلم والقضاء.) وقال إبراهيم: كان أصحاب عبد الله الذين يقرأون ويفتون: علقمة، ومسروق، والأسود، وعبيدة، والحارث بن قيس، وعمرو بن شرحبيل. وقال مرة بن شراحيل: كان علقمة من الربانيين. وقال زائدة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة: قال عبد الله: ما فقال: كان علقمة من البطيء ويدرك السريع. وقال أبو قابوس بن أبي ظبيان: قلت لأبي: كيف تأتي علقمة، وتدع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قال: يا بني إن أصحاب محمد كانوا يسألونه. وقال إبراهيم: كان علقمة يقرأ القرآن في خمس، والأسود في ست، وعبد الرحمن ين يزيد في سبع. وقال الشعبي: إن كان أهل بين خلقوا للجنة فهم أهل هذا البيت: علقمة، والأسود. وقال الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: قلنا لعلقمة: لو صليت في هذا المسجد ونجلس معك فتسأل، قال: أكره أ، يقال هذا علقمة، قالوا: لو دخلت على الأمراء فعرفوا لك شرفك، قال:

(5/192)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 193
أخاف أن ينتقصوا مني أكثر مما أنتقص منهم. وقال علقمة لأبي وائل وقد دخل على ابن زياد: إنك لم تصب من دنياهم شيئاً إلا أصابوا من دينك ما هو أفضل منه، ما أحب أن لي مع ألفي ألفين، وإني من أكرم الجند عليه. وقال إبراهيم: إن أبا بردة كتب علقمة في الوفد إلى معاوية، فقال علقمة: امحني امحني. وقال علقمة: ما حفظت وأنا شاب، فكأني أنظر إليه في قرطاس. قال الهيثم: توفي علقمة في خلافة يزيد. وقال أبو النعيم: توفي سنة إحدى وستين. وقال المدائني، وأبو عبيد، وخليفة، وابن معين، ومحمد بن سعد، وابن نمير، وأبو حفص الفلاس: توفي سنة اثنتين وستين. وعن عثمان بن أبي شيبة وغيره: توفي سنة اثتنين وسبعين، وهو غلط.
4 (عمر بن سعد)
ابن أبي وقاص القرشي الزهري، أبو حفص المدني نزيل الكوفة.

(5/193)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 194
روى عنه: أبيه.) وروى عنه: ابنه إبراهيم، وابن ابنه أبو بكر بن حفص، والعيزار بن حريث، وأبو إسحاق السبيعي، وأرسل عنه قتادة، والزهري، ويزيد بن أبي حبيب. ولعمر بن سعد جماعة إخوة: عمرو بن سعد، أحد من قتل يوم الحرة. وعمير بن سعد: قتل أيضاً يوم الحرة. ومصعب بن سعد، وعامر بن سعد: ماتا بعد المائة. وإبراهيم بن سعد: وله رواية. وإسماعيل، وعبد الرحمن، ويحيى: ذكر ترجمهم ابن سعد. وقد مر أنه قاتل الحسين رضي الله عنه، وشهد دومة الجندل مع أبيه. وقال بكير بن مسمار: سمعت عامر بن يقول: كان سعد في إبله أو غنمه، فأتاه ابنه عمر، فلما لاح قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب، فلما اتنهى إليه قال: يا أبت أرضيت أن تكون أعرابياً في إبلك والناس يتنازعون

(5/194)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 195
في الملك ! فضرب صدره بيده وقال: اسكت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يحب العبد الخفي الغني. وروى ابن عيينة، عمن حدثه، عن سالم، إن شاء الله، قال: قال عمر ابن سعد للحسين: إن قوماً من السفهاء يزعمون أني قاتلك، قال: ليسوا بسفهاء ولكنهم حلماء، ثم قال: والله إنه ليقر عيني أنك لا تأكل بر العراق بعدي إلا قليلاً. وروى هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن بعض أصحابه قال: قال علي لعمر بن سعد: كيف أنت إذا قمت مقاماً تخير فيه بين الجنة والنار، فتختار النار. ويروى عن عقبة بن سمعان قال: كان الله قد جهز عمر بن سعد في أربعة آلاف لقتال الديلم، وكتب له عهده على الري، فلما أقبل الحسين طالباً للكوفة دعا عبيد الله عمراً وقال: سر إلى الحسين، قال: إن تعفيني، قال: فرد إلينا عهدنا، قال: فأمهلني اليوم أنظر في أمري، فانصرف يستشير أصحابه، فنهوه. وقال أبو مخنف وليس بثقة لكن له اعتناء بالأخبار: حدثني مجالد، والصقعب بن زهير أنهما التقيا مراراً الحسين، وعمر بن سعد قال: فكتب عمر إلى عبيد الله: أما بعد، فإن بعد، فإن الله قد أطفأ الثائرة، وجمع الكلمة، وأصلح أمر الأمة، فهذا حسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الذي منه أتى، أو أن يأتي أمير المؤمنين فيضع يده في يده، أو أن يسير إلى ثغر) من الثغور، فيكون رجلاً من المسلمين، له ما لهم وعليه، وفي هذا لكم رضاً، وللأمة صلاح. فلما قرأ عبيد الله الكتاب قال: هذا كتاب ناصح

(5/195)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 196
لأميره، مشفق على قومه، نعم قد قبلت، فقام إليه شمر بن ذي الجوشن فقال: أتقبل هذا منه وقد نزل بأرضك وإلى جنبك: والله لئن خرج من بلادك ولم يضع يده في يدك ليكونن أولى بالقوة والعز، ولتكونن أولى بالضعف والعجز، فلا تعطه هذه المنزلة فإنها من الوهن، ولكن لينزل على حكمك هو وأصحابه، فإن عاقبت فأنت ولي العقوبة، وإن غفرت كان ذلك لك، والله لقد بلغني أن حسيناً وعمر بن سعد يجلسان بين العسكرين فيتحدثان عامة الليل، فقال له: نعم ما رأيت الرأي رأيك. وقال البخاري في تاريخه: ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا سليمان بن إسماعيل، ثنا سليمان بن مسلم العجلي قال: سمعت أبي يقول: أول من طعن في سرادق الحسين عمر بن سعد، فرأيت عمر وولديه قد ضربت أعناقهم، ثم علقوا على الخشب، ثم ألهب فيهم النار. وعن أبي جعفر الباقر: إنما أعطاه المختار أماناً بشرط ألا يحدث ونوى بالحدث دخول الخلاء ثم قتله. وقال عمران بن ميثم: أرسل المختار إلى دار عمر بن سعد من قتله وجاء برأسه، بعد أن كان أمنه، فقال ابنه حفص لما رأى ذلك: إنا لله وإنا إليه راجعون فقال المختار: اضرب عنقه، ثم قال: عمر بالحسين، وحفص بعلي بن الحسين، ولا سواء. قلت: هذا علي الأكبر ليس هو زين العابدين. قال خليفة: وسنة ست وستين قتل عمر بن سعد على فراشه.

(5/196)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 197
وقال ابن معين: سنة سبع.
4 (عمر بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب)
، وهذا عمر الأكبر قتل مع المختار بن أبي عبيد، وقد روى عن أبيه. روى عنه: بنوه علي، وعبيد الله، ومحمد، وأبو زرعة عمرو بن جابر الحضرمي، ولابنه محمد حديث عنه في السنن. قتل إلى رحمة الله سنة سبع.
4 (عمرو بن الحارث بن أبي ضرار الخزاعي)
المصطلقي، أخو أم المؤمنين جويرية.) له صحبة ورواية، نزل الكوفة، وروى أيضاً عن ابن مسعود، وزوجته زينب. روى عنه: مولاه دينار، وأبو وائل، وأبو عبيد بن عبد الله بن مسعود،

(5/197)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 198
وأبو إسحاق السبيعي. وهو صهر ابن مسعود.
4 (عمرو بن الزبير)
ابن العوام بن خويلد الأسدي، وأمه أم خلد بنت خالد بن سعيد الأموية. سمع: أباه وأخاه، ولا نعلم له رواية، وله وفادة على معاوية وابنه، وكانت بينه وبين أخيه عبد الله خصومة. قال الزبير بن بكار: حدثني مصعب بن عثمان قال: إنما سمي عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان المطرف لأن الناس لما استشرفوا جماله قالوا: هذا حسن مطرف بعد عمرو بن الزبير. وكان عمرو بن الزبير منقطع الجمال، وكان يقال: من يكلم عمرو بن الزبير بندم، كان شديد المعارضة، منيع الحوزة، وكان يجلس بالبلاد ويطرح عصاه، فلا يتخطاها أحد إلا بإذنه، وكان قد اتخذ من الرقيق مائتين. وقال الواقدي: حدثني عبد الله بن جعفر، عن عمته أم بكر، وحدثني شرحبيل بن أبي عون، عن أبيه، وابن أبي الزناد قالوا: كتب يزيد إلى عمرو بن سعيد أن يوجه إلى ابن الزبير جنداً، فسأل: من أعدى الناس له،

(5/198)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 199
فقيل: عمرو أخوه، فولاه شرطة المدينة، فضرب ناساً من قريش والأنصار بالسياط وقال: هؤلاء شيعة عبد الله بن الزبير، ثم توجه في ألف من أهل الشام إلى قتال أخيه عبد الله، فنزل بذي طوى، فأتاه الناس يسلمون عليه، فقال: جئت لأن يعطي أخي الطاعة ليزيد ويبر قسمه، فإن أبى قاتلته، فقال له جبير بن شيبة: كان غيرك أولى بهذا منك، تسير إلى حرم الله وأمنه، وإلى أخيك في سنه وفضله، تجعله في جامعة ما أرى الناس يدعونك وما تريد، قال: إني أقاتل من حال دون ذلك، ثم أقبل فنزل داره عند الصفا، وجعل يرسل إلى أخيه، ويرسل إليه أخوه، وكان عمرو يخرج يصلي بالناس، وعسكره بذي طوي، وابن الزبير أخوه معه يشبك أصابعه ويكلمه في الطاعة، ويلين له، فقال عبد الله: ما بعد هذا شيء، إني لسامع مطيع، أنت عامل يزيد، وأنا أصلي خلفك ما عندي خلاف، فأما أن تجعل في عنقي جامعة، ثم أقاد إلى الشام، فإني نظرت في ذلك، فرأيت لا يحل لي أن أحله بنفسي، فراجع صاحبك واكتب إليه، قال: لا والله، ما أقدر على ذلك، فهيأ عبد الله بن صفوان قوماً) وعقد لهم لواء، وأخذ بهم من أسفل مكة، فلم يشعر أنيس الأسلمي إلا بالقوم وهم على عسكر عمر، قالتقوا، فقتل أنيس، وركب مصعب بن عبد الرحمن بن عوف في طائفة إلى عمرو، فلقوه، فانهزم أصحابه والعسكر أيضاً، وجاء عبيد بن الزبير إليه، فقال: يا أخي أنا أجيرك من عبد الله، وجاء به أسيراً والدم يقطر على قدميه، فقال: قد أجرته، قال عبد الله: أما حقي فنعم، وأما حق الناس فلأقضمن منه لمن آذاه بالمدينة، وقال: من كان يطلبه بشيء فليأت، فجعل الرجل يأتي فيقول: قد نتف شفاري، فيقول: قم فانتف أشفاره، وجعل الرجل يقول: قد نتف لحيتي، فيقول: انتف لحيته، فكان يقيمه كل يوم، ويدعو الناس للقصاص منه، فقام مصعب بن عبد الرحمن فقال: قد جلدني مائة جلدة، فأمره فضربه مائة جلدة، فمات، وأمر به عبد المطلب فصلب. رواه ابن سعد، عن الواقدي وقال: بل صح من ذلك الضرب، ثم مر به ابن الزبير بعد إخراجه من

(5/199)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 200
السجن، فرآه جالساً بفناء منزله فقال: ألا أراه حياً، فأمر به فسحب إلى السجن، فلم يبلغه حتى مات، فأمر به عبد الله، فطرح في شعب الخيف، وهو الموضع الذي صلب فيه عبد الله بعد.
4 (عمرو بن شرحبيل سوى)
أبو ميسرة الهمداني الكوفي. روى عن: عمر، وعلي، وابن مسعود. وكان سيداً صالحاً عابداً، إذا جاءه عطاء تصدق به رحمه الله. روى عنه: أبو وائل، والشعبي، والقاسم بن مخيمرة، وأبو إسحاق السبيعي، وجماعة. الأعمش، عن شقيق قال: ما رأيت همدانياً أحب إلى من أن أكون في مسلاخه، من عمرو بن شرحبيل. شريك، عن عاصم، عن أبي وائل: ما اشتملت همدانية على مثل أبي ميسرة، قيل: ولا مسروق فقال: ولا مسروق. أبو إسحاق، عن أبي ميسرة، وقيل له: ما يحبسك عند الإقامة قال:

(5/200)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 201
إني أوتر، ولما احتضر أوصى أن لا يؤذن بجنازته أحد، وكذلك أوصى علقمة. إسرائيل، عن أبي إسحاق قال: رأيت أبا جحيفة في جنازة أبي ميسرة آخذاً بقائمة السرير حتى أخرج، ثم جعل يقول: غفر الله لك أبا ميسرة.) قال ابن سعد: توفي في ولاية عبيد الله بن زياد بالكوفة.
4 (عمرو بن عبسة)
ابن عامر بن خالد، أبو نجيح السلمي، نزيل حمص، وأخو أبي ذر لأمه، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم مكة، فكان رابع من أسلم، ورجع ثم هاجر فيما بعد إلى المدينة، له عدة أحاديث. روى عنه: جبير بن نفير، وشداد أبو عمارة، وشرحبيل بن السمط وكثير بن مرة، ومعدان بن أبي طلحة، والقاسم أبو عبد الرحمن، وسليم بن عامر، وحبيب بن عبيد، وضمرة بن حبيب، وأبو إدريس الخولاني، وخلق.

(5/201)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 202
وقد روى عنه: ابن مسعود مع جلالته وسهل بن سعد، وأبو أمامة الباهلي. ولا علم هل مات في خلافة معاوية أو في خلافة يزيد، وكان أحد الأمراء يوم اليرموك. روى إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن أبي عمرو السيباني، عن أبي سلام الدمشقي، وعمرو بن عبد الله، سمعنا أبا أمامة، عن عمرو بن عبسة قال: رغبت عن آلهة قومي في الجاهلية، رأيت أنها آلهة باطلة لا تضر ولا تنفع.
4 (عمرو بن سعيد)
ابن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي، أبو أمية المعروف بالأشدق.

(5/202)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 203
ولي المدينة ليزيد، ثم سكن دمشق، وكان أحد الأشراف من بني أمية، وقد رام الخلافة، وغلب على دمشق، وادعى أن مروان جعله ولي العهد بعد عبد الملك. حدث عن: عمر، وعثمان. روى عنه: بنوه موسى، وأمية، وسعيد، وخثيم بن مروان. وكان زوج أخت مروان أم البنين شقيقة مروان. قال عبد الملك بن عمير، عن أبيه قال: لما احتضر سعيد بن العاص رضي الله عنه جمع بنيه فقال: أيكم يكفل ديني فسكتوا، فقال: ما لكم لا تكلمون فقال عمرو الأشدق، وكان عظيم الشدقين: وكم دينك يا أبت قال: ثلاثون ألف دينار، قال: فيم استدنتها قال: في كريم سددت فاقته ولئيم فديت عرضي منه، فقال: هي علي. وعن سعيد بن المسيب، وسئل عن خطباء قريش في الجاهلية فقال: الأسود بن المطلب بن أسد، وسهيل بن عمرو، وسئل عن خطبائهم في الإسلام فقال: معاوية، وابنه، وسعيد بن العاص،) وابنه وابن الزبير. وفي مسند أحمد، من حديث علي بن زيد بن جدعان قال:

(5/203)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 204
أخبرني من سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليرعفن على منبري جبار من جبابرة بني أمية. قال علي فحدثني من رأى عمرو بن سعيد رعف على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الزبير بن بكار: كان عمرو بن سعيد ولاه معاوية المدينة، ثم ولاه يزيد، فبعث عمرو بعثاً لقتال ابن الزبير. وكان عمرو يدعي أن مروان جعل إليه الأمر بعد عبد الملك، ثم نقض ذلك وجعله إلى عبد العزيز بن مروان، فلما شخص عبد الملك إلى حرب مصعب إلى العراق، خالف عليه عمرو بن سعيد، وغلق أبواب دمشق، فرجع عبد الملك وأحاط به، ثم أعطاه أماناً، ثم غدر به فقتله، فقال في ذلك يحيى بن الحكم عم عبد الملك:
(أعيني جودي بالدموع على عمرو .......... عشية تبتز الخلافة بالغدر)

(كأن بني مروان إذ يقتلونه .......... بغاث من الطير اجتمعن على صقر)

(غدرتم بعمرو يا بني خيط باطل .......... وأنتم ذوو قربائه وذوو صهر)

(فرحنا وراح الشامتون عشية .......... كأن على أكتافنا فلق الصخر)

(لحا الله دنيا يدخل النار أهلها .......... وتهتك ما دون المحارم من ستر)
وكان مروان يلقب بخيط باطل. وروى ابن سعد بإسناد، أن عبد الملك لما سار يؤم العراق، جلس خالد بن يزيد بن معاوية، وعمرو بن سعيد، فتذاكرا من أمر عبد الملك ومسيرهما معه على خديعة منه لهما، فرجع عمرو إلى دمشق فدخلها وسورها وثيق، فدعا أهلها إلى نفسه، فأسرعوا إليه، وفقده عبد الملك، فرجع بالناس

(5/204)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 205
إلى دمشق، فنازلها ست عشرة ليلة حتى فتحها عمرو له وبايعه، فصفح عنه عبد الملك ثم أجمع على قتله، فأرسل إليه يوماً يدعوه، فوقع في نفسه أنها رسالة شر، فزلف إليه فيمن معه، لبس درعاً متكفراً بها، ثم دخل إليه، فتحدثا ساعة، وقد كان عهد إلى يحيى بن عبد الملك عليه فقال: يا أبا أمية، ما هذه الغوائل والزبى التي تحفر لنا ثم ذكره ما كان منه، وخرج إلى الصلاة، ولم يقدم عليه يحيى، فشتمه عبد الملك، ثم اقدم هو ومن معه عليه فقتله. قال خليفة: وفي سنة سبعين خلع عمرو بن سعيد عبد الملك، وأخرج عامله عبد الرحمن بن أم الحكم عن دمشق، فسار إليه عبد الملك، ثم اصطلحا على أن يكون الخليفة من بعد عبد الملك،) وعلى أن لعمرو مع كل عامل عاملاً، وفتح دمشق، ودخل عبد الملك، ثم غدر به فقتله، فحدثني أبو اليقظان قال: قال له عبد الملك: يا أبا أمية، لو أعلم أنك تبقى وتصلح قرابتي لفديتك ولو بدم النواظر، ولكنه قلما اجتمع فحلان في إبل إلا أخرج أحدهما صاحبه. وقال الليث: قتل سنة تسع وستين.
4 (عمرو البكالي أبو عثمان،)
صحابي، شهد اليرموك. وروى عن: النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عن ابن مسعود، وأبي الأعور السلمي، وغيرهما.

(5/205)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 206
وعنه: معدان بن أبي طلحة، وأبو تميمة الهجيمي طريف، وأسماء الرحبي، وغيرهم. وأم الناس بمسجد دمشق، روى الجريري، عن أبي تميمة: قدمت الشام، فإذا بهم يطوفون برجل، قلت: من هذا فقيل: هذا أفقه من بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا عمرو البكالي، ورأيت أصابعه مقطوعة، فقيل قطعت يوم اليرموك. وقال أبو سعيد بن يونس: قدم عمرو البكالي مصر مع مروان، فروى عنه عبد الله بن جبيرة. وقيل: هو أخو نوف البكالي. وقال أحمد العجلي: هو تابعي ثقة.

(5/206)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 207
4 (حرف القاف)

4 (قباث بن أشيم)
الليثي، صحابي، شهد اليرموك أميراً، وطال عمره. روى عنه: عبد الرحمن بن زياد، وأبو الحويرث. قال ابن سعد: إنه شهد بدراً مشركاً، وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم بعض المشاهد، وكان على مجنبة أبي عبيدة يوم اليرموك. وقال دحيم مات بالشام، وأدركه عبد الملك بن مروان، فسأله عن سنه، فقال: أنا أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم. كذا قال عبد الرحمن بن سعيد وغيره.

(5/207)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 208
وقال إبراهيم بن المنذر: ثنا عبد العزيز بن أبي ثابت، ثنا الزبير بن موسى، عن أبي الحويرث: سمعت عبد الملك بن مروان يقول لقباث بن أشيم الليثي: يا قباث، أنت أكبر أم رسول الله قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر، وأنا أسن منه، ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام) الفيل ووقفت بي أمي على روث الفيل مجيلاً أعقله. اسم أبي الحويرث عبد الملك بن معاوية. وروى سفيان بن حسين الواسطي، عن خالد بن دريك، عن قباث قال: انهزمت يوم بدر، فقلت في نفسي، لم ير مثل هذا اليوم قط، فلما أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأستأمنه قال: قلت: لم أر مثل أمر الله قط فر منه إلا النساء، فقلت: أشهد أنك رسول الله، ما ترمرمت به شفتاي، وما كان إلا شيء عرض لي في نفسي.
4 (قبيصة بن جابر)
ابن وهب بن مالك الأسدي الكوفي، أبو العلاء، من كبار التابعين.

(5/208)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 209
روى عن: عمر، وعبد الله بن مسعود، وطلحة بن عبيد الله، وعمرو بن العاص، وجماعة. روى عنه: الشعبي، والعريان بن الهيثم، وعبد الملك ابن عمير. وشهد خطبة عمر بالجابية، وكان أخا معاوية من لرضاعة وقد وفد عليه، وكان كاتب سعيد بن العاص بالكوفة، وكان يعد من الفصحاء. وقال ابن سعد: كان ثقة له أحاديث. وروى محمد بن عباد، عن ابن عيينة، عن عبد الملك بن عمير، عن قبيصة قال: ألا أخبركم عمن صحبت صحبت عمر رضي الله عنه، فما رأيت أحداً أفقه في كتاب الله منه، ولا أحسن مدارسة منه، وصحبت طلحة بن عبيد الله، فما رأيت أحداً أعطى لجزيل منه عن غير مسألة، وصحبت عمرو بن العاص، فما رأيت أحداً أنصع ظرفاً منه، وصحبت معاوية، فما رأيت أحداً أكثر حلماً ولا أبعد أناة منه، وصحبت زياداً، فما رأيت أكرم جليساً منه، وصحبت المغيرة بن شعبة، فلو أن مدينة لها أبواب لا يخرج من كل باب إلا بالمكر لخرج من أبوابها كلها. قال خليفة: مات قبيصة سنة تسع وستين.
4 (قيس بن ذريح)
أبو يزيد الليثي الشاعر المشهور، من بادية الحجاز، وهو الذي كان

(5/209)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 210
يشبب بأم معمر لبنى بنت الحباب الكعبي، ثم إنه تزوج بها، وقيل إنه كان أخا الحسين رضي الله عنه من الرضاعة. قال ثعلب: ثنا عبد الله بن شبيب، ثنا موسى بن عيسى الجعفري: أخبرني عيسى بن أبي جهمة الليثي، وكان مسناً، قال: كان قيس بن ذريح رجلاً منا، وكان ظريفاً شاعراً، وكان يكون بقديد) بسرف وبوادي مكة، وخطب لبنى من خزاعة، ثم من بني كعب فتزوجها وأعجب بها، وبلغت عنده الغاية، ثم وقع بين أمه وبينها فأبغضتها، وناشدت قيساً في طلاقها، فأبى، فكلمت أباه، فأمر بطلاقها، فأبى عليه، فقال: لا جمعني وإياك سقف أبداً حتى تطلقها، ثم خرج في يوم قيظ فقال: لا أستظل حتى تطلقها، فطلقها وقال: أما إنه آخر عهدك بي، ثم إنه اشتد عليه فراقها وجهد وضمر، ولما طلقها أتاها رجالها يتحملونها، فسأل: متى هم راحلون قالوا: غداً نمضي، فقال:
(وقالوا غداً أو بعد ذاك ثلاثة .......... فراق حبيب لم يبن وهو بائن)

(فما كنت أخشى أن تكون منيتي .......... بكفي إلا أن ما حان حائن)
ثم جعل يأتي منزلها ويبكي، فلاموه، فقال:
(كيف السلو ولا أزال أرى لها .......... ربعاً كحاشية اليماني المخلق)

(5/210)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 211
(ربعاً لواضحة الجبين به في عزة .......... كالشمس إذ طلعت رخيم المنطق)

(قد كنت أعهدها به في عزة .......... والعيش صاف والعدى لم تنطق)

(حتى إذا هتفوا وأذن فيهم .......... داعي الشتات برحلة وتفرق)

(خلت الديار فزرتها فكأنني .......... ذو حية من سمها لم يفرق)
وهو القائل:
(وكل ملمات الزمان وجدتها .......... سوى فرقة الأحباب هينة الخطب)
ومن شعره:
(ولو أنني أسطيع صبراً وسلوة .......... تناسيت لبنى غيرما مضمر حقدا)

(ولكن قلبي قد تقسمه الهوى .......... شتاتاً فما ألفى صبوراً ولا جلداً)

(سل الليل عني كيف أرعى نجومه .......... وكيف أقاسي الهم مستخلياً فردا)

(كأن هبوب الريح من نحو أرضكم .......... تثير قناة المسك والعنبر الندا)
وعن أبي عمرو الشيباني قال: خرج قيس بن ذريح إلى معاوية فامتدحه، فأدناه وأمر له بخمسة آلاف درهم ومائتي وقال: كيف وجدك بلبنى قال: أشد وجد، قال: فترضى زواجها قال: ما لي في ذلك من حاجة قال: فما حاجتك قال: تأذن لي في الإلمام بها، وتكتب إلى عاملك، فقد خشيت أن يفرق الموت بيني وبين ذلك، وأنشده:)
(أضوء سنا برق بدا لك لمعه .......... بذي الإثل من أجراع بثنة ترقب)

(نعم إنني صب هناك موكل .......... بمن ليس يدنيني ولا يتقرب)

(مرضت فجاءوا بالمعالج والرقى .......... وقالوا: بصير بالدواء مجرب)

(فلم يغن عني ما يعقد طائلاً .......... ولا ما يمنيني الطبيب المجرب)

(وقال أناس والظنون كثيرة .......... وأعلم شيء بالهوى من يجرب)

(ألا إن في اليأس المفرق راحة .......... سيسليك عمن نفعه عنك يعزب)

(فكل الذي قالوا بلوت فلم أجد .......... لذي الشجو أشفى من هوى حين يقرب)

(5/211)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 212
(عليها سلام الله ما هبت الصبا .......... وما لاح وهناً في دجى الليل كوكب)

(فلست بمبتاع وصالاً بوصلها .......... ولست بمفش سرها حين أغضب)
وقال:
(يقولون لبنى فنتة، كنت قبلها .......... بخير فلا تندم عليها وطلق)

(فطاوعت أعدائي وعاصيت ناصحي .......... وأقررت عين الشامت المتخلق)

(وددت وبيت الله أني عصيتهم .......... وحملت في رضوانها كل موبق)

(وكلفت خوض البحر والبحر زاخر .......... أبيت على أثباج موج مغرق)

(كأني أرى الناس المحبين بعدها .......... عصارة ماء الحنظل المتفلق)

(فتنكر عيني بعدها كل منظر .......... ويكه سمعي بعدها كل منطق)
فقال كعاوية: هذا وأبيك الحب، وأذن له في زيارتها، فسار حتى نزل على امرأة بالمدينة يقال لها بريكة، وأهدى لها وللبنى هدايا وألطافاً، وأخبرها بكتاب معاوية، فقالت: يا بن عم ما تريد إلى الشهرة، فأقام أياماً، فبلغ زوج لبنى قدومه، فمنع لبنى بريكة، وأيس قيس من لقائها، فبقي متردداً في كتاب معاوية، فرآه ابن أبي عتيق يوماً، فقال: يا أعرابي مالي أراك متحيراً قال: دعني بارك الله فيك، قال: أخبرني بشأنك، فإني على ما تريد، وألح عليه، فأخبره وقال: لا أراني إلا في طلب مثلك، وانطلق به، فأقام عنده ليلة يحدثه وينشده، فلما أصبح ابن أبي عتيق ركب فأتى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فقال: فداك أبي وأمي، اركب معي في حاجة، فركب معه، واستنهض ثلاثة أو أربعة من وجوه قريش، ولا يدرون ما يريد، حتى أتى بهم باب زوج لبنى، فخرج فإذا وجوه قريش، فقال: جعلني الله فداكم، ما جاء بكم قالوا: حاجة لابن أبي) عتيق استعان بنا عليك، فقال: اشهدوا أن حكمه جائز علي، فقال ابن أبي عتيق: اشهدوا أم امرأته لبنى منه طالق، فأخذ عبد الله بن جعفر برأسه ثم قال: لهذا جئت بنا فقال: جعلت فداكم، يطلق هذا امرأته ويتزوج

(5/212)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 213
بغيرها خير من أن يموت رجل مسلم، فقال عبد الله: أما إذ فعل ما فعل فله علي عشرة آلاف درهم، فقال ابن أبي عتيق: والله لا أبرح حتى تنقل متاعها، ففعلت، وأقامت في أهلها، حتى انقضت عدتها وتزوج بها قيس، وبقيا دهراً بأرغد عيش، فقال قيس:
(جزى الرحمن أفضل ما يجازي .......... على الإحسان خيراً من صديق)

(فقد جربت إخواني جميعاً .......... فما ألفيت كابن أبي عتيق)

(سعى في جمع شملي بعد صدع .......... ورأي حدت فيه عن الطريق)

(وأطفأ لوعة كانت بقلبي .......... أغصتني حرارتها بريقي)
هذه رواية. وقال سليمان بن أبي شيخ: ثنا أيوب بن عباية قال: خرج قيس بن ذريح إلى المدينة يبيع ناقة، فاشتراها زوج لبنى وهو لا يعرفه، فقال لقيس: انطلق معي لتأخذ الثمن، فمضى معه، فلما فتح الباب إذا لبنى استقبلت قيساً، فلما رآها ولى هارباً، واتبعه الرجل بالثمن، فقال: لا تركب لي مطيتين أبداً، قال: وأنت قيس بن ذريح قال: نعم، قال: هذه لبنى، فقف حتى أخيرها، فإن اختارتك طلقتها، وظن الزوج أن له في قلبها موضعاً، فخيرت فاختارت قيساً، فطلقها فماتت في العدة. ولقد قيل لقيس: إن مما يسليك عنها ذكر معايبها، فقال:
(إذا عبتها شبهتها البدر طالعاً .......... وحسبك من عيب بها شبه البدر)

(لها كفل يرتج منها إذا مشت .......... ومتن كغصن البان مضطمر الخصر)
ولقيس:
(أريد سلواً عن لبينى وذكرها .......... فيأبى فؤادي المستهام المتيم)

(5/213)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 214
(إذا قلت أسلوها تعرض ذكرها .......... وعاودني من ذاك ما الله أعلم)

(صحا كل ذي ود علمت مكانه .......... سواي فإني ذاهب العقل مغرم)
وله:
(هل الحب إلا عبرة بعد زفرة .......... وحز على الأحشاء ليس له برد)
)
(وفيض دموع تستهل إذا بدا .......... لنا علم من أرضكم لم يكن يبدو)

4 (قيس بن السكن الأسدي الكوفي.)
سمع: عبد الله بن مسعود، والأشعث بن قيس. روى عنه: عمارة بن عمير، وسعد بن عبيدة، والمنهال بن عمرو، وأبو إسحاق. قال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: توفي في زمن مصعب.
4 (قيس المجنون)
ومن به يقاس المحبون. هو قيس بن الملوح بن مزاحم. وقيل:

(5/214)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 215
قيس بن معاذ، وقيل: اسمه البحتري بن الجعد، وقيل غير ذلك، وهو مجنون ليلى بنت مهدي أم مالك العامرية، وهو من بني عامر بن صعصعة، وقيل: من بني كعب بن سعد. سمعنا أخباره في جزء ألفه ابن المرزبان، وقد أنكر بعض الناس ليلى والمجنون، وهذا دفع بالصدر، فليس من لا يعلم حجة على من علم، ولا الثبت كالنافي، فعن لقيط بن بكير المحاربي: أن المجنون علق ليلى علاقة الصبا، وذلك لأنهما كانا صغيرين يرعيان أغناماً لقومهما، فعلق كل واحد منهما الآخر، وكبرا على ذلك، فلما كبرا حجبت عنه، فزال عقله، وفي ذلك يقول:
(تعلقت ليلة وهي ذات ذؤابة .......... ولم يبد للأتراب من ثديها حجم)

(صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا .......... إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم)
وذكر ابن دأب، عن رباح بن حبيب العامري قال: كان في بني عامر جارية من أجمل النساء، لها عقل وأدب، يقال لها ليلى بنت مهدي، فبلغ المجنون خبرها، وكان صباً بمحادثة النساء، فلبس حلة ثم جلس إليها وتحادثا، فوقعت بقلبه، فظل يومه يحادثها، فانصرف فبات بأطول ليلة، ثم بكر إليها فلم يزل عندها حتى أمسى، ولم تغمض له تلك الليلة عين، فأنشأ يقول:
(نهاري نهار الناس حتى إذا بدا .......... لي الليل هزتني إليك المضاجع)

(5/215)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 216
(أقضي نهاري بالحديث وبالمنى .......... ويجمعني والهم بالليل جامع)
ووقع في قلبها مثل الذي وقع بقلبه، فجاء يوماً يحدثها، فخافت عليه وقالت:
(كلانا مظهر للناس بغضاً .......... وكل عند صاحبه مكين)
فسري عنه، وقالت: إنما أردت أن أمتحنك، وأنا معطية لله عهداً: لا جالست بعد اليوم أحداً) سواك، فانصرف وأنشأ يقول:
(أظن هواها بتاركي بمضلة .......... من الأرض لا مال لدي ولا أهل)

(ولا أحد أقضي إليه وصيتي .......... ولا وارث إلا المطية والرحل)

(محا حبها حب الألى كن قبلها .......... وحلت مكاناً لم يكن حل من قبل)
قلت: ثم اشتد بلاؤه بها، وشغفته حباً، ووسوس في عقله، فذكر أبو عبيدة: أن المجنون كان يجلس في نادي قومه وهم يتحدثون، فيقبل عليه بعضهم، وهو باهت ينظر إليه لا يفهم ما يحدث به، ثم يثوب إليه عقله، فيسأل عن الحديث فلا يعرفه، حتى قال له رجل: إنك لمخبول، فقال:
(إني لأجلس في النادي أحدثهم .......... فأستفيق وقد غالتني الغول)

(يهوي بقلبي حديث النفس نحوكم .......... حتى يقول جليسي أنت مخبول)
قال أبو عبيدة: فتزايد به الأمر حتى فقد عقله، فكان لا يقر في موضع، ولا يؤويه رحل، ولا يعلوه ثوب، إلا مزقه، وصار لا يفهم شيئاً مما يكلم به إلا أن تذكر له ليلى فإذا ذكرت له أتى بالبدائه. وقد قيل: إن قوم ليلى شكوا منه إلى السلطان، فأهدر دمه، ثم إن قومها ترحلوا من تلك الناحية، فأشرف فرأى ديارهم بلاقع، فقصد منزلها، وألصق صدره به، وجعل يمرغ خديه على التراب ويقول:

(5/216)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 217
(أيا حرجات الحي حيث تحملوا .......... بذي سلم لا جادكن ربيع)

(وخيماتك اللاتي بمنعرج اللوى .......... بلين بلى لم تبلهن ربوع)

(ندمت على ما كان مني ندامة .......... كما ندم المغبون حين يبيع)
قال ابن المرزبان: قال أبو عمرو الشيباني: لما ظهر من المجنون ما ظهر، ورأى قومه ما ابتلي به اجتمعوا إلى أبيه وقالوا: يا هذا، ترى ما بابنك، فلو خرجت، به إلى مكة فعاذ ببيت الله، وزار قبر رسوله، ودعا الله رجونا أن يعافى، فخرج به أبوه حتى أتى مكة، فجعل يطوف به ويدعو له، وهو يقول:
(دعا المحرمون الله يستغفرونه .......... بمكة وهناً أن تحط ذنوبها)

(فناديت أن يا رب أول سؤلتي .......... لنفسي ليلى ثم أنت حسيبها)

(فإن أعط ليلى في حياتي لا يتب .......... إلى الله خلق توبة لا أتوبها)
) حتى إذا كان بمنى نادى مناد من بعض تلك الخيام: يا ليلى، فخر مغشياً عليه، واجتمع الناس حوله، ونضحوا على وجهه الماء، وأبوه يبكي، فأفاق وهو يقول:
(وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى .......... فهيج أطراف الفؤاد وما يدري)

(دعاً باسم ليلى غيرها فكأنما .......... أطار بليلى طائراً كان في صدري)
ونقل ابن الأعرابي قال: لما شبب المجنون بليلى وشهر بحبها اجتمع أهلها ومنعوه منها ومن زيارتها، وتوعدوه بالقتل، وكان يأتي امرأة تتعرف له خبرها، فنهوا تلك المرأة، وكان يأتي غفلات الحي في الليل، فسار أبو ليلى

(5/217)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 218
في نفر من قومه، فشكوا إلى مروان من قيس بن الملوح، وسألوه الكتاب إلى عامله يمنعه عنهم ويتهدده، فإن لم ينته أهدر دمه، فلما ورد الكتاب على عامل مروان، بعث إلى قيس وأبيه وأهل بيته، فجمعه وقرأ عليهم الكتاب، وقال لقيس: اتق الله في نفسك، فانصرف وهو يقول:
(ألا حجبت ليلى وآلى أميرها .......... علي يميناً جاهداً لا أزورها)

(وأوعدني فيها رجال أبوهم .......... أبي وأبوها خشنت لي صدورها)

(على غير شيء غير أني أحبها .......... وأن فؤادي عند ليلى أسيرها)
فلما يئس منها صار شبيهاً بالتائه، وأحب الخلوة وحديث النفس، وجزعت هي أيضاً لفراقه وضنيت. ويروى أن أبا المجنون قيده، فجعل يأكل لحم ذراعيه ويضرب نفسه، فأطلقه، فكان يدور في الفلاء عرياناً. وله:
(كأن القلب ليلة قيل يغدى .......... بليلى العامرية أو يراح)

(قطاة عزها شرك فباتت .......... تجاذبه وقد علق الجناح)
وقيل: إن ليلى زوجت، فجاء المجنون إلى زوجها فقال: بربك هل ضممت إليك ليلى قبيل الصبح أو قبلت فاهاوهل رفت عليك قرون ليلى فقال: اللهم إذ حلفتني فنعم، وكان بين يدي الزوج نار يصطلي بها،

(5/218)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 219
فقبض المجنون بكلتي يديه من الجمر، فلم يزل حتى سقط مغشياً عليه. وكانت له داية يأنس بها، فكانت تحمل إليه إلى الصحراء رغيفاً وكوزاً، فربما أكل وربما) تركه، حتى جاءته يوماً فوجدته ملقى بين الأحجار ميتاً، فاحتملوه إلى الحي فغسلوه فدفنوه، وكثر بكاء النساء والشباب عليه، واشتد نشيجهم. قال ابن الجوزي في المنتظم: روينا أنه كان يه في البرية مع الوحش يأكل من بقل الأرض، وطال شعره، وألفه الوحش، وسار حتى بلغ حدود الشام، فكان إذا ثاب إليه عقله، سأل من يمر من أحياء العرب عن نجد، فيقال له: أين أنت من نجد، أنت قد شارفت الشام، فيقول: أروني الطريق، فيدلونه. وشعر المجنون كثير سائر، وهو في الطبقة العليا في الحسن والرقة، وكان معاصراُ لقيس بن ذريح صاحب لبنى، وكان في إمرة ابن الزبير، والله أعلم.

(5/219)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 220
4 (حرف الكاف)

4 (كثير بن أفلح مولى أيوب الأنصاري،)
أحد كتاب المصاحف التي أرسلها عثمان إلى الأمصار. روى عن: عثمان، وأبي بن كعب. روى عنه: محمد بن سيرين. وقال النسائي: روى عنه الزهري مرسلاً لم يلحقه، فإن كثيراً أصيب يوم الحرة، وروى عنه ابنه.

(5/220)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 221
4 (حرف الميم)

4 (محمد بن الأشعث بن قيس)
بن معد يكرب، أبو القاسم الكندي الكوفي، ابن أم فروة أخت أبي بكر الصديق لأبيه، تزوج بها الأشعث في أيام أبي بكر. حدث عن: عمر، وعثمان، وعائشة. روى عنه: الشعبي، ومجاهد، وسليمان بن يسار، وابنه قيس بن محمد، وغيرهم.

(5/221)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 222
ووفد على معاوية. ومولده في حدود سنة ثلاث عشرة، وكان شريفاً مطاعاً في قومه، قتل مع مصعب في سنة سبع وستين، فأقام ابنه مقامه.
4 (محمد بن أبي بن كعب الأنصاري.)
أبو معاذ الأنصاري. ولد في حيا النبي صلى الله عليه وسلم، وحدث عن: أبيه، وعمر.) روى عنه: الحضرمي بن لاحق، وبسر بن سعيد. وكان ثقة، قتل بالحرة.
4 (محمد بن ثابت بن قيس بن شماس)
الأنصاري الخزرجي. حنكه النبي صلى الله عليه وسلم بريقه. وروى عن: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبيه، وسالم مولى أبي حذيفة.

(5/222)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 223
روى عنه: ابناه إسماعيل، ويوسف، وعاضم بن عمه بن قتادة، وأرسل عنه الزهري. قتل يوم الحرة.
4 (محمد بن عمرو بن حزم)
ابن يزيد الأنصاري النجاري. ولد في حيا النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: أنه هو الذي كناه أبا عبد الملك. روى عن: أبيه، وعمر، وعمرو بن العاص. روى عنه: ابنه أبو بكر، وعمر بن كثير بن أفلح. أصيب يوم الحرة. الواقدي، عن ملك، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده اشترى مطرف خز بسبعمائة، فكان يلبسه. وعن محمد بن أبي بكر بن حزم قال: صلى محمد بن عمرو بن حزم

(5/223)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 224
يوم الحرة، وجراحه تثعب دماً، وما قتل إلا نظماً بالرماح. وعن محمد بن عمرو أنه كان يرفع صوته: يا معشر الأنصار اصدقوهم الضرب، فإنهم يقاتلون على طمع دنياهم، وأنتم تقاتلون على الآخرة، ثم جعل يحمل على الكتيبة منهم فيفضها حتى قتل. وعن عبد الله بن أبي بكر قال: وأكثر محمد بن عمرو في أهل الشام القتل يوم الحرة، كان يحمل على الكردوس منهم فيفضه، وكان فارساً، ثم حملوا عليه حتى نظموه بالرماح، فلما وقع انهزم الناس.
4 (مالك بن عياض المدني يعرف بمالك الدار.)
سمع: أبا بكر، وعمر، ومعاذ بن جبل.) روى عنه: ابناه عون، وعبد الله، وأبو صالح السمان، وعبد الرحمن بن سعيد بن يربوع. وكان خازناً لعمر رضي الله عنه.
4 (مالك بن هبيرة السكوني.)

(5/224)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 225
له صحبة ورواية حديث واحد. روى عنه: أبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني، وأبو الأزهر المغيرة بن فروة. وولي لمعاوية حمص، وكان على الرجالة يوم مرج راهط مع مروان.
4 (مالك بن يخامر السكسكي)
الحمصي، يقال له صحبة، وكان ثقة كبير القدر متألهاً. روى عن: معاذ، وعبد الرحمن بن عوف. حدث عنه: معاوية على المنبر، وجبير بن نفير، وعمير بن هانيء، ومكحول، وسليمان بن موسى، وخالد بن معدان، وآخرون. قال أبو مسهر: أكبر أصحاب معاذ: مالك بن يخامر، كان رأس القوم. وقال أحمد بن عبد الله العجلي: تابعي ثقة. قال أبو عبيد: توفي سنة تسع وستين.

(5/225)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 226
4 (المختار بن أبي عبيد)
الثقفي الكذاب، الذي خرج بالكوفة، وتتبع قتلة الحسين يقتلهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: يكون في ثقيف كذاب ومبير فكان أحدهما المختار، كذب على الله وادعى أن الوحي يأتيه، والآخر: الحجاج. قال أحمد في مسنده: ثنا ابن نمير، ثنا عيسى بن عمر، ثنا السدي، عن رفاعة الفتياني قال: دخلت على المختار، فألقى لي وسادة وقال: لولا أن جبريل قام عن هذه لألقيتها لك، فأردت أن أضرب عنقه، فتذكرت حديثاً حدثنيه عمرو بن الحمق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما مؤمن أمن مؤمناً على

(5/226)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 227
ذمة فقتله، فأنا من القاتل بريء. مجالد، عن الشعبي قال: أقرأني الأحنف كتاب المختار إليه، يزعم فيه أنه نبي. قلت: قتل في رمضان سنة سبع وستين مقبلاً غير مدبر في هوى نفسه، كما قدمنا.
4 (مروان بن الحكم)
) ابن أبي العاص ابن أمية بن عبد الملك القرشي

(5/227)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 228
الأموي، وقيل: أبو القاسم، ويقال: أبو الحكم. ولد بمكة بعد ابن الزبير

(5/228)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 229
بأربعة أشهر، ولم يصح له سماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن له رواية إن شاء الله. وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث الحديبية بطوله، وفيه إرسال، لكن أخرجه البخاري. وروى أيضاً عن: عمر، وعثمان، وعلي وزيد بن ثابت. روى عنه: سهل بن سعد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسعيد بن المسيب، وعلي بن الحسين، وعروة بن الزبير، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله، وابنه عبد الملك، ومجاهد. وكان كاتب ابن عمه عثمان، وولي إمرة المدينة والموسم لمعاوية غير مرة، وبايعوه بالخلافة بعد معاوية بن يزيد، وحارب الضحاك بن قيس، فقتل الضحاك في المصاف، وسار إلى مصر، فاستولى عليها وعلى الشام، وكان ابن الزبير مستولياً على الحجاز كله وخراسان وغير ذلك في ذلك الوقت. وقال ابن سعد: توفي النبي صلى الله عليه وسلم ولمروان ثمان سنين، ولم يحفظ عنه شيئاً. وأمه آمنة بنت علقمة الكنانية. وقال الواقدي: أسلم الحكم في الفتح وقدم المدينة، فطرده النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل الطائف، فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة، ومات زمن عثمان، لأنه زور على لسانه كتاباً في شأن محمد بن أبي بكر.

(5/229)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 230
وقال ابن أبي السري: كان مروان قصيراً، أحمر الوجه، وأوقص العنق، كبير الرأس واللحية، وكان يلقب خيط باطل لدقة عنقه. وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم سمعت الشافعي يقول لما انهزم الناس يوم الجمل: كان علي يسأل عن مروان، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين إنك لتسأل عنه قال: تعطفني عليه رحم ماسة، وهو مع ذلك سيد من شباب قريش. وقال عبد الملك بن عمير، عن قبيصة بن جابر قال: بعثني زياد إلى معاوية في حوائج، فقلت: من ترى لهذا الأمر من بعدك فسمى جماعة، ثم قال: وأما القاريء لكتاب الله، الفقيه في دين) الله، الشديد في حدود الله: مروان. وقال أحمد بن حنبل: يقال: كان عند مروان قضاء، وكان يتبع قضاء عمر. وقال يونس، عن ابن شهاب، عن قبيصة بن ذؤيب: أن امرأة نذرت أن تنحر ابنها عند الكعبة، وقدمت المدينة تستفتي، فجاءت ابن عمر، فقال: لا أعلم في النذر إلا الوفاء، قالت: أفأنحر ابني قال: قد نهى الله عن ذلك، فجاءت ابن عباس فقال: أمر الله الوفاء بالنذر، ونهاكم أن تقتلوا أنفسكم، وقد كان عبد المطلب نذر إن توافى له عشرة رهط أن ينحر أحدهم، فلما توافوا أقرع بينهم، فصارت القرعة على عبد الله، وكان أحبهم إليه، فقال: اللهم، أهو أو مائة من الإبل، ثم أقرع ثانية بين المائة وبينه، فصارت القرعة على الإبل، فأرى أن تنحري مائة من الإبل مكان ابنك، فبلغ الحديث مروان وهو أمير المدينة فقال: ما أراهما أصابا، إنه لا نذر في معصية الله، فاستغفري الله

(5/230)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 231
تعالى وتوبي إليه، واعملي ما استطعت من الخير، فسر الناس بذلك وأعجبهم قوله، ولم يزل الناس يفتون بأنه لا نذر في معصية الله. وقال الواقدي: حدثني شرحبيل بن أبي عون، عن عياش بن عباس قال: حدثني من حضر ابن النباع الليثي يوم الدار يبادر مروان على قفاه ضربة قطع علابي عنقه، ووقع وجهه، فأرادوا أن يدففوا عليه، فقيل: أتبضعون اللحم، فترك. قال الواقدي: وحدثني حفص بن عمر، عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة، عن أبيه، وذكر مروان فقال: والله لقد ضربت كعبه، فما أحسبه إلا قد مات، ولكن المرأة أحفظتني، قالت: ما تصنع بلحمه أن تبضعه، فأخذني الحفاظ، فتركته. وقال خليفة: إن مروان ولي المدينة سنة إحدى وأربعين. وقال ابن علية، عن ابن عون، عن عمير بن إسحاق قال: كان مروان أميراً علينا ست سنين، فكان يسب علياً رضي الله عنه كل جمعة على المنبر، ثم عزل بسعيد بن العاص، فبقي سعيد سنتين، فكان لا يسبه، ثم أعيد مروان، فكان يسبه، فقيل للحسن: ألا تسمع ما يقول هذا فجعل لا يرد شيئاً، قال: وكان الحسن يجيء يوم الجمعة، ويدخل في حجر النبي صلى الله عليه سلم فيقعد فيها، فإذا قضيت الخطبة خرج فصلى، فلم يرض بذلك حتى أهداه له في بيته، قال: فإنا لعنده إذ قيل: فلان بالباب، قال: ائذن له، فوالله إني

(5/231)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 232
لأظنه قد جاء بشر، فأذن له فدخل، فقال: يا حسن، إني جئتك من عند سلطان وجئتك بعزمه، قال: تكلم، قال: أرسل مرون ويك بعلي) وبعلي وبعلي، ويك ويك ويك، وما وجدت مثلك إلا مثل البغلة، يقال لها: من أبوك، فتقول: أمي الفرس، قال: ارجع إليه فقل له: إني والله لا أمحو عنك شيئاً مما قلت، فلن أسبك، ولكن موعدي موعدك الله، فإن كنت صادقاُ فجزاك الله بصدقك، وإن كنت كاذباً فالله أشد نقمة، وقد أكرم الله جدي أن يكون مثله أو قال مثلي مثل البغلة، فخرج الرجل، فلما كان في الحجرة لقي الحسين، فقال: ما جئت به قال: رسالة. قال: والله لتخبرني أو لآمرن بضربك، فقال: ارجع، فرجع، فلما رآه الحسن قال: أرسله، قال: إني لا أستطيع، قال: لم قال: إني قد حلفت، قال: قد لج فأخبره، فقال: أكل فلان بظر أمه إن لم يبلغه عني ما أقول له، قل له: ويل لك ولأبيك ولقومك، وآية بيني وبينك أن يمسك منكبيك من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فقال وزاد. وقال حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن أبي يحيى قال: كنت بين الحسن والحسين ومروان، والحسين يساب مروان، فجعل الحسن ينهاه، فقال مروان: إنكم أهل بيت ملعونون، فغضب الحسين وقال: ويلك، قلت هذا، فوالله لقد لعن الله أباك على لسان نبيه وأنت في صلبه. رواه جرير، عن عطاء، عن أبي يحيى النخعي. وقال حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن الحسن والحسين كانا يصليان خلف مروان، فقيل: أما كانا يصليان إذا رجعا إلى منازلهما قالا: لا والله. وقال الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(5/232)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 233
إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً اتخذوا مال الله دولاً، ودين الله دغلاً، وعبادة الله خولاً. سنده ضعيف، وكان عطية مع ضعفه شيعياً غالياً، لكن الحديث من قول أبي هريرة رواه العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عنه. وقد روى أبو المغيرة، عن أبي بكر بن أبي مريم، عن راشد بن سعد قال: قال أبو ذر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا بغت بنو أمية أربعون رجلاً اتخذوا عبادة الله ولاً، ومال الله دولاً، وكتاب الله دغلاً. إسناده منقطع. وذكر عوانة بن الحكم، أن مروان قدم ببني أمية على حسان بن مالك بن بحدل وهو بالجيابية فقال: أتيتني بنفسك إذ أبيت أن آتيك، والله لأجادلن عنك في قبائل اليمن، أو أسلمها إليك، فبايع حسان أهل الأردن لمروان، على أن يبايع مروان لخالد بن يزيد، وله إمرة حمص، ولعمرو بن) سعيد إمرة دمشق، وذلك في نصف ذي القعدة. وقال أبو مسهر: بايع مروان أهل دمشق، وسائر الناس زبيريون، ثم اقتتل مروان وشيعة ابن الزبير يوم راهط فظفر مروان وغلب على الشام ومصر، وبقي تسعة أشهر، ومات. قال الليث: توفي في أول رمضان. وقال ابن وهب: سمعت مالكاً يذكر مروان يوماً، فقال: قرأت كتاب الله منذ أربعين سنة، ثم أصبحت فيما أنا فيه من هرق الدماء، وهذا الشأن. وقال ابن سعد: كانوا ينقمون على عثمان تقريب مروان وتصرفه، وكان كاتبه، وسار مع طلحة والزبير يطلبون بدم عثمان، فقاتل يوم الجمل

(5/233)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 234
أشد قتال، فلما رأى الهزيمة رمى طلحة بسهم فقتله، وقد أصابته جراح يومئذ، وحمل إلى بيت امرأة، فداووه واختفى، فأمنه علي، فبايعه وانصرف إلى المدينة، وأقام بها حتى استخلف معاوية، وقد كان يوم الحرة مع مسلم بن عقبة، وحرضه على أهل المدينة، قال: وكان قد أطمع خالد بن يزيد، ثم بدا له، وعقد لولديه عبد الملك وعبد العزيز، فأخذ يضع منه ويزهد الناس فيه، وكان يجلس معه، فدخل يوماً فزبره وقال: تنح يا ابن رطبة الإست، والله مالك عقل، فأضمرت أمه السوء لمروان، فدخل عليها فقال: هل قال لك خالد شيئاً فأنكرت، وكان قد تزوج بها، فقام، فوثبت هي وجواريها فعمدت إلى وسادة فوضعتها على وجهه، وغمرته هي والجواري حتى مات، ثم صرخن وقلن مات فجأة. وقال الهيثم بن مروان: مات مطعوناً بدمشق.
4 (مسلم بن عقبة)
الذي يقال له: مسرف بن عقبة بن رباح بن أسعد، أبو عقبة المري. أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد صفين على الرجالة مع معاوية، وهو صاحب وقعة الحرة، وداره بدمشق موضع الخشب الكبير قبلي دار البطيخ،

(5/234)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 235
هلك بالمشلل بين مكة والمدينة، وهو قاصد إلى قتال ابن الزبير، لسبع بقين من المحرم سنة أربع وستين. وروى المدائني، عن محمد بن عمر، أظنه الواقدي قال: قال ذكوان مولى مروان: شرب مسلم داوء بعدما نهب المدينة، ودعا بالغداء، فقال له الطبيب: لا تعجل، قال: ويحك إنما كنت أحب البقاء حتى أشفي نفسي من قتلة أمير المؤمنين عثمان، فقد أدركت ما أردت، فليس شيء أحب) إلي من الموت على طهارتي، فإني لا أشك أن الله قد طهرني من ذنوبي بقتل هؤلاء الأرجاس. وقال الواقدي: حدثني الضحاك بن عثمان، عن جعفر بن خارجة قال: خرج مسرف بن عقبة يريد مكة وتبعته أم ولد ليزيد بن عبد الله بن زمعة تسير وراءهم، ومات مسرف فدفن بثنية المشلل، فنبشته ثم صلبته على المشلل. قال الزبير بن بكار: وكان قد قتل مولاها أبا ولدها. وقيل: إنها نبشته، فوجدت ثعباناً يمص أنفه، وأنها أحرقته، فرضي الله عنها وشكر سعيها.
4 (مسروق بن الأجدع)
واسم الأجدع عبد الرحمن بن مالك بن أمية، أبو عائشة الهمداني، ثم الوادعي الكوفي.

(5/235)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 236
مخضرم، سمع: أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعلياً، وابن مسعود، ومعاذاً، وأبي بن كعب، وخباب بن الأرت، وعائشة، وطائفة. روى عنه: أبو وائل، وسعيد بن جبير، وأبو الضحى، وإبراهيم النخعي، ويحيى بن وثاب، وأبو إسحاق السبيعي، وعبد الله بن مرة، وآخرون. وقدم الشام في طلب العلم، وشهد الحكمين، فقال روح بن عبادة: حدثني المثنى القصير، عن محمد بن المنتشر، عن مسروق قال: كنت مع أبي موسى أيام الحكمين، وفسطاطي إلى جنب فسطاطه، فيصبح الناس ذات يوم قد لحقوا بمعاوية من الليل، فلما أصبح أبو موسى رفع رفرف فسطاطه، فقال: يا مسروق بن الأجدع، قلت: لبيك أبا موسى، قال: إن الإمارة ما اؤتمر فيها، وإن الملك ما غلب عليه بالسيف. وقال ابن سعد: كان مسروق ثقة، له أحاديث صالحة، وقد روى عن: عمر، وعلي، وأبي، وعبد الله، ولم يرو عن عثمان شيئاً.

(5/236)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 237
وقال البخاري: رأى أبا بكر. وقال أبو حاتم الرازي: روى عن: أبي بكر، وعمر وعثمان، وعلي. وقال مجالد، عن الشعبي، عن مسروق: قدمت على عمر فقال: ما اسمك قلت: مسروق بن الأجدع، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الأجدع شيطان. أنت مسروق بن عبد الحمن. وقال أبو داود السجستاني: كان الأجدع أفرس فارس باليمن. وابنه مسروق ابن أخت عمرو بن) معديكرب. وقال ابن عيينة: ثنا أيوب بن عائذ الطائي قال: قلت للشعبي: رجل نذر أن ينحر ابنه، قال: لعلك من القياسين، ما علمت أحداً من الناس كان أطلب للعلم في أفق من الآفاق من مسروق، قال: لا نذر في معصية. وقال علي بن المديني: ما أقدم على مسروق أحداً من أصحاب عبد الله، صلى خلف أبي بكر، ولقي عمر، وعلياً، ولم يرو عن عثمان شيئاً. وعن مسروق قال: اخلتفت إلى عبد الله من رمضان إلى رمضان، ما أغبه يوماً. وقال مجالد، عن الشعبي، عن مسروق قال: قالت عائشة: يا مسروق إنك من ولدي، وإنك لمن أحبهم إلي، فها عندك علم بالمخدج. فذكر الحديث.

(5/237)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 238
وقال مالك بن مغول: سمعت أبا السفر يقول: ما ولدت همدانية مثل مسروق. وقال منصور، عن إبراهيم قال: كان أصحاب عبد الله الذي يقرئون الناس ويعلمونهم السنة: علقمة، والأسود، وعبيدة، ومسروق، والحارث بن قيس، وعمرو بن شرحبيل. وقال عبد الملك بن أبجر، عن الشعبي قال: كان مسروق أعلم بالفتوى من شريح، وشريح أعلم منه بالقضاء، وكان شريح يستشير مسروقاً، وكان مسروق لا يستشير شريحاً. وقال سفيان الثوري: بقي مسروق بعد علقمة لا يفضل عليه أحداً. وقال عاصم، عن الشعبي: إن عبيد الله بن زياد حين قدم الكوفة قال: أي أهل الكوفة أفضل قالوا: مسروق. وعن الشعبي قال: إن كان أهل بيت خلقوا للجنة فهؤلاء: الأسود، وعلقمة، ومسروق. وقال خليفة: لم يزل شريح على قضاء الكوفة، فأحدره معه زياد إلى البصرة، فقضى مسروق حتى رجع شريح، وذكر أن شريحاً غاب سنة. وقال الأعمش، عن القاسم قال: كان مسروق لا يأخذ على القضاء رزقاً. عارم: ثنا حماد، عن مجالد: أن مسروقاً قال: لأن أقضي بقضية

(5/238)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 239
فأوافق الحق أحب إلي من رباط سنة في سبيل الله عز وجل. وقال مجالد، عن الشعبي، عن مسروق: لأن أفتي يوماً بعدل وحق، أحب إلي من أن أغزو في سبيل الله سنة.) وقال شعبة، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر ابن أخي مسروق: إن خالد بن عبد الله بن أسيد عامل البصرة أهدى إلى مسروق ثلاثين ألفاً، وهو يومئذ محتاج، فلم يقبلها. وقال يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه قال: أصبح مسروق يوماً وليس لعياله رزق، فجاءته امرأته قمير فقالت: يا أبا عائشة، إنه ما أصبح لعيالك اليوم رزق، فتبسم وقال: والله ليأتينهم الله برزق. وقال سالم بن أبي الجعد: كلم مسروق زياداً لرجل في حاجة، فبعث إليه بوصيف، فرده، وحلف ألا يكلم له في حاجة أبداً. وقال الأصمعي: سمعت أشياخنا يقولون: انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين: عامر بن عبي قيس، وهرم بن حيان، وأويس القرني، وأبي مسلم الخولاني، والأسود، ومسروق، والحسن البصري، والربيع بن خثيم. وقال إسرائيل: ثنا أبو إسحاق أن مسروقاً زوج بنته بالسائب بن الأقرع على عشرة آلاف اشترطها لنفسه، وقال: جهز أنت امرأتك من عندك، وجعلها مسروق في المجاهدين والمساكين. وقال الأعمش، عن أبي الضحى قال: غاب مسروق في السلسلة

(5/239)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 240
سنتين يعني عاملاً عليها فلما قدم نظر أهله في خرجه فأصابوا فأساً بغير عود، فقالوا: غبت سنتين، ثم جئتنا بفأس بغير عود قال: إنا لله، تلك فأس استعرناها، نسينا نردها. وقال الشعبي: بعثه ابن زياد إلى السلسلة، فانطلق، فمات بها. وقال الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق قال: والله ما عملت عملاً أخوف عندي أن يدخلني النار من عملكم هذا، وما بي أن أكون ظلمت فيه مسلماً ولا معاهداً ديناراً ولا درهماً، ولكن ما أدري ما هذا الجعل الذي لم يسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكر، ولا عمر، قيل: فما حملك قال: لم يدعني زياد، ولا شريح، ولا الشيطان، حتى دخلت فيه. وقال سعيد بن جبير: قال لي مسروق: ما بقي شيء يرغب فيه إلا أن نعفر وجوهنا في التراب وما آسى على شيء إلا السجود لله تعالى. وقال إسحاق: حج مسروق، فما نام إلا ساجداً حتى رجع. وقال هشام بن حسان، عن محمد عن امرأة مسروق قالت: ما كان مسروق يوجد إلا وساقاه قد انتفختا من طول القيام، وإن كنت لأجلس خلفه، فأبكي رحمة له.) ورواه أنس بن سيرين، عن امرأة مسروق. وقال أبو الضحى، عن مسروق: إنه سئل عن بيت شعر فقال: أكره أن أجد في صحيفتي شعراً.

(5/240)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 241
وقال هشام بن الكلبي، عن أبيه قال: شلت يد مسروق يوم القادسية، وأصابته آمة. وقال أبو الضحى، عن مسروق، وكان رجلاً مأموماً، فقال: ما أحب أنها ليست بي، لعلها لو لم تكن بي، كنت في بعض هذه الفتن. وقال وكيع: لم يتخلف عن علي من الصحابة إلا سعد، ومحمد بن مسلمة، وأسامة بن زيد، وابن عمر، ومن التابعين: مسروق، والأسود، والربيع بن خثيم، وأبو عبد الرحمن السلمي. وقال عمرو بن مرة، عن الشعبي قال: كان مسروق إذا قيل له: أبطأت عن علي وعن مشاهده ولم يكن شهد معه يقول: أذكركم الله، أرأيتم لو أنه صف بعضكم لبعض، وأخذ بعضكم على بعض السلاح، يقتل بعضكم بعضاً، فنزل ملك بين الصفين فقال هذه الآية: ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً أكان ذلك حاجزاً لكم قالوا: نعم، قال: فوالله لقد نزل بها ملك كريم، على لسان نبيكم، وإنها لمحكمة ما نسخها شيء. وقال عاصم بن أبي النجود: ذكر أن مسروقاً أتى صفين، فوقف تبين الصفين، ثم قال: أرأيتم لو أن منادياً، فذكر نحوه، ثم ذهب. وعن أبي ليلى قال: شهد مسروق النهروان مع علي. وقال شريك، عن أبي إسحاق، عن عامر قال: ما مات مسروق حتى استغفر الله من تخلفه عن علي. قال أبو النعيم: توفي مسروق سنة اثنتين وستين.

(5/241)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 242
وقال المدائني، وابن نمير، ومحمد بن سعد: سنة ثلاث. وقال أبو شهاب الخياط: هو مدفون بالسلسلة بواسط.
4 (مسلمة بن مخلد)
ابن الصامت الأنصاري والخزرجي، أبو معن، ويقال: أبو سعيد، ويقال: أبو معاوية، ويقال أبو معمر، له صحبة ورواية. قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولي عشر سنين رسول الله صلى الله عليه وسلم. روى عنه: أبو أيوب الأنصاري مع جلالته، ومحمود بن لبيد، ومحمد

(5/242)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 243
ابن سيرين، ومجاهد،) وعلي بن رباح، وأبو قبيل حيي بن هانيء، وعبد الرحمن بن شماسة، وشيبان بن أمية وآخرون. وكان من أمراء معاوية يوم صفين، كان على أهل فلسطين، وقيل: لم يفد على معاوية إلا بعد انقضاء صفين، ولي إمرة مصر لمعاوية وليزيد، وذكر أن له صحبة جماعة منهم: ابن سعد، وأبو سعيد بن يونس، والدارقطني. وقال ابن أبي حاتم: كان البخاري كتب أن لمسلمة بن مخلد صحبة، فغير أبي ذلك، وقال: ليست له صحبة. وقال ابن مهدي، ومعن بن عيسى، عن موسى بن علي، عن أبيه، عن مسلمة: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وأنا ابن أربع سنين، توفي وأنا ابن أربع عشرة. وقال وكيع: عن موسى بخلاف ذلك، وقال: هو أقرب عهداً بالكتاب. وقال الليث بن سعد: وفي سنة سبع وأربعين نزع عقبة بن عامر عن مصر، وولي مسلمة، فبقي عليها إلى أن مات. وقال مجاهد: صليت خلف مسلمة بن مخلد، فقرأ بسورة البقرة، فما ترك واواً ولا ألفاً. وقال الليث: توفي سنة اثنتين وستين.

(5/243)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 244
وقال ابن يونس: في ذي القعدة بالإسكندرية.
4 (المسور بن مخرمة)
ابن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن قصي بن كلاب، أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو عثمان الزهري ابن عاتكة أخت عبد الرحمن بن عوف.

(5/244)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 245
له صحبة ورواية، روى أيضاً عن: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وخاله. روى عنه: علي بن الحسين، وعروة، وسليمان بن يسار، وابن أبي مليكة، وولداه عبد الرحمن، وأم بكر، وعبد الله بن حنين، وعمرو بن دينار. وقدم بريداً لدمشق من عثمان إلى معاوية أيام حصر عثمان، ووفد على معاوية في خلافته، وكان ممن يلزم عمر ويحفظ عنه، وانحاز إلى مكة كابن الزبير، وكره إمرة يزيد، وأصابه حجر منجنيق لما حاصر الحصين بن نمير ابن الزبير. قال الزبير بن بكار: وكانت الخوارج تغشاه وتعظمه وينتحلون رأيه، حتى قتل تلك الأيام.) وقال أبو عامر العقدي: أنبأ عبد الله بن جعفر، عن أم بكر أن أباها احتكر طعاماً، فرأى سحاباً من سحاب الخريف فكرهه، فلما أصبح جاء إلى السوق فقال: من جاءني وليته، فبلغ ذلك عمر، فأتاه بالسوق فقال: أجننت يا مسور قال: لا والله، ولكني رأيت سحاباً من سحاب الخريف، فكرهته فكرهت أن أربح فيه، وأردت أن لا أربح فيه فقال عمر: جزاك الله خيراً. وقال إسحاق الكوسج: قال ابن معين: مسور بن مخرمة ثقة، إنما كتبت هذا للتعجب، فإنهم متفقون على صحبة المسور، وأنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن مهب: ثنا حيوة، ثنا عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة: أن المسور أخبره أنه قدم على معاوية، فقضى حاجته، ثم خلا به فقال: يا مسور، ما فعل طعنك على الأئمة قال: دعنا من هذا، وأحسن فيما قدمنا له، قال معاوية: والله لتكلمني بذات نفسك بالذي تعيب علي، قال: فلم أترك شيئاً أعيبه عليه إلا بينته له، فقال: لا أبرأ من الذنب، فهل تعد لنا يا مسور بما نلي من الإصلاح في أمر العامة، فإن الحسنة بعشر أمثالها، أم

(5/245)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 246
تعد الذنوب وتترك الإحسان ! قلت: لا والله ما نذكر إلا ما نرى من الذنوب، فقال: فإنا نعترف لله بكل ذنب أذنبناه، فهل لك يا مسور ذنوب في خاصتك تخشى أن تهلكك إن تلم يغفر الله لك قال: نعم، قال: فمل يجعلك برجاء المغفرة أحق مني فوالله ما ألي من الإصلاح أكثر مما تلي، ولكن والله لا أخير بين أمرين، بين الله وغيره إلا اخترت الله على ما سواه، وإني لعلى دين يقبل فيه العمل، ويجزى فيه بالحسنات، ويجزى فيه بالذنوب، إلا أن يعفو الله عنها، وإني أحتسب كل حسنة عملتها بأضعافها من الأجر، وألي أموراً عظاماً من إقامة الصلاة، والجهاد، والحكم بما أنزل الله. قال: فعرفت أنه قد خصمني لما ذكر ذلك. قال عروة: فلم أسمع المسور ذكر معاوية إلا صلى عليه. وعن أم بكر بنت المسور أن المسور كان يصوم الدهر، وكان إذا قدم مكة طاف لكل يوم غاب عنها سبعاً، وصلى ركعتين. وقال الواقدي: ثنا عبد الله بن جعفر، عن عتمة أم بكر بنت المسور، عن أبيها، أنه وجد يوم القادسية إبريق ذهب عليه الياقوت والزبرجد، فلم يدر ما هو، فلقيه فارسي فقال: آخذه بعشرة آلاف، فعرف أنه شيء، فبعث به إلى سعد بن أبي وقاص، فنفله إياه، وقال: لا تبعه بعشرة آلاف، فباعه له سعد بمائة ألف، ودفعها إلى المسور، ولم يخمسها. وعن عطاء بن يزيد الليثي قال: لحق بابن الزبير بمكة، فكان ابن الزبير لا يقطع أمراً دونه.) قال الواقدي: وحدثني شرحبيل بن أبي عون. عن أبيه قال: لما دنا الحصين بن نمير أخرج المسور سلاحاً قد حمله من المدينة ودروعاً ففرقها في موال له كهول فرس جلد، فدعاني، ثم قال لي: يا مولى

(5/246)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 247
عبد الرحمن بن مسور، قلت: لبيك، قال: اختر درعاً، فاخترت درعاً وما يصلحها، وأنا يومئذ غلام حدث، فرأيت أولئك الفرس غضبوا وقالوا: تخيره علينا والله لو جد الجد تركك، فقال: لتجدن عنده حزماً، فلما كان القتال أحدقوا به، ثم انكشفوا عنه، واختلط الناس، والمسور يضرب بسيفه، وابن الزبير في الرعيل الأول يرتجز قدماً، ومعه مصعب بن عبد الرحمن بن عوف يفعلان الأفاعيل، إلى أن أحدقت جماعة منهم بالمسور، فقام دونه مواليه، فذبوا عنه كل الذب، وجعل يصيح بهم، فما خلص إليه، ولقد قتلوا من أهل الشام يومئذ نفراً. قال: وحدثني عبد الله بن جعفر، عن أم بكر، وأبي عون قالا: أمات المسور حجر المنجنيق، ضرب البيت فانفلق منه فلقة، فأصابت خد المسور وهو قائم يصلي، فمرض منها أياماً، ثم مات في اليوم الذي جاء فيه نعي يزيد، وابن الزبير يومئذ لا يسمى بالخلافة، بل الأمر شورى. زادت أم بكر: كنت أرى العظام تنزع من صفحته، وما مكث إلا خمسة أيام ومات. فذكرته لشرحبيل بن أبي عون فقال: حدثني أبي قال: قال لي المسور: هات درعي، فلبسها، وأبى أن يلبس المغفر، قال: وتقبل ثلاثة أحجار، فيضرب الأول الركن الذي يلي الحجر فخرق الكعبة حتى تغيب، ثم اتبعه الثاني في موضعه، ثم الثالث فينا، وتكسر منه كسرة، فضربت خد المسور وصدغه الأيسر، فهشمته هشماً، فغشي عليه، واحتملته أنا ومولى له، وجاء الخبر ابن الزبير، فأقبل يعدو، فكان فيمن حمله، وأدركنا مصعب بن عبد الرحمن وعبيد بن عمير، فمكث يومه لا يتكلم، فأفاق من الليل، وعهد ببعض ما يريد، وجعل عبيد بن عمير يقول: يا أبا عبد الرحمن كيف ترى في قتال هؤلاء فقال: على ذلك قتلنا، فكان ابن الزبير لا يفارقه بمرضه حتى مات، فولي ابن الزبير غسله، وحمله فيمن حمله إلى الحجون، وإنا لنطأ، به القتلى ونمشي بين أهل الشام، فصلوا معنا عليه.

(5/247)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 248
قلت: لأنهم علموا يومئذ بموت يزيد، وكلم حصين بن نمير عبد الله بن الزبير في أن يبايعه بالخلافة، وبطل القتال بينهم. وعن أم بكر قالت: ولد المسور بمكة بعد الهجرة بسنتين، وبها توفي لهلال ربيع الآخر سنة) أربع وستين. وقال الهيثم: توفي سنة سبعين، وهو غلط منه. وقال المدائني: مات سنة ثلاث وسبعين من حجر المنجنيق، فوهم أيضاً، اشتبه عليه بالحصار الأخير. وتابعه يحيى بن معين. وعلى القول الأول جماعة منهم: يحيى بن بكير، وأبو عبيد، والفلاس، وغيرهم.
4 (المسيب بن نجبة بن ربيعة الفزاري)
صاحب علي. سمع: علياً، وابنه الحسن، وحذيفة. وروى عنه: عتبة بن أبي عتبة، وسوار أبو إدريس، وأبو إسحاق السبيعي. وقدم مع خالد بن الوليد من العراق، وشهد حصار دمشق، وكان أحد من خرج من الكبار في جيش التوابين الذين خرجوا يطلبون بدم الحسين، وقتل بالجزيرة سنة خمس وستين كما ذكرنا بعدما قاتل قتالاً شديداً.

(5/248)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 249
4 (مصعب بن عبد الرحمن بن عوف الزهري،)
أحد الكبار الذين كانوا مع ابن الزبير، وقتل معه في الحصار سنة أربع وستين. كان مصعب هذا قد ولي قضاء المدينة، وشرطتها في إمرة مروان عليها، ثم لحق بابن الزبير، وكان بطلاً شجاعاً، له مواقف مشهورة، قتل عدة من الشاميين، ثم توفي، فلما مات هو والمسور دعا ابن الزبير إلى نفسه.
4 (معاذ بن الحارث أبو حليمة الأنصاري)
المدني القاريء. روى عنه: ابن سيرين، ونافع مولى ابن عمر. قالت عمرة: ما كان يوقظنا من الليل إلا قراءة معاذ القاريء. قتل معاذ يوم الحرة.
4 (معاوية بن حيدة القشيري)
جد بهز بن حكيم، له صحبة

(5/249)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 250
ورواية، نزل بالبصرة ثم غزا خراسان ومات بها. روى عنه: ابنه حكيم، وحميد المري رجل مجهول. حديثه في السنن الأربعة، أعني معاوية.
4 (معاوية بن يزيد)
) ابن معاوية بن أبي سفيان الأموي، أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو يزيد، ويقال: أبو ليلى، استخلف بعهد من أبيه عند موته في ربيع الأول، وكان شاباً صالحاً لم تطل خلافته، وأمه هي أم هاشم بنت أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة، ومولده سنة ثلاث وأربعين.

(5/250)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 251
قال إسماعيل الخطبي: رأيت صفته في كتاب أنه كان أبيض شديداً، كثير الشعر، كبير العينين، أقنى الأنف، جميل الوجه، مدور الرأس. وعن أبي عبيدة قال: ولي معاوية بن يزيد ثلاثة أشهر، فلم يخرج إلى الناس، ولم يزل مريضاً، والضحاك بن قيس يصلي بالناس. وقال جرير بن حازم: إن معاوية بن يزيد استخلفه أبوه، فولي شهرين، فلما احتضر قيل: لو استخلفت، فقال: كفلتها حياتي، فأتضمنها بعد موتي. وأبى أن يستخلف. وقال أبو مسهر، وأبو حفص الفلاس: ملك أربعين ليلة، وكذا قال ابن الكلبي. وقال أبو معشر، وغيره: عاش عشرين سنة. توفي بدمشق.
4 (معقل بن سنان الأشجعي)
له صحبة ورواية، وكان حامل لواء قومه يوم فتح مكة، وهو راوي

(5/251)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 252
حديث بروع. روى عنه: علقمة، ومسروق، والأسود، وسالم بن عبد الله بن عمر، والحسن البصري. وكان يكون بالكوفة، فوفد على يزيد، فرأى منه قبائح، فسار إلى المدينة وخلع يزيد، وكان من رؤوس أهل الحرة. قال الحاكم أبو أحمد: كنيته أبو سنان، ويقال: أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو يزيد، من غطفان، قتل صبراً يوم الحرة، فقال الشاعر:
(ألا تلكم الأنصار تبكي سراتها .......... وأشجع تبكي معقل بن سنان)
وقال الواقدي: حدثني عبد الرحمن بن عثمان بن زياد الأشجعي، عن أبيه، عن جده قال: كان معقل بن سنان قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحمل لواء قومه يوم الفتح، وكان شاباً طرياً، وبقي بعد ذلك، فبعثه الوليد بن عتبة أمير المدينة ببيعة يزيد، فقدم الشام في وفد من أهل المدينة، فاجتمع معقل ومسلم بن عقبة فقال، وكان قد آنسه وحادثه: إني خرجت كرهاً ببيعة هذا، وقد كان من القضاء والقدر خروجي إليه رجل يشرب الخمر وينكح الحرم، ثم نال منه واستكتمه ذلك، فقال: أما أن أذكر ذلك لأمير المؤمنين يومي هذا فلا والله، ولكن لله علي) عهد وميثاق إن مكنت منك لأضربن الذي فيه عيناك، فلما قدم مسلم المدينة وأوقع بهم، كان معقل يومئذ على

(5/252)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 253
المهاجرين، فأتى به مأسوراً، فقال: يا معقل أعطشت قال: نعم، قال: أحضروا له شربة ببلور، ففعلوا، فشرب، وقال: أرويت قال: نعم، قال: أما والله لا تتهنأ بها، يا مفرج قم فاضرب عنقه، فضرب عنقه. وقال المدائني، عن عوانة، وأبي زكريا العجلاني، عن عكرمة بن خالد: إن مسلماً لما دعا أهل المدينة إلى البيعة، يعني بعد وقعة الحرة، قال: ليت شعري ما فعل معقل بن سنان، وكان له مصافياً، فخرج ناس من أشجع، فأصابه في قصر العرصة، ويقال: في جبل أحد، فقالوا له: الأمير يسأل عنك فارجع إليه، قال: أنا أعلم به منكم، إنه قاتلي، قالوا: كلا، فأقبل معهم، فقال له: مرحباً بأبي محمد، أظنك ظمآن، وأظن هؤلاء أتعبوك، قال: أجل، قال: شوبوا له عسلاً بثلج، ففعلوا وسقوه، فقال: سقاك الله أيها الأمير من شراب أهل الجنة، قال: لا جرم والله لا تشرب بعدها حتى تشرب من حميم جهنم، قال: أنشدك الله والرحم، قال: ألست قلت لي بطبرية وأنت منصرف من عند أمير المؤمنين وقد أحسن جائزتك: سرنا شهراً وخسرنا ظهراً، نرجع إلى المدينة فنخلع الفاسق يشرب الخمر، عاهدت الله تلك الليلة لا ألقاك في حرب أقدر عليك إلا قتلتك، وأمر به فقتل.
4 (معقل بن يسار المزني البصري،)
ممن بايع تحت الشجرة.

(5/253)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 254
روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وعن النعمان بن مقرن. روى عنه: عمران بن حصين مع تقدمه، وأبو المليح بن أسامة الهذلي، والحسن البصري، ومعاوية بن قرة، وعلقمة بن عبد الله المزنيان، وغيرهم. وقال ابن سعد: لا نعلم في الصحابة من يكنى أبا علي سواه.
4 (معن بن يزيد)
ابن الأخنس بن حبيب السلمي، له ولأبيه وجده الأخنس صحبة. وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً أو حديثين. روى عنه: أبو الجويرية حطان بن خفاف الجرمي، وسهيل بن ذراع، وغيرهما.

(5/254)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 255
وكان من فرسان قيس، شهد فتح دمشق، وله بها دار، وشهد صفين مع معاوية.) قال أبو عوانة، عن أبي الجويرية، عن معن بن يزيد قال: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم أنا وأبي، وجدي، فأنكحني، وخطب علي. وقال الليث، عن يزيد بن أبي حبيب: إن معن بن يزيد بن الأخنس من بني سليم، كان هو وأبوه وجده تمام عدة أصحاب بدر، ولا أعلم رجلاً وابنه وابن ابنه شهدوا بدراً مسلمين غيرهم. قلت: لا نعلم ليزيد متابع على هذا القول. وقد ذكر المفضل الغلابي وغيره أن لهم صحبة. وقال محمد بن سلام الجمحي: سمعت بكار بن محمد بن واسع قال: قال معاوية: ما ولدت قرشية لقرشي خيراً لها في دينها من محمد صلى الله عليه وسلم، وما ولدت قرشية لقرشي خيراً لها في دنياها مني، فقال معن بن يزيد: ما ولدت قرشية لقرشي شراً لها في دنياها منك، قال: ولم قال: لأنك عودتهم عادة كأني بهم قد طلبوها من غيرك، فكأني بهم صرعى في الطريق، قال: ويحك، والله إني لأكاتمها نفسي منذ كذا وكذا. قال ابن سميع وغيره: قتل معن بن يزيد بن الأخنس، وأبوه براهط، وقال غيره: بقي معن يسيراً بعد راهط.
4 (المغيرة بن أبي شهاب المخزومي)
قال يحيى الذماري: قرأت على ابن عامر، وقرأ ابن عامر على المغيرة بن أبي شهاب، وقرأ المغيرة على عثمان بن عفان.

(5/255)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 256
4 (المنذر بن الجارود العبدي)
لأبيه صحبة، وكان سيداً جواداً شريفاً ولي إصطخر لعلي، ثم ولي ثغر الهند من قبل عبيد الله بن زياد، فمات هناك سنة إحدى وستين، وله ستون سنة. وهو مذكور في الطبقة الآتية.
4 (المنذر بن الزبير)
ابن العوام بن خويلد بن أسد، أبو عثمان الأسدي، ابن حواري النبي صلى الله عليه وسلم، وأمه أسماء بنت الصديق. ولد في أخر خلافة عمر، وغزا القسطنطينية مع يزيد، ولما استخلف يزيد وفد عليه. قال الزبير بن بكار: فحدثني مصعب بن عثمان أن المنذر بن الزبير غاضب أخاه عبد الله، فسار إلى الكوفة، ثم قدم على معاوية، فأجازه بألف ألف درهم، وأقطعه، فمات معاوية قبل أن) يقبض المنذر الجائزة، وأوصى

(5/256)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 257
معاوية أن يدخل المنذر في قبره. وفي الموطأ عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة أنها زوجت حفصة بنت أخيها المنذر بن الزبير، فلما قدم أخوها عبد الرحمن من الشام قال: ومثلي يصنع به هذا ويفتات عليه فكلمت عائشة المنذر، فقال: إن ذلك بيد عبد الرحمن، فقال عبد الرحمن: ما كنت لأرد أمراً قضيتيه، فقرت حفصة عند المنذر، ولم يكن ذلك طلاقاً. وقال ابن سعد: فولدت له عبد الرحمن، وإبراهيم، وقريبة، ثم تزوجها الحسن بن علي رضي الله عنهما. وقال الزبير بن بكار: لما ورد على يزيد خلاف ابن الزبير، كتب إلى ابن زياد أن يستوثق من المنذر ويبعث به، فأخبره بالكتاب، وقال: إذهب وأنا أكتم الكتاب ثلاثاً، فخرج المنذر، فأصبح الليلة الثامنة بمكة صباحاً، فارتجز حاديه:
(قاسين قبل الصبح ليلاً منكرا .......... حتى إذا الصبح انجلى وأسفرا)

(أصبحن صرعى بالكثيب حسرا .......... لو يتكلمن شكون المنذرا)
فسمع عبد الله بن الزبير صوت المنذر على الصفا، فقال: هذا أبو عثمان حشته الحرب إليكم. فحدثني محمد بن الضحاك قال: كان المنذر بن الزبير، وعثمان تبن عبد الله بن حكيم بن حزام يقاتلان أهل الشام بالنهار، ويطعمانهم بالليل. وقتل المنذر في نوبة الحصين، وله أربعون سنة.

(5/257)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 258
4 (حرف النون)

4 (النابغة الجعدي)
الشاعر المشهور أبو ليلى، له صحبة ووفادة، وهو من بني عامر بن صعصعة، فعن عبد الله بن صفوان قال: عاش النابغة مائة وعشرين سنة، ومات بأصبهان. وروي أن النابغة قال هذه الأبيات:

(5/258)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 259
(المرء يهوى أن يعي .......... ش وطول عمر قد يضره)

(وتتابع الأيام ح .......... تى ما يرى شيئاً يسره)

(تفنى بشاشته ويب .......... قى بعد حلو العيش مره)
ثم دخل بيته فلم يخرج حتى مات.) وقال يعلى بن الأشدق، وليس بثقة: سمعت النابغة يقول: أنشدت النبي صلى الله عليه وسلم:
(بلغنا السماء مجدنا وجدودنا .......... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا)
فقال: أين المظهر يا أبا ليلى قلت: الجنة، قال أجل إن شاء الله، ثم قلت:
(ولا خير في حلم إذا لم تكن له .......... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا)

(ولا خير في جهل إذا لم يكن له .......... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا)
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يفضض الله فاك، مرتين. قلت: كان النابغة يتنقل في البلاد ويمدح الكبار وعمر دهراً ومات في أيام عبد الملك. قال محمد بن سلام: اسمه قيس بن عبد الله بن عدس بن ربيعة بن جعدة.

(5/259)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 260
روي عن: عبد الله بن عروة بن الزبير أن نابغة بني جعدة لما أقحمت السنة أتى ابن الزبير، وهو يومئذ بالمدينة، فأنشده في المسجد:
(حكيت لنا الصديق لما وليتنا .......... وعثمان والفاروق فارتاح معدم)

(وسويت بين الناس في الحق فاستووا .......... فعاد صباحاً حالك الليل مظلم)
في أبيات، فأمر له بسبع قلائص وراحلة تمر وبر، وقال له: لك في مال الله حقان، حق لرؤيتك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحق لشركتك أهل الإسلام، وذكر الحديث.
4 (نجدة بن عامر الحنفي الحروري،)
من رؤوس الخوارج، مال عليه أصحاب ابن الزبير فقتلوه بالجمار. وقيل: اختلف عليه أصحابه فقتلوه في سنة تسع وستين.
4 (النعمان بن بشير)
ابن سعد بن ثعلبة، أبو عبد الله، ويقال: أبو محمد الأنصاري

(5/260)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 261
الخزرجي، ابن أخت عبد الله بن رواحة. شهد أبوه بدراً. وولد النعمان سنة اثنتين من الهجرة، وحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث. روى عنه: ابنه محمد، والشعبي، وحميد بن عبد الرحمن بن عوف،

(5/261)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 262
وأبو سلام الأسود، وسماك بن حرب، وأبو إسحاق، ومولاه حبيب بن سالم، وسالم بن أبي الجعد، وأبو قلابة الجرمي، وغيرهم.) وكان منقطعاً إلى معاوية فولاه الكوفة مدة، وولي قضاء دمشق بعد فضالة بن عبيد، وولي إمرة حمص مدة. وقال البخاري: ولد عام الهجرة، وهو أول مولود ولد للأنصار. وقد ورد أن أعشى همدان وفد على النعمان وهو أمير حمص فقال له: ما أقدمك قال: جئت لتصلني، وتحفظ قرابتي، وتقضي ديني، فأطرق ثم قال: والله ما شيء، ثم قال: هه، كأنه ذكر شيئاً، فقام فصعد المنبر، فقال: يا أهل حمص وهم في الديوان عشرون ألفاً هذا ابن عمكم من أهل القرآن والشرف قدم عليكم يسترفدكم، فما ترون قالوا: أصلح الله الأمير احتكم له، فأبى عليهم، قالوا: فإنا قد حكمنا له على أنفسنا من كل رجل في العطاء بدينارين دينارين، فعجلها له من بيت المال أربعين ألف دينار، فقبضها. حاتم بن أبي صغيرة، عن سماك بن حرب قال: كان النعمان بن بشير والله من أخطب من سمعت من أهل الدنيا يتكلم. وروي أن النعمان لما دعا أهل حمص إلى ابن الزبير احتزوا رأسه. وقيل: قتل بقرية بيرين، قتله خالد بن خلي بعد وقعة مرج راهط في آخر سنة أربع وستين.
4 (نوفل بن معاوية الديلي)
له صحبة ورواية وشهد

(5/262)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 263
الفتح، وغزا مع الصديق سنة تسع. روى عنه: عبد الرحمن بن مطيع، وعراك بن مالك، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، ونزل المدينة في بني الديل. قال الواقدي: شهد بدراً مع المشركين وأحداً والخندق، وكان له ذكر ونكاية، قال: وتوفي يف خلافة معاوية. وقال غيره: توفي في خلافة يزيد. وقيل: عاش ستين سنة في الجاهلية، وستين في الإسلام. وكان سلمى بن نوفل بن معاوية الديلي جواداً ممدحاً، وفيه يقول الجعفري:
(يسود أقوام وليسوا بسادة .......... بل السيد المحمود سلمى بن نوفل)

(5/263)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 264
4 (حرف الهاء)

4 (هبيرة بن بريم أبو الحارث الشبامي)
) ويقال الخارفي الكوفي. روى عن: علي، وطلحة، وعبد الله بن مسعود. روى عنه: أبو إسحاق السبيعي، وأبو فاختة. وقال الإمام أحمد: لا بأس بحديثه. وقال غيره: توفي سنة ست وستين. وقال ابن خراش: ضعيف.

(5/264)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 265
4 (همام بن قبيصة بن مسعود)
بن عمير النميري، أحد الأشراف. كان من أبطال معاوية، كان على قيس دمشق يوم صفين، وكان له بدمشق دار صارت لابن جوصا المحدث، عند حمام الجبن. قتل يوم مرج راهط. وله شعر.
4 (هند بن هند بن أبي هالة التميمي،)
سبط أم المؤمنين، خديجة رضي الله عنها. قتل مع مصعب بن الزبير في سنة تسع وستين. وقيل: مات في الطاعون بالبصرة.

(5/265)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 266
4 (حرف الواو)

4 (الوليد بن عتبة)
ابن أبي سفيان بن حرب الأموي، ولاه عمه معاوية المدينة، وكان جواداً حليماً فيه دين وخير. قال يحيى بن بكير: كان معاوية يولي على المدينة مرة مروان ومرة

(5/266)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 267
الوليد بن عتبة، وكذا ولاه يزيد عليها مرتين، وأقام الموسم غير مرة، آخرها سنة اثنتين وستين. قال الزبير بن بكار: كان الوليد رجل بني عتبة، وكان حليماً كريماً، توفي معاوية فقدم عليه رسول يزيد، فأخذ البيعة على الحسين وابن الزبير، فأرسل إليهما سراً، فقالا: نصبح ويجتمع الناس، فقال له مروان: إن خرجنا من عندك لم نرهما، فنافره ابن الزبير، وتغالظا حتى تواثبا، وقام الوليد يحجز بينهما، فأخذ ابن الزبير بيد الحسين وقال: امض بنا، وخرجا، وتمثل ابن الزبير:
(لا تحسبني يا مسافر شحمة .......... تعجلها من جانب القدر جائع)
فأقبل مروان على الوليد يلومه فقال: إني أعلم ما تريد، ما كنت لأسفك دماءهما، ولا أقطع) أرحامهما. وقال المدائني، عن خالد بن يزيد بن بشر، عن أبيه، وعبد الله بن نجاد، وغيرهما قالوا: لما مات معاوية بن يزيد بن معاوية أرادوا الوليد بن عتبة على الخلافة، فأبى وهلك تلك لليالي. وقال يعقوب الفسوي: أراد أهل الشام الوليد بن عتبة على الخلافة، فطعن فمات بعد موته. وقال بعضهم، ولم يصح إنه قدم للصة على معاوية فأصابه الطاعون في صلاته، عليه، فلم يرفع إلا وهو ميت.

(5/267)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 268
4 (حرف الياء)

4 (يزيد بن زياد)
ابن ربيعة بن مفرغ الحميري البصري الشاعر. كان أحد الشعراء الإسلاميين، وكان كثير الهجو والشر للناس.

(5/268)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 269
فذكر المدائني أن عبيد الله بن زياد أراد قتل ابن مفرغ لكونه هجا أباه زياداً ونفاره من أبي سفيان، فمنعه معاوية من قتله، وقال: أدبه: فسقاه مسهلاً، وأركبه على حمار، وطوف به وهو يسلح في الأسواق على الحمار، فقال:
(أتغضب أن يقال أبوك حر .......... وترضى أن يقال أبوك زاني)

(فأشهد أن رحمك من زياد .......... كرحم الفيل من ولد الأتان)
مات ابن مفرغ في طاعون الجارف أيام مصعب.
4 (يزيد بن معاوية)
ابن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، أبو

(5/269)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 270
خالد الأموي، وأمه ميسون بنت بحدل الكلبية.

(5/270)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 271
وروى عن: أبيه. روى عنه: ابنه خالد، وعبد الملك بن مروان. بويع بعهد أبيه ولد سنة خمس أو ست وعشرين. وقال سعيد بن حريث: كان يزيد كثير اللحم، ضخماً، كثير الشعر. و قال أبو مسهر: حدثني زهير الكلبي قال: تزوج معاوية ميسون بنت بحدل، وطلقها وهي حامل بيزيد، فرأت في النوم كأن قمراً خرج من قبلها، فقصت رؤياها على أمها، فقالت: لئن صدقت رؤياك لتلدين من يبايع له بالخلافة.) وفي سنة خمسين غزا يزيد أرض الروم ومعه أبو أيوب الأنصاري. وقال أبو بكر بن عياش: حج بالناس يزيد سنة إحدى وخمسين، وسنة اثنتين، وسنة ثلاث. وقال أزهر السمان، عن ابن عون، عن محمد، عن عقبة بن عقبة السدوسي، عن عبد الله بن عمرو قال: أبو بكر الصديق أصبتم اسمه، عمر الفاروق قرن من حديد أصبتم اسمه، ابن عفان ذو النورين قتل مظلوماً يؤتى كفلين من الرحمة، معاوية وابنه ملكا الأرض المقدسة، والسفاح، وسلام، ومنصور، وجابر والمهدي، والأمين، وأمير العصب، كلهم من بني كعب بن لؤي، كلهم صالح، لا يوجد مثله.

(5/271)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 272
روى نحوه محمد بن عثمان بن أبي شيبة، عن أبيه، عن أبي أسامة، عن الثوري، عن هشام بن حسان، ثنا محمد بن سيرين. وله طريق آخر، ولم يرفعه أحد. وقال يعلى بن عطاء، عن عمه قال: كنت مع عبد الله بن عمرو حين بعثه يزيد إلى ابن الزبير، فسمعته يقول لابن الزبير: تعلم: إني أجد في الكتاب أنك ستعنى وتعنى وتدعي الخلافة ولست بخليفة، وإني أجد الخليفة يزيد بن معاوية. وروى زحر بن حصن، عن جده حميد بن منهب قال: زرت الحسن بن أبي الحسن، فخلوت به فقلت: يا أبا سعيد، ما ترى ما الناس فيه فقال لي: أفسد أمر الناس اثنان: عمرو بن العاص يوم أشار على معاوية برفع المصاحف، فحملت، وقال: أين القراء، فحكم الخوارج، فلا يزال هذا التحكيم إلى يوم القيامة، والمغيرة بن شعبة فإنه كان عامل معاوية على الكوفة، فكتب إليه معاوية: إذا قرأت كتابي هذا فأقبل معزولاً، فأبطأ عنه، فلما ورد عليه قال: ما أبطأ بك قال: أمر كنت أوطئه وأهيئه، قال: وما هو قال: البيعة ليزيد من بعدك، قال: أوفعلت قال: نعم، قال: ارجع إلى عملك، فلما خرج قال له أصحابه: ما وراءك قال: وضعت رجل معاوية في غرز غي لا يزال فيه إلى يوم القيامة. قال الحسن: فمن أجل ذلك بايع هؤلاء لأبنائهم، ولولا ذلك لكانت شورى إلى يوم القيامة. وروى هشام، عن ابن سيرين، أن عمرو بن حزم وفد إلى معاوية، فقال له: أذكرك الله في أمة محمد بمن تستخلف عليها، فقال: نصحت وقلت برأيك، وإنه لم يبق إلا ابني وأبناؤهم، وابني أحق. وقال أبو بكر بن أبي مريم، عن عطية بن قيس قال: خطب معاوية فقال: اللهم إن كنت إنما) عهدت ليزيد لما رأيت من فضله، فبلغه ما أملت وأعنه، وإن كنت إنما حملني حب الوالد لولده، وأنه ليس لما صنعت به أهلاً، فاقبضه قبل أن يبلغ ذلك. وقال محمد بن مروان السعيدي: أنبأ محمد بن سليمان الخزاعي،

(5/272)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 273
عن أبيه، عن جده، عن محمد بن الحكم، عن أبي عوانة قال: كان معاوية يعطي عبد الله بن جعفر كل عام ألف ألف، فلما وفد على يزيد أعطاه ألف ألف، فقال عبد الله: بأبي أنت وأمي، فأمر له بألفا ألف أخرى، فقال له عبد الله: والله لا أجمعهما لأحد بعدك. محمد بن بشار بندار، ثنا عبد الوهاب، ثنا عوف الأعرابي، ثنا مهاجر أبو مخلد، حدثني أبو العالية، حدثني أبو مسلم قال: قال أبو الدرداء: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أول من يبدل سنتي رجل ن بني أمية يقال له يزيد. أخرجه الروياني في مسنده، عن بندار، وروي من وجه آخر، عن عوف، وليس فيه أبو مسلم. وفي مسند أبي يعلى: ثنا الحكم بن موسى، ثنا الوليد، عن الأوزاعي، عن مكحول، عن أبي عبيدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال أمر أمتي قائماً بالقسط، حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية يقال له يزيد. ورواه صدقة بن عبد الله، عن هشام بن الغاز، عن مكحول، عن أبي ثعلبة الخشني، عن أبي عبيدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه. لم يلق مكحول أبا ثعلبة، وقد أدركه وصدقة السمين ضعيف. وقال الزبير بن بكار: أخبرني مصعب بن عبد الله، عن أبيه، واخبرني محمد بن الضحاك الحزامي أن ابن الزبير سمع جويرية تلعب وتغني في يزيد بقول عبد الرحمن بن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل:
(لست منا وليس خالك منا .......... يا مضيع الصلاة للشهوات)

(5/273)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 274
فدعا بها وقال: لا تقولي لست منا قولي أنت منا. وقال صخر بن جويرية، عن نافع قال: لما خلع أهل المدينة يزيد جمع ابن عمر بنيه وأهله، ثم تشهد وقال: أما بعد، فإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة يقال: هذه غدرة فلان، وإن من أعظم الغدر ألا يكون الإشراك بالله أن يبايع رجل رجلاً على بيع الله ورسوله ثم ينكث فلا) يخلعن أحد منكم يزيد. وزاد فيه المدائني، عن صخر، عن نافع: فمشى عبد الله بن مطيع وأصحابه إلى محمد بن الحنفية، فأرادوا على خلع يزيد، فأبى، وقال ابن مطيع: إن يزيد يشرب الخمر، ويترك الصلاة، ويتعدى حكم الكتاب، قال: ما رأيت منه ما تذكرون، وقد أقمت عنده، فرأيته مواظباً للصلاة، متحرياً للخير، يسأل عن الفقه، قال: كان ذلك منه تصنعاً لك ورياء. وقال الزبير بن بكار: أنشدني عمي ليزيد:
(آب هذا الهم فاكتنعا .......... وأمر النوم فامتنعا)

(راعياً للنجم أرقبه .......... فإذا ما كوكب طلعا)

(حام حتى إنني لأرى .......... أنه بالغور قد وقعا)

(ولها بالماطرون إذا .......... أكل النمل الذي جمعا)

(5/274)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 275
(نزهة حتى إذا بلغت .......... نزلت من جلق بيعا)

(في قباب وسط دسكرة .......... حولها الزيتون قد ينعا)
قال محمد بن أبي السري: ثنا يحيى بن عبد الملك بن أبي نية، عن نوفل بن أبي الفرات قال: كنت عند عمر بن عبد العزيز، فذكر رجل يزيد فقال: قال أمير المؤمنين يزيد بن معاوية، فقال: تقول أمير المؤمنين وأمر به فضرب عشرين سوطاً. قال أبو بكر بن عياش وغيره: مات يزيد في نصف ربيع الأول سنة أربع وستين.
4 (يوسف بن الحكم الثقفي والد الحجاج.)
قدم من الطائف إلى الشام، وذهب إلى مصر وإلى المدينة. له حديث يرويه عن سعد بن أبي وقاص، وقيل: عن ابن تسعد بن أبي وقاص. وكان مع مروان. وتوفي سنة بضع وستين.

(5/275)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 276
4 (الكنى)

4 (أبو الأسود الدؤلي)
ويقال: الديلي، قاضي البصرة، اسمه ظالم بن عمرو على الأشهر.

(5/276)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 277
روى عن: عمر وعلي، وأبي بن كعب، وابن مسعود، وأبي ذر، والزبير. قال الداني: وقرأ القرآن على: عثمان، وعلي.) قرأ عليه: ابنه أبو حرب، ونصر بن عاصم، وحمران بن أعين، ويحيى بن يعمر. روى عنه: ابنه أبو حرب، ويحيى بن يعمر، وعبد الله بن بريدة، وعمر مولى غفرة.

(5/277)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 278
قال أحمد العجلي: ثقة، وهو أول من تكلم في النحو. وقال الواقدي: أسلم في حياة النبي تصلى الله عليه وسلم. وقال غيره: قاتل يوم الجمل مع علي، وكان من وجوه شيعته، ومن أكملهم رأياً وعقلاً، وقد أمره علي رضي الله عنه بوضع النحو، فلما أراه أبو الأسود ما وضع قال: ما أحسن هذا النحو الذي نحوت، ومن ثم سمي النحو نحواً. وقيل: إن أبا الأسود أدب عبيد الله بن زياد. وذكر ابن دأب أن أبا الأسود وفد على معاوية بعد مقتل علي رضي الله عنه، فأدنى مجلسه وأعظم جائزته. ومن شعره:
(وما طلب المعيشة بالتمني .......... ولكن ألق دلوك في الدلاء)

(تجيء بمثلها طوراً وطوراً .......... تجيء بحمأة وقليل ماء)
وقال محمد بن سلام: أبو الأسود أول من وضع باب الفاعل والمفعول، والمضاف، وحرف الرفع والنصب والجر والجزم، فأخذ عنه ذلك يحيى بن يعمر. وقال أبو عبيدة ابن المثنى: أخذ عن علي العربية أبو الأسود، فسمع قارئاً يقرأ إن الله بريء من المشركين ورسوله فقال: ما ظننت أن أمر الناس قد صار إلى هذا، فقال لزياد الأمير: ابغني كاتباً لقناً، فأتى به، فقال له أبو الأسود: إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة أعلاه، وإذا رأيتني ضممت فمي فانقط نقطة بين يدي الحرف، وإن كسرت فانقط تحت الحرف، فإذا أتبعت شيئاً من ذلك غنة فاجعل مكان النقطة نقطتين. فهذه نقط أبي الأسود.

(5/278)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 279
وقال المبرد ثنا المازني قال: السبب الذي وضعت له أبواب النحو، أن ابنة أبي الأسود قالت: ما أشد الحر قال: الحصباء بالرمضاء، قالت: إنما تعجبت من شدته، فقال: أوقد لحن الناس فأخبر بذلك علياً عليه الرضوان، فأعطاه أصولاً بنى منها، وعمل بعده عليها. وهو أول من نقط المصاحف. وأخذ عنه النحو عنبسة الفيل، وأخذ عن عنبسة ميمون الأقرن، ثم أخذه عن ميمون: عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي، وأخذه عنه: عيسى بن عمر، وأخذه عنه: عيسى) الخليل، وأخذه عن الخليل: سيبويه، وأخذه عن سيبويه: سعيد بن مسعدة الأخفش. وقال يعقوب الحضرمي: ثنا سعيد بن سلم الباهلي: ثنا أبي، عن جدي، عن أبي الأسود قال: دخلت على علي فرأيته مطرقاً، فقلت فيم تفكر يا أمير المؤمنين قال: سمعت ببلدكم لحناً، فأردت أن أضع كتاباً في أصول العربية، فقلت: إن فعلت هذا أحييتنا، فأتيته بعد أيام، فألقى إلي صحيفة فيها: الكلام كله: اسم، وفعل، وحرف، فالاسم ما أنبأ عن المسمى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل. ثم قال: تتبعه وزد فيه ما وقع لك، فجمعت أشياء، ثم عرضتها عليه. وقال عمر بن شبة: ثنا حيان بن بشر، ثنا يحيى تبن آدم، عن أبي بكر، عن عاصم قال: جاء أبو الأسود إلى زياد فقال: أرى العرب قد خالطت العجم، فتغيرت ألسنتهم، أفتأذن لي أن أصنع للعرب كلاماً يقيمون به كلامهم قال: لا، فجاء رجل إلى زياد فقال: أصلح الله الأمير، توفي أبانا وترك بنون، فقال: ادع لي أبا الأسود، فقال: ضع للناس الذي نهيتك عنه أن تضع لهم. قال الجاحظ: أبو الأسود مقدم في طبقات الناس، كان معدوداً في

(5/279)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 280
الفقهاء، والشعراء، والمحدثين، والأشراف، والفرسان، والأمراء، والزهاد، والنحاة، والحاضري الجواب، والشيعة، والبخلاء، والصلع الأشراف. توفي في طاعون الجارف سنة تسع وستين، وله خمس وثمانون سنة وقيل: قبل ذلك، وأخطأ من قال: إنه توفي في خلافة عمر بن عبد العزيز.
4 (أبو بشير الأنصاري الساعدي،)
وقيل: المازني، اسمه: قيس الأكبر بن عبيد. قال الدار قطني: له صحبة ورواية. روى عنه: عباد بن تميم، وضمرة بن سعيد، وسعيد بن نافع. له حديث: لا تبقى في رقبة بعير قلادة إلا قطعت، وحديثان آخران. وقد جرح يوم الحرة جراحات.
4 (أبو جهم بن حذيفة)
القرشي العدوي، الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم: ائتوني بأنبجانية أبي جهم،

(5/280)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 281
واذهبوا بهذه الخميصة إليه، وكان لها أعلام. واسمه عبيد، وهو من مسلمة الفتح، أحضر في تحكيم الخصمين، وكان عالماً بالنسب، وقد بعثه) النبي صلى الله عليه وسلم مصدقاً، وكان معمراً بنى في الجاهلية معهم الكعبة، ثم بقي حتى بنى فيها مع ابن الزبير في سنة أربع وستين. قال ابن سعد ابتنى أبو جهم بالمدينة داراً وكان عمر رضي الله عنه قد أخافه وأشرف عليه حتى كف من غرب لسانه، فلما توفي عمر سر بموته، وجعل يومئذ يحتبش في بيته، يعني يقفز على رجليه. وقالت فاطمة بنت قيس: طلقني زوجي البتة، فأرسلت إليه أبتغي النفقة، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس لك نفقة، وعليك العدة، انتقلي إلى أم شريك، ولا تفوتيني بنفسك ثم قال: أم شريك يدخل عليها إخوتها من المهاجرين، انتقلي إلى بيت ابن أم مكتوم. فلما حللت خطبني معاوية وأبو جهم بن حذيفة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما معاوية فعائل لا شي له، وأما أبو جهم فإنه ضراب للنساء، أين أنتم عن أسامة، فكأن أهلها كرهوا ذلك، فنكحته.

(5/281)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 282
وقد شهد أبو جهم اليرموك، ووفد على معاوية مرات، ولم يرو شيئاً مع أنه تأخر. وحكى سليمان بن أبي شيخ أن أبا جهم بن حذيفة وفد على معاوية، فأقعده معه على السرير وقال: يا أمير المؤمنين نحن فيك كما قال عبد المسيح:
(نميل على جوانبه كأنا .......... نميل إذا نميل على أبينا)

(نقلبه لنخبر حالتيه .......... فنخبر منهما كرماً ولينا)
فأعطاه معاوية مائة ألف. وروى الأصمعي، عن عيسى بن عمر قال: وفد أبو جهم على معاوية، فأكرمه وأعطاه مائة ألف، واعتذر فلم يرض بها، فلما ولي يزيد وفد عليه، فأعطاه خمسين ألفاً، فقلت: غلام نشأ في غير بلده، ومع هذا فابن كلبية، فأي خير يرجى منه، فلما استخلف ابن الزبير أتيته وافداً، فقال: إن علينا مؤناً وحمالات، ولم أجهل حقك، فإني غير مخيب سفرك، هذه ألف درهم فاستعن بها، فقلت: مد الله في عمرك يا أمير المؤمنين، فقال: لم تقل هذا لمعاوية وابنه، وقد نلت منهما مائة وخمسين ألفاً، قلت: نعم، من أجل ذلك قلت هذا، وخفت إن أنت هلكت أن لا يلي أمر الناس بعدك إلا الخنازير.
4 (أم سلمة أم المؤمنين)
) هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومية

(5/282)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 283
بنت عم أبي جهل، وبنت عم خالد بن الوليد. بنى بها النبي في سنة ثلاث من الهجرة، وكانت قبله عند الرجل الصالح أبي سلمة بن عبد الأسد، وهو أخو النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة. روت عدة أحاديث. روى عنها: الأسود بن يزيد، وسعيد بن المسيب، وأبو وائل شقيق، والشعبي، وأبو صالح السمان، وشهر بن حوشب، ومجاهد، ونافع بن

(5/283)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 284
جبير بن مطعم، ونافع مولاها، ونافع مولى ابن عمر، وابن أبي مليكة، وعطاء بن أبي رباح، وخلق سواهم. وكانت من أجمل النساء، وطال عمرها، وعاشت تسعين سنة أو أكثر، وهي آخر أمهات المؤمنين وفاة، وقد حزنت على الحسين رضي الله عنه وبكت عليه، وتوفيت بعده بيسير في سنة إحدى وستين. وقال بعضهم: توفيت سنة تسع وخمسين، وهو غلط، لأن في صحيح مسلم أن عبد الله بن صفوان دخل عليها في خلافة يزيد. وأبوها أبو أمية يقال: اسمه حذيفة ويلقب بزاد الركب، وكان أحد الأجواد، ووهم من قال اسمها رملة. وروى عطاء بن السائب، عن محارب بن دثار أن أم سلمة أوصت أن يصلي عليها سعيد بن زيد، وروي أن أبا هريرة صلى عليها، ودفنت بالبقيع. وهذا فيه نظر لأن سعيداً وأبا هريرة توفيا قبلها، والله أعلم. ابن سعد: أنبأ محمد بن عمر، أنبأ ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة حزنت حزناً شديداً لما ذكروا لها من جمالها فتلطفت حتى رأيتها والله أضعاف ما وصفت لي في الحسن والجمال، فذكرت ذلك لحفصة وكانت يداً واحدة فقالت: لا والله إنها الغيرة وما هي كما تقولين إنها لجميلة، فرأيتها بعد فكانت كما قالت حفصة، ولكن كنت غيرى.

(5/284)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 285
قال مسلم بن خالد الزنجي، عن موسى بن عقبة، عن أمه، عن أم كلثوم قالت: لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة قال لها: إني قد أهديت إلى النجاشي أواق من مسك وحلة، وإني) أراه قد مات، ولا أرى الهدية إلا سترد، فإذا ردت فهي لك. قالت: فكان كما قال، فأعطى كل امرأة من نسائه أوقية من مسك، وأعطى سائره أم سلمة، وأعطاها الحلة. القعنبي: ثنا عبد الله بن جعفر الزهري، عن هشام بن عروة، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أم سلمة أن تصلي الصبح بمكة يوم النحر، وكان يومها، فأحب أن توافيه. الواقدي: عن ابن جريج، عن نافع قال: صلى أبو هريرة على أم سلمة. قلت: هذا من غلط الواقدي، أبو هريرة مات قبلها.
4 (أبو رهم السماعي ويقال: السمعي.)
اسمه أحزاب بن أسيد، ويقال: أسد، الظهري، ويقال: بكسر الظاء، وهو غلط من أولاد السمع ويقال: السمع بكسر السين وإسكان الميم بن مالك بن زيد بن سهل.

(5/285)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 286
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً خرجه ابن ماجه، فمن قال: لا صحبة له جعل الحديث مرسلاً. وروى عن: أبي أيوب الأنصاري، والعرباض بن سارية. روى عنه: الحارث بن زياد، وخالد بن معدان، وأبو الخير مرثد اليزني، ومحكول الشامي، وشريح بن عبيد، وجماعة. روى له داود، والنسائي، وابن ماجه.
4 (أبو الرباب القشيري)
واسمه مطرف بن مالك، بصري من كبار التابعين وثقاتهم. لقي أبا الدرداء، وكعب الأحبار، وأبا موسى، وشهد فتح تستر. روى عنه: زرارة بن أوفى، وأبو عثمان النهدي، ومحمد بن سيرين. فروى محمد عنه قال: دخلنا على أبي الدرداء نعوده، وهو يومئذ أمير، وكنت خامس خمسة في الذين ولوا قبض السوس، فأتاني رجل بكتاب فقال: بيعونيه، فإنه كتاب الله أحسن أقرأه ولا تحسنون، فنزعنا دفتيه، فاشتراه بدرهمين، فلما كان بعد ذلك خرجنا إلى الشام، وصحبنا شيخ على حمار بين يديه مصحف يقرأه ويبكي، فقلت: ما أشبه هذا المصحف بمصحف شأنه ك ذا وكذا، فقال: إنه ذاك، قلت: فأين تريد قال: أرسل إلي كعب الأحبار عام أول فأتيته، ثم أرسل إلي، فهذا وجهي إليه، قلت: فأنا معك، فانطلقنا حتى قدمنا الشام، فقعدنا عند كعب، فجاء) عشرون من اليهود فيهم شيخ كبير يرفع حاجبيه بحريرة فقالوا: أوسعوا أوسعوا، وركبنا أعناقهم، فتكلموا فقال كعب: يا نعيم، أتجيب هؤلاء أو أجيبهم قال: دعوني حتى أفقه هؤلاء ما قالوا، ثم أجيبهم، إن هؤلاء أثنوا على أهل ملتنا خيراً، ثم قلبوا ألسنتهم، فزعموا أنا بعنا الآخرة بالدنيا، هلم فلنواثقكم، فإن جئتم بأهدى

(5/286)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 287
منه لتتبعنا، قال: فتواثقوا، فقال كعب: أرسل إلي ذلك المصحف، فجيء به، فقال: أترضون أن يكون هذا بيننا قالوا: نعم، لا يحسن أحد يكتب مثله اليوم، فدفع إلى شاب منهم، فقرأ كأسرع قاريء، فلما بلغ إلى مكان منه نظر إلى أصحابه كالرجل يؤذن صاحبه بالشيء، ثم جمع يديه فقال به، فنبذه، فقال كعب: آه، وأخذه فوضعه في حجره، فقرا، فأتى على آية منه، فخروا سجداً، وبقي الشيخ يبكي، فقيل: وما يبكيك فقال: ومالي لا أبكي، رجل عمل في الضلالة كذا وكذا سنة، ولم أعرف الإسلام حتى كان اليوم. همام: ثنا قتادة، عن زرارة، عن مطرف بن مالك قال: أصبنا دانيال بالسوس في بحر من صفر، وكان أهل السوس إذا استقوا استخرجوه فاستسقوا به، وأصبنا معه ربطتي كتان، وستين جرة مختومة، ففتحنا جرة، فوجدنا في كل جرة عشرة آلاف، وأصبنا معه ربعة فيها كتاب، وكان معنا أجير نصراني يقال له نعيم، فاشتراها بدرهمين. قال همام: قال قتادة: وحدثني أبو حسان أن من وقع عليه رجل يقال له حرقوص، فأعطاه موسى الربطتين ومائتي درهم، ثم إنه طلب أن يرد عليه الربطتين، فأبى، فشققهما عمائم، فكتب أبو موسى في ذلك إلى عمر، فكتب إليه: إن نبي الله دعا الله أن لا يرثه إلا المسلمون، فصل عليه وادفنه. قال همام: وثنا فرقد، ثنا أبو تميمة أن كتاب عمر جاء: أن اغسله بالسدر وماء الريحان. ثم رجع إلى حديث مطرف قال: فبدا لي أن آتي بيت المقدس، فبينا أنا في الطريق إذ أنا براكب شبهته بذلك الأجير النصراني، فقلت: نعيم، قال: نعم، قلت: ما فعلت نصرانيتك قال: تحنفت بعدك، ثم أتينا دمشق،

(5/287)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 288
فلقينا كعباً، فقال: إذا أتيتم بيت المقدس فاجعلوا الصخرة بينكم وبين القبلة، ثم انطلقنا ثلاثين، حتى أتينا أبا الدرداء، فقالت أم الدرداء لكعب: ألا تعديني على أخيك يقوم الليل ويصوم النهار، فجعل لها من كل ثلاث ليال ليلة، ثم انطلقنا حتى أتينا بيت المقدس، فسمعت اليهود بنعيم وكعب، فاجتمعوا، فقال كعب: إن هذا كتاب قديم، وغنه بلغتكم فاقرأوه، فقرأه قارئهم، فأتى على مكان منه، فضرب به الأرض، فغضب نعيم، فأخذه وأمسكه، ثم قرأ) قارئهم حتى أتى على ذلك المكان ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين فأسلم منهم اثنان وأربعون حبراً، وذلك في خلافة معاوية ففرض لهم معاوية وأعطاهم. قال همام: وحدثني بسطام بن مسلم، ثنا معاوية بن قرة، أنهم تذاكروا ذلك الكتاب، فمر بهم شهر بن حوشب فقال: على الخبير سقطتم، إن كعباً لما احتضر قال: ألا رجل أئتمنه على أمانة فقال رجل: أنا، فدفع إليه ذلك الكتاب وقال: راكب البحيرة، فإذا بلغت مكان كذا وكذا فاقذفه، فخرج من عند كعب فقال: هذا كتاب فيه علم، ويموت كعب، لا أفرط به، فأتى كعباً وقال: فعلت ما أمرتني، قال: وما رأيت قال: لم أر شيئاً، فعلم كذبه، فلم يزل يناشده ويطلب إليه حتى رد عليه الكتاب، فلما أيقن كعب بالموت قال: ألا رجل يؤدي أمانتي قال رجل: أنا، فركب سفينة، فلما أتى ذلك المكان ذهب ليقذفه، فانفرج له البحر حتى رأى الأرض، فقذفه فأتاه وأخبره، فقال كعب: إنها التوراة كما أنزل الله على موسى عليه السلام، ما غيرت ولا بدلت، ولكن خشيت أن نتكل على ما فيها، ولكن قولوا: لا إله إلا الله ولقنوها موتاكم. رواه أحمد بن أبي خيثمة في تاريخه، عن هدبة، ثنا همام.
4 (أبو شريح الخزاعي العدوي الكعبي،)
من عرب الحجاز، في

(5/288)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 289
اسمه أقوال، أشهرها خويلد بن عمرو. أسلم يوم الفتح، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه. حدث عنه: نافع بن جبير بن مطعم، وأبو سعيد المقبري، وابنه سعيد المقبري، وسفيان بن أبي العوجاء. توفي سنة ثمان وستين بالمدينة.
4 (أم عطية الأنصارية نسيبة،)
التي أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تغسل بنته زينب.

(5/289)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 290
روى عنها: محمد بن سيرين، وأخته حفصة، وأم شراحيل، وعلي بن الأقمر، وعبد الملك بن عمير. هشام بن حسان، عن حفصة بنت سيرين، عن أم عطية قالت: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، فكنت أصنع لهم طعامهم، وأخلفهم في رحالهم، وأداوي الجرحى، وأقوم) على المرضى. وعن أم شراحيل مولاة أم عطية قالت: كان علي رضي الله عنه يقيل عندي، فكنت أنتف إبطه بورسة.
4 (أبو كبشة الأنماري المذحجي،)
اسمه عمر، وقيل: عمرو بن سعد. له صحبة ورواية، نزل الشام. روى عنه: ثابت بن ثوبان، وسالم بن أبي الجعد، وأبو البختري سعيد بن فيروز الطائي، وعبد الله بن بسر الحبراني، وعبد الله بن يحيى أبو عامر الهوزني.

(5/290)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 291
4 (أبو مالك الأشعري)
له صحبة ورواية. واسمه مختلف فيه، فقيل كعب بن عاصم، وقيل: عامر بن الحارث، وقيل: عمرو بن الحارث. روى أحاديث. روى عنه: عبد الرحمن بن غنم، وأم الدرداء، وربيعة الجرشي، وأبو سلام الأسود، وشهر بن حوشب، وعطاء بن يسار، وشريح بن عبيد. وكان يكون بالشام. قال ابن سميع: أبو مالك الأشعري، قديم الموت بالشام، اسمه كعب بن عاصم. وقال ابن سعد: توفي أبو مالك في خلافة عمر. وقال شهر بن حوشب، عن ابن غنم قال: طعن معاذ، وأبو عبيدة، وأبو مالك في يوم واحد. قلت: فعلى هذا رواية أبي سلام ومن بعده، عن أبي مالك مرسلة منقطعة، وهذا الإرسال كثير في حديث الشاميين. روى صفوان بن عمرو، عن شريح عن عبيد، أن أبا مالك الأشعري لما حضرته الوفاة قال: يا سامع الأشعريين إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: حلوة الدنيا مرة الآخرة ومرة الدنيا حلوة الآخرة.

(5/291)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 292
4 (أبو مسلم الخولاني)
الداراني الزاهد، سيد التابعين بالشام. اسمه عبد الله بن ثوب على الأصح، وقيل: اسمه عبد الله) بن عبد الله، وقيل: ابن ثواب، وقيل: ابن عبيد، وقيل: ابن مسلم، وقيل: اسمه يعقوب بن عوف. قدم من اليمن، وقد أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقدم المدينة في خلافة أبي بكر.

(5/292)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 293
وروى عن: عمر، ومعاذ، وأبي عبيدة، وأبي ذر، وعبادة بن الصامت. روى عنه: أبو إدريس عائذ الله الخولاني، وأبو العالية الرياحي، وجبير بن نفيل، وعطاء بن أبي رباح، وشرحبيل بن مسلم، وأبو قلابة الجرمي، ومحمد بن زياد الإلهاني، وعمير بن هانيء، وعطية بن قيس، ويونس بن ميسرة، وفي بعض هؤلاء من روايته عنه مرسلة. قال إسماعيل: ثنا شرحبيل أن الأسود تنبأ باليمن، فبعث إلى أبي مسلم، فأتاه بنار عظيمة، ثم ألقى أبا مسلم فيها، فلم تضره، فقيل للأسود: إن تنف هذا عنك أفسد عليك من اتبعك، فأمره بالرحيل، فقدم المدينة وقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأناخ راحلته ودخل المسجد يصلي، فبصر به عمر، فقام إليه فقال: ممن الرجل قال: من اليمن، فقال: ما فعل الذي حرقه الكذاب بالنار، قال: ذاك عبد الله بن ثوب، قال: فنشدتك بالله أنت هو قال: اللهم نعم، فاعتنقه عمر وبكى، ثم ذهب به حتى أجلسه فيما بينه وبين الصديق وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد من صنع به كما صنع بإبراهيم الخليل. رواه غير واحد، عن عبد الوهاب بن نجدة، وهو ثقة، ثنا إسماعيل، فذكره. ويروى عن مالك بن دينار أن كعباً رأى أبا مسلم الخولاني، فقال: من هذا قالوا: أبو مسلم الخولاني قال: هذا حكيم هذه الأمة.

(5/293)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 294
وقال معمر، عن الزهري قال: كنت عند الوليد بن عبد الملك، فكان يتناول عائشة رضي الله عنها، فقلت: يا أمير المؤمنين ألا أحدثك عن رجل من أهل الشام كان قد أوتي حكمة قال: من هو قلت: أبو مسلم الخولاني، سمع أهل الشام ينالون من عائشة فقال: ألا أخبركم بمثلي ومثل أمكم هذه، كمثل عينين في رأس يؤذيان صاحبهما، ولا يستطيع أن يعاقبهما إلا بالذي هو خير لهما، فسكت. وقال الزهري: أخبرنيه أبو إدريس الخولاني، عن أبي مسلم. وقال عثمان بن أبي العاتكة: علق أبو مسلم سوطاً في مسجده، وكان يقول: أنا أولى بالسوط من البهائم، فإذا دخلته فترة مشق ساقيه سوطاً أو سوطين. قال: وكان يقول: لو رأيت الجنة عياناً والنار ما كان عندي مستزاد.) وقال إسماعيل بن عياش، عن شرحبيل: إن رجلين أتيا أبا مسلم الخولاني في منزله، فلم يجداه، فأتيا المسجد فوجداه يركع، فانتظرا انصرافه، وأحصيا، فقال أحدهما: إنه ركع ثلاثمائة ركعة، والآخر أربعمائة ركعة، قبل أن ينصرف. وقال الوليد بن مسلم: أخبرني عثمان بن أبي العاتكة أن أبا مسلم الخولاني سمع رجلاً يقول: من سبق اليوم فقل: أنا السابق، قالوا: وكيف يا أبا مسلم قال: أدلجت من دارنا، فكنت أول من دخل مسجدكم. وقال أبو بكر بن أبي مريم، عن عطية بن قيس، قال: دخل أناس من أهل دمشق على أبي مسلم وهو غاز في أرض الروم، وقد احتفر جورة في

(5/294)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 295
فسطاطه، وجعل فيها نطعاً، وأفرغ فيه الماء، وهو يتصلق فيه، قالوا: ما حملك على الصيام وأنت مسافر قال: لو حضر قتال لأفطر ولتهيأت له وتقويت، إن الخيل لا تجري الغايات وهي بدن، إنما تجري وهي ضمر، ألا وإن أمامنا باقية جائية لها نعمل. وقال يزيد بن يزيد تبن جابر: كان أبو مسلم الخولاني يكثر أن يرفع صوته بالتكبير، حتى مع الصبيان، ويقول: أذكر الله حتى يرى الجاهل أنك مجنون. وقال محمد بن زياد الإلهاني، عن أبي مسلم الخولاني وأراه منقطعاً أنه كان إذا غزا أرض الروم، فمروا بنهر قال: أجيزوا باسم الله، ويمر بين أيديهم، فيمرون بالنهر الغمر، فربما لم يبلغ من الدواب إلا الراكب، فإذا جازوا قال: هل ذهب لكم شيء، فألقى بعضهم مخلاته، فلما جاوزوا قال: مخلاتي وقعت، قال: اتبعني، فاتبعته، فإذا بها معلقة بعود في النهر، فقال: خذها. وقال سليمان بن المغيرة، عن حميد الطويل: إن أبا مسلم أتى على دجلة، وهي ترمي بالخشب من مدها، فوقف عليها ثم حمد الله وأثنى عليه، وذكر مسير بني إسرائيل في البحر ثم لهز دابته، فخاضت الماء، وتبعه الناس حتى قطعوا، ثم قال: فقدتم شيئاً، فأدعوا الله أن يرده علي. وقال عنبسة بن عبد الواحد: ثنا عبد الملك بن عمير قال: كان أبو مسلم الخولاني إذا استسقى سقي.

(5/295)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 296
وقال بقية، عن محمد بن زياد، عن أبي مسلم الخولاني: أن امرأة خببت عليه امرأته، فدعا عليها، فذهب بصرها، فأتته، فاعترفت وقالت: إني لا أعود، فقال: اللهم إن كانت صادقة فاردد بصرها، فأبصرت.) وقال ضمرة بن ربيعة، عن بلال بن كعب قال: قال الصبيان لأبي مسلم الخولاني: أدع الله أن يحبس علينا هذا الظبي فنأخذه، فدعا الله فحبسه عليهم حتى أخذوه. وروى عثمان بن عطاء الخراساني، عن أبيه: قالت امرأة أبي مسلم الخولاني: ليس لنا دقيق. فقال: هل عندك شيء قالت: درهم بعنا به غزلاً، قال: ابغنيه، وهاتي الجراب، فدخل السوق، فأتاه سائل وألح، فأعطاه الدرهم، وملأ الجراب من نحاتة النجارة مع التراب، وأتى وقلبه مرعوب منها، فرمى الجراب وذهب، ففتحته، فإذا به دقيق حوارى فعجنت وخبزت، فلما ذهب من الليل هوي جاء فنقر الباب، فلما دخل وضعت بين يديه خواناً وأرغفة، فقال: من أين هذا قالت: من الدقيق الذي جئت به، فجعل يأكل ويبكي. رواها ضمرة بن ربيعة، عن عثمان. وقال أبو مسهر، وغيره: ثنا سعيد بن عبد العزيز أن أبا مسلم استبطأ خبر جيش كان بأرض الروم، فبينا هو على تلك الحال، إذ دخل طائر فوقع وقال: أنا رتباييل مسل الحزن من صدور المؤمنين، فأخبره خبر ذلك

(5/296)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 297
الجيش، فقال أبو مسلم: ما جئت حتى استبطأتك. وقال سعيد بن عبد العزيز: كان أبو مسلم الخولاني يرتجز يوم صفين ويقول: ما علتي ما علتيوقد لبست درعتيأموت عبد طاعتي وقال إسماعيل بن عياش: ثنا هشام بن الغاز، حدثني يونس الهرم، أن أبا مسلم الخولاني قام إلى معاوية وهو على المنبر، فقال: يا معاوية، إنما أنت قبر من القبور، إن جئت بشيء كان لك شيء، وإلا فلا شيء لك، يا معاوية، لا تحسب أن الخلافة جمع المال وتفرقته، إنما الخلافة القول بالحق، والعمل بالمعدلة، وأخذ الناس في ذات الله، يا معاوية، إنا لا نبالي بكدر الأنهار إذا صفا لنا رأس عيننا، إياك أن تميل على قبيلة، فيذهب حيفك بعدلك، ثم جلس. فقال معاوية: يرحمك الله يا أبا مسلم. وقال أبو بكر بن أبي مريم، عن عطية بن قيس قال: دخل أبو مسلم على معاوية، فقام بين السماطين فقال: السلام عليك أيها الأجير، فقالوا: مه. قال: دعوه فهو أعرف بما يقول، وعليك السلام يا أبا مسلم، ثم وعظه وحثه على العدل. وقال إسماعيل بن عياش: ثنا شرحبيل بن مسلم الخولاني أنه كان إذا دخل الروم لا يزال في المقدمة، حتى يؤذن للناس، فإذا أذن لهم كان في الساقة، وكانت الولاة يتيمنون به، فيؤمرونه) على المقدمات. وقال سعيد بن عبد العزيز: توفي أبو مسلم بأرض الروم، وكان قد شتى

(5/297)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 298
مع بسر بن أبي أرطأة، فأدركه أجله، فأتاه بسر في مرضه، فقال له أبو مسل: اعقد لي على من مات في هذه الغزاة من المسلمين، فإني أرجو أن آتي بهم يوم القيامة على لوائهم. وقال الإمام أحمد: حدثت عن محمد بن شعيب عن بعض مشيخة دمشق قال: أقبلنا من أرض الروم، فمررنا بالعمير، على أربعة أميال من حمص في آخر الليل، فاطلع الراهب من صومعته فقال: هل تعرفون أبا مسلم الخولاني قلنا: نعم. قال: إذا أتيتموه فأقرئوه السلام، فإنا نجده في الكتب رفيق عيسى بن مريم، أما إنكم لا تجدونه حياً، فلما أشرفنا على الغوطة بلغنا موته. قال الحافظ ابن عساكر: يعني سمعوا ذلك. وكانت وفاته بأرض الروم كما حكينا. وقال ابن عياش، عن شرحبيل بن مسلم، عن سعيد بن هانيء قال: قال معاوية: إنما المصيبة كل المصيبة بموت أبي مسلم الخولاني، وكريب بن سيف الأنصاري. هذا حديث حسن الإسناد، يعطي أن أبا مسلم توفي قبل معاوية. وقد قال المفضل بن غسان: توفي علقمة وأبو مسلم الخولاني سنة اثنتين وستين.
4 (أبو ميسرة الهمداني)
هو عمرو بن شرحبيل، مر.

(5/298)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 299
4 (أبو واقد الليثي)
له صحبة ورواية، وروى أيضاً عن: أبي بكر، وعمر، وشهد فتح مكة، وكان يكون بالمدينة وبمكة، وبمكة توفي. روى عنه: عطاء بن يسار، وسعيد بن المسيب، وعروة، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وبسر بن سعيد، وأبو مرة مولى عقيل المدنيون.

(5/299)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 300
5 (الطبقة الثامنة أحداث)

1 (الحوادث من سنة إلى)

4 (حوادث سنة إحدى وسبعين)
توفي فيها: عبد الله بن أبي حدر الأسلمي. والبراء بن عازب. وفيها خرج عبد الله بن ثور أحد بني قيس بن ثعلبة بالبحرين، فوجه مصعب بن الزبير إلى قتاله عبد الرحمن الإسكاف، فالتقوا بجواثاً فانهزم عبد الرحمن والناس. وفيها: حج بالناس أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير. وعرف بمصر عبد العزيز بن مروان، وكان أول من عرف بمصر. يعني اجتمع الناس عشية عرفة ودعا لهم أو وعظهم. وفيها، أو في التي بعدها. قتل بخراسان أميرها أبو صالح عبد الله بن

(5/300)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 301
خازم بن أسماء بن الصلت السلمي، أحد الشجعان المذكورين والأبطال المعدودين. ويقال: له صحبة ورواية، ثار به أهل خراسان وقتله وكيع بن الدورقية. وقيل إن عبد الملك بن مروان كتب إلى ابن خازم كتاباً بولاية خراسان، فمزق كتابه وسب رسوله، فكتب عبد الملك إلى بكير بن وشاح: إن قتلت ابن خازم فأنت الأمير، فعمل على قتله وتأمر بكير على البلاد حتى قدم أمية بن عبد الله. وكان في خلافة عثمان رضي الله عنه قد جمع قارن بهراة، وأقبل في أربعين ألفاً، فهرب قيس بن الهيثم وترك البلاد، فقام بأمر المسلمين عبد الله بن خازم هذا، وجمع أربعة آلاف، ولقي قارناً فهزم جنوده وقتل قارن، وكتب إلى عبد الله بن عامر بالفتح، فأقره ابن عامر أمير العراق على خراسان. قال الواقدي: فيها افتتح عبد الملك قيسارية.

(5/301)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 302
4 (حوادث سنة اثنتين وسبعين)
توفي فيها: معبد بن خالد الجهني. والأحنف بن قيس. وعبيدة السلماني.) والحارث بن سويد التيمي. وقتل فيها: مصعب بن الزبير. وإبراهيم بن الأشتر. وعيسى وعروة ولدا مصعب. ومسلم بن عمرو الباهلي. وكان مصعب قد سار كعادته إلى الشام إلى قتال عبد الملك بن مروان واستئصاله، وسار إليه عبد الملك، فجرت بينهما وقعة هائلة بدير الجاثليق، ومسكن بالقرب من أوانا. وكان قد كاتب عبد الملك جماعة من الأشراف المائلين إلى بني أمية

(5/302)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 303
وغير المائلين يمنيهم ويعدهم إمرة العراق وإمرة أصبهان وغير ذلك، فأجابوه. وأما إبراهيم بن الأشتر فلم يجبه، وأتى بكتابه مصعباً، وفيه إن بايعه ولاه العراق. وقال لمصعب: قد كتب إلى أصحابك بمثل كتابي فأطعني واضرب أعناقهم، فقال: إذاً لا تناصحنا عشائرهم، قال: فأوقرهم حديداً واسجنهم بأبيض كسرى ووكل بهم من إن غلبت ضرب أعناقهم، وإن نصرت مننت عليهم، قال: يا أبا النعمان إني لفي شغل عن ذلك، يرحم الله أبا بحر يعني الأحنف إن كان ليحذر غدر العراق. وقال عبد القاهر بن السري: هم أهل العراق بالغدر بمصعب، فقال قيس بن الهيثم: ويحكم لا تدخلوا أهل الشام عليكم، فوالله لئن تطعموا بعيشكم ليصفين عليكم منازلكم. وكان إبراهيم أشار عليه بقتل زياد بن عمرو ومالك بن مسمع، فلما التقى الجمعان قلب القوم أترستهم ولحقوا بعبد الملك. وقال الطبري: لما تدانى الجمعان حمل إبراهيم بتن الأشتر على محمد بن مروان فأزاله عن موضعه، ثم هرب عتاب بن ورقاء، وكان على الخيل مع مصعب. وجعل مصعب كلما قال لمقدم من عسكره: تقدم، لا يطيعه. فذكر محمد بن سلام الجمحي قال: أخبر عبد الله بن خازم أمير خراسان بمسير مصعب إلى عبد الملك، فقال: أمعه عمر بن عبيد الله التيمي قيل: لا، استعمله على فارس. قال: فمعه المهلب بن أبي صفرة؟

(5/303)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 304
قالوا: لا، استعمله على الموصل قال: فمعه عباد بن الجصين قيل: لا، استعمله على البصرة. فقال ابن خازم: وأنا بخراسان.) ثم تمثل:
(خذيني وجريني ضباع وأبشري .......... بلحم امريء لم يشهد اليوم ناصره)
قال الطبري: فقال مصعب لابنه عيسى: اركب بمن معك إلى عمك ابن الزبير، فأخبره بما صنع أهل العراق، ودعني فإني مقتول. فقال: والله لا أخبر قريشاً عنك أبداً، و لكن إلحق بالبصرة فهم على الجماعة والطاعة، قال: لا تتحدث قريش أني فررت بما صنعت ربيعة من خذلانها، ولكن: أقاتل، فإن قتلت فما السيف بعار. وقال إسماعيل بن أبي المهاجر: أرسل عبد الملك مع أخيه محمد بن مروان إلى مصعب: إني معطيك الأمان يا ابن العم، فقال مصعب: إن مثلي لا ينصرف عن مثل هذا الموقف إلا غالباً أو مغلوباً. وقيل: إن مصعباً أبى الأمان، وأنهم أثخنوه بالرمي، ثم شد عليه زائدة بن قدامة الثقفي، فطعنه وقال: يا لثارات المختار. وكان ممن قاتل مع مصعب. وقال عبد الله بن مصعب الزبيري، عن أبيه قال: لما تفرق عن مصعب جنده قيل له: لو اعتصمت ببعض القلاع وكاتبت من بعد عنك كالمهلب وفلان، فإذا اجتمع لك من ترضاه لقيت القوم فقد ضعفت جداً واختل

(5/304)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 305
أصحابك، فلبس سلاحه وخرج فيمن بقي معه وهو يتمثل بشعر طريف العنبري الذي كان يعد بألف فارس بخراسان:
(علام أقول السيف يثقل عاتقي .......... إذا أنا لم أركب به المركب الصعبا)

(سأحميكم حتى أموت ومن يمت .......... كريماً فلا لوماً عليه ولا عتبا)
وروى غسان بن مضر، عن سعيد بن يزيد قال: قال ابن الأشتر لمصعب: إبعث إلى زياد بن عمرو ومالك بن مسمع ووجوه من وجوه أهل البصرة فاضرب أعناقهم، فإنهم قد أجمعوا على أن يغدروا بك، فأبى، فقال ابن الأشتر: فإني أخرج الآن في الخيل، فإذا قتلت فأنت أعلم. قال: فخرج وقاتل حتى قتل. وقال الفسوي: قتل مع مصعب ابنه عيسى، وجرح مسلم بن عمرو الباهلي فقال: احملوني إلى خالد بن يزيد، فحمل إليه، فاستأمن له. ووثب عبيد الله بن زياد بن ظبيان على مصعب فقتله عند دير الجاثليق، وذهب برأسه إلى عبد الملك، فسجد لله.) وكان عبيد الله فاتكاً رديئاً، فكان يتلهف ويقول: كيف لم أقتل عبد الملك يومئذ حين سجد، فأكون قد قتلت ملكي العرب. وقال أبو اليقظان وغيره: طعنه زائدة واحتز رأسه ابن ظبيان. ولابن قيس الرقيات:
(لقد أورث المصرين حزناً وذلة .......... قتيل بدير الجاثليق مقيم)

(5/305)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 306
(فما قاتلت في الله بكر بن وائل .......... ولا صبرت عند اللقاء تميم)

(وكل ثمالي عند مقتل مصعب .......... غداة دعاهم للوفاء دحيم)
وقال ابن سعد: إن مصعباً قال يوماً وهو يسير لعروة بن المغيرة بن شعبة: أخبرني عن حسين بن علي رضي الله عنهما كيف صنع حين نزل به، فأنشأ يحدثه عن صبره، وإبائه ما عرض عليه، وكراهيته أن يدخل في طاعة عبيد الله حتى قتل، قال: فضرب بسوطه على معرفة فرسه وقال:
(وإن الألى بالطف من آل هاشم .......... تأسوا فسنوا للكرام التأسيا)
قال: فعرفت والله أنه لا يفر، وأنه سيصبر حتى يقتل. وقال: والتقيا بمسكن، فقال عبد الملك: ويلكم ما أصبهان هذه قيل. سرة العراق، قال: قد والله كتب إلي أكثر من ثلاثين من أشراف العراق، وكلهم يقول: إن خببت بمصعب فلي أصبهان. قال ابن سعد: فكتب إلى كل منهم: أن نعم، فلما التقوا قال مصعب لربيعة: تقدموا للقتال. فقالوا: هذه عذرة بين أيدينا فقال: ما تأتون أنتن من العذرة، يعني تخلفكم عن القتال. وقد كانت ربيعة قبل مجمعة على خذلانه، فأظهرت ذلك، فخذله الناس. ولم يتقدم أحد يقاتل دونه، فلما رأى ذلك قال: المرء ميت، فلأن يموت كريماً أحسن به من أن يضرع إلى من قد وتره، لا أستعين بربيعة أبداً

(5/306)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 307
ولا بأحد من أهل العراق، ما وجدنا لهم وفاء، انطلق يا بني إلى عمك فأخبره بما صنع أهل العراق، ودعني. فإني مقتول، فقال: والله لا أخبر نساء قريش بصرعتك أبداً، قال: فإن أردت أن تقاتل فتقدم حتى أحتسبك، فقاتل حتى قتل، وتقدم إبراهيم بن الأشتر فقاتل قتالاً شديداً حتى أخذته الرماح فقتل، ومصعب جالس على سرير، فأقبل إليه نفر ليقتلوه، فقاتل أشد القتال حتى قتل، واحتز ابن ظبيان رأسه. وبايع أهل العراق لعبد الملك ودخلها، واستخلف على الكوفة أخاه بشر بن مروان.) قيل: إن ابن الزبير لما بلغه مقتل أخيه مصعب قام فقال: الحمد لله الذي خلق الخلق، ثم ذكر مصرع أخيه فقال: ألا إن أهل العراق أهل الغدر والنفاق أسلموه وباعوه، والله ما نموت على مضاجعنا كما يموت بنو أبي العاص، فما قتل منهم رجل في زحف ولا نموت إلا فعصاً بالرماح، وتحت ظلال السيوف. وفيها خرج أبو فديك فغلب على البحرين. وقيل هو الذي قتل نجدة الحروري، فسار إليه جيش من البصرة، عليهم أمية بن عبد الله بن خالد الأموي أخو أميرها خالد، فهزمه أبو فديك، فكتب عبد الملك بن مروان إلى خالد يعنفه لكونه استعمل أمية على حرب الخوارج، ولم يستعمل المهلب، وأمره أن ينهض إليهم بنفسه، ويستعين برأي المهلب، ولا يعمل أمراً دونه. وكتب إلى بشر بن مروان يمده بخمسة

(5/307)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 308
آلاف، عليها عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، فسار خالد بالناس حتى قدم الأهواز، وسارت إليه الأزارقة، فتنازل الجيشان نحواً من عشرين ليلة، ثم زحف إليهم خالد فأخذوا ينحازون، فاجترأ عليهم الناس، وكثرت عليهم الخيل، فولوا مدبرين على حمية، وقتل منهم خلق، واتبعهم داود بن قحذم أمير الميسرة وعتاب بن ورقاء، وجعلوا يتطلبونهم بفارس، حتى هلكت خيول الجند وجاعوا، ورجع كثير منهم مشاة. قال الطبري في تاريخه: وفيها كانت وقعت بين ابن خازم بخراسان وبين بحير بن ورقاء بقرب مرو، وقتل خلق، وقتل عبد الله بن خازم في الوقعة، ولي قتله وكيع بن عميرة بن الدورقية. ويقال: اعتور عليه بحير، وعمار الجشمي، وابن الدورقية وطعنوه فصرعوه، فقيل لوكيع: كيف قتلته قال: غلبته بفضل القنا، ولما صرع قعدت على صدره، فحاول القيام فلم يقدر، وقلت: يا ثارات دويلة وهو أخو وكيع لأمه قتل تلك المدة قال: فتن خم في وجهي وقال: لعنك الله، تقتل كبش مضر بأخيك علج لا يسوى كفاً من نوى، فما رأيت أحداً أكثر ريقاً منه على تلك الحال عند الموت. ثم أقبل بكير بن وساج، فأراد أخذ رأس عبد الله بن خازم، فمنعه بحير، فضربه بكير بعمود وأخذ الرأس، وقيد بحيراً، وبعث بالرأس إلى عبد الملك بن مروان. ثم حكى ابن جرير الطبري الخلاف في أن ابن خازم إنما قتل بعد

(5/308)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 309
مقتل عبد الله بن الزبير، وأن رأس ابن الزبير ورد على ابن خازم، فلف أن لا يعطي عبد الملك طاعة أبداً، وأنه دعا بطست) فغسل الرأس وكفنه وحنطه، وصلى عليه، وبعث به إلى آل الزبير بالمدينة. قلت: ولعله رأس مصعب بن الزبير. وكان عبد الملك بعث إلى ابن خازم مع سورة النميري: أن لك خراسان سبع سنين على أن تبايعني، فقال للرسول: لولا أن أضرب بين بني سليم وبني عامر لقتلتك، ولكن كل هذه الصحيفة، فأكلها. وفيها سار الحجاج إلى حرب ابن الزبير، فأول قتال كان بينهما في ذي القعدة، ودام الحصار أشهراً.

(5/309)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 310
4 (حوادث سنة ثلاث وسبعين)
فيها توفي: عبد الله بن عمر. وعوف بن مالك الأشجعي. وعبد الله بن الزبير، وأمه أسماء بنت الصديق رضي الله عنهما. وأبو سعيد بن المعلى الأنصاري. وربيعة بن عبد الله بن الهدير التيمي. وعمرو بن عثمان بن عفان. وعبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحي. وعبد الله بن مطيع بن الأسود العدوي. وعبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي، قتلوا ثلاثتهم مع ابن الزبير. وفيها توفي: مالك بن مسمع الربعي، وأوس بن ضمعج بخلف فيه. وفيها حاصر الحجاج مكة وبها ابن الزبير قد حصنها، ونصب الحجاج عليها المنجنيق. فروى عبد الملك بن عبد الرحمن الذماري: ثنا القاسم بن معن، عن هشام بن عروة، عن أبيه بحديث طويل منه: وقاتل حصين بن نمير ابن الزبير

(5/310)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 311
أياماً، وأحرق فسطاطاً له نصبه عند البيت، فطار الشرر إلى البيت، واحترق يومئذ قرنا الكبش الذي فدى به إسحاق، إلى أن قال في الحديث: فخطب عبد الملك بن مروان وقال: من لابن الزبير فقال الحجاج: أنا يا أمير المؤمنين، فأسكته، ثم أعاد قوله، فقال: أنا، فعقد له على جيش إلى مكة، فنصب المنجنيق على أبي قبيس، ورمى به على ابن الزبير وعلى من معه في المسجد، وجعل ابن الزبير على الحجر) الأسود بيضة يعني خوذة ترد عنه، فقيل لابن الزبير: ألا تكلمهم في الصلح، فقال: أوحين صلح هذا، والله لو وجدوكم في جوف الكعبة لذبحوكم جميعاً، ثم قال:
(ولست بمبتاع الحياة بسبه .......... ولا مرتق من خشية الموت سلما)

(أنافس سهماً إنه غير بارح .......... ملاقي المنايا أي صرف تيمما)
قال: وكان على ظهر المسجد طائفة من أعوان ابن الزبير يرمون عدوه بالآجر، وحمل ابن الزبير فأصابته آجرة في مفرقه فلقت رأسه. وقال الواقدي: ثنا مصعب بن ثابت، عن أبي الأسود، عن عباد بن عبد الله بن الزبير، قال: وثنا شرحبيل بن أبي عون، عن أبيه، وثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه قالوا: لما قتل

(5/311)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 312
عبد الملك مصعباً بعث الحجاج إلى ابن الزبير في ألفين، فنزل الطائف، وبقي يبعث البعوث إلى عرفة، ويبعث ابن الزبير بعثاً فتهزم خيل ابن الزبير، ويرد أصحاب الحجاج إلى الطائف، فكتب الحجاج إلى عبد الملك في دخول الحرم ومحاصرة ابن الزبير، وأن يمده بجيش، فأجابه وكتب إلى طارق بن عمرو فقدم على الحجاج في خمسة آلاف، فحج الحجاج بالناس، سنة اثنتين يعني، ثم صدر الحجاج بن يوسف وطارق ولم يطوفا بالبيت ولا قربا النساء حتى قتل ابن الزبير فطافا. وحصر ابن الزبير من ليلة هلال ذي القعدة ستة أشهر وسبع عشرة ليلة. وقدم على ابن الزبير حبشان من أرض الحبشة، فجعلوا يرمون فلا يقع لهم مزراق إلا في إنسان، فقتلوا خلقاً. وكان معه أيضاً من خوارج أهل مصر، فقاتلوا قتالاً شديداً، ثم ذكروا عثمان فتبرءوا منه، فبلغ ابن الزبير فناكرهم، فانصرفوا عنه. وألح عليه الحجاج بالمنجنيق وبالقتال من كل وجه، وحبس عنهم الميرة فجاعوا، وكانوا يشربون من زمزم فتعصمهم، وجعلت الحجارة تقع في الكعبة. وثنا شرحبيل، عن أبيه قال: سمعت ابن الزبير يقول لأصحابه: انظروا كيف تضربون بسيوفكم، وليصن الرجل سيفه كما يصون وجهه، فإنه قبيح بالرجل أن يخطيء مضرب سيفه، فكنت أرمقه إذا ضرب فما يخطيء مضرباً

(5/312)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 313
واحداً شبراً من ذباب السيف أو نحوه، وهو يقول: خذها وأنا ابن الحواري. فلما كان يوم الثلاثاء قام بين الركن والمقام فقاتلهم أشد القتال، وجعل الحجاج يصيح بأصحابه: يا أهل الشام، يا أهل الشام، الله الله في الطاعة، فيشدون الشدة الواحدة حتى يقال: قد اشتملوا) معليه، فيشد عليهم حتى يفرجهم ويبلغ بهم باب بني شيبة ثم يكر ويكرون عليه، وليس معه أعوان، فعل ذلك مراراً حتى جاءه حجر عائر من ورائه فأصابه في قفاه فوقذه فارتعش ساعة، ثم وقع لوجهه، ثم انتهض فلم يقدر على القيام، وابتدره الناس، وشد عليه رجل من أهل الشام فضرب الرجل فقطع رجليه وهو متكيء على مرفقه الأيسر، وجعل يضربه وما يقدر أن ينهض حتى كثروه، فصاحت امرأة من الدار: وا أمير المؤمنيناه قال: وابتدروه فقتلوه رحمه الله. وقال الواقدي: حدثني إسحاق بن يحيى، عن يوسف بن ماهك قال: رأيت المنجنيق يرمى به، فرعدت السماء وبرقت، واشتد الرعد، فأعظم ذلك أهل الشام وأمسكوا، فجاء الحجاج ورفع الحجر بيده ورمى معهم، ثم إنهم جاءتهم صاعقة تتبعها أخرى، فقتلت من أصحابه اثني عشر رجلاً، فانكسر أهل الشام، فقال الحجاج: لا تنكروا هذه فهذه صواعق تهامة، ثم جاءت صاعقة فأصابت عدة من أصحاب ابن الزبير من الغد. وقال الواقدي حدثني إسحاق بن عبد الله، عن المنذر بن الجهم قال: رأيت ابن الزبير يوم قتل وقد خذله من معه خذلاناً شديداً، وجعلوا يخرجون

(5/313)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 314
إلى الحجاج نحو من عشرة آلاف، وقيلك أنه ممن فارقه ولعله من الجوع ابناه حمزة وخبيب، فخرجا إلى الحجاج وطلبا أماناً لأنفسهما. فروى الواقدي عن أبي الزناد، عن محمد بن سليمان قال: دخل ابن الزبير على أمه وقال: يا أمه خذلني الناس حتى ولدي وأهلي، ولم يبق معي إلا من ليس عنده دفع أكثر من صبر ساعة، والقوم يعطوني ما أردت من الدنيا، فما رأيك قالت: أنت أعلم، إن كنت تعلم أنك على حق وإليه تدعو فامض له، فقد قتل عليه أصحابك، ولا تمكن من رقبتك يتلعب بها غلمان بني أمية، وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت، أهلكت نفسك ومن قتل معك. فقبل رأسها وقال: هذا رأيي الذي قمت به، ما ركنت إلى الدنيا، وما دعاني إلى الخروج إلا الغضب لله، فانظري فإني مقتول، فلا يشتد حزنك، وسلمي لأمر الله، في كلام طويل بينهما. وقال: وجعل الزبير يحمل فيهم كأنه أسد في أجمة ما يقدم عليه أحد ويقول: لو كان قرني واحداً لكفيته وبات ليلة الثلاثاء سابع عشر جمادى الأولى وقد أخذ عليه الحجاج بالأبواب، فبات يصلي عامة الليل، ثم احتبى بحمائل سيفه فأغفى، ثم انتبه بالفجر، فصلى الصبح فقرأ: ن والقلم حرفاً حرفاً،) ثم قام فحمد الله وأثنى عليه، وأوصى بالثبات.

(5/314)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 315
ثم حمل حتى بلغ الحجون، فأصيب بآجرة في وجهه شجته، فقال:
(ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا .......... ولكن على أقدامنا تقطر الدما)
ثم تكاثروا عليه فقتلوه، وبعث برأسه، ورأسي عبد الله بن صفوان، وعمارة بن عمرو بن حزم إلى الشام بعد أن نصبوا بالمدينة. واستوسق الأمر لعبد الملك بن مروان، واستعمل على الحرمين الحجاج بن يوسف، فنقض الكعبة التي من بناء ابن الزبير، وكانت تشعثت من المنجنيق، وانفلق الحجر الأسود من المنجنيق فشعبوه، وبناها الحجاج على بناء قريش ولم ينقضها إلا من جهة الميزاب، وسد الباب الذي أحدثه ابن الزبير وهو ظاهر المكان. وفيها غزا محمد بن مروان بن الحكم قيسارية وهزم الروم. وفيها سار عمر بن عبيد الله التيمي بأهل البصرة في نحو عشرة آلاف لحرب أبي فديك، فالتقوا، فكان على ميمنة أهل البصرة محمد بن موسى بن طلحة، وعلى الميسرة أخوه عمر بن موسى. فانكسرت الميسرة، وأثخن

(5/315)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 316
أميرها بالجراح، وأخذه الخوارج فأحرقوه، في الحال، ثم تناخى المسلمون وحملوا حتى استباحوا عسكر الخوارج، وقتل أبو فديك وحصروهم في المشقر، ثم نزلوا على الحكم فقتل عمر بن عبيد الله منهم نحو ستة آلاف، وأسر ثمانمائة. وكان أبو فديك قد أسر جارية أمية بن عبد الله، فأصابوها وقد حبلت من أبي فديك. وفيها عزل عبد الملك بن مروان خالداً عن البصرة وأضافها إلى أخيه بشر بن مروان. واستعمل على خراسان بكير بن وشاح.

(5/316)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 317
4 (حوادث سنة أربع وسبعين)
توفي فيها: رافع بن خديج. وأبو سعيد الخدري. وسلمة بن الأكوع. وخرشة بن الحر الكوفي يتيم عمر. وعاصم بن ضمرة.) وعبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، له رؤية. ومحمد بن حاطب الجمحي. ومالك بن أبي عامر الأصبحي جد مالك الإمام. وأبو جحيفة السوائي. وفيها في أولها قيل إن ابن عمر توفي، وقد ذكر. وفيها سار الحجاج من مكة بعدما بنى البيت الحرام إلى المدينة، فأقام بها ثلاثة أشهر يتعنت أهلها، وبنى بها مسجداً في بني سلمة، فهو ينسب إليه.

(5/317)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 318
واستخف فيها ببقايا الصحابة وختم في أعناقهم. فروى الواقدي، عن ابن أبي ذئب، عمن رأى جابر بن عبد الله مختوماً في يده، ورأى أنساً مختوماً في عنقه، يذلهم بذلك. قال الواقدي: وحدثني شرحبيل بن أبي عون، عن أبيه قال: رأيت الحجاج أرسل إلى سهل بن سعد الساعدي فقال: ما منعك لأن تنصر أمير المؤمنين عثمان قال: قد فعلت، قال: كذبت، ثم أمر به فختم في عنقه برصاص. وفيها ذكره ابن جرير ولي عبد الملك المهلب بن أبي صفرة حرب الأزارقة، فشق ذلك على بشر، وأمره أن يختار من أراد من جيش العراق، فسار حتى نزل رامهرمز، فلقي بها الخوارج، فخندق عليه. وفيها عزل عبد الملك بكير بن وشاح عن خراسان، واستعمل عليها أمية بن عبد الله بن خالد، عزل بكيراً خوفاً من افتراق تميم بخراسان، فإنه أخرج ابن عمه بحيراً من الحبس، فالتف على بحير خلق، فخاف أهل خراسان وكتبوا إلى عبد الملك أن يولي عليهم قرشياً لا يحسد ولا يتعصب عليه، ففعل. وكان أمية سيداً شريفاً فلم يتعرض لبكير ولا لعماله، بل عرض عليه أن يوليه شرطته، فامتنع، فولى بحير بن ورقاء. ويقال: فيها كان مقتل أبي فديك، وقد مر في سنة ثلاث.

(5/318)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 319
4 (حوادث سنة خمس وسبعين)
فيها توفي:) العرباض بن سارية السلمي. وأبو ثعلبة الخشني. وكريب بن أبرهة الأصبحي أمير الإسكندرية. وبشر بن مروان أمير العراق. وعمرو بن ميمون الأودي فيها، وقيل: في التي قبلها. وسليم بن عتر التجيبي قاضي مصر وقاصها. وفيها وفد عبد العزيز بن مروان على أخيه، واستخلف على مصر زياد بن حناطة التجيبي، فتوفي زياد في شوال، واستخلف أصبغ بن عبد العزيز بن مروان. وفيها حج بالناس عبد الملك بن مروان، وخطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وسير على إمرة العراق الحجاج، فسار من المدينة إلى الكوفة في اثني عشر راكباً بعد أن وهب البشير ثلاثة آلاف دينار.

(5/319)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 320
قال الوليد بن مسلم: حدثني عبيد الله بن يزيد بن أبي مسلم الثقفي، عن أبيه قال: كان الحجاج عاملاً لعبد الملك على مكة، فكتب إليه بولايته على العراق، قال: فخرجت معه في نفر ثمانية أو تسعة على النجائب، فلما كنا بماء قريب من الكوفة نزل فاختضب وتهيأ، وذلك في يوم جمعة، ثم راح معتماً قد ألقى عذبة العمامة بين كتفيه متقلداً سيفه، حتى نزل عند دار الإمارة عند مسجد الكوفة، وقد أذن المؤذن بالأذان الأول، فخرج عليهم الحجاج وهم لا يعلمون، فجمع بهم، ثم صعد المنبر فجلس عليه فسكت، وقد اشرأبوا إليه وجثوا على الركب وتناولوا الحصى ليقذفوه بها، وقد كانوا حصبوا عاملاً قبله، فخرج عليهم، فسكت سكتة أبهتتهم، وأحبوا أن يسمعوا كلامه، فكان بدء كلامه أن قال: يا أهل العراق، يا أهل الشقاق ويا أهل النفاق، والله إن كان أمركم ليهمني قبل أن آتي إليكم، ولقد كنت أدعوا الله أن يبتليكم بي، فأجاب دعوتي، ألا إني سريت البارحة فسقط مني سوطي، فاتخذت هذا مكانه وأشار إلى سيفه فوالله لأجرنه فيكم جر المرأة ذيلها، ولأفعلن ولأفعلن. قال يزيد: فرأيت الحصى متساقطاً من أيديهم، وقال: قوموا إلى بيعتكم، فقامت القبائل قبيلة قبيلة تبايع، فيقول: من فتقول: ينو فلان، حتى جاءته قبيلة فقال: من قالوا النخع، قال: منكم كميل بن زياد قالوا: نعم، قال: فما فعل قالوا أيها الأمير شيخ كبير، قال: لا بيعة لكم عندي ولا) تقربون حتى تأتوني به. قال: فأتوه به منعوشاً في سرير حتى وضعوه إلى جانب المنبر، فقال: ألا لم يبق ممن دخل على عثمان الدار غير هذا، فدعا بنطع وضربت عنقه.

(5/320)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 321
وقال أبو بكر الهذلي: حدثني من شهد الحجاج حين قدم العراق، فبدأ بالكوفة، فنودي: الصلاة جامعة، فأقبل الناس إلى المسجد، والحجاج متقلد قوساً عربية وعليه عمامة خز حمراء متلثماً، فقعد وعرض القوس بين يديه، ثم لم يتكلم حتى امتلأ المسجد، قال محمد بن عمير: فسكت حتى ظننت أنه إنما يمنعه العي، وأخذت في يدي كفاً من حصى أردت أن أضرب به وجهه، فقام فوضع نقابه، وتقلد قوسه، وقال:
(أنا ابن جلا وطلاع الثنايا .......... متى أضع العمامة تعرفوني)
إني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها، كأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى.
(ليس بعشك فادرجي .......... قد شمرت عن ساقها فشمري)

(هذا أوان الحرب فاشتدي زيم .......... قد لفها اليل بسواق حطم)

(ليس براعي إبل ولا غنم .......... ولا بجزار على ظهر وضم)

(5/321)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 322
(قد لفها الليل بعصلبي .......... مهاجر ليس بأعرابي)
مهاجر ليس بأعرابي إني والله ما أغمز غمز التين، ولا يقعقع لي بالشنان، ولقد فررت عن ذكاء، وفتشت عن تجربة، وجريت إلى الغاية، فإنكم يا أهل العراق طالما أوضعتم في الضلالة، وسلكتم سبيل الغواية، أما والله لألحونكم العود، ولأعصبنكم عصب السلمة، ولأقرعنكم قرع المروة، ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل، ألا إن أمير المؤمنين نثل كنانته بين يديه، فعجم عيدانها، فوجدني أمرها عوداً وأصلبها مكسراً، فوجهني إليكم، فاستقيموا ولا يميلن منكم مائل، واعلموا أني إذا قلت قولاً وفيت به، من كان منكم من بعث المهلب فليلحق به، فغني لا أجد أحداً يسير في زرافة إلا سفكت دمه، واستحللت ماله. ثم نزل.

(5/322)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 323
رواه المبرد بنحوه، عن الثوري، بإسناد، وزاد فيه: قم يا غلام فاقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين. فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين إلى من بالكوفة، سلام عليكم. فسكتوا، فقال: اكفف يا غلام، ثم أقبل عليهم فقال: يسلم عليكم أمير المؤمنين فلا تردون عليه شيئاً، هذا أدب ابن نهية. أما والله لأؤدبنكم غير هذا الأدب أو لتستقيمن. إقرأ يا غلام، فقرأ قوله: السلام عليكم، فلم يبق في المسجد أحد إلا قال: وعلى أمير المؤمنين السلام.) العصلبي: الشديد من الرجال. والسواق الحطم: العنيف في سوقه. والوضم: كل شيء وقيت به اللحم من الأرض من خوان وقرمية. وعجمت العود إذا عضضته بأسنانك. والزرافات: الجماعات. وقال ابن جرير: فأول من خرج على الحجاج بالعراق عبد الله بن الجارود، وذلك أن الحجاج ندبهم إلى اللحاق بالمهلب، ثم خرج فنزل رستقباذ ومعه وجوه أهل البصرة، وكان بينه وبين المهلب يومان، فقال للناس: إن الزيادة التي زادكم ابن الزبير، في أعطياتكم زيادة فاسق منافق

(5/323)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 324
لست أجيزها، فقام إليه عبد الله بن الجارود العبدي فقال: بل هي زيادة أمير المؤمنين عبد الملك، فكذبه وتوعده، فخرج ابن الجارود على الحجاج، وتابعه خلق، فقتل ابن الجارود في طائفة معه. وكتب الحجاج إلى المهلب وإلى عبد الرحمن بن مخنف: أن ناهضوا الخوارج، قال: فناهضوهم وأجلوهم عن رامهرمز، فقال المهلب لعبد الرحمن بن مخنف: إن رأيت أن تخندق على أصحابك فافعل، وخندق المهلب على نفسه كعادته، وقال أصحاب ابن مخنف: إنما خندقنا سيوفنا، فرجع الخوارج ليبيتوا الناس، فوجدوا المهلب قد أتقن أمر أصحابه، فمالوا نحو ابن مخنف، فقاتلوه، فانهزم جيشه، وثبت هو في طائفة، فقاتلوا حتى قتلوا، فبعث الحجاج بدله عتاب بن ورقاء، وتأسفوا على ابن مخنف، ورثاه غير واحد. وقال خليفة: ثم في ثالث يوم من مقدم الحجاج الكوفة أتاه عمير بن ضابيء البرجمي، وهو القائل:
(هممت ولم أفعل، وكدت وليتني .......... تركت على عثمان تبكي حلائله)
فقال الحجاج: أخروه، أما أمير المؤمنين عثمان فتغزوه بنفسك، وأما الخوارج الأزارقة فتبعث بديلاً، وكان قد أتاه بابنه فقال: إني شيخ كبير، وهذا ابني مكاني، ثم أمر به فضربت عنقه. واستخلف الحجاج لما خرج على الكوفة عروة بن المغيرة بن شعبة،

(5/324)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 325
وقدم البصرة يحث على قتال الأزارقة. وفيها خرج داود بن النعمان المازني بنواحي البصرة، فوجه الحجاج لحربه الحكم بن أيوب) الثقفي متولي البصرة، فظفر به، فقتله، فقال شاعرهم:
(ألا فاذكرن داود إذ باع نفسه .......... وجاد بها يبغي الجنان العواليا)
وفيها غزا محمد بن مروان الصائفة عند خروج الروم بناحية مرعش. وفيها خطبهم عبد الملك بمكة لما حج، فحدث أبو عاصم، عن ابن جريج، عن أبيه قال: خطبنا عبد الملك بن مروان بمكة، ثم قال: أما بعد، فإنه كان من قبلي من الخلفاء يأكلون من هذا المال ويؤكلون، وإني والله لا أداوي أدواء هذه الأمة إلا بالسيف، ولست بالخليفة المستضعف يعني عثمان ولا الخليفة المداهن يعني معاوية ولا الخليفة المأبون يعني يزيد وإنما نحتمل لكم ما لم يكن عقد راية. أو وثوب على منبر، هذا عمرو بن سعيد حقه حقه وقرابته قرابته، قال برأسه هكذا، فقلنا بسيفنا هكذا، ألا فليبلغ الشاهد الغائب.

(5/325)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 326
وفيها ضرب الدنانير والدراهم عبد الملك، فهو أول من ضربها في الإسلام. وحج فيها عبد الملك وخطب بالموسم غير مرة، وكان من البلغاء العلماء الدهاة، قال: إني رأيت سيرة السلطان تدور مع الناس، فإن ذهب اليوم من يسير بسيرة عمر، وأغير على الناس في بيوتهم، وقطعت السبل، وتظالم الناس، وكانت الفتن، فلا بد للوالي أن يسير كل وقت بما يصلحه، نحن نعام والله أنا لسنا عند الله ولا عند الناس كهيئة عمر ولا عثمان، ونرجو خير ما نحن بإزائه من إقامة الصلوات والجهاد والقيام لله بالذي يصلح ذينه، والشدة على المذنب، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

(5/326)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 327
4 (حوادث سنة ست وسبعين)
توفي فيها: حبة بن جوين العني. وزهير بن قيس البلوي. وفيها، أو في سنة خمس توفي: سعيد بن وهب الهمداني الخيواني. وفيها خرج صالح بن مسرح التميمي، وكان صالحاً ناسكاً مخبتاً، وكان يكون بدارا والموصل، وله أصحاب يقرئهم ويفقههم ويقص عليهم، ولكنه يحط على الخليفتين عثمان وعلي كدأب الخوارج، ويتبرأ منهما ويقول: تيسروا رحمكم الله لجهاد هذه الأحزاب المتحزبة، وللخروج من) دار الفناء إلى دار البقاء، ولا تجزعوا من القتل في الله، فإن القتل أيسر من الموت، والموت نازل بكم. فلم ينشب أن أتاه كتاب شبيب بن يزيد من الكوفة فقال: أما بعد، فإنك شيخ المسلمين، ولن نعدل بك أحداً، وقد دعوتني فاستجبت لك، وإن أردت تأخير ذلك أعلمتني، فإن الآجال غادية ورائحة، ولا آمن أن تخترمني المنية ولم أجاهد الظالمين، فيا له غبناً، ويا له فضلاً متروكاً، جعلنا الله

(5/327)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 328
وإياك ممن يريد بعمله الله ورضوانه. فرد عليه الجواب يحضه على المجيء، فجمع شبيب قومه، منهم أخوه مصاد، والمحلل بن وائل اليشكري، وإبراهيم بن حجر المحلمي، والفضل بن عامر الذهلي، وقدم على صالح وهو بدارا، فتصمدوا مائة وعشرة أنفس. ثم وثبوا على خيل لمحمد بن مروان فأخذوها، وقويت شوكتهم وأخافوا المسلمين. وفيها غزا حسان بن النعمان الغساني إفريقية وقتل الكاهنة. ولما خرج صالح بن مسرح بالجزيرة ندب لحربه عدي بن عدي بن عميرة الكندي، فقاتلهم، فهزم عدياً، فندب لقتاله خالد بن جزء السلمي، والحارث العامري، فاقتتلوا أشد قتال، وانحاز صالح إلى العراق، فوجه الحجاج إلى لحربه عسكراً، فاقتتلوا، ثم مات صالح بن مسرح مثخناً بالجراح في جمادى الآخرة، وعهد إلى شبيب بن يزيد، فاقتفى شبيب هو وسورة بن الحر، فانهزم سورة بعد قتال شديد. ثم سار شبيب فلقي سعيد بن عمرو الكندي، فاقتتلوا، ثم انصرف شبيب فهجم على الكوفة، وقتل بها أبا سليم مولى عنبسة بن أبي سفيان والد

(5/328)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 329
ليث بن أبي سليم، وقتل بها عدي بن عمرو، وأزهر بن عبد الله العامري، ثم خرج عن الكوفة فوجه الحجاج لحربه زائدة بن قدامة الثقفي ابن عم المختار، في جيش كبير، فالتقوا بأسفل الفرات، فهزمهم وقتل زائدة، فوجه الحجاج لحربه عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، فلم يقاتله. وكان مع شبيب امرأته غزالة، وكانت معروفة بالشجاعة، فدخلت مسجد الكوفة تلك الليلة وقرأت وردها في المسجد، وكانت نذرت أن تصعد المنبر فصعدت. ثم حار الحجاج في أمره مع شبيب، فوجه لقتاله عثمان بن قطن الحارثي، فالتقوا في آخر العام، فقتل عثمان وانهزم جمعه بعد أن قتل يومئذ ممن معه ستمائة نفس، منهم مائة وعشرون من) كندة، وقتل من الأعيان: عقيل بن شداد السلولي، وخالد بن نهيك الكندي، والأبرد بن ربيعة الكندي. واستفحل أمر شبيب، وتزلزل له عبد الملك بن مروان، ووقع الرعب في قلوبهم من شبيب، وحار الحجاج، فكان يقول: أعياني شبيب.

(5/329)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 330
4 (حوادث سنة سبع وسبعين)
فيها توفي: أبو تميم الجيشاني أبو عبد الله بن مالك بمصر. وشريح القاضي وفيه خلاف. وفيها سار شبيب بن يزيد، فنزل المدائن، فندب الحجاج لقتاله أهل الكوفة كلهم، عليهم زهرة بن حوية السعدي، شيخ كبير قد باشر الحروب. وبعث إلى حربه عبد الملك من الشام سفيان بن الأبرد، وحبيباً الحكمي في ستة آلاف. ثم قدم عتاب بن وراق على الحجاج مستعفياً من عشرة المهلب بن أبي صفرة، فاستعمله الحجاج على الكوفة، ولجمع جميع الجيش خمسين ألفاً. وعرض شبيب بن يزيد جنده بالمدائن، فكانوا ألف رجل، فقال: يا قوم إن الله ينصركم وأنتم مائة أو مائتان، فأنتم اليوم مئون. ثم ركب، فأخذوا يتخلفون عنه ويتأخرون، فلما التقى الجمعان تكامل

(5/330)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 331
مع شبيب ستمائة، فحمل في مائتين على ميسرة الناس فانهزموا، واشتد القتال، وعتاب بن ورقاء جالس هو وزهرة بن حويه على طنفسة في القلب، فقال عتاب: هذا يوم كثر فيه العدد وقل الغناء، والهفي على خمسة من رجال تميم. وتفرق عن عتاب عامة الجيش، وحمل عليه شبيب، فقاتل عتاب ساعة وقتل، ووطئت الخيل زهرة فهلك، فتوجع له شبيب لما رآه صريعاً، فقال له رجل من قومه: والله يا أمير المؤمنين إنك لمنذ الليلة لمتوجع لرجل من الكافرين قال: إنك لست أعرف بضلالتهم مني، إني أعرف من قديم أمرهم ما لا تعرف، لو ثبتوا عليه كانوا إخواننا. وقتل في المعركة: عمار بن يزيد الكلبي، وأبو خيثمة بن عبد الله. ثم قال شبيب لأصحابه: ارفعوا عنهم السيف، ودعا الناس إلى طاعته وبيعته، فبايعوه، ثم هربوا) ليلاً. هذا كله قبل أن يقدم جيش الشام، فتوجه شبيب نحو الكوفة، وقد دخلها عسكر الشام، فشدوا ظهر الحجاج وانتعش بهم، واستغنى بهم عن عسكر الكوفة، وقال: يا أهل الكوفة لا أعز الله من أراد بكم العز، الحقوا بالحيرة، فانزلوا مع اليهود والنصارى، ولا تقاتلوا معنا. وحنق بهم، وهذا مما يزيد فيه بغضاً. ثم إنه وجه الحارث بن معاوية الثقفي في ألف فارس في الكشف، فالتمس شبيب غفلتهم والتقوا، فحمل شبيب على الحارث فقتله، وانهزم من معه.

(5/331)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 332
ثم جاء شبيب فنزل الكوفة. وحفظ الناس السكك، وبنى شبيب مسجداً بطرف السبخة، فخرج إليه أبو الورد مولى الحجاج في عدة غلمان فقاتل حتى قتل. ثم خرج طهمان مولى الحجاج في طائفة، فقتله شبيب. ثم إن الحجاج خرج من قصر الكوفة، فركب بغلاً، وخرج في جيش الشام، فلما التقى الجمعان نزل الحجاج وقعد على كرسي، ثم نادى: يا أهل الشام، أنتم أهل السمع والطاعة والصبر واليقين، لا يغلبن باطل هؤلاء حقكم، غضوا الأبصار، واجثوا على الركب، وأشرعوا إليهم بالأسنة. وكان شبيب في ستمائة، فجعل مائتين معه كردوساً، ومائتين مع سويد بن سليم، ومائتين مع المحلل بن وائل، فحمل سويد عليهم، حتى إذا غشي أطراف الأسنة وثبوا في وجوههم يطعنونهم قدماً قدماً، فانصرفوا، فأمر الحجاج بتقديم كرسيه، وصاح في أصحابه فحمل عليهم شبيب، فثبتوا، وطال القتال، فلما رأى شبيب صبرهم نادى: يا سويد احمل على أهل هذا السكة لعلك تزيل أهلها عنها، فتأتي الحجاج من وراءه ونحن من أمامه، فحمل سويد على أهل السكة، فرمي من فوق البيوت، فرد. قال أبو مخنف: فحدثني فروة بن لقيط الخارجي قال: فقال لنا شبيب يومئذ: يا أهل الإسلام، إنما شرينا الله، ومن شرى الله لم يكثر عليه ما أصابه، شدة كشداتكم في مواطنكم المعروفة، وحمل على الحجاج، فوثب أصحاب الحجاج طعناً وضرباً، فنزل شبيب وقومه، فصعد الحجاج على مسجد شبيب في نحو عشرين رجلاً وقال:

(5/332)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 333
إذا دنوا فارشقوهم بالنبل، فاقتتلوا عامة النهار أشد قتال في الدنيا، حتى أقر كل فريق للآخر.) ثم إن خالد بن عتاب بن ورقاء قال للحجاج: ائذن لي في قتالهم، فإني موتور وممن لا يتهم في نصيحة، فأذن له، فخرج في عصابة ودار من ورائهم، فقتل مصاداً أخا شبيب، وغزالة امرأة شبيب، وأضم النيران في عسكره. فوثب شبيب وأصحابه على خيولهم، فقال الحجاج: احملوا عليهم فقد أرعبوا، فشدوا عليهم فهزموهم، وتأخر شبيب في حامية قومه. فذكر من كان معه شبيب أنه جعل ينعس ويخفق برأسه وخلفه الطلب، قال: فقلت له: يا أمير المؤمنين التفت فانظر من خلفك، فالتفت غير مكترث ثم أكب يخفق، ثم قلت: إنهم قد دنوا، فالتفت ثم أقبل يخفق. وبعث الحجاج إلى خيل أن دعوه في حرق النار، فتركوه ورجعوا. ومر أصحاب شبيب بعامل للحجاج على بلد بالسواد فقتلوه، ثم أتوا بالمال على دابة فسبهم شبيب على مجيئهم بالمال وقال: اشتغلتم بالدنيا، ثم رمى بالمل في الفرات. ثم سار بهم إلى الأهواز وبها محمد بن موسى بن طلحة بن عبيد الله، فخرج لقتاله وسأل محمد المبارزة، فبارزه شبيب وقتله. ومضى إلى كرمان فأقام شهرين ورجع إلى الأهواز فندب له الحجاج جيش الشام: سفيان بن الأبرد الكلبي، وحبيب بن عبد الرحمن الحكمي، فالتقوا على جسر دجيل، فاقتتلوا حتى حجز بينهم الليل، ثم ذهب شبيب، فلما صار على جسر دجيل قطع الجسر، فوقع شبيب وغرق،

(5/333)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 334
وقيل: نفر به فرسه فألقاه في الماء وعليه الحديد، فقال له رجل: أغرقاً يا أمير المؤمنين قال: ذلك تقدير العزيز العليم فألقاه دجيل إلى ساحله ميتاً، فحمل على البريد إلى الحجاج، فأمر به فشق بطنه وأخرج قلبه، فإذا هو كالحجر، إذا ضرب به الأرض نبا عنها، فشقوه فإذا بداخلاه قلب صغير. وقال ابن جرير الطبري في تاريخه: ثم أنفق الحجاج الأموال، ووجه سفيان بن الأبرد في طلب القوم، قال: وأقام شبيب بكرمان، حتى إذا انجبر واستراش كر راجعاً، فيستقبله ابن الأبرد في ثلاثة كراديس، فاقتتلوا أكثر النهار، وثبت الفريقان، وكر شبيب وأصحابه أكثر من ثلاثين كرة، وابن الأبرد ثابت، ثم آل أمرهم إلى أن ازدحموا عند الجسر، واضطر شبيب أصحاب ابن الأبرد إلى الجسر، ونزل في نحو مائة، فتقاتلوا إلى الليل قتالاً عظيماً، ثم تحاجزوا. وقال أبو مخنف: حدثني فروة قال: ما هو إلا أن انتهينا إلى الجسر، فعبرنا شبيب في الظلمة وتخلف في آخرنا فأقبل على فرسه، وكانت بين يديه حجرة فنزل فرسه عليها وهو على) الجسر، فاضطربت الماذيانة ونزل حافر الفرس على حرف السفينة فنزل في الماء فلما سقط قال: ليقضي الله أمراً كان مفعولاً فانغمس ثم ارتفع فقال: ذلك تقدير العزيز العليم. قال: وقيل كان معه رجال قد أصاب من عشائرهم وأبغضوه، فلما تخلف في الساقة اشتوروا فقالوا: نقطع به الجسر، ففعلوا، فمالت السفن، ونفر فرسه فسقط وغرق.

(5/334)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 335
ثم تنادوا بينهم: غرق أمير المؤمنين فأصبح الناس فاستخرجوه وعليه الدرع. قال أبو مخنف: فسمعتهم يزعمون أنه شق بطنه فأخرج قلبه، فكان مجتمعاً صلباً، كأنه صخرة، وأنه كان يضرب به الأرض فيثب قامة الإنسان. وسيأتي في ترجمته من أخباره أيضاً. وفيها أمر عبد العزيز بن مروان بجامع مصر، فهدم وزيد فيه من جهاته الأربع. وأمر ببناء حصن الإسكندرية، وكان مهدوماً منذ فتحها عمرو بن العاص. وفيها افتتح عبد الملك بن مروان هرقلة وهي مدينة معروفة داخل بلاد الروم. وحج بالناس أبان بن عثمان بن عفان. وفيها وغل عبد الله بن أمية بن عبد الله الأموي بسجستان، فأخذ عليه الطريق، فأعطى مالاً حتى خلوا عنه، فعزله عبد الملك بن مروان ووجه مكانه موسى بن طلحة بن عبيد الله.

(5/335)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 336
4 (حوادث سنة ثمان وسبعين)
توفي فيها: جابر بن عبد الله الأنصاري. وزيد بن خالد الجهني. وعبد الرحمن بن غنم الأشعري. وأبو المقدام شريح بن هانيء. وقال خليفة: فيها أمر الحجاج على سجستان عبيد الله بن أبي بكرة الثقفي، فوجه عبيد الله أبا بردعة فأخذ عليه المضيق، وقتل شريح بن هانيء الحارثي، وأصاب العسكر ضيق وجوع شديد، حتى هلك عامتهم. قال محمد بن جرير: وقد قيل إن هلاك شبيب بن يزيد كان في سنة ثمان. وكذلك قيل في هلاك قطري بن الفجاءة، وعبيدة بن هلال.) وعبد ربه الكبير، رؤوس الخوارج. وقال خليفة: فيها ولي خراسان المهلب بن أبي صفرة.

(5/336)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 337
وقال ابن الكلبي: فيها غزا محرز بن أبي محرز أرض الروم وفتح أزقلة، فلما قفل أصابهم مطر شديد من وراء درب الحدث، فأصيب فيه ناس كثير. وفيها قتل سليمان بن كندير القشيري، قتله أصحاب الحجاج. وفيها جرت حروب ووقعات بإفريقية والمغرب، وولي فيها إمرة المغرب كله موسى بن نصير اللخمي، فسار إلى طنجة وقدم على مقدمته طارق بن زياد الصدفي مولاهم الذي افتتح الأندلس، وأصاب فيها المائدة التي يتحدث أهل الكتاب أنها مائدة سليمان عليه السلام. وفيها حج بالناس ابن أمير المؤمنين الوليد. وفيها وثبت الروم على ملكهم فخلعته وقطعت أنفه ونفته إلى بعض الجزائر. قاله المسبحي. وفيها فرغ الحجاج من بناء واسط، سميت بذلك لأنها وسط ما بين الكوفة والبصرة. وقيل: بنيت سنة ثلاث وثمانين.

(5/337)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 338
4 (حوادث سنة تسع وسبعين)
فيها توفي: عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي. وعبيد الله بن أبي بكرة بسجستان. وقطري بن الفجاءة بطبرستان، بخلف فيه. وفيها استعمل الحجاج على البحرين محمد بن صعصة الكلابي وضم إليه عمان فخرج عليه الريان النكري، فهرب محمد وركب البحر حتى قدم على الحجاج. وفيها ولى الحجاج هارون بن ذراع النمري ثغر الهند وأمره بطلب العلافيين، وهما محمد ومعاوية ابنا الحارث من بني سامة بن لؤي، كانا قد قتلا عامل الحجاج هناك، فظفر هارون بأحدهما فقتله، وهرب الآخر. وفيها غزا الوليد ابن أمير المؤمنين من ناحية ملطية، فغنم وسبى. وقال عوانة بن الحكم: أول قبيل غزاهم موسى بن النصير من البربر

(5/338)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 339
الذين قتلوا عقبة بن نافع، فسار إليهم بنفسه فقتل وسبى، وهرب ملكهم كسيلة.) يقال: بلغ سبيهم عشرين ألفاً. قال ابن جرير: وفيها أصحاب أهل الشام الطاعون حتى كادوا يفنون من شدته. وقال غيره: فيها كان مصرع قطري بن الفجاءة واسم الفجاءة جعونة بن مازن بن يزيد التميمي المازني أبو نعامة، خرج في زمن مصعب بن الزبير، وبقي بضع عشرة سنة يقاتل ويسلم عليه بالخلافة وبأمرة المؤمنين، وتغلب على بلاد الفرس. ووقائعه مشهورة، قد ذكر منها المبرد قطعة في كامله. وقد سير الحجاج لقتاله جيشاً بعد جيش وهو يهزمهم. وحكي عنه أنه خرج في بعض الحروب على فرس أعجف، وبيده عمود خشب، فبرز إليه رجل فكشف قطري وجهه، فولى الرجل، فقال: إلى أين قال: لا يستحس الإنسان أن يفر من مثلك. توجه لقتاله سفيان بن الأبرد الكلبي، فظهر عليه وظفر به وقتله. وقيل: بل عثرت به فرسه فاندقت فخذه، فلذلك ظفروا به بطبرستان، وحمل رأسه إلى الحجاج.

(5/339)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 340
وقيل: إن الذي قتله سورة بن الدرامي. وكان قطري مع شجاعته المفرطة وإقدامه من خطباء العرب المشهورين بالبلاغة والشعر، وله أبيات مذكورة في الحماسة، والله أعلم.

(5/340)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 341
4 (حوادث سنة ثمانين)
فيها توفي: عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. وأسلم مولى عمر. وأبو إدريس الخولاني الفقيه. وعبد الرحمن بن عبد القاري. وناعم بن أجيل المصري، وعبد الله بن زرير الغافقي. وجنادة بن أبي أمية. وجبير بن نفير، بخلف فيهما. وفيها صلب عبد الملك معبداً الجهني على إنكاره القدر. قاله سعيد بن عفير.)

(5/341)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 342
وفيها توفي: سويد بن غفلة قاله أبو نعيم وعبيد الله بن أبي بكرة. قاله ابن معين. وشريح القاضي. قاله ابن نمير. والسائب بن يزيد. قاله بعضهم. وحسان بن النعمان الغساني بالروم. وفيها كان سيل الجحاف، وهو سيل عظيم جاء بمكة حتى بلغ الحجر الأسود، فهلك خلق كثير من الحجاج. قال مصعب الزبيري: سمعت محمد بن نافع الخزاعي قال: كان من قصة الجحاف أن أهل مكة قحطوا، ثم طلع في يوم قطعة غيم، فجعل الجحاف يضرط به ويقول: إن جاءنا شيء فمن هذا، فما برح من مكانه حتى جاء سيل فحمل الجمال وغرق الجحاف. وفيها غزا البحر من الإسكندرية عبد الواحد بن أبي الكنود حتى بلغ قبرس. وفيها هلك أليون الملك عظيم الروم لا رحمه الله. وفيها سار يزيد بن أبي كبشة فالتقى هو والريان النكري بالبحرين، ومع الريان امرأة من الأزد تقاتل، اسمها جيداء، فقتل هو وهي وعامة أصحابهما، وصلب هو.

(5/342)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 343
وفيها أول فتنة ابن الأشعث: وذلك أن الحجاج كان شديد البغض لعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الكندي، يقول: ما رأيته قط إلا أردت قتله. ثم إنه أبعده عنه وأمره على سجستان في هذا العام بعد موت عبيد الله بن أبي بكرة، فسار إليها ففتح فتوحاً، وسار ينهب بلاد رتبيل ويأسر ويخرب، ثم بعث إليه الحجاج مع هذا كتباً يأمره بالوغول في تلك البلاد ويضعف همته ويعجزه، فغضب ابن الأشعث وخطب الناس، وكان معه رؤوس أهل العراق فقال: إن أميركم كتب إلي بتعجيل الوغول بكم في أرض العدو، وهي البلاد التي هلك فيها إخوانكم بالأمس، وإنما أنا رجل منكم، أمضي إذا مضيتم وآبى إذا أبيتم، فثار إليه الناس فقالوا: لا بل تأبى على عدو الله ولا نسمع له ولا نطيع. وقال عامر بن واثلة الكناني: إن الحجاج ما يرى بكم إلا ما رأى القائل الأول: احمل عبدك على الفرس، فإن هلك هلك،) وإن نجا فلك إن الحجاج ما يبالي، إن ظفرتم أكل البلاد وحاز المال، وإن ظفر عدوكم كنتم أنتم الأعداء البغضاء، اخلعوا عدو الله الحجاج وبايعوا عبد الرحمن بن محمد ابن الأشعث، فنادوا: فعلنا فعلنا، ثم أقبلوا كالسيل المنحدر، وانضم إلى ابن الأشعث جيش عظيم، فعجز عنهم الحجاج، واستصرخ بأمير المؤمنين، فجزع لذلك عبد الملك بن مروان، وجهز العساكر الشامية في الحال، كما سيأتي في سنة إحدى وثمانين إن شاء الله تعالى. والحمد لله وحده.

(5/343)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 344
1 (تراجم أهل هذه الطبقة)

4 (حرف الألف)

4 (إبراهيم بن الأشتر)
واسمه مالك بن الحارث النخعي الكوفي. كان أبوه من كبار أمراء علي. وكان إبراهيم من الأمراء المشهورين بالشجاعة والرأي، وله شرف وسيادة، وهو الذي قتل عبيد الله بن زياد يوم الخازر، ثم كان مع مصعب ابن الزبير، فكان من أكبر أمرائه، وقتل معه سنة اثنتين وسبعين.

(5/344)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 345
4 (الأحنف بن قيس)
ابن معاوية بن حصين، أبو بحر التميمي الذي يضرب به المثل في

(5/345)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 346
الحلم. من كبار التابعين وأشرافهم. اسمه الضحاك، ويقال: صخر، وغلب عليه الأحنف لاعوجاج رجليه. وكان سيداً مطاعاً في قومه. أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ووفد على عمر. وحدث عن: عمر، وعثمان، وعلي، وأبي ذر، والعباس، وابن مسعود. روى عنه: الحسن البصري، وعمرو بن جاوان، وعروة بن الزبير، وطلق بن حبيب، وعبد الله بن عميرة، ويزيد بن عبد الله بن الشخير، وخليد العصري. وكان من أمراء علي يوم صفين. قال ابن سعد: كان الأحنف ثقة مأموناً قليل الحديث، وكان صديقاً لمصعب بن الزبير، فوفد عليه إلى الكوفة، فتوفي عنده.) قال سليمان بن أبي شيخ: كان أحنف الرجلين جميعاً، ولم يكن له إلا بيضة واحدة.

(5/346)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 347
قال: وكان اسمه صخر بن قيس أحد بني سعد، وأمه امرأة من باهلة، فكانت ترقصه وتقول:
(والله لولا حنف برجله .......... وقلة أخافها من نسله)
ما كان في فتيانكم من مثله وقال المرزباني: قيل إن اسمه الحارث، وقيل: حصين. وقال أبو أحمد الحاكم: هو افتتح مرو الروذ، وكان الحسن، وابن سيرين في جيشه ذلك. و قال علي بن زيد، عن الحسن، عن الأحنف قال: بينا أنا أطوف في زمن عثمان إذ لقيني رجل من بني ليث، فقال: ألا أبشرك قلت: بلى. قال: أما تذكر إذ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومك بني سعد أدعوهم إلى الإسلام، فجعلت أخبرهم وأعرض عليهم، فقلت: إنه يدعو إلى خير، وما أسمع إلا حسناً، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم اغفر للأحنف. وكان الأحنف يقول: فما شيء أرجى عندي من ذلك. رواه أحمد في مسنده. والبخاري في تاريخه. وقال علي بن زيد، عن الحسن، عن الأحنف قال: قدمت على عمر فاحتبسني عنده حولاً، فقال: يا أحنف، إني قد بلوتك وخبرتك فرأيت علانيتك حسنة، وأنا أرجو أن تكون سريرتك مثل علانيتك، وإنا كنا نتحدث إنما يهلك هذه الأمة كل منافق عليم. وقال العلاء بن الفضل بن أبي سوية: ثنا العلاء بن حريز قال: حدثني

(5/347)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 348
عمر بن مصعب بن الزبير، عن عمه عروة، حدثني الأحنف بن قيس أنه قدم على عمر بفتح تستر، فقال: يا أمير المؤمنين، قد فتح الله عليك تستر، وهي من أرض البصرة، فقال رجل من المهاجرين: يا أمير المؤمنين، إن هذا، يعني الأحنف، الذي كف عنا بني مرة حين بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدقاتهم، وقد كانوا هموا بنا، قال الأحنف: فحبسني عمر عنده بالمدينة سنة، يأتيني في كل يوم وليلة، فلا يأتيه عني إلا مل يحب، فلما كان رأس السنة دعاني فقال: يا أحنف هل تدري لم حبستك قلت: لا. قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذرنا كل منافق عليم، فخشيت أن تكون منهم، فاحمد الله يا أحنف. قلت: وكان الأحنف فصيحاً مفوهاً. قال أحمد العجلي: هو بصري ثقة، وكان سيد قومه، وكان أعور أحنف، دميماً فصيراً كوسجاً،) له بيضة واحدة، حبسه عمر عنده سنة يختبره، فقال عمر: هذا والله السيد. قلت: ذهبت عينه بسمرقند. ذكره الهيثم. وقال معمر، عن قتادة قال: خطب الأحنف عند عمر، فأعجبه منطقه، فقال: كنت أخشى أن تكون منفقاً عالماً، وأرجو أن تكون مؤمناً، فانحدر إلى مصرك.

(5/348)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 349
قلت: مصره هي البصرة. وعن الأحنف قال: ما كذبت منذ أسلمت إلا مرة، سألني عمر عن ثوب بكم أخذته فأسقطت ثلثي الثمن. وقال خليفة: توجه ابن عامر إلى خراسان وعلى مقدمته الأحنف. وقال ابن سيرين: كان الأحنف يحمل، يعني في قتال أهل خراسان، ويقول:
(إن على كل رئيس حقا .......... أن يخضب الصعدة أو يندقا)
قال: وسار الأحنف إلى مرو الروذ، ومنها إلى بلخ، فصالحوه على أربعمائة ألف، ثم أتى الأحنف خوارزم، فلم يطقها، فرجع. وقال ابن إسحاق: خرج ابن عامر من خراسان قد أحرم من نيسابور بعمرة، وخرج على خراسان الأحنف فجمع أهل خراسان جمعاً كبيراً، واجتمعوا بمرو، فقاتلهم الأحنف وهزمهم وقتلهم، وكان جمعاً لم يجتمع مثله قط. وقال أيوب السختياني، عن محمد قال: نبئت أن عمراً ذكر بني تميم فذمهم فقام الأحنف فقال: إنك ذكرت بني تميم فعممتهم بالذم، وإنما هم من الناس، فيهم الصالح والطالح، فقال: صدقت. فقام الحتات وكان يناوئه فقال: يا أمير المؤمنين ائذن لي فلأتكلم، قال: اجلس، فقد كفاكم سيدكم الأحنف.

(5/349)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 350
وقال علي بن زيد، عن الحسن قال: وكتب عمر إلى أبي موسى: ائذن للأحنف، وشاوره، واسمع منه. وقال الحسن البصري: ما رأيت شريف قوم كان أفضل من الأحنف. وقال خالد بن صفوان: كان الأحنف يفر من الشرف والشرف يتبعه. وقال والد حماد بن زيد: قيل للأحنف: إنك شيخ كبير، وإن الصيام يضعفك قال: إني أعده لسفر طويل.) وقال حماد بن زيد: حدثني زريق بن رديح، عن سلمة بن منصور، عن رجل قال: كان الأحنف عامة صلاته بالليل، وكان يضع إصبعه على السراج فيقول: حس. ثم يقول: يا أحنف ما حملك على أن صنعت كذا وكذا يوم كذا وكذا. غيره يقول: ابن ذريح. وقال أبو كعب صاحب الحرير: ثنا أبو الأصفر، أن الأحنف أصابته جنابة في ليلة باردة، فلم يوقظ غلمانه، وذهب يطلب الماء، فوجد ثلجاً فكسره واغتسل. وقال مروان الأصغر: سمعت الأحنف يقول: اللهم إن تغفر لي فأنت أهل لذلك. وإن تعذبني فأنا أهل لذلك. وقال جرير، عن مغيرة: قال الأحنف: ذهبت عيني من أربعين سنة، ما شكوتها إلى أحد.

(5/350)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 351
ويروى أنه وفد على معاوية فقال: أنت الشاهر علينا سيفك يوم صفين والمخذل عن عائشة أم المؤمنين فقال: لا تؤنبنا بما مضى منا، ولا ترد الأمور على أدبارها، فإن القلوب التي أبغضناك بها بين جوانحنا، والسيوف التي قاتلناك بها على عواتقنا، في كلام غيره، فقيل: إنه لما خرج قالت أخت معاوية: من هذا الذي يتهدد قال: هذا الذي إن غضب غضب لغضبه مائة ألف من تميم، لا يدرون فيم غضب. وقال ابن عون، عن الحسن قال: ذكروا عند معاوية شيئاً، والأحنف ساكت: فقال معاوية: يا أبا بحر، ما لك لا تتكلم: قال: أخشى الله إن كذبت وأخشاكم إن صدقت. وعن الأحنف قال: عجبت لمن يجري في مجرى البول مرتين، كيف يتكبر. وقال سليمان التيمي: قال الأحنف: ما أتيت باب هؤلاء إلا أن أدعى، ولا دخلت بين اثنين حتى يدخلاني بينهما، ولا ذكرت أحداً بعد أن يقوم من عندي إلا بخير. وعن الأحنف قال: ما نازعني أحد فكان فوقي إلا عرفت له قدره، ولا كان دوني إلا رفعت قدري عنه، ولا كان مثلي إلا تفضلت عليه. وقال ابن عون، عن الحسن، قال الأحنف: لست بحليم، ولكني أتحالم. وبلغنا أن رجلاً قال للأحنف: لئن قلت واحدة لتسمعن عشراً، فقال له: لكنك لئن قلت عشراً لم تسمع واحدة.

(5/351)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 352
وإن رجلاً قال له: بم سدت قومك؟ قال: بتركي من أمرك ما لا يعنيني كما عندك من أمري ما) لا يعنيك. وعنه قال: ما ينبغي للأمير أن يغضب، لأن الغضب في القدرة لقاح السيف والندامة. وقال الأصمعي: قال عبد الملك بن عمير: قدم علينا الأحنف الكوفة مع مصعب، فما رأيت خصلة تذم إلا رأيتها فيه، كان ضئيلاً، صغير الرأس، متراكب الأسنان، مائل الذقن، ناتيء الوجه، باخق العينين، خفيف العارضين، أحنف الرجل، فكان إذا تكلم جلا عن نفسه. باخق: منخسف العين. وقال ابن الأعرابي: الأحنف الذي يمشي على ظهر قدميه. وقال غيره: هو أن تقبل كل رجل على صاحبتها. وللأحنف أشياء مفيدة أورد الحافظ ابن عساكر جملة منها. وكان زياد بن أبيه كثير الرعاية للأحنف، فلما ولي بعده ابنه عبيد الله تغيرت حال الأحنف عند عبيد الله، وصار يقدم عليه من دونه، ثم إنه وفد على معاوية بأشراف أهل العراق، فقال لعبيد الله: أدخلهم على قدر مراتبهم، فكان في آخرهم الأحنف، فلما رآه معاوية أكرمه لمكان سيادته، وقال له: يا أبا بحر إلي، وأجلسه معه، وأقبل عليه، وأعرض عنهم، فأخذوا في شكر عبيد الله، وسكت الأحنف، فقال معاوية له: لم لا تتكلم قال: إن تكلمت خالفتهم، فقال: اشهدوا أني قد عزلت عبيد الله، فلما خرجوا كان فيهم من يروم الإمارة، ثم أتوا معاوية بعد ثلاث، وذكر كل واحد شخصاً، وتنازعوا، فقال معاوية: ما تقول يا أبا بحر قال: إن وليت أحداً من أهل بيتك لم تجد من يسد مسد عبيد الله، قال: قد أعدته، فلما خرجوا خلا

(5/352)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 353
معاوية بعبيد الله وقال: كيف ضيعت مثل هذا الذي عزلك وأعادك وهو ساكت؟ ! فلما عاد عبيد الله إلى العراق، جعل الأحنف خاصته وصاحب سره. وقال عبد الرحمن بن القاسم صاحب مالك، عن أبي شريح المعافري، عن عبد الرحمن بن عمارة بن عقبة قال: حضرت جنازة الأحنف بالكوفة، فكنت فيمن نزل قبره، فلما سويته رأيته قد فسح له مد بصري، فأخبرت بذلك أصحابي، فلم يروا ما رأيت. رواها ابن يونس في تاريخ مصر. توفي الأحنف سنة سبع وستين في قول يعقوب الفسوي. وقال غيره: توفي سنة إحدى وسبعين.) وقال غير واحد: توفي في إمرة مصعب على العراق. ولم يعينوا سنة، رحمه الله.
4 (أسماء بنت أبي بكر الصديق)
أم عبد الله ذات النطاقين، آخر المهاجرين والمهاجرات وفاة، وأمها

(5/353)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 354
قتيلة بنت عبد العزى العامرية. لها عدة أحاديث. روى عنها: عبد الله، وعروة ابنا الزبير، وابناهما عبادة، وعبد الله، ومولاها عبد الله، وابن عباس، وأبو واقد الليثي، وتوفيا قبلها، وفاطمة بنت المنذر بن الزبير، وعباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير، وابن أبي مليكة، وأبو نوفل معاوية بن أبي عقرب، ووهب بن كيسان، والمطلب بن عبد الله، ومحمد بن المنذر، وصفية بنت شيبة. وشهدت اليرموك مع ابنها عبد الله وزوجها. وهي وابنها وأبوها وجدها صحابيون. روى شعبة، عن مسلم القري قال: دخلنا على أم ابن الزبير، فإذا هي امرأة ضخمة عمياء، نسألها عن متعة الحج، فقالت: قد رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها. قال ابن أبي الزاد: كانت أكبر من عائشة بعشر سنين. قلت: فعمرها على هذا إحدى وتسعون سنة.

(5/354)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 355
وأما هشام بن عروة فقال: عاشت مائة سنة ولم يسقط لها سن. وقال ابن أبي مليكة: كانت أسماء تصدع فتضع يدها على رأسها فتقول: بذنبي وما يغفره الله أكثر. وقال هشام بن عروة: أخبرني أبي، عن أسماء قالت: تزوجني الزبير، وما له شيء غير فرسه، فكنت أعلفه وأسوسه، وأدق النوى لناضحه، وأعلفه، وأستقي، وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز، فكان يخبز لي جارات من الأنصار، وكن نسوة صدق، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي، وهي على ثلثي فرسخ، فجئت يوماً والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه جماعة، فدعاني فقال: إخ إخ. ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته، فمضى، فلما أتيت أخبرت الزبير، فقال: والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه، قالت: حتى أرسل إلي) أبو بكر بعد ذلك بخادم، فكفتني سياسة الفرس، فكأنما أعتقني. وقال إبراهيم بن المنذر: ثنا عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة، عن هشام بن عروة قال: ضرب الزبير أسماء، فصاحت لعبد الله بن الزبير، فأقبل، فلما رآه قال: أمك طالق إن دخلت قال: أتجعل أمي عرضة ليمينك، فاقتحم عليه وخلصها، فبانت منه. وقال حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، إن الزبير طلق أسماء، فأخذ

(5/355)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 356
عروة وهو يومئذ صغير. وقال أسامة بن زيد، عن ابن المنكدر قال: كانت أسماء سخية النفس. وقال أبو معاوية: ثنا هشام، عن فاطمة بنت المنذر قالت: قالت أسماء: يا بناتي تصدقن ولا تنتظرن الفضل فإنكن إن انتظرتن الفضل لن تجدنه، وإن تصدقن لن تجدن فقده. وقال علي بن مسهر، عن هشام بن عروة، عن القاسم بن محمد قال: سمعت ابن الزبير يقول: ما رأيت امرأتين قط أجود من عائشة وأسماء، وجودهما يختلف، أما عائشة فكانت تجمع الشيء إلى الشيء، حتى إذا اجتمع عندها وضعته مواضعه، وأما أسماء فكانت لا تدخر شيء لغد. قال ميمون بن مهران: كانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط تحت الزبير، وكانت فيه شدة على النساء، وكانت له كارهة تسأل الطلاق، فطلقها واحدة، وقال: لا ترجع إلي أبداً. وقال أيوب، عن نافع، وسعد بن إبراهيم، إن عبد الرحمن بن عوف طلقها ثلاثاً، يعني لتماضر، فورثها عثمان منه بعد انقضاء العدة، ثم قال سعد: وكان أبو سلمة أمه تماضر بن الأصبغ. وروى عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن تماضر، حين طلقها الزبير بن العوام، وكان أقام عندها سبعاً، ثم لم ينشب أن طلقها.

(5/356)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 357
وقال مصعب بن سعد: فرض عمر ألفاً ألفاً للمهاجرات، منهن أم عبد، وأسماء. وقالت فاطمة بنت المنذر: إن جدتها أسماء كانت تمرض المرضة، فتعتق كل مملوك لها. وقال الواقدي: كان سعيد بن المسيب من أعبر الناس للرؤيا، أخذ ذلك عن أسماء بنت أبي بكر، وأخذت عن أبيها. وقال الواقدي: ثنا موسى بن يعقوب، عن إبراهيم بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن أبي ربيعة، عن أمه: إن أسماء كانت تقول وابن الزبير يقاتل الحجاج: لمن كانت الدولة اليوم فيقال لها:) للحجاج. فتقول: ربما أمر الباطل. فإذا قيل لها: كانت لعبد الله، تقول: اللهم انصر أهل طاعتك ومن غضب لك. وقال هشام بن عروة، عن أبيه قال: دخلت على أسماء أنا وعبد الله، قبل أن يقتل بعشر ليال، وإنها لوجعة، فقال لها عبد الله: كيف تجدينك قالت: وجعة، قال: إن في الموت لعافية. قالت: لعلك تشتهي موتي، فلا تفعل، وضحكت، وقالت: والله ما أشتهي أن أموت حتى يأتي علي أحد طرفيك، إما أن تقتل فأحتسبك، وإما أن تظفر فتقر عيني، وإياك أن تعرض علي خطة لا توافق، فتقبلها كراهية الموت. إسحاق الأزرق، عن عوف الأعرابي، عن أبي الصديق الناجي، أن الحجاج دخل على أسماء فقال: إن ابنك ألحد في هذا البيت، وإن الله أذاقه من عذاب أليم. قالت: كذب، كان براً بوالديه، صواماً قواماً، ولكن قد

(5/357)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 358
أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيخرج من تثقيف كذابان، الآخر منهما شر من الأول، وهو مبير. إسناده قوي. وقال ابن عيينة: ثنا أبو المحياه، عن أمه قالت: لما قتل الحجاج ابن الزبير دخل على أمه أسماء وقال ها: يا أمه، إن أمير المؤمنين أوصاني بك فهل لك من حاجة فقالت: لست لك بأم، ولكني أم المصلوب على رأس البنية، وما لي من حاجة، ولكن أحدثك: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يخرج في ثقيف كذاب ومبير فأما الكذاب، فقد رأيناه تعني المختار بن أبي عبيد وأما المبير فأنت، فقال لها: مبير المنافقين. أبو المحياه هو يحيى بن يعلى التيمي. وقال يزيد بن هارون: أنبأ الأسود بن شيبان، عن أبي نوفل، عن أبي عقرب، أن الحجاج لما قتل ابن الزبير صلبه، وأرسل إلى أمه أن تأتيه، فأبت، فأرسل إليها لتأتين أو لأبعثن من يسحبك بقرونك، فأرسلت إليه: والله لا آتيك حتى تبعث إلي من يسحبني بقروني. فلما رأى ذلك أتى إليها فقال: كيف رأيتني صنعت بعبد الله قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك، وقد بلغني أنك كنت تعيره بابن ذات النطاقين، وذكرت الحديث، فانصرف ولم يراجعها. وقال حميد بن زنجويه: ثنا ابن أبي عباد، ثنا سفيان بن أبي عيينة، عن منصور بن عبد الرحمن، عن أمه قالت: قيل لابن عمر أن أسماء في ناحية المسجد، وذلك حين قتل ابن الزبير) وهو مصلوب، فمال إليها، فقال: إن هذه الجثث ليست بشيء، وإنما الأرواح عند الله، فاتقي الله، وعليك بالصبر. فقالت: وما يمنعني وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغي من

(5/358)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 359
بغايا بني إسرائيل. رواه حرملة بن يحيى، عن سفيان بن المبارك. أنا مصعب بن ثابت، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه قال: قدمت قتيلة بنت عبد العزى على بنتها أسماء بنت أبي بكر وكان أبو بكر طلقها في الجاهلية بهدايا، زبيب وسمن وقرظ، فأبت أن تقبل هديتها، وأرسلت إلى عائشة: سلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لتدخلها وتقبل هديتها. ونزلت لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين. الآية. شريك، عن الركين بن الربيع قال: دخلت على أسماء بنت أبي بكر وهي كبيرة عمياء، فوجدتها تصلي، وعندها إنسان يلقنها: قومي اقعدي افعلي. وقال ابن أبي مليكة: دخلت على أسماء، فقالت: بلغني أن هذا صلب ابن الزبير، اللهم لا تمتني حتى أوتى به أحنطه وأكفنه، فأتيت به بعد ذلك قبل موتها، فجعلت تحنطه بيدها وتكفنه بعد ما ذهب بصرها. قال ابن سعد: ماتت أسماء بعد وفاة ابنها بليال. ويروى عن ابن أبي مليكة قال: كفنته وصلت عليه، وما أتت عليه جمعة حتى ماتت.
4 (الأسود بن يزيد)
ابن قيس النخعي، الفقيه أبو عمرو، ويقال أبو عبد الرحمن، أخو

(5/359)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 360
عبد الرحمن، ووالد عبد الرحمن، وابن أخي علقمة بن قيس، وخال إبراهيم بن زيد النخعي. وكان أسن من علقمة. روى عن: معاذ بن جبل، وعبد الله بن مسعود، وبلال، وحذيفة، وأبي موسى الأشعري، وعائشة، وقرأ عليه القرآن: يحيى بن وثاب، وإبراهيم النخعي، وأبو إسحاق. وكان من العبادة والحج على أمر كبير. فروى شعبة، عن أبي إسحاق قال: حج الأسود ثمانين من بين حجة وعمرة. وقال ابن عون: سئل الشعبي، عن الأسود بن يزيد فقال: كان صواماً قواماً حجاجاً.

(5/360)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 361
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: ثنا عبد الله بن صندل، ثنا تفضيل بن عياض، عن ميمون،) عن منصور، عن إبراهيم قال: كان الأسود يختم القرآن في رمضان في كل ليلتين: وكان ينام بين المغرب والعشاء، وكان يختم القرآن في غير رمضان في كل ست ليال. وقال يحيى بن سعيد القطان: ثنا يزيد بن عطاء، عن علقمة بن مرثد قال: كان الأسود يجتهد في العبادة، يصوم حتى يخضر ويصفر، فلما احتضر بكى، فقيل له: ما هذا الجزع فقال: ما لي لا أجزع، والله لو أتيت بالمغفرة من الله لأهمني الحياء منه مما قد صنعت، إن الرجل ليكون بينه وبين آخر الذنب الصغير، فيعفو عنه، فلا يزال مستحيياً منه. في وفاته أقوال، أحدها سنة خمس وسبعين.
4 (أسلم مولى عمر بن الخطاب)
العدوي أبو زيد، ويقال أبو خالد، من سبي عين التمر. وقيل: حبشي. وقيل: من سبي اليمن. وقد اشتراه عمر بمكة لما حج بالناس سنة

(5/361)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 362
إحدى عشر في خلافة الصديق. وقال الواقدي: سمعت أسامة بن زيد بن أسلم يقول: نحن قوم من الأشعريين، ولكنا لا ننكر منة عمر رضي الله عنه. سمع: أبا بكر، وعمر، وعثمان، ومعاذاً، وأبا عبيدة، وابن عمر، وابن عمر، وكعب الأحبار. روى عنه: ابنه زيد، والقاسم بن محمد، ومسلم بن جندب، ونافع ابن مولى عمر. قال الزهري، عن القاسم، عن أسلم قال: قدمنا الجابية مع عمر، فأتينا بالطلاء وهو مثل عقيد الرب. وقال الواقدي: حج عمر بالناس سنة إحدى عشرة، فابتاع فيها أسلم. وقال الواقدي أيضاً: ثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: اشتراني عمر سنة اثنتي عشرة، وهي السنة التي قدم فيها بالأشعث بن قيس أسراً، فأنا أنظر إليه في الحديد يكلم أبا بكر، وهو يقول له: فعلت وفعلت، حتى كان آخر ذلك أسمع الأشعث يقول: يا خليفة رسول الله استبقني لحربك، وزوجني أختك، فمن عليه أبو بكر وزوجه أخته أم فروة، فولدت له محمد بن الأشعث. وقال جويرية، عن نافع: حدثني أسلم مولى عمر الأسود الحبشي: والله ما أريد عيبه. وعن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: قال ابن عمر: يا أبا خالد، إني أرى

(5/362)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 363
أمير المؤمنين يلزمك لزوماً لا يلزمه أحداً من أصحابك، لا يخرج سفراً إلا وأنت معه، فأخبرني عنه، قال: لم يكن) أولى القوم بالظل، وكان يرحل رواحلنا ويرحل رحله وحده، ولقد فزعنا ذات ليلة وقد رحل رحالنا وهو يرحل رحله ويرتجز:
(لا يأخذ الليل عليك بالهم .......... والبسن له قميص واعتم)

(وكن شريك رافع وأسلم .......... واخدم الأقوام حتى تخدم)
رواه القعمدي، عن يعقوب بن حماد، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه. قال أبو عبيد: توفي أسلم سنة ثمانين.
4 (أميمة بنت رقيقة)
واسم أبيها عبد بن بجاد التيمي، وهي بنت أخت خديجة بنت خويلد لأمها. عدادها في صحابيات أهل المدينة. روى عنها: ابنتها حكيمة، وعبد الله بن عمرو، ومحمد بن المنكدر، وصرح ابن المنكدر بأنه سمع منها، وبأنها بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحديث في الموطأ.

(5/363)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 364
4 (أوس بن ضمعج الكوفي العابد.)
ثقة كبير مخضرم. روى عن: سلمان الفارسي، وأبي مسعود البدري الأنصاري، وعائشة. روى عنه: إسماعيل بن رجاء، وإسماعيل بن عبد الرحمن السدي، وإسماعيل بن أبي خالد. توفي سنة ثلاث أو أربع وسبعين.

(5/364)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 365
4 (حرف الباء)

4 (بجالة بن عبدة التميمي البصري.)
كاتب جزء بن معاوية، عم الأحنف بن قيس. روى عن: عبد الرحمن بن عوف، وابن عباس، وقال: جاءنا كتاب عمر رضي الله عنه. روى عنه: الزبير بن الخريت، ويعلى بن حكيم، وطالب بن السميدع. ووفد على يزيد بن معاوية.
4 (البراء بن عازب)
ابن الحارث أبو عمارة الأنصاري الحارثي المدني، نزيل الكوفة.

(5/365)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 366
صحب النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه، وعن أبي بكر، وغيره.) روى عنه: أبو جحيفة السوائي، وعبد الله بن يزيد الخطمي، الصحابيان، وعدي بن ثابت، وسعد بن عبيدة، وأبو عمر زادان، وأبو إسحاق السبيعي، وآخرون. واستصغر يوم بدر، وشهد غير غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. أبو إسحاق، عن البراء: استصغرني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر فردني،

(5/366)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 367
وغزوت معه خمس عشرة غزوة، وما قدم علينا المدينة حتى قرأت سوراً من المفصل. شعبة، وجماعة، عن أبي السفر، رأيت على البراء خاتم ذهب. وقال البراء: كنت أنا وابن عمر لدة. توفي سنة اثنتين وسبعين، وقيل: سنة إحدى وسبعين.
4 (بسر بن أبي أرطأة)
عمير بن عويمر بن عمران، ويقال: بسر بن أرطأة، أبو عبد الرحمن

(5/367)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 368
العامري القرشي، نزيل دمشق. روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم حديثين، وهما اللهم أحسن عاقبتنا. وحديث: لا تقطع الأيدي في الغزو. روى عنه جنادة بن أبي أمية، وأيوب بن ميسرة، وأبو راشد الحبراني، وغيرهم. قال الواقدي: ولد قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين. وقال ابن يونس المصري: كان صحابياً شهد فتح مصر: وله بها دار وحمام، وكان من شيعة معاوية، وولي الحجاز واليمن له، ففعل أفعالاً قبيحة، وشوش في آخر أيامه. قلت: وكان أميراً سرياً شجاعاً بطلاً فاتكاً، ساق ابن عساكر أخباره في

(5/368)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 369
تاريخه، فمن أخبث أخباره التي ما عملها الحجاج، على أن الصحيح أن بسراً لا صحبة له. قال الواقدي، وأحمد بن حنبل، وابن معين: لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وبسر صغير. قال موسى بن عبيدة: ثنا زيد بن عبد الرحمن بن أبي سلامة، عن أبي الزيات، وآخر، سمعا أبا ذر يتعوذ من يوم العورة، قال زيد: فقتل عثمان، ثم أرسل معاوية بسر بن أرطأة إلى اليمن، فسبى نساء مسلمات، فأقمن في السوق. وقال ابن إسحاق: قتل بسر: عبد الرحمن، وقثم ولدي عبيد الله بن عباس باليمن.) وروى ابن سعد، عن الواقدي، عن داود بن جسرة، عن عطاء بن أبي مروان قال: بعث معاوية بسر بن أبي أرطأة إلى الحجاز واليمن يقتل من كان في طاعة علي، فأقام بالمدينة شهراً لا يقال له: هذا ممن أعان على قتل عثمان، إلا قتلة. وكان عبيد الله على اليمن، فمضى بسر إليها فقتل ولدي عبيد الله، وقتل عمرو بن أراكة الثقفي، وقتل من همدان أكثر من مائتين، وقتل من الأبناء طائفة. وذلك بعد قتل علي، وبقي إلى خلافة عبد الملك. ويروى عن الشعبي أن بسراً هدم بالمدينة دوراً كثيرة، وصعد المنبر وصاح: يا دينار، شيخ سمح عهدته ها هنا بالأمس، ما فعل يعني عثمان يا أهل المدينة لولا عهد أمير المؤمنين ما تركت بها محتلماً إلا قتلته، ثم مضى

(5/369)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 370
إلى اليمن فقتل بها ابني عبيد الله بن عباس، صبيين مليحين، فهامت أمهما بهما. قلت: وقالت فيهما أبيات سائرة، وبقيت تقف للناس مكشوفة الوجه، وتنشد في الموسم منها:
(ها من أحسن بابني الذين هما .......... كالدرتين تجلى عنهما الصدف)

4 (بشر بن مروان)
ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية القرشي الأموي. كان سمحاً جواداً ممدحاً. ولي إمرة العراقين لأخيه عبد الملك. وله دار بدمشق عند عقبة المتان، وجمع له أخوه إمرة العراقين. فعن الضحاك العتابي قال: خرج أيمن بن خريم إلى بشر بن مروان،

(5/370)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 371
فقدم فرأى الناس يدخلون عليه بلا استئذان، فقال: من يؤذن الأمير بنا قالوا: ليس عليه حجاب، فأنشأ يقول:
(يرى بارزاً للناس بشر كأنه .......... إذا لاح في أثوابه قمر بدر)

(بعيد مراة العين مارد طرفه .......... حذار الغواشي رجع باب ولا ستر)

(ولو شاء بشر أغلق الباب دونه .......... طماطم سود أو صقالبة حمر)

(ولكن بشراً يسر الباب للتي .......... يكون له في جنبها الحمد والشكر)
فقال: تحتجب الحرم، وأجزل صلته. وقال أبو مسهر: ثنا الحكم بن هشام قال: ولى عبد الملك أخاه بشراً على العراقين، فكتب إليه حين وصله الخبر: يا أمير المؤمنين إنك قد شغلت إحدى يدي، وهي اليسرى، وبقيت الأخرى فارغة. فكتب إليه بولاية الحجاز واليمن، فلما بلغه الكتاب حتى وقعت القرحة في يمينه، فقيل) له: نقطعها من مفصل الكف، فجزع، فما أمسى حتى بلغت المرفق، ثم أصبح وقد بلغت الكتف، وأمسى وقد خالطت الجوف، فكتب إليه: أما بعد، فإني كتبت إليك يا أمير المؤمنين، وأنا في أول يوم من أيام الآخرة، قال: فجزع عليه عبد الملك، وأمر الشعراء فرثوه. وقال علي بن زيد بن جدعان: قال الحسن: قدم علينا بشر بن مروان البصرة وهو أبيض بض، أخو خليفة، وابن خليفة، فأتيت داره، فلما نظر إلى الحاجب قال: من أنت قلت: الحسن البصري. قال: ادخل، وإياك أن تطيل الحديث ولا تمله، فدخلت فإذا هو على سرير عليه فرش قد كاد أن يغوص فيها، ورجل متكيء على سيفه قائم على رأسه، فسلمت، فقال: من أنت قلت: الحسن البصري. فأجلسني، ثم قال: ما تقول في زكاة أموالنا، ندفعها للسلطان أم إلى الفقراء قلت: أي ذلك فعلت أجزأ عنك، فتبسم، ثم رفع رأسه إلى الذي على رأسه، فقال: لشيء ما يسود من سود، ثم عدت إليه من العشي، وإذا هو قد اندحر من سريره إلى أسفل وهو يتململ، والأطباء حوله، ثم عدت من الغد والناعية

(5/371)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 372
تنعاه، والدواب قد جزوا نواصيها. ودفن في جانب الصحراء. ووقف الفرزدق على قبره ورثاه بأبيات، فما بقي أحد إلا بكى. قال خليفة: مات سنة خمس وسبعين، وهو أول أمير مات في البصرة. توفي وعمره نيف وأربعون سنة.

(5/372)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 373
4 (حرف االتاء)

4 (توبة بن الحمير)
صاحب ليلى الأخيلية، أحد المتيمين. وكان لا يرى ليلى إلا متبرقعة، وكان يشن الغارة على بني الحارث بن كعب، وكانت بين أرض بني عقيل وبين مهرة، فكمنوا له وقتلوه، فرثته ليلى الأخيلية بأبيات. ومن شعره قوله:
(فإن تمنعوا ليلى وحسن حديثها .......... فلن تمنعوا مني البكا والقوافيا)

(5/373)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 374
(فهلا منعتم إذ منعتم كلامها .......... خيالاً يمسينا على النأي هاديا)

(لعمري لقد أسهرتني يا حمامة ال .......... عقيق وقد أبكيت من كان باكيا)

(ذكرتك بالغور التهامي فأصعدت .......... شجون الهوى حتى بلغن التراقيا)
وله شعر سائر جيد.) ذكر ترجمته ابن الجوزي تقريباً في حدود سنة ست وسبعين.

(5/374)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 375
4 (حرف الثاء)

4 (ثابت بن الضحاك بن خليفة،)
أبو زيد الأنصاري الأشهلي. قال ابن سعد: توفي في فتنة ابن الزبير، وكان له ثمان سنين أو نحوها عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. روى عنه أبو قلابة الجرمي في الحلف بملة سوى الإسلام.

(5/375)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 376
وفي البخاري: عن أبي قلابة، أن ثابت بن الضحاك أخبره أنه بايع تحت الشجرة. رواه البخاري بإسناد نازل. وهذا يدل على أن ابن سعد غلط في عمره كما ترى.

(5/376)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 377
4 (حرف الجيم)

4 (جابر بن عبد الله)
ابن عمرو بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري

(5/377)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 378
السلمي أبو عبد الله، ويقال أبو عبد الرحمن، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبنو سلمة بطن من الخزرج. روى الكثير عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عن: أبي بكر، وعمر، ومعاذ، وأبي عبيدة، وخالد بن الوليد. وقد روى عن: أم كلثوم بنت الصديق، وهي تابعية. روى عنه: سعيد بن المسيب، ومجاهد، وعطاء، وأبو سلمة، وأبو جعفر، والحسن بن محمد بن الحنفية، وسالم بن أبي الجعد، والشعبي وزيد بن أسلم، وأبو الزبير، وعاصم بن عمر بن قتادة، وسعيد بن مينا، ومحارب بن دثار، وخلق سواهم. فعن جابر قال: كنت في الجيش الذين مع خالد بن الوليد الذين أمدهم أبو عبيدة وهو يحاصر دمشق. قال عروة، وموسى بن عقبة: جابر بن عبد الله شهد العقبة. وقال ابن سعد: شهد العقبة مع السبعين، وكان أصغرهم، وأراد شهود بدر، فخلفه أبوه على أخواته، وكن تسعاً وخلفه يوم أحد فاستشهد يومئذ، وكان أبوه عقبياً بدرياً من النقباء. وقال الثوري، عن جابر يعني الجعفي عن الشعبي، عن جابر قال: كنا مع رسول الله) صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، وأخرجني خالي وأنا لا أستطيع أن أرمي الحجر. وروي عن جابر قال: حملني خالي الجد بن قيس في السبعين الذين

(5/378)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 379
وفدوا على رسول الله من الأنصار، فخرج إلينا ومعه العباس. وذكر البخاري، عن عمرو، عن جابر أنه شهد العقبة. وفي مسند الحسن بن سفيان: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: كنت أمتح لأصحابي الماء يوم بدر. قال الواقدي: هذا وهم من أهل العراق. قلت: صدق، فإن زكريا بن إسحاق روى عن أبي الزبير، عن جابر قال: لم أشهد بدراً ولا أحداً، منعني أبي فلما قتل لم أتخلف عن غزوة. أخرجه البخاري. ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر قال: شهدنا بيعة العقبة سبعون رجلاً، فوالينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعباس يمسك بيده. وقال عمرو بن دينار: سمعت جابراً يقول كنا يوم الحديبية ألفاً وأربعمائة، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتم اليوم خير أهل الأرض. وقال أبو عبيدة الحداد عبد الواحد بن واصل: ثنا ليث بن كيسان، عن أبي الزبير، عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لي: هل تزوجت قلت: نعم. قال: بكر أو ثيب قلت: بل ثيب قال: فهلا بكراً تضاحكها وتضاحكك، قلت: يا نبي الله إنها وإنها، وإنما أردت لتقوم على أخواتي، قال: أصبت أرشدك الله. وبه عن جابر قال: استغفر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة البعير خمساً وعشرين مرة. صححه الترمذي.

(5/379)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 380
قلت: بغير جابر له طرق كثيرة. وأخرج مسلم من حديث أبي الزبير، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يصعد ثنية المرار فإنه يحط عنه ما حط عن بني إسرائيل، فكان أول من صعدها خيلنا خيل بني الخزرج، وتتابع الناس، فقال: كلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر، تعال يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: والله لأن أجد ضالتي أحب إلي من أن يستغفر لي) صاحبكم. وقال ابن المنكدر: سمعت جابراً يقول: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدني لا أعقل، فتوضأ وصب علي من وضوئه، فعقلت. وقال هشام بن عروة: رأيت لجابر بن عبد الله حلقة في المسجد يؤخذ عنه. وقال ابن المنكدر: سمعت جابراً يقول: دخلت على الحجاج: فلما سلمت عليه. وقال زيد بن أسلم: إن جابراً كف بصره. وقال الواقدي، عن أبي بن عباس بن سهل، عن أبيه قال: كنا بمنى، فجعلنا نخب جابراً بما نرى من إظهار قطف الخز والوشي، يعني السلطان وما يصنعون، فقال: ليت سمعي قد ذهب كما ذهب بصري حتى لا أسمع من حديثهم شيئاً ولا أبصره.

(5/380)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 381
وروى الواقدي بإسناده أن جابراً دخل على عبد الملك لما حج، فرحب به، فكلمه في أهل المدينة أن يصل رحابهم، فلما خرج في أمر له بخمسة آلاف درهم، فقبلها. وقال محمد بن عباد المكي: ثنا حنظلة بن عمرو الأنصاري، عن أبي الحويرث قال: هلك جابر بن عبد الله، فحضرنا في بني سلمة، فلما خرج سريره من حجرته إذا حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب بين عمودي السرير، فأمر به الحجاج أن يخرج من بين العمودين، فيأبى عليهم فسأله بنو جابر إلا خرج فخرج، وجاء الحجاج حتى وقف بين العمودين حتى وضع، فصلى عليه، ثم جاء إلى القبر، فإذا حسن بن حسن قد نزل في القبر، فأمر به الحجاج أن يخرج فأبى، فسأله بنو جابر بالله، فخرج، فاقتحم الحجاج الحفر حتى فرغ منه. هذا حديث منكر، فإن جابراً توفي والحجاج على إمرة العراق. قال يحيى بن بكير، والواقدي، وغير واحد: توفي سنة ثمان وسبعين. وقال أبو نعيم: توفي سنة سبع وسبعين، وقيل: إنه عاش أربعاً وتسعين سنة.
4 (جبير بن نفير)
ابن مالك بن عامر، أبو عبد الرحمن الحضرمي الحمصي.

(5/381)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 382
أدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عن: أبي بكر، وعمر، وأبي ذر، وأبي الدرداء، وعبادة بن الصامت، وأبي هريرة، وعائشة، وجماعة. وروى عنه: ابنه عبد الرحمن، وسليم بن عامر، وأبو الزاهرية حدير بن كريب، ومكحول،) وخالد بين معدان، وشرحبيل بن مسلم، وربيعة بن يزيد، وآخرون. قال سليم بن عامر، عن جبير بن نفير قال: استقبلت الإسلام من أوله، فلم أزل أرى في الناس صالحاً وطالحاً. وكان جبير من علماء أهل الشام. قال بقية. ثنا علي بن زبيد الخولاني، عن مرثد بن سمي، عن جبير بن نفير، أن يزيد بن معاوية كتب إلى أبيه أن جبير بن نفير قد نشر في مصري حديثاً، فقد تركوا القرآن، قال: فبعث إلى جبير، فجاء فقرأ عليه كتاب يزيد، فعرف بعضه وأنكر بعضه فقال معاوية: لأضربنك ضرباً أدعك لمن بعدك نكالاً، وقال: يا معاوية، لا تطغ في، أن الدنيا قد انكسر عمادها، وانخسفت أوتادها، وأحبها أصحابها، قال: فجاء أبو الدرداء فأخذ بيد جبير وقال: لئن كان تكلم به جبير لقد تكلم به أبو الدرداء، ولو شاء جبير أن يخبر أن ما سمعه مني لفعل.

(5/382)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 383
هذا حديث منكر، جبير لم يكن له ذكر في أيام أبي الدرداء، بل كان شاباً لم يؤخذ عنه بعد، وأخرى فيزيد كان صغيراً بمرة في أيام أبي الدرداء، ولعل بعضه قد جرى. وقد روى جبير أيضاً، عن أبي مسلم الخولاني، وأم الدرداء، ومالك بن يخامر. قال أبو عبيد، وأبو حسان الزيادي: توفي جبير بن نفير سنة خمس وسبعين. وقال ابن سعد، وخليفة، وعلي بن عبد الله التميمي: توفي سنة ثمانين.
4 (جنادة بن أبي أمية)
الأزدي الدوسي، واسم أبيه كبير، وله صحبة.

(5/383)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 384
روى جنادة عن: معاذ، وأبي الدرداء، وعبادة بن الصامت، وعمر بن الخطاب، وبسر بن أرطأة. روى عنه: ابنه سليمان وبسر بن سعيد، ومجاهد، ورجاء بن حيوة، والصنابحي مع تقدمه، وأبو الخير مرثد اليزني، وعلي بن رباح، وقيس بن هانيء، وعبادة بن نسي، وآخرون. وولي البحر لمعاوية، وشهد فتح مصر، وقد أدرك الجاهلية. قال إبراهيم بن الجنيد، سمعت يحيى بن نعيم، وقيل له: جنادة بن أبي أمية الذي روى عنه مجاهد له صحبة قال: نعم، قلت: هو الذي يروي عن عبادة بن الصامت قال: هو هو. وعد ابن سعد، وأحمد بن عبد الله العجلي، وطائفة في تابعي أهل الشام، وهو الحق.) وله حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن صح فيكون مرسلاً. قال أبو سعيد بن يونس: توفي سنة ثمانين. قال المدائني: توفي سنة خمس وسبعين، وتابعه يحيى بن نعيم. وقال الهيثم بن عدي: توفي سنة سبع وسبعين. وقال علي بن عبد الله التميمي: توفي سنة ست وثمانين.
4 (جهيم العنزي)
روى عن: عثمان، وعبد الرحمن بن عوف، وعمار بن

(5/384)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 385
ياسر، وسعد. وعنه: أبو عون الثقفي، وحصين بن عبد الرحمن. ذكره ابن أبي حاتم. وقيل: اسمه جهم.

(5/385)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 386
4 (حرف الحاء)

4 (الحارث بن الأزمع العبدي، ويقال الوادعي.)
عن: عمر، وابن مسعود، وعمرو ابن العاص. وعنه الشعبي، وأبو إسحاق السبيعي. قال أبو حاتم.
4 (الحارث بن سعيد الكذاب)
الذي ادعى النبوة بالشام. دمشقي، يقال إنه مولى مروان بن الحكم. فروى الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن حسان قال: كان الحارث الكذاب دمشقياً، وكان مولى لأبي الجلاس، وكان له أب بالحولة. وكان متعبداً زاهداً لو لبس جبة من ذهب لرؤيت عليه زهادة، وكان إذا أخذ في التحميد لم يسمع السامعون إلى كلام أحسن من كلامه، فكتب إلى أبيه وهو بالحولة: يا أبتاه أعجل علي، فقد رأيت أشياء أتخوف أن يكون الشيطان قد

(5/386)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 387
عرض لي، قال: فزاده أبوه غياً فكتب إليه: أقبل على ما أمرت به إن الله يقول: في الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم ولست بأفاك ولا أثيم. وكان يجيء إلى أهل المسجد رجل فيذاكره أمره، ويأخذ عليهم العهد والميثاق إن رأى ما يرضى قبل، وإلا كتم عليه، وكان يريهم الأعاجيب، يأتي رخامة في المسجد فينقرها بيده) فتسبح، ويطعمهم فاكهة الصيف في الشتاء، ويقول: اخرجوا حتى أريكم الملائكة، فيخرجهم إلى دير مران فيريهم رجالاً على خيل. فتبعه بشر، كثير، وفشا الأمر في المسجد، وكثر أصحابه، فوصل الأمر إلى القاسم بن مخيمرة، قال: فعرض على القاسم وأخذ عليه العهد والميثاق، ثم قال: إني نبي. قال: كذبت يا عدو الله، ولا عهد لك عندي، قال: فقال له أبو إدريس الخولاني: بئس ما صنعت إذ لم تلن حتى تأخذه، الآن يفر، قال: وقام من مجلسه فدخل على عبد الملك بن مروان، فأعلمه بالأمر، وطلب فلم يقدروا عليه، وخرج عبد الملك فنزل الصنبرة واتهم عامة عسكره بالحارث أن يكونوا يروا رأيه. وأتى الحارث بيت المقدس مختفياً، وكان أصحابه يخرجون يلتمسون الرجال يدخلونهم عليه، وكان رجل من أهل البصرة قد أتى بيت المقدس، فأدخل عليه، فأخذ في التحميد، فسمع البصري كلاماً حسناً، ثم أخبره بأمره وأنه نبي، فقال: إن كلامك حسن، ولكن في هذا نظر، ثم خرج، ثم عاد إليه، فأعاد عليه كلامه، فقال: قد وقع في قلبي كلامك، وقد آمنت بك، هذا الدين المستقيم، فأمر أن لا يحجب، فأقبل البصري يتردد إليه ويعرف

(5/387)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 388
مداخله وحيله وأين يهرب، حتى اختص به، ثم قال: ائذن لي، قال: إلى أين قال: إلى البصرة أكون داعياً لك بها، فأذن له، فأسرع إلى عبد الملك وهو بالصنبرة، ثم صاح: النصيحة النصيحة، فأدخل وأخلي، فقال له: ما عندك قال: الحارث، فلما ذكر الحارث طرح نفسه من سريره وقال: أين هو قال: ببيت المقدس يا أمير المؤمنين، وقص شأنه، قال: أنت صاحبه، وأنت أمير بيت المقدس، وأمير ما ها هنا، فمرني بما شئت، قال: ابعث معي أقواماً لا يفقهون الكلام، فأمر أربعين رجلاً من أهل فرغانة، فقال: انطلقوا مع هذا فأطيعوه، فلما قدم أعطاه الكتاب فقال: مرني بما شئت، فقال: اجمع لي إن قدرت كل شمعة ببيت المقدس، وادفع كل شمعة إلى رجل، ورتبهم على أزقة البلد، فإذا قلت أسرجوا، فأسرجوا جميعاً، ففعل ذلك، وتقدم البصري وحده إلى منزل الحارث، فأتى الباب، فقال للحاجب: استأذن لي على نبي الله، فقال: في هذه الساعة ما نؤذن عليه حتى نصبح، قال: أعلمه أني إنما رجعت شوقاً إليه قبل أن أصل، فدخل فأعلمه كلامه وأمره، قال: ففتح الباب، ثم صاح البصري أسرجوا، فأسرجت الشموع حتى كأنه النهار، ثم قال: من مر بكم فاضبطوه، ودخل كما هو إلى الموضع الذي يعرفه، فنظر فإذا هو لا يجده، فطلبه فلم يجده، فقال أصحابه: هيهات، تريدون أن تقتلوا نبي الله، قد رفع إلى السماء، قال:) فطلبه في شق كان قد هيأه سرباً، قال: اربطوا، فربطوه، قال: فبينا هم يسيرون به إذ قال: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم. الآية. فقال أهل فرغانة: هذا كرآننا فهات كرآنك، فسار به حتى أتى به عبد الملك، فأمر بخشبة فنصبت، وصلبه، وأمر رجلاً بحربة فطعنه، فأصاب ضلعاً من أضلاعه،

(5/388)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 389
فكفت الحربة، فجعل الناس يصيحون: الأنبياء لا يجوز فيهم السلاح. فلما رأى ذلك رجل من المسلمين تناول الحربة ومشى إليه فطعنه فأنقذه. قال الوليد بن مسلم: فبلغني أن خالد بن يزيد بن معاوية دخل على عبد الملك فقال: لو حضرت ما أمرتك بقتله، قال: ولم قال: كان به المذهب، فلو جوعته ذهب ذلك عنه. قال الوليد، عن المنذر بن نافع أنه سمع خالد بن اللجلاج يقول لغيلان: ويحك يا غيلان، ألم نأخذك في شبيبتك ترامي النساء في شهر رمضان بالتفاح، ثم صرت حارثياً تحجب امرأته، وتزعم أنها أم المؤمنين، ثم صرت قدرياً زنديقاً. وقال موسى بن عامر: ثنا الوليد بن مسلم، ثنا ابن جابر قال: دخل القاسم بن مخيمرة على أبي إدريس فقال: إن حارثاً لقيني فأخذ عهدي لأسمعن منه، فإن قبلته قبلته وإن سخطته كتمت علي. فزعم أن رسول الله، قلت: إنه أحد الدجالين الذين أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الساعة لا تقوم حتى يخرج ثلاثين دجالاً، كلهم يزعم أنه نبي، وهو أحدهم، فارفع شأنه إلى عبد الملك، فقال أبو إدريس: أسأت، لو أدنيته إلينا حتى نأخذه، قال: ورفع أمره إلى عبد الملك فطلبه وتغيب، فأخذه عبد الملك فصلبه، فحدثني من سمع عتبة الأعور يقول: سمعت العلاء بن زياد يقول: ما غبطت عبد الملك بشيء من ولايته إلا بقتله حارثاً. وقال ضمرة بن ربيعة: ثنا علي بن أبي حملة قال: لما ظهر الحارث أتاه مكحول، وعبد الله بن أبي زكريا، وجعلا له الأمان، وسألاه عن أمره، فأخبرهما، فكذبا وردا عليه، وقالا: لا أمان لك، ثم أتيا عبد الملك

(5/389)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 390
فأخبراه، قال: وهرب الحارث حتى أتى بيت المقدس، فبعث في طلبه حتى أتي به فقتله. وقال عبد الوهاب بن الضحاك العرضي: ثنا شيخ يكنى أبا الربيع، وقد أدرك ناساً من القدماء قال: لما أخذ الحارث ببيت المقدس حمل على البريد، وجعلت في عنقه جامعة من حديد، فأشرف على عقبة بيت المقدس، فتلا: قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما) يوحي إلي ربي قال: فتقلقلت الجامعة ثم سقطت من يده ورقبته إلى الأرض، فوثب إلي الحرس فأعادوها، فلما أشرف على عقبة أخرى قرأ آية أخرى، فسقطت من رقبته ويده، فأعادوها عليه، فلما تقدموا على عبد الملك حبسه، وأمر رجالاً كانوا معه في السجن من أهل الفقه والعلم أن يعظوه ويخوفوه بالله، ويعلموه أن هذا من الشيطان، فأبى أن يقبل منهم، فأمر به فصلب، وطعنه رجل بحربة، فانثت الحربة، فقال الناس: ما ينبغي لمثل هذا أن يقتل، ثم أتاه حرسي برمح فطعنه بين ضلعين من أضلاعه، ثم هزه فأنفذه، قال: وسمعت غير واحد ولا اثنين يقولون: إن الذي طعنه بالحربة فانثنت قال له عبد الملك: أذكرت الله حين طعنته قال: نسيت، أو قال: لا، قال: فاذكر الله ثم اطعنه، قال: فطعنه فأنفذها. قيل: كان ذلك سنة تسع وسبعين.
4 (الحارث بن سويد التيمي الكوفي.)

(5/390)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 391
روى عن: عمر، وعلي، وعبد الله بن مسعود، وغيرهم. وكان كبير القدر، رفيعاً، ثقة نبيلاً. روى عنه: إبراهيم التيمي، وعمارة بن عمير، وغيرهما. كنيته أبو عائشة.
4 (حبة بن جوين العرني الكوفي،)
أبو قدامة. روى عن: علي، وابن مسعود، وحذيفة. وعنه: مسلم الملائي، وسلمة بن كهيل، والحكم بن عتبة. وكان من شيعة علي، شهد معه النهروان.

(5/391)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 392
ضعفه يحيى بن معين. وقال النسائي: ليس بالقوي. قال ابن سعد: توفي سنة ست وسبعين. وهو ضعيف له أحاديث.
4 (حسان بن كريب الرعيني،)
أبو كريب مصري، شهد فتح مصر. وحدث عن: عمر، وعلي، وأبي ذر، وأبي مسعود البدري. وعنه: مرثد اليزني، وواهب بن عبد الله المعافري، وكعب بن علقمة، وعبد الله بن هبيرة) السبائي، وآخرون. روى يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد، عنه، عن علي قال: القائل الفاحشة والذي سمع في إثم سواء. قاله البخاري في تاريخه، عن أبي موسى الزمن، عن وهب بن جرير، عن أبيه، عن يحيى بن أيوب عن يزيد.
4 (حسان بن النعمان الغساني)
من أمراء عرب الشام، يقال إنه ابن النعمان بن المنذر. روى عن عمر.

(5/392)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 393
ولاه عبد الملك بن مروان غزو المغرب في سنة بضع وسبعين. روى عنه من المصريين أبو قبيل حي بن يؤمن. وكان غازياً مجاهداً، وكان له بدمشق دار. قال خليفة في سنة سبع وخمسين: وجهه معاوية إلى إفريقية، فصالحه من يليه من البربر، ووضع عليهم خراج. وفي سنة ثمان وسبعين قفل حسان من القيروان واستخلف سفيان بن ملك الثقفي وقد على عبد الملك، فرده على إفريقية، وزاده أطرابلس. وفي سنة ثمانين غزا حسان بأهل الشام البحر. وقيل في سنة أربع وسبعين أغذى عبد الملك حسان بن النعمان المغرب، فبلغ القيروان، فبعثت الكاهنة ابنها، فطلب حسان، فهزمه وحصره حتى أكلوا الدواب، ثم حمل حسان والمسلمون فأفرجوا لهم، ونزل العسكر بقصور حسان. وكتب حسان إلى عبد العزيز بن مروان يستمده، فأمده بجيش عظيم، فسار إلى الكاهن، وجرت بينهم حروب. ثم قتلت الكاهنة وابنها. وافتتح حسان عدة حصون، وصالح أهل إفريقية والبربر، وافتتح فاس ومصر القيروان. قال أبو سعيد بن يونس: توفي حسان بأرض الروم سنة ثمانين.
4 (حارثة بن مضرب العبدي الكوفي.)

(5/393)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 394
عن: علي، وعمار، وابن مسعود، وسلمان. وعنه: أبو إسحاق السبيعي.) قال أحمد بن حنبل: حسن الحديث.
4 (حارثة بن وهب الخزاعي،)
أخو عبيد الله بن عمر بن الخطاب لأمه، وأمهما أم كلثوم بنت جرول الخزاعية. له صحبة ورواية، نزل الكوفة. وروى أيضاً عن حفصة عمة أخيه. وعنه: معبد بن خالد، وأبو إسحاق، والمسيب بن رافع.
4 (حطان بن عبد الله الرقاشي)
البصري. ثقة مشهور.

(5/394)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 395
روى عن: علي بن أبي طالب، وأبي موسى، وأبي الدرداء، وعبادة. وعنه: أبو مجلز لاحق، ويونس بن جبير، والحسن البصري، وغيرهم. وقد قرأ القرآن على أبي موسى. قرأ عليه: الحسن. وثقه ابن المديني.
4 (حمران بن أبان)
من سبي عين التمر. كان للمسيب بن نجبة، فابتاعه منه عثمان رضي الله عنه وأعتقه. سكن البصرة، وحدث عن: عثمان، وابن عمر، ومعاوية.

(5/395)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 396
روى عنه: عروة، وأبو سلمة، وجامع بن راشد، والحسن البصري، ونافع مولى ابن عمر، ومحمد بن المنكدر، وزيد بن أسلم، وبكر بن عبد الله بن الأشج، وبيان بن بشر، وآخرون. وكانت له بدمشق دار. وعن قتادة قال: كان عثمان يصلي بالناس، فإذا أخطأ فتح عليه حمران. وقال الأصمعي: قال أبو عاصم: حدثني رجل من ولد عبد الله بن عامر قال: حدثني أبي، أن حمران بن أبان مد رجله، فابتدره معاوية وعبد الله بن عامر لكي يغمزانه، وكان الحجاج قد أغرم حمران مائة ألف، فبلغ ذلك عبد الملك بن مروان، فكتب إليه: إن حمران أخو من مضى وعم من بقي، فاردد عليه ما أخذت منه، فدعا بحمران، فقال: كم أغرمناك قال: مائة ألف،) فبعث بها إليه مع غلمان، فقال: هي لك مع الغلمان. وقسمها حمران بين أصحابه، وأعتق الغلمان. وإنما أغرمه الحجاج لأنه كان ولي بعض نيسابور. وعن الزهري قال: كان عثمان يأذن عليه مولاه حمران. وقال يحيى بن بكير: ثنا الليث أن عثمان اشتكى شكاة، فخاف فأوصى، واستخلف عبد الرحمن بن عوف، وكان عبد الرحمن في الحج، وكان الذي ولي كتابه حمران، فاستكتمه وعوفي، فقدم عبد الرحمن، فلقيه حمران فأخبره، فقال: أيش فعلت لا بد أن أخبره، قال: إذاً والله يهلكني. فقال: والله ما يسعني فأترك ذلك لئلا يأمنك على مثلها، ولكن لا أفعل حتى أستأمنه لك فأخبره، فدعا به عثمان فقال: إن شئت جلدتك مائة، وإن شئت

(5/396)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 397
فاخرج عني، فاختار الخروج، فخرج إلى الكوفة. وقال خليفة. مات بعد سنة خمس وسبعين.
4 (حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق)
عبد الله بن أبي قحافة التيمي. روت عن: أبيها، وعمتها عائشة، وأم سلمة. روى عنها: عراك بن مالك، ويوسف بن ماهك، وعبد الرحمن بن سابط.
4 (حنظلة أبو خلدة بصري قديم.)
روى عن: عمر، وعلي، وابن مسعود، وعمار. وعنه: سوادة بن أبي الأسود، وجويرية بن بشير، وأبو ثمامة محمد بن مسلم. ذكره ابن أبي حاتم، وغيره.
4 (حيان بن حصين)
أبو الهياج الأسدي والد منصور.

(5/397)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 398
سمع: علياً، وعماراً. وعنه: أبو وائل، وعامر الشعبي، وابنه جرير.

(5/398)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 399
4 (حرف الخاء)

4 (خرشة بن الحر الكوفي.)
) كان يتيماً في حجر عمر، وأخته سلامة لها صحبة. يروي عن: عمر، وأبي ذر، وعبد الله بن سلام. وعنه: ربعي بن خراش، وأبو زرعة بن عمرو بن جرير، والمسيب بن رافع، وسليمان بن مسهر، وآخرون. توفي سنة أربع وسبعين.

(5/399)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 400
4 (حرف الراء)

4 (رافع بن خديج)
ابن رافع بن عدي بن يزيد الأنصاري الخزرجي.

(5/400)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 401
شهد أحدا والخندق، واستصغر يوم بدر. ويقال: أصابه سهم يوم أحد فنزعه وبقي النصل إلى أن مات. وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أشهد لك يوم القيامة. وشهد رافع صفين مع علي، وله عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث. روى عنه: بشير بن يسار، وحنظلة بن قيس الزرقي، والسائب بن يزيد، وعطاء بن أبي رباح، ومجاهد، ونافع، وابنه رفاعة بن رافع، وحفيده عباية بن رفاعة، وآخرون. شعبة: عن أبي بشر، عن يوسف بن ماهك: رأيت ابن عمر أخذ بعمودي جنازة رافع بن خديج، فجعله على منكبيه يمشي بين يدي السرير، حتى انتهى إلى القبر، وقال: إن الميت يعذب ببكاء الحي. توفي في أول سنة أربع وسبعين، وصلى عليه ابن عمر، وعاش ستاً وثمانين سنة، رحمه الله تعالى. وكان يتعانى المزارع ويفلحها. قال خالد بن يزيد الهدادي وهو ثقة: ثنا بشر بن حرب قال: كنت في جنازة رافع بن خديج ونسوة يبكين ويولولن على رافع، فقال ابن عمر: إن رافعاً شيخ كبير لا طاقة له بعذاب الله، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الميت يعذب ببكاء أهله عليه.

(5/401)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 402
4 (الربيع بنت معوذ بن عفراء الأنصارية)
النجارية.) لها صحبة، دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة بنى بها. روت عدة أحاديث، وطال عمرها. روى عنها: خالد بن ذكوان، وعبادة بن الوليد بن عبادة بن االصامت، وسليمان بن يسار، وأبو سلمة، ونافع، وعمرو بن شعيب، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وآخرون.
4 (ربيعة بن عبد الله بن الهدير القرشي)
التيمي عم محمد بن المنكدر. روى عن: عمر، وطلحة بن عبيد الله. روى عنه: ابن المنكدر، ومحمد بن إبراهيم التيمي، وربيعة الرأي، وغيرهم. وتوفي سنة ثلاث وسبعين أو بعدها.

(5/402)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 403
4 (حرف الزاي)

4 (زفر بن الحارث بن عبد عمرو بن معاز)
، أبو الهذيل الكلابي. من أمراء العرب. سمع: عائشة، ومعاوية. روى عنه: ثابت بن الحجاج، وغيره. سكن البصرة، ثم الشام، وكان أميراً على أهل قنسرين يوم صفين، وشهد يوم راهط مع الضحاك بن قيس، وهرب فتحصن بقرقيسياء. وله شعر. توفي في خلافة عبد الملك.

(5/403)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 404
4 (زهير بن قيس البلوي المصري.)
شهد فتح مصر وسكنها ويقال له صحبة. قتلته الروم ببرقة، وذلك أن الصريح أتاهم بمصر أن الروم نزلوا على برقة، فأمره عبد العزيز بن مروان بالنهوض، وكان واجداً عليه لأنه قاتله بناحية أيلة، إذ دخل مروان مصر، وسير ابنه عبد العزيز إلى مصر على طريق أيلة، فخرج زهير على البريد مغاضباً في أربعين رجلاً، فلقي الروم فأراد أن يكف حتى يلحقه الناس، فقال فتى معه: جبنت أبا شداد: فقال: قتلتنا فقتلت نفسك، ثم لاقى العدو، فقتل هو وأصحابه، وذلك في سنة ست وسبعين.) له حديث تفرد به عنه سويد بن قيس، مجهول.
4 (زياد بن حدير أبو المغيرة الأسدي الكوفي.)
سمع: علياً، وعمر. وعنه: الشعبي، وإبراهيم بن مهاجر، وحفص بن حميد. قال أبو حاتم: ثقة. وقال حفص بن حميد: يكنى أبا عبد الرحمن.

(5/404)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 405
4 (زيد بن خالد الجهني)
أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو طلحة. صحابي مشهور، نزل الكوفة بعد المدينة. وحدث عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عثمان، وأبي طلحة الأنصاري. روى عنه: ابنه خالد، وبسر بن سعيد، وعطاء بن يسار، وأبو سلمة، وعطاء بن أبي رباح، وسعيد بن يسار، وجماعة. توفي بالكوفة فيما قيل ولم أر للكوفيين عنه رواية. وتوفي سنة ثمان وسبعين.
4 (زينب بنت أبي سلمة)
عبد الله بن عبد الأسد بن هلال المخزومية، ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم،

(5/405)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 406
وأخت عمر، ولدتهما أم سلمة بالحبشة. روت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أمهات المؤمنين الأربعة: أمها، وزينب بنت جحش، وعائشة، وأم حبيبة. روى عنها: حميد بن نافع، وعراك بن مالك، وعروة، وعلي بن الحسين، والقاسم بن محمد، وعبيد الله بن عبد الله، وأبو قلابة الجرمي، وكليب بن وائل، وعمرو بن شعيب، ومحمد بن عمرو بن عطاء، وابنها أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة، وآخرون. روى عبد الله بن لهيعة، عن عمرو بن شعيب قال: حدثتني زينب بنت أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند أم سلمة، فجعل الحسن في شق، والحسين في شق، وفاطمة في حجره فقال: رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد وأنا وأم سلمة جالستان، فبكت أم سلمة، فقال: ما يبكيك قالت: خصصتهم وتركتني وبنتي، قال: أنت وابنتك من أهل) البيت. هذا حديث جيد السند. توفيت قريباً من سنة أربع وسبعين.

(5/406)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 407
4 (حرف السين)

4 (سراقة بن مرداس الأزدي البارقي)
، شاعر مشهور. هرب من المختار ابن أبي عبيد إلى دمشق، وكان قد هجاه. وكان مع بشر بن مروان بالعراق. وكانت بينه وبين جرير مهاجاة.

(5/407)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 408
وذكرنا له بيتين في المختار.
4 (سعد بن مالك هو أبو سعيد. يأتي بكنيته.)

4 (سعيد بن وهب الهمداني الخيواني الكوفي.)
قال ابن سعد في الطبقات: سمع سعيد بن وهب من معاذ بن جبل باليمن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان لزوماً لعلي، كان يقال له القراد للزومه إياه. أنبأ أبو نعيم: ثنا يونس بن أبي إسحاق قال: رأيت سعيد بن وهب، وقد كان عريف قومه. وقال يونس: ورأيته مخضوباً بالصفرة. قال ابن سعد: توفي سنة ست وثمانين. كذا قال. وروى عن: سلمان الفارسي، وخباب بن الأرت. وعنه: ابنه عبد الرحمن، وأبو إسحاق السبيعي، وغيرهما. وثقه يحيى بن معين. وتوفي سنة ست وسبعين.

(5/408)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 409
4 (سلمة بن أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي،)
ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابن أم سلمة، له رؤية ولا يحفظ له رواية. قال ابن سعد: زوج النبي صلى الله عليه وسلم سلمة بن أبي سلمة أمامة بنت حمزة بن المطلب، وقال: هل جزيت سلمة يقول ذلك لأن سلمة هو ابن زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد جزاه بما صنع.) ثم قال: توفي سلمة بالمدينة في خلافة عبد الملك بن مروان.
4 (سليم بن عتر)
أبو سلمة التجيبي المصري، قاضي مصر وقاصها ومذكرها، وكان يسمى الناسك لشدة عبادته. حضر خطبة عمر بالجابية. وحدث عن: عمر، وعلي، وأبي الدرداء، وأم المؤمنين حفصة. روى عنه: علي بن رباح، وأبو قبيل، ومشرح بن عاهان، وعقبة بن مسلم، والحسن بن ثوبان، وابن عمه الهيثم بن خالد. قال الدارقطني: وكان سليم بن عتر يقص وهو قائم، وكان رجلاً صالحاً قال وروي أنه كان يختم كل ليلة ثلاث ختمات، ويأتي امرأته

(5/409)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 410
ويغتسل ثلاث مرات، وأن امرأته قالت بعد موته: رحمك الله، لقد كنت ترضي ربك وترضي أهلك. وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن حجيرة قال: اختصم إلى سليم بن عتر في ميراث، فقضى بين الورثة، ثم تناكروا فعادوا إليه، فقضى بينهم، وكتب كتاباً بقضائه، وأشهد فيه شيوخ الجند، فكان أول من سجل لقضائه. وقال ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، أن سليم بن عتر كان يقرأ القرآن كل ليلة ثلاث مرات. وقال ضمام بن إسماعيل، عن الحسن بن ثوبان، عن سليم بن عتر قال: لما قفلت من البحر تعبدت في غار بالإسكندرية سبعة أيام، ما أكلت ولا شربت ولولا أني خشيت أن أضعف لزدت. وقال ابن بكير: ثنا ابن لهيعة، حدثني أبو قبيل قال: لما استخلف يزيد كره عبد الله بن عمرو بيعته، وكان مسلمة بن مخلد بالإسكندرية، فبعث إليه مسلمة كريب بن أبرهة، وعابس بن سعيد، ومعهما سليم بن عتر، وهو يومئذ قاص أهل الشام وقاضيهم، فوعظوا عبد الله في بيعة يزيد، فقال: والله لأنا أعلم بأمر يزيد منكم، وأنا لأول الناس أخبر به معاوية أنه سيستخلف، ولكني أردت أن يلي هو بيعتي. وقال الكريب أتدري ما مثلك يا كريب كقصر في صحراء غشيه الناس، قد أصابهم الحر، فدخلوا يستظلون فيه، فإذا هو ملآن من مجالس الناس وإن صوتك في العرب كريب بن أبرهة، وليس عندك شيء. وأما أنت يا عابس، فبعت آخرتك) بدنياك. وأما أنت يا سليم كنت قاصاً، فكان معك ملكان يعينانك ويذكرانك، ثم صرت قاضياً ومعك شيطانان يزيغانك ويفتنانك. قال ابن يونس: توفي بدمياط سنة خمس وسبعين.

(5/410)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 411
وثقه أحمد العجلي.
4 (سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم)
أبو عبد الرحمن، كان عبداً لأم سلمة فأعتقته، وشرطت عليه أن يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ما عاش. له صحبة ورواية. روى عنه: ابناه عبد الرحمن، وعمر، وسعيد بن جمهان، والحسن البصري، ومحمد بن المنكدر، وسالم بن عبد الله، وصالح أبو الخليل، وأبو ريحانة عبد الله بن مطر، وقتادة وغيرهم. واسمه مهران، وقيل: رومان، وقيل: قيس، وقيل غير ذلك.

(5/411)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 412
وقد حمل مرة متاع القوم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم له: ما أنت إلى سفينة، فلزمه. وروى أسامة بن زيد، عن ابن المنكدر، عنه أنه ركب البحر، فانكسر بهم المركب، فألقاه البحر إلى الساحل، فلقي الأسد فقال له: أنا سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدله الأسد على الطريق، وذكر الحديث.
4 (سلمة بن الأكوع)
هو سلمة بن عمرو بن سنان بن عبد الله بن قشير الأسلمي المدني،

(5/412)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 413
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحد من بايع تحت الشجرة. والأكوع لقب سنان. روى عنه: ابنه إياس، ومولاه يزيد بن أبي عبيد، ويزيد بن خصيفة، وعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، والحسن بن محمد بن الحنفية. كنيته: أبو مسلم، ويقال: أبو عامر، ويقال: أبو إياس. قال يزيد بن أبي عبيد: رأيت أبا سلمة يصفر لحيته. وقال عرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة، عن أبيه قال: كان شعارنا ليلة بيتنا هوازن مع أبي بكر، أمره علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمت أمت، وقتلت بيدي ليلتئذ سبعة أهل) أبيات. وقال عطاف بن خالد، عن عبد الرحمن بن رزين: أتينا سلمة بن الأكوع بالربذة، فأخرج إلينا يداً ضخمة كأنها خف البعير، فقال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: بيدي هذه، فأخذنا يده فقبلناها. وقال الحميدي: ثنا علي بن يزيد الأسلمي: ثنا إياس بن سلمة، عن أبيه قال: أردفي رسول الله صلى الله عليه وسلم مراراً، ومسح على وجهي، مراراً، واستغفر لي مراراً، عدد ما في يدي من الأصابع.

(5/413)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 414
وقال حماد بن مسعدة: ثنا يزيد، عن سلمة أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في البدو، فأذن له. وقال حماد بن مسعدة، عن يزيد بن أبي عبيدة قال: لما ظهر نجدة وجبا الصدقات قيل لسلمة ألا تباعد منهم فقال: والله لا أتباعد ولا أبايعه، قال: ودفع صدقته إليهم، قال: وأجاز الحجاج سلمة بجائزة فقبلها. ابن عجلان، عن عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع قال: رأيت سلمة تبن الأكوع يحفي شاربه أخي الحلق. وقال ابن سعد: ثنا عمر بن محمد، ثنا عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، عن زياد بن مينا قال: كان ابن عباس، وابن عمر، وأبو سعيد، وأبو هريرة، وجابر، ورافع بن خديج، وسلمة بن الأكوع، وأبو واقد الليثي، وعبد الله بن بحينة، مع أشباه لهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتون بالمدينة، ويحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من لدن توفي عثمان، إلى أن توفوا. وقال سلمة: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات. وقال إياس بن سلمة، ما كذب أبي قط، رضي الله عنه. وفي البخاري، من حديث يزيد بن أبي عبيد قال: لما قتل عثمان خرج سلمة بن الأكوع إلى الربذة وتزوج هناك، وجاءه أولاد، فلم يزل بها إلى قبل أن يموت بليال، فنزل المدينة.

(5/414)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 415
قال الواقدي، وجماعة: توفي سنة أربع وسبعين. وأوردنا من أخباره في المغازي.)
4 (سويد بن منجوف بن ثور)
بن عفير السدوسي البصري. رأى علياً وسمع أبا هريرة، ووفد على معاوية. وهو والد علي بن سويد. روى عنه المسيب بن رافع. قال خليفة: توفي سنة اثنتين وسبعين.

(5/415)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 416
4 (حرف الشين)

4 (شبث بن ربعي بن حصين التميمي اليربوعي،)
أحد الأشراف، كان ممن خرج على علي، ثم أناب ورجع. قال حفص بن غياث: سمعت الأعمش يقول: شهدت جنازة شبث، فأقاموا العبيد على حدة، والجواري على حدة، والخيل على حدة، والجمال

(5/416)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 417
على حدة، وذكر الأصناف، ورأيتهم ينوحون عليه يلتدمون، ذكره ابن سعد. وقد روى عن: علي، وحذيفة. وعنه محمد بمن كعب القرظي، وسليمان التيمي. له حديث واحد في سنن.
4 (شبيب بن يزيد)
ابن نعيم بن قيس بن عمرو بن الصلت الشيباني الخارجي، خرج بالموصل، فبعث إليه الحجاج خمسة قواد، فقتلهم واحد بعد واحد. ثم سار إلى الكوفة وقاتل الحجاج وحاصره، كما ذكرنا. وكانت امرأته غزالة من الشجاعة والفروسية بالوضع العظيم مثله، هرب الحجاج منها ومنه، فعيره بعض الناس بقوله:
(أسد علي وفي الحروب نعامة .......... فتخاء تنفر من صفير الصافر)

(هلا برزت إلى غزالة في الوغى .......... بل كان قلبك في جناحي طائر)

(5/417)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 418
وكانت أمه جهيزة تشهد الحروب. وقال بعضهم: رأيت شبيباً وقد دخل المسجد وعليه جبة طيالسة، عليها نقط من أثر المطر، وهو طويل، أسمط، جعد، آدم، فبقي المسجد يرتج له.) ولد سنة ست وعشرين، وغرق بدجيل سنة سبع وسبعين. ويقال: إنه أحضر إلى عبد الملك بن مروان رجل وهو عتبان الحروري، فقال له عبد الملك ألست القائل:
(فإن يك منكم كان مروان وابنه .......... وعمرو ومنكم هاشم وحبيب)

(فمنا حصين والبطين وقعنب .......... ومنا أمير المؤمنين شبيب)
فقال: يا أمير المؤمنين، إنما قلت ومنا أمير المؤمنين، ونصبه على النداء، فاستحسن قوله وأطلقه. وجهيزة هي التي يضرب بها المثل في الحمق، لأنها لما حملت قالت: في بطني شيء ينقز، فقيل: أحمق من جهيزة. ويروى عنها ما يدل على عدم الحمق، فإن عمر بن شبة قال: حدثني خلاد بن يزيد الأرقط قال: كان شبيب ينعى لأمه، فيقال لها: قتل، فلا تقبل،

(5/418)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 419
فلما قيل لها: إنه غرق، قبلت، وقالت: إني رأيت حين ولدته أنه خرج مني شهاب نار، فعلمت أنه لا يطفئه إلا الماء.
4 (شريح بن الحارث)
ابن قيس بن الجهم بن معاوية بن عامر القاضي: أبو أمية الكندي

(5/419)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 420
الكوفي قاضيها. ويقال: شريح بن شراحيل، ويقال: ابن شرحبيل، ويقال: إنه من أولاد الفرس الذي كانوا باليمن. وقد أدرك الجاهلية، ووفد من اليمن بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وولي قضاء الكوفة لعمر. وروى عنه: وعن: علي، وعبد الرحمن بن أبي بكر. روى عنه: الشعبي، وإبراهيم النخعي، ومحمد بن سيرين، وقيس بن أبي حازم، ومرة الطيب، وتميم بن سلمة. وهو مع فضله وجلالته قليل الحديث. وثقه يحيى بن معين. وعن ابن سيرين قال: سئل شريح: ممن أنت قال: ممن أنعم الله عليه بالإسلام، وعدادي في كندة. وقال: كان شريج شاعراً، راجزاً، قائفاً، وكان كوسجاً. وقال الشعبي: كان شريح أعلمهم بالقضاء، وكان عبيدة يوازيه في علم القضاء، وأما علقمة فانتهى إلى قول عبد الله لم يجاوزه، وأما

(5/420)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 421
مسروق، فأخذ من كل، وأما الربيع بن خثيم فأقل) القوم علماً وأشدهم ورعاً. وقال أبو وائل: كان شريح يقل غشيان عبد الله للاستغناء. وقال زكريا بن أبي زائدة: ثنا عاصم، عن عامر الشعبي أن عمر بعث ابن سور على قضاء البصرة، وبعث شريحاً على قضاء الكوفة. وقال مجالد، عن الشعبي أن عمر رزق شريحاً مائة درهم على القضاء. وقال هشيم: ثنا سيار، عن الشعبي قال: لما بعث شريحاً على القضاء قال: أنظر مل تبين لك في كتاب الله، فلا تسأل عنه أحداً، وما لم يتبين لك في كتاب الله فاتبع فيه السنة، وما لم يتبين لك في السنة فاجتهد فيه رأيك. وقال ابن عيينة، عن أبي إسحاق الشيباني، عن الشعبي قال: كتب عمر إلى شريح إذا أتاك أمر في كتب الله فاقض به، فإن لم يكن في كتاب الله في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقض به، فإن لم يكن في كتاب الله ولا في سنة رسول الله فاقض بما قضى به أئمة الهدى، فإن لم يكن في كتاب الله ولا في سنة رسوله، ولا فيما قضى به أئمة الهدى فأنت الخيار، إن شئت

(5/421)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 422
تجتهد رأيك، وإن شئت تؤآمرني، ولا أرى مؤآمرتك إياي إلا أسلم لك. وقال الثوري، عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن يريم: أن علياً جمع الناس في الرحبة وقال: إني مفارقكم، فاجتمع في الرحبة رجال أيما رجال، فجعلوا يسألونه حتى نفد ما عندهم، ولم يبق إلا شريح، فجثا على ركبتيه وجعل يسأله، فقال له علي: اذهب، فأنت أقضى العرب. وقال حجاج بن أبي عثمان، عن ابن سيرين، عن شريح أنه كان إذا قيل له: كيف أصبحت قال: أصبحت وشطر الناس علي غضاب. وقال مجاهد: اختصم إلى شريح في ولد هرة، فقالت امرأة: هو ولد هرتي، وقالت الأخرى: هو ولد هرتي. فقال شريح: ألقها مع هذه فإن هي قرت ودرت واسبطرت فهي لها، وإن هي هرت وفرت واقشعرت وفي لفظ: وازبأرت فليس لها. اسبطرت: امتدت للإرضاع. وتزبئر: تنتفش. وقال ابن عون، عن إبراهيم أن رجلاً أقر عند شريح بشيء ثم ذهب ينكر فقال: قد شهد عليك ابن أخت خالتك.) وقال جويرية، عن مغيرة قال: شريح يدخل يوم الجمعة بيتاً يخلو فيه، لا يدري الناس ما يصنع فيه.

(5/422)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 423
وقال أبو المليح الرقي، عن ميمون بن مهران قال: لبث شريح في فتنة ابن الزبير تسع سنين لا يخبر، فقيل له: قد سلمت قال: فكيف بالهوى. وقال أبو عوانة، عن الأعمش قال: كان شريح يقرأ بل عجبت ويسخرون ويقول: إنما يعجب من لا يعلم، فذكرت ذلك لإبراهيم، فقال: كان شريح شاعراً معجباُ برأيه، عبد الله بن مسعود أعلم بذلك. وروى شريك، عن يحيى بن قيس الكندي قال: أوصى شريح أن يصلى عليه بالجبانة، وأن لا يؤذن به أحد، ولا تتبعه صائحة، وأن لا يجعل على قبره ثوب، وأن يسرع به في السير، وأن يلحد له. قال أبو نعيم: مات شريح وهو ابن مائة وثمان سنين، سنة ثمان وسبعين. وكذا قال في موته الهيثم بن عدي، والمدائني. وقال خليفة، وابن نمير: سنة ثمانين. وجاء أنه استعفى من القضاء قبل موته بسنة.
4 (شريح بن هانيء)
أبو المقدام الحارثي المذحجي الكوفي: أدرك الجاهلية.

(5/423)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 424
وروى عن: أبيه، وعلي بن أبي طالب وكان من أصحابه وعمر، وعائشة، وسعد، وأبي هريرة. روى عنه: ابناه محمد، والمقدام، والشعبي، والقاسم بن مخيمرة، وحبيب بن أبي ثابت، ويونس بن أبي إسحاق. وشهد تحكيم الحكمين، ووفد على معاوية يشفع في كثير بن شهاب، فأطلقه له. وروى الواقدي، عن مجالد، عن الشعبي، عن زياد بن النضر أن علياً بعث أبا موسى ومعه أربعمائة رجل، عليهم شريح بن هانيء. ومعهم ابن عباس يصلي بهم ويلي أمرهم، يعني إلى دومة الجندل. وقال سليمان بن أبي شيخ: كان شريح بن هانيء جاهلياً إسلامياً، قال في إمرة الحجاج:
(أصبحت ذا بث اقاسي الكبرا .......... قد عشت بين المشركين أعصرا)
)
(ثمت أدركت النبي المنذرا .......... وبعده صديقه وعمرا)

(والجمع في صفينهم والنهرا .......... ويوم مهران ويوم تسترا)

(5/424)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 425
(وبا جميراوات والمشقرا .......... هيهات ما أطول هذا عمرا)
قال القاسم بن مخيمرة: ما رأت حارثياً أفضل من شريح بن هانيء. ووثقه ابن معين وغيره. وذكر أبو حاتم السجستاني أنه عاش مائة وعشرين سنة. وقال خليفة: وفي سنة ثمان وسبعين ولى الحجاج عبيد الله بن أبي بكرة سجستان، فوجه أبا برذعة، فأخذ عليه المضيق، وقتل شريح بن هانيء.

(5/425)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 426
4 (حرف الصاد)

4 (صلة بن زفر العبسي الكوفي.)
روى عن: ابن مسعود، وعمار بن ياسر، وحذيفة، وغيرهم. روى عنه: إبراهيم النخعي، والشعبي، وأبو إسحاق السبيعي، وآخرون. توفي سنة اثنتين وسبعين، وكان من جلة الكوفيين وثقاتهم، له قلب منور.

(5/426)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 427
4 (حرف العين)

4 (عاصم بن ضمرة السلولي الكوفي)
صاحب علي، له عدة أحاديث عنه. روى عنه: الحكم بن عيينة، وحبيب بن أبي ثابت، وأبو إسحاق السبيعي، وغيرهم. وهو حسن الحديث. وقال النسائي: ليس به بأس. ولينة ابن عدي، ووثقه جماعة.

(5/427)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 428
4 (عبد الله بن جعفر)
ابن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، أبو جعفر الهاشمي الجواد

(5/428)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 429
ابن الجواد. له صحبة ورواية. ولد بالحبشة من أسماء عميس، ويقال: لم يكن في الإسلام أسخى منه. وروى أيضاُ عن: أبويه، وعن عمه علي. روى عنه: بنوه إسماعيل، وإسحاق، ومعاوية، وابن مليكة، وسعد بن إبراهيم، وعباس بن سهل بن سعد، وعبد الله بن محمد بن عقيل، والقاسم بن محمد، وآخرون.) وهو آخر من رأى النبي صلى الله عليه وسلم من بني هاشم، سكن المدينة ووفد على معاوية وابنه وعبد الملك. قال مهدي بن ميمون: ثنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن الحسن بن سعد مولى الحسن بن علين عن عبد الله بن جعفر قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه، فأسر إلي حديثاً لا أحدث به أحداً فدخل حائطاً، فإذا جمل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حن وذرفت عيناه الحديث. وقال ضمرة، عن علي بن أبي حملة قال: وفد عبد الله بن جعفر على يزيد، فأمر له بألفي ألف.

(5/429)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 430
وقال إسماعيل بن عياش، عن هشام بن عروة، عن أبيه: إن عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن جعفر بايعا النبي صلى الله عليه وسلم وهما ابنا سبع سنين، فلما رآهما تبسم وبسط يده وبايعهما. وقال فطر بن خليفة، عن أبيه، عن عمرو بن حريث قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن جعفر وهو يلعب بالتراب فقال: اللهم بارك له في تجارته. وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي: إن ابن عمر كان إذا سلم على عبد الله بن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين. وقال جرير بن حازم: ثنا محمد بن أبي يعقوب، عن الحسن بن سعد، عن عبد الله بن جعفر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم بعدما أخبرهم بقتل جعفر بن أبي طالب بعد ثلاثة، فقال: لا تبكوا أخي بعد اليوم. ثم قال: ائتوني ببني أخي، فجيء بنا كأننا أفرخ، فقال: ادعوا لي الحلاق، فأمره، فحلق رؤوسنا، ثم قال: أما محمد فشبه عمنا أبي طالب، وأما عبد الله فشبه خلقي وخلقي،، ثم أخذ بيدي فأشالها وقال: اللهم اخلف جعفراً في أهله وبارك لعبد الله في صفقته، قال: فجاءت أمنا فذكرت يتمنا، فقال: العيلة تخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والآخرة حديث صحيح. وعن أبان بن تغلب قال: ذكر لنا أن عبد الله بن جعفر قدم على معاوية، وكان يفد في كل سنة، فيعطيه ألف ألف درهم ويقضي له مائة حاجة، وذكر أن أعرابياً وقف في الموسم على مروان بالمدينة، فسأله فقال: ما عندنا ما نصلك، ولكن عليك بابن جعفر، فأتاه الأعرابي، فإذا ثقله قد سار، وراحلة بالباب عليها متاعها، وسيف معلق، فخرج عبد الله، فأنشأ الأعرابي يقول:)
(أبو جعفر من أهل بيت نبوة .......... صلاتهم للمسلمين طهور)

(5/430)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 431
(أبا جعفر ضن الأمير بماله .......... وأنت على ما في يديك أمير)

(أبا جعفر يا بن الشهيد الذي له .......... جناحان في أعلى الجنان يطير)

(أبا جعفر ما مثلك اليوم أرتجي .......... فلا تتركني بالفلاة أدور)
فقال: يا أعرابي سار الثقل، فعليك الراحلة بما عليها، وإياك أن تخدع عن السيف، فإني أخذته بألف دينار. قال عفان: ثنا حماد بن زيد، أنبأ هشام، عن محمد قال: مر عثمان بسبخة فقال: لمن هذه قيل: لفلان، اشتراها عبد الله بن جعفر بستين ألفاً. قال: ما يسرني أنها لي بنعلي. قال: فجزأها عبد الله ثمانية أجزاء، وألقى فيها العمال، ثم قال عثمان لعلي: ألا تأخذ على يدي ابن أخيك وتحجر عليه، اشترى سبخة بستين ألفاً، ما يسرني أنها لي بنعلي. قال: فأقبلت، فركب عثمان ذات يوم فمر بها، فأعجبته، فأرسل إلى عبد الله أن ولني جزءين منها، قال: أما والله دون أن ترسل إلى الذين سفهتني عندهم فيطلبون ذلك إلي، فلا أفعل، ثم أرسل إليه: إني قد فعلت. قال: والله لا أنقصك جزءين من مائة وعشرين ألفاً، قال: قد أخذتهما. وروى الأصمعي، عن رجل، أن عبد الله بن جعفر أسلف الزبير ألف ألف، فلما توفي قال ابن الزبير لعبد الله بن جعفر: إني وجدت في كتب أبي أن له عليك ألف ألف درهم. قال: هو صادق، فاقبضها إذا شئت، ثم لقيه بعد فقال: إنما وهمت عليك، المال لك عليه، قال: فهو له، قال: لا أريد ذلك. قلت: هذه الحكاية من أبلغ ما بلغنا في الجود. وعن الأصمعي قال: جاءت امرأة إلى عبد الله بن جعفر بدجاجة

(5/431)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 432
مسموطة فقالت: بأبي أنت هذه الدجاجة كانت مثل بنتي تؤنسني وآكل من بيضها، فآليت أن لا أدفنها إلا في أكرم موضع أقدر عليه، ولا والله ما في الأرض موضع أكرم من بطنك، قال: خذوها منها واحملوا إليها من الحنطة كذا، ومن التمر كذا، ومن الدراهم كذا، وعدد شيئاً كثيراً، فلما رأت ذلك قالت: بأبي إن الله لا يحب المسرفين. قال محمد بن سيرين: جلب رجل سكراً إلى المدينة، فكسد عليه فبلغ عبد الله بن جعفر، فأمر قهرمانه أن يشتريه وأن يهبه الناس.) ولعبد الله رضي الله عنه من هذا الأنموذج أخبار في السخاء. قال الواقدي، ومصعب الزبيري: توفي سنة ثمانين. وقال المدائني: توفي سنة أربع أو خمس وثمانين. قال: ويقال: سنة ثمانين. وقال أبو عبيد: سنة أربع وثمانين، ويقال سنة تسعين.
4 (عبد الله بن أبي حدرد)
الأسلمي أبو محمد بن سلامة بن عمير، له صحبة ورواية. وروى أيضاً عن: عمر.

(5/432)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 433
روى عنه: ابنه القعقاع، وأبو بكر بن حزم، ويزيد بن عبد الله بن قسيط، والزهري، وسفيان بن فروة الأسلمي. وشهد الجابية مع عمر. وقال ابن سعد: شهد الحديبية وخيبر، وتوفي سنة إحدى وسبعين، وهو ابن إحدى وثمانين. وفي الصحيح من حديث عبد الله بن كعب بن مالك أنه تقاضى ابن أبي حدرد دينا عليه في المسجد حتى ارتفعت أصواتهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا كعب ضع الشطر، قال: قد فعلت. وقال غير واحد إنه توفي سنة إحدى وسبعين، إلا خليفة فقال: سنة اثنتين وسبعين. وقد طول أبو أحمد الحاكم ترجمة عبد الله بن أبي حدرد، وساقها في كراس، وذكر أنه لا صحبة له، ولم يصنع شيئاً بل أفادنا العلم بأن له صحبة. وقد علقت حاشية في ذلك في ترجمته في تاريخ دمشق.
4 (عبد الله بن حوالة شذ)
أبو سعيد بن يونس فقال: قدم مصر مع مروان.

(5/433)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 434
يقال: توفي سنة ثمانين. قلت: وقد مر في سنة ثمان وخمسين، ورخه جماعة.
4 (عبد الله بن خازم بن أسماء بن الصلت،)
أبو صالح السلمي أمير خراسان، أحد الأبطال المشهورين والشجعان المذكورين، ويقال له صحبة، ولا يصح.) روى عنه سعيد بن الأزرق، وسعد بن عثمان الرازي. وقد استعمله ابن عامر على خراسان في أيام عثمان، وقد حضر مواقف

(5/434)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 435
مشهورة وأبلى فيها، وولي خراسان زماناً، وافتتح الطبسين. وقد مر في الحوادث من أخباره.
4 (عبد الله بن الزبير)
ابن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد الله بن قصي بن كلاب، أبو بكر،

(5/435)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 436
وأبو خبيب القرشي الأسدي. أول مولود ولد في الإسلام بالمدينة. له صحبة ورواية، وروى أيضاً عن: أبيه، وأبي بكر، وعمر وعثمان. روى عنه: أخوه عروة، وابناه عامر، وعباد، وابن أخيه محمد بن عروة، وعبيدة السلماني، وطاوس، وعطاء، وابن أبي مليكة، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو الزبير المكي، وعمرو بن دينار، وثابت البناني، ووهب بن كيسان، وسعيد بن مينا، وابن ابنه مصعب بن ثابت، وابن ابنه الآخر يحيى بن عباد، وخلق سواهم. وشهد وقعة اليرموك، وغزا القسطنطينية، وغزا المغرب، وله مواقف مشهورة، وكان فارس قريش في زمانه. بويع بالخلافة في سنة أربع وستين، وحكم على الحجاز، واليمن، ومصر، والعراق، وخراسان، وأكثر الشام، ولد سنة اثنتين من الهجرة وتوفي

(5/436)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 437
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله ثمان سنين وأربعة أشهر. روى شعيب بن إسحاق الدمشقي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، وفاطمة بنت المنذر قال: خرجت أسماء حين هاجرت حبلى، فنفست بعبد الله بقباء، قالت: أسماء: ثم جاء بعد سبع سنين ليبايع النبي صلى الله عليه وسلم أمره بذلك الزبير، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم حين رآه مقبلاً، ثم بايعه. وقال الواقدي، عن مصعب بن ثابت، عن أبي الأسود يتيم عروة قال: لما قدم المهاجرون أقاموا لا يولد لهم، فقالوا سحرتنا يهود، حتى كثرت في ذلك القالة، فكان أول مولود ولد بعد الهجرة عبد الله بن الزبير، فكبر المسلمون تكبيرة واحدة حتى ارتجت المدينة، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر فأذن في أذنيه بالصلاة.) وقال مصعب بن عبد الله، عن أبيه قال: كان عارضا ابن الزبير خفيفين، فما اتصلت لحيته حتى بلغ ستين سنة. وقال أبو يعلى في مسنده: ثنا موسى بن محمد بن حيان، ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا هنيد بن القاسم: سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير، سمعت أبي يقول: إنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحتجم، فلما فرغ قال: يا عبد الله اذهب بهذا الدم فأهرقه حيث لا يراك أحد، فلما برز عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمد إلى الدم فشربه، فلما رجع قال: ما صنعت بالدم، قال: عمدت إلى أخفى موضع علمت فجعلته فيه، قال: لعلك شربته، قال: نعم. قال: ولم شربت الدم، ويل للناس منك، وويل لك من الناس. قال موسى بن إسماعيل: حدثت به أبا عاصم فقال: كانوا يرون أن

(5/437)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 438
القوة التي به من ذلك الدم. ورواه تمتام، عن موسى. وقال خالد الحذاء، عن يوسف أبي يعقوب، عن محمد بن حاطب، والحارث قال: طالما حرص ابن الزبير على الإمارة، قلت: وما ذاك قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بلص فأمر بقتله، فقيل له: إنه سرق، قال: اقطعوه، ثم جيء به في إمرة أبي بكر وقد سرق، وقد قطعت قوائمه، فقال أبو بكر: ما أجد لك شيئاً إلا ما قضى فيك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أمر بقتلك، فأمر بقتله أغيلمة من أبناء المهاجرين، أنا فيهم، فقال ابن الزبير: أمروني عليكم، فأمرناه علينا، فانطلقنا به إلى البقيع، فقتلناه. وقال الحارث بن عبيد: ثنا أبو عمران الجوني أن نوفاً قال: إني لأجد في كتاب الله المنزل أن ابن الزبير فارس الخلفاء. وقال مهدي بن ميمون: ثنا محمد بن أبي يعقوب، أن معاوية كان يلقى ابن الزبير فيقول: مرحباً بابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم، وابن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويأمر له بمائة ألف. وقال ابن جريج، عن ابن أبي مليكة قال: ذكر ابن الزبير عند ابن عباس فقال: قاريء لكتاب الله، عفيف في الإسلام، أبوه الزبير، وأمه أسماء، وجده أبو بكر، وعمته خديجة، وخالته عائشة، وجدته صفية، والله لأحاسبن له نفسي محاسبة لم أحاسب بها لأبي بكر وعمر. وقال عمرو بن دينار: ما رأيت مصلياً أحسن صلاة من ابن الزبير.) وقال مجاهد: كان ابن الزبير إذا قام في الصلاة كأنه عود، وحدث أن

(5/438)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 439
أبا بكر كان كذلك. وقال ثابت البناني: كنت أمر بابن الزبير وهو يصلي خلف المقام كأنه خشبة منصوبة لا يتحرك. وقال يوسف بن الماجشون، عن الثقة بسنده قال: قسم ابن الزبير الدهر على ثلاث ليال، فليلة هو قائم حتى الصباح، وليلة هو راكع حتى الصباح، وليلة هو ساجد حتى الصباح. وقال يزيد بن إبراهيم التستري، عن عبد الله بن سعيد، عن مسلم بن يناق المكي قال: ركع ابن الزبير يوماً ركعة، فقرأنا البقرة وآل عمران والنساء والمائدة، وما رفع رأسه. وقال يزيد بن إبراهيم، عن عمرو بن دينار قال: كان ابن الزبير يصلي في الحجر، وحجر المنجنيق يصيب طرف ثوبه، فما يلتفت إليه. وقال هشام بن عروة، عن ابن المنكدر قال: لو رأيت ابن الزبير يصلي كأنه غصن تصفقها الريح، والمنجنيق يقع ها هنا، ويقع ها هنا. وقال أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق قال: ما رأيت أحداً أعظم سجدة بين عينيه من ابن الزبير. قال مصعب بن عبد الله: حدثني أبي، عن عمر بن قيس، عن أمه أنها دخلت على عبد الله بن الزبير بيته، فإذا هو يصلي، فسقطت حية على ابنه هاشم، فصاحوا: الحية الحية، ثم رموها، فما قطع صلاته.

(5/439)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 440
وعن أم جعفر بنت النعمان أنها سلمت على أسماء بنت أبي بكر، وذكر عندها عبد الله بن الزبير فقالت: كان ابن الزبير قوام اليل صوام النهار، وكان من يسمى حمامة المسجد. وقال ميمون بن مهران: رأيت عبد الله بن الزبير يواصل من الجمعة إلى الجمعة، فإذا أفطر استعان بالسمن حتى يلين بالسمن. وروى ليث، عن مجاهد قال: ما كان باب في العبادة يعجز الناس عنه إلا تكفله ابن الزبير، ولقد جاء سيل طبق البيت فجعل يطوف سباحة. وعن عثمان بن طلحة قال: كان ابن الزبير لا ينازع في شجاعة ولا عبادة ولا بلاغة. وقال إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن أنس: إن عثمان أمر زيد بن ثابت، وابن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوا القرآن في المصاحف، وقال:) إذا اختلفتم أنتم وزيد في شيء فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم. وقال أبو نعيم: ثنا عبد الواحد بن أيمن قال: رأيت على ابن الزبير رداء عدنياً يصلي فيه، وكان صيتاً، إذا خطب تجاوب الجبلان، وكانت له جمة إلى العنق ولحية صفراء. وقال مصعب بن عبد الله: ثنا أبي والزبير بن خبيب قالا: قال ابن الزبير: هجم علينا جرجير في عسكرنا في عشرين ومائة ألف، فأحاطوا بنا ونحن في عشرين ألفاً، يعني في غزوة إفريقية، قال: واختلف الناس على ابن أبي سرح، فدخل فسطاطه، ورأيت غرة من جرجير بصرت به خلف

(5/440)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 441
عساكره على برذون أشهب، معه جاريتان تظلان عليه بريش الطواويس، بينه وبين جيشه أرض بيضاء، فأتيت ابن أبي سرح، فندب لي الناس، فاخترت ثلاثين فارساً، وقلت لسائرهم: البثوا على مصافكم، وحملت وقلت للثلاثين: احموا لي ظهري، فخرقت الصف إليه، فخرجت صامداً، وما يحسب هو وأصحابه إلا أني رسول إليه، حتى دنوت منه، فعرف الشر، فتبادر برذونه مولياً، فأدركته فطعنته، فسقط، ثم احتززت رأسه، فنصبته على رمحي، وكبرت، وحمل المسلمون، فارفض العدو ومنح الله أكتافهم. وقال معمر، عن هشام بن عروة قال: اخذ عبد الله بن الزبير من وسط القتلى يوم الجمل، وبه بضع وأربعون ضربة وطعنة. وعن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: أعطت عائشة للذي بشرها أن ابن الزبير لم يقتل عشرة آلاف درهم. وعن عروة قال: لم يكن أحد أحب إلى عائشة بعد رسول الله وبعد أبي بكر من عبد الله بن الزبير. وقال الواقدي: ثنا ربيعة بن عثمان، وابن أبي ميسرة وغيرهما قالوا: لما جاء نعي يزيد في ربيع الآخر سنة أربع وستين قام ابن الزبير فدعا إلى نفسه، وبايعه الناس، ودعا ابن عباس ومحمد بن الحنفية إلى البيعة فأبيا حتى يجتمع الناس له، فبقي يداريهما سنين، ثم أغلظ عليهما ودعاهما فأبيا. قال مصعب بن عبد الله وغيره: كان يقال لابن الزبير عائذ بيت الله. وقال ابن سعد: أنا محمد بن عمر، حدثني عبد الله بن جعفر، عن

(5/441)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 442
عمته أم بكر، وحدثني شرحبيل بن أبي عون، عن أبيه، وحدثني ابن أبي الزناد، وغيرهم أيضاً قد حدثني بطائفة من) هذا الحديث، قالوا: لم يزل عبد الله بن الزبير بالمدينة في خلافة معاوية. فذكر الحديث إلى أن قال: فخرج ابن الزبير إلى مكة، ولزم الحجر ولبس المغافر، وجعل يحرض على بني أمية، ومشى إلى يحيى بن حكيم الجمحي والي مكة، فبايعه ليزيد، فقال: لا أقبل هذا حتى يؤتى به في جامعة ووثاق، فقال له ابنه معاوية بن يزيد: يا أمير المؤمنين ادفع الشر عنك ما اندفع، فإن ابن الزبير رجل لجوج ولا يطيع لهذا أبداً، وإن تكفر عن يمينك فهو خير، فغضب وقال: إن في أمرك لعجباً، قال: فادع عبد الله بن جعفر فسله عما أقول، فدعاه فذكر له قولهما، فقال عبد الله: أصاب أبو ليلى ووفق، فأبى أن يقبل، وامتنع ابن الزبير أن يذل نفسه وقال: اللهم إني عائذ ببيتك، فمن يومئذ سمي العائذ. وأقام بمكة لا يعرض له أحد، فكتب يزيد إلى والي المدينة عمرو بن سعيد أن يوجه إليه جنداً، فبعث لقتاله أخاه عمراً في ألف، فظفر ابن الزبير بأخيه وعاقبه، ونحى ابن الزبير الحارث بن يزيد عن الصلاة بمكة، وجعل مصعب بن عبد الرحمن بن عوف يصلي بالناس، وكان لا يقطع أمراً دون المسور بن مخرمة، ومصعب بن عبد الرحمن، وجبير بن شيبة، وعبد الله بن صفوان بن أمية يشاورهم في الأمور ولا يستبد بشيء، ويصلي بهم الجمعة، ويحج بهم، وكانت الخوارج وأهل الأهواء كلهم قد أتت ابن الزبير، وقالوا: عائذ بيت الله، وكان شعاره لا حكم إلا لله. فلم يزل على ذلك، وحج عشر سنين بالناس آخرها سنة إحدى وسبعين ودعا إلى نفسه فبايعوه، وفارقته الخوارج، فولى على المدينة أخاه مصعباً، وعلى البصرة الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، وعلى الكوفة عبد الله بن مطيع، وعلى مصر عبد الرحمن بن جحدم الفهري، وعلى اليمن آخر، وعلى خراسان آخر، وأمر على الشام الضحاك بن قيس، فبايع له عامة الشام، وأطاعه الناس، إلا

(5/442)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 443
طائفة من أهل الشام مع مروان. قلت: ثم قوي أمر مروان، وقتل الضحاك، وبايعه أهل الشام، وسار في جيوشه إلى مصر فأخذها، واستعمل عليها ولده عبد العزيز. وعاجلته المنية، فقام بعده ابنه عبد الملك، فلم يزل حتى أخذ البلاد، ودانت له العباد. وقال شعيب بن إسحاق: ثنا هشام بن عروة، عن أبيه، أن يزيد كتب إلى ابن الزبير: إني قد بعثت إليك بسلسلة فضة، وقيد من ذهب، وجامعة من فضة، وحلفت لتأتيني في ذلك، قال فألقى الكتاب وقال:)
(ولا ألين لغير الحق أسأله .......... حتى يلين لضرس الماضغ الحجر)
قال خليفة: ثم حضر ابن الزبير الموسم سنة ثنتين وسبعين، فحج بالناس، ولم يقفوا الموقف، وحج الحجاج بن يوسف بأهل الشام، ولم يطوفوا بالبيت. وروى الدراوردي، عن هشام بن عروة قال: أول من كسا الكعبة الديباج عبد الله بن الزبير، وإن كان ليطيبها حتى يجد ريحها من دخل الحرم. زاد غيره: كانت كسوتها الأنطاع. وقال عبد الله بن شعيب الحجبي: إن المهدي لما جرد الكعبة كان فيما نزع عنها كسوة من ديباج، مكتوب عليها لعبد الله أبي بكر أمير المؤمنين.

(5/443)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 444
وروى أبو عاصم، عن عمر بن قيس قال: كان لابن الزبير مائة غلام، يتكلم كل غلام منهم بلغة، وكان ابن الزبير يكلم كل واحد منهم بلغته، وكنت إذا نظرت إليه في أمر الدنيا قلت هذا رجل لم يرد الله طرفة عين، وإذا نظرت إليه في أمر آخرته قلت هذا رجل لم يرد الدنيا طرفة عين. وروى الأعمش، عن أبي الضحى قال: رأيت على رأس ابن الزبير من المسك ما لو كان لي كان رأس مال. قلت: وكان في ابن الزبير بخل ظاهر، مع ما أوتي من الشجاعة. قال الثوري، عن عبد الملك بن أبي بشير، عن عبد الله بن مساور قال: سمعت ابن عباس يعاتب ابن الزبير في البخل ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس المؤمن الذي يبيت وجاره جائع. وقال عبيد الله بن عمرو الرقي، عن ليث بن أبي سليم قال: كان ابن عباس يكثر أن يعنف ابن الزبير بالبخل، فقال: لم تعيرني فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن المؤمن لا يشبع وجاره وابن عمه جائع. وقال يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن ابن أبزى، عن عثمان: أن ابن الزبير قال له حيث حصر: إن عندي نجائب قد أعددتها لك، فهل لك أن تحول إلى مكة فيأتيك من أراد أن يأتيك قال: لا، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يلحد بمكة كبش من قريش اسمه عبد الله، عليه مثل نصف أوزار الناس. رواه أحمد في مسنده عن إسماعيل بن أبان،) عن القمي.

(5/444)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 445
وقال عباس الترقفي: ثنا محمد بن كثير، عن الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يلحد بمكة رجل من قريش يقال له عبد الله، عليه نصف عذاب العالم، فوالله لا أكونه، فتحول منها، فسكن الطائف. قلت: محمد هو المصيصي، ضعيف، احتج به أبو داود، والنسائي. وللحديث شاهد. قال الإمام أحمد: ثنا أبو النضر، ثنا إسحاق بن سعيد، ثنا سعيد بن عمرو قال: أتى عبد الله بن عمرو عبد الله بن الزبير وهو في الحجر فقال: يا ابن الزبير إياك والإلحاد في حرم الله، فإني أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يلحد بها رجل من قريش، لو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لوزنتها، قال: فانظر أن لا تكونه يا بن عمرو، فإنك قد قرأت الكتب وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فإني أشهدك أن هذا وجهي إلى الشام مجاهداً. وقال الزبير بن كبار: حدثني خالد بن وضاح، حدثني أبو الخصيب نافع مولى آل الزبير، عن هشام بن عروة قال: رأيت الحجر من المنجنيق يهوي حتى أقول: لقد كاد أن يأخذ لحية ابن الزبير، وسمعته يقول: والله إن أبالي إذا وجدت ثلاثمائة يصبرون صبري لو أجلب علي أهل الأرض. وقال الواقدي: ثنا إسحاق بن عبد الله عن المنذر بن الجهيم الأسلمي قال: رأيت ابن الزبير يوم قتل وقد خذله من كان معه خذلاناً شديداً، وجعلوا يخرجون إلى الحجاج، وجعل الحجاج يصيح: أيها الناس علام تقتلون أنفسكم، من خرج إلينا فهو آمن لكم عهد الله وميثاقه، وفي حرم الله وأمنه، ورب هذه البنية لا أغدر بكم، ولا لنا حاجة في دمائكم، فيسلك إليه نحو من

(5/445)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 446
عشرة آلاف، فلقد رأيت ابن الزبير وما معه أحد. وعن إسحاق بن أبي إسحاق قال: حضرت قتل ابن الزبير، جعلت الجيوش تدخل عليه من أبواب المسجد، فكلما دخل قوم من باب حمل عليهم وحده حتى يخرجهم، فبينا هو على تلك الحال إذا جاءت شرفة من شرفات المسجد فوقعت على رأسه فصرعته، وهو يتمثل:
(أسماء يا أسماء لا تبكيني .......... لم يبق إلا حسبي وديني)
وصارم لاثت به يميني وقال الواقدي ثنا فروة بن زبيد، عن عباس بن سهل بن سعد، قال: سمعت ابن الزبير يقول: ما) أراني اليوم إلا مقتولاً، لقد رأيت في ليلتي كأن السماء فرجت لي فدخلتها، فقد والله مللت الحياة وما فيها، ولقد قرأ في الصبح يومئذ متمكناً ن والقلم حرفاً حرفاً، وإن سيفه لمسلول إلى جنبه، وإنه ليتم الركوع والسجود كهيئته قبل ذلك. وقال الواقدي: حدثني عبد الله بن نافع، عن أبيه قال: سمع ابن عمر التكبير فيما بين المسجد إلى الحجون حين قتل ابن الزبير، فقال ابن عمر: لمن كان كبر حين ولد ابن الزبير أكثر وخير ممن كبر على قتله. وقال عبد الرزاق: أنبأ معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين قال: قال ابن الزبير: ما شيء كان يحدثنا به كعب إلا قد أتى على ما قال، إلا قوله: ثقيف يقتلني، وهذا رأسه بين يدي، يعني المختار. وقال عبد الوهاب، عن عطاء، عن زياد بن أبي الجصاص، عن

(5/446)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 447
علي بن زيد، عن مجاهد، أن ابن عمر قال لغلامه: لا تمر بي على ابن الزبير، يعني وهو مصلوب. قال: فغفل الغلام فمر به، فرفع رأسه، فرآه، فقال: رحمك الله، ما علمتك إلا صواماً قواماً وصولاً للرحم، أما والله إني لأرجو مع مساويء ما قد عملت من الذنوب أن لا يعذبك الله. قال: ثم التفت إلي فقال: حدثني أبو بكر الصديق: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يعمل سوءاً يجز به في الدنيا. وقال ابن أبي الدنيا في كتاب الخلفاء: وصلب ابن الزبير منكساً، وكان آدم نحيفاً، ليس بالطويل، بين عينيه أثر السجود، يكنى: أبا بكر، وأبا خبيب، وبعث عماله على الحجاز والمشرق كله. وقال ابن المبارك، عن جويرية بن أسماء، عن جدته، أن أسماء بنت أبي بكر غسلت ابن الزبير بعدما تقطعت أوصاله، وجاء الأذن من عبد الملك بن مروان إلى الحجاج أن يأذن لها، وحنطته وكفنته وصلت عليه، وجعلت فيه شيئاً حين رأته يتفسخ إذا مسته. قال مصعب بن عبد الله: حملته فدفنته في المدينة في دار صفية بنت حيي، ثم زيدت دار صفية في المسجد، فهو مدفون مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر رضي الله عنهما. قال ابن إسحاق وجماعة كثيرة: قتل في جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين، وله نيف وسبعون سنة. وقال ضمرة، وأبو نعيم، وعثمان بن أبي شيبة: قتل سنة اثنتين وسبعين.) والصحيح ما تقدم.

(5/447)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 448
4 (عبد الله بن زرير الغافقي المصري،)
من شيعة علي ومحبيه. وفد على علي من مصر. يروي عنه: مرثد اليزني، وعياش القتباني، وعبد الله بن هبيرة السبائي. توفي سنة ثمانين.
4 (عبد الله بن سعد بن خيثمة الأنصاري)
الأوسي. له صحبة، شهد الجابية وخيبر، فشهدها وله فيما قال الواقدي سبع عشرة سنة. وتوفي بعد مقتل ابن الزبير بالمدينة. واستشهد أبوه يوم بدر، وجده يوم أحد. وقد تفرد رباح بن أبي معروف، عن المغيرة بن حكيم، وكل منهما ثقة، قال: سألت عبد الله بن سعد بن خيثمة: أشهدت بدراً قال: نعم، والعقبة مع أبي رديفاً. رواه عاصم، وأبو داود، وأبو أحمد الزبيري، عن رباح.

(5/448)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 449
4 (عبد الله بن سلمة المرادي)
عن علي، وابن مسعود، وصفوان بن عسال، وجماعة. وعنه: عمرو بن مرة، وأبو إسحاق، وأبو الزبير المكي. وثقه العجلي. وقال البخاري: لا يتابع في حديثه. وقال عمرو بن مرة: كان قد كبر، فكان يحدثنا فنعرف وننكر. ويقال: لقي عمر.
4 (عبد الله بن شهاب أبو الجزل.)
روى عن: عمر وعائشة.

(5/449)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 450
وعنه: الشعبي وخيثمة بن عبد الرحمن، وشبيب بن غرقدة. ذكره ابن أبي حاتم.
4 (عبد الله بن الصامت الغفاري البصري،)
من جلة التابعين.) روى عن: عمه أبو ذر الغفاري، وعمر بن الخطاب، وجماعة. وقد تأخرت وفاته عن هذه الطبقة، فسيعاد إن شاء الله تعالى.
4 (عبد الله بن صفوان)
ابن أمية بن خلف بن وهب، أبو صفوان الجمحي المكي.

(5/450)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 451
ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وحدث عن: أبيه، وعمر، وأبي الدرداء، وحفصة، وصفية بنت أبي عبيد. وغيرهم. روى عنه: حفيده أمية بن صفوان بن عبد الله، وابن أبي مليكة، وسالم بن أبي الجعد، وعمرو بن دينار، والزهري. وكان من سادات قريش وأشرافهم، وله دار بدمشق. قال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن سلام، حدثني يزيد بن عياض بن جعدبة قال: لما قدم معاوية مكة لقيه عبد الله بن صفوان على بعير، فسايره، فقال أهل الشام: من هذا الأعرابي الذي ساير أمير المؤمنين فلما انتهى إلى مكة إذا الجبل أبيض من غنى عليه، فقال: يا أمير المؤمنين هذه ألفا شاة أجزرتكها، فقسمها معاوية في جنده، فقالوا: ما رأينا أسخى من ابن عم أمير المؤمنين هذا الأعرابي. وروى ابن أبي مليكة: أن عمر بن عبد العزيز قال له: ما بلغ ابن صفوان ما بلغ قلت: سأخبرك، والله لو أن عبداً وقف عليه يسبه ما استنكف عنه، إنه لم يكن يأتيه أحد قط إلا كان أول خلق الله تسرعاً إليه بالرجال، ولم يسمع بمفازة إلا حفرها، ولا ثنية إلا سهلها. وعن مجاهد، أنه وصف ابن صفوان بالحلم والاحتمال. وقال الزبير: حدثني محمد بن سلام، عن أبي عبد الله الأزدي

(5/451)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 452
قال: وفد المهلب بن أبي صفرة الأزدي على ابن الزبير، فأطال الخلوة معه، فجاء ابن صفوان فقال: من هذا الذي قد شغلك منذ اليوم قال: هذا سيد العرب بالعراق قال: ينبغي أن يكون المهلب، فقال المهلب: من هذا الذي يسأل عني يا أمير المؤمنين قال: سيد قريش بمكة. قال: ينبغي أن يكون عبد الله بن صفوان. وقال يحيى بن سعيد: رأيت رأس ابن الزبير، ورأس عبد الله بن مطيع، ورأس عبد الله بن صفوان أتي بها إلينا المدينة. رواه ابن عيينة، عن يحيى.) وقال خليفة: قتل وهو متعلق بأستار الكعبة مع ابن الزبير سنة ثلاث وسبعين.
4 (عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي)
المدني.

(5/452)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 453
رأى النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه حديثاً أخرجه النسائي. وروى أيضاً عن: عمه عبد الله بن مسعود، وعمر بن الخطاب، وعمار، وأبي هريرة. روى عنه: ابناه الفقيه عبيد الله، وعون الزاهد، ومحمد بن سيرين، وأبو إسحاق السبيعي. قال ابن سعد: كان ثقة، رفيعاً، كثير الحديث والفتيا. توفي سنة أربع وسبعين.
4 (عبد الله بن عمر بن الخطاب.)
أبو عبد الرحمن القرشي العدوي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن وزيره.

(5/453)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 454
هاجر به أبوه قبل أن يحتلم، واستصغر عن أحد، وشهد الخندق وما

(5/454)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 455
بعدها مع النبي صلى الله عليه وسلم. وهو شقيق حفصة أم المؤمنين، أمهما زينب بنت مظعون. روى علماً كثيراً عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي بكر، وعمر، والسابقين. روى عنه: بنوه حمزة، وسالم، وبلال، وزيد، وعبد الله، وعبيد الله، ومولاه نافع، ومولاه عبد الله بن دينار، وسعيد بن المسيب، وعروة، وسعيد بن جبير، وطاوس، ومجاهد، وعطاء، وعكرمة، والشعبي، وأبو سلمة، وزيد ابن أسلم، وأبوه أسلم، وآدم بن علي، وبشر بن حرب، وجبلة بن سحيم، وثابت البناني، وعمرو بن دينار، وثوير بن أبي فاختة، وأبو الزبير المكي، وخلق كثير. قال أبو بكر بن البرقي: كان ربعة، وكان يخضب بالصفرة، وتوفي بمكة سنة أربع وسبعين. وقال ابن يونس: شهد فتح مصر. وقال غيره: شهد الغزو بفارس. وقال أبو إسحاق: رأيت ابن عمر آدم جسيماً ضخماً له إزار إلى نصف الساقين يطوف. وقال أبو معاوية: ثنا هشام بن عروة قال: رأيت ابن عمر له جمة. وروى حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أنس، وسعيد بن

(5/455)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 456
المسيب قالا: شهد ابن عمر بدراً، قال الواقدي: وهذا غلط بين.) وقال نافع، عن ابن عمر قال: عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة، فلم يجزني، وأجازني يوم الخندق. وقال أبو إسحاق، عن البراء قال: عرضت أنا وابن عمر يوم بدر، فاستصغرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى سالم، وغيره، عن ابن عمر قال: كنت غلاماً، عزباً شاباً، وكنت أنام في المسجد، فرأيت كأن ملكين أتياني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، لها قرون كقرون البقر، فرأيت فيها ناساً قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، فلقينا ملك فقال، لن ترع، فقصتها حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل. قال: فكان عبد الله لا ينام بعد من الليل إلا قليلاً. وفي رواية صحيحة قال: إن عبد الله رجل صالح. وقال الأعمش، عن إبراهيم قال: قال عبد الله بن مسعود: إن من أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا عبد الله بن عمر. وقال ابن عون، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عبد الله قال: لقد رأيتنا

(5/456)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 457
ونحن متوافرون، وما فينا شاب هو أملك لنفسه من عبد الله بن عمر. وقال أبو سعد البقال: ثنا أبو حصين، عن شقيق، عن حذيفة قال: ما منا أحد لو فتش إلا فتش عن جائفة أو منقلة إلا عمر وابنه. وقال سالم بن أبي الجعد، عن جابر قال: ما منا أحد أدرك الدنيا إلا وقد مالت به، إلا ابن عمر. وعن عائشة قال: ما رأيت أحداً ألزم للأمر الأول من ابن عمر. وقال أبو سفيان بن العلاء أخو أبي عمرو، وعن ابن أبي عتيق قال: قالت عائشة لابن عمر: ما منعك أن تنهاني عن مسيري قال: رأيت رجلاً قد استولى عليك وظننتك لن تخالفيه، يعني ابن الزبير. وقال شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي سلمة قال: مات ابن عمر وهو في الفضل مثل أبيه. وقال قتادة، وغير، عن سعيد بن المسيب قال: لو شهدت لأحد أنه من أهل الجنة لشهدت لعبد الله بن عمر، وكان يوم مات خير من بقي. وعن طاوس قال: ما رأيت أورع من ابن عمر.)

(5/457)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 458
وقال جويرية، عن نافع: إن ابن عمر كان ربما لبس المطرف الخز ثمنه خمسمائة درهم. أبو أسامة: ثنا عمر بن حمزة، أخبرني سالم، عن ابن عمر قال: لأظن قسم لي منه ما لم يقسم لأحد إلا النبي صلى الله عليه وسلم. يعني الجماع. تفرد به عمر، وهو ثقة. عبد الرحمن بن مهدي: ثنا عثمان بن موسى، عن نافع، أن ابن عمر تقلد سيف عمر يوم قتل عثمان، وكان محلى، قلت: كم كانت حليته قال: أربعمائة. وقال محمد بن سوقة: سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقول: كان ابن عمر إذا سمع من النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً لا يزيد ولا ينقص، لم يكن أحد من الصحابة في ذلك مثله. وقال ابن وهب: أخبرني مالك، عمن حدثه: أن ابن عمر كان يتبع أمر النبي صلى الله عليه وسلم وآثاره وحاله ويهتم به حتى كان قد خيف على عقله من اهتمامه بذلك. وقال خارجة بن مصعب، عن موسى بن عقبة، عن نافع قال: لو نظرت إلى ابن عمر إذا اتبع أثر رسول الله لقلت هذا مجنون. وقال عبد العزيز الماجشون، عن عبد الله بن عمر، عن نافع: أن ابن عمر كان يتبع أثار رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل مكان صلى فيه، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل تحت شجرة، فكان ابن عمر يتعاهدها فيصب في أصلها الماء لكيلا تيبس.

(5/458)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 459
وعن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو تركنا هذا الباب للنساء. قال: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات. متفق على صحته. وقال عاصم بن محمد العمري، عن أبي قال: ما سمعت ابن عمر ذكر النبي صلى الله عليه وسلم إلا بكى. وقال يوسف بن ماهك: رأيت ابن عمر عند عبيد بن عمير وهو يقص، فرأيت ابن عمر وعيناه تهراقان دمعاً. وقال أبو شهاب: ثنا حبيب بن الشهيد قال: قيل لنافع: ما كان يصنع ابن عمر في منزله قال: لا تطيقونه، الوضوء لكل صلاة، والمصحف فيما بينهما. وقال عبد العزيز بن أبي روداد، عن نافع، إن ابن عمر كان إذا فاتته العشاء في جماعة أحيا بقية ليلته.) وقال ابن المبارك: أنبأ عمر بن محمد بن زيد: أخبرني أبي أن عبد الله بن عمر كان يصلي ما قدر له، ثم يصير إلى الفراش، فيغفى إغفاءة الطائر، ثم يقوم فيتوضأ ويصلي، يفعل ذلك في الليل أربع مدات أو خمسة. وقال نافع: كان ابن عمر لا يصوم في السفر، ولا يكاد يفطر في الحضر.

(5/459)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 460
وقال سالم: ما لعن ابن عمر خادماً، له إلا مرة، فأعتقه. وقال محمد بن مطرف، عن أبي حازم، عن عبد الله بن دينار قال: خرجت مع ابن عمر إلى مكة فعرسنا، فانحدر علينا راع من جبل، فقال له ابن عمر: أراع أنت قال: نعم. قال: بعني شاة من الغنم قال: إني مملوك. قال: قل لسيدك أكلها الذئب. قال: فأين الله عز وجل قال ابن عمر: فأين الله، ثم بكى، واشتراه بعد فأعتقه. وروى أسامة بن زيد، عن نافع، عن ابن عمر نحواً منه. وقال عبيد الله، عن نافع قال: ما أعجب ابن عمر شيء إلا قدمه. وقال يزيد بن هارون: أنبأ محمد بن عمرو بن حماس، عن حمزة بن عبد الله بن عمر، عن أبيه قال: خطرت هذه الآية لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون، فما وجدت شيئاً أحب إلي من جاريتي رميثة، فعتقتها، فلولا أني لا أعود في شيء جعلته لله لنكحتها، فأنكحتها نافعاً، فهي أم ولده. وقال قتيبة: ثنا محمد بن يزيد بن خنيس، ثنا عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع قال: كان رقيق عبد الله ربما شمر أحدهم فيلزم المسجد فيعتقه، فيقولون له: إنهم يخدعونك، فيقول: من خدعنا بالله انخدعنا له، وما مات حتى أعتق ألف إنسان أو زاد، وكان يحيي الليل صلاة. الفضل بن موسى الشيباني، وغيره، عن أبي حمزة السكري، عن إبراهيم الصائغ، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان له كتب ينظر فيها قبل أن يخرج إلى الناس.

(5/460)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 461
الصائغ صدوق، قال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال ابن وهب: أنبأ عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله، ثنا أبي أن ابن عمر كاتب غلاماً له بأربعين ألفاً، فخرج إلى الكوفة، فكان يعمل على حمر له حتى أدى خمسة عشر ألفاً، فجاءه إنسان فقال: أمجنون أنت ها هنا تعذب نفسك وابن عمر يشتري الرقيق، ويعتق إرجع فقل له قد عجزت، فجاء إليه فقال: قد عجزت وهذه صحيفتي فامحها، قال: لا، ولكن امحها إن شئت،) فمحاها، ففاضت عيناه، وقال: اذهب فأنت حر، قال: أصلحك الله، أحسنت، أحسن إلى ابني هذين. قال: هما حران. قال: أحسن إلى أميهما. قال: هما حرتان، فأعتق الخمسة. وقال عاصم بن محمد العمري، عن أبيه قال: أعطى عبد الله بن جعفر ابن عمر بنافع عشرة آلاف درهم أو ألف دينار، فدخل على صفية امرأته فأخبرها، قالت: فما تنتظر قال: فهلا ما هو خير من ذلك هو حر لوجه الله. وقال معمر، عن الزهري قال: أراد ابن عمر أن يلعن خادماً، فقال: اللهم الع، فلم يتمها، وقال: إن هذه الكلمة لا أحب أن أقولها. وعن نافع قال: أتى ابن عمر ببضعة وعشرين ألفاً، فما قام حتى فرقها وزاد عليها. وروى برد بن سنان، عن نافع قال: إن كان ابن عمر ليقسم في المجلس الواحد ثلاثين ألفاً، ثم يأتي عليه شهر ما يأكل مزعة من لحم.

(5/461)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 462
وقال أيوب، عن نافع قال: بعث معاوية إلى ابن عمر بمائة ألف، فما حال عليها الحول. وقال حماد، عن أيوب، عن نافع قال: اشتهى ابن عمر العنب في مرضه في غير وقته، فجاؤوه بسبع حبات عنب بدرهم فجاء سائل، فأمر له به ولم يذقه. وقال مالك بن مغول، عن نافع إن ابن عمر أتي بجوارش فكرهه وقال: ما شبعت منذ كذا وكذا. وقال جعفر بن محمد، عن نافع أن المختار بن أبي عبيد كان يرسل إلى ابن عمر بالمال، فيقبله ويقول: لا أسأل أحداً، ولا أرد ما رزقني الله عز وجل. قلت: والمختار هو أخو صفية زوجة ابن عمر. وقال قبيصة، ثنا سفيان، عن أبي الوازع، قلت لابن عمر: لا يزال الناس بخير ما أبقاك الله لهم، فغضب وقال: إني لأحسبك عراقياً، وما يدريك ما يغلق عليه ابن أمك بابه. وقال أبو جعفر الرازي، عن حصين قال: قال ابن عمر: إني لأخرج وما لي حاجة إلا لأسلم على الناس ويسلمون علي. قال مالك: كان إمام الناس عندنا بعد زيد بن ثابت عبد الله بن عمر، مكث ستين سنة يفتي الناس.

(5/462)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 463
وقال أسامة بن زيد، عن عبد الله بن واقد قال: رأيت ابن عمر قائماً يصلي، فلو رأيته مقلولياً،) ورأيته يفت المسك في الدهن يدهن به. وقال معمر: سمعت عبد الملك بن أبي جميلة، عن عبد الله بن موهب أن عثمان قال لابن عمر: اقض بين الناس، قال: أوتعفيني يا أمير المؤمنين قال: فما تكره من ذلك وقد كان أبوك يقضي قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كان قاضياً فقضى بالعدل فبالحري أن يفلت منه كفافاً فما أرجو بعد ذلك. أخرجه الترمذي. وقال عبد الله بن إدريس، عن ليث، عن نافع قال: لما قتل عثمان جاء علي بن أبي طالب إلى ابن عمر فقال: إنك محبوب إلى الناس، فسر إلى الشام، فقال ابن عمر: بقرابتي وصحبتي النبي صلى الله عليه وسلم والرحم التي بيننا، فلم يعاوده. وقال ابن عيينة، عن عمر، عن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر قال: بعث إلي علي: إنك مطاع في أهل الشام، فسر، فقد أمرتك عليهم، فقلت: أذكرك الله وقرابتي من رسول الله وصحبتي إياه إلا ما أعفيتني، فأبى علي، فاستعنت عليه بحفصة، فأبى، فخرجت ليلاً إلى مكة، فقيل له: قد خرج إلى الشام، فبعث في أثري، فأرسلت إليه حفصة: إنه لم يخرج إلى الشام، إنما خرج إلى مكة. وقال مسعر، عن أبي حصين قال: قال معاوية: من أحق بهذا الأمر منا وابن عمر شاهد، قال: فأردت أن أقول أحق منك من ضربك عليه وأباك، فخفت الفساد.

(5/463)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 464
وروى عكرمة، عن خالد، وغيره، عن ابن عمر قال: خطب معاوية بعد الحكمين فقال: من أراد أن يتكلم فليطلع إلي قرنة، فلنحن أحق بهذا الأمر، قال: فحللت حبوتي وأردت أن أقول: أحق به من قاتلك وأباك على الإسلام، فخشيت أن أقول كلمة تفرق الجمع وتسفك الدماء، فذكرت ما أعد الله في الجنان. وقال جرير بن حازم، عن يعلى، عن نافع قال: قدم أبو موسى، وعمرو للتحكيم، فقال أبو موسى: لا أرى لهذا الأمر غير عبد الله بن عمر، فقال عمرو لابن عمر: أما تريد أن نبايعك فهل لك أن تعطي مالاً عظيماً، على أن تدع هذا الأمر لمن هو أحرص عليك منه، فغضب وقام، فأخذ ابن الزبير بطرف ثوبه، فقال: يا أبا عبد الرحمن، إنما قال تعطى مالاً على أن أبايعك فقال: والله لا أعطي عليها ولا أعطى عليها ولا أقبلها إلا عن رضا من المسلمين. وقال خالد بن نزال الأيلي، عن سفيان، عن مسعر، عن علي بن الأقمر قال: قال مروان لابن) عمر: ألا تخرج إلى الشام فيبايعوك قال: فكيف أصنع بأهل العراق قال: تقاتلهم بأهل الشام، قال: والله ما يسرني أن يبايعني الناس كلهم إلا أهل فدك، وإني أقاتلهم فقتل منهم رجل واحد، فقال مروان:
(إني أرى فتنة تغلي مراجلها .......... والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا)
قلت: أبو ليلى هو معاوية بن يزيد.

(5/464)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 465
وقال أبو عوانة، عن مغيرة، عن فطر قال: قال رجل لابن عمر: ما أحد شر لأمة محمد صلى الله عليه وسلم منك، قال: ولم قال: إنك لو شئت ما اختلف فيك اثنان، قال: ما أحب أنها أتتني ورجل يقول: لا، وآخر يقول: بلى. وقال يونس بن عبيد، عن نافع قال: كان ابن عمر يسلم على الخشبية والخوارج وهم يقتتلون، فقال: من قال: حي على الصلاة أجبته، ومن قال: حي على قتل أخيك المسلم وأخذ ماله، فلا. وقال الزهري: أخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر قال: أقبل علينا بن عمر فقال: ما وجدت في نفسي من أمر هذا الأمة ما وجدت في نفسي من أن أقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله، فقلنا له: ومن ترى هذه الفئة الباغية قال: ابن الزبير بغى على هؤلاء القوم، فأخرجهم من ديارهم ونكث عهدهم. العوام بن حوشب، عن عياش العامري، عن سعيد بن جبير قال: لما احتضر ابن عمر قال: ما آسى على شيء من الدنيا إلا على ثلاث: ظمأ الهواجر، ومكابدة الليل، وأني لم أقاتل هذه الفئة الباغية التي نزلت بنا، يعني الحجاج. قلت: هذا ظن من بعض الرواة، وإلا فهو قد قال الفئة الباغية ابن الزبير كما تقدم، والله أعلم. وقال أيوب، عن نافع قال: أصابت ابن عمر عارضة المحمل بين إصبعيه عند الجمرة، فمرض، فدخل عليه الحجاج، فلما رآه ابن عمر أغمض عينيه، قال: فكلمه فلم يكلمه، فغضب وقال: إن هذا يقول: إني

(5/465)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 466
على الضرب الأول. وقال سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص: إن ابن عمر قدم حاجاً، فدخل عليه الحجاج وقد أصابه زج رمح، فقال: من أصابك قال: أصابني من أمرتموه بحمل السلاح في مكان لا يحل فيه حمله، رواه البخاري. قال الأسود بن شيبان: ثنا خالد بن نمير قال: خطب الحجاج فقال: إن ابن الزبير حرف كتاب) الله، فقال له ابن عمر: كذبت كذبت، ما يستطيع لا ذلك وأنت معه، فقال: اسكت فإنك قد خرفت وذهب عقلك يوشك شيخ أن يضرب عنقه فيجر، قد انتفخت خصيتاه، يطوف به صبيان أهل البقيع. وقال أيوب، وغيره، عن نافع قال: قدم معاوية المدينة، فحلف على المنبر ليقتلن ابن عمر، فلما دنا من مكة تلقاه الناس، فقال له عبد الله بن صفوان: إيهاً، جئتنا لتقتل ابن عمر قال: ومن يقول هذا، ومن يقول هذا. زاد ابن عون، عن نافع قال: والله لا أقتله. وقال مالك: بلغ ابن عمر سبعاً وثمانين سنة.

(5/466)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 467
قلت: بلغ أربعاً وثمانين سنة، لأنه قال: إنه كان يوم الخندق ابن خمس عشرة سنة. قال ضمرة بن ربيعة، والهيثم، وأبو نعيم، وابن المديني، وأبو بكر بن شيبة، وأبو مسهر: توفي سنة ثلاث وسبعين. وقال سعيد بن عفير، وخليفة: توفي سنة أربع. قلت: هذا أصح، لأنه صلى على رافع بن خديج. وعن نافع، وغيره، أن ابن عمر أوصى عند الموت: ادفنوني خارج الحرم، فلم نقدر على ذلك من الحجاج، قال: فدفناه بفخ في مقبرة المهاجرين. زاد بعضهم: وصلى عليه الحجاج.
4 (عبد الله بن عياش بن ربيعة)
بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي. قال خليف: قتل بسجستان سنة ثمان وسبعين مع عبيد الله بن أبي بكرة، كذا قال في تاريخه. وقال في الطبقات: إن الذي قتل مع عبيد الله بسجستان عبد الله بن عياش المخزومي الذي ولد بأرض الحبشة.

(5/467)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 468
4 (عبد الله بن عياش)
ابن أبي ربيع عمرو بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي. ولد بأرض الحبشة، وله رؤية وشرف، وكان من أقرأ أهل المدينة لكتاب الله وأقومهم به. قرأ على أبي بن كعب، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمع من: عمر، وأبيه، وابن) عباس. روى عنه: ابنه الحارث، وسليمان بن يسار، وسعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، وزياد مولى ابن عياش، وأبو جعفر يزيد بن القعقاع مولاه أيضاً، ونافع مولى ابن عمر. قال سعيد بن داود الزبيري: ثنا مالك، قال نافع، سمعت من عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة حديثاً لا أدري عمن حدث به قال: يبعث الله ريحاً بين يدي الساعة لا تدع أحداً في قلبه من الخير إلا أماتته. وقد قرأ على ابن عياش القرآن مولاه أبو جعفر أحد العشرة، وذكر أنه كان يمسك المصحف على مولاه عبد الله.

(5/468)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 469
والذي أعتقد أن أبا الحارث عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة بقي إلى هذا الزمان، وأنه لم يمت سنة ثمان وأربعين كما غلط بعضهم وصحف سبعين بأربعين.
4 (عبد الله بن مطيع)
ابن الأسود القرشي العدوي المدني. ولد في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحدث عن أبيه. روى عنه: الشعبي، وغيره. وله حديث في صحيح مسلم. وقد ولاه ابن الزبير على الكوفة، فلما غلب عليها المختار هرب عبد الله وقدم مكة، فكان مع ابن الزبير، وكان أحد الشجعان المذكورين، وكان على قريش يوم الحرة أيضاً. الواقدي: حدثني إسحاق بن يحيى بن طلحة، عن عيسى بن طلحة قال: قلت لعبد الله بن مطيع: كيف نجوت يوم الحرة؟ قال: كنا نقول: لو

(5/469)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 470
أقاموا شهراً ما فعلوا بنا شيئاً، فلما صنع بنا وولى الناس ذكرت قول الحارث بن هشام:
(وعلمت أني إن أقاتل واحداً .......... أقتل ولا يضرر عدوي مشهدي)
فتواريت، ثن لحقت بابن الزبير، ثن قال عيسى: قال عبد الملك بن مروان: نجا ابن مطيع من مسلم بن عقبة، ثم لحق بابن الزبير، ونجا ولحق بالعراق، وكثر علينا في كل وجه، ولكن من رأي الصفح عنه وعن غيره من قومي. وعن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: استعمل أبي على الكوفة ابن مطيع.) وعن عروة قال: فقدم المختار الكوفة، وحرض الناس على ابن مطيع، وقويت شوكته، فهرب ابن مطيع من الكوفة، ولحق بابن الزبير، فكان معه بمكة إلى أن توفي قبل ابن الزبير بيسير في الحصار، أصابه حجر المنجنيق فقتله بمكة مع ابن الزبير وهو في عشر السبعين.
4 (عبد الله بن همام أبو عبد الرحمن السلولي)
الكوفي، أحد الشعراء الفصحاء. مدح يزيد بن معاوية بعد أن هجاه لما استخلف بقوله من أبيات:
(شربنا الغيظ حتى لو سقينا .......... دماء بني أمية ما روينا)

(ولو جاءوا برملة أو بهند .......... لبايعنا أميرة مؤمنينا)

(5/470)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 471
4 (عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي مولى)
نافع بن عبد الحارث. استنابه نافع على مكة حين انتقل عمر بن الخطاب إلى عسفان، فقال: من استخلفت على أهل الوادي قال: ابن أبزى، وقال: إنه قاريء لكتاب الله عالم بالفرائض، ثم إن عبد الرحمن سكن الكوفة ووليها مرة. وله صحبة ورواية، وروى أيضاً عن: أبي بكر، وعمر، وأبي بن كعب، وعمار. روى عنه: أبناه سعيد، وعبد الله، والشعبي، وعلقمة بن مرثد، وأبو إسحاق السبيعي، وجماعة. وذكر ابن الأثير أن علياً استعمله على خراسان. ويروى عن عمر قال: ابن أبزى ممن رفعه الله بالقرآن.
4 (عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود)
الهذلي الكوفي.

(5/471)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 472
توفي أبوه وله ست سنين، وقد حفظ عن أبيه شيئاً. وروى عن: علي، والأشعث بن قيس، ومسروق، وغيرهم. روى عنه: ابناه القاسم ومعن وهما علواء افلكوفة وسماك بن حرب وأبو اسحاق وأخرون. وثقة ابن معين وقال: لم يسمع لاهو ولا أخوه أبو عبيدة من أبيهما شيئاً قلت: وحدثه في الصحيحين عن مسروق وحديثة في السنين الأربعة عن أبيهوهو قليل الحديث. عبد الرحمنبن عبد القادري ع المدني) والقارة وعضل أخوان من ذرية مدركة بن إلياس قال أبو داود: لأتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير، قلت: روى عن عمر والي طلحة بن زبر بن سطل وأبي أيوب خالد بن زيد.

(5/472)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 473
وروى عنه: عروة وعبيد الله بن عبد الله والأعرج والزهري وغيرهم. وعاش ثمانياً وسبعين سنة، توفي سنة ثمانين، وهو من ثقات التابعين الكبار.
4 (عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله القرشي)
التيمي، ابن أخي طلحة ابن عبيد الله. له صحبة ورواية، أسلم يوم الحديبية، وقيل يوم الفتح. وروى أيضاً عن: عمه، وعثمان بن عفان، وغيرهم. روى عنه: بنوه، وعثمان، ومعاذ، وهند، وسعيد بن المسيب، وأبو سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، ومحمد بن المنكدر، وغيرهم. وكان يقال له شارب الذهب. وهو ابن أخت عبد الله بن جدعان التيمي. قتل مع ابن الزبير سنة ثلاث وسبعين.
4 (عبد الرحمن بن عسيلة)
أبو عبد الله المرادي الصنابحي نزيل الشام.

(5/473)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 474
هاجر فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل قدومه بخمس اليال أو ست ليال. وروى عن: أبي بكر، ومعاذ، وبلال، وعبادة بن الصامت، وغيرهم. روى عنه: عطاء بن يسار، ومحمود بن لبيد، ومكحول، وأبو عبد الرحمن الحبلي، ومرثد بن عبد الله اليزني، وربيعة بن يزيد، وجماعة. وكان صالحاً، عارفاً، كبير القدر. قال محمد بن يحيى بن حبان، عن ابن محيريز، عن الصنابحي قال: دخلت على عبادة بن الصامت وهو في الموت، فبكيت، فقال: مه، لم تبكي، فوالله لئن استشهدت لأشهدن لك، ولأن شفعت لأشفعن لك، ولئن استطعت لأتبعنك. ثم قال: ما من حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكم فيه خير إلا حدثتكموه، إلا حديث واحد، وسوف أحدثكموه في الموت وقد أحيط بنفسي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من شهد أن لا إله إلا الله وأن) محمداً رسول الله حرم الله عليه النار. رواه مسلم. وقال محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد بن عبد الله، عن عبد الرحمن الصنابحي قال: ما فاتني النبي صلى الله عليه وسلم إلا بخمس ليال، قبض وأنا بالجحفة، فقدمت المدينة، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

(5/474)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 475
متوافرون، فسألت بلالاً عن ليلة القدر، فلم تعتم. فقال: ليلة ثلاث وعشرين. وقال ابن عون: ثنا رجاء بن حيوة، عن محمد بن الربيع قال: كنا عند عبادة بن الصامت، فأقبل الصنابحي، فقال عبادة: من سره أن ينظر إلى رجل كأنما زقي به فوق سبع سماوات فعمل على ما رأى فلينظر إلى هذا. قال يحيى بن معين: عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي أدرك عبد الملك بن مروان، وكان يجلس معه على السرير، يروي عن أبي بكر، قال: وعبد الله الصنابحي يروي عنه المدنيون، يشبه أن يكون له صحبة. وقال علي بن المديني: الذي روى عنه قيس بن أبي حازم في الحوض هو الصنابح بن الأعسر الأحمسي، له صحبة، وأبو عبد الله عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي، قال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث. وقال يعقوب بن شيبة: هؤلاء الصنابحيون إنما هم اثنان فقط: الصنابح الأحمسي، وهو: الصنابح بن الأعسر، فمن قال الصنابحي فيه فقد أخطأ، يروي عنه الكوفيون، قيس بن أبي حازم، وغيره. وعبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي، يروي عنه أهل الحجاز وأهل الشام، دخل المدينة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث أو أربع ليال. روى عن: أبي بكر، وبلال، وأرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم. فمن قال: أبو

(5/475)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 476
عبد الرحمن الصنابحي فقد أخطأ، ومن قال: عبد الرحمن الصنابحي فقد أخطأ، وجعل كنيته اسمه. قلت: توفي بدمشق.
4 (عبد الرحمن بن غنم الأشعري)
نزيل فلسطين. روى عن: عمر، وعلي، ومعاذ بن جبل، وأبي ذر، وأبي الدرداء، وأبي مالك الأشعري.) روى عنه: ابنه محمد، وأبو سلام ممطور الحبشي الأسود، وأبو إدريس الخولاني، وشهر بن حوشب، ومكحول، ورجاء بن حيوة، وعبادة بن نسي، وإسماعيل بن عبيد الله، وصفوان بن سليم. قال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله، بعثه عمر إلى الشام يفقه الناس. وكان أبوه ممن هاجر مع أبي موسى.

(5/476)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 477
وقال أبو القاسم البغوي: ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، مختلف في صحبته. قلت: وخرج أحمد بن حنبل في مسنده له أحاديث، وهي مراسيل فيما يغلب على الظن. وذكره يحيى بن بكير في الصحابة. وذكر عن الليث، وابن لهيعة أنهما قالا: له صحبة. وقال الترمذي: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال أبو مسهر: وبفلسطين عبد الرحمن بن غنم الأشعري، وهو رأس التابعين. وقال الهيثم، وخليفته: توفي سنة ثمان وسبعين.
4 (عبيد الله بن أبي بكرة)
أبو حاتم الثقفي الأمير، ابن صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، أمير سجستان.

(5/477)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 478
ولد سنة أربع عشرة، وكان أحد الكرام الأجواد. روى عن: أبيه، وعلي بن أبي طالب. روى عنه: سعيد بن جمهان، ومحمد بن سيرين، وغيرهما. وقد ولي قضاء البصرة. قال خليفة: وفي سنة ثلاث وخمسين عزل عبيد الله بن أبي بكرة عن سجستان، وكان قد وليها في سنة خمسين، ثم وليها في إمرة الحجاج. كان عبيد الله بن أبي بكرة أسود اللون. قال أبو هلال، عن أبي جمرة قال: أول من رأيناه يتوضأ بالبصرة هذا الوضوء عبيد الله بن أبي بكرة، فقلت: انظروا إلى هذا الحبشي يلوط إسته، يعني يستنجي بالماء. وقال أحمد العجلي: وهو تابعي ثقة. وقال محمد بن سلام الجمحي، عن مؤرج قال: كان عبيد الله بن أبي بكرة من الأجواد، فاشترى) جارية يوماً بمال عظيم، فطلب دابة تحمل عليها، فجاء رجل فنزل عن دابته، فحملها عليها، وقال له: اذهب بها إلى منزلك. وقال جرير بن حازم: كان عبيد الله بن أبي بكرة ينفق على جيرانه، ينفق على أربعين داراً عن يمينه، وأربعين عن يساره، وأربعين أمامه، وأربعين ورائه، سائر نفقاته، ويبعث إليهم بالتحف والكسوة ويزوج من أراد منهم التزويج، ويعتق في كل عيد مائة عبد. وروى قريش بن أنس أن محمد بن المهلب بن أبي صفرة وجه إلى

(5/478)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 479
عبيد الله بن أبي بكرة أنه أصابتني علة، فوصف لي لبن البقر، قال: فبعث إليه بسبعمائة بقرة ورعاتها. وروى المدائني، عن سلمة بن محارب وذكره الكلبي أنه يزيد بن مفرغ الحميري قدم على عبيد الله بن أبي بكرة بسجستان، فأمر له بخمسين ألفاً، فانصرف وهو يقول:
(يسائلني أهل العراق عن الندى .......... فقلت: عبيد الله حلف المكارم)

(فتى حاتمي في سجستان داره .......... وحسبك منه أن يكون كحاتم)

(سما لبناء المكرمات فنالها .......... بشدة ضرغام وبذل الدراهم)
وقال خليفة: توفي سنة تسع وسبعين بسجستان.
4 (عبيد الله بن قيس الرقيات القرشي)
العامري الحجازي، أحد الشعراء المجودين. مدح مصعب بن الزبير، وعبد الله بن جعفر، وكان مولده في أيام عمر. وهو القائل:
(خليلي ما بال المطايا كأنها .......... نراها على الأدبار بالقوم تنكص)

(5/479)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 480
الأبيات المشهورة. وقيل لأبيه: قيس الرقيات لأن له جدات عدة يسمين رقية.
4 (عبيد بن نضيلة أبو معاوية الخزاعي)
الكوفي المقريء، مقريء أهل الكوفة. سمع: المغيرة بن شعبة، ومسروقاً، وعبيد السلماني، وأرسل عن ابن مسعود، وقرأ القرآن على علقمة. قرأ عليه: حمران بن أعين، ويحيى بن وثاب، وروى عنه: إبراهيم النخعي، وأشعث بن سليم،) والحسن العرني. قيل: إنه توفي في ولاية بشر بن مروان العراق، وكان مقريء أهل الكوفة في زمانه، ويقال: قرأ على ابن مسعود، رواه يحيى بن آدم، عن الكسائي، عن أبي محمد الأنصاري، عن الأعمش قال: قرأت على يحيى بن وثاب، قلت: فيحيى على من قرأ قال: على عبيد بن نضيلة، وقرأ عبيد على ابن مسعود.
4 (عبيد بن عمير)
ابن قتادة أبو عاصم الليثي الجندعي المكي الواعظ المفسر.

(5/480)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 481
ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. وروى عن: عمر، وعلي، وأبي، وأبي ذر، وعائشة، وأبي موسى، وابن عباس، وأبيه عمير. روى عنه: ابنه عبد الله، وعطاء بن أبي رباح، وابن أبي مليكة، وعمرو بن دينار، وعبد العزيز بن رفيع، وأبو الزبير، وطائفة سواهم. وكان ابن عمر رضي الله عنهما يحضر مجلسه، وكان ثقة إماماً. قال حماد بن سلمة، عن ثابت قال: أول من قص عبيد بن عمير على عهد عمر بن الخطاب. وقال أبو بكر بن عياش، عن عبد الملك، عن عطاء قال: دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة، فقالت له: خفف فإن الذكر ثقيل، تعني إذا وعظت. وقال عبد الواحد بن أيمن: رأيت عبيد بن عمير له جمة إلى قفاه، ولحيته صفراء.

(5/481)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 482
توفي قبل وفاة ابن عمر بيسير، وقيل: توفي سنة أربع وستين.
4 (عبيدة بن عمرو السلماني)
المرادي، من سلمان بن ناجية بن مراد. كان أحد الفقهاء الكبار بالكوفة. أسلم زمن الفتح، ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذ عن: علي، وابن مسعود. روى عنه: إبراهيم النخعي، والشعبي، ومحمد بن سيرين، وعبد الله بن سلمة المرادي، وأبو حسان مسلم الأعرج، وأبو إسحاق السبيعي، وآخرون. قال الشعبي: كان عبيدة يوازي شريحاً في القضاء. وقال أحمد العجلي: كان عبيدة أعور، وكان أحد أصحاب ابن مسعود الذين يفتون ويقرئون.

(5/482)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 483
وقال ابن سيرين: ما رأيت رجلاً كان أشد توقياً من عبيدة.) وكان ابن سيرين مكثراً عن عبيدة. هشام، عن ابن سيرين: سمعت عبيدة يقول: أسلمت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين، وصليت ولم ألقه. هشام بن حسان، عن محمد، عن عبيدة قال: اختلف الناس في الأشربة، فما لي شراب منذ ثلاثين سنة إلا العسل واللبن والماء. هشام بن حسان، عن محمد: قلت لعبيدة: إن عندنا من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من قبل أنس، فقال: لأن يكون عندي منه شعرة أحب إلي من كل صفراء وبيضاء على ظهر الأرض. توفي على الصحيح سنة اثنتين وسبعين. قال أبو أحمد الحاكم: كنيته أبو مسلم، وأبو عمرو.
4 (العرباض بن سارية)
أبو نجيح السلمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد أصحاب الصفة التي

(5/483)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 484
بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن البكائين الذين نزل فيهم ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم الآية. سكن حمص. روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي عبيدة. روى عنه: جبير بن نفير، وأبو رهم السماعي، وعبد الرحمن بن عمرو السلمي، ويحيى بن أبي المطاع، وخالد بن معدان، والمهاجر بن حبيب، وحجر بن حجر، وحبيب بن عبيد، وآخرون. قال ابن وهب: ثنا سعيد بن أيوب، عن سعد بن إبراهيم، عن عروة بن رويم، عن العرباض بن سارية، وكان يحب أن يقبض، فكان يدعو: اللهم كبرت سني ووهن عظمي، فاقبضني إليك، قال: فبينا أنا يوماً في مسجد دمشق أصلي وأدعو أن أقبض إذا أنا بفتى شاب من أجمل الناس، وعليه دواج أخضر، فقال: ما هذا الذي تدعو به قال: فقلت: كيف أدعو يا بن أخي قال: قل: اللهم حسن العمل وبلغ الأجل، فقلت: من أنت يرحمك الله قال: أنا رتباييل الذي يسل الحزن من صدور المؤمنين، ثم التفت فلم أر أحداً.) وقال إسماعيل بن عياش، عن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد قال: قال عتبة بن عبد السلمي: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه رجل وله اسم لا يحبه غيره، ولقد أتيناه وإنا لسبعة من بني سليم، أكبرنا العرباض بن سارية، فبايعناه. وقال إسماعيل بن عياش: ثنا أبو بكر بن عبد الله بن حبيب بن عبيد، عن العرباض بن سارية قال: لولا أن يقال: فعل أبو نجيح لألحقت مالي

(5/484)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 485
سبله، ثم لحقت وادياً من أودية لبنان، فعبدت الله حتى أموت. وقال النضر بن شميل: ثنا شعبة، عن أبي الفيض: سمعت عمر أبا حفص الحمصي قال: أعطى معاوية المقدام حماراً من المغنم، فقال له العرباض بن سارية: ما كان لك أن تأخذه، وما كان له أن يعطيك، كأني بك في النار تحمله على عنقك، فرده. قال أبو مسهر، وغيره: توفي سنة خمس وسبعين.
4 (عطية بن بسر المازني)
أخو عبد الله، ولها صحبة. ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليهما فقدما له تمراً وزبداً، وكان يحب الزبد. قال صدقة، عن ابن جابر، عن سليم بن عامر، عن ابني بسر ولم يسمهما.
4 (عطية السعدي ابن عروة،)
ويقال: ابن سعد، ويقال: ابن

(5/485)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 486
عمرو بن عروة بن القين. له صحبة ورواية، ونزل البلقاء بالشام، وله ذرية بالبلقاء. روى عنه: ابنه محمد أبو عروة، وربيعة بن يزيد، وإسماعيل ابن أبي المهاجر، وعطية بن قيس. قال معمر، عن سماك بن الفضل، عن عروة بن محمد بن عطية، عن أبيه، عن جده، سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اليد المعطية خير من اليد السفلى.
4 (عقبة بن صهبان الأزدي البصري.)
روى عن: عثمان، وعائشة، وعياض بن عمار، وغيرهم. روى عنه: الصلت بن دينار، وقتادة، وعلي بن زيد بن جدعان. قال ابن سعد: توفي في أول ولاية الحجاج على العراق، قال: وكان ثقة.)
4 (علقمة بن وقاص الليثي العتواري المدني.)
جد محمد بن

(5/486)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 487
عمرو بن علقمة. سمع: عمر، وعائشة، وابن عباس. روى عنه: ابناه عمرو، وعبد الله، ومحمد بن إبراهيم التيمي والزهري، وابن أبي مليكة. وثقه ابن سعد، وكان قليل الرواية.
4 (عمارة بن رؤيبة الثقفي.)
صحابي معروف، نزل الكوفة، كنيته أبو زهيرة. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن علي. روى عنه: ابنه أبو بكر بن عمارة، وأبو إسحاق السبيعي، وعبد الملك بن عمير، وحصين بن عبد الرحمن. وهو الذي رأى بشر بن مروان يخطب رافعاً يديه، فقال: قبح الله هاتين

(5/487)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 488
اليدين، وكان ذلك في سنة ثلاث أو أربع وسبعين.
4 (عمر بن أبي سلمة)
ابن عبد الأسد بن هلال، أبو حفص المخزومي المدني، ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولد بأرض الحبشة في السنة الثانية من الهجرة، على ما قال ابن عبد البر، وهو خطأ، وذلك لأن مولده قبل. وعن ابن الزبير قال: هو أكبر مني بسنتين. قلت: لما توفي والده أبو سلمة في سنة ثلاث كان له أربعة أولاد: عمر، وهو الأكبر فيما أرى، وسلمة، وزينب، ودرة، وقد تزوج عمر، واستفتى النبي صلى الله عليه وسلم عن القبلة للصائم، وقد تزوج نبي الله بأمه أم سلمة سنة أربع، وورد أنه هو الذي زوج أمه، وأنه كان صبياً مميزاً.

(5/488)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 489
وكان يوم الخندق في أطم حسان بن ثابت مع النساء، فكان يحمل ابن الزبير لينظر، فهذه الأشياء تدل على أن مولده قبل عام الهجرة ولا بد. وكان عند أمه أم سلمة، وعلمه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا بني سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك.) وروى عن أمه. روى عنه: عروة، وابن المسيب، ووهب بن كيسان، وقدامة بن إبراهيم، وثابت البناني، وأبو وجزة السعدي يزيد بن عبيد، وابنه محمد بن عمر، وغيرهم. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه من الرضاع. قال ابن سعد: توفي في خلافة عبد الملك. ثم رأيت ابن الأثير قد ورخ موته سنة ثلاث وثمانين، فيؤخر.
4 (عمرو بن أخطب أبو زيد الأنصاري)
الخزرجي الأعرج.

(5/489)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 490
غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة غزوة ومسح رأسه وقال: اللهم جمله فبلغ مائة سنة، ولم يبيض من شعره إلا اليسير. نزل البصرة وله بها مسجد. روى عن: النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث. روى عنه: ابنه بشير، ويزيد الرشك، وعلباء بن أحمر، وأنس بن سيرين، وأبو قلابة الجرمي، وجماعة.
4 (عمرو بن الأسود)
ويقال عمير بن الأسود، أبو عياض العنسي الحمصي، ويقال: إنه سكن داريا، وقيل: كنيته أبو عبد الرحمن، من كبار تابعي الشام. روى عن: عمر، وابن مسعود، وأبي الدرداء، وعبادة بن الصامت، وأم حرام بنت ملحان، وغيرهم.

(5/490)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 491
روى عنه: مجاهد، وخالد بن معدان، وأبو راشد الحبراني، ويوسف بن سيف. قال أبو زرعة الدمشقي، وأبو الحسن بن سميع: عمرو بن الأسود هو عمير بن الأسود، يكنى أبا عياض. قلت وحديثه في صحيح البخاري في الجهاد: عمير بن الأسود. وقال أحمد في مسنده: ثنا أبو اليمان، ثنا أبو بكر بن أبي مريم، عن حمزة بن حبيب، وحكى ابن عمير قالا: قال عمر بن الخطاب: من سره أن ينظر إلى هدي رسول الله صلى الله عليه) وسلم فلينظر إلى هدي عمر بن الأسود، رواه محمد بن حرب، وغيره، عن أبي بكر بن أبي مريم، عن ضمرة فقط، عن عمرو بن الأسود أنه مر على عمر. وقال عبد الوهاب بن نجدة، ثنا بقية، عن أرطأة بن المنذر، حدثني زريق أبو عبد الله الألهاني، أن عمرو بن الأسود قدم المدينة، فرآه ابن عمر يصلي، فقال: من سره أن ينظر إلى أشبه الناس صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى هذا، ثم بعث إليه ابن عمر بقرى وعلف ونفقة. فقبل القرى والعلف ورد النفقة، فقال بن عمر: ظننت أنه سيفعل ذلك.

(5/491)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 492
أخبرنا أحمد بن إسحاق الأبرقوهي. أنا الفتح بن عبد الله، أنبأ أبو غالب محمد بن علي، ومحمد بن أحمد، ومحمد بن عمر القاضي قالوا: نا أبو جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة، أنا عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري، ثنا جعفر الفريابي، ثنا إبراهيم بن العلاء الحمصي، ثنا إسماعيل بن عياش، عن بحير بن سعيد، عن خالد بن معدان، عن عمرو بن الأسود العنسي أنه كان إذا خرج إلى المسجد قبض بيمينه على شماله، فسأل عن ذلك، فقال: مخافة أن تنافق يدي. قلت: لئلا يخطر بها في مشيته. وقال إسماعيل بن عياش: حدثني شرحبيل، عن عمرو بن الأسود أنه كان يدع كثيراً من الشبع مخافة الأشر.
4 (عمرو بن حريث القرشي)
المخزومي، له صحبة.

(5/492)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 493
قال خليفة: توفي سنة ثمان وسبعين بالكوفة. قلت: والصحيح أنه توفي سنة خمس وثمانين.
4 (عمرو بن عتبة)
ابن فرقد السلمي الكوفي الزاهد. عن: عبد الله بن مسعود، وسبيعة الأسلمية. وعنه: الشعبي، وحوط بن رافع العبدي، وعبد الله بن ربيعة، وعيسى بن عمر الهمداني، لكن لك يدركه. قال علي بن صالح بن حي: كان عمرو بن عتبة يرعى ركاب أصحابه وغمامة تظله، وكان يصلي والسبع يضرب بذنبه يحميه.) وقال الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن عبد الله بن ربيعة قال: قال

(5/493)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 494
عتبة بن فرقد: يا عبد الله ألا تعينني على ابني فقال عبد الله: يا عمرو، أطع أباك. فقال: يا أبه، إنما أنا رجل أعمل في فكاك رقبتي فدعني، فبكى أبوه ثم قال: يا بني إني لأحبك حبين، حباً لله، وحب الوالد لولده، قال: يا أبه إنك كنت أتيتني بمال بلغ سبعين ألفاً، فإن أذنت لي أمضيته. قال: قد أذنت لك، فأمضاه حتى ما بقي منه درهم. وعن أحمد بن يونس اليربوعي، عمن حدثه قال: قام عمرو بن عتبة يصلي، فقرأ حتى بلغ وأنذرهم يوم الآزفة الآية. فبكى حتى انقطع، ثم قعد، فعل ذلك حتى أصبح. ويروى أن حنشاً جاءه في الصلاة، فالتف على رجله، فلم يترك صلاته. وروى عبد الله بن المبارك عن عيسى بن عمر قال: كان عمرو بن عتبة بن فرقد يخرج على فرسه ليلاً، فيقف على القبور، فيقول: يا أهل القبور قد طويت الصحف، وقد رفعت الأعمال، ثم يبكي ويصف قدميه حتى يصبح فيرجع فيشهد صلاة الصبح. رواها النسائي عن سويد بن نصر، عن ابن المبارك في السنن، وعيسى لم يدرك عمراً.

(5/494)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 495
وعن بعض التابعين قال: كان عمرو بن عتبة يفطر على رغيف ويتسحر برغيف. وقال فضيل، عن الأعمش قال: قال عمرو بن عتبة بن فرقد: سألت الله ثلاثاً فأعطاني اثنتين وأنا أنتظر الثالثة: سألته أن يزهدني في الدنيا فما أبالي ما أقبل وما أدبر، وسألته أن يقويني على الصلاة فرزقني منها، وسألته الشهادة، فأنا أرجوها. وقال إبراهيم النخعي، عن علقمة قال: خرجنا ومعنا مسروق، وعمرو بن عتبة، ومعضد العجلي غازين، فلما بلغنا ماسبذان، وأميرها عتبة بن فرقد، فقال لنا ابنه عمرو: إنكم إن نزلتم عليه صنع لكم نزلاً، ولعل أن تظلموا فيه أحداً، ولكن إن شئتم قلنا في ظل هذه الشجرة وأكلنا من كسرنا، ثم رحنا، ففعلنا، فلما قدمنا الأرض قطع عمرو بن عتبة جبة بيضاء فلبسها فقال: والله إن تحدر الدم على هذه لحسن، فرمى، فرأيت الدم ينحدر على المكان الذي وضع يده عليه، فمات رحمه الله. وقال هشام الدستوائي: لما توفي عمرو بن عتبة دخل بعض أصحابه على أخته، فقال: أخبرينا عنه، فقالت: قام ذات ليلة فاستفتح سورة حم فلما بلغ هذه الآية وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين فما جاوزها حتى أصبح.) له حديث واحد عند ابن ماجه، وحكاية عند النسائي، وهو في طبقة

(5/495)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 496
أبي وائل، وشريح، وعلقمة، ومسروق، والقدماء من حيث الوفاة. أما أبو عتبة بن فرقد فمن أشراف بني سليم، شهد فتح خيبر فيما قيل، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم، وولي إمرة الموصل لعمر بن الخطاب، وله بها مسجد معروف ودار، ولا أعلم لعتبة رواية.
4 (عمرو بن عثمان بن عفان بن أبي العاص)
بن أمية القرشي الأموي. روى عن: أبيه، وأسامة بن زيد، وهو قليل الحديث. روى عنه: علي بن الحسين، وسعيد بن المسيب، وأبو الزناد. توفي في حدود الثمانين، وكان زوج رملة بنت معاوية.
4 (عمرو بن ميمون)
الأودي المذحجي أبو عبد الله.

(5/496)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 497
أدرك الجاهلية، ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، وقدم الشام مع معاذ بن جبل، ثم نزل الكوفة. وروى عن: عمر، وعلي، ومعاذ، وابن مسعود، وأبي أيوب، وأبي هريرة، وجماعة. روى عنه: أبو إسحاق، والشعبي، وعبدة بن أبي لبابة، ومحمد بن سوقة، وحصين بن عبد الرحمن، وآخرون. ووثقه ابن معين. قال أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن معاذ قال: كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له عفير. وفي المسند: ثنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي، عن حسان بن عطية، حدثني عبد الرحمن بن سابط، عن عمرو بن ميمون الأودي قال: قدم

(5/497)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 498
علينا معاذ اليمن رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشحر، رافعاً صوته بالتكبير، أجش الصوت، فألقيت عليه محبتي، فما فارقته حتى حثوت عليه التراب، ثم نظرت إلى أفقه الناس بعده، فأتيت ابن مسعود، وذكر الحديث. وقال عمرو بن ميمون: رأيت قردة في الجاهلية اجتمع عليها قردة فرجموها، فرجمتها معهم.) رواه البخاري. وقال أبو إسحاق: حج عمرو بن ميمون ستين ما بين حجة وعمرة. وقال منصور، عن إبراهيم قال: لما كبر عمرو بن ميمون أوتد له في الحائط، وكان إذا سئم من القيام أمسك به، أو يربط حبلاً فيتعلق به. وقال يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه قال: كان عمرو بن ميمون إذا رؤي ذكر الله تعالى. وقال عاصم بن كليب: رأيت عمرو بن ميمون، وسويد بن غفلة التقيا، فاعتنق كل واحد منهما صاحبه. قال أبو نعيم: توفي سنة أربع وسبعين. وقال الفلاس: سنة خمس وسبعين.

(5/498)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 499
4 (عمير بن جرموز المجاشعي)
قاتل حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، قتله تقرباً بذلك إلى علي، وقال لما جاء يستأذن عليه بشر قاتل الزبير بالنار، فندم وسقط في يده، وبقي كالبعير الأجرب، كل يتجنبه ويهول عليه ما صنع، ورأى منامات مزعجة. ولما ولي مصعب بن الزبير إمرة العراق خافه ابن جرموز، ثم جاء بنفسه إلى مصعب وقال: أقدني بالزبير، فكاتب أخاه ابن الزبير في ذلك، فكتب إلى مصعب: أنا أقتل ابن جرموز بالزبير ولا بشسع نعله أقتل أعرابياً بالزبير، خل سبيله، فتركه، فكره الحياة لذنبه، وأتى بعض السواد، وهنالك قصر عليه زج فأمر إنساناً أن يطرحه عليه، فطرحه عليه فقتله.
4 (عمير بن ضابيء البرجمي)
من أعيان أهل الكوفة. اتهمه الحجاج بأنه من قتلة عثمان، فقتله بذلك أول ما دخل أميراً على الكوفة في سنة خمس.

(5/499)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 500
4 (عمير بن أبي اللحم)
له صحبة، شهد خيبر مع مولاه، وحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم. روى عنه: محمد بن إبراهيم التيمي، ويزيد بن أبي عبيد، ويزيد ابن عبد الله بن الهاد، ومحمد بن زيد بن المهاجر، عداده في أهل المدينة.
4 (عميرة بن سعد الشبامي الهمداني.)
) سمع علياً. وعنه: طلحة بن مصرف، وعرار بن سويد. يكنى أبا السكن.

(5/500)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 501
4 (عوف بن مالك)
الأشجعي الغطفاني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. شهد الفتح، وله أحاديث. وعنه: أبو هريرة، وأبو مسلم الخولاني، وجبير بن نفير، وكثير بن مرة، وأبو إدريس الخولاني، والشعبي، وراشد بن سعد، ويزيد بن الأصم، وسالم أبو النضر، وشداد أبو عمار، وسليم بن عامر، وآخرون. وشهد غزوة مؤتة. قال عاصم بن علي: نا المسعودي، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن عوف بن مالك الأشجعي قال: رأيت كأن سيفاً من السماء تدلى، وأن الناس تطاولوا، وأن عمر فضلهم بثلاثة أذرع. قلت: وما ذاك قال: لأنه خليفة من خلفاء الله، ولا يخاف في الله لومة لائم، وأنه يقتل شهيداً قال: فقصصتها على الصديق، فطلب عمر، فلما جاء قال: يا عوف قصها عليه،

(5/501)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 502
فلما أبنت له أنه خليفة من خلفاء الله قال: أكل هذا يرى النائم. فلما ولي عمر رآني بالجابية وهو يخطب، فدعاني فأجلسني، فلما فرغ من الخطبة قال: قص علي رؤياك فقلت له: ألست قد جبهتني عنها قال: خدعتك أيها الرجل. فلما قصصتها عليه قال: أما الخلافة فقد أوتيت ما ترى، وأما أن لا أخاف في الله لومة لائم، فإني أرجو أن يكون الله قد علم مني ذلك، وأما أن أقتل فأنى لي بالشهادة وأنا في جزيرة العرب. ولقد رأيت مع ذلك كأن ديكاً ينقر سرتي، وما أمتنع عنه بشيء. وقال ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي مسلم الخولاني قال: قال: حدثني الحبيب الأمين أما هو إلي فحبيب، وأما هو عندي فأمين عوف بن مالك الأشجعي قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة أن ثمانية أو تسعة فقال: ألا تبايعون رسول الله فرددها ثلاثاً، فقدمنا أيدينا فبايعناه، وذكر الحديث. وقال عمارة بن زاذان: ثنا ثابت عن أنس قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عوف بن مالك والصعب بن جثامة.) وقال الواقدي: كانت راية أشجع يوم الفتح مع عوف بن مالك.

(5/502)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 503
وقال يزيد بن زريع: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي المليح، عن عوف قال: عرس بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتوسد كل إنسان منا ذراع راحلته، فانتبهت في بعض الليل، فإذا أنا لا أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند راحلته، فأفزعني ذلك، فانطلقت ألتمسه، فإذا أنا بمعاذ وأبي موسى، وإذا هما قد أفزعهما ما أفزعني، فبينا نحن كذلك إذ سمعنا هزيزاً على أعلى الوادي كهزيز الرحى. قال: فأخبرناه بما كان من أمرنا، فقال: أتاني الليلة آت من ربي عز وجل فخيرني بين الشفاعة، وبين أن يدخل نصف أمتي الجنة، فاخترت الشفاعة، فقلت: أنشدك الله يا نبي الله والصحبة لما جعلتنا من أهل شفاعتك، قال: فإنكم من أهل شفاعتي، قال: فانتهينا إلى الناس، فإذا هم قد فزعوا حين فقدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال هلال بن العلاء: ثنا حسين بن عياش، ثنا جعفر بن برقان، ثنا ثابت بن الحجاج قال: شتونا في حصن دون القسطنطينية، وعلينا عوف بن مالك الأشجعي، فأدركنا رمضان ونحن في الحصن، فقال عوف: قال عمر: صيام يوم ليس من رمضان، وإطعام مسكين يعدل صيام يوم من رمضان، ثم جمع بين إصبعيه. قال ثابت: هو تطوع، من شاء صامه ومن شاء تركه، يعني الإطعام. وروى جبير بن نفير قال: قال عوف بن مالك: ما من ذنب إلا وأنا أعرف توبته، قيل: يا أبا عبد الرحمن وما توبته قال: أن تتركه ثم لا تعود إليه. قلت: وقيل إن كنيته أبو محمد، وقيل أبو حماد، وقيل أبو عمرو، وقيل أبو عبد الله.

(5/503)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 504
قال الواقدي وخليفة: توفي سنة ثلاث وسبعين، وتوفي بالشام. قاله أبو عبيد.
4 (عياض بن عمرو الأشعري)
سمع: أبا عبيدة، وخالد بن الوليد، وعياض بن غنم الفهري، وجماعة. روى عنه: الشعبي، وسماك بن حرب، وحصين بن عبد الرحمن. وأحسبه نزل الكوفة. قال الشعبي: مر عياض بن عمرو الأشعري في يوم عيد فقال: مالي لا أراهم يقلسون فإنه من السنة. قال هشيم: التقليس الضرب بالدف.) وقال أحمد في مسنده: ثنا غندر نا شعبة، عن سماك: سمعت عياضاً الأشعري قال: شهدت اليرموك وعلينا خمسة أمراء: خالد بن الوليد،

(5/504)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 505
وأبو عبيدة بن الجراح، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وعياض هو ابن غنم، وقال عمر: إذا كان قتال فعليكم أبو عبيدة، قال: فكتبنا إليه: إنه قد جاش إلينا الموت، فاستمددناه، فكتب إلينا، إنه قد جاءني كتابكم تستمدوني، وأنا أدلكم على من هو أعز نصراً وأحصن جنداً: الله تبارك وتعالى فأشهدوه، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم قد نصر يوم بدر في أقل من عدتكم، قال: فقاتلناهم فهزمناهم وقتلناهم أربع فراسخ، وأصبنا أموالاً، قال: فتشاوروا، فأشار علينا عياض أن نعطى عن كل رأس عشرة، قال: وقال أبو عبيدة: من يسابقني فقال له شاب: أنا إن لم تغضب، قال: فسبقه: فرأيت عقيصتي أبي عبيدة تنقزان وهو خلفه على فرس عربي.

(5/505)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 506
4 (حرف الغين)

4 (غضيف بن الحارث)
ابن زنيم، أبو أسماء السكوني. مختلف في صحبته. روى عن: عمر، وأبي عبيدة، وأبي ذر، وبلال، وأبي الدرداء. روى عنه: ابنه عبد الرحمن، وعبد الرحمن بن عائذ اليماني، وحبيب بن عبيد، ومكحول، وعبادة بن نسي، وسليم بن عامر، وشرحبيل بن مسلم، وأبو راشد الحبراني، وجماعة. وسكن حمص. فروى العلاء بن يزيد الثمالي: ثنا عيسى بن أبي رزين الثمالي: سمعت غضيف بن الحارث قال: كنت صبياً أرمي نخل الأنصار، فأتوا بي

(5/506)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 507
النبي صلى الله عليه وسلم، فمسح برأسي وقال: كل ما سقط ولا ترم نخلهم. رواه خيثمة الأطرابلسي، عن سليمان بن عبد الحميد قال: سمعت العلاء فذكره، فإن صح هذا الحديث فهو صحابي. ويقويه ما روى معن، عن معاوية، بن صالح، عن يونس بن سيف، عن غضيف بن الحارث الكندي أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم واضعاً يده اليمنى على اليسرى في الصلاة. وقال يونس المؤدب: ثنا حماد عن برد أبي العلاء، عن عبادة بن نسي، عن غضيف بن الحارث أنه مر بعمر بن الخطاب فقال: نعم الفتى غضيف. فلقيت أبا ذر بعد ذلك، فقال: أي) أخي استغفر لي، قلت: أنت صاحب رسول اله صلى الله عليه وسلم، وأنت أحق أن تستغفر لي، قال: إني سمعت عمر، يقول: نعم الفتى غضيف، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ضرب الحق على لسان عمر وقلبه. وروى نحوه مكحول، عن غضيف. قال ابن سعد: غضيف بن الحارث الكندي ثقة، في الطبقة الأولى من تابعي أهل الشام. وقال ابن أبي حاتم: له صحبة، وقيل فيه الحارث بن غضيف، وقال أبي، وأبو زرعة: الصحيح أنه غضيف بن الحارث له صحبة. وقال أبو الحسن بن سميع: غضيف بن الحارث الثمالي من الأزد، حمصي. وقال أبو اليمان، عن صفوان بن عمرو: إن غضيف بن الحارث كان

(5/507)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 508
يتولى لهم صلاة الجمعة بحمص إذا غاب خالد بن يزيد. وقال بقية، عن أبي بكر بن عبد الله، عن حبيب بن عبيد، عن غضيف قال: بعث إلي عبد الملك بن مروان فقال: يا أبا أسماء، قد جمعنا الناس على أمرين، رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة، والقصص بعد الصبح والعصر، قال غضيف: أما إنها أمثل بدعتكم عندي، ولست مجيبك إلى شيء منهما، قال: لم قلت: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة. فتمسك بسنة خير من إحداث بدعة. رواه أحمد في المسند.

(5/508)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 509
4 (حرف الفاء)

4 (فروة بن نوفل الأشجعي الكوفي.)
لأبيه صحبة. سمع: أباه، وعلياً، وعائشة. روى عنه: هلال بن يساف، ونصر بن عاصم الليثي، وأبو إسحاق السبيعي. وروى أبو إسحاق أيضاً، عن رجل، عنه.

(5/509)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 510
4 (حرف القاف)

4 (قرط بن خيثمة البصري)
عن: علي بن أبي طالب، وأبي موسى. وعنه: مسلم بن مخراق، وأبو الأسود، وطلق بن خساف، وداوود بن نفيع.) قاله ابن أبي حاتم عن أبيه.
4 (قطري بن الفجاءة)
واسم أبيه جعونة بن مازن بن يزيد التميمي المازني، أبو نعامة، رأس

(5/510)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 511
الخوارج في زمانه. كان أحد الأبطال المذكورين، خرج في خلافة ابن الزبير، وبقي يقاتل المسلمين، ويستظهر عليهم بضع عشرة سنة، وسلم عليه بإمرة المؤمنين، وقد جهز إليه الحجاج جيشاً بعد جيش، وهو يستظهر عليهم ويكسرهم، وتغلب على نواحي فارس وغيرها، ووقائعه مشهورة. وقيل لأبيه الفجاءة لأنه قدم على أهله من سفر فجاءة. ولقطري، وكان من البلغاء:
(أقول لها وقد طارت شعاعاً .......... من الأبطال ويحك تراعي)

(فإنك لو سألت بقاء يوم .......... على الأجل الذي لك لم تطاعي)

(فصبراً في مجال الموت صبراً .......... فما نيل الخلود بمستطاع)

(ولا ثوب الحياة بثوب عز .......... فيطوي عن أخي الخنع اليراع)

(سبيل الموت غاية كل حي .......... وداعيه لأهل الأرض داع)

(ومن لم يعتبط يسأم ويهرم .......... وتسلمه المنون إلى انقطاع)

(وما للمرء خير في حياة .......... إذا ما عد من سقط المتاع

(5/511)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 512
) .......... في سنة تسع وسبعين اندقت عنقه، إذ عثرت به فرسه كما تقدم، وقيل: بل قتل.

(5/512)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 513
4 (حرف الكاف)

4 (كثير بن الصلت بن معديكرب)
الكندي المدني أخو الزبير. قدم المدينة في خلافة الصديق وروى عنه، وعن: عمر، وعثمان، وزيد بن ثابت. روى عنه: يونس بن جبير، وأبو علقمة مولى ابن عوف. روى أبو عوانة في مسنده من حديث نافع، عن ابن عمر: أن كثير بن الصلت كان اسمه قليلاً، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً. وخالفه سليمان بن بلال، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، فجعل الذي غير اسم كثير بن الصلت عمر رضي الله عنه.) وقال ابن سعد: كان له شرف وحال جميلة، وله دار بالمدينة كبيرة بالمصلى.

(5/513)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 514
وقال أحمد العجلي: تابعي ثقة. وقال غيره: كان كاتباً لعبد الملك بن مروان على الرسائل.
4 (كثير بن مرة)
أبو شجرة، ويقال: أبو القاسم الحضرمي الحمصي. سمع: عمر، وروى عن: معاذ بن جبل، ونعيم بن همار، وعمرو بن عبسة، وتميم الداري، وعبادة بن الصامت، وعوف بن مالك، وجماعة. روى عنه: مكحول، وخالد بن معدان، ويزيد بن أبي حبيب، وعمرو بن جابر المصريان، وأبو الزاهرية حدير بن كريب، وعبد الرحمن بن جبير بن نفير، وسليم بن عامر. ويقال إنه أدرك سبعين بدرياً. قاله يزيد بن أبي حبيب. وشهد الجابية مع عمر. روى نصر بن علقمة، عن أخيه محفوظ: عن ابن عائذ قال: قال كثير بن مرة لمعاذ ونحن بالجابية: من المؤمنون قال معاذ: أمبرسم ! والكعبة

(5/514)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 515
إن كنت لأظنك أفقه مما أنت، هم الذين أسلموا وصاموا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة. قال أبو مسهر: أدرك كثير بن مرة عبد الملك، يعني وفاة عبد الملك. قاله البخاري. قلت: فيؤخر إلى الطبقة التاسعة.
4 (كريب بن أبرهة)
ابن مرثد أبو رشدين الأصبحي المصري، الأمير، أحد الأشراف. روى عن: أبي الدرداء، وحذيفة، وكعب الأحبار. قال يزيد بن أبي حبيب: إن عبد العزيز بن مروان قال لكريب بن أبرهة: أشهدت خطبة عمر بالجابية قال: حضرتها وأنا غلام أسمع ولا أدري ما يقول. وقال ابن يونس: كريب شهد فتح مصر، وأدركت قصره بالجيزة، هدمه ذكاء الأعور، وبنى عوضه قيسارية ذكاء يباع فيها البز، قال: وولي كريب الإسكندرية لعبد العزيز بن مروان أمير مصر، وتوفي سنة خمس وسبعين.) وقال أحمد العجلي: هو ثقة من كبار التابعين.

(5/515)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 516
قلت: روى عنه: ثوبان بن شهر، وسليم بن عتر، وأبو سليط شعبة، والهيثم بن خالد التجيبي، ووفد على معاوية. وعن يعقوب بن عبد الله بن الأشج قال: رأيت كريب بن أبرهة يخرج من عنده عبد العزيز، فيمشي تحت ركابه خمسمائة من حمير.
4 (كميل بن زياد النخعي شريف مطاع)
من كبار شيعة علي رضي الله عنه. روى عن: عثمان، وعلي، وابن مسعود. قتله الحجاج. روى عنه: أبو إسحاق، وعبد الرحمن بن عائش، والأعمش، وجماعة. وثقه ابن معين.

(5/516)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 517
4 (حرف اللام)

4 (ليلى الأخيلية)
الشاعرة المشهورة. كانت من أشعر النساء، لا يقدم عليها في الشعر غير الخنساء. وقيل: إن النابغة الجعدي هجاها فقال:
(وكيف أهاجي شاعراً رمحه استه .......... خضيب البنان لا يزال مكحلا)
فأجابته:

(5/517)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 518
(أعيرتني داء بأمك مثله .......... وأي حصان لا يقال لها هلا)
ودخلت على عبد الملك بن مروان وقد أسنت، فقال لها: ما رأى توبة منك حتى عشقك قالت: ما رأى الناس منك حتى جعلوك خليفة، فضحك وأعجبه. ويقال: إنه قال لها: هل كان بينكما سوء قط قالت: لا والذي ذهب بنفسه، إلا أنه غمز يدي مرة. وقال أبو الحسن المدائني، عمن حدثه، عن مولى لعنبسة بن سعيد بن العاص قال: دخلت يوماً على الحجاج، فأدخلت إليه امرأة، فطأطأ رأسه، فجلست بين يديه فإذا امرأة قد أسنت، حسنة الخلق، ومعها جاريتان لها، فإذا هي ليلى الأخيلية، فقال: يا ليلى، ما أتى بك قالت: إخلاف) النجوم، وقلة الغيوم، وكلب البرد، وشدة الجهد، وكنت لنا بعد الله الرفد، والناس مستنون، ورحمة الله يرجون، وإني قد قلت في الأمير قولاً، قال: هاتي، فأنشأت تقول:
(أحجاج لا يفلل سلاحك إنما ال .......... منايا بكف الله حيث يراها)

(إذا هبط الحجاج أرضاً مريضة .......... تتبع أقصى دائها فشفاها)

(شفاها من الداء العضال الذي بها .......... غلام إذا هز القناة سقاها)

(إذا سمع الحجاج رزء كتيبة .......... أعد لها قبل النزول قراها)
ثم ذكر باقي القصة بطولها وأن الحجاج وصلها بمائة ناقة، وقال

(5/518)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 519
لجلسائه: هذه ليلى الأخيلية التي مات توبة الخفاجي من حبها، أنشدينا بعض ما قال فيك، قالت: نعم، قال في:
(وهل تبكي ليلى إذا مت قبلها .......... وقام على قبري النساء النوائح)

(كما لو أصاب ليلى الموت بكيتها .......... وجاد لها دمع من العين سافح)

(وأغبط من ليلى بما لا أناله .......... ألا كلما قرت به العين صالح)

(ولو أن ليلى الأخيلية سلمت .......... علي ودوني جندل وصفائح)

(لسلمت تسليم البشاشة أو زقا .......... إليها صدي من جانب القبر صائح)
قال الحجاج: فهل رابك منه شيء قالت: لا والذي أسأله أن يصلحك، غير أنه قال لي مرة، ظننت أنه قد خضع لأمر، فأنشأت أقول:
(وذي حاجة قلنا له لا تبح بها .......... فليس إليها ما حييت سبيل)

(لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه .......... وأنت لأخرى فارغ وخليل)

4 (لمازة بن زبار)
أبو لبيد الجهضمي البصري.

(5/519)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 520
روى عن: عمر وعلي، وأبي موسى الأشعري، وغيرهم. وعنه: الربيع بن سليم، والزبير بن الخريت، ويعلى بن حكيم، ومطر بن جمران، وطالب بن السميدع. ووفد على يزيد. قال ابن سعد: سمع من علي وله أحاديث صالحة، وكان ثقة. وقال أحمد: أبو لبيد صالح الحديث.) سيعاد.

(5/520)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 521
4 (حرف الميم)

4 (مالك بن أبي عامر الأصبحي المدني،)
جد مالك بن أنس. روى عن: عمر، وعثمان، وطلحة بن عبيد الله، وعائشة، وأبي هريرة، وكعب الحبر. روى عنه: ابناه أنس، وأبو سهل نافع، وسالم أبو النضر، ومحمد بن إبراهيم التيمي، وسليمان بن يسار، وغيرهم. وكان ثقة فاضلاً. توفي سنة أربع وسبعين.
4 (مالك بن مسمع أبو غسان الربعي البصري.)

(5/521)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 522
كان سيد ربيعة في زمانه، وكان رئيساً حليماً، يذكر في نظراء الأحنف بن قيس في الشرف. ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وله وفادة على معاوية. قال خليفة: مات سنة ثلاث وسبعين.
4 (محمد بن إياس بن البكير.)
عن: أبي هريرة، وعبد الله بن عمرو. وعنه: أبو سلمة بن عبد الرحمن، ونافع مولى ابن عمر، ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، وغيرهم.
4 (محمد بن حاطب بن الحارث القرشي)
الجمحي، أخو

(5/522)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 523
الحارث بن حاطب. له صحبة، وحديثان، واحد في الضرب بالدف في النكاح. وروى عن: علي أيضاً. روى عنه: بنوه الحارث، وعمر، وإبراهيم، وحفيده عثمان بن إبراهيم بن محمد، وسعد بن إبراهيم الزهري، وسماك بن حرب، وأبو بلج، يحيى بن سليم، وهو رضيع عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. وقيل: هو أول من سمي في الإسلام محمداً.) ولد بمكة، وقيل: ولد بالحبشة. وفي الصحابة محمد بن مسلمة كبير مشهور لكنه سمي محمداً قبل الإسلام. توفي ابن حاطب هذا في سنة أربع وسبعين.
4 (مسروح بن سندر الجذامي،)
مولى روح بن زنباع، كنيته أبو الأسود. قدم مصر بعد فتحها بكتاب عمر. روى عنه: مرثد بن عبد الله اليزني، وربيعة بن لقيط. وهو قليل الحديث.

(5/523)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 524
4 (مصعب بن الزبير)
ابن العوام بن خويلد بن أسد، أبو عيسى، ويقال أبو عبد الله القرشي الأسدي المدني. حكى عن أبيه. روى عنه: الحكم بن عيينة. ووفد على معاوية، واستعمله أخوه على البصرة، وقتل المختار بن أبي عبيد، ثم عزله أخوه، واستعمله بعد ذلك على العراق، فأقام بها يقاوم عبد الملك بن مروان ويحاربه إلى أن قتل. وأمه الرباب بنت أنيف الكلبي.

(5/524)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 525
وكان يسمى آنية النحل من كرمه وجوده. وفيه يقول عبيد الله بن قيس الرقيات:
(إنما مصعب شهاب من الل .......... ه تجلت عن وجهه الظلماء)

(ملكه ملك عزة ليس فيه .......... جبروت منه ولا كبرياء)

(يتقي الله في الأمور وقد أف .......... لح من كان همه الإتقاء)
وفيه يقول أيضاً:
(لولا الإلة ولولا مصعب لكم .......... بالطف قد ضاعت الأحساب والذمم)

(أنت الذي جئتنا والدين مختلس .......... والحر معتبد والمال مقتسم)

(ففرج الله عمياها وأنقذنا .......... بسيف أروع من عرنينه شمم)

(مقلد بنجاد السيف فضله .......... فعل الملوك لا عيب ولا قرم)
)
(في حكم لقمان يهدي مع نقيبته .......... يرمي به الأعداء وينتقم)

(وبيته الشرف الأعلى سوابغها .......... في الدارعين إذا ما سألت الخدم)
قال مصعب الزبيري: ومصعب يكنى أبا عبد الله، ولم يكن له ولد اسمه عبد الله. وقال إسماعيل بن أبي خالد: ما رأيت أميراً قط أحسن من مصعب. وقال عمر بن أبي زائدة: قال الشعبي: ما رأيت أميراً قط على منبر أحسن من مصعب. وقال المدائني: كان مصعب يحسد على الجمال، فنظر يوماً وهو يخطب إلى أبي خيران الحماني، فصرف وجهه عنه، ثم دخل ابن جودان

(5/525)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 526
الجهضمي، فسكت وجلس، ودخل الحسن فنزل عن المنبر. وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه قال: اجتمع في الحجر عبد الله، ومصعب، وعروة بنو الزبير، وعبد الله بن عمر، فقالوا: تمنوا، فقال عبد الله بن الزبير: أما أنا فأتمنى الخلافة، وقال عروة: أما أنا فأتمن أن يؤخذ عني العلم، وقال مصعب: أما أنا فأتمنى إمرة العراق، والجمع بين عائشة بنت طلحة، وسكينة بنت الحسين، وقال ابن عمر: أما أنا فأتمنى المغفرة، فنالوا ما تمنوا، ولعل ابن عمر قد غفر له. قال خليفة: في سنة تسع وستين جمع ابن الزبير العراق لأخيه مصعب. وقال محمد بن عبد العزيز الزهري، عن أبيه قال: ما رأيت الملك بأحد قط أليط منه بمصعب بن الزبير. وقال علي بن زيد بن جدعان قال: بلغ مصعباً عن عريف الأنصار شيء فهم به، فدخل عليه أنس بن مالك فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: استوصوا بالأنصار خيراً، إقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم، فألقى مصعب نفسه عن السرير، وألزق خده بالبساط، وقال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرأس والعين، وتركه. رواه الإمام أحمد. وقال مصعب بن عبد الله: أهديت لمصعب نخلة من ذهب عثاكلها من صنوف الجواهر، فقومت بألفي ألف دينار، وكانت من متاع الفرس، فدفعها إلى عبد الله بن أبي فروة. وقال أبو عاصم النبيل: كان ابن الزبير إذا كتب للرجل بجائزة ألف درهم جعلها مصعب مائة ألف.)

(5/526)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 527
وسئل سالم بن عبد الله: أي ابني الزبير أشجع قال: كلاهما جاء الموت وهو ينظر إليه. وعن الكلبي قال: قال عبد الملك يوماً لجلسائه: من أشجع العرب قيل: شبيب، قطري، فلان، فلان، فقال: إن أشجع العرب لرجل ولي العراقين خمس سنين، فأصاب ألف ألف، وألف ألف، وألف ألف، وتزوج سكينة بنت الحسين، وعائشة بنت طلحة، وأمة الحميد بنت عبد الله بن عامر بن كريز، وأمه رباب بنت أنيف الكلبي، وأعطي الأمان، فأبى ومشى بسيفه حتى مات، ذاك مصعب بن الزبير. وروى أبو بكر بن عياش، عن عبد الملك بن عمير قال: دخلت القصر بالكوفة، فإذا رأس الحسين بين يدي عبيد الله بن زياد، ثم دخلت القصر بالكوفة، فإذا رأس عبيد الله بين يدي المختار، ثم دخلت القصر، فإذا رأس المختار بين يدي مصعب بن الزبير، ثم دخلت بعد، فرأيت رأس مصعب بين يدي عبد الملك بن مروان. وعن عامر بن عبد الله بن الزبير، قال: قتل مصعب يوم الخميس، النصف من جمادى الأولى سنة اثنتين وسبعين. وقال غيره: قتل وله أربعون سنة. ولابن قيس الرقيات يرثيه:
(إن الرزية يوم مس .......... كن والمصيبة والفجيعه)

(بابن الحواري الذي .......... لم يعده يوم الوقيعه)

(غدرت به مضر العرا .......... ق وأمكنت منه ربيعه)

(فأصبت وترك يا ربي .......... ع وكنت سامعة مطيعه)

(يا لهف لو كانت له .......... بالدير يوم الدير شيعه)

(أو لم تخونوا عهده .......... أهل العراق بنو اللكيعه)

(5/527)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 528
(لوجدتموه حين يح .......... در لا يعرس بالمضيعه)

4 (معبد بن خالد الجهني)
أبو زرعة. له صحبة ورواية. كان صاحب لواء جهينة يوم الفتح، وكان ألزمهم للبادية. أخذ عن أبي بكر الصديق أيضاً. روى عنه: عمرو بن دينار، وغيره.) ولا رواية له في شيء من الكتب السنة. وعاش ثمانين سنة. توفي سنة اثنتين وسبعين. فأما معبد الجهني صاحب القدر فسيأتي.
4 (معدان بن أبي طلحة اليعمري الشامي.)

(5/528)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 529
قال ابن معين: أهل الشام يقولون: معدان بن طلحة، وهم أثبت فيه. وثقه أحمد العجلي وغيره. روى عن: عمر، وأبي الدرداء، وثوبان. روى عنه: الوليد بن هشام المعيطي والسائب بن حبيش الكلاعي، وسالم بن أبي الجعد، ويعيش بن الوليد، وغيرهم. ذكره أبو زرعة في الطبقة التي تلي الصحابة.
4 (المنذر بن الجارود العبدي)
من وجوه أهل البصرة. ولي إمرة اصطخر لعلي رضي الله عنه، ووفد على معاوية، ثم ولي السند من قبل عبيد الله بن زياد. يقال إنه قتل في زمن الحجاج. وقال ابن إسحاق: قدم الجارود بن عمرو بن حنش العبدي على النبي صلى الله عليه وسلم وكان نصرانياً. وقال غيره: للجارود صحبة. وقتل في خلافة عمر بفارس. كنية المنذر أبو الأشعث، ويقال أبو عتاب.

(5/529)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 530
حرف النون
4 (ناعم بن أجيل الهمداني المصري،)
مولى أم سلمة. سبي في الجاهلية فاشترته أم سلمة فأعتقته فروى عنها، وعن: علي، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو.) روى عنه: عبيد الله بن المغيرة، والأعرج، ويزيد بن أبي حبيب، وآخرون. وكان أحد الفقهاء بمصر. توفي سنة ثمانين.
4 (نافع مولى أم سلمة أيضاً من القدماء.)
روى عن أم سلمة في صحة صوم الجنب حديثاً تفرد به عنه عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.

(5/530)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 531
4 (نبيط بن شريط الأشجعي)
له صحبة ورواية. زوجه النبي صلى الله عليه وسلم فريعة بنت أسعد بن زرارة، وعاش دهراً. روى عنه: ابنه سلمة، ونعيم بن أبي هند، وأبو مالك الأشجعي سعد بن طارق.
4 (النزال بن سبرة الهلالي الكوفي.)

(5/531)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 532
روى عن: عثمان، وعلي، وابن مسعود. روى عنه: الشعبي، والضحاك بن مزاحم، وعبد الملك بن ميسرة، وإسماعيل بن رجاء الزبيدي. وثقه أحمد العجلي وغيره.

(5/532)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 533
4 (حرف الهاء)

4 (هرم بن حيان)
العبدي الربعي ويقال الأزدي البصري. روى عن: عمر. روى عنه: الحسن البصري، وغيره. وكان من سادة العباد، ولي بعض الحروب في أيام عمر وعثمان بأرض فارس. قال ابن سعد: كان عاملاً لعمر، وكان ثقة له فضل وعبادة. وقيل سمي هرماً لأنه بقي في بطن أمه سنتين حتى طلعت ثنيتاه.

(5/533)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 534
قال أبو عمران الجوني، عن هرم بن حيان أنه قال: إياكم والعالم الفاسق، فبلغ عمر، فكتب إليه وأشفق منها: ما العالم الفاسق فكتب: يا أمير المؤمنين ما أردت إلا الخير، يكون إمام يتكلم) بالعلم، ويعمل بالفسق، ويشبه على الناس فيضلوا. قلت: إنما أنكر عليه عمر أنهم لم يكونوا يعدون العالم إلا من عمل بعلمه. وروى الوليد بن هشام القحذمي، عن أبيه، عن جده، أن عثمان بن العاص وجه هرم بن حيان إلى قلعة فافتتحها عنوة. وقال الحسن البصري: خرج هرم وعبد الله بن عامر بن كريز، فبينما رواحلهما ترعى إذ قال هرم: أيسرك أنك كنت هذه الشجرة قال: لا والله، لقد رزقني الله الإسلام، وإني لأرجو من ربي، فقال هرم: لكني والله لوددت أني كنت هذه الشجرة، فأكلتني هذه الناقة، ثم بعرتني، فاتخذت جلة، ولم أكابد الحساب، ويحك يا ابن عامر إني أخاف الداهية الكبرى. قال الحسن: كان والله أفقههما وأعلمهما بالله. وقال قتادة: كان هرم بن حيان يقول: ما أقبل عبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم. وقال صالح المري: قال هرم: صاحب الكلام على إحدى منزلتين، إن قصر فيه خصم، وإن أغرق فيه أثم. وقال قتادة: قال هرم: ما رأيت كالنار نام هاربها، ولا كالجنة نام طالبها.

(5/534)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 535
وقال الحسن: مات هرم بن حيان في يوم صائف، فلما دفن جاءت سحابة قدر قبره فرشته ثم انصرفت. وقال حميد بن هلال، وغيره: قيل لهرم: ألا توصي قال: قد صدقتني نفسي في الحياة وما لي شيء أوصي، ولكن أوصيكم بخواتيم سورة النحل. قال ابن عساكر: قدم هرم بن حيان دمشق في طلب أويس القرني.
4 (همام بن الحارث النخعي)
يروي عن، عمر: وعمار، والمقداد بن الأسود، وحذيفة وجماعة، روى عنه: إبراهيم النخعي، وسليمان بن يسار، ووبرة بن عبد الرحمن. وثقه يحيى بن معين. وقال ابن سعد: توفي زمن الحجاج. وقال حصين، عن إبراهيم النخعي: إن همام بن الحارث كان يدعو:

(5/535)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 536
اللهم اشفني من النوم) بالسير، وارزقني سهراً في طاعتك. فكان لا ينام إلا هنيهة وهو قاعد. وقال ابن الجوزي: كان الناس يتعلمون هديه وسمته، وكان طويل السهر، رحمة الله عليه.

(5/536)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 537
4 (حرف الياء)

4 (يحيى بن الحكم)
ابن أبي العاص بن أمية الأموي. روى: عن معاذ. روى عنه: سلمة بن أسامة. وولي المدينة لابن أخيه عبد الملك، ثم ولي حمص. قال الواقدي، عن بعض أصحابه قال: كان يحيى بن الحكم على المدينة، وكان فيه حمق فوفد على عبد الملك بلا إذن، فعزله. وذكر العتبي أن عبد الملك بن مروان قال: كيف لنا بمثل التي يقول فيها يحيى بن الحكم:
(هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة .......... لفاء غامضة العينين معطار)

(خوذ من الخفرات البيض لم يرها .......... بساحة الدار لا بعل ولا جار)

(5/537)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 538
وعن جنادة بن مروان، عن أبيه قال: قدم عبد الملك بن مروان حمص، فأمر بإسحاق بن الأشعث، فقتل صبراً، فتكلم أهل حمص فنودي: الصلاة جامعة وصعد المنبر. وقال: ما حديث بلغني عنكم يا أهل الكوفة فقام إليه عبد الرحمن بن ذي الكلاع فقال: يا أمير المؤمنين لسنا بأهل الكوفة، ولكنا الذين قاتلنا معك مصعب بن الزبير، وأنت تقول يومئذ: والله يا أهل حمص لأوسينكم ولو بما ترك مروان، وعليك يومئذ قباؤك الأصفر، فقال له رجل: اعزل عنا سفيهك يحيى بن الحكم. فقال: ارحل عن جوار القوم.
4 (يزيد بن الأسود الجرشي)
أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقدم الشام، وسكن بقرية زبدين في الغوطة، وله دار بداخل باب شرقي. قال سعيد بن عبد العزيز، عن يونس بن ميسرة قال: قلت ليزيد بن الأسود: يا أبا الأسود، كم أتى عليك قال: أدركت العزى تعبد في قرية قومي. وقال أبو إسحاق الفزاري، عن صفوان بن عمرو، عن أبي اليمانرجل تابعيعن يزيد بن) الأسود أنه قال لقومه: اكتبوا في الغزو، قالوا: قد

(5/538)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 539
كبرت قال: سبحان الله، اكتبوني فأين سوادي في المسلمين قالوا: أما إذا فعلت فأفطر وتقو على العدو، قال: ما كنت أراني أبقى حتى أعاتب في نفسي. والله لا أشبعها من طعام، ولا أوطئها من منام حتى تلحق بالذي خلقها. وقال أبو اليمان: ثنا صفوان، عن سليم بن عامر، إن السماء قحطت، فخرج معاوية وأهل دمشق يستسقون، فلما قعد معاوية على المنبر قال: أين يزيد بن الأسود الجرشي فناداه الناس، فأقبل يتخطى الناس، فأمره معاوية فصعد المنبر فقعد عند رجليه، فقال معاوية: اللهم إنا نستشفع إليك بخيرنا وأفضلنا، اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بيزيد بن الأسود، يا يزيد ارفع يديك إلى الله، فرفع يزيد يديه، ورفع الناس، فما كان بأوشك أن ثارت سحابة كأنها ترس، وهبت لها ريح فسقينا حتى كاد الناس أن لا يبلغوا منازلهم. وقال سعيد بن عبد العزيز، ويحيى بن أبي عمر السيباني وغيرهما، إن الضحاك بن قيس استسقى بيزيد بن الأسود، فما برحوا حتى سقوا. وقال سعيد بن عبد العزيز: إن عبد الملك لما خرج مصعب بن الزبير رحل معه يزيد بن الأسود، فلما التقوا قال: اللهم احجز بين هذين الجبلين، وول الأمر أحبهما إليك، فظفر عبد الملك. روى الحسن بن محمد بن بكار، عن أبي بكر عبد الله بن يزيد القرشي قال: حدثني بعض المشيخة أن يزيد بن الأسود الجرشي كان يسير هو

(5/539)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 540
ورجل في أرض الروم، فسمع منادياً يقول: يا يزيد إنك لمن المقربين، وإن صحبك لمن العابدين، وما نحن بكاذبين. قال علي بن الحسن بن عساكر الحافظ: بلغني أن يزيد بن الأسود كان يصلي العشاء الآخرة بمسجد دمشق، ويخرج إلى زبدين، فتضيء إبهامه اليمنى، فلا يزال يمشي في ضوئها حتى يبلغ زبدين. قلت: وقد حضره واثلة بن الأسقع عند الموت.
4 (يزيد بن شريك التيمي الكوفي،)
من تيم الرباب لا تيم قريش. روى عن: عمر، وعلي، وأبي ذر، وحذيفة. روى عنه: ابنه إبراهيم التيمي، وإبراهيم النخعي، والحكم بن عتبة، وغيرهم.) وثقه يحيى بن معين. محمد بن جحادة عن سليمان، عن إبراهيم التيمي قال: كان على أبي قميص من قطن، فقلت: يا أبه، لو لبست فقال: لقد قدمت البصرة، فأصبت آلافاً فما اكترثت بها فرحاً، ولا حدثت نفسي بالكره أيضاً، ولوددت أن كل لقمة طيبة أكلتها في فم أبغض الناس إلي، إني سمعت أبا الدرداء

(5/540)


تاريخ الإسلام للذهبي الجزء الخامس الصفحة 541
يقول: إن ذا الدرهمين يوم القيامة أشد حساباً من ذي الدرهم. سفيان الثوري، عن همام قال: لما قص إبراهيم التيمي أخرجه أبوه رحمه الله.
4 (يزيد بن عميرة الزبيدي،)
ويقال الكندي، ويقال السكسكي الحمصي. روى عن: أبي بكر، وعمر، ومعاذ بن جبل، وغيرهم. روى عنه: أبو إدريس الخولاني، وشهر بن حوشب، وأبو قلابة الجرمي، وعطية بن قيس، وغيرهم. وهو قليل الحديث. قال أحمد بن عبد الله العجلي: شامي ثقة من كبار التابعين. وقال أبو مسهر: أكبر أصحاب مالك بن يخامر وكان رأس القوم يزيد بن عميرة الزبيدي.